منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الأسيرة( قصة بقلم : محمد صالح رجب ) (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=2040)

محمد صالح رجب 10-26-2010 05:14 PM

الأسيرة( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
 
الأسيرة
( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
الجو معبأ بأبخرة البارود .. خراب .. دمار .. بيوت تهدم .. نساء تغتصب وحوامل تجهض .. رائحة كريهة تفوح من كل جانب .. خطواتهم تدنس حرمة البيت من حولها ، طرقات أحذيتهم تجلجل في ظلمة الليل ، صرخات استغاثة ، أصوات مكتومة ما تلبث أن تخبو .. صرخات أخرى ، أصوات طلقات نارية ..هدوء يسيطر على المكان ..
تجلس وحيدة في منزلها ، تريد أن تصرخ ، تستغيث ، لكن .. إلى أي مدي سوف يصل صوتها ؟! هل يستطيع أن يخترق تلك الأسوار الممتدة والمتراصة من العربات المصفحة ؟ هل يستطيع أن يخترق تلك الكتل البشرية المدججة بالسلاح ؟
شعرت بأسى عميق بداخلها ، بمرارة في حلقها ، اقتربت من صورة زوجها الشهيد المعلقة على أحد جدران الغرفة .. لقد مات برصاص الغدر ، بترت إحدى يديه أصر على المقاومة ، خرج ذات مرة ، وكان خروجا أخيرا ، لم يبق إلا ذكراه الطيبة وابنهما محمود .. أملها في الحياة ، لقد فر هو الآخر من بطشهم ..
عادت تنظر إلى صورة الشهيد بعمق شديد وكأنها تستعيد ماض قديم ، قدم التاريخ ، لم تتمالك نفسها ، ذرفت عيناها دمعتين حارتين على خديها .. استدارت ، لمحت وجهها في مرآة معلقة على الحائط ، شد انتباهها تلك الشعيرات البيض التي تتقدم رأسها .. إنها لم ترها من قبل ، أمعنت النظر إلى وجهها الجميل ، لكن ما هذه التجاعيد التي بدأت تكسو وجهها ؟! أهو الشيب ، أم أنه آثار السجن الذي ما زالت ترزح تحته ؟ إنه سجن بلا قضبان ، سجن بالحديد والنار ، عزلة تامة مفروضة عليها ، إقامة جبرية في بيتها ، ورغم ذلك فهي ليست نادمة .. فإذا كان زوجها قد مات شهيدا ، وأخرج ابنها من داره ، فإن منزلها سوف يظل مأوى لكل مجاهد ، لن يرهبها هؤلاء العساكر المبندقين الذين يطوقون منزلها ، ولا تلك العربات المصفحة التي تحيط بها ، شعرت برعشة تسري في جسدها .. اتجهت صوب النافذة ، لم تكن محكمة الإغلاق ، رآها أحدهم أسرعت وأوصدتها ونظراته التي رمقها بها ترعبها ، دقات أحذيتهم تتعالى ، طرقات شديدة على الباب ، إنه ليس بالمتانة الكافية ، ماذا تفعل .. إنها وحيدة ، مستدركة لا.. لا الله معها . هكذا همست لنفسها ـ فتحوا الباب بعنف ، إنهم هم .. مصاصو الدماء ، آكلي لحوم البشر .. ضحكاتهم الصفراء تتعالى ، أشار كبيرهم لأحدهم ، هجم عليها ، حاول أن يدنس شرفها ، أن يضع أنفها في التراب ، زاغت عنه ، حاول مرة أخرى ، بصقت في وجهه شهر السلاح في وجهها ، تمنت في داخلها لو يطلق عليها رصاصة الرحمة ،لكنهم لا يعرفون الرحمة ..! اقترب منها على حذر ، ألقى سلاحه جانبا وهجم عليها ، ركلته بين فخذيه ، فكرت في الانتحار ، لكن إنه الحرام بعينه ، ماذا تفعل ، لقد شل حركتها ، أمسك بذراعيها ، أنهكتها المقاومة ..لم تعد تقو على أكثر من ذلك ، تشعر بضيق حاد ، بقرف شديد .. وبكل ما في العالم من إحساس بالظلم دفعته مستغيثة بأعلى صوتها : يا رب ..
اهتزت الأرض من بعدها .. دوي انفجار هائل ، صراخ ، أنين ، صيحات مذعورة .. انتفض الرجل عنها ، حمل سلاحه وخرج فزعا ورفاقه.. أغلق عليها السجن مر ة أخرى ، اقتربت متلهفة إلى النافذة ، وعبر الثقوب المتناثرة راحت تتبين الأمر ، ولأشد ما كانت فرحتها عندما رأتهم .. إنهم هم . أبناؤها .. محمود ، فهد ‘ عمار .. نعم، هم أبناؤها حتى أولئك التي لم تلدهم ، لقد تربوا في كنفها ونموا في أحضانها ، وشبوا على خيراتها ، لكن .. محمود .. إن الدم يسيل منه ، يسقط على الأرض ، يقبلها ، تختلط دماؤه بترابها ، صرخة مكبوتة بداخلها ، حاولت أن تطلقها ، لكن .. أنحبس صوتها ، حاولت أن تخرج من سجنها لكن الباب موصد ، عادت إلى النافذة تلقي عليه النظرة الأخيرة وعيناها تدمعان ، وابتسامة هادئة مطمئنة لنصر الله ترتسم على شفتيها .. وسيطر على المكان الهدوء مرة أخرى ...
( تمت)
محمد صالح رجب

طارق الأحمدي 10-26-2010 10:48 PM

هربت مني الكلمات وانبرت بعيدة في ركن قصي من ألمي تشارك هذه المناضلة بعضا من آمالها

الممزوجة بالخوف والألم

اغتلت مابقي من هدوء كنت أحتفظ به في قاع اللحظات الحالمة

انفجر أكثر من شريان في قلبي يحث الخطى ليضمد جراحات هذه الأم الثكلى ..

انتحرت تلك الحمامة البلهاء لما اكتشفت أن غصن الزيتون يقتلع ويسحب من تحتها ..

إلى الجحيم ألف حمامة أن كان وجودها سيلوث بياض الشرفاء منا ..

أ - محمد صالح

لقد جازفت عدستك فدخلت إلى عمق الحدث لتنقل إلينا ما سكت عنه الكثيرون ..

اخترت الزاوية المناسية والمواتية لتكون الصورة أكثر نقاء وأكثر مأساوية ..

والمأساة لن تستمر مادامت هذه الأرض تحوي أمثال هذه الأم التي أنجبت أبطالا ..

ولابد لليل أن ينجلي وتشرق شمس الحرية يوما وتحطم أسوار السجون التي شيدها الظالمون .. وسجون

كثيرة تقبع في دواخلنا ..

كاتبنا الرائع :

كلمة شكر لا تفيك حقك

وعبارة " رائعة " لا تعطي النص حقه

فقط ..

أجدني أرفعها إلى فوق .. إلى مستوى التميز ..

وهي تستحق التثبيــــــــت بحق.

ودمت مبدعا دوما

محمد صالح رجب 10-27-2010 08:37 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق الأحمدي (المشاركة 38504)
هربت مني الكلمات وانبرت بعيدة في ركن قصي من ألمي تشارك هذه المناضلة بعضا من آمالها

الممزوجة بالخوف والألم

اغتلت مابقي من هدوء كنت أحتفظ به في قاع اللحظات الحالمة

انفجر أكثر من شريان في قلبي يحث الخطى ليضمد جراحات هذه الأم الثكلى ..

انتحرت تلك الحمامة البلهاء لما اكتشفت أن غصن الزيتون يقتلع ويسحب من تحتها ..

إلى الجحيم ألف حمامة أن كان وجودها سيلوث بياض الشرفاء منا ..

أ - محمد صالح

لقد جازفت عدستك فدخلت إلى عمق الحدث لتنقل إلينا ما سكت عنه الكثيرون ..

اخترت الزاوية المناسية والمواتية لتكون الصورة أكثر نقاء وأكثر مأساوية ..

والمأساة لن تستمر مادامت هذه الأرض تحوي أمثال هذه الأم التي أنجبت أبطالا ..

ولابد لليل أن ينجلي وتشرق شمس الحرية يوما وتحطم أسوار السجون التي شيدها الظالمون .. وسجون

كثيرة تقبع في دواخلنا ..

كاتبنا الرائع :

كلمة شكر لا تفيك حقك

وعبارة " رائعة " لا تعطي النص حقه

فقط ..

أجدني أرفعها إلى فوق .. إلى مستوى التميز ..

وهي تستحق التثبيــــــــت بحق.

ودمت مبدعا دوما

ايها القدير / طارق الأحمدي
تأسرني كلماتك وغوصك بأعماق النص والتقاطك الرسالة من بين ثناياه .. ولأشد ما يسعد الكاتب أن تصل رسالته كما ارادها فتحدث اثرا توقعه وتمناه عندما أمسك بقلمه وراح يخط تلك السطور .
اشكر لك مداخلتك و دمت بخيرأخي الكريم طارق الأحمدي.
محمد صالح رجب

ايوب صابر 10-27-2010 09:34 AM

انا مع قرار الاخ طارق الاحمدي في تثبيت هذه القصة ليس لموضوعها فقط وانما لانها محبوكة بصورة فذة تراعي المقايس العالمية لكتابة القصة.

فالعنوان آسر ( الاسيرة) والمقدمة جميلة للغاية تمكن القاص من خلالها من رسم مشهد مذهل وابتعد عن الحديث عن الشخوص وهو الخيار الافضل في جعل القصة عظيمة الجذب والتأثير.

وهي مقدمة حتما ساخنة بل ملتهبة في مفرداتها ووقعها هائل الاثر على نفس المتلقي.

"الجو معبأ بأبخرة البارود .. خراب .. دمار .. بيوت تهدم .. نساء تغتصب وحوامل تجهض .. رائحة كريهة تفوح من كل جانب .. خطواتهم تدنس حرمة البيت من حولها ، طرقات أحذيتهم تجلجل في ظلمة الليل ، صرخات استغاثة ، أصوات مكتومة ما تلبث أن تخبو .. صرخات أخرى ، أصوات طلقات نارية ..هدوء يسيطر على المكان .."

إذ تكاد كل كلمة هنا تحكي قصة ( بارود، خراب، دمار، بيوت مهدمه، نساء تغتصب، اجهاض، رائحة كريهه، تدنيس، جلجلة، طرقات، خطوات، ظلمة، ليل، صرخات، استغاثة، اصوات مكتومة، اصوات اخرى، اصوات طلقات ، ناريه، ثم هدوء يسيطر على المكان).

هذه هي الكلمات التي استخدمها القاص هنا لصناعة مقدمة مذهلة فيها الكثير من الحركة واستخدام فذ للتضاد في المعاني وكلمات اخرى تستفز الحواس بحدية تسلب لب المتلقي وتجده يتابع القراءة ليعرف ما الموضوع؟ واين حصل ذلك ولماذا؟ ومن الشخوص؟ وماذا حصل لهم؟ وما الى ذلك؟

هذه هي البداية فقط التي يبدو ان القاص نجح في صناعتها بشكل فذ لينتهي المشهد المتفجر وصوت البارود الذي يملأ الجو ينتهي الى هدوء يسيطر على المكان، وهي نفس النهاية التي اختارها القاص هنا لقصته المتفجرة فكانت نهاية مغايرة تترك في النفس اثرا مهولا..

فهل نجح القاص فعلا في صناعة قصة ذات مواصفات عالمية سخر فيها كل عناصر القصة القصيرة ببراعة مما جعل قصته ناجحة وبالغة الاثر؟


محمد صالح رجب 10-28-2010 11:25 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 38539)
انا مع قرار الاخ طارق الاحمدي في تثبيت هذه القصة ليس لموضوعها فقط وانما لانها محبوكة بصورة فذة تراعي المقايس العالمية لكتابة القصة.

فالعنوان آسر ( الاسيرة) والمقدمة جميلة للغاية تمكن القاص من خلالها من رسم مشهد مذهل وابتعد عن الحديث عن الشخوص وهو الخيار الافضل في جعل القصة عظيمة الجذب والتأثير.

وهي مقدمة حتما ساخنة بل ملتهبة في مفرداتها ووقعها هائل الاثر على نفس المتلقي.

"الجو معبأ بأبخرة البارود .. خراب .. دمار .. بيوت تهدم .. نساء تغتصب وحوامل تجهض .. رائحة كريهة تفوح من كل جانب .. خطواتهم تدنس حرمة البيت من حولها ، طرقات أحذيتهم تجلجل في ظلمة الليل ، صرخات استغاثة ، أصوات مكتومة ما تلبث أن تخبو .. صرخات أخرى ، أصوات طلقات نارية ..هدوء يسيطر على المكان .."

إذ تكاد كل كلمة هنا تحكي قصة ( بارود، خراب، دمار، بيوت مهدمه، نساء تغتصب، اجهاض، رائحة كريهه، تدنيس، جلجلة، طرقات، خطوات، ظلمة، ليل، صرخات، استغاثة، اصوات مكتومة، اصوات اخرى، اصوات طلقات ، ناريه، ثم هدوء يسيطر على المكان).

هذه هي الكلمات التي استخدمها القاص هنا لصناعة مقدمة مذهلة فيها الكثير من الحركة واستخدام فذ للتضاد في المعاني وكلمات اخرى تستفز الحواس بحدية تسلب لب المتلقي وتجده يتابع القراءة ليعرف ما الموضوع؟ واين حصل ذلك ولماذا؟ ومن الشخوص؟ وماذا حصل لهم؟ وما الى ذلك؟

هذه هي البداية فقط التي يبدو ان القاص نجح في صناعتها بشكل فذ لينتهي المشهد المتفجر وصوت البارود الذي يملأ الجو ينتهي الى هدوء يسيطر على المكان، وهي نفس النهاية التي اختارها القاص هنا لقصته المتفجرة فكانت نهاية مغايرة تترك في النفس اثرا مهولا..

فهل نجح القاص فعلا في صناعة قصة ذات مواصفات عالمية سخر فيها كل عناصر القصة القصيرة ببراعة مما جعل قصته ناجحة وبالغة الاثر؟

الاستاذ الفاضل/ ايوب صاب
أقدر لك تلك القراءة المميزة ، وهذا التشريح البديع للنص .. إن المرء يسعد بل ويفخر بهذه الشهادة ..دمت بخير أخي ايوب .
محمد صالح رجب

ايوب صابر 11-04-2010 12:36 AM

لا اعرف لماذا لا نحاول تنشيط هذا المنبر على شاكلة ما يجري في منبر الشعر الفصيح مثلا حيث الحركة على اشدها هناك، فنقوم بالغوص في اعماق قصة واحدة على الاقل كل شهر نحللها بتعمق ونحاول سبر اغوارها وتوضيح عناصر الجمال فيها.
دعونا نبدأ في هذه القصة المثبة هنا ..فمثل هذه الورشة تفيد الجميع حتما،،

محمد صالح رجب 11-07-2010 09:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 39631)
لا اعرف لماذا لا نحاول تنشيط هذا المنبر على شاكلة ما يجري في منبر الشعر الفصيح مثلا حيث الحركة على اشدها هناك، فنقوم بالغوص في اعماق قصة واحدة على الاقل كل شهر نحللها بتعمق ونحاول سبر اغوارها وتوضيح عناصر الجمال فيها.
دعونا نبدأ في هذه القصة المثبة هنا ..فمثل هذه الورشة تفيد الجميع حتما،،

أخي/ أيوب صابر
معك كل الحق .. لكن تبقى أمنية .. نتمنى لها التحقيق .

محمد معمري 11-07-2010 01:48 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم محمد صالح رجب قصة جميلة وأتمنى لك المزيد من التألق والإبداع...
نص أخرجته من لهيب مجتمع يقطن بين المطرقة والسندان...
مودتي وتقديري

محمد صالح رجب 11-07-2010 03:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد معمري (المشاركة 40038)
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم محمد صالح رجب قصة جميلة وأتمنى لك المزيد من التألق والإبداع...
نص أخرجته من لهيب مجتمع يقطن بين المطرقة والسندان...

مودتي وتقديري

أخي عاشق الفصحى / محمد معمري
أشكر لك تواصلك ودمت بخير أخي الكريم.
محمد صالح رجب


الساعة الآن 02:52 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team