منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   حق الاختلاف (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=29212)

ياسَمِين الْحُمود 10-12-2021 06:53 PM

حق الاختلاف
 
لكل زمان أوهامه التي يبتدعها أناس وصلوا إلى حافة اليأس، بعد نضال مرير لا جدوى منه، أو أناس ارتاحوا إلى الكسل، وآثروا أن يعلقوا أخطاءهم على مشاجب الآخرين، أو أرادوا أن يحملوا أوزارهم إلى من يتوهمون أنه يخلصهم من الآثام التي اقترفوها…
بداية لابد من القول كما ذكرت في مكان ما ، أن الاختلاف حق مشروع، وهو مبدأ الحياة وأساسها، فلولا الاختلاف لما كان هناك تطور للحياة، بل لما كان لها استمرار
فاختلاف الجبل - مثلا- في ارتفاعه عن الأرض المنبسطة وعن الوديان، يساعد على تحريك الرياح، ودفعها وتغيير درجات الحرارة، وتدفق السيول، وجريان الأنهار، وما يتبع ذلك كله من سلسلة من أشكال الاختلاف والتغير، ومثل ذلك اختلاف الليل والنهار، والصيف والشتاء، واليابسة والبحار، والذكر والأنثى في الكائنات كلها من حيوان ونبات وإنسان، وقد أكّد ذلك كله الكثير من الآيات القرآنية الكريمة …
ولولا الاختلاف لما تطورت العلوم والنظريات ولظل كل شيء ساكنًا على ما هو عليه، ولفسدت الحياة، ومن ذلك مثلا اختلاف أرسطو عن أستاذه أفلاطون، فقد كان الأستاذ صاحب فلسفة مثالية، تقول بأن المعرفة تنبع من الذات في تأملها، كما تقول بأن الفنون والآداب هي محاكاة للواقع الذي هو محاكاة للمثال، وقد خالفه التلميذ فقال: بأن المعرفة تنبع من الواقع من خلال البحث فيه والتجريب، وبأن الفنون هي محاكاة لواقع، دون النظر إلى المثال، أو التفكير فيه، ومثلهما في الاختلاف ( هيغل) وماركس، فقد كان هيغل فيلسوفًا مثاليًا قال بتأثير الفكر للواقع، واختلف عنه ماركس فقلب المقولة، وجعل الواقع المادي هو الأول وقال بتأثيره في الفكر …
وفي عالم الآداب والفنون كانت الكلاسيكية في القرن السابع عشر هي المسيطرة على الآداب ولا سيما في فرنسا، وهي تقول بسيطرة العقل والبعد عن العاطفة والخيال، وتؤكد ضرورة وحدة النوع الأدبي، فلا يجوز مزج المأساوي بالملهاوي، وتدعو إلى التأنق في الأسلوب وكان من أبرز أعلامها في المسرح ( كورني) وراسين ، وجاءت من بعدها الرومانتيكية لتختلف عنها الاختلاف كله، فتنادى بالخيال المجنح، وجموح العاطفة، والانطلاق في رحاب الطبيعة الجميلة، بدلا من تقليد الآداب والفنون القديمة على نحو ما نادت الكلاسيكية…
ومن ذلك أيضا اختلاف يونغ عن أستاذه فرويد ، فقد قال فرويد باللاشعور الفردي، وجعل الليبيدو مقتصرًا على الدافع الجنسي وبه فسر التاريخ والعبقريات، وخالفه يونغ فقال بالاشعور الجمعي ووسع من مفهوم الليبيدو وجعله شاملا لأشكال مختلفة من اللذة، الجنس أحدها …
والأمثلة بعد ذلك على الاختلاف في العلوم والآداب والتاريخ والفلسفة كثيرة لا حصر لها ، هي التي تشكل في الواقع تاريخ تطور الفكر الإنساني…

ولكن ما طبيعة الاختلاف؟ وما دوافعه ؟ وكيف يكون ؟ وما أنواعه؟ وهل هو بنّاء دائمًا ؟
ومن الأسئلة التي طُرحت عليّ من قبل إحداهن …

إن لدى الذات الفردية دائمًا دافعين مختلفين، الأول دافع الاتفاق مع الآخر، والثاني دافع الاختلاف معه، وكلا الدافعان موجودان، وهما في حالة من الصراع الدائم، فالفرد يميل أحيانا إلى الاتفاق مع الآخر، كي يشعر بالانسجام مع الواقع الذي حوله والاتفاق معه، وهو شعور يمنحه الإحساس بالطمأنينة والراحة ، ويدرك أنه ليس وحده، وأنه قوىٌّ بالآخرين…

والفرد هو نفسه يميل أحيانًا إلى الاختلاف مع الآخر، كي يشعر بذاته، ويحس أن لديه وجوده الخاص به، وأنه مستقل عن الآخرين، وأنه ذو كيان متكامل، وهو إحساس يمنحه الشعور بالفخر والعزة والزهو، ومن هوا يأتي الفرد بأفعال ترضي الآخرين، كي يمنحوه حس الانتماء إليهم، والارتباط بهم، ويشعر نحوهم بالولاء، فيطمئن ويرتاح، وهو نفسه يأتي بأفعال تثير غضب الآخرين، ونقمتهم، كي يشعر بالتميز عنهم والاختلاف وهو شعور يثير لديه الإحساس بالعظمة والعبقرية …

ولربما طغى أحد الدافعين على الآخر، وبرز أكثر منه في بعض الأفراد، كطغيان دافع الاختلاف عند شخصيات الأدباء والشعراء والفنانين والعباقرة المبدعين…
مثال على ذلك طرفة بن العبد في العصر الجاهلي، فقد ثار على قبيلته، ورفض عاداتها، وكان له تفرده، وكان يسره ذلك التفرد، ويفخر به، ومن ذلك قوله :

ومازال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وإنفاقي غطريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت إفراد البعير المعبد


ومن ذلك أيضا المتنبي الذي كان يبحث عما هو غريب ونادر في لهجات القبائل العربية، فيبني عليها شعره، حتى يشغل به الناس،. هو يعي ذلك، ويفخر به فيقول :


أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرَّاها ويختصمُ

عبد الكريم الزين 10-12-2021 08:21 PM

رد: حق الاختلاف
 
الاختلاف سمة طبع الله عز وجل البشر عليها، وجعلها مما تصلح به أمور معاشهم وعمارتهم للأرض، يقول ابن القيم : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم "
وقد يصبح مذموما إذا أدى إلى الفرقة والتباغض، وتسبب في وقوع المفاسد.

ولم يعرف التاريخ أكثر تسامحا مع المختلف من الأمة الإسلامية، بل إن الاختلاف في رحابها شمل المسائل والفتاوى الدينية، إن كانت مبنية على دليل وأصل صحيح.

وقد روت لنا كتب التاريخ مواقف عديدة، تبرز بوضوح تعامل السلف في مسائل مختلف عليها، كما حدث بين الصحابة يوم السقيفة يوم اجتماعهم لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلافهم في الدخول لأرض وقع بها الطاعون.

وكذلك حين أراد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على موطأ الإمام مالك، فرفض إيمانًا منه باختلاف العلماء وآرائهم الفقهية في شتى أمصار الدولة الإسلامية، فرجع الخليفة عن موقفه بسبب هذا الموقف الرفيع من الإمام في احترام رأي المخالف وإفساح المجال له.
والأمثلة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

جزيل الشكر لأستاذتنا ياسمين على مقالها الرائع
وبارك الله جهودها الطيبة في زرع ثقافة التسامح

باقات ورد وود:31:

حمزه حسين 10-12-2021 09:17 PM

رد: حق الاختلاف
 
راااااائع دكتورة

فالاختلاف فلسفة مهمة في حياة الفرد يستمد منها الكثير
بعكس الخلاف الذي قد يجر إلى المحاذير

أحسنت

تحياتي الكثيرة

محمد أبو الفضل سحبان 10-12-2021 10:38 PM

رد: حق الاختلاف
 
تحية طيبة أستاذتنا القديرة ياسمين ..
على هامش هذا الموضوع هناك طريفة تحكى وهي عبارة عن حوار بين شخصين أ وب..
ب: أراك لا تشيخ ولا تهرم ؟؟ كيف ؟؟
أ : أنا لا أنفعل ولا أتعصب و لا أجادل أحدا ،فإذا قال لي أحدهم إن الحائط الذي أمامنا أسود وهو أبيض قلت له : معك حق ..هو كما قلت
ب : ولكن هذا لا يمكن
أ : نعم لا يمكن...!!! ثم انسحب..!!!
الاختلاف من السنن الكونية، وفي عالم الفكر ، يظل علم المنطق العلم الوحيد و الفيصل في تمييز الأفكار الباطلة من الصحيحة ..والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة" بما معناه أن الإجماع على الحق يغلب التعصب للرأي الباطل والشاذ.
موضوع رائع وقد استفدت واستمتعت حقا بقراءته ..
تقديري لقلم مائز كقلمك .
:30:

عبدالعزيز صلاح الظاهري 10-13-2021 11:52 AM

رد: حق الاختلاف
 
الاختلاف والتنوع موجود لحكمة إلهية قال تعالى:
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22) الروم
وهذا الاختلاف سيكون مفيد لو تأملنا هذه الآية
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات 13
أخيرا: الاختلاف موجود ويستفيد منه الانسان حسب ميوله وفكره

تقبلي تحياتي الاخت ياسمين

منى الحريزي 10-18-2021 04:39 AM

رد: حق الاختلاف
 
هل سيكون أي حوار أو نقاش بذات الفائدة ومتعة الاكتشاف دون هذا العنصر القيم ؟!

ربما دون اختلاف لأصبحت الكثير من الأحاديث مملة ... !


ودي :31:

ياسَمِين الْحُمود 10-18-2021 07:00 AM

رد: حق الاختلاف
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم الزين (المشاركة 317172)
الاختلاف سمة طبع الله عز وجل البشر عليها، وجعلها مما تصلح به أمور معاشهم وعمارتهم للأرض، يقول ابن القيم : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم "
وقد يصبح مذموما إذا أدى إلى الفرقة والتباغض، وتسبب في وقوع المفاسد.

ولم يعرف التاريخ أكثر تسامحا مع المختلف من الأمة الإسلامية، بل إن الاختلاف في رحابها شمل المسائل والفتاوى الدينية، إن كانت مبنية على دليل وأصل صحيح.

وقد روت لنا كتب التاريخ مواقف عديدة، تبرز بوضوح تعامل السلف في مسائل مختلف عليها، كما حدث بين الصحابة يوم السقيفة يوم اجتماعهم لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلافهم في الدخول لأرض وقع بها الطاعون.

وكذلك حين أراد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على موطأ الإمام مالك، فرفض إيمانًا منه باختلاف العلماء وآرائهم الفقهية في شتى أمصار الدولة الإسلامية، فرجع الخليفة عن موقفه بسبب هذا الموقف الرفيع من الإمام في احترام رأي المخالف وإفساح المجال له.
والأمثلة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

جزيل الشكر لأستاذتنا ياسمين على مقالها الرائع
وبارك الله جهودها الطيبة في زرع ثقافة التسامح

باقات ورد وود:31:


راق لي جدا إضافتك المثرية
تقديري وشكري الجزيل لتعقيبك الرائع
دمت بكل خير :43:

زينة حسين 10-18-2021 07:16 AM

رد: حق الاختلاف
 
شكرا أستاذة ياسمين لسرعة استجابتك
اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية عبارةً شائعة الاستعمال والتي لا أعلم ولا حتى من عممها فالبعض يقولها وهم خائفين كي لا يغضبوا الآخرين ممن اختلفوا معهم خاصة مع من يرتبطون معهم بعلاقة طيبة
والبعض يتعمد ويصر على عكس الرأي الآخر في نفوسهم
أكرر شكري على كل ما تصنعينه من أجل الارتقاء بهذا الموقع

ياسَمِين الْحُمود 10-18-2021 07:20 AM

رد: حق الاختلاف
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمزه حسين (المشاركة 317176)
راااااائع دكتورة

فالاختلاف فلسفة مهمة في حياة الفرد يستمد منها الكثير
بعكس الخلاف الذي قد يجر إلى المحاذير

أحسنت

تحياتي الكثيرة

اللهم ابعد عنا المحاذير التي تؤدي إلى الرذيلة الحوارية
ليصبحوا مجرد قوافل ردود وقذف على كل من يتحرك لمجرد خلاف في الرأي
شكرا أخي حمزة :31:

ياسَمِين الْحُمود 10-18-2021 07:22 AM

رد: حق الاختلاف
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد أبو الفضل سحبان (المشاركة 317179)
تحية طيبة أستاذتنا القديرة ياسمين ..
على هامش هذا الموضوع هناك طريفة تحكى وهي عبارة عن حوار بين شخصين أ وب..
ب: أراك لا تشيخ ولا تهرم ؟؟ كيف ؟؟
أ : أنا لا أنفعل ولا أتعصب و لا أجادل أحدا ،فإذا قال لي أحدهم إن الحائط الذي أمامنا أسود وهو أبيض قلت له : معك حق ..هو كما قلت
ب : ولكن هذا لا يمكن
أ : نعم لا يمكن...!!! ثم انسحب..!!!
الاختلاف من السنن الكونية، وفي عالم الفكر ، يظل علم المنطق العلم الوحيد و الفيصل في تمييز الأفكار الباطلة من الصحيحة ..والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة" بما معناه أن الإجماع على الحق يغلب التعصب للرأي الباطل والشاذ.
موضوع رائع وقد استفدت واستمتعت حقا بقراءته ..
تقديري لقلم مائز كقلمك .
:30:

اختلاف الآراء أمر طبيعي بين البشر
ويحدث حتى في منازلنا،. هي من السنن التي أرادها الله
في كونه لخير البشرية لا لشقائها …
مرور أنتظره دائما من فكرٍ راقٍ :30:


الساعة الآن 04:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team