منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   قصة قصيرة: لعبة الأيام (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=28056)

هشام اجران 01-28-2021 05:36 PM

قصة قصيرة: لعبة الأيام
 
لعبــة الأيــام

- ارتبطت لحظات السعادة في حياته بيوم واحد، هو يوم الاثنين. فقد ولد يوم اثنين، ونال شهادة البكالوريا بامتياز يوم اثنين، يوم زواجه، يوم ترقيته في عمله، ويوم ربح في اليانصيب. كل ذلك ارتبط بذلك اليوم حتى انه ما فتئ يردد لزملائه ومعارفه :" أتدرون أني أعيش الجنة يوما في كل أسبوع ؟ "
فتعلو الدهشة الوجوه، وما إن يعرفوا السبب حتى تختلط الدهشة بمشاعر الحسد والحقد على هذا المحظوظ فعلا في حياته.
لكن ، ومنذ حوالي الشهر تقريبا بدأ يحس بألم في قلبه، لم يبال بالأمر ولم يوليه أهمية حتى اشتد عليه الألم يوما، وأحس بأنه لم يعد يستطيع الوقوف والتماسك ، فسقط فاقدا للوعي لينقله زملاؤه للبيت. ظل طريح الفراش ليومين كاملين يحيط به أبناؤه وزوجته الملتاعة، كانوا يطلبون منه فقط أن يكف عن رفضه الذهاب عند الطبيب، لكن عناده الكبير لم يمنحهم فرصة إقناعه.ومرت الأيام ليعاوده الألم وبصفة اشد ، وهنا لم يجد بدا من الذهاب لأخذ موعد مع طبيب مختص، ومن غريب الصدف أن الموعد تزامن مع يومه المميز، يوم الاثنين.
صحا من أفكاره وهو يواجه الممرضة في مكتب الاستقبال ،وبعد تقديمه لبيانات شخصية دعته للدخول. طلب منه الطبيب الجلوس وسأله عن مشكلته، أخبره بسرعة عما يعانيه ، فبدا القلق على وجه الطبيب وهو يدعوه إلى غرفة الفحص. استلقى غير مبال تماما، وفي قرارة نفسه كان يضحك ويسخر ويشفق على تلك الآلات وعلى عقل الطبيب الذي لن يجد عنده شيء، أوليس اليوم يوم اثنين، إنه يوم السعد والحظ.
طال الفحص وبدأ بعض القلق يسيطر عليه حتى دعاه الطبيب لمرافقته للمكتب، بدأ هذا الأخير الحديث هادئا أول الأمر، ومعاتبا بعد ذلك لعدم حضوره منذ أول مرة أحس فيها بالألم ، ثم وبكلمات بطيئة بادره: مرضك خطير يا سيدي، ولأنك أهملته فقد ضاع أخر أمل في الشفاء، ولن يمهلك القدر سوى اشهر قليلة وبعدها...
لم يشعر المريض بنفسه إلا وهو يصرخ في وجه الطبيب : مستحيل ... لا يمكن ... أوليس اليوم هو...
اندفع نحو الخارج بكل سرعته، وهبط الدرجات بسرعة أكبر، ثم عبر الشارع بتوتر وتهور، حتى كادت تصدمه إحدى السيارات، " لا يمكن... مستحيل " رددها مرارا في عقله وهو يجري لا يدري إلى أين، إنه يوم الاثنين لكن ماذا جرى؟ أيمكن أن يعرف نبأ موته في ذات اليوم الذي كان كل مرة يعلن ميلاده من جديد؟ طيلة أربعين سنة وهو يعيش الأمل والفرح خلال هذا اليوم والآن...؟
جرته خطواته الثائرة نحو البحر، كان فارغا من الزوار في هذا اليوم الخريفي، وكان هدير أمواجه قويا، فأحس به كأنه يناديه عله يطفئ النار المشتعلة بداخله. قطع الشاطئ الرملي وهو يهذي بذات الكلمات وحتى وهو يلمس الماء البارد لم يتوقف عن الصراخ: "لا ... مستحيل ... لا يمكن "
اخترق البحر الهائج بلا شعور، وتقاذفته الأمواج العاتية بقسوة، وتعالت من بعيد صرخة امرأة، وانطلق بعض الشبان نحوه، لكن فات الأوان فقد توارى الجسد داخل أعماق البحر.
حمل الطبيب حقيبته، وبدا متبرما من هذا الصباح المشؤوم، فلم يستقبل سوى زبون واحد وللأسف لم يتحمل هذا الأخير الحقيقة المرة، ولحظة تذكر شيئا فمضى لحجرة الفحص حيث مازالت نتيجة فحص المريض مركزة على شاشة إحدى الآلات ،وكانت مفاجأة سيئة بالفعل، ذلك الشخص مريض لكن ليس ذلك المرض الخطير الذي يهدد حياته، لقد كان خطأ فادحا وقع فيه، كيف حدث ذلك؟ ولماذا؟ و...
صحا من تساؤلاته وتوتره وهو يطالع اليومية المعلقة أمامه ويقرأ التاريخ واليوم، إنه يوم اثنين، يوم الشؤم في حياته، تذكر أن الممرضة الجديدة لم تألف بعد ظروف العمل فحددت له موعدا في اليوم الذي لا يعمل فيه ،وأنه في غمرة انشغالاته لم ينتبه للأمر.وعادت ذكرياته مع هذا اليوم كسحابة سوداء تمر أمامه، ذكريات من الألم والفشل والحزن. نزل الدرجات ببطء واستقل سيارته، وفي الطريق المحاذي للساحل لمح حشدا من الناس وسيارة إسعاف، وبدافع الفضول سأل احدهم: -ماذا جرى؟
أجابه الآخر بسرعة: يقولون أن شخصا ألقى بنفسه في البحر.
أكمل طريقه وهو يحوقل في سره ، وصورة زبونه الأخير لا تفارق خياله ، ولحظة تساءل: ترى أين ذهب؟.

عبد الكريم الزين 02-01-2021 10:39 AM

رد: قصة قصيرة: لعبة الأيام
 
تحية طيبة
قصة جميلة بأسلوب ممتع
وظفت بذكاء تمايز الزمن بين شخصيتي القصة
دام إبداعك
تحياتي

ياسَمِين الْحُمود 02-01-2021 10:58 AM

رد: قصة قصيرة: لعبة الأيام
 
فيها شيء من الألم والمرارة الواقعية...
تتقاطع في القصة – ببراعة لا فتة - عدة محاور
محور شخصية القصة الذي لا هم له سوى يوم الحظ
و الحقد والحسد لهذا الشخص المحظوظ،
الطبيب الذي أخطأ بتشخيصه للمريض،
والمريض الخائف من الموت بسبب مرضه الخطير ،
و كأنما حشد الناس في الطريق
-في القصة- رمز لمجرى نهاية الحياة بالانتحار
أخي الكريم هشام أجران
أجدت و أبدعت :30:

هشام اجران 02-01-2021 09:36 PM

رد: قصة قصيرة: لعبة الأيام
 
تسعدني تعليقاتك المستمرة على كتاباتي المتواضعة
دمت متابعا وفيا وذكيا أخي العزيز

هشام اجران 02-01-2021 09:37 PM

رد: قصة قصيرة: لعبة الأيام
 
لك مني كل الاحترام والتقدير والمودة أختي العزيزة والمتألقة


الساعة الآن 01:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team