منتديات منابر ثقافية - الفعل الكلامي

الفعل الكلامي

دار سجال معرفي غير معلن بين المفكرين المغربيين عابد الجابري وطه عبد الرحمن حول الوعي العربي.

وكانت اللغة محورا من محاور هذا الحوار الذي لا يخلو في عمقه من المذهبية، فالجابري يرى العقل العربي من خلال مخرجاته أخلاقيا أكثر منه معرفيا، وتتجلى هذه الظاهرة في الكلام العربي عند المعتزلة الذين عملوا على الحسن والقبيح بدل الصحة والكذب كما هي القضية المنطقية عند اليونان، فالخبر إما أن يكون صادقا أو كاذبا. وأشار الجابري أن اللغة عند العرب تستند إلى المصدر والمصدر هو حدث أي له دلالة الفعل. واليونان اعتمدوا الاسم وهو تعبير عن الماهية. والبحث في الماهية هو بحث معرفي والبحث في الفعل أخلاقي. بينما رأى طه عبد الرحمان الحضارة الغربية حضارة قول واستدل على ذلك بمركزية الإعلام الذي أضحى علامة هذه الحضارة وخاصة الجانب الدعائي منه، الذي يتجاهل كلية السؤال الأخلاقي. وركز على مفارقة هيوم الذي لم يستطيع استيعاب الانتقال من الوجود إلى الوجوب. فمثلا عندما تقول الإحسان جميل. فهذه القضية فارغة من المعنى منطقيا، لا يمكن اعتبارها لا صادقة ولا كاذبة، لأنها ليست خبرا بل إنشاء يتضمن فعل الأمر، فحين تقول الإحسان جميل فإنك تقول "كن محسنا" وهنا تنتقل من ماهية الإحسان إلى أخلاقية الإحسان، فطه عبد الرحمان يرى أن العقل الغربي عقل قول وليس عقل فعل.

الوضعية المنطقية اختزلت القضية في التحقق فمعيار الصحة هو تحقق الخبر، فلا معنى للميتافزيقا والحكم الجمالي، بل الصحيح هو علم الفزياء الذي يمكن اختبار ما يقدمه. واجه أوستن هذه النظرية التي كادت تجهز على اللغة بإعادة الاعتبار للإنشاء بدل التركيز على الخبر، واعتبر الوظيفة الإنجازية للغة وظيفة مركزية، وهكذا أصل لنظريته أفعال الكلام لتجنب اختزال اللغة في الأخبار والتصحيح والتكذيب المنطقيين، وأرشد إلى الوظيفة الإنجازية للغة. وهي نفسها الفكرة التي أسس عليها طه عبد الرحمان موقفه من الحضارة الغربية التي تحتاج إلى الأخلاق، ومن خلالها أضعف العقل البرهاني الذي أسس له الجابري.