منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   أحكام عدة الوفاة في الإسلام (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=28975)

عبد الكريم الزين 08-18-2021 09:06 PM

أحكام عدة الوفاة في الإسلام
 
اقتضت حكمة الله تعالى أن يمتحن الإنسان بفقدان أحبته، ولما كانت العلاقة بين الزوجين المسلمين تتميز بقدسية تؤطرها أحكام إلهية، فقد حرص الإسلام على سن أحكام خاصة متعلقة بإحداد المرأة المتوفى عنها زوجها، وفي الإحداد مراعاةٌ لمشاعرها وما جُبِلت عليه من عاطفة جيَّاشة تجعلها أكثر حُزْنًا وتألُّمًا عند الموت من الرجل، فناسبها الإحداد تنفيسًا عن مشاعر الحزن والألم.

ولا ريب أن للأحكام المرتبطة بالحداد ومدة العدة حكما ربانية، ذكر العلماء وجوها منها:
- حفظ الأنساب باستبراء الأرحام من الحمل
- وفاء الزوجة لزوجها، لِذا تعتدّ المرأة في منزلها الذي قَضَت فيه حياتها مع زوجها لتتذكّره وتدعو له، وتترحّم عليه
- حفظ حقّ الأولاد بالحِداد على أبيهم المُتوفّى
- الحفاظ على مصلحة الزّوجة ومراعاة مشاعرها
- الأجر العظيم الذي تناله الزوجة بامتثالها لأوامر الله تعالى

والمعتدة تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، بالإقامة فيه إلى نهاية العدة المحددة في أربعة أشهر وعشرة أيام، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}، إلا أن تكون حبلى، فعدتها تنتهي بوضع الحمل، لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، ولا تغادر بيتها إلا لحاجة أو ضرورة كالخروج للعلاج، وشراء حاجتها من السوق كالطعام ونحو ذلك.
وأشار إلى ذلك ابن قدامة في المغني بقوله: وللمعتدة الخروج في حوائجها سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، لما روى عن جابر، قال: طلقت خالتي ثلاثًا فخرجت تجذ نخلها، فلقيها رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اخرجي فجذي نخلك، لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرًا". رواه النسائي وأبو داود

وإن كان جمهور الفقهاء لم يجيزوا للمعتدة الخروج من بيتها إلا لحاجة، فإن بعض فقهاء المالكية أجازوا لها الخروج من بيتها في النهار ولو لغير حاجة، جاء في كتاب [منح الجليل 4/ 335] من كتب المالكية:
"ويجوز خروجها نهارا ولو لغير حاجة ولو لعرس إن دعيت إن شاءت ولا تتزين ولا تبيت إلا ببيتها"
وإذا شعرت المرأة المعتدة بالكآبة أو الضيق النفسي أو القلق بسبب مكثها في بيت الزوجية، فلها الخروج في النهار لتزيل هذا الشعور بزيارة جيرانها أو أهلها أو بفسحة، لأن للضيق النفسي حكم المرض العضوي، وقد أجاز الشارع لها أن تخرج للطبيب والعلاج، والمعاناة النفسية من المرض، بل قد يكون الألم النفسي أشد ألما وأبلغ أثرا على الجسم من المرض العضوي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لنساء استشهد أزواجهن في أُحد وكن يبتن في بيت إحداهن من الوحشة: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فان أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن الى بيتها" أخرجه البيهقي.

وعليها أن لا تلبس ثياب الزينة، والتي قد يبدو منها عدم اكتراثها بوفاة زوجها، فعن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم: "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل" رواه النسائي.

كما لا يجوز لها أن تتجمل بالحلي بجميع أنواعه من الذهب والفضة، والماس واللؤلؤ وغيره، سواء كان ذلك قلائد أو أساور أو غيرها، وألا تتزين في وجهها أو عينها بأي نوع من أنواع الزينة أو الكحل، أو تتطيب بالطيب، سواء كان بخورا أو دهنا، إلا عند طهرها من الحيض، فعن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار" متفق عليه، وعن أم سلمة قالت: "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا مرتين أو ثلاثاً"متفق عليه.
وأن لا تصرح بموافقة زواج أو خطبةٍ ولا يجوز للرجل خطبتها في تلك العدة أصلاً، وقيل بالتعريض فقط.

ومن الأمور المباحة وغير المنهي عنها أن لا حرج في كلامها مع الرجال ما دام في حدود الأدب والاحتشام في العمل أو الجامعة أو في التعليم، أو مع من جرت العادة بالحديث معهم، ويجوز لها المبيت عند أهلها إن خشيت على نفسها الوحشة أو عدم الأمان، ويمكن لها السفر إن كان فيه مصلحة ضرورية، كسفرٍ لعلم أو عمل في مدينة آخرى، أو ذهابها لأهلها.

كما يجوز لها أن تلبس من الثياب ما شاءت، ولكن بشرط الابتعاد عن ذات الزينة أو المخضبة أو ذات الألوان الزاهية ولم يشرط الشرع لباساً خاصاً أو لوناً معيناً، كما تفعل النساء في بعض البلدان، فيلتزمن لوناً واحداً طيلة فترة العدة. ولبس المرأة الثوب الأسود حزنًا على الميت منعه الحنفية إلا في حق الزوجة على زوجها ثلاثة أيام فقط، وأجازه المالكية، إذا لم تكن ناصعة البياض، أو يكون الأسود زينة قومها. علماً بأن ما انتشر في بعض البلاد من تخصيص لبس السواد أو الأبيض للحداد والامتناع عن غيره ولو لم يكن زينة فلا أصل له.

وإظهار الأسى على فقد زوجها بالامتناع عن الزينة والتطيب بالعطور ولبس الحلي، وغير ذلك مما يعد مظهرًا من مظاهر الفرح والسرور، هو الغاية المطلوبة من الزوجة، وليس ترك العناية بنظافة الجسد والملابس، أو الحرص على لباس بلون معين.
والله اعلم

ياسَمِين الْحُمود 08-18-2021 11:42 PM

رد: أحكام عدة الوفاة في الإسلام
 
جميل ما أتيت به أخي عبد الكريم
وجئت به في الوقت المناسب
لا أخفيك أنك أضفت لي الكثير من قراءتي لك
فلقد وضعت النقاط على الحروف
عظيم امتناني ومودتي لطرحك
دمت بكل الرقـي وما عساني أقول لك :31:

ثريا نبوي 08-19-2021 12:20 AM

رد: أحكام عدة الوفاة في الإسلام
 
بارك الله فيكَ أديبَنا ومُشرفنا الكريم
فما أحوجنا إلى التعمقِ في فهم ديننا وأحكامِهِ الفقهية
حتى لا نتعرضَ لمخالفةِ الشرع؛ أو نُحرمَ من فائدةٍ أو تيسيرٍ مُتاح
شكرًا تليقُ بكل ما أتيتَ به من مصادرِهِ الموثوقِ بها
جزاكَ اللهُ خيرًا

عبد الكريم الزين 08-19-2021 01:16 AM

رد: أحكام عدة الوفاة في الإسلام
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسَمِين الْحُمود (المشاركة 309806)
جميل ما أتيت به أخي عبد الكريم
وجئت به في الوقت المناسب
لا أخفيك أنك أضفت لي الكثير من قراءتي لك
فلقد وضعت النقاط على الحروف
عظيم امتناني ومودتي لطرحك
دمت بكل الرقـي وما عساني أقول لك :31:

يسعدني وبشدة، أن يضيف الموضوع فائدة لأخت عزيزة أو أخ كريم في المنتدى
وذلك بحق كل ما أرجوه وأطمح إليه

أختي ياسمين كل الامتنان لمرورك الطيب
دوما تضيئين المنتدى بحضورك:45:

عبد الكريم الزين 08-20-2021 12:25 AM

رد: أحكام عدة الوفاة في الإسلام
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثريا نبوي (المشاركة 309814)
بارك الله فيكَ أديبَنا ومُشرفنا الكريم
فما أحوجنا إلى التعمقِ في فهم ديننا وأحكامِهِ الفقهية
حتى لا نتعرضَ لمخالفةِ الشرع؛ أو نُحرمَ من فائدةٍ أو تيسيرٍ مُتاح
شكرًا تليقُ بكل ما أتيتَ به من مصادرِهِ الموثوقِ بها
جزاكَ اللهُ خيرًا

أعجبتني عبارتك "أو نحرم من فائدة أو تيسير متاح" أستاذتي العزيزة
من رحمة الله عز وجل أن الدين أيسر مما نظن
إنما يكفي البحث والتثبت لإدراك سعة الإسلام وسماحته

باقات ورد وود شاعرتنا الكريمة:31:

منى الحريزي 08-20-2021 03:58 PM

رد: أحكام عدة الوفاة في الإسلام
 
ماشاء الله أخي الفاضل موضوع شامل
ويجيب على كل التساؤلات عن فترة مهمة من حياة بعض النساء ...

فعلياً فترة العدة وماورد بخصوصها وتفسير الشارع الفقهي لما يتوجب على المرأة خلاله
يصب صباً في مصلحة الزوجة والأبناء كما تفضلت ...

وقد لاحظت أن بعض شعوب آسيا قد أخذت من هذه التشريعات
وضمتها لـ قوانينها حتى لايكون هناك أي لبس في مسألة الأنساب ...

بارك الله بك أخي الكريم ... وجزاك خير الجزاء


تحياتي وتقديري ....

عبد الكريم الزين 08-23-2021 01:49 AM

رد: أحكام عدة الوفاة في الإسلام
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منى (المشاركة 309970)
ماشاء الله أخي الفاضل موضوع شامل
ويجيب على كل التساؤلات عن فترة مهمة من حياة بعض النساء ...

فعلياً فترة العدة وماورد بخصوصها وتفسير الشارع الفقهي لما يتوجب على المرأة خلاله
يصب صباً في مصلحة الزوجة والأبناء كما تفضلت ...

وقد لاحظت أن بعض شعوب آسيا قد أخذت من هذه التشريعات
وضمتها لـ قوانينها حتى لايكون هناك أي لبس في مسألة الأنساب ...

بارك الله بك أخي الكريم ... وجزاك خير الجزاء


تحياتي وتقديري ....

جزيل الشكر لمرورك أختي الكريمة

تحياتي وودي


الساعة الآن 10:15 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team