|
" قرص الزلابيا " ق ق
"قرص الزلابيا"
استيقظ في الصباح الباكر فرحا بما ظل طوال الليلة الماضية يخطط له قبل نومه وهو يشحذ كل حواسه لتنفيذ ما ظل يتمناه طوال ليلته الماضية ... قام مراد بغسل وجهه بسرعة من ذلك الوعاء الذي ليس به سوى القليل من الماء الذي يقطر من صنبور يعلوه الصدأ ثم يتجه للبس ذلك الحذاء الرياضي الرخيص من قماش والذي اصبح ممزقا لانه قد كان مع اخيه صابر وحين ضاق على قدمه تركه لمراد وصابر ايضا اخذه عن ابن الجيران الذي كان يبدل في كل شهر حذاء جديدا... ولم يكن هناك شيء آخر ليبدله مراد فملابسه التي ينام بها هي نفسها التي سيذهب بها إلى المدرسة .. ولكن قبل الذهاب إلى المدرسة لابد من الذهاب إلى حيث كان يخطط ويتمنى طوال الليل فقد استطاع بعد عدة أيام من مشاركة صديقه مازن طعام الافطار من إدخار مبلغ صغير لشراء ما يحلم به منذ اسابيع فمازال طعم قرص الزلابيا اللذيذ لم يفارق مخيلته منذ احضر مازن معه قرص في احد الأيام واعطاه قطعة صغيرة منها ... ويجب أن يظفر بها اليوم فقال بسرعة امي اعطيني مصروف اليوم فأعطته مصروفه الضئيل الذي أخذه بكل قناعة فهو يعرف أنه سابع اخوته والجميع يدرس وبحاجة للمصروف ولكن هذا المبلغ بجانب المبلغ المدخر سيأمن له شراء قرصين زلابية وستكون وجبة تليق بأيام الإنتظار والتمني... انطلق سريعا وهو يصيح سأعود سريعا فقالت لقد نسيت الحقيبة فقال سأعود بسرعة.. انطلق حتى وصل إلى طرف السوق حيث كان هناك رجل في بداية الخمسينات وهو يجلس على كرسيه و أمامه وعاء كبير فيه زيت كثير والنار من تحته ووعاء بجانبه فيه عجينة الدقيق الذي يأخذ منه ويشكل أقراص الزلابيه ويضعها في الزيت وهو يتطاير بشكل كبير قد يؤذي من يقف بجواره مباشرة ولكن مراد لشدة لهفته وقف بجانبه مباشرة وهو يعطيه المال بحماسة ويقول اريد قرصي زلابية ياعم عبده فأخذ المال منه سريعا ثم دفعه قليلا بيده وهو يقول ابعد قليلا يابني فقد يؤذيك الزيت وليس لديا القدرة على تحمل تكاليف علاجك .. فأبتعد مراد قليلا وهو ينتظر بفارغ الصبر... ازدحم المكان بالمشترين وصار مراد يبتعد بفعل تدافع الآخرين وكان العم عبده يعطي الآخرين أقراص الزلابيه دون أن يعطي مراد طلبه فظن مراد أن العم عبده نسيه فأقترب منه مرة أخرى وقال قرصي الزلابيه ياعم عبده فنظر إليه وقال حسنا ياولدي سوف أعطي الجميع ألا ترى الزحام !! أنتظر دورك... فقال مراد بصوت لم يسمعه هو حتى: لقد جاء دوري فعلا .. ثم عاد وصمت وهو ينتظر بفارغ الصبر لدوره حتى جاءت موجة زحام أخرى فطال الإنتظار فأقترب مرة أخرى وقال عم عبده اريد قرصي الزلابيه فنظر إليه وقال حسنا ياولدي هل أعطيتني المال فقال مراد طبعا فالمال بحوزتك فنظر إليه عم عبده بنظرة شك ثم قال حسنا... ووضع وصلة العجين في الزيت وتطاير الزيت بشدة فتراجع مراد وهو يحمي وجهه بيديه الصغيرتين فجاء ناس كثر للشراء ودفعوا بمراد إلى الخلف وهو في إنتظار دوره الذي لم يأتي .. فتحولت اللهفة إلى اقراص الزلابيه اللذيذة إلى قلق فقد تأخر الوقت جدا وقد بدأ طابور الصباح في المدرسة ولم يعد مراد يملك وقتا للإنتظار .. فأقترب ليكلم عم عبده ففوجئ به بعد أن تفرق الناس وهو يجمع اوعيته ويغادر المكان بسرعة دون أن يلتفت إليه أو يعطيه اقراص الزلابيه ... أحس مراد بخيبة الأمل ولم يكلم العم عبده حتى عن المال لم يكن يدري لماذا تملكه الشعور بالخوف وهو يغادر المكان يجر أذيال الخيبة ... لم يحصل على اقراص الزلابيه ولم يعد حتى بالمال كان يشعر بخيبة أمل لاحد لها وكان يحس بمرارة لاتوصف عاد وهو يحبس دموعه التي لايحب أن يراها أحد حتى لايشعر بالضعف فقالت له أمه لقد تأخرت كثيرا اين كنت فقال لقد ذهبت لشراء الزلابيه فقالت أمه اين هي فخاف من أخبارها بالحقيقة فقال لقد أكلته في الطريق فقالت حسنا خذ الحقيبة فأخذ حقيبته التي كانت من قماش وقد تمزقت من أطرافها وخرج مسرعا وهو يمسح دموعه ويعاهد نفسه أنه لن يتمنى شيئا أبدا فكلما تمنى شيء لايحصل عليه ... |
رد: " قرص الزلابيا " ق ق
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ صدق المتنبي في قوله، رغم أن الأمنيات هي ما تحلو به الحياة خيبة الطفل الصغير الحالم بأقراص الزلابيه قد تجسد مأساة المواطن البسيط المقهور في علاقته بواقع صعب يحرمه من أبسط الأمنيات تحياتي وتقديري أستاذ علي |
رد: " قرص الزلابيا " ق ق
اقتباس:
اخي العزيز عبدالكريم الزين على جميل حضورك لك خالص التقدير ... |
رد: " قرص الزلابيا " ق ق
نص بديع لغة ومعنى .. تصوير فني عميق لهذه الدراما الواقعية ..
كل التقدير أستاذنا المبدع علي الحريزي .. |
رد: " قرص الزلابيا " ق ق
اقتباس:
استاذ محمد لك خالص التقدير |
رد: " قرص الزلابيا " ق ق
لو أنّه قدّم الواقعَ المُتاحَ على الحُلُمِ لحظيَ بفرصةٍ أخرى، ولكنّ الحالمَ لا يعبأُ بالواقعِ وإنّما بفرُّ إلى الأحلامِ هرباً من قسوتهِ. ولو أنّ حلمهُ تحقّقَ وحصل على المُرادِ لأصبح المُرادُ واقعاً قد يدفعُ الحالِمَ إلى الفَرارِ من جديدٍ إلى حلمٍ آخرَ أكثرَ إثارةً.
نص بديع، أجدتَ السّردْ تحياتي واحترامي |
رد: " قرص الزلابيا " ق ق
اقتباس:
سلمك الله استاذ موسى لك خالص التقدير |
| الساعة الآن 01:43 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.