منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر رواق الكُتب. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=27)
-   -   فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=30484)

عبد السلام بركات زريق 04-08-2023 11:32 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الخَامسُ والتّسعونَ


في التَّجْنِيسِ


هُوَ أنْ يُجَانِسَ اللَّفْظُ اللَّفْظَ في الكَلَامِ والمَعْنَى مُخْتَلِفٌ،
كَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وجلَّ {وأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيمانَ لِلّهِ رَبِّ العَالَمينَ}1
وكَقَوْلِهِ {يَا أسَفَى عَلَى يُوسُفَ}2 وكَقولِهِ {فأدْلى دَلوَهُ}3
وكَقولِهِ تَعَالَى {فأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّم}4 وكقولِهِ عَزّ
وجَلّ {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلّبُ فِيهِ الوُجُوهُ والأبْصَارُ}5 وكقزلِهِ
عزّ وجلَّ {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}6 وكقولِهِ تَعَالَى {وَجَنَى
الجَنَّتَينِ دانٍ}7.
وكمَا جَاءَ في الخَبَر (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَومَ القِيَامَةِ)8. (آمِنٌ مَنْ
آمَنَ بِاللهِ)9. (إنَّ ذَا الوَجْهَينِ لا يَكُونُ وَجِيهًا عِندَ اللّهِ)10.
ولمْ أجِدِ التّجْنِيسَ في شِعرِ الجَاهِليَّةَ إلّا قَليلًا، كَقَولِ الشَّنْفَرَى:

وبِتْنَا كأَنَّ النَّبْتَ حُجِّرَ فَوقَنَا
بِرَيْحَانَةٍ رِيَحَتْ عِشَاءً وطُلَّتِ

وقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:

لَقَدْ طَمَحَ الطَّمَّاحُ من بُعْدِ أرْضِهِ
لِيُلْبِسَني مِنْ دَائِهِ مَا تَلَبَّسَا

وقَوْلِهِ:

ولَكِنَّما أسْعَى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ
وقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المؤَثَّلَ أمْثَالِي

وفي شِعْرِ الإسْلَامِيّينَ المُتَقدِّمِين كَقولِ ذِي الرُّمَّةِ:

كَأنَّ البُرَى والعَاجَ عِيْجَتْ مُتُونُهُ

وكَقولِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ:

وذَلكمْ أنَّ ذُلَّ الجَارِ حَالَفَكُمْ
وأنَّ أنْفَكُمُ لا يَعْرِفُ الأنَفَا

فأمَّا في شِعْرِ المُحْدَثِينَ فَأكْثَرُ مِنْ أنْ يُحْصَى.


1 "44" من سور النمل.
2 "84" من سورة يوسف.
3 "19" من سورة يوسف.
4 "43" من سورة الروم.
5 "37" من سورة النور.
6 "89" من سور الواقعة.
7 "54" من سورة الرحمن.
8 رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
9 روى الإمام أحمد حديثًا بهذا اللفظ(العبد آمن من عذاب
الله ما استغفر الله).
10 رواه قريبًا من هذا اللفظ البخاري وأحمد والدارمي.

عبد السلام بركات زريق 04-09-2023 03:34 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّادسُ والتّسعونَ


في الطِّبَاقِ


هو الجَمْعُ بَينَ ضِدَّيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلِيَضْحَكُوا قَليلًا
وَلِيَبْكُوا كَثيرًا}1 وكَمَا قَالَ عَزَّ وجَلَّ {تَحْسَبُهُم جَميعًا
وقُلوبُهُمْ شَتَّى}2 وكَمَا قَالَ عزَّ وجلَّ {وتَحْسَبُهُمْ أيقاظًا
وهم رُقُودٌ}3 وكَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائلٍ {ولَكُمْ في القِصَاصِ
حَياةٌ}4.
ومِمَّا جَاءَ في الخَبَرِ عَن سَيِّدِ البَشَرِ صلّى اللهُ عَليهِ وسلّم
(حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ والنَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)5. (النَّاسُ نِيامٌ فَإذَا
مَاتُوا انْتَبَهُوا)6. (كَفَى بِالسَّلامَة دَاءً)7. (إنَّ اللّهَ يُبْغِضُ البَخيلَ
في حَياتِهِ والسَّخيَّ بَعْدَ مَوْتِهِ)8. (جُبِلَتِ القُلُوبُ عَلَى حُبِّ
مَنْ أَحْسَنَ إلَيها)9. (احْذَرُوا مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ ولا يؤْمَنُ
شَرُّهُ)10.
ومِمَّا جَاءَ في الشِّعرِ قَوْلُ الأعْشَى:

تَبِيتُونَ في المَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ
وجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا

وقَوْلُ عَبْدِ بَنِي الحَسْحَاسِ:

إنْ كُنْتُ عَبْدًا فَنَفسي حُرَّةٌ كَرَمًا
أو أسْوَدَ الخَلقِ إنِّي أبْيَضُ الخُلُقِ

وقَوْلُ الفَرَزْدَقِ:

والشَّيْبُ يَنْهُضُ في الشَّبابِ كأنَّهُ
لَيْلٌ يَصِيحُ بِجَانِبَيهِ نَهَارُ

وكَقْولِ البُحْتُرِيِّ:

وأُمَّةٌ كانَ قُبْحُ الجَوْرِ يُسْخِطُهَا
دَهْرًا فَأصْبَحَ حُسْنُ العَدْلِ يُرْضِيهَا



1 "82" من سورة التوبة.
2 "14" من سورة الحشر.
3 "18" من سورة الكهف.
4 "179" من سورة البقرة.
5 رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما.
6 هو من قول علي بن أبي طالب. كما في كشف الخفاء.
7 رواه الديلمي في مسند الفردوس وسنده ضعيف.
8 رواه الخطيب في كتاب البخلاء عن الإمام علي بن أبي
طالب كرم الله وجهه.
9 رواه أبو نعيم وابن حبان والخطيب، والبيهقي في شعب
الإيمان، عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا وتتمة الحديث:
"وبغض من أساء إليها" ولا يتم الشاهد إلا بهذه التتمة.
10 لم أجده بهذا اللفظ في كتب السنة التي رجعت إليها.

عبد السلام بركات زريق 04-11-2023 04:05 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصْلُ السّابعُ والتّسعُونَ


في الكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهُ بِمَا يُسْتَحْسَنُ لَفْظُهُ


هِيَ مِنْ سُنَنِ العَربِ، وفي القُرآنِ {وقَالُوا لِجُلُودِهِمْ}1 أيْ:
فُرُوجِهِمْ. وقَالَ تَعَالَى {أو جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ}2
فَكَنَّى عَنِ الحَدَثِ. وقَالَ تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُم أنَّى شِئْتُمْ}3
وقَالَ عَزّ وجَلّ {فَلَمَّا تَغَشَّاها}4 فَكَنّى عَنِ الجِمَاعِ، واللّهُ
كَرِيمٌ يُكَنّي. وقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّم لِقائِدِ الإبِلِ
الَّتي عَلَيْهَا نِسَاؤُهُ (رِفْقًا بِالقَوَارِيرِ)5 فَكَنَّى عَنِ الحُرَم.
وقَالَ عَليهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ (اتَّقُوا المَلَاعِنَ)6 أيْ: لَا تُحْدِّثُوا
في الشَّوارع فَتُلْعَنُوا.
ومِنْ كِنَايَاتِ البُلَغَاءِ: بِهِ حَاجَةٌ لا يَقْضيها غَيرُه، كِنَايَةً عَنِ
الحَدَثِ. وذَكَرَ ابْنُ العَمِيدِ مُحْتَشِمًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ. فقالَ:
آلَى يَمينًا ذَكَرَ فِيهَا حَرَائِرَهُ. وذَكَرَ ابْنُ مُكرَّم سَائِلًا فَقَالَ: هُوَ
مِنْ قُرَّاءِ سُورَةِ يُوسُفَ، يَعْنِي أنَّ السُّؤَّالَ يَسْتَكْثِرُونَ مِنْ
قِراءَةِ هَذهِ السُّورَةِ في الأسْوَاقِ والمَجَامِعِ والجَوَامِعِ، وكَنَّى
ابْنُ عَائشَةَ عَمَّنْ بِهِ الأُبْنَةُ بِقولِهِ: هُوَ غُرَابٌ، يَعْنِي أنَّه يُوَارِي
سَوأَةَ أخِيهِ. وكَنّى غَيْرُهُ عَنِ اللَّقِيطِ: بِتَرْبِيَةِ القَاضِي. وعَنِ
الرَّقِيبِ بِثانِي الحَبِيبِ. وكَانَ قَابُوسُ بْنُ وَشْمَكِيرٍ إذَا وَصَفَ
رَجُلًا بِالبَلَهِ قَالَ: هُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، يَعْنِي قَولَ النَّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيهِ وسَلّمَ (أكثَرُ أهْلِ الجَنَّةِ البُلْهُ). ومِنْ كَنَايَاتِهِمْ عَنْ
مَوْتِ الرُّؤساء والأجِلَّةِ والمُلُوكِ: انْتَقَلَ إلَى جِوارِ رَبِّه، اسْتَأثَرَ
اللّهُ بِه.


1 "21" من سورة فصلت.
2 "43" من سورة النساء.
3 "223" من سورة البقرة.
4 "189" من سورة الأعراف.
5 وقائد الإبل: هو أنجشة الأسود، ذكر هذه الرواية
بهذا اللفظ الإمام الذهبي في كتابه تجريد أسماء
الصحابة، ورواه البخاري بلفظ (ارفق يا أنجشة بالقوارير)
6 تقدم تخريجه.
7 رواه البيهقي والبزار والديلمي بسند فيه لين. وهذا
الحديث يعني الذين لم يهتموا بالدنيا اهتمام المقبلين
عليها، فأصبحوا فيها كالبله، انظر كتاب النهاية في غريب
الحديث للإمام ابن الأثير الجزري.

عبد السلام بركات زريق 04-11-2023 04:14 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ الثّامنُ والتّسعُونَ


في الالْتِفَاتِ


هُوَ أنْ تَذْكُرَ الشَّيءَ وتُتِمَّ مَعْنَى الكَلَامِ بِهِ، ثُمَّ تَعُودَ لِذِكْرِهِ
كَأنَّكَ تَلْتَفِتُ إلَيهِ كَمَا قَالَ أبُو الشَّغْبِ:

فَارَقْتُ شَغْبًا وقَدْ قُوِّسْتُ مِنْ كِبَرِي
لَبِئْسَتِ الخَلَّتَانِ الثُّكْلُ والكِبَرُ

فَذَكَرَ مُصِيبَتَهُ بِابنِهِ مَعَ تَقَوُّسِهِ مِنَ الكِبَرِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلى
مَعْنَى كَلَامِهِ فَقَالَ: لَبِئْسَتِ الخَلَّتَانِ، وكَمَا قَالَ جَرِيرٌ:

أتَذْكُرُ يَومَ تَصْقُلُ عَارِضَيْهَا
بِعُودِ بَشَامَةٍ سُقِيَ البَشَامُ

وكَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ
بِعَذابٍ وقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}1 فَنَهَى عَنِ الافْتِرَاءِ ثُمَّ وَعَدَ
عَلَيهِ فَقَالَ {وقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}.


1 "61" من سورة طه.

عبد السلام بركات زريق 04-13-2023 05:09 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 

الفَصلُ التّاسعُ والتّسْعُونَ



في الحَشْوِ



العَرَبُ تُقيمُ حَشْوَ الكَلَامِ مَقَامَ الصِّلَةِ والزِّيَادَةِ وتُجْرِيهِ
في نِظَامِ الكَلِمَةِ وهُوَ عَلَى ثَلاثَةِ أضْرُبٍ: ضَرْبٌ مِنْهَا
رَدِيءٌ مَذْمُومٌ كَقَولِ الشَّاعِرِ:

ذَكَرْتُ أخِي فَعَاوَدَني
صُدَاعُ الرَّأسِ والوَصَبُ


فَذَكَر الرَّأسَ وهُوَ حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لأنَّ الصُّدَاعَ مُخْتَصٌ
بالرَّأسِ، فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ مَعَهُ. وكَقولِ الآخَرِ:

صُدُودُكُمْ والدِّيَارُ دَانيَةٌ
أهْدَى لِرَأسِي ومِفْرَقِي شَيْبَا


فَقَولُهُ مَفْرَقِي مع ذِكْرِ الرّأسِ حَشْوٌ بَغِيضٌ. وكَقَوْلِ الآخَرِ:

إذَا لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ في دَوْلَةِ امْرئٍ
نَصِيبٌ ولَا حَظٌّ تَمَنَّى زَوَالَها


والنَّصيبُ والحظُّ بِمَعْنًى وَاحِدٌ.

وأمَّا الضَّرْبُ الأوْسَطُ فَكَقَولِ امْرِئِ القَيسِ:

ألَا هَلْ أتَاهَا والحَوَادِثُ جَمَّةٌ
بِأنَّ امْرَأَ القَيسِ بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا1


فَقَوْلُهُ والحَوَادِثُ جَمَّةٌ حَشْوٌ مُسْتَغنًى عَنهُ، ولَكنْ لَا بَأسَ
بِهِ في مَوضِعِهِ، وكَقَولِ النَّابِغَةِ:

لَعَمْرِي ومَا عَمْرِي عَليَّ بِهَيِّنٍ
لَقَد نَطَقَتْ بُطْلًا عَلَيَّ الأقَارِعُ


فَقَولُهُ ومَا عُمْرِي عَليَّ بِهَيِّنٍ حَشْوٌ يَتِمُّ الكَلَامُ بِدُونِهِ، ولكنّهُ
مَحْمُودٌ لما فيهِ مِنٍ تَفْخِيمِ اللَّفْظِ وتَأكيدِ المُرَادِ.
وأمَّا الضَّرْبُ الثّالثُ فَهُوَ الحَشْوُ الحَسَنُ اللَّطِيفُ كَقَوْلِ
عَوْفِ بْنِ مُحَّلِّمٍ:

إنَّ الثَّمَانِينَ وبُلِّغْتَهَا
قَدْ أحْوَجَتْ سَمْعِي إلَى تَرْجُمَانْ


فَقَوْلُهُ: وبُلِّغْتَها، حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنهُ في نَظْمِ الكَلَامِ، ولَكنَّهُ
حَسَنٌ في مَكَانِهِ، وأوْقَعُ في المَعْنَى المَقْصُودِ. وكَانَ بْنُ عَبّادَ
يُسَمِّي هَذا الحَشْوَ حَشْوَ اللَّوْزينَجِ، لأنَّ حَشوَ اللَّوْزينَجِ
خَيرٌ مِنْ خُبْزَتِهِ. ومِنْ هَذا الضَّرْبِ قَوْلُ طَرَفَةَ:

فَسَقَى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها
صَوْبُ الرَّبِيعِ ودِيمَةٌ تَهْمِي

فَقَوْلُهُ غيرَ مُفْسِدِهَا حَشْوٌ؛ ولَكِنْ مَا لِحُسْنِهِ نِهَايَةٌ! ومِنْ
ذَلِكَ قَولُ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ لِأبِيهِ زَيْدٍ، وعَدِيٌّ في حَبْسِ النُّعْمَانِ:

فَلَوْ كُنْتَ الأسِيرَ، ولَا تَكُنْهُ
إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقُولُ


فَقَولُهُ ولَاتَكُنْهُ حَشْوٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهُ وبَرَاعَتُهُ. ومِنْ ذَلكَ
قَولُ البُحْتُرِيِّ:

إنَّ السَّحابَ أخَاكَ جادَ بِمِثْلِ مَا
جَادَتْ يَداكَ لَوَ انَّهُ لَمْ يَضْرُرِ


فَقَوْلُهُ أخَاكَ حَشْوٌ ولَكنْ ما لِحُسنِهِ غايَةٌ! ومِنْ ذَلكَ قَولُ
ابْنِ المُعْتَزَّ:

إنَّ يحيى، لَا زَالَ يَحْيَا، صَدِيقِي
وخَلِيلِي مِنْ دُوْنِ هَذِي الأنَامِ

فَقَولُهُ لَا زَالَ يَحيَا حَشْوٌ يُرْبى على حَشْوِ اللَّوْزَينَجِ، ومِنْ
ذَلكَ قَولُ أبِي الطَّيِّب المُتَنَبِّي:

ويَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ
يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا، وحَاشَاهُ، فَانِيَا

فَقَوْلُهُ وحَاشَاهُ حَشْوٌ يَجْمَعُ الحُسْنَ والطِّيبَ. ومِنْ ذَلكَ
قَوْلُ ابْنُ عَبَّادَ:

قُلْ لأَبِي القَاسِمَ إنْ جِئْتَهُ
هُنِّيْتَ مَا أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ

كلُّ جَمَالٍ فَائقٍ رَائقٍ
أنتَ، بِرَغْمِ البَدْرِ، أُوْتِيْتَهُ


فَقَوْلُهُ بِرَغْمِ البَدْرِ حَشْوٌ يَقْطُرُ مِنْهُ مَاءُ الظَّرْفِ. ومِنْ ذَلكِ
قَوْلُ أبِي مُحَمَّدٍ الخَازِنِ الأصْبَهَانِيّ رَحِمَهُ اللّهُ للصَّاحِبِ:

فَإيْهِ طَرْبَةً للعَفْوِ إنَّ الـ ـكَرِيمَ، وأنْتَ مَعْناهُ، طَروبُ

فَقَوْلُهُ وأنْتَ مَعْنَاهُ حَشْوٌ يَعْجِزُ الوَصْفُ عَنْ حُسْنِهِ
وحَلَاوَتِهِ. وكانَ ابْنُ عَبَّادَ يَقُولُ: إذَا سَمِعَ قَولَ يَحْيَى بْنِ
أكْثَمَ لِلْمَأمُونِ وقَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ (لَا، وأيَّدَ اللّهُ أمِيرَ المُؤْمِنينَ)
هَذِهِ الوَاوُ أحْسَنُ مِنْ وَاوَاتِ الأصْدَاغَ في خُدُودِ المُرْدِ المِلَاحِ.


1 بيقر: خرج من الشام إلى العراق.

عبد السلام بركات زريق 04-15-2023 08:57 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
نهاية الكتاب

تمَّ كتابا فقه اللغة وسر العربية

تم بحمد الله وفضله

12-4-2023


الساعة الآن 03:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team