منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   تعلم كيف تعود الى الله (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=121)

محمد جاد الزغبي 08-06-2010 01:01 PM

تعلم كيف تعود الى الله
 
العودة الى الله .. !!!
وهل نحن نرحل بعيدا عنه أو نولى حتى نعود يا ترى .. ؟!
نعم ..
كثيرا ما يحدث للأسف ..
كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام
"- كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى . قالوا : يا رسول الله ، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى . البخاري

كلٌ يدخل الجنه الا من أبي
وما يأبي الا الخاسرون

الرحيل
تأخذنا الحوادث وثقال الأمور فى الدنيا ..
فنلهو عن حقيقة أننا أمة أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام ..
أمه خصها الله تعالى .. بميزات تمناها كل المرسلين .. عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم ..
" كنتم خير أمة أخرجت للناس .. تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر "
صدق الله العظيم
خصنا الله تعالى بأننا الأمة التى نالت شرف البعث المحمدى ..
وخصنا بأننا الأقرب الى رحمته .. وغفرانه
جعل للجنه ألاف الأبواب نصل بها اليها
وأغلق النار أمامنا الا من باب واحد ..
الشرك به والعياذ بالله تعالى ..
أفرد لنا من أبواب الجزاء ما لا يحصي عددا ولا يفنى بددا
وجعل لنا من سبل النجاة والقرب منه .. عشرات ومئات السبل
كلها أهون عملا من بعضها البعض
وكلها أثقل من بعضها البعض فى خير الجزاء
جعل لنا التوحيد سبيلا للنجاة مهما طال العذاب
وجعل لنا حب رسوله عليه الصلاة والسلام طاعه مقربة
وجعل لنا القرءان شفاء .. من كل داء ..
والصلاة دعاء ..
جعل الصوم جـُـنه من كل فتنه
وجعل الزكاة أمانا لعباده من شر البلايا
وجعل الحج الى بيته الحرام عودٌ مأمول الى يوم مقدمنا الى الدنيا فارغى الكتاب من الذنوب
جعل لنا الطاعات جميعها .
سبلا للفوز فى الدنيا والآخرة
فالعلم شرف الدنيا .. ومقياس فوز الآخرة
والجهاد طريق التميز فى الدنيا وسبيل القرب منه تعالى فى الآخرة
جعل الهروب منه اليه ..
والنجاة منه اليه
علمنا بالقلم .. وأغدق بالنعم ..
فسبحانه من تفرد فى صفاته تفردا مطلقا ..
من دعانا لقرب منه ..
فطوبي لمن أجاب الدعاء

كيف نعود الى الله
عندما يفقد الانسان الطريق الحقيقي لهدفه فى الدنيا
أو يجهل قيمتها الدنيا .. والهدف منها فى الأساس تحت مختلف الدوافع ..

ثم تأت كلمة .. أو عبارة .. أو حادثة فردية .. أو شخص ما .

تكون الاشارة هنا ..
دافعا للحيرة .. والتفكير
والحيرة وعلى الرغم من قسوتها البالغه ..
الا أنها بداية طريق العودة

لكن وكيف نعود ؟!
الحيرة فى اجابة السؤال يغلفها الخوف الرهيب من أن نخطئ طريق النجاة ..
فالمسالك متشابكة .. والأكمة غير واضحة المعالم
ونحن سائرون يأخذنا الاضطراب

ولا طريق هنا الا العلم .. والاقتناع
العلم .. لأنه لا هدى بسواه
والاقتناع الروحى بما نسمعه من العلماء
كما قال الامام على بن أبي طالب رضي الله عنه
" استفت قلبك وان أفتوك "

ولكن يا ترى ..
هل كل القلوب كقلب بن أبي طالب !!

أزمة قلب أم أزمة عقل

من البلايا المزمنه التى تعانيها الأجيال الحالية من الحائرين اللاهثين خلف الاجابة
هى رهنهم الهداية والحق بالأشخاص لا بالعلم ..
ورهنهم للحق بالرجال
وتلك كارثة كبري ..
بسببها رأينا من أسلم نفسه لدعاة الافراط تارة .. والتفريط تارة أخرى
مع أن جوهر العقيدة الاسلامية بسيط الادراك على الرغم من تعقيده البالغ
وتلك هى معجزة الاسلام الحقيقية ..

فالعقيدة الاسلامية جاءت موسوعه شاملة لما يخص البشر
" ما فرطنا فى الكتاب من شيئ "
صدق الله العظيم ..
من بداية ادراك الخالق .. وحتى تسيير شئون الحياة ..

فلا حاجة بنا الى تعقيد ولا الى تجهيل أو افراط أو تعصب
فالاسلام معياره الحقيقي هو الوسطية وتعبر عن جوهره الأيات والأحاديث العملاقة التى اعتدنا سماعها لكن القليل منا من أنصت اليها

بسم اله الرحمن الرحيم
" أفلا ينظرون ... "
وما نظرنا ..

" أفلا يتدبرون القرءان .."
وما تدبرنا

جاء لنا الرسول عليه الصلاة والسلام بتلك الآيات التى تدعو لاعمال العقل فلا وجود للتعصب اذا .. فكل شيئ مطروح ..
بسم الله الرحمن الرحيم
" فان اختلفتم فى شيئ فردوه الى الله والرسول "
صدق الله العظيم .

فتعالوا نتأمل ونستبصر ..
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ..
" بنى الاسلام على خمس ............... "

الى نهاية أشهر الأحاديث النبوية قاطبة ..
فكم منا سمعه ..!! ولكن كم ممن سمعوه تدبروا فى معانيه .؟!!
بنى الاسلام على خمس .,
اذا فالمعنى واضح .. فهذه هى أركان الاسلام وأساسه .. فأين الاسلام . أين مبناه اذا ..
وان كان الاسلام لا يصح الا بالأركان الخمسه ..
فهل تكفي تلك الأركان وحدها ومنفردة لاكتساب النجاة ..
كلا بالطبع ..
والا لما سمعنا عشرات الأدلة التى تعنى هذا القول ومنها ..
قول رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما معناه
" لا يدخلن الجنة نمام .. ولا قاطع رحم .. " ثم حديث آخر " ولا من قلبه مثقال ذرة من كبر "
ومن بيننا من يقوم ويقعد راكعا وساجدا والقلب منه فى فساد مقيم ..
لأن القلب ذاته محل النية لم يخلص لله تعالى ..

فالحديث الشريف الى تحدث عن الأركان .. أتمه الحديث الذى تحدث عن النية ..
وبه أتاح لنا الرسول عليه الصلاة والسلام معرفة الاسلام بدون لبس أو غموض
فحديث النية الذى ورد فيه " ولكل امرئ ما نوى "
رد أمر أنفسنا الى أنفسنا ..
وأن الاسلام يعتمد على الاخلاص .. والاخلاص سر غير مدرك الا لخالق الكون تعالى

وحتى ممارسة الأركان .. ان كانت قياما وقعودا ..
فقد انتهت مبررات القيام بها لانعدام فائدتها دون أدنى شك ..
وتعبر عن ذلك الأحاديث النبوية الشريفة فى اعجاز مبهر ..
" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له .. "
" رب صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش "
صدق رسول الانسانية عليه الصلاة والسلام
اذا هى نية النجاة .. تلك التى تحكم رغبة المرء حقا ..
فليس كل من عبر بلسانه عن رغبة النجاة بطالب لها أو ساع اليها
لكن ان لم تكن رغبته تلك أقرب اليه من حبل الوريد .. فلا رغبة ولا نية ..
كلنا قائل برغبته .. معبر عنها
لكن هل تعمقنا فى أنفسنا فأدركنا هدفنا حقا ..
أم أن الأمر لا يعدو الا كونه محاولة لارضاء الضمير وفقط ...

وتحضرنى قصة بالغه التعبير
جاء الى أحد العلماء ذات مرة .. رجل يطلب الى اليه أن يدله عن النوافل التى تكفل له رؤية رسول الله عليه الصلاة والسلام
فدله الفقيه على النوافل من صلاة وذكر ..
وبعد فترة أتاه الرجل شاكيا .. فدله على النوافل الأكبر وهكذا عدة مرات .,
حتى استغرب الفقيه من مثابرة الرجل وعدم ملاقاته للجزاء
فقال له ..
" اذهب الى بيتك وقم بتناول عشاء دسم وحار .. ولا تتناول شربة ماء احدة واخلد الى النوم بعدها
وعندما تستيقظ عد الى وقص على ما تلاقيه فى منامك "
ففعل الرجل ونام وهو على عطش شديد ..
وفى الصباح أتى للعالم وقال له ..
" قضيت ليلتى أحلم بحلم واحد لا يفارقنى .. وهو أنى أمر فى صحراء لاهبة أبحث عن الماء باستماته فلا أجده "

فتبسم الفقيه وقال له ..
" لو بت وشوقك الى رؤية رسول الله صلي الله عليه وسلم أكبر من شوقك للماء لرأيته " فتأملوا معى ..

عندما تكون النية غير مصدقة لما وقع من عمل .. فلا جزاء ولا فائدة ..

والعودة الى الله تعالى ..
لا تكون الا بذهن وروح غارقة فى الخشية والادراك لجلال الخالق وربوبيته المطلقة ..
فان صح وجود هذا بنية الانسان ..
فلا بأس عليه ولا خشية .

وأحد العلماء من ذوى البصيرة المتقدة ..
كان فى حلقات دروسه يبصر تلاميذه ويراقبهم بعين البديهه الحقة ..
فكان أن انتقي منهم وحدا فضله عن أقرانه وقربه اليه ..
ولم يشاهد أقرانه شيئا يفضل به زميلهم هذا حتى يقربه الامام
فلما أتوا الى أستاذهم شاكين تلك القربي فى غبطة طلاب العلم
تبسم وقال لهم ..
سأجعلكم تحكمون بأنفسكم ..
وأتى لكل منهم بدجاحة وسكين ...
وطلب اليهم جميعا أن يذهب كل منهم منفردا ويختبأ فى مكان لا تراه عين به قط ..
ويذبح الدجاجة ويأت بها اليه
وحذرهم تحذيرا قاسيا من أن مخالفة أوامره
فأطاعه جميع تلاميذه ..
وعاد كل منهم وقد ذبح الدجاجة الا هذا التلميذ النابغ المقرب
فسألهم الامام جميعا عن أماكن اختبائهم وهل رآهم من أحد فأجابوا جميعا بالنفي
وعندما أتى التلميذ النابغ .. سأله الامام ..
لماذا لم تذبح دجاجتك ؟!!

فقال له فى ايمان خاشع .. " بحثت حتى أرهقتنى الحيلة عن مكان لا يرانى به أحد فلم أجد مكانا لا يرانى به خالقي سبحانه وتعالى .. فأتيت "
فالتفت الامام لتلاميذه وقال
" هل عرفتم الآن لماذا تفوق عليكم ؟"

تلك هى المعضلة الحقة ...
اخلاص النية وادراك معية الله وقربه تعالى منا الى أقصي درجات القرب
وبعدها ..
لا خشية كما أسلفنا القول .. ولا خوف

كما قال الامام أبي الحسن الشاذلى عندما سؤل من تلميذه المقرب أبي العباس المرسي عن أى المناهج أصلح للمرء
التقشف والزهد أم التمتع بالأطايب
فأجاب سائلة فى حكمة بالغه ..
" يا أبا العباس .. اعرف الله وكن كيف تشاء "

نعم اعرف الله وكن كيف تشاء فحيثما كسبت عملا وجدت الله عنده

محمد جاد الزغبي 08-06-2010 01:04 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 

رأينا فى الجزء الأول من هذه الخواطر كيف أن أزمة العودة إلى الله تنقسم إلى أزمة عقل وأزمة قلب وأزمة ثالثة تجمع العنصرين معا

وعالجنا الأزمتين الأول .. وتبقت الثالثة لنعالجها ونقف عند قضيتها




أزمة الخط المستقيم


من أكبر الأزمات العقلية فى طريق العودة إلى الله هو محاولة العقل للعودة بغير إرشاد القلب ,
فما يغفل عنه الكثيرون أن الطريق إلى الله لا يسرع بالعاقل ولا يبطئ بالغبي الغافل بل يبطئ بالعاقل المتغافل
وبالعكس
فالعقل غالبا ما يكون طريقا للهلاك وهذا أمر طبيعى لأن العقل إذا سلك طريق التساؤل والعودة إلى الله طرح أمامه مفردات المادة والإدراك فى أمر يعوزه العجز للاعتراف بوجود خالق قادر منعم ومتفضل
ولذا فالمقولة الشهيرة أن الله تمت معرفته بالعقل تحتاج معها إضافة لتصبح قابلة للمنطق
فيكون الطريق بالعقل والقلب , فالقلب عماده المشاعر والأحاسيس وهو الذى يضيف لمحة التأثر المطلوبة لجمود العقل
فالعقل بلا قلب لا يعرف الخوف ولا يعرف الهيبة ولا يعرف العجز لأن مفردات العقل بطبيعتها تفجر الغرور الإنسانى فتدفعه للتساؤل بلا حدود وفى غياب التأثر القلبي يستمر التساؤل إلى ما لا نهاية رافضا أن يستكين لمفردات المنطق الإلهى طمعا فى منطق عقلي يقنعه
ولذلك ضل الملحدون وغيرهم الطريق عندما قالوا بعدم وجود إله وكيف يمكن أن يوجد إله لا يدركه بصر وفى هذا جاء القرآن الكريم مترجما لتلك الحقيقة , حقيقة أن العقل وحده لا يصلح حيث يقول عز وجل
[أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ] {الحج:46}

فالآية الكريمة جعلت الإدراك العقلي للقلب لا للعقل لأن العقل هو الطريق أو الوسيلة بينما المنفذ الفعلى هو القلب الذى يصدق أو يكذب النتائج
وقد تكرر مفهوم نسبة الإدراك للقلب لا العقل فى آيات القرآن الكريم مثال ذلك قوله تعالى
[أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] {محمد:24}
وضلال الملحدين والمنكرين لوجود الخالق يدحضه المنطق العقلي ذاته حيث أن مفردات العقل ذاتها تقود إلى أن وجود الإله فى محل الإدراك ينفي ألوهيته بطبيعة الحال ,
إذ أن هذا الكون الذى لم نعرف منه إلا جزء بسيطا من سمائه الدنيا يبلغ مقداره 13 مليار سنة ضوئية فى الاتساع ومثلها فى العمر ويبدو أمام الإدراك لغزا غير قابل للحل ,
كيف يمكن لخالقه أن يكون تحت بصر الإدراك ,, لو كانوا يفقهون ؟!

هم بهذه الطريقة مع أمثالهم من عبدة المذاهب البشرية هبطوا بقدرات العقل إلى دركها الأسفل فخرج منهم كما رأينا ملحدون ومشركون وصنف آخر أعجب وهم العلمانيون عندما وقفوا يدافعون عن قدرات العقل الإنسانى باعتباره يستطيع بالتطور أن يطور تشريعاته بما يتناسب والتقدم العلمى الهائل الذى يرونه أمامهم ويعبرون عن ذلك بأن الدنيا أصبحت قرية صغيرة مملوكة للقدرات الإنسانية
ولعمرى إنهم فى ضلالة ما بعدها ضلالة ومن أشد إعجاز القرآن آياته التى أخبرنا عن أمثالهم فى قوله تعالى
[حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] {يونس:24}
وقد كنت أتعجب من حماقة إبليس لعنه الله وهو يتحدى رب العالمين وهو يثق تمام الثقة بمصيره الذى أخبر عنه القرآن فإذا ببعض البشر أشد منه حماقة وهم يقرئون بأعينهم ولا يفقهون بقلوبهم هذا الوعيد المباشر الصريح بأن مصدر الهلاك الأعظم للبشرية عندما تأخذ الأرض زخرفها ويظن الغافلون أنهم قادرون عليها
ومما هو أغرب أن تلك العقول التى تتبجح بالعلم والإدراك والدفاع عن العقل تعجز عن ربط حقائق بسيطة تطرحها العقول والتجارب أمامهم وهم يرون بأعينهم هذا الكون الفريد الذى تشغل فيه شمسنا بمجموعتها حيزا أشبه بثقب إبرة فى هذا الكون الفسيح الذى لا زلت أدعو القارئ للتبصر فى جزء بسيط من سمائه الدنيا يبلغ اتساعه 13 مليار سنة ضوئية
أى حاصل ضرب 13000000000 × 12 × 365 × 24 × 60 × 60 كيلومتر

وتبلغ درجة حرارة الشمس فى قلبها حوالى 15 مليون درجة مئوية وعلى سطحها خمسة آلاف درجة لو نقصت هذه الدرجة بمقدار درجتين فقط , أى شيئ لا يذكر فهذا معناه بدء عصر جليدى على الأرض !
فأين هو مثال تلك القدرة على الضبط والإحكام ؟!
هذه الشمس بكل هذا المقدار الرهيب من الحرارة لا تستطيع أن تضيئ حول محيطها إلا ما مقداره 500 كيلومتر من صفحة السماء والباقي فى ظلمة حالكة ,
والأكثر إثارة للذهول أن هذا المقدار من الطاقة والحرارة يعتبر أشبه بقطعة الثلج أمام النجوم العملاقة التى تعتبر شمسنا أمامها من النجوم الباهتة حيث يبلغ مقدار طاقتها مليون مليون شمس فى الكويزرات العملاقة
فتخيلوا معى مقدار الطاقة المنبعثة من كامل نجوم السماء الدنيا وما علاها من سماوات ,
وتخيلوا السماوات السبع فى مجموعها بكل من فيها وما فيها عندما نستمع إلى أقوال المفسرين عن الكرسي الذى يستقر فوقه عرش الرحمن حيث وصف دنيانا بأنها إلى جوار الكرسي ـ لا العرش ـ كحلقة المغفر إذا ألقيت فى الصحراء وحلقة المغفر هى حلقة الحديد التى تربط بها الدواب
هذه الحقائق لو أننا وضعنا كوكب الأرض إلى جوارها ,,
ما الذى يمكن أن يساويه ؟!
فإذا وضعنا الإنسان إلى جوار كل هذا الهول ..
ما الذى يساويه ؟!
وهل يمكن بعد كل هذا أن نقبل تبجح القائلين برفض التشريع السماوى الداعين للمنهج العلمانى القائم على عدم صلاحية شريعة الله عز وجل لهذا العصر المتقدم ؟!
ولأن رب العزة لا يأخذنا بحماقاتنا فقد ترك لنا من الأدلة المبسوطة على حقارة شأن الدنيا وأهلها ـ إلا من أدرك واعتبر ـ عندما نلمح فى أطراف الأرض ألغازا تتحدى قدرة العلماء من سائر أقطار العالم وهم يقفون أمامها عاجزين عن النوم وعن الحل , والقائمة لا تؤذن بحصر حول النظام المفرط الدقة للأجرام السماوية وآثار ذلك على الأرض وما يحتشد من ألغاز علمية لا زالت رهن البحث من مئات الأعوام ككهوف تاسيلي وبوابات الشمس وأعماق المحيطات والآثار العلمية الحديثة التى يبلغ عمرها ما يزيد عن خمسة وثلاثين ألف عام هذا بالإضافة للقدرات التى تخرجها الطبيعة
فإعصار واحد مثل إعصار تورنادو الشهير الذى يتكرر كل عام يأتى بوقت محدد ومع ذلك تعجز أعتى التكنولوجيا عن التصدى له لتقليل الخسائر فقط فضلا على منعها ؟!
ومن آياته أيضا أن الدواب التى تقبع بلا عقل يمكنها إدراك الكوارث الكونية والطبيعية قبلها بوقت يمتد لساعات فى حين يعجز الإنسان بأجهزته ومعداته عن توقعها بنسبة صحيحة إلا فيما ندر
وهذا يؤكد على القول المأثور أن من اعتمد على عقله ضل , ولكن أين المتأملون ؟!

ولو غابوا عن تلك الحقائق كيف غابوا عن مثل هذا الوعيد فى قوله تعالى
[وَذَرْنِي وَالمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا {المزمل ـ 11 , 12 }

ومن غريب الأمور أن بعض علماء الغرب الكبار وهم فى الأصل أبعد ما يكون عن الدين إلا أنهم تمكنوا بالعقل المقترن بالمنطق القلبي الحر الخالى من الغرض والهوى من ولوج باب الإيمان من أوسع أبوابه عقب التأمل فى بديع صنع الله بهذا الكون ونقلت وسائل الإعلام مقولة مأثورة لأحد مشاهير العلماء فى علم الفلك قال
{ إنى على يقين من أن هذا المجال ـ مجال الفلك ـ لا يمكن لأحد أن يخوضه بعقله فى غير إيمان بوجود إله أو حتما سيفقد هذا العقل ْ}
والعبارة ترجمة بالغة الدقة لأن صفحة السماء والتأمل فيها تخرج بالعين البشرية من قصورها وغرورها المعهود لتدرك شأن الإنسان الحقيقي فإن أبي العقل اعترافا باله مالك قادر لهذا الملكوت فلابد أن التفسيرات ستعجز عن بناء إجابة منطقية للسؤال الصعب , أى انتظام وأية قدرة , ومن الطبيعى عندها أن يفقد الإنسان عقله
وفى آخر لقاء صحفي مع عملاق الفيزياء ألبرت أينشتين ذكر أمام الصحافة الحاشدة مقولة تشير إلى إيمانه المطلق بأن وجود الله حقيقة علمية لا مفر منها لتكتمل المعادلات فى هذا الكون بتلك الصورة التى عليها لأن افتراض وجود الله هو الحل الوحيد لعلاج قصورها .
فعلق أحد الصحفيين قائلا { عجبت لمن حبس الطاقة فى معادلة كيف يؤمن بوجود الله }
فرد أينشتين بعنف { إخرس .. أتظننى ملحدا إننى مؤمن بوجود الله وهذا ما لا ينكره عاقل }

والوصول إلى الله بطريق الإدراك العقلي السليم الممتزج بصحوة القلب يكون أفضل طرق الوصول دون شك مصداقا لقوله تعالى
[إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] {فاطر:28}
فبلا شك أن إدراك العقل لمدى قدرة الله تعالى اللامحدودة وطلاقتها فى خلقه يقود المرء ببساطة إلى أن الوقوف بالعقل أمام خالق العقل ومحاولة الإستقلال بسلطة التشريع أو التعديل فيما لا يجوز فيه ذلك , أمر هو من الحماقة أحد وجوهها دونما شك
هذا عن العقلاء الذين أحبوا الإنفراد بالعقل وحده طريقا دونما تهذيب لقدراته بالقلب المستعد القابل للهداية فأخذهم الكبر والغرور البشري المعهود ,

ولكن ماذا عن العقلاء الراغبين الذين قادهم ذات العقل الراغب للهداية إلى التيه
هؤلاء هم للهداية طارقو أبواب لكنهم عجزوا عن إدراك أن هذا الطرق لا يفيد حيث أن الأبواب مفتوحة على الدوام ومع ذلك يصرون إصرارا غريبا على طرقها وسماع الإذن بالدخول أولا قبل أن يلجوها !
هؤلاء الذين لم يدركوا مدى العظمة التى يمثلها كبرياء الخالق
وأعنى بهم أولئك المؤنبين ضمائرهم بأخطائهم السابقة بشكل يجاوز الحد , بل ويمتد بهم العصف النفسي إلى ما هو أخطر إلى درجة ترك أعمال الخير مخافة الرياء وإلى حمل الهم النفسي والقنوط من رحمة الله تعالى تحت تأثير الخوف المرضي من الخطأ أو الذنب
وهؤلاء لم يسلكوا حكمة الإسلام العريقة التى تقول بالوسطية دوما , لأن مبالغتهم فى الخوف من الذنوب أوقعتهم فيما هو أشد ألف مرة إلا وهو القنوط واليأس
وهؤلاء لا يدركون حقيقة بسيطة للغاية تبسط نفسها أمام كل مبصر وهى أن الإنسان مخلوق على طريق الخطأ بطبيعته وليس مطلوبا من أى إنسان ألا يذنب بل المطلوب منه فقط ألا يصر على ذنب .. وما أبعد الفارق بين هذه وتلك
فلو أن الإنسان مطلوب وواجب عليه ألا يخطئ لما دخل الجنة أحد قط حتى الأنبياء والرسل والملائكة .
وفى هذا ورد حديث المصطفي صلي الله عليه وسلم قائلا
{ لا يدخل الجنة أحد بعمله ولا أنا ولا عيسي بن مريم إلا أن يتغمدنا الله برحمته }
فلو أن خلق الإنسان كان فيه الإلزام بالعمل الصارم بلا خطأ لكان معناه أن البشر تدخل الجنة بعملها وتدخل النار بتقصيرها وهو ما يعد أمرا مفروغا من نفيه ..
ولهذا جاء قول رسول الله فيما معناه { لو أنكم لا تخطئون لأتى الله بقوم يخطئون فيستغفرون فيغفر الله لهم }
بل حتى الملائكة وهم خلق لا يعصون الله ما أمرهم لا يدخلون بهذا العمل وقد ورد فى التفاسير أن هناك من الملائكة من هو ساجد لا يقوم وراكع لا يرفع وتقوم الساعة عليهم وهم على هذه الحالة قائلين { ما عبدناك حق عبادتك }
فما أعجب المتنطعين الراغبين فى تعذيب أنفسهم بما لم يرتكبوه بعد وكأن الله تعالى لم يقل فى كتابه العزيز
[مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا] {النساء:147}
فالله أكبر من هذا وأعظم وأجل من أن يقف بالحساب أو يبالى
وقد ورد فى الأثر عن أحد الصالحين أنه قال لأحد الناس
{ من سيحاسبنا يوم الحساب }
فقال الرجل { الله عز وجل }
فقال الرجل الصالح { إذا نجونا ورب الكعبة فإن الله كريم والكريم لا يدقق فى الحساب }
ألم يقل الله عز وجل فى الحديث القدسي عند خلق آدم أنه يرسل أهل الجنة إلى الجنة ولا يبالى وأهل النار إلى النار ولا يبالى
فسبحانه من رب هو أدرى بأن الإنسان ظلوم كفار .. ولهذا كان مغفرته سابقة لغضبه
فليس على المسلم إلا إخلاص النية وعدم الشرك بالله والإيمان التام الخالص لوجهه وبعدها ليس مطلوبا منه إلا السير بطريق الإخلاص فى النية وهى أخطر ما يطلبه الله عز وجل حيث أن الإخلاص جعله الله سرا مخفيا حتى عن الملائكة والشياطين وجعله الطريق الوحيد للنجاة ..
أما الأخطاء والذنوب فهى عوارض الحياة اللازمة لها مهما فعلنا وما علينا إلا تفادى العمد فيها وحسب
فالعلماء الفلكيون قرروا أن الكون لا يعرف الخط المستقيم قط بل كل ما فيه عبارة عن منحنيات حتى الأجسام التى تطرق الفضاء يجبرها الفضاء الكونى أن تسلم المسار المنحنى أو الدائري أو الأسطوانى ولهذا أيضا وصف القرآن الصعود فى السماء دائما بلفظ العروج لا الصعود لأن العروج معناه المسار الدائري حتى لو كان الإتجاه لأعلى
ولهذا قال العلماء عبارتهم السابقة أن الكون لا يعرف فى هندسته الخطوط المستقيمة ,
ولفظ الاستقامة محل نظر لأن العلماء أرادوا بها وصف الخط المباشر غير المنحنى أو المنكسر ووصف المباشر يختلف جذريا عن المستقيم لأن الإستقامة معناها الإنتظام فى المسار بغض النظر عن شكل المسار مباشرا أو منحنيا
فالأرض مثلا تدور فى فلك منتظم مستقيم لا يختل فى مساره شبه الدائري حول الشمس وكذلك سائر الأجرام
وهذا يقودنا للربط بين التعبير الفلكى والحقيقة التى نحن بصددها أن الاستقامة المطلوبة من البشر ليست معناها السير فى خط مباشر لا يختل يمينا أو شمالا لأن هذا ضد طبيعة الخلق الإنسانى القائم على الخطأ والسهو والكبر والنسيان
فضلا على أن الإستقامة المطلوبة من البشر لو أنها تعنى السير المباشر لكان معنى هذا دخول الناس للجنة بأعمالها كجزاء طبيعى لعدم انحناء المسار فى انتظامه وهو ما يعد غير متحقق بشكل قاطع
وبهذا الشكل فحتما هناك مقصود ومدلول مختلف لمعنى الإستقامة فى القرآن الكريم فى قوله تعالى
[فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ] {الشُّورى:15}

فالإستقامة هنا معناها الإلتزام بأوامر الله بعد الإيمان والتوكل عليه فى الحساب لأن المسار بطبيعته للإنسان لا يمثله الخط المباشر بل الاستقامة فيه هى المسار المنحنى بلا خلاف والفارق يكمن فى الطاعة بحسب انتظام هذا المسار المنحنى ذاته
فليس مهما أن تزايد على نفسك بالطاعة والحذر بقدر ما هو أهم أن تنتبه لحقيقتين وهما
أن تسلك طريقك مخلصا النية فى عدم الخطأ ,
والثانية أن توقن تمام اليقين أن كل ما فعلته وما ستفعله هو لا شيئ أمام نعمة الله تعالى لأن الغرور بالنعمة أو العمل أو العلم هو طريق إلى جهنم بلا جواز سفر
فعلى الذى يرهق نفسه بالخشية من الخطأ أن يجعل تلك الخشية قاصرة على ما هو أولى ألا وهو الخشية منه جل وعلا ألا يقبلنا يوم الحساب .. والله عز وجل ذو رحمة وفضل لا ينفذ قط ولا يمل الله حتى تملوا
وإنه من المثير للدهشة أن الإنسان يمل والخير أمامه أضعاف الشر وسبل النجاة عديدة وسبيل الهلاك واحد فقط .
بينما الشيطان لا يمل قط ولا ييأس ويبذل الجهد أعواما لينال من الإنسان عثرة واحدة , وبعد كل هذا الجهد المضنى يعود الإنسان إلى رشده فيستغفر الله فيضيع عمل الشيطان كله بضربة واحدة ..
ومع ذلك لا يمل ولا يكل !
فهلا عدنا لأنفسنا فى لحظة صافية ,, لنتعلم كيف نعود لله عودة شافية

ناريمان الشريف 08-06-2010 01:24 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 
أخي محمد
سلام الله عليك
ولا حرمنا الله من جديدك الممتع والمفيد ..
نعم .. هو كما جاء هنا :

( كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام
" الا من أبى.. .... "

كلٌ يدخل الجنه الا من أبى
وما يأبى الا الخاسرون ) ................ أرجو تصويبها

إلا من أبى ... صدق رسول الله
اللهم اجعلنا من سكنى الجنة ,,,
وفي العادة أخي الكريم ..
الانسان عندما يخاف شيئاً يهرب منه .. لكنه عندما يتذكر قدرة الله عليه ويخشاه يهرب إليه
بارك الله فيك ,الف شكر على هذا الدرس الرائع

لي عودة بإذن الله


تحية ... ناريمان

أمل محمد 08-06-2010 06:11 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 
ما أجمل العودة للكريم المنــّان

والفوز بـ روح وريحان

أ. محمد

جـُزيت َ خير الجزاء يا فاضل ~

عبدالسلام حمزة 08-06-2010 09:48 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 
أستاذنا الفاضل محمد جاد الزغبي , أحمد الله أليك , وأدعوه بأن يمن ّ عليك بالعافية في الدنيا والآخرة

عسى ربي ييسر رجوعنا إليه ويقبلنا في عباده التائبين الآيبين .

جزاك الله خيرا ً .

محمد جاد الزغبي 08-09-2010 06:39 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 
بارك الله فيك أختنا الكريمة
وكان المقصود منى اقتباس جزء من الحديث لا الحديث كله,
وعامة إشارتك صحيحة وأرجو أن يقوم الأخ الفاضل عبدالسلام بتعديل الموضوع وإضافة نص الحديث كاملا
مع جزيل التقدير

تم التعديل أستاذنا الفاضل , وبارك الله في جهودك

محمد جاد الزغبي 08-09-2010 06:39 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 
بارك الله فيك أختنا الفضلي أمل
وجزاك الله خيرا للمتابعة
شكرا جزيلا

محمد جاد الزغبي 08-09-2010 06:40 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 
أهلا بك أخى الحبيب عبد السلام حمزة ,
وبالغ التقدير لحضورك ,
وأتابع معكم جهودكم الحثيثة أسأل الله أن يوفقكم وإيانا وأهل منابر لأعادتها كما كانت وأفضل
شكرا جزيلا

عبدالسلام حمزة 08-09-2010 07:49 PM

رد: تعلم كيف تعود الى الله
 
الحقييقة أنه موضوع يستحق التقييم , كمال العبودية وهي :

- نعم من الله تترادف على العبد : فواجبه فيها الحمد والشكر

- وذنوب اقترفها : فواجبه الاستغفار منها ,

- ومصائب يبتليه الله بها : فواجبه فيها الصبر ,

اللهم أعنا على القيام بواجبها كاملة بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين

بارك الله فيك أخي محمد جاد الزغبي ونفعنا بعلمك .

ورمضان مبارك يا أستاذ


الساعة الآن 01:53 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team