![]() |
وحيُ إبليس
صخب الباعة وضوضاء الناس يملآن سوق المدينة المكتظ بالبضائع والشائعات ،
منذ فترة طويلة لم يدخل الأماكن العامة. العيون ترمقه بخفية… ريح النميمة يعصف في تلك المدينة شعر بثقل تلك النظرات بكل وضوح ، قال أحدهم وهو يخاطب صديقه بصوت جهوري وبسمة ساخرة؛ - لا طهارة لثياب الرجال بعد دنس ردائهم الأثيري …كيف لهم لا يكترثون! صديقه: عجبت لهذا الزمان هل أوْشك أن يبلغ نهايته !؟ قريبا ستُخسف بنا الأرض … تسمّر في مكانه كانت محادثتهما أشدّ من لسع السياط و أمرّ من العلقم، كيف يمكن لإنسانٍ أن يتجرّع المرارة قسرا من خلال أُذنيه ، يتذوقها في لسانه وتصل للكبد مفتتة إيّاها… كيف يمكننا ألا نؤمن بالسِحر ، و سِحر الكلمات منه ما يدهش العقول و يصيب الأخر بالجنون ومنه ما يقتله ومنه ما يحرّض الشخص على أن يستلب أمانة الرب من جسد الأخر… هل للكلمات طعم ، كيف يمكن لبعض العبارات أن تكون أحلى من الشهد و أخرى أمرُّ من الحنظل ..؟! كأَنّ الوحي نزل عليه بأمرٍ عاجل… أتى إليه بالصوت والصورة - مرر اللقطات من أمام عينيه كمقطع ترويجي للأفلام … تذكر وقوفها الطويل عند شبّاك غرفتها ، صفناتها المتكررة ،عند ما تصب الشاي لأبيها وعلى حين غرّة يفيض من القدح ، حمامة الزاجل ، تلك الليلة التي خرج "الرسول" من بيتهم صِفر اليدين ، خائبا، بعد ما نَهروه . كان يريد أن يجمع بين قَلبين… ولكن أبى الأب إلا أن يجمع بين جسدين باردين! كل تلك الصور أتى بها إبليس دفعة واحدة… سمع صوتا جليا :أمض وأزل تلك البقعة السوداء من ردائك! انصَرف من السوق وقد استعرت نار الحمية في صدره و استيقظت كل خلايا الجاهلية في رأسه وعصفت الرمال في خياله… لم يعد يرى إلا السواد… قد حَزم رأيه ليحسم الأمر… وينهي القال والقيل ويخمد غبار الشائعات بالدم… انطلق كالسهم من الوتر نحو البيت ،أخذ خنجره ودخل غرفتها سحبها من السرير و جرّها من شعرها الطويل… قادها سحلًا نحو الشط… توقف الزمان لحظة، كان نعيق الغراب أبلغ من سجع الحمام… عدستا البومة كانتا توثقان ذلك المشهد المخيف… البلابل هرعت والهدهد خفق بجناحيه نحو السماء يريد أن يخبر من؟ وقد فات الأوان ! رماها على ضفاف النهر ،تلّها للجبين و جثم فوقها… "كانت تنتظر أن يفديها أحدٌ بذبحٍ عظيم" يا لها من أمنية مستحيلة… ساح دمها في الماء ورسم الشفق- خضّب طحالب الضفاف . ..حطّت حمامة الزاجل مسحت جناحها بحبر نحرها وشهقت إلى السماء… قد التقى الكحل والدم والطين وعرق جبين الجلاد. أنهى مهمّته ،وقف منتصبا منتصرا بدشداشة ملطخة، شطر قبلة إبليس… -هل غسلتُ العار يا سيدي ؟ قهقه إبليس عاليا ؛ وهل من مزيد!؟ حكيم الحويزي الأهواز |
رد: وحيُ إبليس
أسلوبك رائع أخي ويشد القارئ إلى رحابه بشدة
الغموض الذي يلف القصة سحرني ولكنه لم يشف تعطشي لمعرفة بعض التفاصيل تحياتي لقلمك المبدع |
رد: وحيُ إبليس
نص أدبي حيك ببراعة ويلقي الضوء بعمق على هذا الجانب المظلم من حياة الناس...
جرائم الشرف حقيقة مؤلمة ... ولكن ما يؤلم النفس اكثر هو ان لكلام الناس و لمكائد ابليس اللعين يد كبرى في كل تلك المآسي... اشكرك اخي على هذه الحروف المتميزة و الهادفة... بورك لك في قلمك تحية ابو الفضل |
رد: وحيُ إبليس
اقتباس:
خالص الود والإمتنان🌹🌹 |
رد: وحيُ إبليس
اقتباس:
شكرا لمروركم الطيب وقراءة قصتي المتواضعة .نعم بالفعل كما تفضلتم 🌹 |
رد: وحيُ إبليس
أنت قاص بارع فما هذا الأسلوب الذي يشد القارئ ولا ينفلت منه سوى في آخر السطور ؟! هذا فعل الشيطان اللهم أعذنا منه شكراً لك على هذه القصة أخي حكيم |
رد: وحيُ إبليس
اقتباس:
|
الساعة الآن 01:54 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.