منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر سِحْـر المنابــر (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=65)
-   -   ** نصوص القائمة الرئيسية والمستحدثة / منبر القصص والروايات .... (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3871)

سحر الناجي 03-01-2011 06:00 AM

** نصوص القائمة الرئيسية والمستحدثة / منبر القصص والروايات ....
 
1 - إشاعة مزعجة / نزار ب . الزين



إشاعة مزعجة


قصة قصيرة


نزار ب. الزين*
*****
بعد سهرة طويلة في بيت رئيس مخفر قرية الغدير ، ترك الأستاذ مروان المضافة في طريقه إلى سكنه في المدرسة ، و في يده عصا ، يهش بها الكلاب الضالة إذا صادفته ، و بيده الأخرى ضوء بطارية ( فلاش ) ، كان يضيئه من حين لآخر تجنبا للتعثر بالحجارة التي كانت تملأ الطريق .

كانت تلك هي المرة الأولى التي يتأخر فيها مروان حتى انتصاف الليل ، أما السماء فكانت صافية و الهواء عليلا ، إلا أن القمر كان في أواخر أيامه فلن يظهر قبل الفجر ، و لكن أضواء النجوم كانت كافية لتريه طريقه بمعاونة ضوء البطارية ..
كان يصفر لحنا جميلا عندما لفت نظره ، حيوان ما ، يتعقبه ...
وجه الضوء نحوه فلمعت عيناه ، و لكنه لم يميزه ..
أما الحيوان فقد كف عن اللحاق به ، لربما أزعجه الضوء ...
" ترى هل هو كلب ضال ؟؟ "
" أم ترى هو ذئب يبحث عن فريسة ؟! "
ارتعدت فرائصه لمجرد الفكرة
و بدأ يسمع ضربات قلبه و كأنها طبل أفريقي يعلن النفير !
" لقد انتهيت يا مروان "
" آخرتك بين فكي حيوان مفترس ، يا مروان !! "
أخذ يهمس إلى ذاته و قد بدأ يشعر بشلل الرهبة .. ، و لكنه تجلد و استمر يغذ السير ..
" لا زلت في منتصف الطريق ، يا مروان "
" الله يرحمك يا مروان "
و لكنه تجلد و استمر يغذ السير ...
و من حين لآخر كان يلتفت نحو رفيقه المرعب ..
يسلط الضوء نحوه ، تلمع عيناه ، يكف عن اللحاق به لفترة وجيزة ، ثم يتابع ..
يسمع الآن لهاثه ..
" لقد اقترب اللعين .... "
يرفع مروان عقيرته بالغناء ... فيخرج صوته متحشرجاً ..
يشعر أن الحيوان أصبح وراءه مباشرة الآن ..
يلتفت مسلطا الضوء عليه ..
يا للهول إنه ضبع ..
يعرفه من ظهره المائل ..
" رأيت الضبع ( الذي أكل بياع الحلاوة) ، في أحد الأعياد ، عندما كنت طفلا يا مروان ."
" رأيت صورته في عدة كتب يا مروان .."
" الله يرحمك يا مروان "
يكاد يسقط ...
يتجلد ..
يجر قدميه ..
و لكن الضبع يبتعد عنه قليلا نحو اليمين ..
ربما أزعجه الضوء !
أخذ مروان يصرخ ، ملتفتا نحو القرية خلفه:
" وين راحوا . وين راحوا...وين راحوا النشامى "
" يا أبو عدنان ... يا أبو فيصل .. يا أبو شهاب !!!! "
و لكن الضبع لا زال يرافقه ..
يسلط عليه الضوء من جديد ..
يبتعد الحيوان أكثر ..
يعاود الغناء بأعلى ما أوتي من صوت ، يخرج صوته متحشرجا أكثر من قبل...
ثم يعاود الإستنجاد بأعلى ما أوتي من صوت الذي لا يزال يخرج متحشرجا :
" وين راحوا .. وين راحوا...وين راحوا النشامى "
" يا أبو عدنان ... يا أبو فيصل .. يا أبو شهاب .. يا أبو هايل !!!
و لكن بلا طائل فكل الناس- الساعةَ - نيام ...
يتجلد ثم يستمر يغذ السير ...
فجأة يلمح بناء المدرسة ...
" لقد اقتربت من طوق النجاة يا مروان "
" تجلد يا مروان "
" إنها بضعة أمتار يا مروان "
يسلط الضوء نحو اليمين
" لا زال اللعين يرافقني "
يقترب من المدرسة ، يجري ، يخرج المفتاح من جيبه سرواله المبلل بيد مرتعشة ، يصعد الدرجات الثلاث قفزا فيتعثر ، ينهض بسرعة ، يفتح باب غرفته ، يدخل و هو يلهث ، و طبول قلبه لا زالت تدق ايقاع الخطر ، يقفل الباب ؛ يجر الطاولة وراء الباب ... ثم يتهالك فوق سريره ، و هو يهمس إلى ذاته :
" لقد نجوت يا مروان ... "
" كاد الضبع يلتهمك يا مروان ... "
" و ليمة عشاء فاخرة ، كنتَ ستمسي ، يا مروان "
" ربما كان سيدعو أم عياله السيدة ضبعة ، و جراءه الجائعين ، أو ربما كان سيجرك إليهم .... يا مروان "
" الحمد لله على سلامتك .. يا مروان ..."
*****
في اليوم التالي ، قص ماجرى له ، على كل من صادفه .
صدقه البعض و ظن البعض أنه متوهم !
و بعد انتهاء الدوام المدرسي ، توجه إلى المخفر ، ليحكي لصديقه أبو عدنان - رئيس مخفر الغدير - عن تجربته المرعبة تلك ، و يعاتبه لأنه لم يرسل معه مرافقا ليلة أمس .
و تصادف وجود أحد وجهاء القرية ، الذي أكد أن مرافق الأستاذ كان بالفعل ضبعا ، و لكنه لم يكن جائعا ، فقد نبش قبر طفلة رضيعة كانت قد دفنت بالأمس ؛ ثم أضاف ضاحكاً :
- و لولا أنه كان ممتلئاً لكان الأستاذ مروان وجبته ! .

*****
انتشرت ، قصة الأستاذ مروان بين أهل قرية الغدير ، ثم تناقلتها الألسن إلى القرى المجاورة ثم إلى مركز المحافظة ، كانوا ينقلونها بصور شتى و بأساليب مختلفة ، حتى تطورت إلى عبارة : (( الضبع ، أكلَ الأستاذ مروان ، معلم مدرسة الغدير))
و بطريقة ما بلغت القصةُ العاصمة .
ثم تناولتها إحدى الصحف مُبهَّرةً محوّرة !....

*****
بعد بضعة أيام ، فوجئ الأستاذ مروان بحافلة تقف جوار المدرسة ، ثم يترجل منها والده و عمه و شقيقيه و بعض الأقارب !!!
و ما أن رَأوه حتى هرعوا نحوه يضمونه إلى صدورهم مهنئين بسلامته .
-------------
نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
***********

نزار ب. الزين
قالت الحكمة وهي تتجول بتؤدة على مرافئ الزمان أن :
كل شئ إذا كثر رخص إلا الأدب فإنه إذا كثر غلا ..
و أضافت بكبرياء المنطق : للصمت أحيانا ضجيج .. يطحن عظام الصمت ..
وفي قصتك الباهظة الحرف سيدي.. لم يكن للصمت من ظلال على جدر الألسنة ..
وأولئك من يلوكون الحدث بحناجر ثرثارة لا يدركون أنهم يغتالون الحقيقة في بهراوة المبالغة ..
وجلنا الأستاذ مروان لولا تفاوت الحكاية .. وهزال الأصوات المتفاوتة بين مصدق ومكذب ..
حينها سيقبع القطن في الأسماع لهنيهات تمتد أصابع المبالغة لإزالته كي تزرع الوهم ..
رائعة انسكاباتك فاضلي .. وكانت غيومك باهرة المطر ..
سلام على روحك ..


سحر الناجي 03-01-2011 06:04 AM

2 - أليانا / أريج عبد الجليل




تساقط ...تساقط في نسق الحياة ... اضحى الكون رتيبا˝ ..يطقطق ..كل يوم ..بنفس النسق ..طق طق طق ..تساقط في احداث جرت ..ثم بدأت تتداعى .أكان الخطا من المؤلف ام من المخرج ؟ ام من الممثلين ..وتلك الجوقة التي تسمر افرادها رعبا من تلك الكلمة التي اطلقتها ..أليانا ..نعم هي من اطلقت تلك الكلمة لتدوي في ارجاء المسرح ...طراااخ ...اليانا ...الفتاة الصغيرة ..هل من الممكن ان تكون هي ...ولكن لماذا ؟ ما الذي غيرها في هذه اللحظة ؟ أهو المشهد الأخير ؟ام توبيخ المخرج لها في المشهد السابق .. الياانا ؟؟؟ اين انت ؟؟اين ذهبت ؟؟ ياللهول ؟؟كل شيء اصبح مظلما ..تتراءى بين ستائر المسرح ظلال ...خرجت من بين الستائر ...ظلت تتأرجح في صمت ..اليانا ..اليانا ..يا ألهي ..اليانا تتدلى من السماء كملاك صغير ... يا لجمالها ؟!! ولكن ..اليانا ...الياناااااا .لا اا ..هرعت الجوقة جميعها الى اليانا ..يتدلى جسدها الهزيل من على المسرح الذي بدأت حياتها فيه وقررت ان نتنهيها فيه ... اليانا ..تتدلى من اعلى المسرح وقد تجمدت دمعتان على ارضية المسرح .. دمعتان ما زالتا حارتين ...تحملان حرارة الالم الذي شعرت به كل تلك السنين ..اليانا ..تلك اليتيمة ...التي كانت تمني نفسها بان تقول امي ..أبي ..تدلت والموت يقبض بكفتيه على عنقها الصغير ..اليانا ...ذاك الملاك الذي ظلمه الآخرون ..حتى انهم نعتوها ووصموها بالجنون احيانا ..لانها اثرت الصمت في معظم الاحيان ..لأنها عزلت نفسها عن الأخرين ..اليانا تلك الفراشة البيضاء ...قتلت ...لم تنتحر اليانا ...اليانا قتلت ...تتجمع الحشود ..أهذا جزء من العرض ...تتسلل بين الحشود رؤوس صغيرة ...اهذه اليانا ؟؟ انهم اطفال الملجأ ..يحبون اليانا كثيرا ..يعشقونها ..حد الجنون ..فهي كانت لهم الأسرة الوحيدة في هذا االعلم ...انطونيو يصرخ ,,!! اليانا اهذا المشهد جزء من المسرحية ..اليانا ...صامتة ...ردي اليانا ...لا تجيب ...انطونيو يصرخ بحنق شديد على هذا الكون ...يصرخ وهو ينظر الى المخرج والى الجوقة والى الحشود ... قتلتموها ..نعم انتم من قتلها ... ظلت تكافح لأجلكم ...ظلت تحاول ان تثبت نفسها في هذا الكون ..ولكنكم قتلتموها ...انطونيو يجلس تحت ظلال المشهد ويتلمس دموع اليانا ويمسحها على وجهه ..اليانا ...اليانا ..لمن تركتينا ؟ من سيدفعنا الى التفاؤل بعد الآن ؟؟ من سيوبخنا عندما نسرق ؟ من سيقول لي ليلة سعيدة ويقبلني على خدي ....اليانا ..تكوم جسد انطونيو بين الحشود وهو ينظر الى الخواء ..أظلم العالم في وجهه في تلك اللحظة .. ظل يردد ..أليانا ..أليانا ...لا ترحلي اليانا ... تجمعت الجوقة حول جسديهما وهم ينظرون دون حراك ؟.. نظر المخرج الى وجهه في مرآة الممثلين ..وجد نفسه قبيحا ...جدا ..ظل ينظر الى نفسه بحنق شديد من انا ؟؟ وماذا فعلت ؟؟ يا الهي ..قتلتها !! ما كان علي ان اوبخها ..ما كان علي ان اصرخ في وجهها .. يا الهي ماذا فعلت ..يسقط المخرج على ارض المسرح وهو يردد ..قتلت اليانا ..نعم انا قتلتها ..تتجمع الحشود حول المخرج وهي تنظر ... بدأت الحشود في الاختفاء قليلا قليلا خلف ستائر المسرح ..أسدل الستار جزئيا ..حتى تلاشى كل شيء ...ما عدا اليانا ..تلك الروح الرقيقة التي ظلت تجول حول ذلك المسرح وتعتني باطفال الملجأ ..وانطونيو الذي اصبح شخصا غير مألوف ... اصبح اليانا اخرى .. الآن فقط اسدل الستار ووقف الجميع وصفقوا .

**************

أريج عبد الجليل
عند تأفف الحدس الجالس واجمآ على كرسي الوعي من رتابة المساء ..
تأتينا على حين غرة حشرجة تنوء بالبيان وتحرر أصابع الدهشة ..
التسمر .. هو التعبير الأولي لاصطفاف الإدراك أمام انسياب الفكرة ..
حقآ .. لا يجني المتلقي من براعة المبدع سوى حفنة من النقوش التي تعتلي الذاكرة ..
ويكفيني هنا .. أني قرأتُ باستمتاع حد أني أعدت توزيع أحداقي مرارا على الجمال ..
عادة ما ألتقط شيئآ من الروعة إذا ما مررتُ من خمائلها ..
وهذا الفوج من المعاني الراقية هو ما صاحبني قيبل الرحيل ..
مذهل عطرك يا أريج .. وبهي الرائحة ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 03-01-2011 06:13 AM

3 - حب بلا أحلام / حسام سيف

حب بلا أحلام



استفاقت وابتسامة الرضى تجمل وجهها القمري من غفوة تحت ظل شجرة زيتون مثمرة
اتكأت معتدلة في جلستها تلملم خصلات شعر تناثرت فوق وجنتيها
برباطٍ أحمر

نظرت بطرف عينها للسماء فانكسر شعاع شمسها فوق سواد عينها
فتوارت على عجل خلف جبال القرية خجلاً
من جمال فتاة البستان


لحقت بها تخطو خطوات حمامة تلاحق حبيبات الذرة
تقطف ثمرة تفاح هنا... تمسك غصن شجرة هناك...

تقفز عالياً تداعب عناقيد العنب
فرحةً بحلم زارها منذ لحظات

حبيب ترملت يدها بين يديه ، حبيب نفر الليل من سواد شعره
حبيب غرق نهر الصبح في وجنتيه ، حبيب تهابه شموخ الجبال

صمتت . . وقفت . . نظرت . . استدارت

بركان حزن ثار على محياها

حبيب من صنع الأحلام . . أين سوف يكون

هل له وجود ..!!

سؤال راودها

نفض عنها كل شي جميل
في لحظة حزنٍ بارد

لسعة حرارة توهج لها الخدّان حمرة

استدارت

إنها أشعة شمس تحث على المسير

لسفح تل يطل على مشارف قريتها

سارت تجاري شمس يومها
تصعد تل قريتها

ولكن بخطوات مثقلة وروح ساكنة
وطيف هدوء سقيمٍ يحوم حولها
ترانيم حديث من بعيد أفزع مسامعها
فهي لم تعتد وجود بشر في طريق عودتها

وقفت ملتفتة نحو مصدر الصوت فإذ هو راعي القرية وشاب غريب تعرفت على ملامحه هذا الصباح

اقتربت بهدوء منهما مختبئة خلف شجرة بلوط
إنه حديث عن الحب
فنظرت عالياً هل هناك من وقت النهار متسع ...!!
فوجدت شمس نهارها متكأة على تلٍّ
تنتظرها


جمدت كل حواسها عن الحراك ما عدا مسامعها
لتسمع حديث الحب
بين الشابين
سأل الراعي الشاب الغريب

ما سر حياة الحب من وجهة نظرك ...؟؟
فأجاب
إنه العطاء
ورده عليه بنفس السؤال بلهجة تهكم
ما سر حياة الحب من وجهة نظرك أنت ...؟؟

فأجاب الراعي
إنه الوفاء

فاستدارت بوجهٍ يتوهج حمرة خجل
لشمس نهارها تهمس بعهدها الأبدي
حبيبي . . لن أغفو بعد اليوم


بقلم
حسام سيف
توثيق
29/2/1432هـ

**************

حسام سيف ..
ابتسامة تستلقي على الشفاه باهتة حين يعترينا ذاك الملبد بالوجيب ..
قنديل مبحوح الوهج .. يتسلل إلى الأفئدة ونخاله البدر في سطوعه ..
وفي أحلامنا نخال ذاك الطيف الذي قد يشطرنا إلى أنصاف .. وكأنه أعجوبة الزمان ..
والتلصص إلى أهازيج القلوب كالتنصت إلى أغنيات الشعور على حقول الزمن ..
ومن يغفو والأحلام بجنونها تنفي النوم من عيوننا ختى توشم بالذبول والشتات ..!!
حكاية قلب مرهف .. استدعت حدقي فأتيت لأرى ما خطبها ..
ومضيت وأنا أحمل في كفي أمنية قلب يحلم بالعشق ..
شكرآ كبيرة لهذا المطر ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 03-01-2011 06:22 AM

4 - تواشج / غازية منصور الغجري




عرضت نصف ثروتها مقابل تبادل نصفها الأعلى مع خادمتها ...

في العيادة صرخت الثانية ..

السيدات

أ

و

لاً .

***

سحبته إلى الشرفة ..أشارت الى الأرنب وانثاه بحسرة ..هل ترى عظمة هذا التواشج ..

قال لها في ارتباك : - هل أنجزت ترقيع سروالي الأسود؟..

***

انعتاق ..ق ق ج

كان حلمه أن يدخل سينما القدس كما رفاقه كل خميس ..وكان والده يتهمه بالفسق ..ويحذره من شر أحلامه ..عاد من المدرسة ...وجده محمولا على الأكف وسط جماهير غفيرة ..سقط مغشياً عليه .. ملئوا أنفه بغاز الحياة من فحل من البصل .. نهض مسرعاً باتجاه الزاوية التي خبأ فيها سجائر و تذكرة ..خطفهما فرحاً و أطلق لرجلية العنان .


****

تكفير..


..أغرقت شوارع المدينة بالدموع عند صوت الباب المدوي خلفه ..عاد بعد ربع قرن ..أخذها في رحلة علاج طويلة تكفيراً عن ذنبه .. هدم بيتها المتواضع وشيد لها قصراً باذخاً ..في تلك الأثناء ، ذهب عقلها مع ذكرياتها وصباها وهو يرتجف ويفأفئ .

************

غازية منصور الغجري
في كوخ ناء على تلال الخيال سمعت صوت حكاياتك ..
وتحت خميلة الدهشة تراصت حروفك تحتمي بظل ظليل ..
وخلف النوافذ الخشبية كان ثمة ستارة حيث طيف يطل من حرير الصمت ..
ذاك كان يراعكِ الذي حمّل الغروب مزيد من القرمزية ..
فجاء الظلام ينوء بتراتيل بقصة الزمان الموغر بالضوء ..
قصص رائعة ومنثور خلاب ..
سلام على روحك

سحر الناجي 03-01-2011 06:27 AM

5 - وداع / حيال محمد الأسدي

وَدَاع


تَمَعَّنَ فِي تَقَاطِيْعِ وَجْهِهَا
أَحَسَّ بِتَنَاغُمٍ سَاخِنٍ
بَيْنَ رَجْفَةِ شَفَتِهَا السُفْلَى
وَ نَبْضِهِ
مَرَّرَ اصْبَعَهُ عَلَى الفَجْر
اعْتَقَلَ خِصْلَةً جَذْلَى
وَ أَعَادَهَا
الَى اللَّيْلِ السَارِحِ
علَى كَتِفَيْهَا
تَقَدَّمَ نَحْوَ البَاب
لَوَّحَ بِيَدِهِ
ظَلَّتْ هِيَ جَامِدَةً
كَأَنَّهَا نُصْبُ خَيْبَة
سَقَطَتْ دُرَّةٌ
حَرَثَتْ حُمْرَةَ الشَفَق
وَ مَعَ البَابِ
قَلْبُهَا انْغَلَق !!


حِيَال مُحَمَّد الأَسَدِي
************
حيال محمد الأسدي ..
الوجوه وحدها سيدي تحمل تضاريس القلوب الغارقة في لجة الشعور ..
أصابعك أزاحت ستار الدهشة عن شبابيك أحداقنا لتسدل حرير الذهول ..
أنا هنا أجدني أمسك على الوداع بأطراف مدببة الإنتباه ..
أجدت في أن تجعلنا نرتقي للغيم ونشاكس المطر ..
حرفك باهظ سيدي .. ويتوهج بالتميز ..
سلام على روحك



سحر الناجي 03-01-2011 06:33 AM

6 - شعرها برائحة الدرّاق / محاسن سبع العرب


شعرها .. برائحة الدراق .. ( ق . ق . ج )

كان يحدثها طوال الوقت عن زهور دراق ليلكية تكاد تتفتح ..
ولما أثمر
الدراق .. وحان قطافه ..
كانا قد افترقا ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسرّت له :
ـ لما أنام .. أتوسّـدُ شـَــعـري

ذهب بخياله إلى البعيد ..
تخيّـلها نائمة تتوسد غيمة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ هل شعرُكِ طويل كما أشتهيه ؟

ـ هو تماما ً .. بطول أحلامي معك ..

بعد سبعة أيام فقط .. قصته إلى ما فوق كتفيها ..

*****************

محاسن سبع العرب
بين خصلات شعثاء من الأماني دس يراعك أنفه ليتشمم الحكاية ..
كانت الغيوم التي اكتنزنت على كتف خيالك مسرفة بالبياض ..
والبرق وحده يناكف المدينة الغافية على سفح وعينا ..
فجاءنا حرفك بحفنة مضيئة من المطر اللذيذ ..
جميلة هي رائحة الدراق هنا ..
سلام على روحك

سحر الناجي 03-01-2011 06:41 AM

7 - ذات مساء / مراد عبد

ذات مساء ...



جاهد العجوز طويلا ليصعد السُلم ، مغالبا سني الغربة التي أحنت ظهره ، ومتكئا على قلبه الكسير . يحث ساقيه المتخاذلتين لتضعا قدميه أمام الباب ، وقد تلاشت في خاطره صور غائمة لذويه ..
وفي الصباح فتح الصبي الباب ، صاح : أبي ! أبي ! غريب يرقد عند بابنا .


***************

مراد عبد ..
كيف حدث وأن شعرت بالخطوات الهزيلة هنا تسقط بعثرة الزمن ..!
بين قناديل الأيام نسي العجوز قواه على رصيف الذكرى ..
وبين ذراعي النهاية قال الفجر أن لا عتمة ستهب على الأفق بعد الآن ..
وعند الأبواب المغلقة ثمة حكايات حبيسة الأطياف المنسية ..
يراعك وكز الحزن في أعماقنا فأطلت الدهشة تروي الحبور ..
سلام على روحك ..

حمود الروقي 03-10-2011 12:28 AM

تجربة للــرد في هذه الصفحـة المصابة بـداء البيـاض :)

سحر الناجي 03-10-2011 11:44 AM

8 - ميدان التحرير 5 زوجة وام / روان عبد الكريم

مساء اخر كئيب يحل على مدينتى الهادئة , أسمع حثيث
خطواتك الخافته , تصعد فى هدوء الخائف ثم تتوقف
عندها,من تخدع يا عامر..اعلم انك لديها...اكاد اشعر تغير
الهواء حولى حينما تختلط به انفاسك , انظر للمرآة الموشاة
بسواد السنين, انزع الشعرةالبيضاء العنيدة, تذكرنى انه مر
عاماً لم اخرج من قوقعتى بكلمة ما ..تخليت عن مشرط
الجراح فكيف لطبيبة رأت إبنها الشاب صريعاً ان تمسكه
مدائن الالم تقلصت على ثدى المعطوب , هذا الثدى المعطوب
كان اول يؤنس قبره..تصعد السلم فى تؤدة المتأمر افتح الباب
تقف وهى خلفك كالظلال..تدخلان دون وعى منى... تقتحمان
خلوتى الاثيرة اشد يدى على صدرى الخاوى ...ياتينى صوتك
سحيقاً مرتجفاً:-
هى خائفة تعلمين ان زوجها مسافر وتلك المظاهرات اللعينة والبلطجية و
اقاطعك باماءة متفهمة.. تغترفان من صمتى جراءة وتنسجان
من حزنى هراء ..تقبران وجودى ..تحبسان عنى هواء الغرفة
..تدس لها سيجارة بين شفتيها القاستين المصبوغتين سوداً
وتمسك هى بمخالب يدها صورة ابنى وتقول:-
له نفس عينيك اللوزتين يا عامر وتغمز فى خفة الى صدرى
الخاوى ثم تلقى الصورة باهمال ..تنفجر حمم الغضب
بداخلى تدوس اخضركما ويابسكما تماما كما انفجرت منذ عام
وانت تهذى:-
ابنك المدمن وجدوه ملقى فى الطريق الصحراوى اثر حقنة هيروين.
يومها لطمت وجهك ووضعت بينى وبينك سدوداً من غبار
تحول عني رؤية مساحات الخوف بداخلك وقد هشمت قامتك
واحنت ظهرك واعطبت عقلك وأنستك هذا ألابن الطيب
الحنون الذى اختفى اثر قيادته مظاهرة فى الجامعة.
حينما أنهى هجومى العارم عليكما ..تؤلمنى نظرة االإرتياع
فى عينيك وتبهجنى اثر اظافرى على وجهها وفرارها منى.
أستعيد خلوتى الآثيرة ...تلوذ بحجرتك لعل الجدران الفاصلة
تحول بين ماضينا وحاضرنا ..افتح النافذة اتنفس هواء اوائل
فبراير العذب بينما صوت ابنى الحنون يهمس من بعيد:-
"مش هنطاطى مش هنطاطى احنا كرهنا الصوت الواطى"
أحس به يدس وجهه الفتى فى صدرى الخاوى فاشعر
بالامتلاء ..تسقط خيوط الشمس الحنون على جفونى.. فاعلم
ان روحاً اخرى تطير شعاعاً معها ..يحتوينى صوت سامر
اخى عبر الهاتف واعرف ان على الدرب شهيدً جديد

******ُ

فى الظهيرةجلست فى الميدان امام بقعة الدم الدافئة ارسم
حولها دوائر بينما الطفل ذو العينين اللوزتين يساعد سامر فى
المسشتفى الميدانى ثم يعطينى بعض الماء ..بينما يهمس
سامر اسمه احمد فانظر له بتساؤل..وهو يقول:-
اخبرنى احمد شقيقنا الكبيرقبل استشهاده انه سيتكفله ..احتضن الصغير واغمم سافعل انا ..يربت سامر على كتفى:-
اذن لديك منافسين فهذا المصرى الامريكى الذى يبيع الجرائد
وهناك ام فقدت ابنها ايضا وووووو
اقاطعه والطفل فى احضانى:-
سافعل انا
ساكمل ما بداه اخى وابنى ..ساقبع فى الميدان..رايت ابنى
مراراً بين الثوار.. فى اعين الثوار.. فى صوت الثوار فى
خطوات الثوار ..اصبح فى يدى المرتجفة قوة ..تعود الطبيبة من جديد ..يعود ابنى من جديد
كاحلام الشتاء الدافئة تأتينى يا عامر, كظل رمادى انسلخ من
واقعه الكئيب ..تسمرت عينيك باسفلت الميدان.. يهمس
صوتك :-
سامحينى فلا اجيبك سوى سوى بهامة مرفوعة ..:-
بل اسأله ان يسامحك ..من اطعمته يوما هذا الصدر الخاوى
حينما يجاوبنى الصمت مذهولاً ..اجد فى عينيك مدن خربة
وقلاع مهدومة وسفناً بلا مرسى تتطاير اشرعتها كشعرك
الليلى يهزها الهتاف من حولى:-
ارحل ارحل
تتناثر غباراً فضياً فى مسائى الحزين وحينما تطالع عيناى
رقمك على الجوال ويدى منهمكة فى اعادة ضمادة احمد
الصغير اغالب جبال الحنين فتقهرنى ويأتى صوتك الحالم
كذاك الصباح البعيد حينما ينتابنى الغثيان وعينيك تغمز بفرح
على بطنى المتكور...يضم صوتك ماضينا وحاضرنا فى
حماسة لاهبة:-
لقد اقتحمنا مقر امن الدولة... لن اهدئ حتى اظفر بقاتل ابنى
....لكنك تظفربسرداب كئيب يعصر روحك وحجرة مقبورة نقش على جدرانها بالدماء خطاً تعرفه واعرفه:-
امن الدولة ظالم ظالم... امن الدولة كافر كافر

مدائن الالم تقلصت على قلبك الذهبى ايها الحبيب فخمد النبض الحنون...اعرف انك قريباً منى ايها العملاق فرائحة الهواء تحمل انفاسك الياسمينية وحثيث خطاك الهادرة يهز الاغصان فتصرخ:-
الشعب يريد حل امن الدولة


**************************

روان عبد الكريم
مساء يتحول إلى أهزوجة وحكاية ملبدة بشفاه الزمان ..
عندما يطل القلب من نوافذ الصدور ويمسك بأطراف نبضه بحفنة شعور ..
قد تكون بادرة أن الآت سيكون موشوم على حواسنا ..
في هذه المساحة عدوت معكِ على شاطئ الحدث حتى اللهاث ..
كان سردكِ واقعيا حتى استشعرت بالنهاية تمهرينها في دمي ..
لن تكون هذه نهاية حلولي هنا .. سأعود بلاريب مع جديدك ..
بلغي قلبك أجمل التقدير


سحر الناجي 03-10-2011 12:44 PM

9 - عندما هجم الظلام / م . يحيى خان


[عندما هجم الظلام] - تجربة مع الرعب - يحيى خان


فجأة ..
ودون مقدمات ..
ساد سكون عجيب أرجاء المنزل، مع توقف جميع الأجهزة عن العمل دفعة واحدة!..
ولأنّ نومها خفيف، فقد شعرت المرأة بذلك فوراً ..
وفتحت عينيها ..
لينتفض جسدها بقوة، مع عدم رؤيتها لأي شيء!..
أجل ..
هـذا بالضبط ما دفعها للانتفاض ..
أنها لا ترى أي شيء ..
بتاتاً!..
الظلام الأسود القاتم يحيط بها من كل اتجاه ، ويمنعها حتى من رؤية كفها التي قربتها من وجهها في محاولة يائسة ..
ما الذي يحدث هنا؟!..
صرخت بالسؤال داخل أعماقها ، ليحمل الصدى إلى عقلها جواباً سريعاً ..
ربما مجرد حلم!..
ظلت ساكنة في مكانها لبضع ثوان ، قبل أن تعتدل جالسة فوق الفراش ، وقـد صفى ذهنها قليلاً من أثر النوم ..
ليس حلماً إذاً ..
التيار الكهربائي انقطع عن المنزل!..
أجل ، هذا ما حصل بلا شك ..
هل هو عـطـل فني من شركة الكهرباء؟..
أم ...؟
شعرت بقبضة تعتصر أحشاءها ، مع التوتر المصاحب للهاجس ..
هل يعقل ما تفكر فيه؟!..
لكنّ ذلك يحدث فقط في الأفلام التي اعتادت مشاهدتها!..
القاتل المأجور (أو السارق) يصل إلى القاطع الكهربائي الرئيسي للمنزل و ...
لا ..
هـزت رأسها بشدة ، لتنفض عن خاطرها هذا الهاجس ، وواصلت طمأنة نفسها بأنّ ذلك لا يمكن أن يحصل معها هنا في بيتها ..
إنه عطل في الشبكة الكهربائية بلا شك ..
الهجوم الحقيقي الوحيد الذي تتعرض له هو هجوم الظلام!..
هذا العدو الأسود ، الذي يطبق عليها الآن من كل اتجاه ، باعثاً في جوانبها ضيقاً يمنعها من التنفس بسهولة ..
يا الله!..
كم هي غالية نعمة الإبصار ، وكم هو مؤلم هذا الشعور بفقدها ، حتى لو كان مؤقتاً ..
أدارت المرأة رأسها يمنة ويسرة ، محاولة سبر أغوار الظلام ، ولمحت ما بعث القشعريرة في جسدها ..
فهناك ..
في مكان ليس ببعـيد عنها ..
نقطة ضوء صغيرة ، خافتة ، معلقة في الهواء ، خضراء اللون!..
يا إلهي!.. ما هذا؟!..
لم يتجاوز هذا التساؤل شفتيها المرتجفتين ، مع استمرارها في التحديق المذعور نحو تلك النقطة من الضوء ..
ثم اجتاح تفكيرها هاجس مخيف آخر ..
الجن؟!..
هل يعقل ذلك؟!..
لقد قرأت العديد من القصص عما يمكن أن يفعله الجن داخل الغرف والمنازل لإخافة بني البشر ، فهل هي الآن تواجه أحدهم؟..
يا إلهي!.. يا إلهي!..
لم تجد المرأة من الشجاعة ما يكفي لكسر حاجز السكون الخانق ، فكتمت بكفها صرخة رعـب كادت تفر من شفتيها ، لتجد طريقها نحو عينيها ، فتخرج مع دموعها المنهمرة في صمت ..
ثم تذكرت شيئاً ..
هاتفها الجوال ..
أجل ، الهاتف مزود بشاشة خاصة تصدر ضوءاً ساطعاً عند لمسها ..
وهذا أكثر ما تحتاج إليه الآن .

الضوء ، لترى ما حولها ..
مسحت دموعها بسرعة وقـد تجدد الأمل لديها في الخروج من هذا الظلام ، ثم أخذت تتلمس بكفيها في بطء وحذر المنطقة المحيطة بها بحثاً عن الهاتف الجوال ، وسط مجموعة من الأغراض الشخصية المتناثرة ..
ساعة معصم ، زجاجة عطر ، رواية و ...
وصلت بأصابعها إلى الجهاز الصغير ، متعرفة على أبعاده وشكله المستطيل ، فـقـبضت عليه بقوة ، وضغطت بلهفة على الزر الخاص بفـتح عمل الشاشة ، ليمزق الضوء الصادر منها جزءاً من الظلام الدامس أمام وجه المرأة ، مما أجبرها على إغلاق عينيها لثوان قليلة ، قبل أن تعاود فتحهما .
وعلى الفور ، أدارت الجهاز لتوجه ضوء الشاشة نحو تلك النقطة الخضراء ، وقد جهزها خيالها وخوفها لرؤية مخلوق عجيب بعين واحدة ، يقف هناك في ثبات ، مستعداً للانقضاض عليها في أية لحظة ..
لكنها وجدت شيئاً مختلفاً تماماً ..
جهاز التحكم عن بعد بوحدة التكييف المنفصلة ، يقبع هناك بين أحضان الحامل البلاستيكي الصغير المثبت على الجدار ، ونقطة الضوء الخضراء في طرفه تشير إلى أن بطاريته مازالت تعمل ..
أفرغت المرأة ما بداخلها من توتر عبر زفرة طويلة ، وشعور خفيف بالخجل حاول العثور على مكان له في فؤادها ، لكنه سرعان ما استسلم وانسحب تاركاً المكان بأكمله لشعور الخوف والاضطراب ..
في اللحظة التالية، انطـفأت شاشة الهاتف الجوال ، لتعطي الفرصة من جديد لهجوم الظلام ، فأسرعت المرأة بلمس الشاشة ليسطع الضوء مرة أخرى ، وقد تذكرت حقيقة أن نظام حفظ الطاقة في الجهاز يحتم إطفاء ضوء الشاشة بعد 10 ثوان من عدم الاستخدام ..
الساعة الرقمية في الطرف العلوي الأيسر من شاشة جهاز الهاتف تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل ، فخطر للمرأة أن تتصل على زوجها المسافر في رحلة عمل قصيرة مع اثنين من زملائه ، لكنها عدلت عن ذلك بسرعة ، فليس هنالك الكثير مما يستطيع الزوج فعله في مثل هذا الوضع ، كما أن خوفها أقوى من أن يسمح لها بالحديث وسط هذا الظلام الكثيف ، والهدوء المرعب ..
أقسمت في قرارة نفسها أن تعطي زوجها وقتاً عصيباً عند عودته غـداً إلى المنزل ، كي لا يتركها وحيدة على هذا النحو مرة أخرى!..
ومع وصول خواطرها إلى زوجها ، تذكرت المرأة أمراً مهماً ..
المصباح الكهربائي الصغير ..
أجل ..
زوجها أخبرها قبل سفره بأنه قد تركه داخل أحد الأدراج في غـرفة المعـيشة ..
لابد لها إذاً أن تصل إليه بسرعة ، كي يمنحها شعوراً ببعض القوة والسيطرة أمام العدو الأسود ..
وعلى الرغم من الهواجس التي اجتاحتها وهي تتخيل الرعب الذي ينتظرها عندما تتحرك وسط الظلام من هنا إلى غرفة المعيشة ، إلا أنّ مؤشر البطارية في الهاتف الجوال أكد لها بأنه من الأفضل أن تسرع في خوض الرحلة ، قبل أن تستهلك الطاقة المتبقـية فيه ، وتجد نفسها غارقة في الظلام الحقيقي ..
الرجفة في ساقيها (أثناء نهوضها من السرير) أجبرتها على الاستناد إلى أقرب قطعة أثاث لبضع لحظات ، حتى تمالكت نفسها واستعادت توازنها ، لتـتـقـدم ببطء نحو باب غرفة النوم ، مستعينة بالضوء المنبعث من شاشة الهاتف ، وهي تحركه يمنة ويسرة ..
ومع تجاوزها لتلك المرآة المستطيلة في ركن الغرفة ، توقفت فجأة ، وقد انعقد حاجباها في شدة ، مع رجفة قوية سرت في أوصالها ..
انعكاس صورتها لم يظهر في المرآة أثناء مرورها بجانبها!..
لا ..
مستحيل!..
بالتأكيد هي لم تتمكن من رؤيته بسبب ضعف الاضاءة حولها ..
هل تعود بضع خطوات لتتأكد؟!..
لا! ، لن تعود ..
بلغت باب الغرفة في تلك اللحظة ، فأمسكت بمقبضه بأصابع مرتجفة ، وقد خيل لها بأنها تسمع نبضات قلبها المتسارعة تمزق هذا الصمت من حولها ..
ترى ما الذي ينتظرها خارج الغرفة؟..
هل ستدير المقبض؟ ، أم تعود أدراجها إلى الفراش ليحتضنها بعيداً عن الخطر؟..
لا ..
ليس لديها الخيار هنا ، يجب أن تتقدم ..
وبهدوء شديد ، أدارت المقبض الدائري ، وسحبت الباب ببطء لتفتحه بما يكفي لعبور جسدها ، ثم وجهت ضوء شاشة الهاتف إلى الممر أمامها و ...
شهـقـت بعنف عندما لمحت شيئاً يقف هناك ، في أحد أركان الممر ، وكادت الدماء تجف في عروقها ، لكنها سرعان ما زفرت بعصبية مع إدراكها لحقيقة ما تراه ..
جـرّة فخارية كبيرة الحجم ، تبرز من فوهـتها عشرات القطع البلاستيكية النحيلة ، التي امتزجت ألوانها العـديدة لتصنع تحفة جمالية بديعة ، تزين الممر في الأوقات والأوضاع الاعتيادية ..
لكنّ الأوضاع الآن غير اعتيادية أبداً ، أليس كذلك؟!..
هكذا حدثت المرأة نفسها ، وهي تتقدم ببطء عبر الممر إلى حيث تنتظرها غرفة المعيشة في نهايته ، وضوء شاشة الهاتف يمزق بعض قطع الظلام في وهـن ، أثناء تحركه يمنة ويسرة دون توقف ..
ماهذا؟..
هل تسمع صوت تنفس شخص ما؟! ، شيء ما؟! ، أم أنّ ذلك من صنع هواجسها؟..
ربما كان ذلك اللص الحقير ، الذي تعمد قطع الكهرباء عن المنزل؟!..
دارت بعينيها في كل اتجاه أثناء تقدمها في الممر ، مع حركة ضوء شاشة الهاتف ، وهي تتوقع أن ينقض عليها اللص بغتة من مخبئه ، وحانت منها التفاتة نحو الدرج المفضية إلى الطابق السفلي ، فارتجفـت بعنف وهي تتخيل نفسها تهبط من خلاله إلى قلب الظلام ، ليلتهمها بسهولة بين أنيابه!..
يا إلهي!.. يا إلهي!..
لم تحتمل أعصابها أكثر من ذلك ، فبدأت في البكاء الصامت ، وهي تعض شفتيها بقوة لتمنع الصرخات من الهرب خارج فمها ، وهرولت نحو غرفة المعيشة كأنما تحاول الفرار بسرعة من كل ما ينتظرها ..
أسرعت إلى مجموعة الأدراج في ركن الغرفة ، وفتحت أولها ، لتبحث في محتوياته بعصبية عن المصباح الكهربائي ، معتمدة على أصابع يدها اليمنى ، حيث انشغلت يدها اليسرى ، الممسكة بالهاتف، بمسح الدموع التي تمنعها من الرؤية ..
لا شيء!.. أين المصباح؟..
أغلقـت الدرج الأول بعنف وحنق ، لتنقض على الدرج الثاني ، وقد ازداد ذعـرها مع الهاجس الذي يخبرها بعدم جدوى ما تقوم به و ...
ها هو المصباح الكهربائي!..
قبضت عليه تماماً كما يقبض المرء على طوق النجاة الذي يلقى له في عرض البحر وهو على وشك الغرق ، وضغطت ذلك الزر الصغير في منتصفه ، لينطلق الضوء الأبيض القوي ، ممزقاً جزءاً لا بأس به من الظلام ..
عندها فقط خارت قواها ، وتهالك جسدها على أرض الغرفة ، لتستند بظهرها على طرف الأريكة ، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة من فرط التوتر ، مع استمرار تدفق فيضان الدموع ..
دقائق عديدة انقضت ، لم تتوقف خلالها المرأة من توجيه ضوء المصباح إلى كل ما حولها ، قبل أن تستعيد قليلاً من هدوئها ، وتلملم شتات شجاعتها ، لتنهض مستندة على طرف الأريكة ..
يجب أن تعود الآن إلى غرفة نومها ، لتستقر فيها لحين عودة الكهرباء ، أو طلوع الشمس بعد ساعات قليلة ..
شعرت بالإحباط لمجرد تخيل عبورها الممر المظلم مرة أخرى ، لكنها سرعان ما ذكرت نفسها بالسلاح الجديد الذي تحمله الآن في يدها ، فتقدمت إلى بداية الممر ، وأطلقت ضوء المصباح في كل اتجاه ، وقد ضاقت عيناها لتركز فيما تراه ..
لا شيء ..
تحركت بضع خطوات للأمام ، ثم انطلقت بأقصى سرعتها نحو غرفة النوم ، دون أن تحاول النظر إلى أي نقطة حولها ، حتى أصبحت داخلها ، فأغلقت الباب بسرعة ، وحركت الرتاج لقفله ، قبل أن تستند بظهرها على الباب ، وتأخذ نفساً عميقاً ..
وفجأة ..
عادت الحياة إلى جميع أجهزة المنزل دفعة واحدة ، تماماً كما توقف كل شيء دفعة واحدة عند انقطاع التيار الكهربائي ، فالإضاءات الخافتة في غرفة النوم بددت الظلام ، و وحدة التكييف المنفصلة عادت إلى العمل ، وإصدار صوتها الرتيب ، المصاحب لحركة صفائح توزيع الهـواء ذهـاباً وإيـاباً ، لتمزق الصمت الرهيب ..
لا يمكن وصف فرحة المرأة بعودة الحياة للمنزل ، وعودة النور إلى عينيها ، بعد أن كاد الظلام والخوف يقودانها إلى حافة الجنون!..
ودون أن تشعر ، أطلـقـت ضحكة عالية ، أفـرغـت فيها ما كان يعتمل في كيانها من رعب وتوتر ، طوال دقائق التجربة المخيفة التي عاشت فيها ..
وعـندما تعب حلقها وصدرها من الضحك ، تحركت نحو فراشها لتلقي جسدها المنهك فوقه ، وتغوص في بحور الأحلام بسرعة ، وهي تقبض بقوة على المصباح الكهربائي في كف ، وهاتفها الجوال في الكف الأخرى ..
وفي نقطة معينة من الفناء الخارجي للمنزل ، بالقرب من القاطع الكهربائي الرئيسي، أشار أحد الرجلين المتشحين بالسواد لزميله إشارة خاصة ، مفادها أن خطة القطع المؤقت للتيار قد نجحت ، فأومأ الأخير برأسه موافقاً ، قبل أن يتحرك الاثنان في هدوء نحو الباب الصغير المتصل بالمطبخ ..
لقد انسحب الظلام من اللعبة ، بعد أن أدى دوره بفعالية ..
ليعلن بهذا بداية الهجوم الجديد ..
الهجوم الحقيقي ..
القاتل!..
* * *
تمت بحمد الله


******************
م . يحيى خان ..
مرحبآ بالأديب اللامع والروائي الذي جمع مابين العلم والأدب ..

حضرت سيدي فتوجت الإبداع ببصمتك المنقوشة بعسجد العطاء ..
وما زال سؤالك الذي طرحته علي يتمارى في وعيي بين حين وآخر ..
حين سألتني على أحد شواطئ النت : إن كنت أقرأ الروايات السعودية ..
بالطبع أزهو بالإطلاع على كل انتاجك الروائي والأدبي ..
وهذا النتاج ينوء بتفاصيل الدهشة التب انتقشت على وعيي حبورا

قصتك بلا ريب شهادتي فيها مجروحة أمام روعة التشويق في سياقها ..
ترحيبي فاضلي كاحتفال الصبح بإطلالة الشمس ..
سلام على روحك ..



الساعة الآن 06:41 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team