منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   هل يجوز التبرك بالصالحين قياسا ً عليه صلى الله عليه وسلم (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1210)

عبدالسلام حمزة 09-11-2010 02:55 PM

هل يجوز التبرك بالصالحين قياسا ً عليه صلى الله عليه وسلم
 


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد :

هل فعل الصحابة ذلك التبرك مع غيره صلى الله عليه وسلم ؟

إذا كان أصل دليل التبرك بالرسول صلى الله عليه وسلم هو فعل الصحابة رضي الله عنهم

معه صلى الله عليه وسلم , وإقراره إياهم على ذلك , بل أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك

أحيانا ً , فهل وُجد هذا التبرك عند الصحابة رضي الله عنهم مع غيره صلى الله عليه وسلم

وهل أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وأرشدهم إليه ؟

الحق أنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة رضي

الله عنهم أو غيرهم , سواء بذواتهم أو بآثارهم , أو أرشد إلى شيء من ذلك .

وكذا فلم يُنقل حصول هذا النوع من التبرك من قبل الصحابة رضي الله عنهم بغيره صلى الله

عليه وسلم لا في حياته صلى الله عليه وسلم ولا بعد مماته .

لم يفعله الصاحبة مع السابقين منهم إلى الإسلام وفضلائهم مثلا ً , ومنهم الخلفاء الراشدون

وهم أفضل الصحابة وبقية العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم .

قال الإمام الشاطبي بعد أن أشار إلى ثبوت تبرك الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله

عليه وبآثاره , مناقشا ً مسألة إمكان التبرك أيضا ً بالصالحين وبآثارهم وهو من المحققين

القلائل الذين تطرقوا لهذه المسألة .

قال رحمه الله تعالى : ( الصحابة رضي الله عنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم لم يقع من

أحد ٍ منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه , إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم أفضل

من أبي بكر الصديق رضي الله عنه , فهو كان خليفته ولم يفعل به شيء من ذلك , ولا عمر

رضي الله عنه وهو كان أفضل الأمة بعده , ثم كذلك عثمان , ثم علي , ثم سائر الصحابة

الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة , ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن

متبركا ً تبرك به على احد تلك الوجوه التي كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم ( كالتبرك

بالثياب أو الشعر أو الريق أو ماء الوضوء أو العرق ) ونحو ذلك , بل اقتصروا فيهم

على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم

فهو إجماع منهم على ترك تلك الأشياء ) . الاعتصام للشاطبي .

عبدالسلام حمزة 09-11-2010 03:36 PM



ما سبب ترك الصحابة رضي الله عنهم هذا التبرك مع بعضهم ؟

إذ لم يثبت حصول ذلك النوع من التبرك من جهة الصحابة رضي الله عنهم مع بعضهم - وهم أفضل القرون - كما قرره الشاطبي رحمه الله تعالى

وغيره ( كابن رجب ) مع وجود مقتضيات هذا التبرك - طلب الخير والشفاء والبركة - وتوفر أسبابه , حيث الصحابة السابقين , والعشرة المبشرين

رضي الله عنهم جميعا ً .

كما أن الوفود التي كانت تبعث خارج المدينة لبعض المهمات - ومنهم كبار الصحابة - لم يحصل التبرك بهم من قبل من بُعثوا إليهم , مع بُعد الرسول

صلى الله عليه وسلم عنهم في حياته .

إذا كان الأمر كذلك , ما سبب إجماعهم على ترك هذا التبرك إذن ؟ ولماذا لم يفعلوه مع بعضهم كما كانوا يفعلونه مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟

إن السبب الرئيس في ترك الصحابة رضي الله عنهم ذلك التبرك مع بعضهم - والله أعلم - هو اعتقاد اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم به دون سواه

ما عدا سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام .

فقد اختص الله تبارك وتعالى الأنبياء والمرسلين بخصائص شريفة , لا توجد في غيرهم , ومنها وجود البركة في ذواتهم وآثارهم تشريفا ً وتكريما ً .

فذوات الأشخاص وصفاتهم غير متساوية , كما قال الله تعالى : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ ) والأنبياء هم أفضل الناس عليهم الصلاة والسلام .

وقد اصطفى الله تعالى أنبياءه , واجتباهم من بين سائر البشر , وميزهم عن غيرهم بخصائص كثيرة أمر مشهور لا يُنكر .

فهذه ونحوه هو الذي جعلهم يختلفون عن أولياء الله تعالى الصالحين , في هذه المسألة وغيرها .

ومع عظم فضل هؤلاء ورفعة قدرهم , إلا إن مرتبتهم دون مرتبة الأنبياء والمرسلين , ولا يمكن أن يبلغوا درجتهم في الفضل والثواب وغير ذلك .

ولا شك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء والمرسلين , وأعظمهم بركة .

قال الشاطبي بعدما أثبت إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك ذلك التبرك فيما بينهم - مع فعلهم له مع النبي صلى الله عليه وسلم - قال رحمه الله تعالى

مبينا ً أحد وجهي هذا التبرك : ( أن يعتقدوا فيه الاختصاص , وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله , للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير

لأنه عليه الصلاة كان نورا ً كله ... فمن التمس منه نورا ً وجده على أي جهة التمسه , بخلاف غيره من الأمة - وإن حصل له من نور الاقتداء به

والاهتداء بهديه ما شاء الله - لا يبلغ مبلغه , على حال توازيه في مرتبته , ولا تقاربه , فصار هذا النوع مختصا ً به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع

وإحلال بضع الواهبة نفسها له , وعدم وجوب القسْم على الزوجات وشبه ذلك ) .

ثم قال رحمه الله مبينا ً حكم ذلك التبرك بغيره صلى الله عليه وسلم بناء ً على هذا الوجه :

( فعلى هذا المأخذ : لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه التي ذكرناها ( كالتبرك بجسده أم بشعره أو ريقه أو موضع أصابعه أو عرقه أو آثاره )

ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة , كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة ) الاعتصام للشاطبي .

وذكر في موضع آخر ما يرجح هذا الوجه وهو : ( اطباقهم - أي الصحابة - على الترك , إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده , أو عملوا به

ولو في بعض الأحوال , إما وقوفا ً مع أصل المشروعية , وإما بناءً على اعتقاد انتفاء العلّة الموجبة للامتناع ) .

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى في معرض سياقه للنهي عن المبالغة في تعظيم الأولياء والصالحين , وتنزيلهم منزلة الأنبياء :

( وكذلك التبرك بالآثار , فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ... ولا يفعله التابعون مع الصحابة

مع علو قدرهم , فدل أن هذا لا يُفعل إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم , مثل التبرك بوضوئه , وفضلاته , وشعره , وشرب فضل شرابه وطعامه ومواضع أصابعه )

عبدالسلام حمزة 09-11-2010 04:30 PM



حكم قياس الصالحين على النبي صلى الله عليه وسلم :


- مما سبق يتبين أن ما رآه بعض العلماء من قياس الصالحين على الرسول صلى الله عليه وسلم في جواز التبرك بذواتهم وآثارهم غير صحيح .

فإن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك التبرك بالذوات والآثار مع غير النبي صلى الله عليه وسلم - مع وجود مقتضياته - يدل على أن هذا

من خصائصه صلى الله عليه وسلم حيث إن الله تعالى اختص نبيه بجعل البركة في ذاته وآثاره , تكريما ً وتشريفا ً لصفوة خلقه عليه الصلاة والسلام .

ولو كان ذلك الفعل مشروعا زص لسارعوا إلى فعله , ولم يُجمعوا على تركه , فهم أحرص الناس على فعل الخير وأكثرهم حبا ً للرسول صلى الله عليه وسلم

قال الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ تعليقا ً على قول بعض شراح الحديث ( لا بأس بالتبرك بآثار الصالحين ) إذا مروا بذكر شعر النبي صلى الله عليه وسلم

ونحوه , قال رحمه الله : ( وهذا غلط ظاهر , لا يوافقهم عليه أهل العلم والحق وذلك أنه ما ورد إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم , فأبو بكر وعمر

وذو النورين عثمان وعلي وبقية العشرة المبشرين بالجنة , وبقية البدريين , وأهل بيعة الرضوان , ما فعل السلف هذا مع واحد منهم , أفيكون هذا منهم

نقصا ً في تعظيم الخلفاء اللائق بهم , أو أنهم لا يلتمسون ما ينفعهم , فاقتصارهم على النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم )

- ومما يؤكد اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التبرك أن التابعين رحمهم الله تعالى قد ساروا على نهج الصحابة رضي الله عنهم - كما سبق -

ولا فعله التابعون مع فضلائهم وقادتهم في العلم والدين , وهكذا من بعدهم من أئمة الدين .

- ومما يؤكد الاختصاص أيضا ً أنه لم يرد دليل شرعي على أن غير النبي صلى الله عليه وسلم مثله في التبرك بأجزاء ذاته وآثاره فهو خاص به كغيره من خصائصه .

- ولا شك أن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التبرك يدل على عدم جواز قياس الصالحين عليه صلى الله عليه وسلم بجامع الفضل ,

وأن هذا الأمر قاصر عليه صلى الله عليه وسلم لا يتعداه إلى غيره .

- فقد أجمع العلماء على أنه إذا ثبت الخصوصية في حق النبي صلى الله عليه وسلم فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه , إذ لوكان حكمه حكم غيره لما كان

للاختصاص معنى .

- لا يجوز قياس الصالحين وغيرهم على النبي صلى الله عليه في جواز هذا التبرك سدا ً للذريعة .

ولا ريب أن سد الذرائع قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة الأسلامية , فمن وجوه موانع القياس هنا سد الذرائع ,

خوفا ً أن يفضي ذلك إلى الغلو فيمن يتبرك به من الصالحين .

يقول الشاطبي رحمه الله في بيان هذه العلة : ( لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد , بل تتجاوز فيه الحدود , وتبالغ بجهلها في التماس البركة

حتى يداخلها للمتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد , فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس منه .. ) الاعتصام للشاطبي

وقد يؤدي هذا التبرك بسبب الغلو والتعظيم إلى حد الشرك , فيكون ذريعة إليه , وكما قال ابن رجب رحمة الله عليه حينما تكلم عن المنع من هذا التبرك ونحوه

: وفي الجملة , فهذه الأشياء فتنة للمعظَّم والمعظِّم , لما يُخشى عليه من الغلو المدخل في البدعة , وربما يترقى إلى نوع من الشرك ) ( الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب )

عبدالسلام حمزة 09-11-2010 04:37 PM



مسألة :

لا يصح أن يحتج بإمكان حصول المفاسد من الغلو وأنواع الشرك بالتبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم , وذلك لمجيء النصوص الشرعية بجواز

ذلك الأمر به , في حقه صلى الله عليه وسلم , مع العلم بوجوب عدم مصاحبة هذا التبرك مع الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من الغلو أو الشرك .

وهكذا تبين لنا عدم جواز قياس الصالحين على النبي صلى الله عليه وسلم , وعليه فلا يجوز التبرك بذوات الصالحين أو بآثارهم , فضلا ً عن غيرهم

وأن تعظيم الشيء والتبرك به لا يجوز إلا بدليل شرعي , والله تعالى أعلم .

المرجع : ( التبرك أنواعه وأحكامه ) للدكتور ناصر بن عبدالرحمن بن محمد بن الجديع

عبدالسلام حمزة 09-21-2010 10:02 PM



اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك وصل وسلم على سيدنا محمد , سيد الأولين والآخرين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه ومن تبعهم بأحسان إلى يوم الدين .


الساعة الآن 02:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team