أسباب تأزم الأخلاق في مجتمعاتنا
أخوتي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : من الواضح أن كثيرا ً من المجتمعات الإسلامية , تئن تحت مطارق الفقر والجهل والمرض والبطالة والاستبداد , كما أن شروط العيش الكريم فيها تزداد صعوبة يوما ً بعد يوم , وكثير من الشباب الذين قذفت بهم الثانويات والجامعات إلى معترك الحياة , يشعرون بالإحباط وانسداد الآفاق ... وهذا كله لا يشكل الوسط الصالح للاستقامة الخُلُقية , ولا لوضوح المُثُل العليا في أذهان الناس . حين يعيش المرء في مجتمع يقتات معظم موظفيه من وراء الرشوة والاستيلاء على المال العام , والاحتيال على النظم - تصبح نزاهته وعِفته - بمثابة عقوبة له ولأسرته , حيث إن عليه آنذاك أن يعمل عملا ً ثان - إن وجد - حتى يؤمن ضروريات الحياة , وفي هذه الحال , فإن أقل من 20% من الناس يحجزهم دينهم وخلقهم عن الولوغ في الحرام , أما الباقي فيسبحون مع التيار , بحجة الضرورة وبحجة أن هذا ليس حراما ً ؛ لأنه موظف وله حق الكفاية , وحجة أن فلانا ً ( التقي ) يفعله ؛ ولذا فإنه لم يعد حراما ًوهكذا .... ولا يخفى أن ألفاظ الثناء في الشارع الإسلامي , صارت تعكس معيارا ً قيميا ً جديدا ً, فعلى حين كان الناس يقولون : فلان آدمي وابن حلال وطيب , صاروا يقولون : فلان ( كدع ) و( شاطر ) ويعرف كيف يدبر نفسه ... وصارت كلمة ( طيب ) التي كانت مديحا ً , ترمز إلى نوع من اللمز في نباهته وحُسن تدبيره ... والأخطر من كل هذا أن ( العرف ) يتحور شيئا ً فشيئا ً لينسجم في النهاية مع الواقع الرديء . كما أن المجتمع الذي ينتشر فيه الانحراف الخلقي والسلوكي , يفقد تدريجيا ًقدرته على ممارسة الضغط الأدبي على المنحرفين من أبنائه ؛ لأن الذين سيمارسون الضغط , يصبحون آنذاك قلة قليلة , وموقفها نفسها يصبح موضع تشكيك , ويتحولون من قوة نافذة إلى قوة غريبة ( فطوبى للغرباء ) بل إن ( الفتوى ) نفسها قد تتراجع حيث تكثر الضرورات , ويتضخم ما تعم به البلوى , ويتراجع المصلحون من موقع إلى موقع ؛ ليؤكدوا في النهاية على جوهر الإيمان وأصول الأخلاق عوضا ً عن الحديث عن السنن والمكروهات والواجبات والمحرمات ! فهذه السلوكيات أحد أسباب تأزم الأخلاق في أوطاننا وللحديث بقية إن شاء الله .. |
نكمل حديثنا : وهناك سبب آخر لتأزم الاخلاق عندنا , فبالتدقيق والنظرة الشمولية نجد بأن المنظومات الخلقية في العالم الإسلامي , تعاني من عدوان بعض أبنائه عليها , حيث إن بعض المثقفين الذين فُتنوا بتفوق الغرب وتقدمه , جعلوا من أولوياتهم تفكيك المنظومات الخلقية السائدة بين المسلمين , باعتبارها عائقا ً قويا ً أمام التقدم ؛ فقد افترضت ( الحداثة العربية ) أنه يجب بناء كل نشاط على العلم , واعتبرت كل ما لا يخضع للمعايير العلمية جزءا ً من أوهام الإنسان القديم , وعاملا ً من عوامل استلابه , وقد حاولت أن تصوّر القيم الإسلامية بأنها تقليدية وبالية ومنحطة وجامدة , وبأنها تحث على الكسل والتعصب , وتدعم العشائرية المدمرة للفردية , وتؤكد على العاطفة والروح وتقتل العقلانية والموضوعية , وهي على نحو عام سبب فقدان العرب مقدرتهم على استيعاب الحضارة الحديثة , ومنشأ روح العبودية فيهم . وأصحاب الفائدة من الاندماج في الحضارة الغربية , والمالكون للقوة الغاشمة رحبوا بفكرة إنهاء المنظومة الخلقية الإسلامية ؛ لأن ذلك يسهّل السبل أمام ازدهار تجارتهم ونفوذهم , ويوجِد إمكانية كبيرة لاستخدام قوتهم , والوصول إلى مصالحهم دون قيد على حين أن الضعفاء من المسلمين , كانوا - ومازالو - يعتقدون أن التمسك بالأخلاق والقيم الإسلامية والإنسانية , والاستنجاد بها هو السلاح الذي يمكن أن يَحدّ من تلك القوة , ويحول دون تدمير المدنية الإسلامية , وجعل أهلها هامشا ً ضئيلا ً على متن الغرب المنتصر . ويمكن القول بعد هذا وذاك : إن هناك صراعا ً حقيقيا ً بين حماة القيم والأخلاق الإسلامية العربية وبين دعاة تدميرها ؛ والعاقبة للتقوى . انتهى بمحمد الله . |
اللهم ارزقنا أحسن الأخلاق فإنه لا يرزقنيها إلا أنت واصرف عني سيئها , فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت وصل وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين . |
الساعة الآن 12:33 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.