منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   متى يموت ؟! (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=2413)

ريم بدر الدين 11-29-2010 11:11 AM

متى يموت ؟!
 
متى يموت؟




-1-



كنت أقف عند حنفية الماء العمومية أشرب ، عندما اقترب مني و أوسعني ضربا ..ركلني في بطني و صفعني على وجهي حتى أدمى شفتي و رسم لي دائرة سوداء غير منتظمة حول عيني اليسرى.
ضربني بكل حقد ووحشية و لم أستطع أن أرده ،خارت قواي أمامه ...هدني هذا المرض جفاف في فمي و حاجة للإخراج مستمرة ..
أخي الكبير هذا يضربني كلما رآني أتجول في الطرقات و الأسواق و أنا لا أجرؤ أن أقتل حشرة ،ربما انتقم مني أولادها !!
يقولون عني أنني مجنون! لكنني أتألم مثلهم ..أشعر بالإهانة.. ليته عندما ضربني استقدمني إلى داره الذي لا يسمح لي بدخولها و فعلها كما يحلو له ..ليته لم يضربني أمام الناس..
ربما كنت كما يقولون مجنونا لا أستطيع أن أزن الأمور بموازينهم ..غاية أملي هي لفافة تبغ أتسولها من أي مار بالطريق ...وبعض الطعام أحيانا .. يقولون أنني غني جدا لكن لا أعتقد أن كلامهم صحيح فملابسي تتآمر مع البرد ليمزق عظامي و ليس من مكان أبيت فيه سوى مدخل بناء في غالب الأوقات و في الليالي الصقيعية يستضيفني شيخ الزاوية في زاويته المغطاة بالسجاد بعد صلاة العشاء يدخلني إلى الزاوية و يقفل الباب لا يفتحه إلا عند أذان الفجر ، إحساسي أن ملابسي قذرة لا تتناسب مع طهارة المكان تجعلني أجلس متقوقعا في أقرب مكان قرب الباب ، عندما يشعر الشيخ بأنني أتضور جوعا يحضر لي طبقا من بيته مغطى برغيف و يدس في طيات الرغيف سيجارة ..يربت على كتفي برفق و يمضي إلى بيته ..

البارحة ..كنت محتاجا بشدة للفافة تبغ ...استجديت كل الجيران من يسكنون الحارة و المارة لكنهم لم يجودوا علي و لو بعقب سيجارة ..خرج رجل و امرأته من الزقاق المجاور ...ركبا السيارة ...نقرت على زجاج النافذة فتحها لي و ابتسم بود..
-سيجارة من فضلك
-أنا لا أدخن ..
مد يده إلى جيبه ، لعله يريد أن يعطيني ثمن سيجارة ...لكن زوجته فتحت صندوق السيارة و أخرجت لي علبة سجائر كاملة . فيما تناولني إياها لمحت دموعا رقيقة في عينيها ...لأول مرة يرفق بي أحدهم ما كما فعل إنسان عينيها ...
-هل أنت جائع؟
-جائع جدا..
أعطتني نقودا لأشتري طعاما
كلما مرت من أمامي في الشارع كنت أرى دموعها ..يا لها من سيدة حزينة...هل هي مجنونة مثلي؟
أتمنى يوما ما أن ألعب مع أولاد إخوتي أو أن أدخل بيوتهم لأنعم بالدفء في الليالي الشتوية الباردة لكنهم دوما يطردونني بحجة أني قذر و مجنون ..


-2-


- متى يموت هذا الوغد؟متى أرتاح من لعنته السرمدية؟أريد أن أحصل على ميراثي منه...كم كان أبي غبيا عندما لم يسيطر على ثروة زوجته قبل وفاتها ...ابنه المجنون يمتلك الثروة حقا شرعيا و لا أستطيع إلا أن أنتظر أن ينفق كما ينفق البعير كي أنال إرثي منه...مجنون كهذا يحتكر مبلغا ضخما من المال يكفي لبناء امبراطورية!!
البارحة وجدته عند حنفية الماء العمومية
كان يعب الماء بنهم ...لا أدري لم تملكني غضب الدنيا كلها إزاءه ..
شيء ما دفعني لأصب كل ما يعتمل في نفسي تجاهه..بينما كنت أنهال عليه بالضرب تعاظم إحساسي أن ما بقلبي لن يستطيع أن يعبر عن نفسه مهما ركلته و صفعته
كان يتأوه و يتوجع و هو مستسلم لضرباتي
توقعته أن يتكور و يموت لأرتاح منه إلى الأبد و أنعم بنقوده و ثروته
يمر على بابي في الأمسيات يريدني أن أؤمن له مبيتا عندي ...ألا يرى كم هو قذر؟؟
كيف أدخله بيتي؟ و يرى أولادي عمهم المجنون ...أبي الغبي دلـله كثيرا حتى عندما فقد عقله استمر في العناية به
كم من مرة نصحته أن يودعه مشفى الأمراض العقلية لكنه مانع دوما
وهاهو الآن مثار الفضائح ..

-3-


-أراه في الصبح و في الأمسيات منذ طفولتي و حتى الآن و أنا أدخل العقد الرابع من عمري
ثيابه متسخة دوما
دوما يكون الزر الأخير معقودا في العروة ما قبل الأخيرة ليكون قميصه دوما بطرفين غير متناظرين
لحيته مشعثة و شعره متسخ
جارنا الحلاق أبو عبدو في بعض الأحيان يدخله إلى دكانه لينظفه و يحلق له شعره
لكن عندما توفي أبو عبدو استطالت لحيته و ابيضت بينما صار شعره مرتعا للقمل و الأوساخ
حيثما قابلته يستوقفك ليتسول منك لفافة تبغ ...لا يريد سواها ..
البارحة كنت مارا بجانب حنفية السوق العمومية كان يشرب من الماء بنهم شديد و من الواضح أنه مصاب بالسكري فملابسه عليها آثار البول الجاف
أتى أخوه و ضربه بوحشية شديدة ..كأنه قد ربى حقدا في داخله لزمن طويل و أطلق عقاله اليوم
إخوته لأبيه يريدون له الموت اليوم قبل الغد و لا يتورعون عن إعلان هذا على الملأ فهو قد ورث من والدته ثروة كبيرة و لا يستطيعون الاستيلاء عليها إلا بموته
يرفضون أن يدخل بيوتهم و كم من مرة أدخله شيخ الزاوية إلى زاوية الحي الصغيرة في الليالي الباردة ليقضي ليله فيها رغم أنه غير طاهر الملبس و غالبا ما قدم له طبقا من طعام بيتي يغطيه رغيف خبز
منذ مدة خرجت من بيتي مع زوجتي
ركبنا السيارة .. نقر على زجاج النافذة
-أريد سيجارة
-أنا لا أدخن
زوجتي قالت أن والدها أودع في التابلوه سجائره البارحة
قدمتها له ...احتضنها كمن يحتضن طفله نظر إلى وجهها بامتنان طفولي و مضى
اليوم
دخلت منزلي لأرى ذات الدموع التي تلتمع في عيون زوجتي كلما شاهدته ..تحولت الدموع إلى نشيج
-وجدوه ميتا عند حنفية السوق العمومية .

عبدالحكيم مصلح 11-29-2010 11:42 AM

أختي الفاضلة ريم بدر الدين حفظها الله

نص أنيق ومثير ،

لك ِ كل جوري القدس بهية المدائن وأطواق من الياسمين الدمشقي

عبدالأمير البكاء 11-29-2010 12:42 PM

الأساذة ريم بدر الدين الرائعة

ُجلنا أو كلنا إذا ما وجد عاهة في أحد أفراد أسرته كالجنون مثلا وهي تقف حائلا في طريقه وهو يخطو الخطوة تلو الأخرى نحو الرقي الإجتماعي بين الناس ،تمنى

زوالها وبكافة الطرق والوسائل ، لأنها سوف تؤثر سلبا وبحسب اعتقاد كثير من الناس على الروابط الأسرية بين الأفراد ، فنجد الشاب إذا ما أراد الزواج من شابة أعجبته، ثم اكتشف أن

أباها أو أخاها أو أختها مجنون هائم في الشوارع يستجدي الناس، فإنه سيحسب ألف حساب للإقتران بتلك الشابة معتقدا أن هذه الحالة وراثية في العائلة ! ، قد نعطى أخا المجنون هذا

بعض الحق لتمني موت أخيه ، لأنه عاهة في اسرته ولأنه يملك إرثا كبيرا مجمدا في المصرف ، لكن لا حق له في ضرب أخيه كوسيلة للتخلص منه أو إفراغ حقده به لأنه كذلك ، ما رأيك يا

أستاذة ريم برجل أعرفه يرفض تزويج أخته الأساذة الجامعية الجميلة ، لأنها تملك إرثا كبيرا جدا من أبيها فيشترط عليها أن تعطيه المال الذي بحوزتها لكي يقبل بزواجها ؟!! هنا تتبين

الخسة والنذالة بأوج عظمتها عند هذا النوع من الوحوش البشرية التي نعيش بينها مرغمين .... تحياتي المخلصة لك مع الود

ساره الودعاني 11-29-2010 02:26 PM

حنفية الماء

قطرات الماء المتبقية تنحدر مع شعرات ذقنه

ملابس رثة

حبة الزرار ليست في فتحت العروة الموازية

سيجارة او اعقاب سيجارة

قسوة من يد تسري فيها نفس دمائة

ولمسات حنو ولإشفاق من غريب

وصور كثيرة رأيتها بين السطور ربما نأيتي عن ذكرها !

الأستاذه ريم

رأيت قلمك كمبضع الجراح

يشق ويرتق بخفة واتقان..

دمتِ جميلة..

ريم بدر الدين 11-30-2010 10:45 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالحكيم مصلح (المشاركة 43776)
أختي الفاضلة ريم بدر الدين حفظها الله

نص أنيق ومثير ،

لك ِ كل جوري القدس بهية المدائن وأطواق من الياسمين الدمشقي

صباح الورد
أشكرك أخي الكريم عبد الحكيم مصلح لهذا المرور البهي
تحيتي لك دوما

عبدالحكيم ياسين 12-01-2010 01:08 AM

أختي الفاضلة ريم
صورة ثلاثية الأبعاد ..عالية الدقّة ..
تستحق الإعجاب..صوّرت فيه مشهداّ
من مشاهد حياة الإنسان يبعث على التأمل ..
والنصّ يستحق قراءة متأنية ..
وهو في نظري قفزة نوعية لأختي ريم
نحو مزيد من الإبداع ..
مع كل التقدير ..

ريم بدر الدين 12-02-2010 02:44 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالأمير البكاء (المشاركة 43785)
الأساذة ريم بدر الدين الرائعة

ُجلنا أو كلنا إذا ما وجد عاهة في أحد أفراد أسرته كالجنون مثلا وهي تقف حائلا في طريقه وهو يخطو الخطوة تلو الأخرى نحو الرقي الإجتماعي بين الناس ،تمنى

زوالها وبكافة الطرق والوسائل ، لأنها سوف تؤثر سلبا وبحسب اعتقاد كثير من الناس على الروابط الأسرية بين الأفراد ، فنجد الشاب إذا ما أراد الزواج من شابة أعجبته، ثم اكتشف أن

أباها أو أخاها أو أختها مجنون هائم في الشوارع يستجدي الناس، فإنه سيحسب ألف حساب للإقتران بتلك الشابة معتقدا أن هذه الحالة وراثية في العائلة ! ، قد نعطى أخا المجنون هذا

بعض الحق لتمني موت أخيه ، لأنه عاهة في اسرته ولأنه يملك إرثا كبيرا مجمدا في المصرف ، لكن لا حق له في ضرب أخيه كوسيلة للتخلص منه أو إفراغ حقده به لأنه كذلك ، ما رأيك يا

أستاذة ريم برجل أعرفه يرفض تزويج أخته الأساذة الجامعية الجميلة ، لأنها تملك إرثا كبيرا جدا من أبيها فيشترط عليها أن تعطيه المال الذي بحوزتها لكي يقبل بزواجها ؟!! هنا تتبين

الخسة والنذالة بأوج عظمتها عند هذا النوع من الوحوش البشرية التي نعيش بينها مرغمين .... تحياتي المخلصة لك مع الود

مساء الورد
سعيدة حقا بهذه القراءة الجميلة و المداخلة اللطيفة
أعرف أن للثروة التي يملكها من لا يستطيع أن يديرها بريقا في أعين هؤلاء الإخوة الطامعون لكن هذا ليس بأي حال مبرر لكي تنتهك إنسانية هذا الإنسان و حرمانه من أبسط حقوقه
عليه هذا الطامع ان يتذكر ان نعمة العقل قد يسلبها في لحظة و يصبح كأخيه سواء بسواء
أ. عبد الأمير البكاء
أسعد عندما أرى اسمك في متصفحي
دمت بخير

أحمد فؤاد صوفي 12-03-2010 01:01 PM

أديبتنا الكريمة نور بدر الدين المحترمة . .

نص واقعي صريح . .
وضعنا أمام (معضلة) أن نجد في العائلة مجنوناً أو معوقاً . .
فماذا نفعل . . وكيف نتصرف . . في مجتمع يملي علينا شروطه . .
علماً بأننا نعلم يقيناً بأن الحل الوحيد هو التمسك بالحكمة التي يعرفها الله
وقد لا نقدرها نحن البشر . . في وجود شخص مريض أو مجنون أو معوق . .

لقد وضعتنا القصة أمام جرح غائر . .
وانتهت بالموت الذي يحل المشكلة . .

تحية كبيرة جداً وتقدير مني على قصتك وعلى التطور الفكري الذي أشهده فيك يوماً بعد يوم . .
رعاك الله وحماك . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

محمد الصالح منصوري 12-04-2010 01:54 PM

أوجعنا نصك المؤثر فجعل شفقتنا تقطر عطفا على الأسوياء غير المجانين من إخوته الذين انساقو وراء نزغ الشيطان..
وبقدر ما أوجعنا أمتعنا بانسيابيته وبدقة اوصافه وبطلاوة عباراته ..
سلمت أديبتنا الفاضلة "ريم" وسلم القلم ..
دمت بسعادة كما ردت ..
تحيتي

رقية صالح 12-07-2010 01:57 PM


سلام الله على الأديبة ريم الشام

مشهد مؤلم من مشاهد الحياة اليومية التي نراها

في الواقع صّوره نصّ مليء بالحزن والظلم والإهانة والطمع

نراها في هذه الأيام في كل بيت من بين 80% في مجتمعنا

والنتيجة تكون الاستسلام للموت فهو الحلّ الوحيد

عندما يسلب الله منا نعمة العقل

لك الجوري والياسمين الدمشقي مودتي



الساعة الآن 10:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team