منتديات منابر ثقافية

رصاصة عيد

أصبح أهل القرية ينتظرون موت الرجل ، سئموا من نصائحه التي تشبه نصائح العجائز ،مات كل من شق معه عباب الماء وغنى معه مواويل البحر بصوته الـخشن ، وجدوه مرة يمشي بالقرب من سور الجبانة ، قال أحدهم : لعل الأموات اشتاقوا إليه ودعوه إليهم ، لكنهم وجدوه في اليوم التالي يجلس عند عتبة بيته الطيني القديم وحيدا ، فقد شيع في العام الماضي زوجته الذي لم يرزق منها بأولاد ، كان يسرج الفوانيس في كل شهر رمضان ويعلقها على باب بيته ، يفطر على الخبز ومرق اللحم ، وبضع تميرات وقهوة سوداء ...ذات مساء وقد كان أهل القرية ينتظرون بزوغ هلال العيد...كان يتحرّونه شوقا ؛علقوا ثياب العيد في دوالبيهم ، وحلوى العيد وضعت على الأطباق والخراف تنتظر مدية القصّاب... طال انتظارهم للهلال الذي لم يبزغ بعد، فجأة سمع أهل القرية صراخ الرجل مشيرا بسبابته إلى السماء: لقد مرّ الهلال من هنا ولكنكم لم تظفروا به ، سيذهب عيدكم وأنت تجلسون هنا كالحمقى ثم قال لهم : ستموتون كلكم ، غدا سيتحول هذا البحر إلى أرض مالحة وهذه النخيل إلى أعجاز خاوية...غدا ستملؤون جيوبكم طينا في وضح النهار...

ضحكوا عليه قالوا أنه مجنون...تمضي قطع الليل ، ولم يسمعوا بعد ببشرى العيد.قال لهم : الهلال ليس بالونا يطير ولا هو بمنجل ينغرس على أرض حقلي الصغير...
سيفوتكم العيد ، أنتم الخراف التي سيراق دمهما للعيد غدا ...أفرحوا بعيدكم قبل أن يأفل...لن يأتيكم الخبر وقد تنامون نوم أهل الكهف وستظل ثياب العيد معلقة في دواليبكم ...فهم لن يخبروكم بالعيد ولا يريدونكم أن تفرحوا بالعيد...
في الفجر استيقظ أهل القرية ، لم يجدوا ثياب العيد في دواليبهم ،حتى الحلوى ظنوا أن الفئران أكلتها وقد أصبتهم الحيرى من الأمر الذين هم فيه، وكانت المفاجأة عن سمعوا بنبأ موت الرجل ، لا أحد يعرف متى مات وكيف، وجدوه ملقى في الطريق والدماء تغطي جسده وقد فارقة روحه الحياة بعضهم قال أنه قد قتل وبعضهم قال أنه انتحر، شيّعوه في موكب حزين...ألحدوه قبره وأهالوا عليه التراب ، بينما هم مجتمعين حول قبره ، صاح أحد الحاضرين من بينهم وكانت السماء ما بين الظلام والنور ، مشيرا إلى السماء ، حدّقوا كلهم للأعلى ،فقد كان هلال العيد قريبا منهم كأنه يلامس أعالي بيوتهم الطينية.

2012م /1433هـ