منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   هل شك سيدنا إبراهيم بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى؟ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=9963)

د نبيل أكبر 10-12-2012 10:46 AM

هل شك سيدنا إبراهيم بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى؟
 

بسم الله الرحمن الرحيم



أبيِّنُ فيما يأتي علاقةَ الأمرِ بسؤالِ إبراهيمَ عليه السلام ربَّه عن إحياءِ الموتى. إنَّ من القصصِ المُثيرةِ والمُعجزةِ في القُرآنِ سؤالُ إبراهيمَ ربَّه أنْ يريه كيفيّةَ إحياءِ الموتى ليطمئنَ قلبه ...



وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْى الموتى ، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بلى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى،قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ على كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة : 260 }


البعض فسر الآيةَ أعلاه بِشَكِّ سيِّدِنا إبراهيمَ بقدرتِه تعالى على إحياءِ الإنسانِ بعد الممات. والبعض الآخر قَسَّمَ الإيمانَ إلى إيمانٍ قلبيٍ وآخرَ بَصَرِيٍ، وذهب إلى أنَّ سيِّدنا إبراهيمَ تجَاوزَ الإيمانَ القلبيَّ فأرادَ بِسؤالهِ أنْ يَصِلَ إلى مرتبةِ الإيمانِ البصري!



كيفَ نقول عن أبي الأنبياءِ خَليلِ الرَّحمان بتهمةِ الشَكِّ بقدرته تعالى على إحياءِ الإنسان بعد الممات؟ ولنسْأل الناس العاديين أنفسِهِم: هل يشك أحد منا بقدرته تعالى على الإحياء بعد المماتِ؟ بل إنَّه في السُورةِ التي تحملُ اسمَ سيِّدِنا إبراهيمَ نفسِه يقولُ الذين كفروا:



وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ {9} قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ {إبراهيم: 9-10}


فكيف نجعلُ الشكَّ (الذي هو صفةُ الكافرين) من صفاتِ أبي الأنبياءِ؟



أمَّا التفسير الأخرُ القائلُ بأنَّ سيِّدَنا إبراهيمَ تجاوزَ الإيمانَ القلبيَّ فأرادَ الوصولَ إلى مرتبةِ الإيمانِ البصري فمردود. لأنَّ معنى هذا ببساطةٍ أنَّ الكُفارَ الذين يَسْألون أنبيائَهم عن "مُعجزاتٍ بَصَرية" هم بمرتبةِ إبراهيمَ في الإيمانِ لأنَّهم أيضاً يريدونَ الوصولَ إلى مرتبةِ الإيمانِ البصري ...



ثم لو كان الإيمانُ البصريُّ أعلى درجاتِ الإيمانِ، فلماذا لم يسألْ به الأنبياءُ وخصوصاً سيِّدُهم محمداً؟




بعض التساؤلات


تقولُ التفاسيرُ أنَّ سيِّدنا إبراهيم، لِشكٍ في نفسه أو لرغبةٍ في إكمالِ إيمانه، سألَ ربَّه أنْ يُريه كيفيَّةَ إحياءِ الموتى . فأجَابَه سُبحانَهُ بأخذِ أربعةٍ من الطيرِ وصُّرِها (أي ضَمِها) إليه، ثُمَّ بتقطيعها، ثُمَّ توزِيعِها على رؤوسِ الجبالِ، ثُمَّ بدعْوتهنَّ بطريقةٍ ما فيأتوا إليه طائرين. ولحلِ إشكاليَّةِ أنَّ إبراهيمَ لن يرى كيفيَّة تكوينِ خلق الطير وهي على قِممِ الجبال بعيداً، فقد قيل (هكذا من دونِ أيِّ دليلٍ) أنَّ اللهِ سُبحانَهُ أمرَ إبراهيمَ أنْ يُبقِيَ رُؤوسَ الطُيورِ الأربعةِ بيده!!



ونردُ على هذا بما يلي:


• لا يجوزُ التشكيكُ بإيمان أيٍ نبيٍ ناهيك عن أبي الأنبياء ...



• لا يحقُّ لأي إنسانٍ السؤال عن كيفيَّةِ تجميعِ الموتى، لأنَّ هذا ببساطةٍ ليس من شأنِه، بلْ من شأنِ الخالقِ سُبحانَهُ ...



• لا يوجدُ في الآيةِ كلماتٌ تدُلُ على أنَّ عددَ الطيورِ هو 4، فمعنى قوله تعالى {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} لا تعني العددَ 4 بل قد تعني 4 مجموعاتٍ من الطيورِ أوْ 4 أنواع من الطيورِ ...



• لا يوجدُ في الآيةِ كلماتٌ تعني تقطيعَ الطيرِ إلى أشلاءَ وذلك للأسباب التاليَّةِ ...

كلمةُ {فَصُرْهُنَّ} تعني ضُمَّهُنَّ واجْمَعْهُنَّ إليك وهي مأخوذةٌ من كلمةِ "صُرَّة" وهي الكيسُ الذي يُجْمَعُ المالُ فيه ...


أمَّا لعِبارة {اجْعَلْ على كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً} فالجزءُ من العددِ هو أيضاً عددٌ صحيحٌ. فمثلاً 25 جزءٌ من 35 وكلاهما أعدادٌ صحيحةٌ ... فتعني الجُملةُ إذاً : خُذْ مجموعةً من هذه الطيورِ ووزعها على الجبال ....



• لماذا قالَ تعالى: وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، ولم يقل مثلاً: وَاعْلَمْ أَنَّ الله على كُلّ شىء قدير؟ أوَليسَ سؤالُ إبراهيمَ عليه السلام عن القدرةِ؟ فلِمَ يذْكُرُ سُبحانَهُ العزةَ والحِكْمة في الجواب؟



• لو كان السؤالُ حولَ القدرةِ الإلهيَّةِ على تجميع الموتى، فإنَّ اللهَ سُبحانَهُ لم يُجِبْ على السؤالِ إذ لن يرى إبراهيمُ كيف تمَّ التجميع من على بُعد؟ ثُمَّ لِمَ التعبُ؟ لِمَ أربعة؟ لِمَ طيور؟ لماذا يصرهُنَّ إليه؟

أليسَ من الأسهلِ أنْ يذبحَ قِطةً أو شاةً ويجعَلَها أمامَ عينَيه، ثُمَّ يدعوها فتتجمعَ أمامَ ناظِريه وينتهي الموضوع؟ فإنْ لم يُجِبْ سُبحانَهُ على السؤال، فلابدَّ وأنَّ السؤالَ ليس كما اعتقده المفسرون!




فما كان سؤالُ إبراهيم؟ وما الحِكْمةُ من الآيةِ؟ هذا ما سنُبينه فيما يلي ...

وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْى الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة : 260 }



يقولُ تعالى:


يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... {الأنفال : 24 }


فالحَياةُ والموتُ تعنيانِ الهُدَى والضَلالَ كما هو مصرح به في مواضعَ عدةٍ من المُصحفِ الشريفِ. فيُتَحَوَّرُ سؤالُ سيِّدِنا إبراهيمَ إلى: ربِّ أرني كيف تَهدي الضَّالينَ؟ هكذا وبكُلِّ وضوح ...
فكان جوابُ الله تعالى بأنْ خُذْ أربعةَ طيورٍ (أو أرْبَعَ مجْمُوعاتٍ أوْ أنواعٍ منها). ثمَّ قُمْ بالاعتناءِ بها وأظهر لها المودةَ والحبَّ لفترةٍ كافيَّةٍ من الزمنِ حتى يأتلفوكَ ويعرِفوكَ ... وعلِّمها الأصواتِ أو الإشاراتِ التي ستعرِفُك وتُمَيزُكَ بها ... ثُمَّ أطلقهم بعيداً عنك على رؤوسِ الجبالِ ثُمَّ ناديهم بما علَّمْتهم، فستجدُهم يأتونك وما ذلك إلَّا لمعرفتِهم بك ولِحَنِينِهم وشَوقِهم إليك ...



وهكذا تتمُ هِدايةُ الناسِ ياإبراهيم ... فاللهُ سُبحانَهُ يُكْرمُهُم ويغْرُزُ في داخِلهِم الحُبَّ والوِدَّ لمدةٍ من الزمن ... فلو ضلَّوا بعد ذلك وابتعدوا عنه سُبحانَهُ سيُنادِيهم إلى رَحْمته كلٌ بطريقةٍ تُناسِبهُ، ويُذكرُهُم بأيام الهُدَى والرِضى والقربِ منه ... فيتذَكَّروا الأيامَ الخَواليَ، فيَحِنُّوا إليها وإليه لمعرفتِهم السابقةِ بها وبه ... فيتركون ما هم عليه من المعاصِي والظلماتِ ويأتونَه مُسرعين طائرين تائِبين ...



أمَّا لماذا اخْتارَ سُبحانَهُ الطيرَ عمَّا سِواها من الحيواناتِ فذلك لأنَّ الطيرَ من أكثرِ الكائناتِ الحيَّةِ نُفْرةً من الإنسانِ. فهي بطبيعتِها برِّيَّةً طليقةً ترفضُ الأسرَ والأُلفَة. فيكونُ استعماُلها في هذه التجربةِ خيرُ دليلٍ على نجاح الطريقة، فلو نجحتْ مع الطيرِ فسوفَ تنجحُ مع الإنسانِ ...



أمَّا قولُه تعالى : وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ... فهو تأكيدٌ لما ذهبنا إليه. أي أنَّه سُبحانَهُ عزيزٌ بحيث أنَّ الذنوبَ لم تكن لتمنعَهُ من المغفرةِ، وأنَّ ابتعادَ الإنسانِ عنه وضلالَه لم يكن ليُنقِصَه سُبحانَهُ شيئاً. فهو يغفرُ الذنوبَ كلَّها وهو العزيز .... لِذَا فقد ارتبطَ اسمُ العِزةِ مع المغفرةِ في عدةِ مواضِعَ من القُرآن ...

فنجِدُ استعمالَ اسمِهِ تعالى {العزيزُ الحكيمُ} مرتبطاً بالمغفرةِ في استغفار عيسى عليه السلام لقومه:



إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {المائدة : 118}


أيْ رَبَّاه لم تكن ذُنوبُهم لتنقِصُك وأنت العزيزُ فأغفرْ لهم ... فإن أنت حَكمتَ لهم بالمغفرةِ فقد تمَّت لهُم ... فلا يحكمُ إلَّا أنت ... فأنت الحكيمُ ... سبحانك ...



لكنْ يبقى شيءٌ يبحثُ عن إجابةٍ، وهو ما الحِكْمةُ من السؤالِ؟ لماذا يهتمُ إبراهيمُ بكيفيَّةِ هِدايةِ الضَّالين؟ الجوابُ أن أيُّ نبيٍّ يهتمُ بهذا الموضوع فهو صميمُ رسالتِهِ وعَمَلِهِ. إذن لماذا لم يسألِ الأنبياءُ الآخَرون؟ فعلى سبيل المثالِ وَردتْ قِصصُ مُوسَى عليه السلامُ في الكثير من المواضعِ وغَطتْ جميعَ النواحيَ ولم يسألْ مُوسَى هذا السؤال البتة ... فلماذا سألَ إبراهيمُ؟



وسؤالٌ آخرٌ: ما الذي أقلقَ قلبَ إبراهيمَ فلم يستطعِ الكتمانَ والصَبرَ فسألَ؟



هذا القلبُ الأواهُ المنيبُ الذي لم يسألْ ولم يعترضْ في مسألةِ تركِ زوجته وابنهِ الرضيعِ وسطِ الضَواري بلا ماءٍ وبلا طعامٍ ولم يسألْ أو يعترضْ عندما أُمِرَ بذبحِ ابنِهِ ... لِمَ قلِقَ قلبُه الآن؟ هذا الذي قال له ربُّه أسلمْ، قالَ أسلمتُ لربِّ العالمين ... هكذا من غيرِ ترددٍ ... لِمَ قلِقَ قلبُه الآن؟



للإجابةِ علينا النظر للغرضِ من السؤالِ نفسِه: قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى .... إذاً تكمنُ الإجابةُ في قلبِ سيِّدِنا إبراهيمَ فعلينا إذاً البحثُ في قلبِه والنظرُ، لعلنا نجِدُ جواباً ...



إذا نظرنا إلى الأنبياءِ عليهم السلام فإنَّنا نجِدُ تميَّزَ إبراهيمَ عنهم جميعاً بانشغالِهِ بذُريَّتهِ أكثر من سِواه. فقلما جاءَ ذِكْرُه من دونِ دعْوةٍ خالصةٍ باكيَّةٍ راجيَّةٍ لذُريَّتِهِ. فعلى سبيلِ المثالِ وبالرغمِ من كَثرةِ وُرُودِ قِصَصِ مُوسَى، فإنَّه لم يردْ قط أنَّه دعا لذُريَّتِهِ! بل لا مُبالغةَ إذا قلنا أنَّ دعوةَ إبراهيمَ لذُريَّتِه تفوقُ دعواتِ الأنبياء مُجتمعين لذريَّاتِهم ... هو الأبُ الحنونُ لا ريبَ ... فلا غرابةَ وأنْ يكونَ أبا الأنبياءِ إذاً ...



لذا فقلقُ إبراهيمَ عليه السلام إنَّما هو قَلقٌ على هدايةِ ذُريَّتِه تحديداً. ومن المعْلُوم عند الناسِ أنَّ القلقَ على الذُريَّة أشدُّ أنواعِ القلقِ ذلك أنَّ حبَّ الذُريَّةِ ينبعُ من القلبِ. والقلبُ هذا تحديداً مصدرُ الطمأنينةِ، ولكنَّه أيضاً مصدرُ القلقِ عند الإنسانِ ... أي أنَّ القلبَ مَنزِلُ الحبِّ ومَنزِلُ الخوفِ في آنٍ واحِد ...



فالخوفُ ينْقَضُّ على الطمأنينةِ من بيتِها ومَكْمَنِها فَيَقْلِبُها رأساً على عَقِبٍ ... لهذا فالخوفُ على الذُريَّة يقلِبُ كيانَ الإنسانِ ويتحكمُ بتصرفاتِه وكُلِّ أحوالِه ... وكلَّما زادتْ حِنيَّةُ القلبِ، زادُ حُبُّها لذُريَّتِها، وكلما تعلقتْ بها وقلِقتْ عليها ... وكان هذا هو حال سيِّدِنا إبراهيمَ عليه السلام ... أبو الأنبياء ...



فقلقُ إبراهيمَ عليه السلام واضْطِرابُ قلبِه إنَّما هو قلقٌ على هدايةِ ذُريَّتِه تحديداًن الذرية التي وعده تعالى باستخلافها الأرض.



ولكن في الآيةِ قضيَّةً أساسيَّةً أخرى وهي أنَّها لا تتحدثُ عن الهدايةِ بشكلِها العام ولكِنَّها تُخصِصُ أيضاً "هدايةَ إنسانٍ كان صالحاً ثُمَّ ضلَّ ثُمَّ اهتدى مرةً أخرى". فالآيةُ تقولُ بأنَّ الطيورَ كانت أوَّلاً مجتمعةً تحتَ كنفِ مُرَبِّيها (وهذه بالنِسْبةِ للإنسان مرحلةُ الهدايةِ الأولى) ثُمَّ ابتعدتْ إلى قِمم الجبالِ (مرحلةُ ضلالٍ ونفور وزُهُوٍ) ثُمَّ عادتْ مرةً أخرى إلى مُرَبِّيها (مرحلة الهداية الثانية) ... أي أنَّ الآيةَ تسألُ كيف يُهْدَى من ضلَّ وقد كان مَهْتدِيَّاً من قبل؟



الإجابةُ عن السؤالِ موجودةٌ في الإجابةِ عن: لماذا يضعُ إبراهيمُ الطيورَ على رؤوسِ الجبالِ؟ ولِمَ أربعةٌ؟



فالجبالُ تومئ إلى أنَّ إبراهيمَ عندما سأل ربَّه كيف يهْدي الضَّالين كان في منطقة بها الكثير من الجبالِ المتقاربةِ القِمَمِ فيُمكنُ للإنسان توزيعُ الطيرِ على رؤوسِ الجبالِ بدون مَجهودٍ كبير. فذِكْرُ الجبال في الآيةِ إشارةً إلى المكان الذي كان به إبراهيم عندما سألَ عن كيفيّةِ هدايةِ الضَّالين.



لكن اختيارَ رؤوسِ الجبال كنقطةٍ لهداية الناس يتضمنُ حِكَمةً أبلغ. فمن المعلوم أنَّ الناس تضيقُ صُدُورها على قِممِ الجبال لقلةِ الأكسجين فيها مقارنةً بما دونها من الأماكن. فتكونُ الإشارةُ من اختيار رؤوس الجبال لهداية الناس هي إخراجُهم من الضيقِ إلى الانشراح بالهُدى ... وهي السنَّة الكونيةُ بإخراج الشيءِ من ضِدِّه ...



فالجبلُ في الآيةِ إنَّما هو نُبُوءةٌ حقيقيةٌ لمكان هداية ذُريَّةِ إبراهيمَ بعد آلافِ السنينِ من سُؤالِه عن كيفيَّةِ هدايةِ الضَّالين. أمَّا لماذا أربعةٌ من الطيرِ فنقولُ أنَّ ذلك يستهدف تحديداً أربعةٍ من ذُريَّةِ إبراهيمَ يأتونَ على أربعةِ مراحل منفصلةٍ كما هي قِممُ الجبالِ مُنفصلة عن بعضِها البعض وهم:




1) مُوسَى عليه السلام : نعلمُ جيداً أنَّ مُوسَى نُودِيَ إلى منطقةٍ جبليَّةٍ وأنَّ الله تبارك وتعالى كلَّمَه وهو بجانبِ جبلِ الطور .... تأملْ في الكلماتِ التاليَّةِ من سُورةِ طه وتحديداً مَعاني المَغفرةِ منه تعالى وسَعْيَّ وتعَجلَ مُوسَى إلى نداءِ ربِّه:


وَإنى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى {82} وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يامُوسَى {83} قَالَ هُمْ أُولاءِ على أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى {طه:82-84}


ومن سُورةِ الأعرافِ تأملْ مَجِيءَ مُوسَى إلى الموعدِ (الميقات) في الجبلِ وهذا هو نفسه وعدُ اللهِ تبارك وتعالى لإبراهيمَ بهدايةِ ذُريَّتِهِ على رؤوسِ الجبال:



وَلَمَّا جَاءَ موسى لِمِيقَاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ لَن تَرَانِى وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى {الأعراف:143}



وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا {مريم:52}




2) نبيُ الله داودُ : إذ تكررَ ذِكْره مُرادفاً للطيرِ وللجبالِ والتسبيحِ والإنابةِ والعودةُ لله تعالى:



وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ، إِنَّهُ أوَّابٌ {17} إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالعَشِىِّ وَالْإِشْرَاقِ {18} وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أوَّابٌ {ص:19}


وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً: وهذا يُذَكِرُنا بقصةِ إبراهيمَ في سورة البقرةِ مع الطيرِ " فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ" أي أحشرهُنَّ إليك ... فكما عادتِ الطيرُ إلى إبراهيمَ في آيةِ البقرةِ، عادَ داودُ إلى رَبِّه ... وكُلُهم إليه سُبحانَهُ، أوابٌ ...




وفي سُورةِ الأنبياءِ:

وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ، وَكُنَّا فَاعِلِينَ {الأنبياء:79}

وَكُنَّا فَاعِلِينَ ... نعم .. فاعِلينَ لوعدنا لإبراهيم في البقرة ...



وفي سُورة سبإ :


إِنَّ فِى ذَلِكَ لـءَـايةً لِّكُلِّ عَبْد مُّنِيبٍ {9} وَلَقَدْ ءَاتَينَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً، ياجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ، وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ {سبإ:9-10}


فيا جبالُ ... ويا طَّيْرُ أوِّبُوا وعُودُوا مع دَاودَ إلى الله ... كما أوَّبتْ طيورُ إبراهيمَ إليه ... فتلك دَعْوَةُ إبراهيمَ ...



3) سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم: وقد كان على رأسِ جبلِ النور عندما جاءَه نِداءُ الوحيِّ أوَّلَ البِعثةِ ... هنا أنا لا أقول بأنَّ سيِّدي محمداً كان ضالًّا قبل البعثة ... فهو لم يضلْ قط. فالهدايةُ بعد الضلالِ بالنِسْبةِ لسيِّدنا محمدٍ هي الوَحْيُ بعد الحيرةِ التي كان بها قبل البعثة، وكما جاء في سورة الضحى: وَوَجَدَكَ ضَالّاً فهدى {الضحى:7}




4) أحد الأنبياء من ذرية إبراهيم





إذن قد كان إبراهيم قلقاً وخائفا من أن تشرك ذريته. فكان يسأل كيف يمكن إحياء وهداية المشركين من ذريتي؟ فقد جاء في سورة إبراهيم:



وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ ءامناً وَاجْنُبْنى وَبَنى أَن نَّعْبُدَ الأصنم {35} رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنى فَإِنَّهُ مِنى وَمَنْ عَصَانى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {36} رَّبَّنَا إنى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثمرات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {37}



في سياقِ موضوعِ أمرِ استخلافِ ذرية إبراهيم نجيبُ على سؤالٍ محير وهو لماذا استجابَ سُبحانَهُ لإبراهيمَ جميعَ دعواتِه عدا واحِدةٍ، وواحِدةٍ مُهمةٍ وهي تجَنِب ذُريَّته عبادةَ الأصنام:


وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ {إبراهيم:35}؟


فنعلمُ يقيناً الشركَ الذي أصابَ قريشاً، وهم نسلُ إبراهيم ... فلماذا؟ للجوابِ نقولُ أنَّ الله تعالى مُجيبُ الدعاءِ وإن لم يجبْ دعوةً بعينها فإنَّه يُعطي خيراً منها. فإنْ كان هذا للناسِ عَامَّةً فلابدَّ وأنْ يتحققَ لسيِّدِنا إبراهيم . وهذا ما حصَلَ.




فاللهُ سُبحانَهُ لم يَستجبْ للدعوةِ لأنَّها تُخالفُ أحدَ أهمَّ النواميسِ الإلهيَّةِ وهي إخراجُ الشيءِ من ضِدِّهِ. ولكنَّه تعالى أعطاهُ خَيراً منها وهو أنْ تكونَ ذُريتُه نوراً للعالمين، أبَدَ الآبدين. وهذا النورُ لابدَّ وأنْ يخرجَ من بطنِ الظلماتِ لِيتَحققَ الناموسُ الإلَهيُ بإخراجِ الشيءِ من ضِدِّهِ. وهو ما حَصَلَ بالفعلِ، فخرجَ نورُ سيِّدِنا مُحمدٍ، سَيِّدُ العالمين، من بين ظلماتٍ مُوغِلةٍ في الوثنيَّةٍ ...




سياقُ الآيةِ 260 من سُورةِ البَقَرَةِ


سياقُ الآيةِ التي سألَ فيها إبراهيمُ ربَّه عن كيفيّةِ هدايةِ الضَّالين يؤكدُ ما ذهبتُ إليه من تأويل. فإذا عُدنا إلى الآيةِ 255 نجِدُ آيةَ الكرسي التي يعني اسمها الاستخلاف والملك وقد قلنا أنَّ سؤالَ إبراهيم كان حولَ هدايةِ ذُريَّتِه واستخلافِهم ومُلكِهم ...


ثم في الآية 257 نجِدُ كلاماً عن الهدايةِ تحديداً: اللهُ وَلِىُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ... {البقرة : 257 }


ثم في الآيةِ 258 يذْكُرُ سُبحانَهُ المُلكَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِى ربِّهِ أَنْ ءَاتَـاهُ اللهُ الْمُلْكَ ... {البقرة: 258 } ...


ثم في الآيةِ 259 نجدُ كلاماً عن غائبِ بني إسرائيلَ المُنتظر (عُزير)، وهذا إشارةٌ إلى المُنتظرِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وتأكيداً على موضوع الهداية، فإنَّ عُزيراً كان يسألُ ربَّه أيضاً عن الإحياءِ:


أَوْ كَالَّذِى مَرَّ على قَرْيَةٍ وَهِى خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا قَالَ أنى يُحْىِ هَـذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ... {البقرة: 259 }


ثم يأتي دورُ آيتِنا قيد التفسير 260 من سُورةِ البقرةِ والتي يَسْألُ فيها إبراهيمُ ربَّه عن كيفيّةِ هدايةِ الضالين.


وتأكيداً على ما ذهبنا إليه من أنَّ الآيةَ 260 من البقرة تتحدثُ عن هدايةِ ذُريَّةِ إبراهيمَ (محمد) واستخلافِهم، نجِدُ أنَّ الآيةَ التاليَّةَ لها هي الآيةُ العظيمةُ:



مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضْاعِفُ لِمَن يَشَاءُ، وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة: 261 }


والمُنفِقُ هنا هو سيِّدنا إبراهيم عليه السلام ... والإنفاقُ ليس بالمال بل بما سبق ذِكْره من عملِه الصالحِ:



وَإِذِ ابتلى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قَالَ إنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى، قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ {البقرة : 124}



فما جزاءُ عَملِه إلَّا استخلافَ ذُريَّتِه (محمد) على العالمين ....



ثُمَّ بعد ذلك تأتي الآياتُ {262-281} إذ تتحدثُ في مُجْمَلِها عن الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ ومرضاتِه والإخلاصِ في ذلك وما يصاحبُه من بركةٍ وزيادةٍ، ونقيضُ ذلك من البُخلِ والإمْساكِ والربا وما يصاحبُه من حَرقٍ ومَحقٍ وضَياع . والإنفاقُ في سبيلِ اللهِ ليسَ بالمالِ وحدَه، بل هو بكُلِّ عملٍ صالح، ظاهِراً كان أم باطِناً ...



ويضربُ سُبحانَهُ الأمثالَ المُخْتلِفةَ للناس في هذه القضيَّةِ، قضيَّة الإخلاص والبركة العظيمة في كُلِّ عمل مُخْلصٍ لله تعالى. هذا في ظاهِر الآياتِ لكنَّ المقصودَ المُبْطنَ هي البركةَ المصاحبةَ لأبي الأنبياء إبراهيم تحديداً. هذه البركةُ يَليقُ بها أنْ تكونَ وتكتملَ بالمُلكِ والاستخلافِ والنُبُوَّةِ لذُريَّتِه الكريمةِ، وذلك لعِظَمِ إخلاص إبراهيمَ عليه السلام ...



إنَّ هذا الوعدَ العظيمَ باستخلافِ ذريَّةِ سيِّدِنا إبراهيمَ الأرضَ ذُكِر في أماكنَ عديدةٍ من المُصحفِ الشريفِ كما في سُورةِ هود:



وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إبْرَاهِيمَ بالبشرى قَالُواْ سَلَاماً، قَالَ سَلَامٌ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ {69} فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، قَالُواْ لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ {70} وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَهَا بِإسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ {71} قَالَتْ يَاوَيْلتَى ءَألِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخاً، إِنَّ هَـذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ {72} قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله، رَحْمَتُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {73} فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَدِلنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ {74} إِنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أوَّهٌ مُّنِيبٌ {هود:75}



فأمرُ الله تبارك وتعالى والبُشرى في الآياتِ أعلاه من سُورةِ هُود ليس كما يُفهَمُ عادةً من أنَّها قدرتُه تعالى على جَعْلِ امرأةِ إبراهيم تحْمِلُ وتلِدُ بعد العُقم فحسب ... بل هو أوسعُ من ذلك وأشملُ ... فهو الأمرُ باستخلافِ ذُريَّةِ إبراهيمَ المباركة الأرضَ وهذا لا يكون إلَّا بجَعل هذه الذُريَّة المُباركة الحيَّة تخْرج من بَطنِ عَجوزٍ عَقيمٍ تماماً كما هي السُنَّةُ الكونيَّةُ بخروجِ الشيءِ من ضِدِّهِ كخروجِ الحيِّ من الميِّتِ والنور من الظلماتِ والهُدى من الضلالِ ....




فالإعجاز ليس أنْ تَلِدَ امرأةُ إبراهيمَ بعدَ عُقْمٍ. لأنَّه لو كان الحالُ كذلك فسيكونُ السؤالُ فلِمَ وقعتْ هذه المُعجِزَةُ لها من دونِ غيرِها من النساءِ؟ فزوجةُ إبراهيمَ اختيرت لهذا الإعجاز لتكونَ أمَّاً للأنبياءِ والخُلفاءِ وللذُرِيَّةِ المُباركَةِ الحَيَّةِ، ولأنَّ بطنها سوفَ يُخرِجُ هذه الذُرِيَّةَ المُباركَة الحَيَّةَ وَجَبَ أنْ يكونَ عَقيماً كي تَتِمَّ السُنَّةُ الكونيَّةُ الأزليَّةُ بإخراجِ الشيءِ من ضِدِّه ... والتي تكلمنا عن الحِكمة منها بالتفصيل في أماكن أخرى ...




مما يؤكدُ صِحَة ما ذهبنا إليه هو أنَّ الله تبارك وتعالى أسْمَى ابنَ زكريا "يَحْيَى " وهو اسمٌ يدلُّ على الحياةِ وذلك لِكون امرأةُ زكريا "عاقِراً" ... فالحياةُ تخرجُ من رَحَمِ الموتِ ومن رجلٍ وهنَ منهُ العظمُ واشتعلَ الرأسُ منه شيباً ...




سبحانه وتعالى عما نقول علوا كبيرا

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

ومن سار على هديه إلى يوم الدين


محمد جاد الزغبي 10-19-2012 01:57 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الكريم ..

إن تفسير القرآن الكريم والتفكر فيه هو من ضروريات العلم فى هذه الأمة بلا شك ..
ولكن الخوض فيه محدد بضوابط وشروط تليق بجلال وكمال آيات الذكر الحكيم ..

فالقرآن الكريم يتكون من قسمين ,
محكم .. ومتشابه ..
المتشابه : أمر حكمه واضح ومقطوع به أنها آيات وأحرف لا تفسير لها وستظل كذلك بلا انكشاف وأمرنا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بألا نتحراه أو نتحرى تأويله واتهم من يحاول ذلك بالزيغ والضلال المبين
يقول تعالى :
[هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}

أما المحكم : فينقسم إلى نوعين ,
محكم مطلق , وهى الآيات التى يعرفها الناس من لغة العرب واضحة وضوح الشمس لا تأويل فيها ولا تفسير , مثل قوله تعالى ( قل هو الله أحد )
ومحكم نسبي : وهى آيات القرآن الكريم التى يجوز فيها التفكر والتفسير وهى التى حث النبي عليه الصلاة والسلام بالتدبر فيها فقال فى الحديث الصحيح عن القرآن
( لا تنتهى عجائبه , ولا يخلق من كثرة الرد , ولا يشبع منه العلماء )

والإجتهاد فيه مفتوح إلى يوم القيامة ولا مشكلة , ولكن بضابطين هامين لا غنى عنهما أبدا :
الأول : ألا يكون التفسير الجديد معارضا لتفسير آخر ورد فى القرآن نفسه أو ورد فى حديث للنبي عليه الصلاة والسلام أو فى قول وتفسير لأحد الصحابة رضي الله عنهم باعتبار أن مقالة الصحابة فى حكم المرفوع لأن علمهم موصول بعلم النبي عليه الصلاة والسلام فإذا ورد تفسير لآية من هذه المصادر فلا اعتبار هنا لأى قول بعده
الثانى : ألا يكون التفسير بالرأى المطلق , ذلك أن الأمة اتفقت على أن من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب ..
والإجتهاد يختلف عن الرأى
فالرأى المجرد يكون رأيا جديدا ليس له مستند علمى من أى وجه
أما الإجتهاد فى التفسير فهو الإتيان بتفسير جديد مبنيا على علم صحيح أيا كان نوع هذا العلم ..
كأن يكون علم اللغة , مثل اجتهادات الشعراوى والكبيسي والسامرائي مثلا
أو العلم الكسبي مثل تفسيرات الإعجاز العلمى بالقرآن
وهلم جرا ..

نأتى الآن لتطبيق هذه القواعد على التفسير الجديد الذى أتيت به أخى الكريم فى قولك :
اقتباس:

وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْى الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة : 260 }
يقولُ تعالى:

يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... {الأنفال : 24 }
فالحَياةُ والموتُ تعنيانِ الهُدَى والضَلالَ كما هو مصرح به في مواضعَ عدةٍ من المُصحفِ الشريفِ. فيُتَحَوَّرُ سؤالُ سيِّدِنا إبراهيمَ إلى: ربِّ أرني كيف تَهدي الضَّالينَ؟ هكذا وبكُلِّ وضوح ...
فكان جوابُ الله تعالى بأنْ خُذْ أربعةَ طيورٍ (أو أرْبَعَ مجْمُوعاتٍ أوْ أنواعٍ منها). ثمَّ قُمْ بالاعتناءِ بها وأظهر لها المودةَ والحبَّ لفترةٍ كافيَّةٍ من الزمنِ حتى يأتلفوكَ ويعرِفوكَ ... وعلِّمها الأصواتِ أو الإشاراتِ التي ستعرِفُك وتُمَيزُكَ بها ... ثُمَّ أطلقهم بعيداً عنك على رؤوسِ الجبالِ ثُمَّ ناديهم بما علَّمْتهم، فستجدُهم يأتونك وما ذلك إلَّا لمعرفتِهم بك ولِحَنِينِهم وشَوقِهم إليك ...


وهذا كلام مغلوط وفهم متعسف للآية لا يؤيده أى مستند من أى علم مع الأسف الشديد ..
نعم إن القرآن الكريم ورد يه لفظ الإحياء والإماتة بمعنى الهداية والضلال ..
ولكن فى المقابل ورد أيضا بالمعنى الحرفي وهو مقصود الموت والحياة ..
والذى يحدد المعنى المقصود هو سياق الآية بلا شك ..
فقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام :
( رب أرنى كيف تحيي الموتى )
ثم إتباع ذلك باستنكار من الله عز وجل فى قوله ( قال أولم تؤمن )
يقطع ويجزم أن المعنى هنا هو الموت والحياة والبعث , وهى القضية الكبري التى تستحق الشك والتساؤل ,
وليس معنى هذا أن إبراهيم عليه السلام شك فهذا محال على الأنبياء ولكن كما قررها المفسرون أن المقصود العبور إلى الإطمئنان اليقينى

أما تفسيرك هذا بأنه الهداية وبأن الطيور كانت مجموعات وأنها لم تكن ميتة فأحياها الله لإبراهيم , عليه السلام ..
فهذا يخالف التفسير الصحيح من ثلاثة وجوه :
أولها : أن سياق الآية لغويا لا يسمح بذلك فالآية محكمة وصريحة ,
ثانيها : أنها تخالف أقوال الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم قول بن عباس الذى نقله القرطبي وبن كثير وغيرهم من أن المقصود كان إحياء الموتى وأن إبراهيم ذبح تلك الطيور وقطعها ومزجها ثم عادت إليه حية
ثالثها : تفاسير أهل السنة المعتمدة كالطبري وبن كثير والقرطبي وأقوال التابعين جميعا أطبقوا على هذا التفسير ..

هذا بالإضافة طبعا إلى أنك قلت برأيك ثم صنعت منه سيناريو كامل لأسراب طيور يربيها إبراهيم ثم تتبعه ثم تأتيه مع الألفة ,
وهو فوق أنه تفسير برأى محض بلا مستند , أنه تفسير لا يفيد أى إعجاز من أى نوع لأن تربية الطيور وتآلفها مع صاحبها واستجابتها له هى أمر عادى وطبيعى فأين هى المعجزة التى حققها الله عز وجل بعزته وحكمته لنبيه إبراهيم عليه السلام كما هو واضح من سياق الآيات ..

ولك الشكر

د نبيل أكبر 10-21-2012 02:30 PM

شكر وتعقيب
 

أخي العزيز محمد جاد الزغبي


أقدر وقتك الثمين للرد على كلامي وأقدر لك الموضوعية في الطرح. ولكني أجد اختلافات جذرية بيننا وسأحاول طرحها فيما يلي:


إن القول بأن في القرآن "محكم" و "متشابه" فيه إجحاف ونقص من قدرته وحكمته عز وجل وتعالى، فكل القرآن محكم لا لبس فيه:

الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)

فالاستدلال بهذه الآية لهو أجدر من الاستدلال بالآية السابعة من آل عمران والتي تفضلت بالاستدلال بها:

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ... (آل عمران:7)

ولقد تكلمت بالتفصيل حول "الأخر المتشابهات" في مقال مفصل وبينت وبرهنت أنها أبعد ما نكون مما يعتقد الناس. فأرجو التفضل بالنظر في المقال الأول في موقعي:


يمنع وضع روابط لأي مواقع خارج منابر ثقافية



وحبذا لو نتحاور حولها لأهميتها ...



كما إن القول بأن في القرآن الكريم آيات أمرنا بعدم التفكر فيها ووضع خطوط حمراء على آياته تعالى أعتبره قولا عظيما له تبعات جسيمة لذا ينبغي التفكر به مليا والاستدلال عليه جليا قبل طرحه فنحن بهذا قد ندخل فيمن قال تعالى عنهم:


وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون (الأنعام:26)


وللأسف الشديد فالذين وضعوا الخطوط الحمراء على كلامه تعالى اختلفوا أنفسهم حول عدد وأماكن هذه الخطوط! والتي تتغير من رأي لآخر وزمان لآخر !!!



فموضوع حصر تفسير القرآن الكريم على فئة من الناس حساس ومهم وله دور كبير في تخلف الأمة، ولي فيه كلام كثير أقوله لحضرتك والمشاهدين والمشاهدات الكرام لأهميته القصوى.



هذا القرآن الكريم البديع "كنز" ترك للمسلمين في جميع أزمانهم وأوطانهم وتخصصاتهم ليبحثوا فيها وليفعلوا عقولهم ويتدبروا "بأنفسهم" آيات الله تعالى. ثم من هذا المنطلق القرآني الإلهي ومن هذه الأسس الفكرية البحثية التدبرية الإبداعية القرآنية يُنمون قدراتهم الإيماني والعقلية والفكرية ثم لينطلقوا ويبحثوا في ملكوت السموات والأرض، ويطوروا أنفسهم ويبنوا مجتمعاتهم ويقيموا حضارات مدنية بحثية أصلها القرآن الكريم.


وقد حدث هذا بالفعل في العصور الأولي من الإسلام فانتشر نور الله تعالى في الناس. إلا أنه بعد ذلك، وخصوصا في زمن انحطاط الدولة العباسية بدأت القيود و "الضوابط" التي لا نجدها في الكتاب ولا في السنة ولا حتى عند الصحابة أنفسهم.


ومع تقادم الزمان ازدادت هذه القيود وتعقدت وتشعبت فأخذ المسلمون بالتفرق والتشعب على دروبها. والنتيجة هي ما نرى هذه الأيام من اختلاف وتناحر ليس على مستوى الشعوب الإسلامية بل وصل هذا التشعب والتعصب إلى البلدة الواحدة والقرية الواحدة والبيت الواحد، بل وحتى على مستوى الفرد الواحد! فنجد الإخوة من بطن واحد يتباغضون ويتلاعنون في خلافات حول أمور فرعية شكلية. ونجد الإنسان الفرد يغير من فكره ما بين ليلة وضحاها من هنا إلى هناك ومن فكر إلى آخر ومن حزب إلى حزب!


إن الله تعالى واحد أحدٌ سبحانه. وهو يأمر عز وجل دوما بأن نتحد، والإسلام دين التوحيد وهذا من أهم المقاصد الشرعية. فكيف يكون دين التوحيد دين تفرق؟ أو لا نفترق باسم دين التوحيد؟


يسأل الكثير من الناس لماذا تنهض بعض المجتمعات الغير متدينة، بل وحتى البوذية والوثنية والشركية والإلحادية كالصين واليابان وكوريا والهند مثلا، بينما نحن المسلمين المتدينين الموحدين الصائمين القائمين نقبع في تخاصم وتناحر وفقر وأمية ومرض وتسول وذل ومهانة؟ فيسألون هل المشكلة فينا أو في الإسلام أو ماذا؟ حاشا للإسلام أن يكون كذلك، إنما هو فهمنا للإسلام وتفرقنا باسمه:



إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شىء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {الأنعام الكريمة:159}



إلا إن المفسرين يطبقون هذه الآية وغيرها على بضع من مشركي قريش قد ماتوا وشبعوا موتا. فهل القرآن الكريم الحي كتاب أموات من منظورهم؟


إن المجتمعات الإسلامية متدينة خيرة بفطرتها. ولأنها تعشق هذا الدين الكريم فهي تلتزم به أشد الالتزام. ولأنها تلتزم به تفرقت وتشعبت في دروبه و طرقاته، ذلك أن الناس فرقوه وجمدوه.



إن العلم والإيمان لا يمكن قياسهما بالميزان. وبالتالي فكيف لي أن أقول مثلا أن علي المفسر أن يكون عالما أو مؤمنا بدرجة معينة أو ما إلى ذلك إن كنا نحن الناس لا نستطيع قياس ذلك؟ فهل ندخل في صدور الناس لنحكم؟

ثم لنفترض أن لي علما وشهادات في التخصصات المطلوبة، فكيف يعرف ما في نفسي أو دوافعي؟ هل سيأخذ بكلامي لأنني طابقت "ضوابط التفسير" من دون العلم بدوافعي؟

ولقد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ كتابه العزيز كما في آية الحجر العظيمة:


إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحفظونَ {الحجر: 9}


والبعض ينظر إلى هذا الحفظ من منظور حفظ الكتابة فقط. ولكن من وجهة نظري أراها تشمل بالإضافة معاني وتأويلات القرآن الكريم، وذلك يتضح أيضا من الآية 17 من سورة الرعد الكريمة:


كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبطل فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأمثال {17}


فالحق الذي سينفع الناس كما هو واضح من الآية سيبقي في الأرض. أما الباطل بما في ذلك من تفاسير باطلة من المندسين أو الجهلة وغيرهم فسيذهب جفاءً.


فإن كان تعالى تعهد بذلك فلم أضع قيودا وضوابط على فهمي وإيماني. كيف لي أن أقرأ القرآن وأنا أمنع نفسي من التفكر في معانيه وأترك ذلك لغيري من الناس؟


ألا نرى أن المجتمعات الحرة من القيود تكون أكثر إنتاجية وثراء وفكرا من تلك القابعة تحت القيود. والإتحاد السوفيتي وسقوطه أكبر دليل.

فالحرية تنتج الإبداع والازدهار والنمو في أي مجال كان. والقيود لا تنتج إلا الكبت والفشل والاحباط والاحساس بعدم المسؤلية ...


فلو وجد أحدنا رأيا لا يليق في القرآن الكريم أو غيره فلم لا ينبذه ببساطة ويأخذ ما تعتقد أنه الأفضل! إلا إذا قلنا أن الناس لا تفهم وعلينا أو على مجموعة منا الوصاية على عقولهم وعلى ما يقرؤون. أفلا نجد أن النصاري من خلال أحبارهم ورهبانهم قاموا بذلك فضلوا كما في سورة التوبة مثلا:


اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {31} يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {32}

إلهاً واحدا لا شريك له سبحانه في كل أمر وفي كل شأن. ألا نرى العلاقة الوطيدة بين اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله تعالى وبين إطفاء نوره الكريم ؟؟؟ ألم يكن الأحبار والرهبان يتحكمون بأمور الدين من دون الناس؟




وفي بعض المنتديات يقال لي بصراحة أن لماذا تدخل نفسك في أمور وتخصصات ليس لك فيها علم ولا شأن. بل قيل لي كذلك لا تحسبن أن علوم القرآن الكريم سهلة بل هي أصعب بكثير من هندسة البترول وغيرها.


من وجهة نظر العبد الضعيف العلم الذي لا ينفع لا يقع في خلقه تعالى لأنه منزه من العبث في صغير أو كبير. العبث هو في عقولنا نحن الناس.


ثم كيف يمكن أن نقول أن علوم القرآن الكريم أصعب وأدق من علوم أي مجال من المجالات؟ فهل هذا الخلق من إله غير الله تعالى ليقال مثل هذا الكلام؟ هل استطيع أن استهزئ أو أقلل من شأن أي خلق من خلقه تبارك وتعالى؟ أوليس خالق هذا الكون هو منزل القرآن الكريم؟


أفلا نستهزئ بصانع بضاعة وبقدراته وتصوراته وامكانياته إن استهزئنا ببضاعته؟ أفلا نستهزئ بقدرات الله تبارك وتعالى عندما نقلل من شأن هذا الخلق وعلومه "الدنيوية".
صحيح إن هذه الحياة الدنيا غرور ومتاع وملذات ولكن هذا لا يعني أبدا أنها تافهة حقيرة! إذ كيف يمكن تصور أن يخلق تعالى شيئا تافها حقيرا ثم يضعنا فيه؟ إن التفاهة ليست في الخلق بل في تصوراتنا عنه وتعاملاتنا معه.

أشير إلى أن العديد من المواقع حذف مشاركتي برسالة بسيطة تقول: إما أن تأتي بأقوال السلف الصالح أو لا تتكلم فيما لا يعنيك!


فأقول لهم فالعبد الضيف سيكون من السلف أيضا بعد ألف سنة، فلم لا تقبلون بقولي سلفاً ؟؟؟

وينصحني البعض بأن أدع الخبز لخبازه لأنه لا علم لي بالقرآن وضوابط التفسير. وأن النجار لا يفقه في الطب وأن الطبيب لا يفقه في الهندسة، إلى آخره، ولو تركت الأمور هكذا بلا "ضوابط" فسيكون القرآن الكريم وتأويل آياته الكريمة مرتعا لكل من هبّ ودبّ فتختلط الأمور و يضل الناس. وأرد على هذا بما يلي:


[overline]أولاً:[/overline] فالقرآن الكريم كلام محفوظ بأمر منزله الكريم الحفيظ. فلن يستطيع كائن من كان أن يعبث بذلك. فالله تبارك وتعالى وحده تكفل بهذا الأمر.

[overline]ثانياً:[/overline] لا ينبغي لكائن من كان أن ينأى بنفسه عن التفكر والبحث في القرآن الكريم ومعانيه ولا أن ينهى غيره من ذلك. وإلا فقد ندخل في الذين قال فيهم تعالى في سورة الأنعام الكريمة:[overline] وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {26}[/overline]. أي هم ينهون الناس عن قراءة القرءان والتفكر فيه وفي نفس الوقت يبعدون أنفسهم عن ذلك. أعاذنا تبارك وتعالى من أن نكون كذلك. إلا إذا قلنا أنّ هذه الآية الكريمة لا تنطبق إلا على كفار قريش عهد النبوة الشريفة.


[overline]ثالثاً:[/overline] كيف يمكن الزج بالتمعن في آيات الله جل جلاله والتفكر فيها بالمهن التي يشتغل بها الناس؟ أنا قد أختار أن أكون خبازا أو طبيبا أو تاجراً. لي الخيار ولي التغير ولي التقصير أو الاجتهاد في هذه الأعمال. لكن هل التمعن والتفكر في آياته عز وجل خيار لي. هل أستطيع أن أختار ألا أعمل بذلك؟ أم أنا مأمور في هذا الشأن؟


[overline]رابعاً:[/overline] من قال أن جميع الأطباء لا يفقهون في الهندسة مثلاً؟ أولا يوجد من الأطباء من يفهم في الهندسة أكثر من المهندسين؟ أولا يوجد خباز يتقن الزراعة أكثر من المزارعين؟



[overline]خامساً:[/overline] إن دراسة أكثر من تخصص تثري الفكر وتنمي القدرات العقلية وتجعل صاحبها أكثر عمقاً ورشدا عند النظر إلى الأمور. وكتاب الله تبارك وتعالى أولى بذلك.


[overline]سادساً:[/overline] من يقول أن زيدا أكثر علما من عبيد؟ فهل العلم في هذه شهادة في ورقة مكتوبة؟



هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو سألني تبارك وتعالى يوم الحساب عن فهمي لآية من آياته الكريمة فسأستحي أن أقول له : قال فيها فلان كذا وكذا. فأنا سأحاسب على فكري وليس فكر أحد غيري. طبعاً هذا لا يعني عدم الاستفادة من الآخرين.


فأنا أقوم بطرح تأويلاتي لبعض آيات القرآن الكريم لسبب بسيط أضعه كما يلي:


1- أمرنا تعالى بتدبر معاني القرآن والتفكر فيها دوما. وكلمة "تدبر" مشتقة من "الظهر" أو "الدبر" أي الخلف، أي علينا البحث عن البواطن وما خفي منها. وهذا الأمر لا يخص مجموعة من الناس في زمن محدد، فلهم أعمالهم ولنا أعمالنا، كما جاء في عدة آيات كريمة. ولأن العلم من العمل بل أهم ما فيه، فيكون بذلك أن لهم علمهم ولنا علمنا. ولكل زمن علمه.


2- والآن بينما أنا أقرأ القرآن وأتفكر فيه فتح الله تعالى علي بفكرة كما فتح على الذين من قبلنا، فهل علي أن أتعوذ بالله من الشيطان وأقفل باب التفكير؟ أم إن علي نشر هذا العلم؟ فإن كنت على صواب فلي أجران وإن لم أكن فلي أجر واحد. أوليس في الحديث النبوي الشريف ما معناه أن من كتم علماً ألجمه الله تعالى بلجام من نار يوم القيامة؟


3- أما لو قال أحدهم أنني لا أتبع "ضوابط التفسير" فعلى القائل أن يوضح لي أين تمت مخالفة هذه الضوابط. فلو خالفت فسأرجع إلى صوابي وإن لم أخالف فعليه أن يتقبل تفسيري ويعتبره على الأقل قولا من الأقوال التي قال بها المفسرون.



[overline]لقد توارثنا الإتكالية والكسل والاختلاف[/overline] لأننا جمدنا علوم القرآن الحي الكريم على علم أناس سبقونا بأكثر من ألف سنة. فلم نعد نتفكر فيه، فانتقل هذا الجمود على مر العصور من فهمنا للقرآن ومعانيه ليشمل فكرنا كله ونظرتنا للخلق كله. ذلك أن القرآن وفهمه مصدر فكرنا وحياتنا وإيماننا.


ومن المعْلُوم أنَّه بتقادمِ الزمانِ يكثرُ الناسُ وتتراكمُ العلومُ والخبراتُ والمداركُ وتزدادُ، مما يؤدي وبالتأكيدِ إلى التعمق في فَهمِ كلِّ شيءٍ من حولِنا بما في ذلك كلام الله تعالى وسُنَّة نبيهِ الكريم ... أي إنَّ على الأجيال المتأخرة أنْ تكون أوعى وأعلمَ من أسلافها لا عالةً عليها تماماً كما إنَّ على الشيخِ أنْ يكون أوعى وأعلمَ من الطفل ... لذا فقد ضربَ اللهُ للمسلمينَ مثلَ اليهودِ كالحمارِ يحملُ "أَسْفَاراً" ولا يعقِلُ منها شيئاً ...



لقد حذرنا رسولنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم من العلم الذي لا ينفع. وهذا العلم الذي لا ينفع ليس في أي خلقٍ من خلق الله تبارك وتعالى، لأنَّه مُنزهٌ من العبثِ ومن خلقِ أمور لا تنفع. العلمُ الذي لا ينفعُ هو العلمُ الذي يخترعُه الإنسانُ من وحيِّ أفكاره ... هو العلم الذي يدرسُ كلامَ الناس ويُقدِّسُهُ ويَهجرُ كلامَ الله تعالى وينسخُهُ ... هو العلمُ الذي يفرقُ بين الناس بأقوالِ الناس ... هو علمُ تعقيدِ الأمور ووضعِ المصطلحاتِ والمذاهبِ والأطرِ الفكريةِ التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ... هو ما نعانيه من تفرقة بيننا هذه الأيام ....


فالتعليمُ النازلُ (القرآن) من عنده تعالى ذو نفعٍ عظيم للناس وبه يتعلمون ويتقدمون، ولكن بالعكسِ تماماً نجدُ الكثيرَ من النتائجِ السَيِّئةِ على الأُمَّة من الجمود الحاصل الآن. إذ أصبحَ من المفاهيم الرَّاسخةِ عندَ الشعوبِ الإسلاميَّةِ أنَّ كُلَّ شيءٍ من حولِنا من عملِ وترتيبِ الملائكةِ. فهي تُرسلُ الرَّياحَ والعَواصِفَ، وتَذُّرُ البُذورَ في الأرضِ، وتُنزلُ الأمطارَ، وتسقِي الأرضَ، وتُنتُجُ المحاصيلَ، وتُعالِجُ المرضى، وتَشُقُ الأنهارَ، وتقوم بالدفاع عنا ...


وفي هذا المفهوم الخاطئِ لا توجدُ قوانينٌ طبيعيَّةٌ تَحْكُمُ الكونَ، بل أعدادٌ لا تُحْصى من الملائكةِ تذهبُ وتَجيءُ لخدمةِ هذا الإنسانِ المُسلم"المُدَلَّل" الذي يتمرغُ في رضى الله تعالى ... فليس عليهِ الاعتمادُ على النفس في البناءِ والزراعةِ والطِّبِ وكَشْفِ أسرارِ الكونِ، وليس عليه تطويرُ نفسه والرقي بها والدفاع عن نفسه ... فالملائكةُ تقومُ بعملِها على أكملِ وجه!؟ أمَّا هو فعليهِ أنْ يسألَ الله تعالى بما يُريد ويشتهي، فيستجيبَ اللهُ له، ويأمر الملائكةَ فيقوموا بما يلزم! هذا هو الفكر المستنتج من القرآن ...



لهذا السبب – ولأمثاله – فأمَّةُ الإسلام ترزحُ تحت فكر التبعية والاتكالية على الغير في جميع شؤونها ...


ولن يتحد المسلمون ولن يتقدموا بل سيزدادون تخلفا (كما هو الحال الآن) إلا بالفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم. الفهم الذي يدعو إلى نبذ الخلافات بين كل الأديان والمذاهب، وإلى احترام "الإنسان" مهما كان دينه ومذهبه وعرقه لأن الله تعالى هو الذي أكرمه. هذا الفهم الذي يدعو إلى عدم قراءة ما في صدور الناس والحكم عليهم وتكفيرهم ومحاسبتهم وترك ذلك كله لله تعالى الذي تكفل بحساب الناس ولم يكفل لأحد غيره تعالى بذلك.



كانت مداخلتي أعلاه بالنسبة لحصر تأويل القرآن ووضع خطوط حمراء (من وضع البشر) للتفكر فيه. وفيما يلي أتطرق لموضوع تأويل آية الطير مع إبراهيم عليه السلام ...


((يتبع))




د نبيل أكبر 10-21-2012 02:34 PM

بالنسبة لتأويل سؤال إبراهيم عن إحياء الموتى فلي التعليق التالي:




لماذا أقول بأن الطيور تعني ذرية إبراهيم المباركة ؟ السبب أخي كما وضعته في المقال أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.


سؤال بسيط لمن ينكر كلامي: هل للإنسان أن يشاهد عملية إحياء الطيور وهي بعيدة متفرقة على رؤوس الجبال؟




بالاضافة فاختيار أربعة من الطير يعني تشتت النظر وعدم التركيز على عملية الإحياء.

[color="rgb(255, 0, 255)"]
فإن لم يجب تعالى على السؤال كما جاء في التفاسير ولم ير إبراهيم عملية الإحياء فإما إن الله تعالى لم يجب، أو إن السؤال لم يفهم كما ينبغي وهو ما أقول به.





وبالنسبة لكلمة "صرهن" فلا أجد أنها تتحمل معنى التقطيع والذبح إذ هي وعلى العكس تعني مجملا التجميع وأعتقد أن اللغة العربية هي مرجعنا وليس أقوال البعض الذين أقحموا معنى الذبح والتقطيع والفرم ونتف الريش في الكلمة كي يحلوا إشكالية فهم الآية.



القصة من وجهة نظري كما أظهرته بالحجج أبعد ما يكون عن الإيمان بقدرته تعالى على إحياء الأجساد بعد الموت.



في الحقيقة حتى كثير من الكافرين يعلمون بوجود حياة وقصاص بعد الموت وقد سألت بعض من قابلتهم من النصارى وحتى البوذيين والوثنين عن الحياة الآخرة وكانوا كثيرا ما يوقنون بحياة أخرى وإن كانت التفاصيل تختلف عما هو عندنا.


فهذا الاعتقاد لا يحق بالناس العاديين فكيف يحق لأبي الأنبياء؟
فيمر البعض بفترات ضلال شديدة، لكنهم حتى في هذه الفترات يعلمون جيدا أن الله تعالى سيعيدهم للحساب من جديد.


بل حتى الآية التي ذكر فيها "النمروذ" والتي استدللت بها:


ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (البقرة:258)


فإبراهيم يتكلم مع الكافر لإثبات القدرة الإلهية لإحياء الأجساد الميتة فرد الكافر بحجة مادية فرد عليه إبراهيم بحجة مادية بنفس الطريقة التي يفهما الكافر ...






أما إن المعنى الظاهري لآية الطير مقبول عقليا فلا أجده كذلك كما فصلته في المقال وخصوصا أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.


فالله تعالى يضرب مثالا لإحياء الأمم الضالة وهذا أولى بأن يكون سؤال إبراهيم.



ولو نظرنا إلى سياق الآيات نجد أنها تتحدث عن حياة الأمم الميتة بعد الضلال. فمثلا الآية السابقة للطير تتحدث عن إحياء قرية يهودية:


أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير (259) وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم (260) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم (البقرة:261)

فسؤال النبي عزير لم يكن عن إحياء الأجساد في قريته، بل عن إحياء القرية ككل وعودتها للحياة وازدهارها وذلك بعودة الناس والحياة إليها.


لذا فقد أماته تعالى مائة عام لأن مائة عام كفيلة بعمران القرية مرة أخرى. وفي نفس الوقت أماته تعالى وحماره لنفس المدة ثم قال له كما أحييتك الآن بجسدك فقد أحييت القرية.


فهنا نجد ما يماثل المشبه والمشبه به. والمشبه هو إحياء القرية والمشبه به هو إحياء عزير وحماره.


وكذلك الحال في آية الطير التالية. فقد كان إبراهيم يسأل نفس سؤال عزير: لقد وعدتني ربي باستخلاف ذريتي (بعد رؤيا ذبح إسماعيل) ولكني لا أفهم كيف لأمة ميتة أن تدب فيها الحياة من جديد؟


فضرب له تعالى مثلا كما هو مثل عزير والمشبه هو الطيور الأربعة والمشبه به هو إحياء الأمم الميتة الضالة على يد الأنبياء من ذريته.


في الحقيقة لنا أن نسأل نفس السؤال الآن: كيف يمكن لأمة الإسلام التي تعرف حضرتك بوضعها الفكري والاقتصادي و ... و ... وفي نفس الوقت تعود لتحيا من جديد وتنافس الأمم المتقدمة؟ كيف؟


فهذا سؤال مشروع إذ إننا لا نسأل بسبب عدم إيماننا بل نسأل عن كيفية إحياء هذه الأمة.


وكان هذا سؤال إبراهيم المشروع.



وكل عام وأنتم والأمة بخير
[/color]

محمد جاد الزغبي 11-18-2012 12:22 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الفاضل د. نبيل ..
اعذرنى لتأخر الرد لأن أعتمد على إخطارات البريد فى الموضوعات , ولم يصلنى إخطارا بردك هذا حتى رأيته أمس مصادفة ..

وقد أثرت عدة نقاط فى ردكم الكريم وكلها تستحق التعقيب لأنها احتوت على مبادئ ومعلومات ــ اسمح لى ــ مغلوطة تماما فى علوم تفسير القرآن , وكلها محض رأى شخصي لا يستند إلى ما يجب أن يستند إليه أى اجتهاد إلا وهو الأصول العلمية التى تجيز للمرء الخوض فى تلك المسائل فيتلقي الناس قوله بالقبول ..
وقد خلطت خلطا كبيرا فى ردك بين حرية التفكر فى القرآن الكريم , والتى هى فرض عين على المسلمين , وبين تفسير القرآن والإجتهاد فيه والذى هو موقوف على أهل العلم بتلك الصنعة ..
وليس قولنا هذا يا أخى الفاضل بدعا من القول , ولا هو بالأمر الغريب بل هو أمرٌ مسلم به فى كافة العلوم بلا استثناء , حيث الخوض فيها مرهون بتحصيل مبادئ تلك العلوم وقوانينها

أنت مثلا من علماء طبقات الأرض , وهو تخصص ماتع وبالغ الإفادة فى العلوم الإنسانية , لو أن أحدا جاء من عندياته هكذا ونشر موضوعا قال فيه أن الأرض لا تتكون من طبقات , وأن ما يتحدث به علماء الجيولوجيا عن وجود كتلة حديد منصهرة فى قلب الأرض هو أمر خيالى لا يصدقه عاقل , فكيف وصلوا إلى قلب الأرض وصوروا أو رأوا تلك الكرة الحديدية الضخمة ؟!
قل لى ما الذى سترد به على القائل بهذا ؟!
إن أول رد لك على هذا القول الجاهل أن المتحدث جاهل بمبادئ علوم الأرض التى لها متخصصوها , ولا يجب أن يتكلم فيها إلا أهل العلم بها , وأن علماء طبقات الأرض اكتسبوا من الوسائل والتجارب العلمية ما مكنهم من تقرير مبادئ وتقسيمات الأرض وأن قولهم هو المعتد فى هذا الفن ..

ولا شك أن كل عاقل سيري ردك هذا ردا منطقيا عاقلا ..
وردك هذا يحمل نفس المبدأ الذى تستنكره على علوم القرآن والتفسير , حيث تعتبر الضوابط العلمية التى وضعها العلماء للخوض فى تفسير القرآن الكريم قواعد جامدة تمنع التفكر والتدبر فيه , وهذا غلط من وجهين ..
الأول : أن التفكر فى القرآن معناها التأمل وإدراك المعانى وأخذ العظة والعبرة وزيادة قوة الإيمان واليقين بالله , وهذا مطلوب من كل مسلم فى القرآن الكريم , وعلى كل مسلم أن يستعين على ذلك بالعلماء فيما إذا صادفه أمر مشكل عليه فى تفسير وفهم الآيات ..
الثانى : أما التفسير فهو علم كامل من علوم القرآن الكريم , علم له قواعده وأصوله التى يجب على كل من يتصدى للتفسير أن يحيط بها فالأمر ليس فوضي وهذا كتاب الله الذى نهى النبي عليه الصلاة والسلام نهيا قاطعا عن الخوض فيه بالرأى المجرد حتى لو كان القائل عالما , فقال ( من قال برأيه فى القرآن فأصاب فقد أخطأ )
والإجتهاد والإتيان بتفسيرات جديدة فى القرآن مطلوب فى كل عصر , وسبق أن أوردت لك النصوص الدالة على ذلك , ولكنه مطلوب ممن ؟!
منا نحن العوام أم من أهل العلم بالتفسير ؟!

أنت هنا خلطت بين التفكر والتدبر الواجب على كل مسلم فى كتاب الله , وبين التفسير الذى لا ينبغي أن يتصدى له إلا أهل العلم به , وأوليات هذه العلوم هى الإحاطة بعلوم اللغة العربية لأنها لغة القرآن , والإحاطة بعلوم التفسير وقواعده , وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم الحديث والأثر لمعرفة تفسيرات السنة النبوية للقرآن وغير ذلك من العلوم التى ينبغي للمفسر دراستها إن كان ينوى الخوض فى تفسير القرآن بعمومه ..
أما إن كان من العلماء الذين يتصدون لتفسير الإعجاز العلمى والتشريعى , فينبغي له تحصيل الحد الأدنى من تلك العلوم وعلى رأسها علم اللغة حتى لا يصرف الآيات لمعان أخرى لم يقصدها القرآن , وكذلك الإحاطة والتيقن من أن الآيات التى سيتناولها تبتعد عن آيات الأحكام والتشريع لأن هذا المجال خاص بتفسير السلف ,
والمتأمل فى ردك السابق سيجد أنك أنكرت علىّ تنبيهك لهذا ,
رغم أنك تصديت بالتفسير فى آيات محكمة المعنى والمقصود وأجمعت عليها الأمة , والأمة لا تجتمع على ضلالة , فضلا على أنها آيات لا تتحدث فى تخصصك بل آيات عقائدية محضة , وبعضها الآخر فقهى محكم , لا ينبغي لغير الفقهاء أو المفسرين التصدى له ,
ولو أنك استغللت علمك الأصلي كعالم جيولوجيا واستنبطت من آيات القرآن الكريم الإشارات الربانية الهائلة التى يحفل بها فى مجال خلق الأرض لكان هذا أنفع لنا ولكم , بمثل ما فعل مثلا الدكتور زغلول النجار فهو عالم جيولوجيا أحاط علما بعلوم اللغة ودلائلها وأحاط بالتراث النبوى فى مجال التفسير ووظف علمه الأصلي للحديث والتفسير فى مجاله وهو آيات الخلق ,
فنحن ما أنكرنا عليك حق التصدى للتفسير , ولا يوجد مسلم ينكر عليك هذا , فقط طالبناك بالضوابط التى ينبغي لنا أن نتوقف عندها وهى ألا نأتى بآراء محضة فى التفسير ليس لها من يعضدها من النقل ولا العقل , ولا من مقتضي وسياق الآيات الكريمة ..
هذا أمر ..
الأمر الأهم :
أنك لا تقيم وزنا لمسألة تفسير القرآن بالقرآن , ولا حتى لتفسير السنة النبوية الصحيحة فى ذلك ولا لإجماع علماء التفسير ..
وهذه كلها مصادر أصلية للتفسير والتشريع لا يجرؤ عالم ــ مهما بلغ علمه ــ أن يخالفها لاستنباطات أخرى تخالف مقصودها !
وقد سألتك فى تفسير لآية شك إبراهيم , عن أى دليل من سياق الآيات نفسه يحمل شيئا من تفسيرك لها فلم تأت به , وسألتك عن أى دليل من الأثر والسنة أو حتى من أقوال العلماء الذين لن تخفي عليهم قطعا تفسيرات آية محكمة المعنى بهذا الشكل فلم تأنا بشيئ ..
اللهم إلا رأيا شخصيا محضا اختلق قصة طيور حية رباها إبراهيم وألفته فلما ناداها أتته ! , فمن أين لك معرفة هذا كله لو افترضا صحته ؟!
ولاحظ أننى نقلت لك قول النبي عليه الصلاة والسلام فى تفسير الآية ذاتها بالإضافة إلى إجماع العلماء على ظاهر معى الآية , وهذا ما لا يسعنا مخالفته لوضوحه ..
والقرآن الكريم به آيات تحتمل الخلاف فى التفسير , وبه أيضا آيات لا تحتمل أدنى خلاف ــ مثل آية إبراهيم ــ وصرفها عن معناها الواضح والقطعى بهذا الشكل يفتح الباب للعبث بالآراء فى القرآن الكريم ..
وقلت لك نصا إن تفسيرك للفظى الإحياء والإماتة بمعنى الهدى والضلال يحتاج قرينة صارفة من سياق الآية نفسها .. :
نعم إن القرآن الكريم ورد يه لفظ الإحياء والإماتة بمعنى الهداية والضلال .. ولكن فى المقابل ورد أيضا بالمعنى الحرفي وهو مقصود الموت والحياة ..
والذى يحدد المعنى المقصود هو سياق الآية بلا شك
..
فقوله تعالى على لسان إبراهيم
عليه السلام :
( رب أرنى كيف تحيي الموتى )
ثم إتباع ذلك باستنكار من
الله عز وجل فى قوله( قال أولم تؤمن )
يقطع ويجزم أن المعنى هنا هو الموت والحياة والبعث , وهى القضية الكبري التى تستحق الشك والتساؤل ,
وليس معنى هذا أن إبراهيم
عليه السلام شك فهذا محال على الأنبياء ولكن كما قررها المفسرون أن المقصود العبور إلى الإطمئنان اليقينى

ثم إن تفسيرك لمسألة الطيور التى رباها إبراهيم عليه السلام , وتآلفت معه ثم ذهبت وعادت إليه بمقتضي الألفة , لا تحمل أدنى معجزة فيها , فإن هذا الأمر لا معجزة فيه ولا غرابة , فأين هو الإطمئنان اليقينى الذى آمن به إبراهيم من سياق الآية بناء على هذا الفعل ؟!
ومع ذلك لم ترد على هذه الإشكالات وجئت تقول :
اقتباس:

لماذا أقول بأن الطيور تعني ذرية إبراهيم المباركة ؟ السبب أخي كما وضعته في المقال أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.
سؤال بسيط لمن ينكر كلامي: هل للإنسان أن يشاهد عملية إحياء الطيور وهي بعيدة متفرقة على رؤوس الجبال؟

الآية الكريمة تصرح أن الله عز وجل استجاب لابراهيم عليه السلام , وأنت تقول أنه لم يريه ؟!
يا أخى الفاضل ما هى الغرابة التى تستنكرها فى الآية , إن إبراهيم رأى الطيور بلا شك وهى تعود إليه من رءوس الجبال , والطيور ماتت بالفعل على يد إبراهيم وهو يعرفها بوصفها فلما وزعها ودعاها وأتت إليه رآها حية بهيئتها الأولى
أليس هذا هو الدليل العملى الذى كان ينشده عليه السلام لمرأى الإحياء والبعث ؟!
اسمح لى أنت تحاول اختلاق التناقض فى التفسير الصريح للآية وتخالف فى ذلك دلالتها القاطعة , كما خالفت فيها أقوال العلماء رغم أنك لم تقم دليلا واحدا على سابق تفسيرك للآية والذى حمل الآية معان أخرى لا تخطر ببال القارئ , وكل هذا دون دليل أو حتى قرينة ؟!

وتقول :
اقتباس:

وبالنسبة لكلمة "صرهن" فلا أجد أنها تتحمل معنى التقطيع والذبح إذ هي وعلى العكس تعني مجملا التجميع وأعتقد أن اللغة العربية هي مرجعنا وليس أقوال البعض الذين أقحموا معنى الذبح والتقطيع والفرم ونتف الريش في الكلمة كي يحلوا إشكالية فهم الآية.

لو كانت اللغة العربية وقواعدها هى مرجعنا , فما هى الأدلة من فقواعد اللغة التى تسعفك فى تبرير قلب لفظى الإحياء والإماتة عن ظاهر المعنى لمعنى آخر بلا قرينة صارفة إطلاقا ؟!
ثم من قال إن كلمة ( صرهن ) تمنع وصف الطيور بعد تقطيعها إن معنى الصر هو الجمع كما صرحت أنت بنفسك , وهى تصلح لوصف الجمع بين الأجزاء المقطعة كما تصلح لوصف الجمع بين أى مكونات , فأين هو استدلالك من معنى الكلمة على أن المقصود حصرا هو جمع طيور حية متعددة ..
وثالثا : تستهين بأقوال العلماء السابقين فى التفسير وتقول أنهم أقحموا معان التقطيع والذبح فى معنى ( صرهن ) ناسيا أن هؤلاء البعض كما تسميهم هم مجموع كبار مفسري الأمة وهم المعتمد قولهم فى محكم الآيات , هذا فضلا على أن التفسير بالقطع والذبح لم يكن تفسيرهم إنما هو تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو ترجمان القرآن وكل ما فعله العلماء أن نقلوا لنا تفسير الصحابي الجليل .. !

وتقول :
اقتباس:

فسؤال النبي عزير لم يكن عن إحياء الأجساد في قريته، بل عن إحياء القرية ككل وعودتها للحياة وازدهارها وذلك بعودة الناس والحياة إليها.
لذا فقد أماته تعالى مائة عام لأن مائة عام كفيلة بعمران القرية مرة أخرى. وفي نفس الوقت أماته تعالى وحماره لنفس المدة ثم قال له كما أحييتك الآن بجسدك فقد أحييت القرية.
فهنا نجد ما يماثل المشبه والمشبه به. والمشبه هو إحياء القرية والمشبه به هو إحياء عزير وحماره.

أنت تقر هنا بأن عزيرا عندما سأل نفسه واستبعد إحيائها بعد موتها كان الرد أن أماته الله هو نفسه وحماره ثم بعثه ..
أفلا يصب هذا فى صالح التفسير الصحيح لآية إبراهيم ..
لا سيما وأن الأمر لم يكن مختصا بالقرية أصلا بل كان مختصا باستنكار عزير أو استغرابه من الحياة بعد الموت , فكانت معجزة الله له أن جعل الإختبار فى نفسه وحماره فأماته فعليا ثم بعثه ..
وهو نفس السياق الذى أثبته الله عز وجل لإبراهيم ..
فأين الحديث عن الهدى والضلال كمفهوم للإحياء والإماتة ؟!

وتقول :
اقتباس:

في الحقيقة حتى كثير من الكافرين يعلمون بوجود حياة وقصاص بعد الموت وقد سألت بعض من قابلتهم من النصارى وحتى البوذيين والوثنين عن الحياة الآخرة وكانوا كثيرا ما يوقنون بحياة أخرى وإن كانت التفاصيل تختلف عما هو عندنا.

الحقيقة أنه أمر عجيب ! فالله عز وجل يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام :
[وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ] {يوسف:103}
والله عز وجل يقول :
[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ] {البقرة:8}
فهذا الركن الإيمانى تحديدا ألا وهو الإيمان باليوم الآخر والبعث أخبرنا الله عز وجل أن أكثر الناس هم منكرون له , فكيف تقول العكس ؟!
ثم كيف نساوى بين الإيمان بالبعث بمفهومه الإسلامى ونقرنه بالإيمان لدى الوثنيين ..
أما قولك :
اقتباس:

فهذا الاعتقاد لا يحق بالناس العاديين فكيف يحق لأبي الأنبياء؟

فقد صرحت الآية نفسها بتفسير ذلك ألا وهو أن إبراهيم عليه السلام كان يريد العبور إلى اليقين العينى بعد اليقين القلبي وهو ما قاله المفسرون أيضا فلا يوجد هنا شك من إبراهيم فى هذا وإنما هو طلب للمعجزة من الله ..

ثم تقول :
اقتباس:

في الحقيقة لنا أن نسأل نفس السؤال الآن: كيف يمكن لأمة الإسلام التي تعرف حضرتك بوضعها الفكري والاقتصادي و ... و ... وفي نفس الوقت تعود لتحيا من جديد وتنافس الأمم المتقدمة؟ كيف؟
فهذا سؤال مشروع إذ إننا لا نسأل بسبب عدم إيماننا بل نسأل عن كيفية إحياء هذه الأمة.

بسيطة ..
النبي عليه الصلاة والسلام أيها الأخ الكريم , أجاب عن هذا السؤال تفصيلا ,
بأن نكون على الجادة التى تركنا عليها هو عليه الصلاة والسلام حيث قال :
( تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك )
وقال ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ )
وحذرنا التحذير الأعظم من الإبتداع فى الدين , وأشد البدعة يا أخى الكريم هو بدع العقائد , لأن العقائد غيبيات نهى الله ورسوله عليه السلام عن الخوض فيها بالجدل أو الرأى , لأنها ليست من الفروع الفقهية , بل هى أصول غيبية لا يجوز فيها الرأى ولا يجوز فيها الإجتهاد وينبغي للمسلم أن يتوقف فيها على ما قاله الله وقاله رسوله عليه السلام وفقط ..
ولهذا قال النبي عليه السلام ( فإن من يعش بعدى فسيري اختلافا كثيرا .. )
وما يجب عليك أن تعلمه أن الفرق التى شذت عن أهل السنة والجماعة إنما شذت فى أمور العقيدة عندما أنكرت بعضها بالرأى والهى , وأولت القرآن عن معناه الصريح , وأنكروا سنة النبي عليه السلام وأحاديثه التى تبين الأصول والعقائد , فكانت المعتزلة أولى الفرق فى ذلك .. وتبعها جم غفير هم الذين قال فيهم النبي عليه السلام :
( تتفرق أمتى ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا واحدة , ما أنا عليه اليوم وأصحابي )
ولهذا اقتصر المفسرون والعلماء فى آيات العقائد على ما قاله الله عز وجل وقاله رسوله الكريم عليه السلام , ما زادوا حرفا ولا نقصوا حرفا ..
ثم فتحوا أبواب الإجتهاد والرأى فيما دون ذلك وتركوا الأصول والعقائد ثابتة ,
وبهذا الأسلوب وحده قامت دولة الإسلام فسادت قرونا , وعندما انتشرت البدع والأقوال سلط الله عليها الأمم وسلط عليها نفسها حتى سقطت ثم عادت مرة أخرى ثم سقطت ثم عادت ثم كان سقوطها الأخير فى بدايات القرن التاسع عشر عندما دخل الفكر الأوربي وأبواق الحداثة إلى عقائد الدين الصحيحة ,
وخاض الخائضون فى متشابه القرآن ولم يرتدعوا , ثم ظهرت الحركات الإلحادية والمادية والتى تنكر كل المسلمات , فأصبحنا اليوم على ما تراه العين ..
ونصيحة واجبة أوردها لك ولى ولكافة المسلمين , أن نكون وقافين عند حدودنا فى القرآن والسنة , فليس لنا بعد قول الله ورسوله عليه السلام والصحابة قول فى شأن العقيدة والأصول ..
يتبع ..

محمد جاد الزغبي 11-18-2012 12:34 PM

وقد شاهدت لك فى موقعك أقوالا وأمورا كارثية فى الحقيقة ..
أمور وعقائد حسمها النبي عليه الصلاة والسلام وفسرها وثبتت لدينا بالسنة النبوية الصحيحة ,
فجئت أنت ونهجت نهج المنكرين وأبديت رأيك فيما لا رأى فيه بعد رأى رسل الله عليه الصلاة والسلام , و
أنا أظن بكم الظن الحسن الواجب فى كل مسلم أن أقوال النبي عليه الصلاة والسلام لم تبلغك فى هذا الشأن ولا أعتقد أنها لو بلغتك ستصر على رأيك ..
ولهذا ــ أنا لن أناقشك فى مجمل محتوى موقعك ــ فالأمر يطول ..
وأترك لك فقط نصيحة أن تعيد قراءة مقالاتك وأفكارك ولكن فى ضوء السنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم , فلست أدرى كيف أدخلت نفسك فى معترك تفسير القرآن بل وخضت فى المتشابه نفسه دون أن تكون على دراية بحقيقة يعلمها أهل العلم جميعا وهو أن تلك الأمور فيها نصوص ثابتة لا يجوز تفاديها أو تأويل الأمر على غير ما أجمعت عليه كلمة علماء المسلمين فى كل العصور ..
وإجماع العلماء أخى الفاضل هو مصدر رئيسي للتشريع لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ..
ثم إن الأمة أيها الصديق لا تحتاج اجتهادا منك فى العقيدة , بل تحتاجه فى آيات الإعجاز وأنت نجم من نجوم العلم فلماذا تترك أرضك إلى غيرها ؟!
وما هو النفع الذى سيئول للأمة فى نظرك لو أنك فعلت ما فعلت من إنكار لرفع المسيح وإنكار لنسخ القرآن ــ رغم أن النسخ ليس مجرد مسألة علمية بل هو علم كامل من علوم القرآن اسمه علم الناسخ والمنسوخ ــ وكلامك فى تفسير الإستواء على العرش !!
يا أخى الفاضل هذه أمور عقائدية ومن الغيب المطلق والتوغل فيها ضلال ما بعده ضلال ,
والإمام مالك عندما سأله أحد المبتدعة ( كيف استوى الله على العرش ؟ )
احمر وجهه وقال : الإستواء معلوم ( بنص القرآن ) والكيف مجهول , والسؤال عنه بدعة
وهذه الأمور التى تنكرها بمجرد الرأى وبتفسيرات غريبة لا تستوى حتى مع المنطق العقلانى البسيط فضلا على مضاربتها للنصوص الثابتة , هى أمور حفلت بها كتب العقيدة الإسلامية ورد العلماء عليها مرارا , ونبهوا مرارا على خطورة الخوض فيها بالكلام , وهم أنفسهم ما خاضوا فيها إلا عندما اضطروا للرد على المبتدعة ..
والمفروض فى أى باحث إذا أراد البحث فى أى مسألة علمية ألا يقرر فيها رأيا محسوما , ونظرية ما باجتهاده الشخصي إلا بعد أن يطالع من سبقه من الباحثين والعلماء لأن العلم تراكمى , فلو أنك أجهدت نفسك بالمطالعة الضرورية فى هذا الشأن لوجدت أن ما تثيره من أمور العقيدة إما أنه شبهات رددها البعض فردها عليهم العلماء .. وإما هى أقوال حسمتها السنة المطهرة بالنصوص الصريحة , فما الداعى للخوض فيها إذا؟!

وسأرد ردا علميا على بعض ما ذكرته هنا بمنابر , لأنبهك ــ بعد إذنك ــ لخطأ المنهج الذى تعتمد عليه ألا وهو التأويل الشخصي بمعزل عن أدلة القرآن والسنة والإجماع :
تقول :
اقتباس:

إن القول بأن في القرآن "محكم" و "متشابه" فيه إجحاف ونقص من قدرته وحكمته عز وجل وتعالى، فكل القرآن محكم لا لبس فيه:
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)

ولست أدرى أين التناقض بين أن يكون فى القرآن محكم ومتشابه وبين نص الآية التى استدللت بها ..
إن مجرد مطالعتك لأى تفسير معتمد من تفاسير أهل السنة كان كافيا لتدرك أنه ليس بالأمر أى تناقض , فالإحكام فى القرآن ــ كما حدد العلماء ــ جاء بمفهومين ,
إحكام الصنعة واللفظ , وهذا عام على كل آيات القرآن قطعا , وإحكام آخر معناه القابلية للتفسير ..
أما تقسيم القرآن الكريم للمحكم والمتشابه فهذا ثابت بنص القرآن والسنة والإجماع أيضا ..
يقول تعالى :
[هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}
والنص صريح ,
فى أن آيات المتشابه لا يعرفها إلا الله عز وجل ولن يطلع عليها إنسان وهى تمثل خطا أحمر فى التعرض لها بتفسير .. بدليل أن القرآن الكريم وصف من يتتبعونها بغرض معرفة تأويلها أن فى قلوبهم زيغ ووصف الراسخين فى العلم بأنهم أولئك العلماء الذين يقفون عند تلك الحدود التى حددها الله عز وجل فلا يخوضون فى تفسير المتشابه
فلو كان القرآن ــ كما تقول ــ ليس فيه المتشابه , وليس فيه خطوط حمراء , فكيف نفسر نهى الله عز وجل عن الخوض فيما سيماه هو متشابه القرآن ؟!
الدليل الثانى الصريح ..
ما أخرج مسلم فى صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألبابقالت :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم
الدليل الثالث :
اختلف العلماء فى تحديد المتشابه والمحكم حصرا , ولكنهم أجمعوا قطعا على وجود المتشابه فى القرآن , كما أجمعوا فيما بينهم على أن آيات أسماء الله وصفاته وآيات الغيب المطلق كالإستواء على العرش والروح وموعد قيام الساعة والبعث والصراط وما شاكلها هى كلها من المتشابه المحرم الخوض فيه ..
الدليل الرابع :
من العقل , فلو أننا قلنا بعدم وجود المتشابه فى القرآن , لكانت مشكلة كبري يعترضنا فيها وجودآيات فى القرآن الكريم غير قابلة للتفسير البشري لأن تفسيرها بيد الله سبحانه وحده , وقد ضربنا الأمثلة على ذلك بمتشابه صفات الله وأسمائه والبعث والصراط والروح وكافة ما يتعلق بيوم القيامة وصفة الجنة والنار ,
فلو كانت هذه الآيات محكمة ــ بمعنى قابليتها للتفسير ــ لتصورنا أن العقل البشري بالعلم سيصل لحقائق تفسير هذه الأمور وهذا محال قطعا لأن الغيب عند الله عز وجل وحده ..

وتقول :
اقتباس:

كما إن القول بأن في القرآن الكريم آيات أمرنا بعدم التفكر فيها ووضع خطوط حمراء على آياته تعالى أعتبره قولا عظيما له تبعات جسيمة لذا ينبغي التفكر به مليا والاستدلال عليه جليا قبل طرحه فنحن بهذا قد ندخل فيمن قال تعالى عنهم:
وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون (الأنعام:26)

إن القول العظيم حقا أن نتصور بأننا أعلم بكتاب الله من نبيه عليه الصلاة والسلام , والذى نهانا وحذرنا من الخوض فى متشابه القرآن أو من الخوض مع الخائضين فيه .. كما أنه قال عليه السلام
( تحدثوا فى خلق الله ولا تتحدثوا فى ذات الله فتهلكوا )
فهذا الذى تعتبره قولا عظيما نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام وحدد لنا الخطوط الحمراء التى نتوقف عندها ألا وهى ذات الله عز وجل وغيبياته ..
وسبحان الله !
هل فرغنا يا أخى من التدبر فى محكم القرآن حتى تخوض بالنقاش فى المتشابه وتعتبر كتاب الله كله مستباحا للآراء البشرية ؟!
علام إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول وينهى ( من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب )
علام كان أبو بكر الصديق يقول ( أى أرض تقلنى وأى سماء تظلنى لو أننى قلت فى القرآن برأيي )
وكما قلت لك , إن فى ما أباحه الله عز وجل متسع وأى متسع , فقد قال رسول الله عليه السلام عن القرآن ( لا يشبع منه العلماء , ولا يخلق من كثرة الرد )
ولاحظ أنه حدد العلماء ..
وأمامك آيات الإعجاز فى الخلق والكون والأرض وهى تمتلئ بعشرات الإستدلالات التى تسببت فى هداية الكثيرين للإسلام , فلما نترك المباح إلى حيث ما حذرنا رسول الله عليه السلام منه ..

وأنت تنكر وجود خطوط حمراء فى تفسير القرآن ,
وأمامك ما أوردناه من نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن المتشابه وعن الخوض بالرأى فى القرآن , وهذه هى الحدود للمباح الذى دعانا النبي عليه السلام للتدبر والتأمل فيه ..
فإلى جانب آيات وأحاديث الإباحة جاءت أحاديث الضوابط التى يجب أن تحكمنا عند التصدى للتفسير والكلام , فالأمر ليس متروكا هكذا بلا رابط أو ضابط ..
وإن أهون العلوم على وجه الأرض لابد له من ضوابط , فما بالنا بعلم هو مختص بكتاب الله المنزل ومعجزته الدائمة على خلقه ..
ودعنى أسألك سؤالا منطقيا يرتبط بما قلته عن أحوال الأمة ..
إن الأمة الإسلامية فى عصورها السالفة , والتى التزمت فيها بهذه الضوابط ولم تخض فى المتشابه قط , كانت فيها الأمة هى سيدة العالم أجمع ..
ومنذ أن ظهرت البدع وانتشرت وخاض الخائضون فى كتاب الله بغير علم وأهملوا السنة وجماهير العلماء أصبح حال الأمة كما ترى !
أفلا ترى فى ذلك دلالة ما تشير لنا على الطريق الصحيح ..؟

وتقول :
اقتباس:

وقد حدث هذا بالفعل في العصور الأولي من الإسلام فانتشر نور الله تعالى في الناس. إلا أنه بعد ذلك، وخصوصا في زمن انحطاط الدولة العباسية بدأت القيود و "الضوابط" التي لا نجدها في الكتاب ولا في السنة ولا حتى عند الصحابة أنفسهم.

وهذا قول غير صحيح بالمرة مع الأسف الشديد ..
لأننا أثبتنا لك أن هذه الضوابط وضعها النبي عليه الصلاة والسلام ووضعها العلماء فى الصدر الأول ووضعها قبلهم الصحابة ,
ونقلنا لك قول أبو بكر كما أن عمر بن الخطاب ضرب بجريد النخل مجموعة وجدها تتحدث فى القرآن برأيها مخالفة أوامر النبي عليه الصلاة والسلام , ونقلنا لك قول الإمام مالك والذى أجمعت عليه كلمة الأئمة من بعده الشافعى وابن حنبل وبن راهويه والثورى والبخارى وغيرهم من أساطين العلماء وهم الذين صنفوا فى كتبهم فصولا كاملة جعلوا عنوانها ( النهى عن الخوض فى القرآن بالرأى )
فكيف تقول أن الضوابط والمحاذير لم تأت عن الصحابة ولا عن العلماء فى عز الدولة الإسلامية ؟!
وبعكس ما تقول :
إنه فى زمن انحطاط الدولة العباسية ــ لو أنك راجعت تاريخ الفرق ــ انتشرت هذه البدع ونسي الناس الضوابط الحاكمة للتفسير فانتشرت أقوال الفرق الشاذة فى القرآن وتفسيراتهم التى تمت على الهوى الشخصي وحده , فأصبحت لهذه الفرق دولا تحارب بها دولة الخلافة ,
وراجع إن شئت الدولة البويهية الشيعية وظروف نشأتها ومعتقداتها ودولة القرامطة والباطنية وأقوالهم بالرأى فى تفسير القرآن , وراجع تاريخ المعتزلة ــ أول من قال بالرأى فى القرآن وتعرضوا للمتشابه ــ وكان هذا فى زمان المأمون فانتشرت بدعة خلق القرآن وتفسير الإستواء على العرش بالإستيلاء ودخلت الفلسفة الأوربية إلى علوم الإسلام وكانت طامة كبري ..
وقولك إن الضوابط التى تحدثت لك عنها فى الرد السابق لم ترد إلا فى زمن انحطاط المسلمين يعنى أنك حتى فى التاريخ ووقائعه تدخل فيه برأيك المحض وإلا فإن أقل تصفح لتاريخ الفرق يقول بعكس ذلك ..

ثم تتهم علماء التفسير اتهاما خطيرا فتقول :
اقتباس:

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شىء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {الأنعام الكريمة:159}
إلا إن المفسرين يطبقون هذه الآية وغيرها على بضع من مشركي قريش قد ماتوا وشبعوا موتا. فهل القرآن الكريم الحي كتاب أموات من منظورهم؟

وهو قول محض بلا أى دليل ..
فبالرجوع إلى كتب التفسير المعتمدة لم أجد مفسرا واحدا قال إن المقصود بذلك هم مشركوا قريش ! , فمن أين أتيت بهذا الكلام ..؟!
بل إن معظم العلماء أجمعوا على أن الآية نزلت فى من ضل من أهل الكتاب وفى الأمة الإسلامية التى أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها ستتفرق إلى بضع وسبعين فرقة ..
ويقول بن كثير فى تفسيره بعد ترجيح آراء المفسرين :
( والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له ، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق ، فمن اختلف فيه ( وكانوا شيعا) أي : فرقا كأهل الملل والنحل - وهي الأهواء والضلالات - فالله قد برأ رسوله مما هم فيه . وهذه الآية كقوله تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) الآية [ الشورى : 13 ] ، وفي الحديث : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ، ديننا واحد ")
فكيف تسوغ لنفسك التهوين من أقدار العلماء وترميهم بقصور الفهم وأنهم ظنوا أن كتاب الله للأموات فقط ..
والله يا أخى لست أدرى ما أقول حقا , ولكنى بالفعل أتمنى أن تراجع منهجك كله مراجعة حقيقية فليس العلم أن تهدم ما بنى سلف الأمة وكان بناء محكما بآيات القرآن والسنة وأقوال الصحابة , وليس كما تفعل بالرأى والهوى المحض وإن كنت تبحث عن الجديد فى القرآن فلا يمنعك أحد ولكن تسلح بمقومات هذا العلم أولا وبمبادئه , وهذا أقل المطلوب لهذه المهمة ..

وتقول :
اقتباس:

إن العلم والإيمان لا يمكن قياسهما بالميزان. وبالتالي فكيف لي أن أقول مثلا أن علي المفسر أن يكون عالما أو مؤمنا بدرجة معينة أو ما إلى ذلك إن كنا نحن الناس لا نستطيع قياس ذلك؟ فهل ندخل في صدور الناس لنحكم؟

ولست أدرى من أين أتيت فى كلامى بأنى أقول نفتش عن صدور الناس ..
يا أخى النيات يعلمها الله ..
ما طالبتك به وطالبك به غيري إنما طالبوك بقواعد وأصول التصدى لأى علم فى الوجود وبألا تحرف الكلم عن مواضعه وتمل الآيات ما لا تحتمله ولا دليل يؤيده ,
إن كرة القدم وهى لعبة ترفيهية لها قواعد وأصول يتعلمها الهاوى قبل أن يحترف فيها ..
فهل نستكثر ذلك على علوم تعالج كتاب الله ؟!
وكررتها لك مرارا وأكررها ,
أنت تخوض برأيك المحض فى القرآن بلا أى دليل ولا مستند ولا مقتضي من اللفظ وواقع الحال , فكيف تتخيل أنك ستصيب تفسيرا صحيحا بهذا الأسلوب ؟!

وتقول :
اقتباس:

ولقد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ كتابه العزيز كما في آية الحجر العظيمة:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحفظونَ {الحجر: 9}
والبعض ينظر إلى هذا الحفظ من منظور حفظ الكتابة فقط. ولكن من وجهة نظري أراها تشمل بالإضافة معاني وتأويلات القرآن الكريم، وذلك يتضح أيضا من الآية 17 من سورة الرعد الكريمة:
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبطل فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأمثال {17}

وهذا استدلال فى غاية الغرابة ..
لأنك تستدل بآية الحفظ على أنها صك وشيك على بياض ليقول كل الناس فى القرآن ما شاءوا ؟!
إن حفظ الله للقرآن الكريم وللدين بفهمه الصحيح لا يعنى عدم ظهور البدع والقول فى القرآن بالرأى وتتبع المتشابه من أهل الضلال ..
ولو كان الأمر كذلك لما كانت هناك فائدة من تحذير النبي عليه السلام لنا من البدع ومن تتبع متشابه القرآن , فكيف سينهانا عن أمر لن يقع ما دام كتاب الله محفوظ بفهمك هذا ؟!
وقد ظهرت التفسيرات الباطنية لكتاب الله من المعتزلة والباطنية والشيعة وقالوا فى التفسير أقوالا شنيعة ,
وهذا لا يقدح إطلاقا فى حفظ القرآن والدين لأن النبي عليه الصلاة والسلام بشرنا بأن هذه الأمة سيأتى لها دوما علماء يجددون لها دينها ويردون العقائد إلى منهلها العذب الصافي بالقرآن والسنة .. وهو ما يتحقق فعلا ..

وتقول :
اقتباس:

ألا نرى أن المجتمعات الحرة من القيود تكون أكثر إنتاجية وثراء وفكرا من تلك القابعة تحت القيود. والإتحاد السوفيتي وسقوطه أكبر دليل.
فالحرية تنتج الإبداع والازدهار والنمو في أي مجال كان. والقيود لا تنتج إلا الكبت والفشل والاحباط والاحساس بعدم المسؤلية ...

هذه ليست حرية .. هذا هو التعريف المثالى للفوضي ..
فمن قال إن المجتمعات الحرة ليس لها قيود أو ضوابط , ما هى فائدة الدساتير والقوانين إذا ؟!
والضوابط التى تحكم أى علم فى الدنيا هى مقياس نجاحه وليست هذه قيودا , فلو كانت قيودا لانفرط عقد المجتمعات عندما يتلاشي الفارق بين العلم وضوابطه ..

وتقول :
اقتباس:

أشير إلى أن العديد من المواقع حذف مشاركتي برسالة بسيطة تقول: إما أن تأتي بأقوال السلف الصالح أو لا تتكلم فيما لا يعنيك!
فأقول لهم فالعبد الضيف سيكون من السلف أيضا بعد ألف سنة، فلم لا تقبلون بقولي سلفاً ؟؟؟

هذا أمر طبيعى ..
لأننا مأمورون ــ كما أوضحت لك ــ باتباع السلف فى أمور العقيدة والثوابت الدينية .. ومجال الإجتهاد مفتوح عن آخره فيما دون ذلك ..
ولو أنك خضت فى مجال تخصصك أو تكلمت فى الآيات التى يجوز الخلاف فى تفسيرها والإجتهاد فيها .. لكان لك الحق ..
لكن الكارثة أنك تأتى إلى متشابه القرآن وحقائق الغيب فتدلى فيها برأيك , ثم تعترض
عندما يعترض عليك الناس ؟!
أى منطق هذا الذى يدعوك إلى إنكار النسخ وإنكار نزول عيسي عليه السلام وقولك بموته , إلى غير ذلك من الأمور التى ثبتت بالأدلة القطعية وبالسنة الصريحة ..
ومرة أخرى أدعوك لقراءة السنة الصحيحة الثابتة فى هذه الأمور , لأنى أظن أنها لم تبلغك ولا أعتقد أنها لو بلغتك ستعرض عنها ..
وأسأل الله لنا ولكم سواء السبيل ..

د نبيل أكبر 11-24-2012 05:01 PM


أخي العزيز محمد جاد الزغبي

تحية عطرة،


بعد استلامي اخطارا بالبريد بوجود مداخلتك القيمة دخلت للمنتدى لأجد أن الموضوع برمته قد "نٌقل" وتم تجميد عضويتي في المنتدى، فشعرت بالأسى لضياع مجهودنا نحن الإثنين بنقرة اصبع ممن يعتقد بأن أي جديد في أمر هذا الدين الحي العظيم "بدعة" وأن لا مزيد في كلامه تعالى إلا البدع والضلال وأن السلف قد أدرك واكتشف كل ما في كلامه تعالى من درر وكنوز وأسرار وأن كلامه تعالى لا يحتمل أي مزيد أو جديد.

فتركت المنتدى للأسف ...


لكني بعد ذلك وجدت أن أختا كريمة في منتدى كريم آخر وضعت رابط مقالى ومداخلتك في ذلك المنتدى لأعود وأجد أن المقال قد أعيد وأن عضويتي فعلت من جديد.



يشرفني أخي الرد على إنسان مثقف في مقامك، لكن من غير المعقول أن نكتب نحن ونمضي الساعات الطوال لمناقشة أمور غاية في الأهمية ليأتي إنسان ويقرر إنهاء الموضوع بنقرة اصبع!


فلو أحببت وأرادت الإدارة الكريمة استمرار الحوار الهادف الموضوعي فسيسعدني ذلك بشرط واحد وهو تعهد المسؤول الأول عن المنتدى هنا بعدم حذف المقال أو أي من التعليقات بشرط الموضوعية وأن لا يخالف آداب الحوار المعلومة.


وأقدر لحضرتك مجهودك الكبير في هذا الحوار وغيره ...


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...

محمد جاد الزغبي 11-25-2012 01:31 AM


اقتباس:

أخي العزيز محمد جاد الزغبي
تحية عطرة،


حياك الله ..
أهلا بك مجددا يا د. نبيل


اقتباس:

بعد استلامي اخطارا بالبريد بوجود مداخلتك القيمة دخلت للمنتدى لأجد أن الموضوع برمته قد "نٌقل" وتم تجميد عضويتي في المنتدى، فشعرت بالأسى لضياع مجهودنا نحن الإثنين بنقرة اصبع ممن يعتقد بأن أي جديد في أمر هذا الدين الحي العظيم "بدعة" وأن لا مزيد في كلامه تعالى إلا البدع والضلال وأن السلف قد أدرك واكتشف كل ما في كلامه تعالى من درر وكنوز وأسرار وأن كلامه تعالى لا يحتمل أي مزيد أو جديد.
فتركت المنتدى للأسف ...
اصبر يا دكتور .. اصبر ..
ما حدث كان سوء تفاهم لا أكثر , ولم تكن أنت ولا الموضوع مقصودا بحذف أو إيقاف ..
ولو كنت سألتنى لأجبتك ..
عامة ساشرح لك الأمر ببساطة ,
تم نقل الموضوع بعد تعليقي عليك لسبب آخر لا علاقة له بي ولا بك , وهذا ما عرفته عندما ناقشت الإدارة فى ذلك ولهذا بعد حذف التعليقات المخالفة على الموضوع ــ والتى لم ترها أنت ــ قامت الإدارة مشكورة بإعادة الموضوع مكانه بلا أى مشكلات ..
أما مسألة حظرك فهذا لم يحدث قط , ولو حدث فسيكون من قبيل الخطأ فحسب , لأنه لا يوجد أى مبرر مقصود ناحيتك ,
ولو كان هناك أى مخالفة صدرت منكم لتم إبلاغكم بها ومناقشتكم فيها والتنبيه مرة واثنين وثلاث ,,
فليس من سياسة منابر التبنيد المباشر بلا مناقشة للعضو نفسه ..

اقتباس:

لكني بعد ذلك وجدت أن أختا كريمة في منتدى كريم آخر وضعت رابط مقالى ومداخلتك في ذلك المنتدى لأعود وأجد أن المقال قد أعيد وأن عضويتي فعلت من جديد.
نويت والله ان اناقشك هناك .. واكن منعتنى ظروف مرضية طارئة هذه الأيام ,
ولأنى وجدتك اليوم تثير موضوع الحظر بادرت بالدخول لإفهامك المسألة بوجهها الصحيح وتوضيح الأمر لك ..
وانت لك الحق فى العتاب والغضب , ولكن الامر لم يكن كما فهمته

اقتباس:

يشرفني أخي الرد على إنسان مثقف في مقامك، لكن من غير المعقول أن نكتب نحن ونمضي الساعات الطوال لمناقشة أمور غاية في الأهمية ليأتي إنسان ويقرر إنهاء الموضوع بنقرة اصبع!
ليس هذا من سياسة منابر اطمئن ..
واتخاذ قرار بالحذف ضد اى موضوع انما يتم بناء على سياسة نشر اعلنتها منابر فى اكثر من منبر , كما ان الحذف لا يأتى الا بعد التنبيه على العضو بالمخالفة ولا يأتى التبنيد إلا بالإصرار اكثر من مرة على نفس المخالفة

اقتباس:

فلو أحببت وأرادت الإدارة الكريمة استمرار الحوار الهادف الموضوعي فسيسعدني ذلك بشرط واحد وهو تعهد المسؤول الأول عن المنتدى هنا بعدم حذف المقال أو أي من التعليقات بشرط الموضوعية وأن لا يخالف آداب الحوار المعلومة.
مرحبا بحوارك فى اى وقت أخى الكريم ..
وطالما أن مرجعيتنا ستكون القرآن والسنة وأهل العلم فلا يوجد أى مانع من استمرار الحوار لفائدة الجميع
انا فقط أستأذنك فى أنى سأؤجل الرد والمناقشة عدة أيام حتى أشفي بإذن الله من أعراض الانفلونزا التى تمنعنى التركيز والعمل ..
وسابلغك بعودتى ان شاء الله حالما أعود ,
وانا لن انقطع انقطاعا نهائيا بل ساتواجد لفترات قصيرة للمتابعة ..
لك خالص التقدير والشكر

وانت على الرحب والسعة



د نبيل أكبر 11-25-2012 11:14 AM

شكر
 
أخي العزيز محمد جاد الزغبي
أسعد الله تعالى أوقاتكم بكل خير

أحمده تعالى على وجود إدارة تكفل حقوق المتحاورين، وهذا هو المطلوب والواجب من قبل إدارات المنتديات، فلكم جميعا الشكر والتقدير على حسن تعاملكم.

أنتظر عودتك بعد شفاء عاجل بإذنه تعالى وستجدني إن شاء الله تعالى أخا يبحث عن الحق أنى وجده.

اللهم افتح علينا بالحق أبدا ما أحييتنا ... آمين

محمد جاد الزغبي 11-26-2012 04:16 AM

اقتباس:

أخي العزيز محمد جاد الزغبي

أسعد الله تعالى أوقاتكم بكل خير
أحمده تعالى على وجود إدارة تكفل حقوق المتحاورين، وهذا هو المطلوب والواجب من قبل إدارات المنتديات، فلكم جميعا الشكر والتقدير على حسن تعاملكم.
أنتظر عودتك بعد شفاء عاجل بإذنه تعالى وستجدني إن شاء الله تعالى أخا يبحث عن الحق أنى وجده.

اللهم افتح علينا بالحق أبدا ما أحييتنا ... آمين


اللهم آمين ..
بارك الله فيك , وانت إن شاء الله أهل لاتباع كل حق ..
تفضل أنت بالتعقيب والرد على ردى الأخير فى المشاركات رقم 5 , ورقم 6 ..
وساتابع معك إن شاء الله قدر الاستطاعة ..
شكرا جزيلا

د نبيل أكبر 11-28-2012 10:04 AM

تعقيب
 
أخي العزيز محمد جاد الزغبي

تحية عطرة للجميع،


سأعلق على كل نقطة من النقاط التي تفضلت بطرحها ولكن من الأفضل حتى لا تتشعب الأمور أن نتحاور نقطة نقطة فيلقي كل منا برأيه، ثم لنا وللقرآء الكرام الاختيار إن وجدوا حقا في أي مما نقول.


من وجهة نظري، الهدف من الحوار ليس لتغيير فكر أحد، بل هو لعرض الأفكار وحسب ثم حسابنا جميعا عنده تعالى.

كما إني أنقد الفكر بتجرد وموضوعية بحيث يكون الهدف منه تمجيد الله تعالى وكلامه أولا، لا يهمني من قاله، ومتى قاله، وكم من الناس آمن به. فليس نقدي لإنسان بعينه حيا كان أو ميتا، فنقد الأفكار لا يعني أبدا نقد الناس، فقد أنقد فكرا صاحبه خير مني.

فتمجيد الناس وعلمهم أحياء وأمواتا أكبر إشكال في أمتنا، ليس الآن وحسب، بل على مر عصور هذه الأمة.... هذا هو ما يفرقنا وكل حزب بما لديهم فرحون فخورون:


وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (المؤمنون:53)



مشكلة التمجيد هذه وقعت فيها جميع الأمم الماضية والحاضرة ونحن المسلمين لسنا استثناء في هذا. وأصل المشكلة هي أن الناس دوما تمجد أنفسها وأعراقها وعلومها. فمثلا تجد أن الطالب يحاول جاهدا أن يبرز قيمة مدرسته أو جامعته أو شيوخه وعلمائه. السبب بسيط وهو أنه عندما يفعل ذلك فإنه يمجد نفسه بطريق غير مباشر.

فمن العيب للإنسان القول بأن مدرستي ضعيفة أو منسية، أو أن شيخي إنسان عادي. فلو كان الأمر كذلك، لكان هو بنفسه كذلك.



لهذا كثيرا ما يمدح الناس تخصصاتهم وعلمائهم وشيوخهم وأسلافهم ويرفعونهم إلى السماء. ثم يستمر هذا التمجيد مع الزمن إلى أن يصل إلى درجة التقديس كما حدث للأمم السابقة التي نتبعها حذو القذوة بالقذوة ولو دخلوا جحر ضب لدخلناه. أي نعتقد أن هؤلاء العلماء لا يخطئون أبدا والمفارقة أنهم هم أنفسهم يختلفون فيما بينهم ولا يعطوا العصمة لأقوالهم.


قد يقول قائل هنا نحن لا نمجد السلف أو العلماء فأقول نعم ولكن ذلك بالقول لا الفعل. ما يهم هو الفعل لأن: الفعل أصدق الأقوال، وسأضرب لاحقا أمثلة على هذا.


ومن هذا المفهوم تجمدت العلوم القرآنية والدينية، فلا يجرؤ الناس على مناقشتها. فتتقدم الدنيا في كل مجال، إلا هذه المجالات الدينية "المحروسة" ممن يعتقدون أن لا ينبغي لغيرهم الخوض في هذا التخصص.

وهذا مما تعانيه أمة الإسلام، كما عانت من قبلها الأمم.


علينا دوما أخي أن نبحث عن الحق، ليس من أفواه الناس وحسب، ولكن من المصدر الذي لا يتغير ولا يتبدل ألا وهو القرآن والأكوان وما فيهما من سنن ثابتة مشتركة لا تتبدل.


علينا دوما أن نبحث عن الحقيقة، لا يهم إن كان صاحبها عالما مشهورا جليلا من السلف أو الخلف، لا يهم إن كان صاحب الحقيقة هو أنا أو أنت، المهم أنها الحقيقة.


تفضلت بقولك وأنا أقتبس:

أنت مثلا من علماء طبقات الأرض , وهو تخصص ماتع وبالغ الإفادة فى العلوم الإنسانية , لو أن أحدا جاء من عندياته هكذا ونشر موضوعا قال فيه أن الأرض لا تتكون من طبقات , وأن ما يتحدث به علماء الجيولوجيا عن وجود كتلة حديد منصهرة فى قلب الأرض هو أمر خيالى لا يصدقه عاقل , فكيف وصلوا إلى قلب الأرض وصوروا أو رأوا تلك الكرة الحديدية الضخمة ؟!
قل لى ما الذى سترد به على القائل بهذا ؟!
إن أول رد لك على هذا القول الجاهل أن المتحدث جاهل بمبادئ علوم الأرض التى لها متخصصوها , ولا يجب أن يتكلم فيها إلا أهل العلم بها , وأن علماء طبقات الأرض اكتسبوا من الوسائل والتجارب العلمية ما مكنهم من تقرير مبادئ وتقسيمات الأرض وأن قولهم هو المعتد فى هذا الفن ..

ولا شك أن كل عاقل سيري ردك هذا ردا منطقيا عاقلا ..
وردك هذا يحمل نفس المبدأ الذى تستنكره على علوم القرآن والتفسير , حيث تعتبر الضوابط العلمية التى وضعها العلماء للخوض فى تفسير القرآن الكريم قواعد جامدة تمنع التفكر والتدبر فيه , وهذا غلط من وجهين ..


انتهى الاقتباس.


يأخي أنت وضعت سؤالا وافترضت إجابتي من عندك ورديت علي وأنا برئ من هذه الإجابة. لكن ألا ترى أنك قد قمت بـ "الحكم المسبق علي" بهكذا طريقة؟

لو جائني أحد من غير تخصصي وفند بعضا مما أعتبره "حقائق" علمية فسأفعل ما يلي:


أولا: أشكره لأنه بذل الجهد والوقت لبيحث في هذا المجال وسأخبره بسعادتي لأنه اختار هذا التخصص للخوض فيه.

كما إني لا اتهمه بالجهل لمجرد أنه خاض فيما أخوض أنا به! في الحقيقة ليس عندي ميزان لقياس درجة علمه أو إخلاصه ولا يبقى للحكم عليه إلا مصداقية كلامه وحججه وبراهينه التي عليه أن يعرضها.


لكن لي سؤال هنا: تهمة "التجهيل" هذه من أين لنا بها؟ بمعنى لماذا لا أنظر إلى الناحية الإيجابية وأقول لهذا الشخص أنه له عقلا جريئا شجاعا يبحث عن الحق في الأمور؟ لماذا لا أقول أنه ليس إتكاليا كغيره؟ فهل رمي كل من درس في تخصص ليس له بالجهل أو غيره من سنن الأنبياء التي علينا اتباعها؟ أم هو من العدوان الذي نهينا عنه؟


لذا فسأنظر إلى براهينه بتجرد. فإن كان جاهلا فعلا فلن أرد عليه ولن أكترث بما يقول فليس "هذا التخصص" ملكا لي أو لغيري.


ثانيا: وبكل حماسة سأسأله عن رأيه في التخصص وإن كان بالإمكان أن يثريه بما يحمله من فكر في مجالات أخرى.


فالمعارف الإنسانية كالبحار لكل منا أن ينهل منها ما يريد، وليس لأحد أن يستأثر من دون غيره بشيء منها. وكلما تواصلت البحار وامتدت لها الروافد من بعيد كانت حية زاخرة نافعة، وكلما كانت البحار معزولة عن بعضها وعن الروافد كلما ماتت ونضبت.



إن من المسلمات أن الإنفجار المعرفي الحاصل هذه الأيام إنما هو نتيجة لتواصل العلوم المختلفة ببعضها البعض والاستفادة الكمية والنوعية التي ينهلها كل تخصص من التخصصات الأخرى.


هل لنا أن نتخيل حالنا لو أن الإطباء القدماء الذين يستخدمون الأعشاب وحسب رفضوا وبشدة الأفكار والأبحاث الطبية الجديدة؟

ألا نجد أن علماء الفيزياء الإشعاعية هذه الأيام قد أثرَوا بل وقلبوا الموازين في علوم الطب؟ هل من حق الإطباء منع الفيزيائيين من التطفل في علوم الطب لأنهم مستأثرين بهذا التخصص؟ أم إن التخفيف عن المرضى هو الهدف الأسمى الذي ينشده الجميع؟


ألا نجد أن معظم العمليات الجراحية التي كانت قبل عهد قريب تقوم أساسا على شق جسد الإنسان تغيرت وأصبحت تعتمد على علوم المناظير والتصوير والتقنيات الحديثة المختلفة التي ليس للأطباء علم فيها من قريب أو بعيد؟


يأخي العزيز قد سبق لي نشر العديد من الأبحاث في المجلات الغربية المتخصصة ولم يسألني أحد أبدا عن "أصل" تخصصي إذ إن المجلات العلمية عندما تقيم بحثا تنظر إلى محتواه العلمي فقط، فإن كان مبنيا على حجج وبراهين فسينشروه، وإلا فلن يردوا عليك، هكذا بكل بساطة.



قرأت قصة حقيقية فيها رجل عاني إبنه من مرض وراثي قاتل. هذا المرض لا علاج له ويسبب آلاما شديدة.


جاهد الوالد لعلاج ابنه لكن جميع المراكز الطبية أخبروته أن لا علاج لهذا المرض النادر.

ترك الأب وظيفته كمحامي وعمل هو بنفسه – بالرغم من أنه ليس في المجالات الطبية – بالقراءة والبحث حول هذا المرض. عمل بالمكتبات ليل نهار. كان منظر ابنه المعذب دافعا جبارا له.

هذا الرجل وبعد عدة سنوات من البحث استطاع اكتشاف علاج لهذا المرض.

كان الوقت قد فات لابنه فمات لكنه أنقذ جميع من سيولد بهذا المرض مستقبلا ...

والقصص في هذا الشأن أكثر من تذكر هنا. ترى ماذا كنت قائلا لهذا الرجل أخي؟



كذلك أخي الكريم، من الثابت أن معظم التقنيات الحديثة (كمبيوتر، طيران، اتصالات ...) كان أصلها وتطورها في الوقت الراهن من أبحاث الجيش الأمريكي العلمية.
طبعا نحن نعلم الغرض من تطوير السلاح. هذا شر ومعاناة لكثير من الناس، لكنه في نفس الوقت يفتح أبوابا جديدة من العلم والمعرفة للإنسانية جمعاء.

في الحقيقة فإن التخصصات المختلفة هذه الأيام تعتمد وبشكل أساسي في تطويرها على موارد التخصصات الأخرى، وتدفع الشركات مبالغ طائلة "لخلط" التخصصات المختلفة ببعضها البعض ولدمج العاملين في تخصصات مختلفة ليعملوا كفريق واحد كي يثري كل منهم الآخر. والسبب لهذا كما يلي:


التخصصات المختلفة ما هي إلا كصناديق موسومة تحوي أفكارا معينة. وفي كل صندوق ناسه وعلمائه ومعايره. ولا يستطيع من بداخل صندوق أن يزيل من محتواه شيئاً إلا أن يضيف، ولكن إضافته بكل الأحوال لا تخرج عما في الصندوق أصلا من محتويات قديمة.


لذا يتقوقع أصحاب الصندوق الواحد ويتجمد فكرهم ويدوروا في قاع الفنجان بمعزل كما يقال في المثل.


فلو اخترت لنفسي تخصصا من هذه التخصصات، فسأضطر اضطرارا لأن أصبغ نفسي – راضيا أو كارها – بجميع ما فيه من فكر وبالتالي أدخل إلى عالم الجمود والتقوقع.


ولأن من لم يبدع في العلم أبدع في الجهل، ومن لم ينظر للأعلى نظر للأسفل، ومن لم ينظر للأمام نظر للخلف، فإن أعضاء هذا الصندوق يزدادون تحجرا وتعصبا مع الأيام فيحاربون الصناديق الأخرى بكل شدة وعنفوان.


فليس من الغريب إذن بعد كل هذا أن نجد "التكفير" و "الإقصاء" في كل مكان نرتاده ...


ثم إن معظم العلماء الأوائل كانوا يدرسون في أكثر من تخصص. فابن سينا والفارابي وجابر ابن حيان ونيوتن وليورنادو دافشني وغيرهم كانوا يفهمون في الطب كما يفهمون في الأدب أو الهندسة أو الرسم أو الفلك.


فليس في عقل الإنسان – حسب علمي – شرط الاقتصار على تعلم تخصص واحد. كما إني لا أجد أن في القرآن أو في السنة النبوية أو في أخبار الأنبياء شرط "التحصل" على شهادة ورقية أو تزكية مرموقة. بل أجد البحث عن الحق والحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها وأجد كذلك أن: "من كتم علما أعطاه الله لجم بلجام من نار يوم القيامة". هذا لو كان العلم يخص الإنسان نفسه، فما حال من كتم علما هو أصلا ليس له؟




إن تداخل العلوم والمعارف أمر طبيعي مشهود والأدهى أنه يشير إلى توحيد الله تعالى! كيف؟
السبب أن الله تعالى خلق كل شيء فلابد إذن من أن نرى ونعاين أسماء الله تعالى وصفاته في كل خلق من خلقه.


فنجد من حولنا طريقين متعاكسين. الطريقُ الأولُ هو طريقُ الملحدين، وهم من آمن بالمادة وقوانينها وكرَّس حياته لها وقدَّسها وكفر بالخالق الواحد سبحانه وأهمل الكتبَ والشرائع السماوية المنزلة من السماء.


والطريق الثاني هو طريق من آمن بالله تعالى وكفر بالمادةِ وقوانينها وأهمل وسَخِرَ من دراسة هذا الكون وقوانينه. كلا الفريقين جانب الصواب ولم يتسع علمُه وإيمانه وفكرُه لكلا الطريقين في وقت واحد.


فالإيمانُ بالله وبوحدانيته وعظمتِه وجمالِه وبديع صنعِه وإحسانِ وإتقانِ خلقِه يتطلبُ الإيمانَ بالمادة إيماناً شديداً يجبُ ألا يقلَّ عن الإيمان بالله تعالى. فدقةُ ومتانةُ وإحسانُ وانضباط وجمالُ وسعةُ الكون وقوانينه الطبيعية إنَّما هي انعكاس ومرآةٌ لدقةِ ومتانةِ وإحسانِ وانضباط وجمال وسعة خالقه تبارك وتعالى. ومن أنقص من الأولى فقد أنقص من الثانية، والعكس صحيح.

فمن المعلوم في حياتنا اليوميةِ مثلاً أنَّ متانة ودقة صناعاتِ ومنتجاتِ بلدٍ ما تعكس إلى حدٍ كبيرٍ متانة ودقة وعلم وترابط الشعب في ذلك البلد، وأنَّ صناعة وحكمةَ ودقةَ وانضباطَ ومتانة عامل في مصنع ما لابد وأن تعكس حكمةَ ودقةَ وانضباطَ ومتانة فِكرِ وعلم ذلك العامل! أليس كذلك؟


بهذا فالعلوم والتخصصات التي تبدو من الوهلة الأولى متباعدة ليست كذلك إذ يجمعها أن خالقها وبارئها واحد، سبحانه. فنجد في علوم المادة الجامدة أنظمة وقوانين لها ما يقابلها في علوم النبات مثلا، ولكن بصيغ وطرق مختلفة يجب البحث عنها لإظهارها.

فلو استطاع متخصص في النبات مثلا إيجاد مفهوم أو قانون يطبق على النبات فقد نجد أن تخصصات أخرى يطبق فيها نفس القانون ولكن بصيغ أخرى مغايرة، قد تختلف مظهرا لكنها جميعا في جوهرها واحد. وبهذا تستفيد التخصصات المختلفة من بعضها البعض وكلهم يشيرون إلى الواحد سبحانه.




تكلمت لحد الآن عن ترابط التخصصات المختلفة وفي مداخلة أخرى – كي لا تختلط الأمور – سأتحدث تحديدا عن علاقة التخصصات الكونية بالدراسات الإسلامية.


وسأعلق تباعا على النقاط القيمة التي تفضلت بها في مداخلتك السابقة بعد تعليقك الكريم لو تفضلت على كلامي أعلاه.


وأقدر لحضرتك أخي العزيز ولكل من يتابع الصبر والجهد ...

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

محمد جاد الزغبي 11-29-2012 10:56 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حياك الله يا دكتور نبيل ..
اقتباس:

وسأعلق تباعا على النقاط القيمة التي تفضلت بها في مداخلتك السابقة بعد تعليقك الكريم لو تفضلت على كلامي أعلاه.

وأنا أفضل هذا المنهج الذى يتناول الأمور نقطة نقطة ..
ولى عودة باذن الله قريبا لاعلق على كلامكم الأول ..

ملحوظة خارج المناقشة :
هل تسمح لنا بالإفادة من تخصصكم فى عدة أسئلة نطمح لجوابها من عالم متخصص بطبقات الأرض , خاصة وهناك أمور عالقة نحتاج توكيد أهل العلم لها فى بعض مسائل الإعجاز ,
وافكر بعد انتهاء هذه المناقشة أن نذهب معا لمنبر الحوارات فنفيد ونستفيد ان شاء الله




د نبيل أكبر 12-01-2012 10:06 AM



أخي محمد جاد
بعد التحية،

قال أحد المتخصصين أن باطن الأرض يمثل خلاصة جهل البشرية. أتفق معه بل وأضيف أن أي أمر أو خلق منه تعالى مهما كان يمثل خلاصة جهل البشرية إبتداء من الجهل بالنفس الإنسانية أقرب شيء للإنسان إلى ذرة متفجرة في بطن نجم عملاق تقشعر من أهوال سحيق بعده جلود العالمين:


وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون (105) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (يوسف:106)



يشرفني التحاور في أي موضوع كان ومن غير الضروري الانتظار لحين الانتهاء من حوارنا هذا ولحضرتك كل الشكر والتقدير.


محمد جاد الزغبي 12-01-2012 02:15 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الكريم د. نبيل أكبر ..
مرحبا بكم مجددا ..
وهذا تعقيبي على ردك الأخير ..
وسأحاول أن أكون محددا فى النقاش , وأضرب الأمثلة لكل نقطة حتى تصل الفكرة إليكم وإلى القارئ بما يفيد فى النقاش والفهم ..
قلت :

اقتباس:

من وجهة نظري، الهدف من الحوار ليس لتغيير فكر أحد، بل هو لعرض الأفكار وحسب ثم حسابنا جميعا عنده تعالى.


هذا ربما يصح أخى الكريم فى مجال السياسة أو الفكر العام , حيث أن الإختلاف هناك بلا حرج ,
كما يجوز فى الشريعة فى مجال الفروع والأمور التى يجوز فيها الإختلاف السائغ ..
أما فى مجال العقيدة والأصول وقواعد العلوم ,
فاسمح لى , فهو أمر من أمور القطعيات , ولهذا فإننى عندما أرى اختلالا لى به علم عند أى أحد من المسلمين فإن هدفي من محاورته إنما هو فى المقام الأول لتبصيره بما قد يخفي عليه ..
وفى النهاية تبقي القناعة حرة لكل صاحب شأن ..
لكنى وجدت أنه من المناسب أن أنبهكم إلى أننا ناقش أمورا هى صلب العقيدة والأصول ,
فأنت تنادى بأن من حق كل إنسان الخوض فى تفسير القرآن هكذا بلا أى ضابط أو رابط ! ,
وترفض الإلتزام بما تسميه قيودا ويسميه العلماء كما سماه الصحابة , فرض عين على المتصدى للتفسير ولعلوم الشريعة عامة ..
ولهذا ولكى ننهى النقاش حل هذا المحور الهام دعنى أوظف النقاط فى أسئلة مباشرة تبين المراد مباشرة ,,
أولا : هل تنادى بالفعل بأنه ليس هناك قواعد أو مبادئ ينبغي للمرء أن يكتسبها لكى يخوض فى تفسير القرآن وأهمها العلم بالسنة المفسرة والعلم باللغة العربية وآدابها وقواعدها , والعلم بالتفسير المأثور عن الصحابة , والعلم بإجماعات المفسرين فى الآيات المحكمة قطعية الدلالة ؟!
وأنت تصديت للقرآن بالرأى الشخصي بلا أى مستند حتى من اللغة العربية , فمثلا فى تفسيرك لآية شك إبراهيم عليه السلام , صرفت الفعل عن معناه الحقيقي إلى معنى مجازى دون وجود قرينة صارفة كما تقول قواعد اللغة العربية فى معالجة المجاز والصريح ..
ثانيا : ما هو موقفك من السنة النبوية تحديدا ؟!
معذرة للسؤال ولكنى رأيتك تنكر بعض الأحاديث الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام منها أحاديث فسرت بعض آيات القرآن , ومنها أحاديث حددت المتشابه والمحكم فى القرآن والناسخ والمنسوخ وأنت تنكر هذه الأمور كلها , فكيف جاز لك أن تفعل ذلك وهى ثابتة بالسنة الصحيحة ؟!
أم أنك لا تعلم ثبوتها عن النبي عليه الصلاة والسلام ,
إن كان هذا هو السبب فقد أوضحت لك سابقا ثبوتها فى الصحاح ..
ثالثا : ما هو موقفك من الإجماع , والإجماع عندنا أهل السنة هو أحد مصادر التشريع لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة , والآيات التى تصديت لها لم تن من الآيات المتخلف حول تفسيرها بل هى آيات قطعية الدلالة بصريح ألفاظها فضلا على إجماع المفسرين ونقلها عن تفسيرات الصحابة ..
رابعا : وهى النقطة الأهم ..
أنا ما ناديت أبدا باحتكار علوم تفسير القرآن أو قصر تفسيره على السلف !!
والدليل أننى لفت نظركم إلى آيات الإعجاز العلمى وقلت لك صراحة أن القرآن به مئات الآيات التى تنتظر الجهد فى تقصي آثارها , ولم أتحدث عن حصر التفسير إلا فقط فى الآيات المحكمة القطعية الدلالة الثابت تفسيرها فى السنة أو فى أقوال الصحابة أو فى إجماع المفسرين ..
هذه واحدة ,
والثانية ,
أننى لم أمنعك من التصدى للتفسير بل فقط طلبت منك التزود أولا بمبادئ العلوم المؤهلة لهذا الأمر , وهو ما أراك تنكره رغم أنه مبدأ علمى محض , فلا يوجد علم على وجه الأرض يتصدى له أصحابه دون الإحاطة بقواعد تلقيه أو مبادئ علومه , وإلا فما هو الفرق بين العامة وبين أهل العلم فى كل تخصص ..
وهل يستطيع الطبيب أن يتصدى للطب دون إلمام بمبادئ دراسة الطب ؟!
بالمثل فى علوم القرآن والتى هى أصعب وأقدر العلوم على الإطلاق ..
ولو كان التصدى للتفسير يجوز من كل أحد بلا ضوابط , فلماذا إذا نهانا النبي عليه الصلاة والسلام , عن القول فى القرآن بالرأى المجرد وذلك فى قوله :
( من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب )
وكذلك أقوال الصحابة ومنهم قول أبي بكر ( أى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله برأيي )
فماذا سنفعل فى هذه الأحاديث وهذه القواعد ؟!

هذه هى نقاط البحث الرئيسية , وأعرج الآن على ما أوردته اليوم :


اقتباس:

مشكلة التمجيد هذه وقعت فيها جميع الأمم الماضية والحاضرة ونحن المسلمين لسنا استثناء في هذا. وأصل المشكلة هي أن الناس دوما تمجد أنفسها وأعراقها وعلومها. فمثلا تجد أن الطالب يحاول جاهدا أن يبرز قيمة مدرسته أو جامعته أو شيوخه وعلمائه. السبب بسيط وهو أنه عندما يفعل ذلك فإنه يمجد نفسه بطريق غير مباشر.


فمن العيب للإنسان القول بأن مدرستي ضعيفة أو منسية، أو أن شيخي إنسان عادي. فلو كان الأمر كذلك، لكان هو بنفسه كذلك.



هذا الكلام غير دقيق ..
بل إن سبب تخلفنا اليوم هو عدم تقديرنا للأجيال السابقة من علمائنا ..
والتمجيد يختلف أيها الأخ الفاضل عن التقديس ..
ولم يحدث قط أن قدسنا عالما وقلنا عنهم ــ كما قلت أنت ــ أنهم لا يخطئون أو أنهم بشر غير عاديين ..
بالعكس ..
فكم من طالب علم صنف كتابا فى بيان أخطاء شيخه عبر التاريخ , واختلافات الأئمة بعضهم البعض ما زلت تحفل بها كتب الدارسين وتستعصي على الحصر ..
أما تمجديهم والعرفان لهم
فهذا أمر طبيعى وضرورى ومطلوب لو أننا حقا أدركنا قيمة ما فعلوه عبر القرون ..
ويكفي يا أستاذنا أن نعلم أنه لولاهم لما انتقلت إلينا القرآن والسنة وعلومهما وتراثنا العلمى الهائل الذى أسس لنا قواعد الدين وفروعه ..
وهذا لا يعنى أن نتوقف عند هذا ونسكت
بل المطلوب أن نأخذ هذه المبادئ ونبنى عليها بنفس القواعد الكلية التى حفظت لنا الدين من عبث العابثين ..


اقتباس:

ومن هذا المفهوم تجمدت العلوم القرآنية والدينية، فلا يجرؤ الناس على مناقشتها. فتتقدم الدنيا في كل مجال، إلا هذه المجالات الدينية "المحروسة" ممن يعتقدون أن لا ينبغي لغيرهم الخوض في هذا التخصص.


وهذا مما تعانيه أمة الإسلام، كما عانت من قبلها الأمم.



كلام غير صحيح طبعا ..
فمن أين استقيت هذه الإتهامات أيها الأخ الكريم ..
هل طالعت تطور علوم الفقه والتفسير والحديث عبر القرون ؟!
لو أنك طالعت فقط فرعا علميا واحدا فى تطوره عبر الزمن لأدركت كم هو اتهام جائر ما قلته..
ففي علم الحديث مثلا بدأت أولى قواعده من لا شيئ فى أيام محمد بن سيرين ثم أخذت فى التطور فى القرنين الثانى والثالث حيث وضع الشافعى أصول الحديث ووضع غيره أصول الرواية
ثم نشأ علم الرجال ثم علم العلل , ثم نشأت المعاجم والمصنفات ..
ولا زال تطور علم الحديث يسري حتى يومنا هذا ..
فالألبانى وهو إمام معاصر , جاء فأدلى بدلوه فى علوم الحديث وأتى بالجديد فى مجال البحث وفرز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة فى مصنفات من سبقوه كأصحاب السنن الأربعة ..
وهذا دليل قطعى على تطور علوم الحديث عبر السنوات ولم بتوقف هذا التطور حتى اليوم
وفى مجال التفسير ..
لا زال علماء التفسير فى اللغة والإعجاز العلمى وفى التشريع يستنبطون من الآيات الكريمة تفسيرات جديدة متطورة ومواكبة لزمنها فيما يخص كافة المجالات عدا مجالات الأحكام التى انتهى أمرها من التفسير ببيان النبي عليه السلام والصحابة ,,
أم أنك لم تسمع بتفسيرات اللغة الجديدة التى استنبطها العلامة العراقي المعاصر السامرائي , واحتفي بها العلماء وأشادوا بها
ومن قبله العلامة الشعراوى الذى استنبط تفسيرات جديدة فى القرآن الكريم كانت مجال ثراء كبير فى فهم آيات القرآن ..
وكذلك استنباطات العلامة الكبيسي فى مجال اللغة أيضا
وهناك اكتشافات وتصورات التفسير فى الإعجاز العلمى التى أتى بها زغلول النجار ومصطفي محمود والزندانى وغيرهم ..
فلو كان التصدى للتفسير ممنوعا فكيف أتى هؤلاء العلماء بهذه الإكتشافات ؟!
وما منعهم أحد لأن المنع إنما يكون لمن يتصدى للتفسير على غير طريقة هؤلاء العلماء القائمة على دراسة أصول التفسير أولا , والإلمام بقواعد اللغة ثم بعد ذلك اجتهد كما تريد فالكل سيقبل اجتهادك ..


اقتباس:

علينا دوما أخي أن نبحث عن الحق، ليس من أفواه الناس وحسب، ولكن من المصدر الذي لا يتغير ولا يتبدل ألا وهو القرآن والأكوان وما فيهما من سنن ثابتة مشتركة لا تتبدل.


علينا دوما أن نبحث عن الحقيقة، لا يهم إن كان صاحبها عالما مشهورا جليلا من السلف أو الخلف، لا يهم إن كان صاحب الحقيقة هو أنا أو أنت، المهم أنها الحقيقة.



لا أحد يقول بغير ذلك يا دكتور ..
لكن المشكلة أنك لم ترفض فقط أقوال العلماء فى مجال تفسيرات محسومة سلفا ..
إنما رفضت حتى السنة القائلة بالتفسيرات المخالفة لرأيك ؟!
فهل أقوال النبي عليه الصلاة والسلام معدودة ضمن أقوال العلماء الذين يمكننا رد قولهم ؟!
هذه نقطة ..
النقطة الأهم :
أن هناك من العلماء المعاصرين كالكبيسي وزغلول النجار أثبتوا خطأ علماء التفسير القدامى فى بعض الآيات ..
ولم يعترض عليهم أحد ..
ببساطة لأن الكبيسي وزغلول النجار جاءوا بالأدلة العلمية الموازية لاجتهادهم , ولم يقولوا بالرأى المجرد وفقط , فرجحت كفتهم ..
كما أنهم عندما تصدوا للتفسير لم يذهبوا للآيات المحسومة فى التفسير وأتوا فيها بأقوال جديدة !
هذا هو الفارق أخى الفاضل
اقتباس:

يأخي أنت وضعت سؤالا وافترضت إجابتي من عندك ورديت علي وأنا برئ من هذه الإجابة. لكن ألا ترى أنك قد قمت بـ "الحكم المسبق علي" بهكذا طريقة؟
يا دكتور نبيل ..
أنت لم ترفض إجابتى بل قبلتها تماما وأجبت بمثلها
أنت فقط خالفتنى فى الأسلوب فقلت أنك لن تتهم الذى يأتى بهذه الأقوال بالجهل
جميل
لكنك لن تقبله قوله المجرد قطعا , والدليل أنك قلت بأنك ستبادر للإيضاح استنادا للعلوم التطبيقية والأدلة ,,
وهذا ما ينبغي أن نفعله ..
أن نعارض الآراء المجردة بالأدلة القطعية ..
فهل لديك أنت أى دليل من القرآن أو من السنة أو من الصحابة أو علم اللغة وتطبيقاتها أو أقوال العلماء ما تؤيد به رأيك ؟!

اقتباس:

ألا نجد أن علماء الفيزياء الإشعاعية هذه الأيام قد أثرَوا بل وقلبوا الموازين في علوم الطب؟ هل من حق الإطباء منع الفيزيائيين من التطفل في علوم الطب لأنهم مستأثرين بهذا التخصص؟ أم إن التخفيف عن المرضى هو الهدف الأسمى الذي ينشده الجميع


اسمح لى ..
هذه مغالطة ومثال لا ينطبق على حالنا اليوم
فعلماء الفيزياء عندما تصدوا للطب إنما تصدوا له بنفس الأدوات العلمية التى تقها علوم الفيزياء وعلوم الطب
تماما كما فعل علماء الإعجاز العلمى ,
وظفوا علومهم بقواعدها على آيات القرآن مع إحاطتهم بمبادئ التفسير وعلوم اللغة مما جعلهم يدركون مقصود الآيات بأدلة صريحة لا تحتمل الجدل
لكنهم لم يقولوا برأى مجرد خالى من أسانيد علمية ..


اقتباس:

قرأت قصة حقيقية فيها رجل عاني إبنه من مرض وراثي قاتل. هذا المرض لا علاج له ويسبب آلاما شديدة.


جاهد الوالد لعلاج ابنه لكن جميع المراكز الطبية أخبروته أن لا علاج لهذا المرض النادر.


ترك الأب وظيفته كمحامي وعمل هو بنفسه – بالرغم من أنه ليس في المجالات الطبية – بالقراءة والبحث حول هذا المرض. عمل بالمكتبات ليل نهار. كان منظر ابنه المعذب دافعا جبارا له.


هذا الرجل وبعد عدة سنوات من البحث استطاع اكتشاف علاج لهذا المرض.


كان الوقت قد فات لابنه فمات لكنه أنقذ جميع من سيولد بهذا المرض مستقبلا ...


والقصص في هذا الشأن أكثر من تذكر هنا. ترى ماذا كنت قائلا لهذا الرجل أخي؟



هل مثلك يقول هذا وأنت رجل علم ؟!
يا سيدى الفاضل هل تدعونى وتدعو غيري لأن أعتمد قول أو بحث رجل لم يتبع الطريق العلمى فى مجال الطب وبدون أن يأتى لبحثه بالتزكية الواجبة من علماء التخصص ثم أأتمنه على نفسي ؟!
لو أن هذا الرجل كان أميا وقام بأبحاث طبية انا لا استطيع الحكم عليها ..
لن أرفض بحوثه .. ولكن بشرط
سأطلب منه ببساطة عرض بحوثه على أهل الإختصاص فإن أقروها قبلتها بلا جدال
وبالمثل ..
هل قمت بعرض تفسيراتك الجديدة للقرآن على أحد من أهل الإختصاص وقبلها وأقرك عليها؟!
اقتباس:

ثم إن معظم العلماء الأوائل كانوا يدرسون في أكثر من تخصص. فابن سينا والفارابي وجابر ابن حيان ونيوتن وليورنادو دافشني وغيرهم كانوا يفهمون في الطب كما يفهمون في الأدب أو الهندسة أو الرسم أو الفلك

يا أخى الكريم لا اعتراض على هذا ..
هؤلاء كانوا يحيطون بكل مبادئ تلك العلوم ..
فهل فعلت أنت مثلهم ؟
هل قمت بدراسة قواعد اللغة أولا ثم الحديث ثم قواعد التفسير ..
أنت لم تفعل هذا بدليل عدم إطلاعك على قاعدة بسيطة ألا وهى عدم صرف اللفظ عن معناه بغير قرينة صارفة , فأولت الحياة والوت بالهدى والضلال رغم أن صريح الآية يعاكس ذلك ؟!
هذا هو ما نعترض عليه ..
أما مسألة تصديك لأكثر من علم فهذا نرحب به مادام سيكون بشروطه وضوابطه
تماما ما رحبنا باجتهادات النجار والكبيسي والشعراوى ..

أشكرك وتمنياتى لك بالتوفيق

د نبيل أكبر 12-09-2012 06:55 PM



أخي العزيز محمد جاد الزغبي

أسعد الله تعالى أوقاتك بكل خير


عزيزي، عند نقد وتفنيد فكرة لا يكفي إعادة صياغتها وطرح ما نعتقد به من قولنا أو قول سلفنا بل علينا أولا أن نتأكد من مفاهيمنا قبل أن نجعلها مرجعا معصوما لا يقبل الجدال. فلقد ادعيت حضرتك خطأي بناء على أفكار مغلوطة ثابتة عندك.


فلو قال كل منا "بعصمة رأيه" المبني على "عصمة سلفه هو" لصعب إيجاد فريق واحد يتفق حتى في المواضيع "العقدية" ذلك أن الأسلاف كثير والآراء في أي مسألة كثيرة بحيث يجد فيها كل منا ما تهوى نفسه فيتشبث برأيه متعللا بنفس منطقك أن أسلافه لا ينازعون وأن الأمة لا تجتمع على باطل، وكل هذا ما هو إلا كلام عائم لا يستند إلى دليل قرآني أو إلى حديث موثق ولا إلى الواقع المرير الذي تعيشه الأمة هذه الأيام، وهو واقع بطبيعة الحال لم ينزل عليها من السماء، بل كل منا ورثه من سلفه.


قد تقول أنك لا تقول بعصمة الأسلاف، لكن يأخي نحن لا ننظر إلى الأقوال بل إلى الأفعال، فالفعل أصدق الأقوال، وسأعطيك عدة أمثلة من كلامك في مداخلاتي القادمة.


وهذا ما يؤدي آخر المطاف إلى الإقصاء والتكفير والسيادية والدموية، الداء الذي ينزف جسد الأمة هذه الأيام . فالشباب الذين "يستمعون" إلى شيخ تكفيري واحد يجلس خلف مذياعه يكفر ويخطئ كل من خالفه، هؤلاء الشباب يجدون الأسباب والشرعية لما يقومون به، والسبب هو أنهم لا يتحملون فكرا آخر، فإما معي وسلفي وإما عدو مبين حق عليه العذاب المهين.



لاشك في أن الهوة الفكرية بيننا كبيرة وكأننا على طرفين متناقضين. وهذا في الحقيقة يسعدني إذ بذلك نتمكن من الخوض في جوهر الأمور بدلا من تفصيلاتها وهذا ما نحتاجه وتحتاجه الأمة إذ قد أوغلت في الخوض في التفاصيل التي لا تزيدها إلا تفرقا وتخاصما.


لقد مدح تعالى في عدة مواضع "أولي الألباب". واللب هو القلب والأصل والجوهر. والشاهد هنا هو أن "أولي الألباب" هم أولي الجوهر النقي في إشارة إلى الذين يتفكرون في لب وجوهر الأمور ويبحثون عنه ليعودوا إليه.


تفضلت أخي وتكلمت كثيرا عن عدة مواضيع مثل الناسخ والمنسوخ وأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ورأي في السنة النبوية والإجماع وضوابط التفسير وما إلى ذلك. في الحقيقة لكل من ذلك عندي مقال أو لنقل كتاب سأطرحه حين يحين وقته إذ إن لكل أجل كتاب، أي لكل زمن "كتاب وعلم".



واضح لي أن الإشكالية من منظورك ليست في تأويل خاطئ أو مصيب لي. بل هي في كوني تجرأت على التفكر والتدبر والبحث في آياته تعالى من دون إذن مسبق من متخصص أو من دون دراية باللغة العربية أو القرآن أو الأحاديث النبوية كما تدعي من دون برهان!؟


بهذا فمهما قال وبحث العبد الضعيف فكلامه خاطئ لا يقوم إلا على آراء شخصية! فما الداعي إذن لمناقشة تأويلاتي إن كانت كلها من أولها لآخرها مغالطات؟ لذا أعتقد أن الأنسب أن أتكلم عن الأسس التي تؤمن بها وأقوم بتفنيدها بالدليل والبرهان قبل أن أخوض في الرد على التفاصيل.

والدليل والبرهان في جميع كلامي هو: العقل السليم (إذ بدونه لن نختلف نحن عن الكائنات الحية من حولنا)، والاستدلال بالقرآن الكريم ثم بالأحاديث النبوية الموثقة.


أما الاستدلال بالأسلاف فلا استخدمه كما تلاحظ أبدا والسبب عندي بسيط وواضح:
فلو قلت أنا "قال فلان كذا" فسيقول محاوري "لكن فلان قال كذا وكذا" وهذا طبيعي لأنه في كل موضوع يوجد ما يصعب حصره من الأقوال وهكذا نبقى ندور حول أنفسنا، كما هو حال الأمة. لذا فأنا أتجنب الاستدلال بالأحاديث النبوية وأكتفي بتأويل القرآن بالقرآن وذلك أعلى مراتب التأويل.


كما إن أقوال الأسلاف أيضا بحاجة لدليل إلا إذا قلنا بعصمتهم. وحاشا لنا أن نقول أو أن "نفعل" ذلك. فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام.



فلقد أكثرت أخي من تكرارك بأن السلف لم يقل بقولي! وهذا معلوم بالبديهة فكل من يحاورني يتعلل بهذه الحجة. فقر عينا أخي فلن تجد مني إلا ما هو جديد على من سلف وعلى من خلف. فمن أراد فليتفضل وليأخذ ما راق له، ومن لم يرد فلا يكلف نفسه العناء وليعلم أن الله تعالى لم يجعل أنبياءه حفظة أوصياء على أديانه وعلى عقول الناس ليجعل من دونهم من الناس:


وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل (الأنعام:66)


إلا أنني أتفق معك تماما في قولك أن "أفكاري كارثية". فالدواء لابد وأن يكون مرا، والفكر الميت لابد وأن يصعق كي يجفل ويصحو وإلا سيبقى ميتا دماغيا، والأمم الغافلة لهي بأشد الحاجة لكوارث عظيمة وعذاب أليم كي تصحوا من غفلتها لتعود إلى ربها الواحد. هذه من سننه تعالى الأزلية، ولن تجد لها تبديلا.



ولكثرة القضايا الفكرية العالقة بيننا وخوفا من "تشتيت" المواضيع فسأقسم ردي إلى عدة مداخلات متلاحقة كما في الترتيب التالي:


أولا: إدعائك أنني لآ أقيم وزنا لتفسير القرآن بالقرآن وزنا. وسأثبت عكس ذلك تماما وأبين أنني أربط الآيات القرآنية بالآيات الكونية وأنني أجعل الآيات القرآنية تمجد بعضها البعض بدلا من أن أجعلها تنسخ وتحرق يعضها البعض.


ثانيا: القول أن المفسرين يعتمدون "ضوابطا للتفسير". وسأبين بالأمثلة أن هذه الضوابط نظرية غير قابلة للتطبيق وأنها من سعتها تسع السموات والأرض، بل وتسع الانقاص من عظمة كلامه تعالى وأنبيائه.


ثالثا: إدعائك بأني جاهل في أمور اللغة والتفسير والحديث. وسأبين أنك تبني أحكامك مسبقا على أفكار مغلوطة تؤمن حضرتك بها.


رابعا: قولك بأنني أعتمد "الرأي" والعقل في التأويل. فإن لم نتفكر بعقولنا فبأي عضو من أعضائه يتفكر الإنسان؟


خامسا: إدعائك بأنني لا أعمل بالسنة النبوية الشريفة. وسأبين العكس إذ إن البدعة ليست في أقوالي بل بدعة الجهل والجمود التي استحدثت في هذا الدين الحي الكريم العظيم.


سادسا: رواية أن الأمة لا تجتمع على باطل، وسأبين أن هذه الرواية مخالفة للقرآن والأحاديث النبوية وللسنن الكونية.


سابعا: عدم إدراكك لمعنى "وأخر متشابهات" من الآية السابعة من آل عمران ومعنى "آيات محكمات".


اللهم افتح علينا بالحق إنك أنت الفتاح العليم


يتبع ....



د نبيل أكبر 12-09-2012 07:03 PM


أولا: الادعاء بأنني لآ أقيم وزنا لتفسير القرآن بالقرآن وزنا!


أخي تفضلت بقولك أنني لا أقيم وزنا لتفسير القرآن بالقرآن، عجبا؟
البينة على المدعي وأنا أدعي أنني أكثر من يفسر القرآن بالقرآن سلفا كان أم خلفا. فلك أن تبحث في كلام من سلف وخلف وتقارن ذلك بكلامي لتجدنني أكثرهم استعمالا للقرآن الكريم.


أحد البراهين لقولي هي أنني في جميع تأويلاتي ومقالاتي لم استشهد أبدا بكلام الناس والرواة بل استشهد دوما بكلامه تعالى وأمجد بعضه ببعض (ولعل هذا ما يغضب الكثير).

بمعنى أنه في الوقت الذي أقول "قال تعالى في الآية الفلانية كذا تأكيدا لكلامي هنا" يقول المفسرون "قال فلان عن فلان عن ... في الآية الفلانية كذا". فمن الذي يفسر القرآن بالقرآن ومن الذي يفسره بكلام أناس مثله؟



وسأضرب مثالين هنا:

أولا: ربط قصص إبراهيم في القرآن ببعضها.
ثانيا: ربط سور الصافات والنازعات والمرسلات والذاريات وأياتها ببعضها البعض.




أولا: ربط قصص إبراهيم في القرآن ببعضها


قمت في مقالات منفصلة بتأويل الآيات الخاصة بإبراهيم عليه السلام وبينت (من القرآن واللغة وحسب) أنها جميعا تتحدث عن أمر واحد وهو وعد الله تعالى لإبراهيم باستخلاف ذريته الأرض.


قد تقول بأنها جميعا تأويلات باطلة. لكني الآن هنا لا أتكلم عن صحة تأويلاتي بل عن أنني أفسر القرآن بالقرآن. أما لو اعتقدت بأنها تأويلات خاطئة فعليك أن تذهب للمقالات وتثبت ذلك، أما هنا فالنقطة التي أثبتها أنني أفسر القرآن بالقرآن وحسب.


وستجد أن أقوالي في الآيات المختلفة تتجه جميعا باتجاه واحد وهو وعده تعالى لإبراهيم باستخلاف ذريته الأرض الذي جاء في سورة البقرة:


وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (البقرة:124)



ففي قصة إبراهيم والطير قلت أن الطيور الأربعة هي أربعة أنبياء من ذرية إبراهيم:



وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم (البقرة:260)

http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-25-18-51-00


السبب كما وضعته في المقال أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.
فإن لم يرق لك تأويلي ولويت معنى كلمة "صرهن" لتوافق تأويلك وأصررت بلا مبرر لغوي على أن معناها هو "قتلهن" أولا ثم جمعهن كقطع لحم مفروم أو ما شابه" فلك ذلك ولكل منا رأيه وحسابنا جميعا على الله تعالى.



[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]وفي قصة "عبادة إبراهيم للكوكب والقمر والشمس":



http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-25-19-35-49


فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين (76) فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (77) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون (الأنعام:78)


فقد بينت كذلك أنها رؤيا نبوية منامية مبشرة بنفس الأمر ونزهت إبراهيم من الشرك وهو أبو الحنيفية وأكثر من جاء ذكره في القرآن منزها من الشرك.


وقلت أن الكوكب والقمر والشمس إنما ترمز للملوك والخلفاء والأنبياء من نسل إبراهيم. ومن المعلوم عند مفسري الرؤا أن هذه الأجرام السماوية تعنى الأنبياء والعظماء. وهم دعوة إبراهيم المستجابة المذكورة في الآية 124 من سورة البقرة. فهذه الرؤيا إنما هي بشرى لإبراهيم عليه السلام بِسطوع الدين وظهورِ نوره في العالمين على يد نسله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ...



وفي قصة ولادة إمرأة إبراهيم وهي عقيم:


http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-26-18-18-05


قَالَتْ يَاوَيْلتَى ءَألِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخاً، إِنَّ هَـذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ {72}
قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله، رَحْمَتُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {73}
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ {74}
إِنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أوَّهٌ مُّنِيبٌ {هود:75}


أيضا فسرتها من منظور "أمر الله" الذي ورد في سورة النحل وهو منظور خروج الشيء من ضده الذي استنتجته وأثبته من القرآن ومن الأكوان. فقلت إنَّه الأمرُ الموعود باستخلافِ ذريَّةِ سيِّدِنا إبراهيمَ الأرضَ.


وقلت أن الإعجاز والبشرى ليس ببساطةٍ أنْ تَلِدَ امرأةُ إبراهيمَ بعدَ عُقْمٍ، بل هو أوسعُ من ذلك وأشملُ. لأنَّه لو كان الحالُ كذلك فسيكونُ السؤالُ لِمَ وقعتْ هذه المُعجِزَةُ لها من دونِ غيرِها من النساءِ؟


فزوجةُ إبراهيمَ اختيرت لهذا الإعجاز لتكونَ أمَّاً للأنبياءِ والخُلفاءِ وللذُرِيَّةِ المُباركَةِ الحَيَّةِ، ولأنَّ بطنها سوفَ يُخرِجُ هذه الذُرِيَّةَ المُباركَة الحَيَّةَ، وَجَبَ أنْ يكونَ عَقيماً كي تَتِمَّ السُنَّةُ الكونيَّةُ الأزليَّةُ بإخراجِ الشيءِ من ضِدِّه ...


مما يشير إلى صِحَة ما ذهبنا إليه هو أنَّ اللهُ تبارك وتعالى أسْمَى ابنَ زكريا "يَحْيَى":


يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغلام اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {مريم: 7}

وهو اسمٌ يدلُّ على الحياةِ وذلك لِكون امرأةُ زكريا "عاقِراً" ... فالحياةُ تخرجُ من رَحَمِ المعاناة ومن رجلٍ وهنَ منهُ العظمُ واشتعلَ الرأسُ منه شيباً ...


نلحظ أنَّ ولادة العقيم وردت بحق امرأتين فقط في المصحف الشريف، وفي كلتا الحالتين كانت الإشارة إلى خروج الشيء من ضده ... ففي حالة امرأة إبراهيم العقيمة جاءت ذرية الأنبياء ... والأنبياء إنَّما بعثوا لإحياء الأمم الميتة ... وفي حالة امرأة زكريا العاقر جاء نبيٌ أسماه تعالى الحكيم الخبير "يحيى" بأمر منه تعالى ...



ثم في قصة ذبح إسماعيل:



http://www.alraqeem3.net/index.php/articles/158-7777


فقد خضت في المقال بالتفصيل حولَ قضيَّة الإتيان بإسماعيل إلى مكةَ لتعليمِ الناس أصولَ اللغة العربيَّة وأصولَ التوحيدِ وتعليمُهُما لقبيلةِ جُرْهُم القادمةِ من اليمنِ بعد انهيارِ سدِّ العَرِم. وتكلمت عن الأمرُ الإلهيُّ لإبراهيمَ بتركِ ذُريَّته في هذا المكان النائي وربطت تأويلنا مرة أخرى بتأويل الآية 124 من البقرة أعلاه.


وقلت أنَّ إبراهيمَ دعا ربَّه أنْ يستخلفَ ذُريَّتَه كما هو في الآية 124 من سورة البقرة. فابتلاهُ ربُّه في نفسِ شأنِ موضوعِ الدعوةِ أي الذُريَّةِ وكان الابتلاءُ تركُ إسماعيلَ وهاجرَ في مكةَ بلا مُعِينٍ، ومن ثَمَّ الأمر بذبح إسماعيلَ. فنجحَ إبراهيمُ في الابتلاءِ وصبرَ على أوامرِ {كلماتِ} الله تعالى بتركِ ذُريَّته في وادٍ غيرِ ذي زرعٍ وبذبح ابنِهِ طاعةً لله تعالى . فكان من اللهِ تعالى أنْ جعلَ النُبُوَّةَ واستخلافَ الأرض على يدِ ذُريَّتِه عليهِ السلام. وهذا هو تفْسيرُ الآيةِ 124 من البقرة ...



[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]وعن الحِكْمةِ من أمرِهِ سُبحانَهُ لإبراهيمَ بذبحِ إسماعيلَ وفِديَته بكبشٍ في اللحظةِ الأخيرةِ وعلاقة هذا الأمر بسورة النور:



http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-24-19-15-06


بهذا فقد ربطت جميع الآيات القرآنية أعلاه بمعنى واحد عظيم وهو استخلاف ذرية إبراهيم الأرض. فمن الذي يفسر القرآن بالقرآن هنا؟




ثانيا: ربط سور سور الصافات والنازعات والمرسلات والذاريات وأياتها ببعضها البعض.

من الذي فسر سور الصافات والنازعات والمرسلات والذاريات وأوّل عبارات القسم الإلهي في مطالعها بنعمة إلهية كريمة هي يد الإنسان التي هي أداة الاستخلاف؟

http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-24-19-44-07

لمشاهدة أفلام المقالات:

الصافات: http://www.youtube.com/watch?v=sh9Ec...ature=youtu.be

النازعات: http://www.youtube.com/watch?v=wZV0O...ature=youtu.be

المرسلات: http://www.youtube.com/watch?v=oyjaW...ature=youtu.be

الذاريات: http://www.youtube.com/watch?v=20wmObHrNQE


فبينما جمعت أنا بين معاني آيات هذه السور من جهة وبين السور ككل من جهة أخرى في معنى عظيم واحد وهو اليد وهي النعمة المغبون فيها كثير من الناس، نجد أن كتب التفسير التي لا يجرؤا الناس عن نقدها تعطي عشرات المعاني المتناقضة الغير مترابطة لكل عبارة من عبارات القسم في السور.


إن من المهم النظر في ترابط معاني مفردات القرآن مع بعضها البعض ومع السياق العام. إذ لا ينبغي تفسير الآيات كل على حدة فنحن أمام كلام رب العالمين سبحانه وتعالى الذي لا ينبغي إلا أن يكون محكما مترابطا من أول كلمة إلى آخر كلمة، ليس على مستوى السور وحسب، بل على مستوى القرآن الكريم كله، من أوله إلى آخره.


فلو أردنا سرد الأشياء التي تحقق مواد القسم في مطالع السور الكريمة (الصافات، الزاجرات، النازعات، المرسلات، ...) لما وسعت المجلدات ذكر أسمائها. فالأشياء المصفوفة مثلا تبدأ من الذرات والجزيئات إلى التراكيب الصخرية، إلى الكتب والأوراق والكلمات والأحرف إلى الجينات والخلايا وما إلى ذلك مما لا يحصى ولا يعد.


فليس الإشكال هو البحث السطحي عن معاني هذه المفردات القرآنية، بل ما تعنيه وما تحققه من كمال إعجازه تعالى وبيان تمام نعمه علينا وجلاله وإكرامه.


هذا كان تأويلي، ولكن لنبحث في التفاسير "المضبوطة" عما جاء فيها من أقوال.


أضرب أنموذجا من التفاسير حول ما جاء في كتاب تفسير واحد ثمانية من الأقوال في النازعات فقط:
النازعات: الموت ينـزع النفوس، الْمَلَائِكَة تَنْزِع نُفُوس بَنِي آدَم مِنْ تَحْت كُلّ شَعْرَة , وَمِنْ تَحْت الْأَظَافِير وَأُصُول الْقَدَمَيْنِ نَزْعًا ، هي النجوم تنـزع من أفق إلى أفق، هي القسيّ تنـزع بالسهم كما يغرق النازع في القوس، أَنْفُس الْكُفَّار يَنْزِعهَا مَلَك الْمَوْت مِنْ أَجْسَادهمْ , ؟؟؟!!! يَرَى الْكَافِر نَفْسه فِي وَقْت النَّزْع كَأَنَّهَا تَغْرَق، هِيَ النُّفُوس حِين تَغْرَق فِي الصُّدُور، الْمَوْت يَنْزِع النُّفُوس، النُّجُوم تُنْزَع مِنْ أُفُق إِلَى أُفُق، الْقِسِيّ تَنْزِع بِالسِّهَامِ، الْوَحْش تَنْزِع مِنْ الْكَلَأ وَتَنْفِر ...


في كل من هذه الأقوال لا نجد أي إسناد صحيح أو حسن أو ضعيف أو حتى موضوع للرسول الكريم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام. فرسولنا الكريم لم يفسر القرآن كما هو معلوم. لأنه لو فسره فما هو تفسير (كهيعص أو طسم ...)، أو الاستواء على العرش، وما إلى ذلك؟ حتى إن تفسير الصحابة كان اجتهادا منهم ولم يكن في معظمه مرويا عن النبي الكريم.


فهل من ضوابط عقلية أو كتابية تستطيع أن تجمع ما بين الملائكة الكرام وما تحت "الأظافير" والسهام، الوحوش، والموت، والنفس تغرق في الصدور، وأنفس الكفار ... لا بل وصلنا إلى حد النجوم؟ نجمع كل هذا تحت ضابط واحد؟ اللهم إلا إن كان هذا "الضابط" يسع السموات والأرض!


فلو قالت التفاسير أن النازعات هي ما سبق ذكره أعلاه، وأن هذه الأقوال غير مسندة للرسول الكريم، فلماذا لا نقبل رأيا جديدا على أنها "يد الإنسان" كما فصلناه في مقالاتنا؟ ... فهل الوحوش أو القسي أو النجوم أو حتى الملائكة الكرام أعز عند الله تعالى من الإنسان الخليفة؟


وأخيرا يكفيني دليلا واحد عن كل ما سبق هو أن تشاهد يديك وتحرك أصابعك بكل خفة ودقة ولطف بما يأمرك به العقل وأن تشاهد وتتأمل أصابعك تتحرك وأنت تقرأ الآية الكريمة:


سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (فصلت:53)


أفلا تجد أن الآيات التي في أنفسنا هي الأولى من غيرها؟


فالتعليمُ النازلُ (القرآن) من عنده تعالى ذو نفعٍ عظيم للناس وبه يتعلمون ويتقدمون، ولكن بالعكسِ تماماً نجدُ الكثيرَ من النتائجِ السَيِّئةِ على الأُمَّة من الجمود الحاصل الآن. إذ أصبحَ من المفاهيم الرَّاسخةِ عندَ الشعوبِ الإسلاميَّةِ أنَّ كُلَّ شيءٍ من حولِنا من عملِ وترتيبِ الملائكةِ. فهي تُرسلُ الرَّياحَ والعَواصِفَ، وتَذُّرُ البُذورَ في الأرضِ، وتُنزلُ الأمطارَ، وتسقِي الأرضَ، وتُنتُجُ المحاصيلَ، وتُعالِجُ المرضى، وتَشُقُ الأنهارَ، وتقوم بالدفاع عنا ...


وفي هذا المفهوم لا توجدُ قوانينٌ طبيعيَّةٌ تَحْكُمُ الكونَ، بل أعدادٌ لا تُحْصى من الملائكةِ تذهبُ وتَجيءُ لخدمةِ هذا الإنسانِ المُسلم الذي يتمرغُ في رضى الله تعالى! فليس عليهِ الاعتمادُ على النفس في البناءِ والزراعةِ والطِّبِ وكَشْفِ أسرارِ الكونِ، وليس عليه تطويرُ نفسه والرقي بها والدفاع عن نفسه ... فالملائكةُ تقومُ بعملِها على أكملِ وجه!؟ أمَّا هو فعليهِ أنْ يسألَ الله تعالى بما يُريد ويشتهي، فيستجيبَ اللهُ له، ويأمر الملائكةَ فيقوموا بما يلزم! هذا هو الفكر الاتكالي المستنتج من القرآن ...


لهذا السبب – ولأمثاله – فأمَّةُ الإسلام ترزحُ تحت فكر التبعية والاتكالية على الغير في جميع شؤونها ...



ومثال آخر:

قيل في الصافات: الطير، أقدام المصلين المصفوفة وقت الصلوات، جماعة من المؤمنين يقومون مصطفين في الصلاة وفي الجهاد، المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى، آيات القرآن، الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة، الملائكة تصف أجنحتها في الهواء،

الزاجرات: كل ما زجر عن معاصي الله. الملائكة تزجر الخلق عن المعاصي زجراً، إشارة إلى رفع الصوت بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت، رفع الصوت بزجر الخيل، الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة، نفوس قواد الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد، الملائكة الموكلة بالسحاب تزجرها وتسوقها عن الجبائي،


التاليات: الملائكة يتلون ذكر الله عز وجل، كل من تلا كتاب الله، آيات الله والدراسات والشرائع، كل نفس تتلو الذكر، اشتغال الغزاة وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن، الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر والخير، كل ما يتلى من كتاب الله، مخلوقات الله إما جسمانية وإما روحانية، أما الجسمانية فإنها مرتبة على طبقات ودرجات لا تتغير ألبتة، فالأرض وسط العالم وهي محفوفة بكرة الماء والماء محفوف بالهواء، والهواء محفوف بالنار، ثم هذه الأربعة محفوفة بكرات الأفلاك إلى آخر العالم الجسماني فهذه الأجسام كأنها صفوف واقفة على عتبة جلال الله تعالى،


فهل يعجبك القول في النازعات أنها البهائم تنزع الكلأ من الأرض؟ فإن راق لك هذا التأويل فذلك رأيك، وإن لم تجده مناسبا فلماذا لم ترد أنت أو غيرك على هذه الأقوال طيلة هذه القرون؟
قد تقول لا أتفق مع هذه الأقوال ولكن أصحابها في ذمة الله فكيف أحاورهم؟ فأقول وأنا كذلك لا أحاور أمواتا ولكننا هنا ننقد الفكر لا الناس فحسابنا جميعا على الله تعالى.


وقد تقول لا فقد رد الكثير على هذه الأقوال، فأقول من الواضح إذن أن النقد لم يكن وافيا وإلا لما وصلت لنا هذه التأويلات المتناقضة.


فمن الذي يفسر القرآن بالقرآن هنا أخي الكريم؟ وهل تجد في كلامي غير استدلالات من القرآن الكريم؟


فما أجمل أن يتفكر الإنسان دوما بآياته تعالى وهو ينظر يديه وأصابعه ويحركها وكأنه يحمل القرآن الكريم فيهما. ما أجمل أن نوحد معاني الآيات بل والسور بدل أن نفرق. ما أجمل أن نحيي العقل والإيمان بدلا من أن نميتهما. ما أحسن أن نعتمد على أيدينا ونجعل القرآن سبيلا لذلك بدلا من أن نأتي بتأويلات بعيدة عنا وعن حياتنا. ما أجمل من أن نجعل القرآن الكريم ليس في صدورنا وعقولنا وحسب، بل في أيدينا وأجسادنا وأعمالنا ومصانعنا مصداقا لقوله تعالى:


سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (فصلت:53)




يتبع ....


[/COLOR][/COLOR]

د نبيل أكبر 12-09-2012 07:11 PM



ثانيا: القول أن المفسرين يعتمدون "ضوابطا للتفسير". وسأبين بالأمثلة أن هذه الضوابط نظرية غير قابلة للتطبيق وأنها من سعتها تسع السموات والأرض، بل وتسع الانقاص من عظمة كلامه تعالى وأنبيائه.


أخي الكريم عرفت عظمته تعالى من كتاب الخلق المبين وعرفت قلة قيمتي أمامه تعالى فكيف لي أن أضع قيودا وضوابطا على كلامه العزيز المجيد؟ لا بل وأفرض هذه القيود على الناس؟ من أنا؟


هل ندرك حقا معنى أن القرآن حي مجيد؟ هل لنا أن نضع ضوابط على شيء بمكانة مجد القرآن الكريم وحياته؟


أخبرتك أخي من قبل أنني أرجو ألا أكون ممن قال تعالى فيهم: { وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون{الأنعام:26}


أي من الذين ينهون الناس عن البحث في القرآن بأي شكل من أشكاله، وفي نفس الوقت هم لا يجرؤون وينئون عن ذلك بأنفسهم، فهم يهلكون أنفسهم وما يشعرون.


نعم هم لا يشعرون إذ إن الذين يفعلون ذلك لا يمنعون الناس بالقوة المباشرة كما قد يعتقد، ولكنهم يضعون مبرارت ومبرارات. يضعون أطرا وحواجز ونظم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا بينما هم المقصودون، (وما يشعرون).


لكني في الحقيقة أفترض افتراضا ولا أجرؤ على الاشتراط على كلامه تعالى شيئاً. أفترض العقل السليم والعلم فيمن يخوض في كلامه تعالى. إذ بدون عقل لا أجدنا نختلف عن الكائنات الحية من حولنا.


أما عن علم المفسر أو إيمانه فما من وسيلة عندي لقياسه (ميزان قياس العلم، مثلا). ولذا يبقى فقط أن أنظر في الأدلة المطروحة بموضوعية بغض النظر عن قائلها، ثم حسابنا جميعا عنده تعالى.


فالعلم عندي هو ما ورد في كلامه تعالى:

نبئوني بعلم إن كنتم صادقين (الأنعام:143)

هذا العلم هنا لا علاقة له بالتخصصات ولا بالشيوخ والألقاب والمراكز. لا علاقة له بسلف أو خلف أو نسب. العلم هنا هو الحجة والبرهان على طاولة الحوار يوضعان لا يهم من قال به، كائنا من كان.


إن وجود "ضوابط" لأمر لا يجعله مضبوطا بمجرد وضع هذه "الضوابط". فكل الأنظمة المستبدة والفاسدة مثلا لها ضوابط ودساتير من يقرأها لا يقول إلا ما شاء الله تبارك الله على الدقة والشمولية. لكن العبرة هي في امكانية تطبيق هذه الضوابط، وصلاحيتها ووضوحها، لا في وجودها.



بالعكس. فكثيرا ما تستغل هذه الضوابط والدساتير من قبل المستبدين فكريا أو ماديا أو عسكريا وتفسر بما يبرر لهم ما يشاؤون.


ومثال واضح نعيشه. هل القرآن الكريم هو منهجنا؟ نعم لا شك. ولكن هل نطبق هذا المنهج؟ فلو كنا نختلف في كل آية من كلامه تعالى وهو منهجنا باتفاق، فما حال تمسكنا بالمنهج المسمى بضوابط التفسير؟


وأضرب مثالا بسيطا من حياتنا اليومية ثم أنتقل إلى أمثلة من التفاسبر.


كلنا يعلم جيدا أن لكل دولة أنظمة وضوابط ومقاييس ومعايير واضحة ومكتوبة لنوعية ومواصفات البضائع المستوردة مثلا.
لكننا نجد أن الأسواق، وخاصة في الأنظمة الفاسدة، مليئة ببضائع أبعد ما تكون عن "المواصفات المثالية" المكتوبة المعلنة. لذا يصبح وجود هذه "القوانين" كعدمه، اللهم إلا من شيء واحد أكثر إجراما وخطرا وهو أن بعض الموظفين الذين بيدهم تنفيذ "الضوابط" سيمنعون دخول أي بضاعة مهما كانت مستوفية للأنظمة إلا بعد العبارة الشهيرة: "ارشي تمشي".


والأدهى، أنهم يسمحون بمرور البضائع الفاسدة ولكن "برشوة أكبر". وهكذا يتلاعب أصحاب وحماة الأنظمة بالأسواق وحياة الناس مستمدين قوتهم ونفوذهم من هذه "الضوابط الورقية".


هذا مثال واحد، والأمثلة أكثر من أن تحصى من حياتنا اليومية. فكتابة الضوابط ليست حجة في شيء ما لم تثبت إمكانية حصولها على الواقع.


والآن أضرب لحضرتك أمثلة من كتب التفاسير وأرجو أن تثبت أن هذه الأمثلة "مضبوطة" وتتوافق مع "ضوابط التفسير التي تؤمن حضرتك بها.


وسأقسم هذه الأمثلة إلى ثلاثة "ضوابط":
أولا: ضوابط إيمانية وأدبية
ثانيا: ضوابط عقلية
ثالثا: ضوابط لغوية




الضابط الأول: الضوابط الإيمانية والأدبية.


وهي وجوب معرفة الله تعالى حق معرفته واحترام القرآن الكريم وعدم العبث والاستهزاء بمعاني كلماته وآياته. كما إنه من المهم على أقل أقل تقدير أن لا يقول المفسر في حق آياته تعالى ما لا يجرؤ المفسر نفسه على قوله لحاكمه في الأرض خوفا أو والده مثلا إحتراما.



مثال:

تقول التفاسير إن المراد بـ {الأسْمَاء} التي علمها تعالى لآدم هو أسماء الموجودات والمخلوقات على اختلافها. هذا جبل وهذا حصان وهذا زيد وهذا عبيد. هذا قول، ولكننا نجد في نفس السياق قول المفسرين ((علمَه حتى الفَسْوة والفُسَيَّة))، وهذا كلام لا يقال عن معلم يعلم تلميذاً فكيف يقال عن ربّ العالمينَ عزّ وجلّ يعلم أبا البشر؟



أوَ يرضى أصحاب دور النشر التي تنشر مثل هذا القول أن يضرب المثل عليهم بأسمائهم وأسماءِ أبنائهم في الكتب التي يطبعونها وينشرونها بين الناس؟ ... فـ : ما لكم لا ترجون لله وقارا {نوح: 13}؟


أوَ يَرضى أحدكم أن يضرب المثل عليه وهو يعلم ابنه أو تلميذه؟ أم:


ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون (57) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (59) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم (النحل:60)


أم:

وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم (الزخرف:17)


هل هذا الكلام وأمثاله من الأدب مع كلامه تعالى في شيء؟ أوَ يُنقلُ هذا الكلام في حقه تعالى في الكُتبِ عبر العصور ولا يجدُ من يجْرؤ على نقدِه!؟ هل يستطيع المنكرون لي أن يضربوا هذا المثل وجها لوجه مع ملوكهم وسلاطينهم أو حتى مع رؤسائهم في العمل؟


لا تقل لي يأخي لا حياء في الدين، فما هذه الأقوال "وأمثالها" والتي يستحي المرء من ذكرها أمام الناس العاديين ليقولها عن رب العالمين؟ لا حياء في الدين نعم ولكن ذلك عندما يكون الموضوع مرتبطا بالطهارة أو ما شابه، أما أن نقلل من أدبنا معه تعالى فلا، وألف ألف لا.


وسؤال لحضرتك لو سمحت لي: هل تقبل أنت أن ينشر هذا الكلام عنك على جميع مواقع التواصل الاجتماعي والصحف وأنت تعلم ابنك؟


فإن قلت نعم، فلك ذلك والله تعالى عليم بذات الصدور وهو حسيبنا. وإن قلت نعم إن كان ذلك في سبيل الله تعالى فعليك أخي التمييز بين الدعوة في سبيله تعالى وهذه الكلمات التي هي أبعد ما تكون عن ذلك.


وإن قلت لا أقبل، فسؤالي لماذا لم تغضب غيرة على كلامه تعالى وتبدي اعتراضك على هذه الجملة وأشباهها من قبل؟


وقد تقول لا فقد رد الكثير على هذه الأقوال، فأقول من الواضح إذن أن النقد لم يكن وافيا وإلا لما وصلت لنا هذه التأويلات التي لا يقبلها إنسان على نفسه.


ألا يتراجع الناس لو أخطئوا؟ بمعنى لو أن هذا الكلام بحق الله تعالى قيل في حق سلطان أو مسؤول ألا يتراجع من قاله ويمحوه ويعتذر ؟


أما أنا فلا أقبله على الله تعالى، بل وعلى أي إنسان آخر وأسغفر الله العظيم وتعالى سبحانه عما نقول علوا كبيرا.



نعم، يجبُ إعطاءُ الصحابةِ الكرام ومن تلاهم من الأخيار فضلَهم لصحبتِهم وقربِهم من سيِّدِ الخلق، ليس إلَّا. فَدِينُ الله تبارك وتعالى نورٌ له فضل على الناسِ ولا فضل لأحد على دِين الله، لا في نَشرِه ولا في حفظه ولا في تطبيق شرائعه، فَكَفى متاجرة بالدين!


فلا ينبغي لمخلوق أنْ يَمنَّ على الله تعالى بشيء، وخصوصاً في أمر الدين ونشره وتطبيقه والعمل به! فإن كنّا لا نقبل التباهي بأعمال الخير من الأفراد ونعتبره رياءً، فلم نقبله من الشعوب والجماعات الإسلامية التي تباهي الآخرين بما تدّعيه من تطبيق الشريعة الإسلامية وما إلى ذلك من تزكية للنفس ومُزايدةٍ على الآخرين بدين الله تعالى؟


وإعطاء الفَضل لمن قرُب من سيِّدنا محمد لا يستوجب إعطائه العلم إلا أن يكون قولا وعلماً موثقاً لسيِّدنا رسول الله أو حجَّةً راجحة. أما التمجيد بعمومه وإعطاء الفضل في كل شيء للسلف، فإنَّه يفَرق الناس، ويُكرِسُّ العنصريةَ، ويعمي البصائر، ويجمد العقول، ويقتل الطموح، وهذا حال الأمة ...




الضابط الثاني: الضوابط العقلية

يقول تعالى:


أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا (الكهف:9)

بالرغمِ من كونِ الرقيم آيات عجيبة لأُمَّةِ سيِّدنا محمد يقول بعض المفسرين:

الرقيمُ لوحٌ حجريٌ (أو رصاصي أو حديدي أو ذهبي!) رُقِّمَت فيه أسماءُ أصحابِ الكهفِ وأخبارهم.
واد بـين عُسْفـان وأَيـلة دون فلسطين، وهو قريب من أيـلة.
مدينة، قرية، غار، كتاب تبيانهم، الكتاب،
اسم جبل الكهف "بنـجلوس" واسم الكهف "حيزم".
تابوت فى فم الكهف، وقيل وضع تحت جدار اليتيمين، وقيل: فى سور المدينة،
رُفع ذلك اللوح فـي خزانة الـملك. وقال بعضهم: بل جُعل علـى بـاب كهفهم. وقال بعضهم: بل كان ذلك مـحفوظاً عند بعض أهل بلدهم. وإنـما الرقم: فعيـل. أصله: مرقوم، ثم صُرف إلـى فعيـل، كما قـيـل للـمـجروح: جريح، وللـمقتول: قتـيـل، يقال منه: رقمت كذا وكذا: إذا كتبته، ومنه قـيـل للرقم فـي الثوب رقم، لأنه الـخطّ الذي يعرف به ثمنه. ومن ذلك قـيـل للـحيَّة: أرقم، لـما فـيه من الآثار والعرب تقول: علـيك بـالرقمة، ودع الضفة: بـمعنى علـيك برقمة الوادي حيث الـماء، ودع الضفة الـجانبة. والضفتان: جانبـا الوادي. وأحسب أن الذي قال الرقـيـم: الوادي، ذهب به إلـى هذا، أعنـي به إلـى رقمة الوادي.
وقيل: فى ذلك اللوح دين عيسى، لأنهم من الروم أخذوا بدينه.
قيل: دراهمهم التى معهم، وقيل: اسم كلبهم.


وأقوال لا يتسع المقام لسردها. سؤالي ببساطة كيف يكونُ لوحٌ حجريٌ آيةً عجيبةً؟ أم إننا لم نرى له مثيلاً من قَبل؟ أم إنَّه من خوارقِ الطبيعةِ؟

وهل سيكونُ أكثرَ عجباً لو كان خشباً؟ ثُمَّ هل رأتْ أُمَّةُ سيِّدنا محمدٍ (أو أحدٌ منها) هذا اللوحَ الذي قال عنه خالقُ العجائبِ كلِّها بأنَّه آيةٌ عجيبةٌ؟

طبعاً لا ... ولكن بالرغم من ذلك كُلِّهِ ينبغي احترامُ هذه الآراءِ وتقديرُها ونقلُها عبر الأجيال كما لو كانت قرآناً ... لأنَّها من السَلَفِ!



تفضل بالنظر في الأقوال التي جاءت في قصة كلام النملة والهدهد مع سليمن. تذكر أن أيا من هذه الأقوال لا يعود للنبي الكريم لا من قريب أو بعيد. واسأل نفسك عن مصدر هذه الأخبار العجيبة المتناقضة. ثم اسأل بموضوعية وعقلية كيف يمكن لنا وضع كل هذه المعلومات المتناقضة في سلة واحدة؟


ثم لا شك في أن كلام النملة آية عظيمة غريبة، لكنَّ هل تفكر المفسرون في الرسائل والحكم من القصة وسألوا أنفسهم:

لماذا ذَكَرَ جلّ جلاله النملَةَ وسماع سليمن لقولها من دونِ غيرها من الخلق؟

ما الحكمةُ من اختيار النمل؟ لِمَ كانت نملةً وليست جراداً أو خُنفُساً أو عقرباً أو عنكبوتاً أو سِحليةً أو قملةً ، .... الخ؟

ولِمَ قالتِ النملةُ تحديداً: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ؟
لماذا اختارَ تعالى كلامَهَا هذا دونَ غيرِه من الكلام لِيُخبرنا به؟




فهل تجد في جميع التفاسير أيا من هذه الأسئلة المهمة؟ فضلا عن الجواب عليها؟


ولكن للأسفِ الشديدِ فبدلاً من البحث عن الحِكِم البالغةِ في القصص، استنفذَ الناس طاقاتَهُم في أخبار لا طائِلَ منها ولا جدوى ولا دليل. فهل" اسم النملة "طافية" أو مُنذِرة أو "خومي" أو "لافية" يفتح لنا بابا من أبواب العلم والتقدم مثلا!


وقيلَ أنَّ قبيلة هذه النملة هي "بنو الشيصان" تحديداً! ثمَّ وجدوا أنَّها عرجاءَ. طبعاً لم ينسوا ذِكر حجمها! فقيل كالضأن وقيل كالذئِب وذهبت بعض الرواياتِ إلى أنها بحجم الديك! كما قالوا إنَّه كانت مع هذه النملة أربعون ألف نملةٍ من النقباءِ، ومع كل نقيبٍ أربعونَ ألفَ نملة من المحاربين!


ومع كلِّ رأيً من هذه الآراء يسردُ لنا المفسرُ سلسلة طويلةً من الرواة فيقول حدثنا فلان عن فلان ... عن فلان ... عن أبيه عن جدِّه ... إلى أنْ يقولَ : كان اسم النملة كذا!


كيف لنا أن نعرف كل هذه التفاصيل العجيبة بينما لا نعرف أين دفن الكثير من الأنبياء وكيف ماتوا؟ فهل النملة أعز من سليمن والأنبياء؟ وهل نسيت الأجيال توثيق أخبار الأنبياء وسليمن وداود ولم تنس توثيق تفاصيل النملة؟


فإنْ كان ما بين عهدِ سيدنا رسول الله وعهد سليمن ما يُقاربُ 1500 سنةٍ، فهل يعرفُ المفسرون أسماءَ قبائِلهم هُمْ وأسماءَ أجدادِهم هُمْ وأوطانِهم هُمْ في ذلك الزمان الغابر، ليعرفوا اسم نملةٍ تحت حجرةٍ، تحت ظِلِّ شجرةٍ في وادٍ ما، عند جبلٍ ما، في بُقعةٍ ما من هذا العالم الفسيح؟ وإنْ كانوا لا يعلمون أين ومتى دُفنَ نبيّ الله سليمنَ بنفسه، فهل يعرفون حجم النملةِ وعددِ من معها من النمل؟


ما الحكمة والعِبرة التي ترتجى من هكذا أقوال؟ ثم هل يدخل موضوع "تجلي وتعظيم وتوقير وإجلال الله تعالى وإظهار إبداعه وجماله وأنواره وجماله ونعمته" ضمن هذه التفاسير؟ أي هل نجد في التفاسير أن التأويل كذا يظهر عظمة الله تبارك وتعالى ونعمته وإبداعه أكثر من التأويل كذا؟ أو أننا نجد أن القول كذا أقوى إسنادا من القول كذا؟ ونضرب بعرض الحائط الأمور الأخرى؟


فالفرقُ بين تأويلٍ لآخر عند المفسرين هو ببساطة هل المقصودُ قولُ زيد أم قولُ عبيد! هذا تمجيد للناس على حساب الخالق سبحانه! أمَّا أيٌّ من التفاسير يُظهرُ عظمةَ الخالق وحكمته وجماله وما إلى ذلك من أسمائه الحسنى، تبارك وتعالى، فلا أجد أنَّنا بذلنا أيَّ جهدٍ فيه.


ولأننا متدينون بالفطرة، كان علينا أن نقرأ هذه التفاسير كما لو كانت قرءانا وننقلها جيلا بعد آخر، ولأن هذه التفاسير مجموعة من التناقضات المختلفة حول أمور سطحية، ولأن عقولنا وفكرنا ونهجنا وطريقة حياتنا مبنية على القرآن، أصبح التناقض والخلاف والسطحية أهم ما يميز الشعوب الإسلامية. لهذا السبب – ولأمثاله – فأمة الإسلام ترزح تبعية واتكالية على الغير في جميع شؤونها ...




الضابط الثالث: الضوابط اللغوية.


مثال:

هل تصدق أخي الكريم أن الله تعالى يقول "أربعة من الطير" ثم يأتي إنسان مفسر ((لا ينازعه أحد)) ليقول ربما "سبعة من الطير" ؟؟؟ وتنقل هذه الجراءة عبر القرون ثم لا ينقدها أحد؟؟؟


لا أدري إن كان هذا الرأي يحقق "ضوابطك" للتفسير؟

فهل يحقق هذا الرأي ضابط الأدب مع كلامه تعالى وعدم المزايدة عليه؟

هل تجد في هذا القول "تكذيب أو تشكيك" في كلامه عز وجل؟

أم هل يحقق ضابط اللغة بمعنى أن العدد " أربعة" قد يعني العدد "سبعة" في حالة كون المعدود طيرا؟


أرجو منك الإجابة والدفاع عن رأي "السبعة" طيور.

وإن كنت لا تتفق معه، فهل لي أن أسأل لماذا لم ترد عليه من قبل؟ أم لأن الرجل من السلف؟


الناس تحارب كل جديد وتمجد أسلافها لسببين الأول هو الغيرة من الأحياء إذ لا غيرة ممن في القبور والسبب الثاني أن تمجيد الناس لإسلافها إنما هو تقديس للناس أنفسهم من حيث لا يشعرون. ولقد أفردت لهذا مقالا مفصلا:


http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-24-16-53-00


يتبع ....



د نبيل أكبر 12-09-2012 07:18 PM



ثالثا: إدعائك بأني جاهل في أمور اللغة والتفسير والحديث



كنت أخي في مداخلة سابقة أسميتني نجما من نجوم علوم الأرض، فلك الشكر والتقدير. لكن هل لي بسؤال:

كيف عرفت أني ذلك بينما لم تقرأ لي بحثا متخصصا؟
ترى هل للشهادة دور في تقييمك لي؟
لو كان كذلك فكيف عرفت أنني لم أزور شهادتي؟ أو أن شخصا آخر كتبها لي؟ أو أنني تخرجت ولم أدرك من مواد التخصص شيئا؟ أو أنني نسيت كل ما درست؟ أو ... أو ...؟


وفي ذات الوقت تجد لي حوالي ستين مقالا مفصلا وتتهمني بالجهل بدليل أبعد ما يكون عن الحق كما سأشرحه بعد قليل؟


هل وصل بنا تبسيط الأمور لدرجة اعتبار صاحب شهادة ورقية "عالما متخصصا"؟ أم إن القيمة الحقيقية للعلم هي الحجج والبراهين؟

هل للمظاهر كالهيئة والباس وطريقة الكلام دور في تقيمنا للناس؟


لا عجب إذن من أن مقالا عن "اللحية زينة الرجل" حصد أكثر من عشرة آلآف مشاهدة في الوقت الذي نقتل بعضنا بعضا لخلافات قد لا تعتدوا أن تكون سننا أو مندوبات، على الأكثر.


إنها السطحية أخي العزيز المستقاة من موروثاتنا الفكرية.


يأخي الكريم صحيح أن تخصصي هو في علوم الطبيعة ولكن ذلك لا يعني أنني جاهل في أمور ديني وفكري فلقد أمضيت في دراسة كتب الفسير "وضوابطه" وكتب الحديث والسيرة ومخالطة المتخصصين أضعاف ما أمضيت في دراسة مواد تخصصي.


فعفوا أخي الكريم عفوا فقد انتهيت من دراسة أمهات التفسير والحديث وكل ما يخصهما ولما أبلغ الخامسة والعشرين، فما أنا بحاجة لتخبرني عند كل آية أن أذهب وأقرأ قول فلان فيها، بل عليك الذهاب بنفسك والتحقق مما قيل قبل أن تستخدمه كحجة لا منازع لها.


كما إن معظم مقالاتي كانت مكتوبة جاهزة للنشر قبل نهاية السنة 2009 ولكني أمسكت عن نشرها إذ كنت أعمل على توثيقها وتحسينها طيلة أربعة سنوات متتالية. فلا تحسبنني ممن طرأت له فكرة طائرة ففرح بها ونشرها على فوره.



فقد اتهمتني بالجهل في اللغة العربية بحجة أقل ما يقال عنها أنها غريبة لا أساس لها إذ قلت حضرتك أنني مخطئ (في ستين مقالا) لأنني لا أعرف الفرق بين الاستعمال الحرفي والمجازي للكلمات وبذا فإني ضعيف في اللغة لأن الأصل في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي من منظورك يعتمد على "العلم باللغة".


وهذا كلام أبعد ما يكون عن الصواب أخي العزيز إذ إن التمييز بين الاستخدام الحرفي والمجازي لا يعتمد على اللغة من قريب أو بعيد، بل يعتمد على "العقل" والسياق فقط.


فلو كنت جالسا في مقهى ودخل رجل شجاع أعرفه فقلت : جاء الأسد. فهل يفهم من كلامي أن أسدا من الغابة دخل المقهى؟

طبعا العاقل سيفهم مباشرة أن إنسانا بصفات الأسد قد جاء. أما الغير عاقل فقد لا يفهم إلا أن أسدا حقيقيا قد جاء.


فهل لك أن تعطيني مثالا واحد (واحدا فقط) يثبت إدعائك بأن "اللغة" وليس العقل أو السياق هو المرجع في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي؟


مثلاً:

وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم {النمل: 81}

أفأنت تسمع الصّم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبينٍ {الزخرف: 40}


أثبت لي أن كلمة " العمى " أو " الصّم " هنا تعنى الضلال من منظور اللغة وليس العقل أو السياق؟



فالناس يستعملون دوماً الاستعارة في حياتهم اليومية، ويفسرون الكثير من عبارات الكتب السماوية على سبيل الاستعارة أيضاً.


فلو قلنا: متنا ضحكاً ... فهل نقصد أننا متنا فعلا ؟ فما دخل اللغة هنا في تميز الحرفي من المجازي؟
ولو قلنا: نزلت درجات الثانوية العامة. فهل نقصد أنها نزلت من السماء؟
ولو قلنا: نزلنا في الفندق، فهل نقصد أننا نزلنا من السماء إلى الفندق!؟
وعندما نشير إلى المصحف الكريم ونقول: هذا الكتاب أنزل من عند الله تبارك وتعالى من السماء، فهل نقصد أن هذا الورق المطبوع أنزل بطريقة ما إلى الأرض من السماء؟ طبعاً لا، ولكننا نعني أن معانيه وأوامره ونواهيه نزلت من عند الله تعالى ...


فعندما يقول الله تعالى: خلق الإنسان من عجل (الأنبياء:37)، فهل نفهم أن مادة اسمها "عجل" خلقنا منها؟ أو نفهم أن الإنسان عجول بفطرته؟


وعندما يقول رسولنا الكريم: سبعة يظلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله، فهل نعتقد من الحديث أنه تبارك وتعالى مادي وله ظل من نور يسقط عليه، سبحانه وتعالى! فالمقصود هو سبعة يحفظهم ويظللهم برحمته وكرمه وفضله وإحسانه وستره ...


فمن المعلوم إن اللفظ يستخدم على الحقيقة كأن تقول: جاء الرجل، ويستخدم على المجاز كأن تقول: جاء الحق. ولمعرفة الفرق بين الحالتين يتعين الرجوع إلى العقل، والعقل فقط، إذ لا شيء من الممنوعات أو المستحيلات عند وصف الأشياء بالمجاز.


فلو سمع طفل جملة "جاء الحق"، فقد يصعب الفهم عنده، إذ قد يتصور "الحق" جسداً مادياً يمشي على أرجل، إلى أن يطور مداركه ويدرك حينها المعنى المقصود لأنه ليس للحق أرجل يمشي عليها. وعندما يسمع الطفل الأساطير فإنه يكون صوراً مجسمة عنها ويحسبها واقعية إلى أن يتطور الفكر عنده فيدرك الفرق بين الأساطير والواقع.



فالمعيار لمعرفة الواقع من المجاز في الأخبار هو "إمكانية حدوثها على الواقع". فكلما زاد العلم والعقل والإدراك والخبرة زادت معها القدرة على التميز بين "إمكانية الحدوث على الواقع" وبين "المجاز التصوري".


والأخبار والأمثلة المجازيةَ ليست بسيطةً دائماً، بل قد تكون قصصاً كاملة لا يظهر فيها استخدام المجاز بوضوح. فعلى المستمعِ إذن النظر والتفكر والبحث عن " إمكانية حدوثها على الواقع".


أما من جهة القائل، فعليه أن يستخدم العبارات بما يتوافق مع عقل وعلم المتلقي. فمن العيب مثلاً أن نضرب مثال الثعلب والدجاجة أو الغول لإنسان عاقل، ومن إضاعة الوقت أن نبين عظمة الكونِ بمثل التفاعلات الذرية للأمي. فعلى ضارب المثل مراعاة حالة المتلقي الذهنيةِ، ودرجة علمه ونضوجه وإدراكه.


فإن كان ضارب المثل هو اللطيف الخبير فهو يخبِر بطريقةٍ خفية غير مباشرة، وبأمثلة تستدعي التفكر والتأمل والعلم والإدراك. فإخباره لنا تعالى يكون بخفية ولطف وقد يستغرق الدهور من تفكر الأمم وتطورها وتعلمها في جميع مجالات الحياة كي تدرك بعضا من هذه الأخبار ...


شاء الله تبارك وتعالى أن تكون لكل شيء حِكمة ... ولكن كثيراً ما يعجز السمع والبصر عن إدراك بعضِ الحكم وما ذلك إلا لتستأثر بها وتدركها العقول ...

الله سبحانه "لطيف خبير" وقد تكرر ورود هذين الاسمين مترادفينِ في عدة أماكن من القرآن ... فلماذا؟


"اللطيف" تعني الرفيق والحنون ولكنها تعنى أيضا الخفي، فما لَطُفَ من الكلام هو ما غَمُضَ مَعناه وخَفِيَّ ...

أما "الخبير" فتأتي بمعنى المُجَرب، لكن الأصحّ في حقِّه تعالى هو "المُخْبِرُ العارِفُ الذي يأتيكَ بالخبرِ، فهو خبيرٌ " ... إذ لا يُجرب سبحانه كالناس ...


فيكون معنى "اللطيف الخبير" أي الذي يخبِرك بطريقةٍ خفيَة غير مباشرة ... إشارات بالكاد تراها ... لمحات من هنا وهناك ... إيحاءات بسيطة ... وبأمثلة تستدعي التفكر والتأمل والعلم والإدراك ... ولأنَّه سبحانه "الخبير" وليس كمثله شيء، فإخباره يكون بكل شيء، ولكن كثيرا ما لا نفطن إلى هذه الأخبار ...


ولأنه سبحانه "اللطيف" وليس كمثله شيء، فهذا الإخبار يكون بِخفية ولطف بحيث أنَّه قد يستغرق آلآف الملايين من السنوات وقد يستغرق الدهور من تفكر الأمم وتطورها ومعاناتها لكي تدرك بعضاً من هذه الأخبار والحكم وتعِيهَا ......


فلو أراد سبحانه أن يخبرنا شيئاً فلابد وأن يخبرنا عنه ويعلمنا إياه بلطف يتناسب مع لطفه، وهو اللطيف الخبير. فبدلا من التعليم المباشر، يضع لنا في الخلقِ أسئلة وإعجازات تستوجب التفكر حول هذا الشيءِ ... فتبرز أهمية الشيء المراد تعلمه من خلال وضعه في أسئلة يتفكر الناس بها، ويبذلون جهدهم لحلها، فيتعلموا، فيتحقق الهدف ....


ما أن يبدأَ الإنسان بإدراك ما حوله إلا ويجد من حوله شيئين اثنين، يكمل أحدهما الآخر ... الأول هو " كتاب الخلق المبين" ... والثاني هو " الكتب السماوية " والتي لم يبق منها محفوظاً سوى كتاب القرآنِ المبينِ والذي يرشده إلى خالقه ويبين له منهاج الحياة الصحيح ... فهناك إذاً كتابان أصلهما واحد ... ولذا يجِب أن يتحدا في أصل "الكتابة" و "الهدف" ...


فكتاب القرآن العظيم وكتاب الخلق المبين من إله واحد سبحانه وتعالى وينبغي أن لا يختلفا في أي شأن صغر أم كبر، وإن كان من تعارض فهو فهمنا نحن البشر. ففي خلقه وفي كتبه عز وجل تدرجٌ وصبر لا فجائية، جديةٌ لا هزلية، أسبابٌ ومُسبباتٌ ونواميس وقوانين محددة ثابتة، لا عبثية ولا فوضوية ولا تصادفية، عدلٌ لا ظلم، وحقٌ لا باطل ...



مرة أخرى أخي الكريم أطلب منك مثالا واحد فقط يثبت إدعائك بأن "اللغة" وليس العقل أو السياق هو المرجع في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي؟



يتبع ....


د نبيل أكبر 12-09-2012 07:21 PM



رابعا: إدعائك بأنني أعتمد "الرأي" في التأويل


كثيرا ما يقال عني أني أقول في القرآن بعقلي أو برأي. فأتعجب. فعلا أتعجب.


أفلا تتعجب أخي لو اجتمع الناس عليك وقالوا: فلان يمشي على قدميه!؟ فإن لم تمش على قدميك فعلام تمشي إذاً؟


فعندما أقول "برأي" فذلك معناه أنني أقول بعقلي وقلبي. الآن، كيف يمكن تفسير القرآن، أو أي شيء آخر، من دون عقل؟ هل المصحف وكتب السنة النبوية مع معاجم اللغة العربية قادرة على العمل بشكل تلقائي لتفسير القرآن؟


هل وضعُ كتاب الحساب بجوار الآلة الحاسبة يحلّ معادلة حسابية من دون النظر والبحث والتأمل والتفكر وتفعيل العقل؟ أوَ ليس تفسيرُ القرآن بالقرآن يتطلب تفعيلَ العقل والتدبر والتفكر كما طلب القرآن نفسه في العشرات والعشرات من الآيات القرآنية الواضحة الصريحة؟ كيف أفسر القرآن بالقرآن من دون عقل في حين أن القرآن يأمرني بتفعيل العقل؟ كيف؟


فإن لم نفسر القرآن الكريم والدين بعقولنا فبأي عضو من الجسد نفسره؟ بالجلد أو العظم أو الفم والأنف؟


فلو قلت لأحدهم أني أفسر كلام الله تعالى بالعقل والتفكر والمنطق فسينظرني بريبة شديدة وأنني تجرأت على الله تعالى، وقد يتهمني بالزندقة والبدعة والضلال. وكثيرا ما سألني الإخوة عن "ضوابطي في التفسير".


السبب من وجهة نظرهم أنَّ "عامة الناس" سوف يفسرون القرآن بأهوائهم وبعقولهم فَيَضِلوا ويُضِلُوا الناس معهم (أوَ خلاف وضلال أكثر مما نحن فيه؟). ولأن العقل مدخلٌ من مداخل الشيطان كما يعتقدون، فإنَّ التفسيرَ "بالعقل" غيرُ مقبول، بل ويصلُ الأمر بتكفير من يفسر القرآن بعقله!


هذا بالرغم من أنّ القرآن يأمرُنا دوماً في العشرات تلو العشرات من المواضع والمواضيع بالتأمل وتفعيل العقل والحِسّ والمنطق السليم عند النظر إلى الأمور، وبالأخص عند النظر إلى كلامه العزيز:


قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد {سبأ: 46}


وللمفارقة لو قلت لأحدهم أني أفسر كلام الله تعالى بكلام السلف وأقوال "العلماء" فسينظر إلي بعين الرضا والتقدير والإجلال، هذا بالرغم من أنّ القرآن يأمرنا دوماً في العشرات تلو العشرات من المواضع والمواضيع بالحذر الشديد من الأسلاف وعدم التأثر بأقوال ومذاهب الآخرين من الناس أمثالنا، وأن ما أهلك الأمم كلها إلا إتباعهم لأسلافهم:

أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ؟ {المؤمنون: 68}



كما يقال أنني أفسر القرآن على هوى نفسي.


حسناً، لنعد ((للقرآن)) وننظر في معنى الهوى:


إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (النجم:23)


إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا (42) أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا (الفرقان:43)




ما الأسماء هنا؟ هل تذكرنا بتقديس الأمم السابقة لأسلافها وأسمائهم؟
فهوى النفس كما هو جلي هو اتباع الأسلاف والأسماء التي ابتدعوها. وهذه الأسماء هي أسماء "صالحين" قدست تدريجيا لتعبد آخر المطاف أو هي المصطلحات الدينينة التي ما أنزل تعالى بها من سلطان.



يتبع ....




د نبيل أكبر 12-09-2012 07:26 PM



خامسا: إدعائك بأنني لا أعمل بالسنة النبوية الشريفة


إن إكمال الدين يعني اكتمال المفاهيم والأسس والأهداف من هذا الدين. ومن هذه الأسس والمفاهيم إن القرآن كريم لا ينفذ عطاءه وإن العمل والتفكر والتقدم في جميع المجالات ضرورة لابد منها وما إلى ذلك من مفاهيم تقوم عليها المجتمعات.


أما قولك أن هناك مواضيع في القرآن لا ينبغي أن تمس (كموضوع "العقيدة" مثلا) فلا أجد له دليلا من القرآن ولا من السنة وليس لبشر من طين أن يحدد ما هو مسموح مما هو ممنوع بلا دليل قرآني واضح لسبب بسيط وهو أن الناس لن تتفق أبدا على شيء واحد في أي أمر وشأن، وبالتالي ليس بإمكان أي إنسان أن يقرر أمرا عظيما كهذا إلا أن يفرضه "فرضا" على العقول كما هو الحال الآن. ولا ينبغي فرض أي أمر كان على عقول الناس، فكما تعلم فلا إكراه في الدين.



إن من الدين نفسه أن في القرآن كنوزا لا من سلف ولا نحن ولا بعد مليون سنة ستستطيع البشرية كشف جميع أسرارها. ولقد تواتر في الأيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة فضل القرآن وأن عجائبه لا تنتهي فكيف نقول ونؤمن بذلك بينما نحصر فكره وعطاءه على زمن محدد؟


فمثلا الله سبحانه عظيم ونحن لا نستطيع إدراك الكلمة بحد ذاتها من دون دلائل وإثباتات. لذا فخلق سبحانه الكون بعظمته لندرس "عظمته" من خلال الخلق. وهو بديع فكيف ندرك إبداعه تعالى من دون مخلوقات بديعة من حولنا؟


وهو سبحانه يظهر أسمائه الحسنى كلها في الخلق كي نفهم نحن بعضا من هذه الأسماء فنعبده حق عبادته.


ومن أسمائه تعالى الحسنى "الباطن" والظاهر. فكما أظهر كل ما نراه فهو تعالى أبطن أمورا كثيرة سواء في كتاب القرآن الكريم أو في كتاب الخلق المبين. فوجود أمورا باطنة في القرآن يستدل بها من القرآن نفسه.


إن هذه الأمور المبطنة والأسرار المكنونة لا تشمل ما يسمى بـ (الإعجاز العلمي) وحسب بل تشمل كل الأمور. ولا ينبغي لنا تقسيم القرآن إلى إعجاز علمي، إعجاز تصويري، لغوي، ... علينا أن لا نضع أسماء وتقسيمات في كلام ربنا تعالى فهو سبحانه الواحد الأحد وكل كلامه "واحد".

فأرجو بعملي أن أكون متبعا للسنة النبوية، ولا أجد نفسي مخالفا لحديث موثق واحد. وخلافي مع البعض ليس مع القرآن الكريم أو السنة النبوية العطرة وأعوذ به تعالى من ذلك، إنما هو في فهم القرآن والسنة النبوية واستخلاص الدروس والعبر منهما.


فمثلا يرد البعض علي بالحديث النبوي الشريف: من أحدث من أمرنا ما ليس منه فهو رد.
وأنا أنظر للحديث بإيجابية. فالعمل على النظر والتفكر والتأمل في آياته القرآنية والكونية أمر علينا فكيف يقال عن من يتفكر ويعمل بالقرآن والأكوان ويربط بينهما أنه مبتدع؟ فهل من يقول بعلم جديد يقوم بنشره مبتدع؟ أوليس التفكر والعمل وعدم الاعتماد على فكر الآخرين في كل شأن هو من أصل الدين؟


فمن وجهة نظري فالذي يعمل ويتفكر ويتدبر ويدرس القرآن وآياته أولى باتباع القرآن والسنة والصحابة رضى الله تعالى عنهم من الذين لا يتفكرون ومن ثم لا يعملون.


الذي يتفكر أولى باتباع الدين الصحيح من غيره لأنه يطبق ما في هذا الدين من مفاهيم من أهمها أن القرآن كريم والكريم لا يبخل في عطائه وهو مجيد والمجيد لا شيء يسعه، وهو مبارك والمباركة الاستمرار في العطاء.


وبالنسبة للحديث النبوي الشريف: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. فنعم علينا اتباعه وعلينا باتباع هذه السنة. لكن هذه السنة هي سنة فعل ولا ينبغي حصرها على القول وقد كان الصحابة يبحثون ويجتهدون في التفكر في آياته ويتعلمون من القرآن الكريم مباشرة ثم ينشروا هذا العلم وهذا ما ينبغي علينا جميعا فعله. هذه هي السنة ...


فهل من منكر بأن الصحابة كانوا يبحثون ويتدبرون في معاني القرآن؟ وهل لو اتبعنا سنتهم هذه نكون قد خالفناهم؟



بالنسبة لي فأضع السنة النبوية على رأسي، لكني أضع القرآن الكريم فوق ذلك بكثير إذ إنه كلامه تعالى المحفوظ فما من شيء يقارب كلامه تعالى دقة ومتانة وإعجازا وإبداعا.


ثم علينا أن نأخذ من الأحاديث النبوية الشريفة ما لا يتعارض مع القرآن فإن كان من تعارض فالأولى أن نأخذ بالقرآن الكريم والسبب هو أن عندنا كتاب واحد منه تعالى ولكن عندنا الكثير من الأحاديث التي قد تتعارض فيما بينها أحيانا والسبب طبيعي ومعلوم إذ إن الناس تنسى أو تغفل أثناء عملية نقل الأحاديث ولكن القرآن لا ينسى ولا يغفل.


ففضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على سائر خلقه كما تواتر في الأحاديث. لو تفكرنا في هذا الحديث وطبقناه فعليا وعلمنا إدراكا فضل الله تبارك وتعالى على سائر الخلق وعظمته بالنسبة لصغر الخلق ورحمته بالنسبة لقسوة الخلق وغناه تعالى بالنسبة لفقر الخلق ووحدانيته تعالى بالنسبة لتفرق الخلق وما إلى ذلك من مقارنات فإننا عندها سننظر لكلام الله تعالى بطريقة مختلفة.


إن القرآن مهجور هذه الأيام للأسف الشديد. نعم هو منتشر في كل مكان والناس تقرؤه كثيرا لكنها لا تتفكر فيه كما جاء:


وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا (الفرقان:30)



فالخطاب ليس للمشركين إذ هم لم يؤمنوا به أصلا ولكن الخطاب للمسلمين الذين هجروا التفكر والبحث في آياته.


وبالنسبة للسيرة النبوية فأنا أقوم بفهمها من منظور جديد، ولا أنكر منها إلا ما يسيء إلى سيدنا سيد الخلق محمدا عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام.



وبالنسبة لقول أبي بكر رضى الله تعالى عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأي.


فأولا هذا الكلام ينطبق عليك أيضا إذ أنت تقول وتفتي وتتكلم في القرآن برأيك الذي هو في الأصل رأي غيرك، لكنه في نهاية المطاف "رأيك" لأنك اخترته من دون غيره. الفرق بيني وبينك أني أعمل على التحسين وإضافة فكر جديد باجتهادي وعملي الذي أسأل عنه يوم الحساب، بينما تعمل حضرتك على التجميد والحصر الذي تعلمته من غيرك.


لكن الأهم من هذا أن أبا بكر كان يتكلم عن نفسه ولم يكن يشرع بتحريم التفسير.
فمثلا أكل أبو بكر تمرة يوما في بيته وبعد بلعها سأل عن مصدرها فقيل له كانت صدقة لفلان فأخرجها رضي الله تعالى عنه بطريق التقيؤ. طبعا نحن لا نفعل ذلك ولسنا مأمورين بذلك ولكنه فعلها مخافة منه تعالى.


كما إنه لو أخذنا هذه الرواية من باب التشريع، فجميع المفسرين هلكة من منظورك لأنهم ليسوا – كما أحسب – خيرا من أبي بكر، فإن لم يفسر وهو أعلمهم فعلى أي أساس يفسر المفسرون؟




إن وجود أمور مبطنة في القرآن الكريم ليس بجديد، بل هو من أبجديات الطبيعة من حولنا. ففي جميع المجالات النظرية والتطبيقية، تبقى الكثير من الأمور أسراراً إلى أن نرقى بأسلوبنا وعلمنا إلى درجة تمكننا من تطوير الوسائل اللازمة لسبر أغوارها، ولكل سِر متطلباته المتفاوتة من الوسائل.
فعلى سبيلِ المثال، كانت هناك مؤشرات في التاريخ بإمكانية طيران الإنسان تتمثل بمُشاهدة الطيور، ولكننا لم نستطع الطيران إلا بعد اكتشافات قوى الجاذبية والإيروداينمكية والقدرة على تصنيع وتشكيلِ المواد بما يلبي جميع قوانين ومتطلبات الطيران. فلو كانت الأسرار من أبجديات خلق الله عز وجل، أفَلا تكون من أبجديات كتابِه؟


فاللهُ تبارك وتعالى وضع وأبطن أسراراً في الخلق وفي القرآن لأنه تعالى الباطن، وفي نفس الوقت وضع مؤشرات لهذهِ الأسرار. فمتى تفكر الإنسان وفَعّل العقل فتح عليه ببعض من الأسرار.


إن زمن اكتشاف بعض أسرار القرآنِ قد حل. فبنضوج العقل البشري بتراكم العلوم والمعارف والخبرات السابقة وبتطور وسائل الاتصال والانتقال والحاسوب والعلوم الكونية والإنسانية يمكن اكتشاف العديد من أسرار الكتاب بالوسائل التي لم تكن متوفرة لمن قبلنا.


لذا فإنني أختلف كثيراً مع المفسرين وأبيّن بالعلم وبالعقل وبالمنطق السليم والحجّة الراجحة صدق أقوالي ومذاهبي. وفي هذا السياق أفَسر الآية 134 من سورة البقرة والتي تكرر معناها في أكثر من موضع:



تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون {البقرة : 134}


فالتفسير المتداول هو أن لكل أمة ولكل إنسان عمله، ولا تزر وازرة وزر أخرى. فلا علاقةَ لنا بذنوب واختلافات الأمم السابقة ولا بالخوضِ فيها. هذا التفسير صحيح ولكنه ناقص لشمله العمل من دون العلم. فلم لا نفهم أننا لن نسأل عن علم الأسلاف كما أننا لن نسأل عن عملهم؟ فلهم ما كسبوا من العلم ولنا ما كسبنا منه ... أوليس العلم من العمل؟



ومن أمثلة الحجج التي يستخدمها الناس لإبعاد القرآن عن العقل قولهم إن كنا مثلاً لا نستطيع فهم الحكمة بالعقل من كون صلاة المغرب ثلاث ركعات بينما العشاء أربع، فينبغي إذن أن لا نسعى لتفسير جميع ما يختص بالدين بالعقل والمنطق!

والجواب على هذه الحجة سطحي بسيط. فمن غير المطلوب منا أن نفهم كل ما يخص الشرائع، فإن فهمنا الحكمة من أمر ما فحسن، وإن لم نفهم فعلينا بالاتباع في كل الأحوال.
كما إن كوننا لا نستطيع تفسير البعض لا يعني أبداً ترك الكل، فهل نقول للطالب في الإمتحان إن لم تستطع حلّ أحد الفقرات فلا تحاول الإجابة عن الإسئلة الأخرى؟!


ثم لماذا كان على الأسلاف تفسير القرآن وفهم الدين جملة وتفصيلاً في زمنهم بينما وقف علماء الطبيعة كالطب والفلك والفيزياء عاجزين في زمنهم عن فهم وفكّ جميع الأسرار الكونية؟ لماذا لم يعترفوا أنّ هذا الدين كبير – أكبر من إمكانيتهم وخبراتهم الإنسانية في ذلك الزمان – وأنّه تعالى قد حفظ بعض الأسرار والأنوار والحكم لمن سيأتي بعدهم من الأمم؟ أليس هذا من العدل الإلهي؟



ومن الحُجَجِ المستخدمة هي أنَّه لا يجوزُ تحميلُ القُرآنِ ما لا يحتملُ من تفسيرٍ وتأويلٍ. نعم هذا صحيحٌ ولكنَّ هل عندنا ميزانٌ نقيس به كلَّ جديدٍ لنقول بما يُحْتملُ وما لا يُحْتملُ؟


المفارقة أنَّ الذين يزعمون تفسير القرآن بالقرآن هم أنفسهم الذين يجعلون آياتٍ من القرآن تنسخ وتمحي آيات أخرى من القرآن! ثم يدعون أنهم يفسرون القرآن بالقرآن! ولكن في الحقيقة هم أبعد ما يكونون عن ذلك. فهم على النقيض يحرقون القرآن بعضه ببعض.


ومن الحجج التي يستعملها الناس لحصر تفسير القرآن على فئة منهم هو قولهم "لم يقل به أحد من السلف" أو "أأنت أعلم أم هو" ... وأرد على هذا بما يلي:



فأولا من يجزم أن الأعلم لا يخطئ؟ ثم كيف نعرف أن هذا أعلم من هذا؟ ثم ما هو معيار مقياس العلم هذا؟ وهل يمكن أن نقارن علم شخص مات منذ ألف سنة مع شخص آخر من هذه الأيام؟ ولنفترض أن زيداً أعلم من عُبيد، فكيف نعرف أن زيداً ليس منافقاً تعلم من أجل فتنة الناس والظهور عليهم؟ أوَ لا يوجد منا منافقون يحسبهم الناس من الأولياء؟


ثم كيف نجعل قياس "العلماء" – الذين يختلفون في زمن واحد ضمن مذهب واحد فضلا عن اختلافهم في أزمان متباعدة – معياراً ثابتاً يجب أن يطبق على جميع الأزمنة؟


ثم لو قال به أحدٌ من الأسلاف فما الداعي إذن للقول به الآن؟ فإما أنْ يقولَ المرءُ المُفكِّرُ العالمُ المجتهدُ شيئاً جديداً أو ألا يقول شيئاً على الإطلاق، وليذهب وليعمل شيئا مفيدا خيرا له.


إن أسلوب الإسكات هذا – أأنت أعلم أم هو – أدى إلى تفشي هذا الفكر الاحتكاري ليشمل جميع أمور الحياة وتحديداً السياسيةَ، فأصبحت مناقشة الحكام جريمة يعاقب عليها الدين نفسه! وأصبح الحاكم شأنه شأن المفتي لا يناقش ولا ينصح ولا ينبغي لأحد أن يبدي اعتراضه في أي أمر صغر أم كبر ...


إن العلم والإيمان لا يمكن قياسهما بالميزان. وبالتالي فكيف لي أن أقول مثلا أن علي المفسر أن يكون عالما أو مؤمنا بدرجة معينة أو ما إلى ذلك إن كنا نحن الناس لا نستطيع قياس ذلك؟ فهل ندخل في صدور الناس لنحكم؟


ثم لنفترض أن لي علما وشهادات في التخصصات المطلوبة، فكيف يعرف ما في نفسي أو دوافعي؟ هل سيأخذ بكلامي لأنني طابقت "ضوابط التفسير" من دون العلم بدوافعي؟



يتبع ....



د نبيل أكبر 12-09-2012 07:32 PM



سادسا: رواية أن الأمة لا تجتمع على باطل، وسأبين أن هذه الرواية مخالفة للقرآن والأحاديث النبوية وللسنن الكونية.


تأمل أخي قوله تعالى:


أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (ن:38)


طبعا لم يكن عند مشركي مكة أيام نزول السورة أي كتاب فلم يعرف عنهم ذلك. فالكتاب المقصود هو الكتب التي اتخذها الناس حسب مذاهبهم فيختارون منها ما يشاؤون.


ذكرت في إحدى مداخلاتك أن علينا أن نعود إلى أمهات التفاسير وذكرت تفسير الطبري على وجه التحديد.

لا أدري إن كان قد فاتك أن الطبري أورد 800 رواية عن أحد الرواة في تاريخه. لعلمك أخي فهذا المروي عنه من أكبر الكذبة بتاريخ الرواة بشهادة رواة الحديث.

فقال يحي ابن نعيم عنه: فَلْسُ خيرٌ منه. واتهم بالزندقة كما قال ابن حبان.
فهل تريدني أن أعتمد تفسير الطبري (الذي لم يتمكن من إدراك كذب رواته) كمرجع معصوم وأترك القرآن الكريم المحفوظ؟


يأخي الكريم إن في تفسير الطبري ما يخجل الإنسان من قوله بحق نبينا الكريم، فللنتبه ونتفكر قليلا لما نقرأ.


فمثلا وردت رواية في تفسير الطبري والله إني لا أدري بأي الكلمات أصفها لكني أترك الوصف لك. فقد أورد الطبري في تأويل الآية 37 من سورة الأحزاب الكريمة:


وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا (الأحزاب:37)

فأورد الطبري:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: ما ذاك، أرابك منها شيء؟ " قال: لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيرًا، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.


هل تفكرت قليلا في هذا الاتهام الشنيع في حق أخلاق نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام والنية المبيتة التي كان يحملها في قلبه بناء على رواية الطبري؟ هل ترضاه لنفسك أخي قبل أن ترضاه لغيرك وخصوصا لسيد الخلق ذو الخلق العظيم؟

أستغفر الله تعالى وأبرأ أنا من هكذا أقاويل.

فتأكد أخي من حذف هذه الروايات المعيبة من التفاسير "نهائيا" قبل أن تزكيها لغيرك.


وعلى فكرة فقد سألتني في مداخلة سابقة عما لو كنت قد عرضت أفكاري على "العلماء" قبل عرضها للناس. عفوا أخي عفوا، على المفسرين أن يراجعوا كتبهم وينقحوها مما يسيء إلى كلامه تعالى وإلى الأنبياء الكرام قبل أن يراجعوا أقوالي، عليهم قبل محاورتي أن يعيدوا النظر في تفاسيرهم قبل أن يأتوني بأقوال لا يستطيعون الدفاع عنها.



سأتكلم تاليا عن حديث مهم وهو الذي تفضلت بسرده: لا تجتمع أمتي على ضلالة.


هذا الحديث هو مما يستخدم كثيرا إذ به يثبت المرء أنهم دوما ومهما فعل وقال على حق لأنه (وهم الممثل الوحيد للدين) لن يجتمع على ضلالة، هكذا يكون تبسيط الأمور.



ليس لنا أن نفرح بهكذا "تنزيهات" إذ إن لكل فكر ضال ولكل من المذاهب والفرق المتباعدة مهما كان "مبرراته ومسوغاته" التي تبدو لأصحابها "شرعية قانونية" ليثبتوا لأنفسهم أنهم هم وحدهم فقط من يمثل الأمة أو من يمثل الإنسانية. فلكل من الأديان الأخرى ما يشبه هذا المعنى وبذا يتم التفريق بين الناس بشتى أديانهم ومذاهبهم.


فتأمل قوله تعالى:

بل الإنسان على نفسه بصيرة (14) ولو ألقى معاذيره (القيامة:15)


قالمعاذير في الآية هي المسوغات والحجج التي يستعملها الإنسان فردا أو جماعات أو أمما لتبرير أفعاله.


يأخي العزيز عندما تكتب المجتمعات دستورها وتضع الأطر العامة الكبيرة التي تحدد هويتها وجوهر فكرها وعلاقتها بالمجتمعات الأخرى فإن عليها أولا استخدام مفردات ومعاني كلمات الدستور بطريقة لا لبس فيها ولا تأويل. بغير هذا فالمجتمع لا يجني من وراء دستوره المبهم إلا الخلافات والتخبط بين معاني كلمات الدستور.


وما يجري حاليا في دول الربيع العربي من خلافات حول كتابة الدستور دليل حي على ما نقول.


الآن، هل رواية "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وفي روايات أخرى "لا تجتمع أمتي على خطأ" واضحة المعاني والمفردات قوية بحيث تصلح أن تكون بما يشبه الدستور أو تعريف الفكر العام للمجتمعات؟


فهل تستطيع تعريف كلمة "الضلالة" أو كلمة "أمتي" في الرواية؟

هل الضلالة المقصودة هي الإلحاد، أم النفاق، أم الشركيات، أم الموبقات، أم الكبائر، أم المعاصي، أم حتى دون ذلك كترك السنن والمندوبات والعمل بالمكروهات؟


مثلا هل حلق اللحية وسماع الموسيقى من "الضلالات" المقصودة؟ فلو قلت نعم فهات الدليل. وإن قلت لا فعليك أن تثبت ما تقول للكثير من الناس.


وما هي الأمة هنا؟ هل هم أهل القبلة، أم فرقة أو مذهبا من المذاهب، أو مجموعة محددة من الناس؟ ولو كانت مجموعة من الناس فما هو أقل عدد مقبول لأفراد المجموعة؟ بمعني هل لو اجتمع 100 شخص من أمة الإسلام على الحق فهل يمثلون المجموعة المحقة؟
أما لو قلت إن المقصود هو الثلاثة القرون الأولى، فالسؤال إذن ألم تتفرق الأمة من ذلك الوقت؟


فإن لم يكن عندك جواب واضح من القرآن أو من السنة النبوية للسؤالين أعلاه فهل لنا أن نستخدم هذه الرواية ونجعلها مبررا وإثباتا لكل ما نقول ونفعل؟


فأطلب من حضرتك توضيح معنى كلمة "ضلالة" من منظورك. ولعلمك أخي فإن غيرك سيدخل "ترك السنن" في هذه الضلالة إذ أن ترك السنن تعمدا عند البعض يرقى لدرجة الكبائر، وكل له مبرارته وشيوخه "المتخصصين" الذين لن يعدموا الدلائل فالأسلاف كثير، وأرائهم أكثر بكثير.


أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (ن:38)



هذا من جهة. ومن جهة أخرى فهذه الرواية تخالف أحداديث متواترة بل الأهم والأدهى أنها تخالف سنة كونية خالدة:


ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (هود:119)



فلآية واضحة : خلقنا من أجل الاختلاف.


أما عن معارضة الرواية لأحاديث أخرى فأعرض لك حديثين نبويين هنا:


أولا:
أحاديث: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذوة بالقذوة، ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".


فالحديث واضح في بيان اتباعنا سنن وطرق الأمم الأخرى، وبالتحديد اليهود والنصارى. ونعلم يقينا أن الاختلاف والمذهبية كانت من أهم سيمات هذه الأمم ونحن على إثرهم لا محالة،فهل ستثتسني أمتنا من هذا الحديث؟ ألا تجد معارضة واضحة بين الروايتين؟

فلماذا تأخذ براويتك وتترك روايتي؟



ثانيا:
أحاديث: "تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً".


"لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي".


فالأحاديث واضحة بأن "أمتي ستفترق" وهو ما يعارض روايتك أيضا.


ومن هي هذه الفرقة الناجية برأيك؟ لا شك عندي أخي أنك ستقول "هي ما أنا وسلفي عليه"، لا شك عندي ... لا شك، فكل الأديان تقول ذلك.






يتبع ....



د نبيل أكبر 12-09-2012 07:36 PM



سابعا: عدم إدراك معنى "وأخر متشابهات" من الآية السابعة من آل عمران.



أخي الكريم. أكثرت من تكرارك القول بأن بالقرآن الكريم آيات محكمات وأخر متشابهات. ثم تقول أنك تتبع المفسرين الذين يفسرون القرآن بالقرآن.


فهل فسروا كلمة " ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ " من الآية السابعة من آل عمران:


هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابهاتٌ (آل عمران:7)


بالمعنى العام الشامل الذي يؤكد أن جميع آيات القرآن محكمة كما جاء في مطلع سورة هود:


الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)


فهل تجد تفسير القرآن بالقرآن هنا؟


أما أنا أخي الكريم فقد فعلت وأرجو (للمرة الثانية) منك أن تحاورني في هذا الموضوع الهام المنشور في هذا المنتدى، والذي تجده كذلك في موقعي:


http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-24-18-28-43




وأخيرا: إنَّ الكثير من الناس سيقول ما الداعي لتفسير آيات عقدية كان تفسيرها مسرحاً للاختلاف والقتال والتفرق بين المسلمين فيما مضى من القرون؟ فهناك مذاهبٌ كاملة تفرقت عن الصف الإسلامي نتيجة تفسير وفهم مثلا آيات الاستواء على العرش بطرقٍ مختلفةٍ. فما الداعي لإثارة الفتنة من جديد؟ وما الذي سيضيفه فهمٌ جديدٌ – مهما كان مقبولاً – للاستواء على العرش؟ فلم لا نقول كما قال الأسلاف "الاستواءُ معلومٌ والكيفُ مجهول والسؤالُ عنه بدعة!"؟


الجواب على هذه الأسئلة كما يلي. إنَّ الفتنة والاختلافَ بين الفرق والمذاهب إنَّما كان نتيجة الجهل والتخلف في فترات من تاريخ الأمة، والجهل لا ينبغي أن يكون أبداً سبباً لمزيد من التخلف والجهل والظلام. في الحقيقة، لو فهم التأويل الصحيح للاستواء على العرش - كما شرحته في مقال هنا - فلم يكن هناك من اختلاف وتفرق. فالجهل هو الذي يُنبتُ التفرقَ، فكيف نسكت عنه؟

إن الحق واحد واضح بَينٌ يجمع الناس ويوحدهم، والباطل كثير مختلف يفرق الناس ويشرذمهم.


هناك حلان لا ثالث لهما لهذه الأمة:


الأول: أن ننسى جميع ما يفرقنا من أمور الدين ونعود لكوننا بشر نعيش على أرض واحدة ونجعل التقيد بالدين من عدمه مسألة شخصية. في هذه الحالة سيقل الاختلاف والحروب والجفاء والإقصاء والتقتيل والتفجير والحقد والبغضاء فيما بيننا ونبدأ من جديد بتكوين مجتمعات مبنية على نظم مادية بحتة.


هذا فا فعلته أوربا بعدما خنقها الكهنة المتدينون بسلطتهم "الإلهية" فتقدمت وتطورت الشعوب بأنفسها بغير وصاية من أحد.


الثاني: أن نترك جميع ما يفرقنا إبتداء من الأسماء التي سمينا بها أنفسنا وما أنزل الله تعالى بها من سلطان (سني، صوفي، شيعي، ...)، وأن نترك جميع ما اختلف السلف فيه من تفسير القرآن الكريم لأن ذلك من أصل ما يفرقنا، نترك ونترك .... ، نترك كل ذلك ونعود لقرآننا ونعتصم به من جديد ونفهمه فهما "توحيديا" يجمعنا لا يفرقنا.



فإن لم نأخذ بالحل الثاني، فسنأخذ بالحل الأول، حل أهل الكتاب. وهذا ليس بغريب أو مستبعد. لأننا وكما في الحديث سنتبع سنن وطرق من كان قبلنا حذو القذوة بالقذوة، ولو دخلوا جحر ضب لدخلناه.


الحلان أحلاهما مر. وأجزم أننا سنأخذ بالحل الثاني وهو العودة للقرآن بعيدا عن كل ما يفرقنا و يقسمنا.



ونسأل الله الكريم أن يجعلنا ممن قال فيهم:


الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب (الزمر:18)





اللهم افتح علينا بالحق إنك أنت الفتاح العليم
وصلي وسلم على سيد الخلق والمرسلين
نبينا محمد المصطفى المبعوث الأمين


ناريمان الشريف 12-09-2012 11:06 PM

سلام الله على الحاضرين
أمضيت وقتاً هنا
واستمتعت وأفدت جداً
ولا يسعني أن أضيف جديداً
بارك الله فيكم .. نقاش رائع ومثمر


تحية ... ناريمان

محمد جاد الزغبي 12-11-2012 01:30 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الفاضل د. نبيل أكبر ..
كنت أتمنى فى الواقع لو أنك التزمت بالمنهج المحدد فى النقاش ــ والتى عرضته فى البداية ــ لأن تشعيب الحوار لا يخدم الموضوع ,
لهذا سأحاول بقدر طاقتى حصر نقاط النقاش مرة أخرى لا يتبلبل منا القارئ ..
واسمح لى ..
فقد بحثت فى كل هذا الإطناب والتطويل عن إجابات محددة لما طرحته عليكم من أسئلة , فلم أجد إجابة معينة تفيد على أى سؤال ..
بل فى الواقع رأيت عددا من التناقضات سأبينها فى موضعها إن شاء الله ..

أحب فقط أن ألفت نظركم إلى نقطتين هامتين أراك تصر عليهما رغم أنى أوضحتهما أكثر من ثلاث مرات حتى الآن ..
فإنى أراك تعيد الطرح والدفاع فى غير الموطن الذى طلبناه , وهاتان النقطتان هما :
أولا : أنك تصر على أنى أطالبك بالإلتزام بأقوال السلف فى التفسير !! , رغم أنى فى الردود السابقة أوضحت لك مرارا أننى لم أطلب ذلك بل طلبت منك الإلتزام بالقواعد العلمية بالتفسير ولك مخالفة تفاسير السلف قاطبة لو أنك امتلكت الدليل والبرهان الواضح على ما تقول ..
وضربت لك أمثل فى الرد السابق على استنباطات الشعراوى و تفسيرات الكبيسي والسامرائي ومكتشفات الزندانى وزغلول النجار
وكل هؤلاء خالفوا تفسيرات السلف فى آيات الإعجاز العلمى واللغوى , وقبلنا منهم هذه التفسيرات لأنها كانت مبنية على العلم والدليل والبرهان ..
ورغم أنى قلت هذا صراحة إلا أنك دافعت فى صفحتين كاملتين من ردك على إتهام أنا لم أوجهه لك أصلا , والتزام لم أطلبه منك .. وإنما طلبت منك إلتزام المنهج العلمى بالتفسير وليس الإعتماد على الرأى المجرد .. ولم أطلب منك الإلتزام بآحاد المفسرين بل بالسنة المنقولة عن النبي عليه السلام وعن الصحابة , فهذه هى التى لا ينبغي مخالفتها ..

ثانيا : كل ما دافعت به فى ردك الأخير عن حرية استخدام العقل فى استنباط التفسيرات الجديدة , كان دفاعا بغير قضية , لأنى وكما أكرر دائما لم أنف ولم أحجب التفكر فى آيات الله !
وكيف أمنعها ونحن مأمورون بها , وإنما كان المنع كما أسلفت مرارا هو الإعتماد على الرأى فى المطلق , أو القول بتفسير جديد فى شأن آية محكمة قطعية الدلالة ورد تفسيرها بالسنة أو أقوال الصحابة الموقوفة التى تعامل معاملة المرفوع أو إجماع أهل التفسير بالأثر ..
وهذا ما يقرره كافة علماء التفسير .. كقاعدة علمية ثابتة ..
فتأتى أنت وبدلا من أن تدافع عن وجهة نظرك فى إلتزام المنهج العقلي المجرد من أى إثبات علمى , تأتى لتدافع عن حرية الإجتهاد فى تفسير القرآن الكريم !!
وهذاما منعناه ولا تكلمنا فيه ..

وهناك ملحوظة لاحظتها فى ردودك الأخيرة أتمنى أن تترفع عنها .. لأنها من مناهج أصحاب البدع وأنا أربأ بك متابعتهم فى ذلك ..
إذا لاحظت أن تكثر من القول والطعن فى علمائنا السابقين , وفى ردك الأخير أوردت ما رأيته وأردت أن يراه القارئ على أنها مآخذ تنتقص من مقدار هؤلاء العلماء , فاعلم ــ إن لم تكن تعلم ـــ أننا لو طعنا فى جهود علماء الأمة فى التفسير والحديث والفقه وعلوم اللغة لما بقيت لنا حضارة أصلا , فهؤلاء هم مصدرها ..
أما تعمدك تتبع السقطات لهؤلاء العلماء للتدليل على وجهة نظرك فهذا كما قلت لك لا ينتهجه واحد من أهل السنة , كما أنه ليس من الضرورى لإثبات وجهة نظرك أن تنتقص أقدار السابقين , فالعلماء متتابعون فى ركب الحضارة يضيف بعضهم إلى إنجاز بعض , ويعرفون الفضل فيما بينهم ..

نأتى الآن للنقاط الجديدة التى أوردتها فى ردك الأخير ..

اقتباس:

فلو قال كل منا "بعصمة رأيه" المبني على "عصمة سلفه هو" لصعب إيجاد فريق واحد يتفق حتى في المواضيع "العقدية" ذلك أن الأسلاف كثير والآراء في أي مسألة كثيرة بحيث يجد فيها كل منا ما تهوى نفسه فيتشبث برأيه متعللا بنفس منطقك أن أسلافه لا ينازعون وأن الأمة لا تجتمع على باطل، وكل هذا ما هو إلا كلام عائم لا يستند إلى دليل قرآني أو إلى حديث موثق ولا إلى الواقع المرير الذي تعيشه الأمة هذه الأيام، وهو واقع بطبيعة الحال لم ينزل عليها من السماء، بل كل منا ورثه من سلفه

مقالتك بأننى أقدس الأسلاف أو أقول بعصمتهم , هى مقولة من لم يطالع ردودى السابقة أخى الكريم !!
فلو أنك طالعتها لوجدتنى أحفظ لعلماء السلف قدرهم وفى نفس الوقت لا أقول بعصمتهم بدليل أننى ضربت من الأمثلة ما يكفي على خطأ بعض تفسيراتهم فى القرآن الكريم والتى خالفها بعض علمائنا المعاصرين وكان الصواب إلى جانب المعاصرين لا القدامى ..
وأشهر هذه الأمثلة هى تفسيرات آيات الإعجاز العلمى بالعلم الكسبي المعاصر الذى كان يفتقده السلف ..
فمن أين أتيت بأنى أقول بعصمة السلف ؟!!
هذه واحدة ..
الثانية أننى عندما طالبتك بالدليل من أقوال السلف على ما تقول , فهذا ليس راجعا إلى أنى ألزمك بقول السلف فى المطلق ..
بل يعود إلى أنك تعرضت لآيات محكمة قطعية الدلالة لا يجوز فيها الإجتهاد إما لورود تفسيرها بالقرآن الكريم نفسه أو بالسنة أو بأقوال الصحابة ,
وأنت تخالف ذلك وتزعم أن كافة آيات القرآن مفتوحة للتفسير ــ وفق ما هو ظاهر من قولك ــ وهذا يخالف أبسط منطق لأن أقسام السنة النبوية منها سنة مفسرة للقرآن ومفصلة لإجماله , وبالتالى فقول السنة النبوية المشرفة هو المعتمد ولا مال هناك إطلاقا لأى تفسيرات أخرى ..

ثم تقول ..
اقتباس:

وهذا ما يؤدي آخر المطاف إلى الإقصاء والتكفير والسيادية والدموية، الداء الذي ينزف جسد الأمة هذه الأيام . فالشباب الذين "يستمعون" إلى شيخ تكفيري واحد يجلس خلف مذياعه يكفر ويخطئ كل من خالفه، هؤلاء الشباب يجدون الأسباب والشرعية لما يقومون به، والسبب هو أنهم لا يتحملون فكرا آخر، فإما معي وسلفي وإما عدو مبين حق عليه العذاب المهين

ولست أدرى فى الواقع ما هى علاقة موضوعنا بأصحاب المنهج التكفيري أو المتشدد ؟!
أليس هذا إقحاما غير مناسب فى الموضوع وترهيب لمحاورك فى الرد عليك ؟!
وهل يعنى التصدى للتكفير أن ندع كتاب الله تعالى لكل من قال فيه برأى دون رد ؟!

ثم تقول :
اقتباس:

والدليل والبرهان في جميع كلامي هو: العقل السليم (إذ بدونه لن نختلف نحن عن الكائنات الحية من حولنا)، والاستدلال بالقرآن الكريم ثم بالأحاديث النبوية الموثقة.

وهذه أول التناقضات !!
تقول إن المنهج السليم هو العقل ثم الإستدلال بالقرآن والسنة النبوية المطهرة الموثقة !!
عجبا !
لو كان هذا منهجكم أيها الأخ الفاضل لما كان بيننا أى خلاف من أى نوع , لأنى ــ على خلاف ما قلت أنت ــ لم أطالبك برأى السلف وحده قط ,
بل طالبتك بالقرآن والسنة الثابتة ,
فلو كان القرآن الكريم وتفسيره الظاهر القطعى الدلالة من منهجك فمن أين أتيت بالله عليك بأقوالك العجيبة فى آية الشك ؟!
ألم تقل هناك أن المقصود بالطيور هى مجموعة من الطيور رباها إبراهيم عليه السلام ثم تآلفت معه , ثم خرجت بعيدا عنه وناداها فأتت إليه !!
وهذا كما يلاحظه أى قارئ للآية الكريمة يخالف ظاهر منطوق الآية مخالفة صريحة وواضحة , فضلا على أنه لا يمل أدنى معجزة فى ذاته ...
وتقول إن السنة النبوة الموثقة من منهجك ..
فكيف تكون السنة من منهجك وأنت تنكر أن فى القرآن متشابه غير قابل للتفسير ومحكم قابل للتفسير وهذا ظاهر القرآن وسياقه ,
كما تقول بعدم وجود النسخ !!
وهذا كله ثابت بالسنة النبوية الصحيحة المتواترة !!
وأكرر هذا ثابت بالتواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام فأين هو إلتزامك بالسنة !

ثم أتيت توضح ما أطلقت عليه أننى أتهمك به وهو ليس اتهاما أخى الفاضل , بل هو تقرير للكلام الذى تحدثت به , وتسميته بالإتهامات يخرج به إلى نطاق شخصي أفضل أن نبتعد عنه ..
أولا : قلت فى دفاعك أنك تلتزم بتفسير القرآن للقرآن , والواقع أننى لم أجد جديدا فى دفاعك عن تفسيرك لآية شك إبراهيم , لأننى سبق أن بينت لك وللقارئ الكريم مخالفة ما قلته وجئت به لصريح منطوق الآية ..
والغريب أنك تدلل على أنك تفسر القرآن بالقرآن ثم تأتى بمثال آية شك إبراهيم !
فمن أين وجدت هذا التفسير الذى ذهبت إليه بين آيات القرآن على أن الطير المقصود لم يُــقطّع ولم يدعه إبراهيم على رءوس الجبال بل هى طيور رباها إبراهيم عليه السلام وتآلفت معه وأن ما حدث لم يكن فيه إحياء للطيور المذبوحة والتى لم تُذبح أصلا ..
فمن أين لك بمعرفة هذا من غير بيان من القرآن نفسه ولا من السنة ؟!

محمد جاد الزغبي 12-11-2012 01:36 AM

ثانيا ..
تقول فى دفاعك عن نقطة أنك لم تلتزم بالضوابط العلمية فى التفسير ..
اقتباس:

أخبرتك أخي من قبل أنني أرجو ألا أكون ممن قال تعالى فيهم: { وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون{الأنعام:26}
أي من الذين ينهون الناس عن البحث في القرآن بأي شكل من أشكاله، وفي نفس الوقت هم لا يجرؤون وينئون عن ذلك بأنفسهم، فهم يهلكون أنفسهم وما يشعرون.

ولست أدرى ما حاجتك إلا اتهامنا باتهامات بلا دليل واحد من قولى !
هل رأيت فى كلامى منعا لك أو لغيرك من التدبر بالقرآن ؟!,
وهل فى قولى أنه يجب علينا عدم الإعتماد على الرأى المطلق فى القرآن التزاما بأوامر النبي عليه الصلاة والسلام , هل هذا تسميه منعا لك من التدبر بالقرآن
هل قولنا أنه يجب على من تصدى لتفسير القرآن أن يحيط بمبادئ اللغة العربية وقواعدها وبالحديث الشريف فى جانب التفسير وبالتفسيرات الواردة عن الصحبة وبعلم الناسخ والمنسوخ وبأسباب النزول , إلى آخر هذه المبادئ الضرورية , هل ترى فى هذا منعا لك من التدبر ..
أنت للأسف لم تجب على السؤال مباشرة وذهبت للمرة الثانية أو الثالثة إلى أنى أمنعك أو أنادى بمنع الناس من القرآن ؟!
فلماذا لا تجيبنا على نقطة البحث مباشرة , وهى ضرورة الإحاطة ببعض مبادئ العلوم قبل التصدى لتفسير القرآن كما هو موجود فى قواعد أى علم من أو نوع ؟!
ثم تقول :
اقتباس:

أخي الكريم عرفت عظمته تعالى من كتاب الخلق المبين وعرفت قلة قيمتي أمامه تعالى فكيف لي أن أضع قيودا وضوابطا على كلامه العزيز المجيد؟ لا بل وأفرض هذه القيود على الناس؟ من أنا؟

هل نفهم من ذلك أنك تنادى بأن يتصدى لتفسير القرآن كل أحد هكذا دون أى ضوابط ؟!
وأنه لا لزوم إطلاقا لأى قواعد يجب الإلتزام بها أو أى علوم يجب على المرء الإغتراف منها حتى يصدى للتفسير ؟!
ثم رأيتك تقسم القواعد والضوابط تقسيمات ما قال بها أحد من العلماء , لأن الضوابط المعروفة هى ما سبق أن كررناه مرارا وهى تخص وجوب الإحاطة باللغة وبعلوم التفسير حتى يمكن للمرء الإدلاء بدلوه فى هذا المجال ..
ثم تقول أنى أنا الذى يفرض قيودا على الناس ؟!
فهل المنهج العلمى والإلتزام به من وجهة نظرك هى قيود يجب تلافيها ؟!
وهل يجوز أن نخضع تفسير كتاب الله لكل الناس بغض النظر عن ضحالة معرفتهم حتى بالقواعد الكلية لعلوم التفسير ليخرجوا علينا بتأويلات تخالف ظاهر القرىن وتنكر أساسيات من التفسير بمجرد الرأى ؟!
ثم أتيت لى بنماذج على أخطاء بعض المفسرين !!
فما الذى يهمنا من ذلك أو يفيدك فى إثبات وجهة نظرك ؟!
أنا ما قلت أنهم معصومون ثم أتيت أنت هنا بتلك الأمثلة لتلزمنى بأننى أقول ذلك ؟!
لا أيها الأخ الفاضل كل البشر خطاءون , وأخطاء المفسرين موجودة كما هى أخطاء علماء كل العلوم , ولكنها أخطاء أتت من علماء أحاطوا علما بكل علوم التفسير , ورغم ذلك أفلتت منهم هنات , فكيف تدعو بعد ذلك لأن يتصدى للتفسير من لا يفقه شيئا فى تلك العلوم ؟!

اقتباس:

نعم، يجبُ إعطاءُ الصحابةِ الكرام ومن تلاهم من الأخيار فضلَهم لصحبتِهم وقربِهم من سيِّدِ الخلق، ليس إلَّا. فَدِينُ الله تبارك وتعالى نورٌ له فضل على الناسِ ولا فضل لأحد على دِين الله، لا في نَشرِه ولا في حفظه ولا في تطبيق شرائعه، فَكَفى متاجرة بالدين!

عجبا !
وتقول أنك تعمل بالسنة أيها الأخ الفاضل ..
وتسمى تقديرنا للصحابة والسلف على أنه متاجرة بالدين ؟!
وتقول أن الفضل فى الصحبة والقرب من النبي عليه عليه الصلاة والسلام فقط وليس فى العلم ولا فى حفظ الدين وعلومه ولا شرائعه ؟!
هذا يخالف أول ما يخالف القرآن الكريم أيها الأخ الفاضل ..
فقد امتدح الله عز وجل الصحابة فى علمهم وفقههم وفى فضلهم ونشرهم للدين والشريعة فى عشرات الآيات , بل حفزنا وسمانا مؤمنين بشرط أن نؤمن بمثل ما آمنوا هم ..
يقول تعالى :
[فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ] {البقرة:137}
وقولك يخالف السنة النبوية أيضا ,
فالنبي عليه الصلاة والسلام زكى الصحابة ــ ليس لفضل الصحبة فقط ــ بل لفضل العلم وحفظ الشرع ونشر الدين .. وقال فيما معناه ..
( فلو أنفق أحدكم ملئ أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )
وقال فى تزكية الأجيال الثلاث الأولى :
( خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )
وامتدح علمهم بالقرآن الكريم بالذات , فقال عن معاذ بن جبل أنه إمام العلماء يوم القيامة , وكان عبد الله بن عباس حبر الأمة فى زمانه وأعلم الصحابة بالتفسير , وعلى ابن أبي طالب كان يعلم من آيات القرآن الكريم ما دفعه لأن يقول للناس ( سلونى عن كتاب الله ما شئتم )
وكما قلتها وأكررها ..
ليس معنى أن ننادى بأنه لا عصمة لأحد بعد النبي عليه السلام , ليس معناه إنكار فضل السابقين , وحديثك عن أن أحدا ليس له فضل فى دين الله يحتاج منك مراجعة لأن الفضل فى نشر هذا الدين ليس معناه المن به , فهم لم يمنوا بل بذلوا أرواحهم وأنفسهم فى سبيل نشر الدين فى كافة أصقاع الأرض فكان فضلهم من الله ..
وهو الذى أمرنا عز وجل وأمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن نلتمس خطاهم بالأحاديث الثابتة الصحيحة وأن نقتدى بهداهم .. لا أن نسقطهم ونسفّه تلك الأجيال التى لولاها لما كان من بعدهم مسلمين فى جوانب الأرض كلها ..

اقتباس:

وإعطاء الفَضل لمن قرُب من سيِّدنا محمد لا يستوجب إعطائه العلم إلا أن يكون قولا وعلماً موثقاً لسيِّدنا رسول الله أو حجَّةً راجحة. أما التمجيد بعمومه وإعطاء الفضل في كل شيء للسلف، فإنَّه يفَرق الناس، ويُكرِسُّ العنصريةَ، ويعمي البصائر، ويجمد العقول، ويقتل الطموح، وهذا حال الأمة ...

بغض النظر طبعا عن أنك خالفت السنة نفسها فى تفسيراتك ..
إلا أنك أوضحت فى قولك أن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم لا تلزمك إلا إذا كانت فى التحديث عن النبي عليه السلام !
فهل يا ترى بهذا المعنى علينا أن نطرح جانبا تفسيرات عبد الله بن عباس وعلى بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب وغيرهم ممن لهم جل التفاسير المأثورة ,
نطرح هؤلاء الذين تربوا بالقرآن ومع القرآن ونزل فيهم الوحى , لنأخذ ممن ؟!
لنأخذ كما تقول من معين العقل والتفسير بلا منهج !
أنا فى الواقع لا تعليق لى على هذا وأتركه للقارئ وحده ..
هذا أمر ..
الأمر الثانى أنك أكثرت فى وصف مساوئ المنهج السنى فى التفسير وأنه سبب ضياع الأمة رغم أن الأمة لم تضع إلا فى عصرنا الحاضر , وعندما كانت تلتزم بنهج السنة ونهج الصحابة كانت الأمة فى أعلى عليين فى كافة المجالات وكانت دولة الإسلام أعلى دولة فى العالم ..
وللمفارقة لم يبدأ انهيار الأمة إلا بعد ظهور بدع المنهج العقلي والفلسفي ..

ثم تقول :
اقتباس:

فهل تجد في جميع التفاسير أيا من هذه الأسئلة المهمة؟ فضلا عن الجواب عليها؟

ومن قال أن التفاسير المأثورة عن السلف قد حوت واحتوت كافة آيات القرآن ؟!
ألم أقل لك أنك تدافع فى غير القضايا والأسئلة التى نثيرها ؟!
وأجدنى مرغما على تكرار أن القرآن الكريم مفتوح للإجتهاد إلى يوم القيامة وقد أوردت لك حديث النبي عليه السلام فى ذلك .. حيث قال أنه لا يشبع منه العلماء ..
وضربت لك أمثلة العلماء المعاصرين الذين استنبطوا تفسيرات لآيات أخطأ فيها مفسروا السلف أو لم يتعرضوا لها أصلا ..
ومع ذلك فقد أرهقت نفسك فى إثبات أمر مسلم به أصلا وهو أن كتب السلف لا تحتوى كافة التفسيرات بالطبع..
ثم تقول ساخرا من بعض تفسيرات القدماء ..
اقتباس:

ولكن للأسفِ الشديدِ فبدلاً من البحث عن الحِكِم البالغةِ في القصص، استنفذَ الناس طاقاتَهُم في أخبار لا طائِلَ منها ولا جدوى ولا دليل. فهل" اسم النملة "طافية" أو مُنذِرة أو "خومي" أو "لافية" يفتح لنا بابا من أبواب العلم والتقدم مثلا!

وقولك هذا قول إما أنه صادر عما لم يطالع أى تفسير من التفسيرات المعتمدة , أو أنك طالعته وتخفي ما رأيت ..
لأنه لنا عدة ملحوظات على كلامك ..
أولها : أن التفسيرات المأثورة لأهل السنة هى التى يجب الإهتمام بها أما التفسيرات المبتدعة فلا , وفى تفاسير أهل السنة نجد أنهم قد أفاضوا فى شرح الحكم المستنبطة من القصص القرآنى حتى أن بعض العلماء كابن كثير أفرد لقصص القرآن وقصص الأنبياء مؤلفات مستقلة ..
ثانيها : توحى للقارئ بقولك هذا أن تفاسير أهل السنة لم تحتو على الأشياء المهمة واستنفذت أغراضها فى أمور غير مهمة , ولعمرى هذا افتراء رهيب ما كان أبعدك عنه !
فتلك التفاسير أيها الأخ الفاضل هى التى أسست لكل علوم القرآن والفقه وأطنبت وشرحت ولم تدع آية من آيات الأحكام إلا بينتها , أما فى آيات القصص والعبر فقد نقلوا فيها كل ما يحيط بها من الأشياء المهمة والتفاصيل غير المهمة أيضا ,
أى أنهم اهتموا بالأصول كما اهتموا بالتفاصيل بعكس ما توحى للقارئ أنهم صرفوا الجهد فى تعقب اسم نملة سليمان !!
ثالثها : من الغريب أنك تستنكر وتسأل عما يفيدنا معرفة اسم النملة بينما أنت نفسك انتهجت نفس النهج عندما ألفت تفسيرا عبارة عن قصة خيالية لآية شك إبراهيم ,
والسؤال الذى نسأله لك بالمقابل ,
ما هو باب العلم والفقه الكبير الذى سيفتحه علينا مثل تفسيرك هذا ؟!
وما هو التقدم الذى ستجنيه الأمة لو آمنت بقولك أن آية شك إبراهيم لم يكن بها فيها معجزة إحياء الموتى ؟!
اقتباس:

هل تصدق أخي الكريم أن الله تعالى يقول "أربعة من الطير" ثم يأتي إنسان مفسر ((لا ينازعه أحد)) ليقول ربما "سبعة من الطير" ؟؟؟ وتنقل هذه الجراءة عبر القرون ثم لا ينقدها أحد؟؟؟
لا أدري إن كان هذا الرأي يحقق "ضوابطك" للتفسير؟
فهل يحقق هذا الرأي ضابط الأدب مع كلامه تعالى وعدم المزايدة عليه؟
هل تجد في هذا القول "تكذيب أو تشكيك" في كلامه عز وجل؟
أم هل يحقق ضابط اللغة بمعنى أن العدد " أربعة" قد يعني العدد "سبعة" في حالة كون المعدود طيرا؟
أرجو منك الإجابة والدفاع عن رأي "السبعة" طيور.
وإن كنت لا تتفق معه، فهل لي أن أسأل لماذا لم ترد عليه من قبل؟ أم لأن الرجل من السلف؟

أمر غريب للغاية يا دكتور ؟!
ولماذا أدافع عن رأى جاهل خالف النص القرآنى ؟!
أنت هنا تعود لنفس النغمة التى تلزمنى بها أنى أنادى بعصمة أقوال السلف ؟!
وهذا عجيب وغريب للغاية , ليس فقط لأنى لم أقل هذا قط , بل لأن السلف أنفسهم اختلفوا فى التفسير فى الآيات الغير المجمع على تفسيرها واجتهدوا عبر العصور , وخالفهم فى اجتهادهم الكثيرون من معاصريهم ومن معاصرينا أيضا ..
أما قولك أننى لماذا لم أرد عليه من قبل ؟!!
فهذا أعجب مما قبله !
فمن هو الذى قال بهذا الرأى , ؟! وماذا يمثل ؟!
وحتى لو كان عالما معتمدا ومعتبرا من أهل السنة , فهل ترانى ملزما بالرد على مخطئ فى التفاسير عبر العصور ؟!
هل يقول بهذا عاقل يا دكتور ؟!
إن المرء يرد ويستنكر ما يقف عليه من الأقوال , وليس بالضرورة أننى إذا رددت عليك أقوالك لمخالفتها القرآن والسنة أن أرد قبل ذلك على كل من أخطأ عبر العصور ؟!


محمد جاد الزغبي 12-11-2012 01:45 AM

ثم تقول :
اقتباس:

كنت أخي في مداخلة سابقة أسميتني نجما من نجوم علوم الأرض، فلك الشكر والتقدير. لكن هل لي بسؤال:
كيف عرفت أني ذلك بينما لم تقرأ لي بحثا متخصصا؟
ترى هل للشهادة دور في تقييمك لي؟
لو كان كذلك فكيف عرفت أنني لم أزور شهادتي؟ أو أن شخصا آخر كتبها لي؟ أو أنني تخرجت ولم أدرك من مواد التخصص شيئا؟ أو أنني نسيت كل ما درست؟ أو ... أو ...؟

يا سبحان الله !
ما الفائدة من هذا الجدل وهذه المماحكة اللفظية أيها الأخ الكريم ؟!
لقد قلت لك أنك متخصص وعالم فى مجال تخصصك الذى حصلت فيه على الدكتوراه وفق تعريفك الذى عرفت به نفسك ..
فهل ترانى كنت مخطئا أننى لم أفترض أنك تكذب فى قولك هذا ؟!
لقد رأيت سيرتك الذاتية وافترضت الصدق فأين الغريب فى هذا الأمر ؟!
وحتى لو لم تكن كذلك فأنا لست خبيرا ولا ملما بعلوم الأرض حتى يمكننى تقييم كلامك عن نفسك فى هذا العلم ..
إنما أمتلك التقييم فى مجال القرآن والسنة وفق ما أعرف ودرست فيهما , ولهذا كان نقاشي لك فى هذا الموضوع وحده ..

اقتباس:

يأخي الكريم صحيح أن تخصصي هو في علوم الطبيعة ولكن ذلك لا يعني أنني جاهل في أمور ديني وفكري فلقد أمضيت في دراسة كتب الفسير "وضوابطه" وكتب الحديث والسيرة ومخالطة المتخصصين أضعاف ما أمضيت في دراسة مواد تخصصي.
وهل من درس أمهات كتب التفسير وضوابطه وعمل بها .. يمكن أن يقول بمثل أقوالك فى القرآن الكريم ..
أين هذه الضوابط من صرفك ألفاظ القرآن عن مدلولها الصريح بلا قرينة صارفة ؟!
وأين هذه الضوابط من مخالفتك لأحاديث صحيحة فى التفسير ؟!
وأين هذه الضوابط من قولك بعدم وجود النسخ فى القرآن , مخالفا بذلك نص القرآن ونص السنة المفسرة له أيضا ؟!
العبرة ليس بما تقوله عن نفسك , فلو أنك أعلم أهل الأرض بالتفسير وجئت بأقوالك هذى لرددناها عليك دون أى تردد ..
فأقوال العلماء يستدل لها ولا يستدل بها أخى الفاضل ..

وقلت :
اقتباس:

فقد اتهمتني بالجهل في اللغة العربية بحجة أقل ما يقال عنها أنها غريبة لا أساس لها إذ قلت حضرتك أنني مخطئ (في ستين مقالا) لأنني لا أعرف الفرق بين الاستعمال الحرفي والمجازي للكلمات وبذا فإني ضعيف في اللغة لأن الأصل في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي من منظورك يعتمد على "العلم باللغة".
وهذا كلام أبعد ما يكون عن الصواب أخي العزيز إذ إن التمييز بين الاستخدام الحرفي والمجازي لا يعتمد على اللغة من قريب أو بعيد، بل يعتمد على "العقل" والسياق فقط.

هذه قاعدة لغوية جديدة ننتظر أن نعرف منك مصدرها ..
بالإضافة إلى أنها مغالطة بالطبع ..
فالإستخدام الحرفي والمجازى عندما قلت أنه يظهر بالسياق , كلامنا عن السياق نفسه هو ما سميته أنت بتحكيم العقل فى مثالك هنا :
اقتباس:

فلو كنت جالسا في مقهى ودخل رجل شجاع أعرفه فقلت : جاء الأسد. فهل يفهم من كلامي أن أسدا من الغابة دخل المقهى؟
طبعا العاقل سيفهم مباشرة أن إنسانا بصفات الأسد قد جاء. أما الغير عاقل فقد لا يفهم إلا أن أسدا حقيقيا قد جاء.

فالسياق معناه معرفة الظروف التى قيلت فيها العبارات ..
أما قولك أننا لا نعرفها بالسياق بل نعرفها بالعقل فذا يدل على أنك لا تعلم المقصود من كلمة ( سياق ) ..
والدليل على هذا أنك إن طالعت أى كتاب للبلاغة لن تجد فيه العقل مصدرا من مصادر التفرقة بين المجاز والحقيقة ..
وتقول :

اقتباس:

رابعا: إدعائك بأنني أعتمد "الرأي" في التأويل
كثيرا ما يقال عني أني أقول في القرآن بعقلي أو برأي. فأتعجب. فعلا أتعجب.
أفلا تتعجب أخي لو اجتمع الناس عليك وقالوا: فلان يمشي على قدميه!؟ فإن لم تمش على قدميك فعلام تمشي إذاً؟
فعندما أقول "برأي" فذلك معناه أنني أقول بعقلي وقلبي. الآن، كيف يمكن تفسير القرآن، أو أي شيء آخر، من دون عقل؟ هل المصحف وكتب السنة النبوية مع معاجم اللغة العربية قادرة على العمل بشكل تلقائي لتفسير القرآن؟

هذه مغالطة أخرى إلى جانب العديد من المغالطات الواردة فى ردك للأسف ..
فهل عندما نقول لك أنك تعمل بالرأى المجرد , أو التفسير بالعقل المجرد نعنى أننا ننكر عليك العمل بالعقل أصلا ؟!!
أين بالله عليك وجدتنى أقول هذا ؟!!
العمل بالعقل المجرد كما هو ظاهر قولنا هو العمل بغير دليل أو مستند علمى فى مجال أى علم كان ..
فاستخدام العقل الإستخدام الصحيح إنما يكون باستخدامه كوسيلة فى الإحاطة بمبادئ العلوم قبل التصدى لها ..
كما قلت أنت بنفسك وشهدت على نفسك أن المصحف والسنة وكتب اللغة لن تعمل وحدها ..
بالضبط نحن نتفق معك ولم نقل لك أن تترك الكتب تعمل وحدها , هدانا الله وإياك ..
إنما قلنا استخدم هذه الكتب فى تحصيل مبادئ العلوم ثم أقم منها الدليل على ما تأتى به من تفسير ..

وفى الواقع أنك أطنبت كثيرا جدا فى حرف الموضوع عن مساره ومناقش نقطة البحث بشكل مغلوط يبدو للقارئ كما لو أنى أنكرت عليك استخدام عقلك أو أجبرتك على استخدام التفاسير القديمة !!
وأعتقد أنه أسلوب غير مناسب للدفاع عن وجهة نظرك ..
ووجهة نظرك تستطيع إثباتها بطريق واحد فقط أن تقيم الدليل على ما أتيت به من تفسيرات ..

محمد جاد الزغبي 12-11-2012 01:49 AM

اقتباس:

أما قولك أن هناك مواضيع في القرآن لا ينبغي أن تمس (كموضوع "العقيدة" مثلا) فلا أجد له دليلا من القرآن ولا من السنة وليس لبشر من طين أن يحدد ما هو مسموح مما هو ممنوع بلا دليل قرآني واضح لسبب بسيط وهو أن الناس لن تتفق أبدا على شيء واحد في أي أمر وشأن، وبالتالي ليس بإمكان أي إنسان أن يقرر أمرا عظيما كهذا إلا أن يفرضه "فرضا" على العقول كما هو الحال الآن. ولا ينبغي فرض أي أمر كان على عقول الناس، فكما تعلم فلا إكراه في الدين.


تقول أنك لم تعثر على دليل يمنع الخوض فى حديث العقائد ؟!
فماذا عن قول النبي عليه الصلاة والسلام ( تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى ذات الله فتهلكوا )
وماذا عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب عندما وجد في يده صحيفة من التوراة تتعرض لهذه الأمور فنهاه أشد النهى وقال ( أمتهوكون فيها ابن الخطاب )
وماذا عن إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على عدم الخوض فى تفسير آيات المتشابه وآيات صفات الله عز وجل ؟!
ثم تقول :
اقتباس:

فأرجو بعملي أن أكون متبعا للسنة النبوية، ولا أجد نفسي مخالفا لحديث موثق واحد. وخلافي مع البعض ليس مع القرآن الكريم أو السنة النبوية العطرة وأعوذ به تعالى من ذلك، إنما هو في فهم القرآن والسنة النبوية واستخلاص الدروس والعبر منهما.


تقول أنك تتبع السنة ولا تخالف حديثا موثقا واحدا ..
فما رأيك بحديث النبي عليه الصلاة والسلام ( من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ )
وماذا عن إنكارك النسخ وهو ثابت بالسنة المتواترة ؟!
وماذا عن حديث النهى عن الخوض فى أمور العقيدة ؟!
وماذا عن الحديث الذى أورده ابن كثير فى تفسير آية المتشابه والمحكم , والتى تنكر أنت أن فى القرآن محكما ومتشابها ؟!
ثم جئت باستنكار لحديث ( لا تجتمع أمتى على ضلالة )
رغم أن الحديث ثابت عند علماء الحديث سندا ومتنا ..
فهل أنت من أصحاب إخضاع السنة الثابتة لتعارضات العقل وحده على منهج المعتزلة والقرآنيين ؟!
واعتراضاتك على الحديث لا تقدح فى صحته البتة , لأنك اعتمدت على أحاديث اختلاف الأمة وعلى آيات القرآن التى تجزم بوقوع الإختلاف ..
ونقول أنه لا يوجد أى تعارض ..
لأن الإجتماع المقصود إنما المقصود به الفرقة الناجية وهى أهل السنة التى وردت فى حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
( فإن من يعش بعدى فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى ... )
وبالتالى فإن الفرق البدعية واختلافها ليس داخلا هنا فى إجماع الأمة ,
إنما الداخل فيه هم العاملون بالكتاب والسنة الصحيحة معا ..
ولا توجد أمة من المسلمين أو فرقة تعمل بالسنة المنقولة بالإسناد الصحيح إلا أهل السنة فقط وخالفتهم سائر الفرق البدعية الأخرى ..

اقتباس:

سابعا: عدم إدراك معنى "وأخر متشابهات" من الآية السابعة من آل عمران.
أخي الكريم. أكثرت من تكرارك القول بأن بالقرآن الكريم آيات محكمات وأخر متشابهات. ثم تقول أنك تتبع المفسرين الذين يفسرون القرآن بالقرآن.
فهل فسروا كلمة " ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ " من الآية السابعة من آل عمران:
هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابهاتٌ (آل عمران:7)
بالمعنى العام الشامل الذي يؤكد أن جميع آيات القرآن محكمة كما جاء في مطلع سورة هود:
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)
فهل تجد تفسير القرآن بالقرآن هنا؟


ورغم أننى رددت عليك فى هذه النقطة إلا أنى سأعيد الرد ..
فالمقصود من المحكم كما بين المفسرون معنيان , المحكم نظما وهى الواردة فى آية سورة فصلت , والمحكم من ناحية المعنى وهو الوارد فى سورة آية آل عمران ..
فالقرآن من حيث النظم والترتيب محكم كله ,
ومن ناحية المعنى فيه المحكم وفيه المتشابه ..
وهناك نقطة خطيرة لم تلتفت إليها أيها الأخ الفاضل ..
أن القرآن الكريم تحدث صراحة عن وجود آيت متشابهة لا يتبعها أو يرغب فى تفسيرها إلا أهل الضلال والزيغ ,,
فلو أننا أخذنا بقولك فى عدم وجود متشابه؟!
لان عليك أن توضح لنا هذا التضارب بين الآيتين ؟!

وفى النهاية ألخص محور القاش الرئيسي مرة أخرى من مشاركتى السابقة ,
وأكتفي بهذا الرد على كل التفريعات التى خرجت بها من الموضوع ,فإذا كانت لديك إضافة على النقاط الرئيسية التى سأوردها فتفضل بها أما إن كان ما لديك هو تفريعات أخرى فأفضل أن نترك الحكم هنا للقارئ فيما سبق منعا لتكرار نفس الردود فى كل مرة ..

أولا :هل تنادى بالفعل بأنه ليس هناك قواعد أو مبادئ ينبغي للمرء أن يكتسبها لكىي خوض فى تفسير القرآن وأهمها العلم بالسنة المفسرة والعلم باللغة العربية وآدابها وقواعدها , والعلم بالتفسير المأثور عن الصحابة , والعلم بإجماعات المفسرين فى الآيات المحكمة قطعية الدلالة ؟!
وأنت تصديت للقرآن بالرأى الشخصي بلا أى مستند حتى من اللغة العربية , فمثلا فى تفسيرك لآية شك إبراهيم عليه السلام , صرفت الفعل عن معناه الحقيقي إلى معنى مجازى دون وجود قرينة صارفة كما تقول قواعد اللغة العربية فى معالجة المجاز والصريح ..
ولكى لا تعود فتتهمنى بأنى أمنع الإجتهاد فى تفسير القرآن فقد سبق أن أوضحت وها أنذا أكرر ..
أننى لا أقول بذلك ولا يمكن أن أقول به , لأن التدبر فى القرآن مفتوح إلى يوم القيامة بشروطه التى حددها أهل العلم والإختصاص , وباتباع الدليل فى التفسير لا مجرد الرأى الذى نهى عنه النبي عليه السلام ..
والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن القول فى القرآن بالرأى المجرد نهيا صريحا فى حديث :
( من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ) وفى رواية ( فليتبوأ مقعده من النار )
هذا فضلا عن النهى الوارد عن الصحابة فى ذات الشأن ..
وأنت تدعو لنفس هذا الأمر حيث الإجتهاد بالعقل المفتوح بغض النظر عن الإلتزام بالقواعد العلمية الصحيحة أو اشتراط إقامة الدليل فيما نذهب إليه
ثانيا :ما هو موقفك من السنة النبوية تحديدا؟!
لأنك قلت أنك ملتزم بالسنة ومع ذلك خالفت الأحاديث الصحيحة بل والمتواترة كأحاديث النسخ فى القرآن , فضلا على الأحاديث الصحيحة فى النهى عن القول فى القرآن بالرأى وأحاديث الحكم والمتشابه
ثالثا :وهى النقطة الأهم ..
أنا ما ناديت أبدا باحتكار علوم تفسير القرآن أو قصر تفسيره على السلف !!
والدليل أننى لفت نظركم إلى آيات الإعجاز العلمى وقلت لك صراحة أن القرآن به مئات الآيات التى تنتظر الجهد فى تقصي آثارها , ولم أتحدث عن حصر التفسير إلا فقط فى الآيات المحكمة القطعية الدلالةالثابت تفسيرها فى السنة أو فى أقوال الصحابة أو فى إجماع المفسرين ..
هذه واحدة ,
والثانية ,
أننى لم أمنعك من التصدى للتفسير بل فقط طلبت منك التزود أولا بمبادئ العلوم المؤهلة لهذا الأمر , وهو ما أراك تنكره رغم أنه مبدأ علمى محض , فلا يوجد علم على وجه الأرض يتصدى له أصحابه دون الإحاطة بقواعد تلقيه أو مبادئ علومه , وإلا فما هو الفرق بين العامة وبين أهل العلم فى كل تخصص ..
وهل يستطيع الطبيب أن يتصدى للطب دون إلمام بمبادئ دراسة الطب ؟!
بالمثل فى علوم القرآن والتى هى أصعب وأقدر العلوم على الإطلاق ..
ولو كان التصدى للتفسير يجوز من كل أحد بلا ضوابط , فلماذا إذا نهانا النبي عليه الصلاة والسلام , عن القول فى القرآن بالرأى المجرد
فماذا سنفعل فى هذه الأحاديث وهذه القواعد ؟!

هذا هو محور النقش الأصلي وردودك عليه , نتركها للقارئ الكريم بعد البيان
أما إقتناعك أو إقتناعى بأينا على الحق فهذا نتركه للدليل , والله يوفقنا جميعا لما فيه الهدى ..

د نبيل أكبر 12-11-2012 10:38 PM

مرحبا بك أختنا العزيزة ناريمان

اللهَ تعالى نسألُ أن يوفقنا ويفتح علينا بالحق وأن يغفر لنا إن أخطأنا ويجعل أعمالنا مضاعفة في سبيله.

تشرفنا بمرورك وندعوا الإخوة والأخوات أن يثروا الحوار بما تجود به خواطرهم

سأعود بعد عدة أيام إن شاء الله تعالى لانشغالي خلال الإجازة الأسبوعية لأكمل الحوار مع محاوري العزيز الأستاذ محمد،

ودمتم،


د نبيل أكبر 12-17-2012 11:00 AM


أخي العزيز محمد جاد

السلام عليكم ورحمة الله تعالى


لم تجبني عما لو كان يغضبك ذكر مثال "الفسوة والفسية" الذي ضرب في التفاسير على الله سبحانه وتعالى يعلم آدم الأسماء، وعن الرواية التي تطعن في أخلاق نبينا الكربم ذو الخلق العظيم! أعتذر مرة أخرى وبشدة عن ذكر هكذا كلمات في هذا المنتدى الكريم. ولكن ليس أعز من القرآن الكريم عندي فإن قيلت في حقه تعالى وقرأتها أجيال وأجيال فما الضر من ذكرها هنا؟ أوَ أعزّ من القرآن وجلاله تعالى؟




أحسب بعدم جوابك أنك تكره أن يقال هذا الكلام عليك، وسؤالي فإن كرهته على نفسك فلم لم تكرهه على الله تعالى وعلى أنبيائه؟


تقول أخي أنك غير ملزم بالدفاع عن الأخطاء المثبتة في التفاسير.

أجدها مفارقة عظيمة أن لا تلزم نفسك بنقد روايات تسيء إلى الله تعالى وإلى أنبيائه الكرام في الوقت الذي أجدك تلزم نفسك بالرد على من يعمل على إزالة هذه الإساءات!


اسمح لي أن أقول بل أنت ملزم بذلك، وكل من يقرأ مثل هكذا أقوال ملزم. ودليلي مرة أخرى هو القرآن وليس غير ذلك.


فعن حادثة الإفك الذي رميت به أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قال تعالى:

لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين (12) لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (13) ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم (14) إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم (15) ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم (16) يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين (17) ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم (النور:18)

فإن كان من الإفك والبهتان العظيم رمي أم المؤمنين في أخلاقها، فكيف هو الحال بنبينا وبالله تعالى؟ بل نلقيه بألسنتنا وهو عند الله بهتان وإفك عظيم...


فقد يخطئ الإنسان في الاستنباط ولا شك ولا بأس بهذا طالما اتخذ الوسائل وبذل الجهد، لكن هناك فرق واسع بين هذا وبين ضرب أمثلة السوء على الله تعالى وعلى أنبيائه الكرام.


ألا نستطيع التمييز بين الخطأ العلمي وبين الإساءة في استخدام الكلمات؟ ألهذا الحد وصل بنا الحال في البحث عن مبررات؟


قل لي كيف تبرر الغضب على أصحاب الرسوم المسيئة لنبينا الكريم من الأوربيين في الوقت الذي تجد المبررات على نفس الإساءات، وأين؟ في كتب التفسير؟!


لكم كان الأولى بنا أن نعمل سويا على تنقيح مراجعنا من كل إساءة لله تعالى ولأنبيائه قبل أي شيء آخر.


سؤال: هل تساعد إنسانا طلب منك المساعدة في الوقت الذي تعلم أنه يعلق بيت شعر في صالونه يستخف فيه منك؟



أما عن قولك أنك لم تقل بمنعي من التأويل فنعم ولكنك تفعل ذلك فعلا في كل كلمة تجهيل لي.

هذا التجهيل والاستعلاء الفكري على الآخرين من موروثاتنا الفكرية الراسخة التي علينا أن نعيد النظر فيها.


فأنت أخي الكريم اعتمدت تجهلي بناء على حجة واحدة وهي عدم إلمامي باللغة والتفاسير وقد بينت لك بالتفصيل أنك أبعد ما تكون عن ذلك.

فقد قلت حضرتك أنني مخطئ (في ستين مقالا) لأنني لا أعرف الفرق بين الاستعمال الحرفي والمجازي للكلمات وبذا فإني ضعيف في اللغة لأن الأصل في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي من منظورك يعتمد على "العلم باللغة"!


وعندما طلبت منك مرتين أن تضرب لي مثلا واحدا يثبت كلامك لم تفعل. وعندما أثبت لك بعدة أمثلة أن العقل أو السياق هو المرجع في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي غيرت كلامك وقلت إنك تقصد باللغة السياق وألصقت تهمة الجهل بي مرة أخرى إذ قلت أنني لا أعلم أن السياق من علوم اللغة!


يعني أنت أخي لا زلت مصمما على إبعاد العقل عن الموضوع.

سبحان الله. ما اللغة بلا عقل؟ ما السياق بلا عقل؟ ما أنا وما أنت بلا عقل؟


يأخي الكريم يأتي العقل قبل السياق وقبل كل شيء آخر.

ففي المثال الذي ضربته لك: لو كنت جالسا في مقهى ودخل رجل شجاع أعرفه فقلت: جاء الأسد. فهل يفهم من كلامي أن أسدا من الغابة دخل المقهى؟

أين السياق هنا؟ لا سياق طبع. فكيف عرفت أن الأسد المقصود إنسان؟ أليس بالعقل فقط.

ففي بعض الحالات يكفي العقل وحده للتمييز بين المجازي والحرفي وفي أخرى أكثر تعقيدا يلزمنا السياق وقبله العقل.



هذا العقل الذي هجرناه أخي الكريم ...

أعتقد أن أكبر أزمة مرت بها الأمة الإسلامية، بالرغم من كثرة الأزمات السياسية، هي تلك التي وقعت بين علماء الطبيعة وعلماء الشريعة في مراحل مبكرة من تاريخ الأمة.


أشهر رجال الدين سلاح التكفير، فخسر علماء الطبيعة، فأطفأت الأنوار وانكفأ الناس وماتت العلوم.
ماتت بهذا جميع علوم الطبيعة والمنطق فأصبحت كلمة "المنطق والعقل" مرادفة في الأذهان لكلمة "الضلال والزندقة".


علينا الآن إحياء علوم المنطق والعقل والطبيعة من منظور قرآني.

أذكر زميلا تونسيا فاضلا كان يدرس الفيزياء النووية في أحد أقوى وأشهر المعاهد العالمية "معهد ماساتشوتس" وكان رياضيا عبقريا بكل المعايير. قال لي مرة أنا أشعر بتأنيب الضمير عند دراستي هذه لأنني لم أدرس في الشريعة!


لاحظ أن هذا ليس شخصا اعتياديا. فكم من الناس في مثل ذكائه هجر علوم الكون لخوفه من "الزندقة"؟ كم من العقول خسرنا – و لا نزال – بسبب هذا الفكر؟


وجدت في بعض الكتب من يكفر الشاعر والعالم "عمر الخيام" بسبب رأي له في أحد كتبه في أحد أيامه.

وأنا أتسأل لماذا يكفر إنسان في قبره وهو في ذمة الله تعالى؟

تلك المعركة الصامتة لا تزال على أشدها، أحياء وأمواتا ...


كل منا له أخطاءه. أستطيع أن أمسك إنسانا بكلمة قالها في فترة من فترات حياته وتقلباتها وأكفره بها وأرسلها معه في ظرف إلى قبره. مهما قال بعدها أو قبلها ... مهما قدم للمسلمين وللإنسانية من علوم ... مهما تاب وعاد ... لا يهم كل ذلك. ما يهم هو أنه قال كلمة أختلف معها في أحد أيامه.



أعتقد جازماً أنه لو لم يخسر علماء الطبيعة المعركة، لكانت الأمة الإسلامية قد وصلت إلى ما نحن به هذه الأيام من التطور التكنولوجي في غضون 200 سنة أو أقل. فكم من المجد أضعنا؟


هذه المعركة ليست خاصة بالمسلمين، بل نجدها في كل الأديان. ونحن نتبعهم حذو القذوة بالقذوة ودخلوا جحر ضب فدخلناه. خرجوا منه وسنخرج بعدهم.

كفر الغرب بالله تعالى وآمن بالمادة فظهر لأنه أخذ بالأسباب التي وضعها تعالى لكل الخلائق. وعلى النقيض، هجرنا علوم المادة بحسن نية تقربا إلى الله تعالى فاختل الميزان وضعفت العقول وتفشى الجهل فوصلنا لحالنا.

بحث الغرب في المادة وأسرارها من منظور مادي بحت، وعلينا الآن لتصحيح الوضع النظر للمادة من منظور قرآني إلهي.


والقرآن الكريم أهل لذلك، ولكن علينا الإيمان بذلك أولاً كي يستمر عطاء الله تعالى لنا.



يأخي الكريم أرجو عدم المزايدة علي بحب الصحابة الكرام فقد قلت رأي فيهم أكثر من مرة. هم كرام بررة لقربهم من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ليس إلا. فإن لم يكن هو عليه الصلاة والسلام، ما كانوا هم رضي الله تعالى عنهم. ولكن هذا لا يعني إضفاء العصمة لهم بحال من الأحوال وخاصة أنهم لم يدعوا ذلك.


كما إنني كما تلحظ لا أتكلم أبدا عن إنسان بعينه ولم أذكر اسم أي إنسان في مقال من مقالاتي ولكني أنقد الفكر الذي يجانب الصواب، وشتان بين الأمرين.

وهذه أيضا إشكالية كبرى في فكرنا إذ لا نستطيع التمييز بين نقد الفكر وشخصنة الأمور.


بالنسبة لتمسكك بأن في القرآن ما هو منسوخ، فللمرة الثالثة أو الرابعة أدعوك لمحاورتي في الموضوع على الرابط في هذا المنتدى:



http://www.mnaabr.com/vb/showthread....9682#post89682



وبالنسبة لموضوع الناسخ والمنسوخ الذي تردده دائما وتحسبه ملاذا أخيرا وقلعة حصينة لك، فسأفرد مقالا مفصلا فيه وأرجو أن تحاورني فيه هناك، ولن يكون حاله بعد ذلك بأفضل حال من قلاع "ضوابط التفسير" و "لا تجتمع أمتي على ضلالة" و "أنني لا أفسر القرآن بالقرآن" التي يبدو ولله الحمد أنني قد أزلتها من فكرك إذ لم تلجأ إليها في مداخلتك الأخيرة.



أقدر لكم أخي جهدك ووقتك الثمين وللقرآء الكرام وتأكد أنني لا أسعى إلا لطرح الأفكار، ثم لكل منا اختياره ثم حسابنا جميعا عليه تعالى...


وفقنا الله تعالى جميعا وفتح علينا بالحق أبدا ما أحيانا


وسبحانه وتعالى عما نقول علوا كبيرا


محمد جاد الزغبي 12-19-2012 05:31 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الفاضل ..
عجبت .. وحق لى أن أعجب فى الواقع ..
والسبب هو التهرب الذى تلجأ إليه من موطن البحث ونقطة النقاش التى يدور حولها الحوار ..
وأنا هنا بحاجة إلى لفت نظرك الكريم لحقيقة مهمة لعلها توضح لك أن الهدف من النقاش ليس إلا مجرد النصيحة لك ولك وحدك تحديد قبولها من عدمها ..
أقول هذا لأنك تجادل فى الموضوع وتدافع عن وجهة نظرك بطرق لا يمكن أن تكون من طرق صاحب المنهج الواثق من صحة منهجه ..
فبدلا من أن تركز فى أصل الموضوع وتدلل بالأدلة الصحيحة المقبولة عمليا وعقليا فيما ذهبت إليه , رأيتك تنحو منحى تفريع النقاش لنقاط متعددة , ثم رأيتك تتجاوز الأسئلة التى أحاول أن ألخص بها نقطة البحث ,
وتصر على التفريع فى النقاش ثم تعجز أن تأتى بدليل أو حتى قرينة على أى فكرة من أفكارك ..
فبالله عليك ..
ألا يدعوك هذا لبعض الوقت فى التأمل ومراجعة النفس ؟!
نحن هنا لسنا بصدد خلاف سياسي أو حتى خلاف فقهى سائغ فى أمور الإجتهاد التى لا يجوز فيها الإنكار ويجوز فيها إعمال العقل المجرد ..
بل نحن بصدد ثوابت رأيتك فى موضوعاتك تنهال عليها هدما بأفكار ليس لها من الصحة أى مقدار , لأنها ببساطة تفتقر إلى أدنى دليل علمى !
وقد اردت مرارا تكرارا أن أوضح لك أنه ليس من هدفي إسقاطك أو إسقاط أفكارك حتى تعالج ردودك بهذه العصبية بل أوضحت لك ــ مع التكرار ــ أن الحديث فى القرآن بالرأى المجرد من أى قرينة أو دليل هو أمر يذهب بالمسلم إلى أن يتبوأ مقعده من النار كما أفاد حديث النبي عليه الصلاة والسلام ..
وهذا هو سبب ردى عليك المرة تلو الأخرى ..

ولم أصادر على أى فكرة من أفكارك بل ناقشتك فى واحدة منها ــ وهى محتوى هذا الموضوع ــ وسألتك دليلا واحدا يقوم عليه تفسيرك الغريب والعجيب لآية شك إبراهيم , وسألتك مصدرا واحدا لهذا السيناريو العريض الذى خالفت به تفسير القرآن بالقرآن بموجب نص الآية وسياقها , كما خالفت به السنة المفسرة لنفس الآية فضلا عن إجماع المفسرين ..
فلم أر لك إلا كلاما مرسلا مطولا ليس فيه دليلا واحدا ولا حتى شبهة دليل ..
ثم تطور الأمر معك إلى أسلوب آخر من أساليب التهرب التى كنت أود ألا تجرنا إليها ..
وهى أنك تدافع عن نفسك بالطعغن فى الآخرين !!
فرأيتك تكتب كلاما غريبا يطعن فى الأجيال السابقة من العلماء ويوحى للقارئ بأنه شرذمة من الجهلاء , وأنك أنت بمنهجك الجديد من ستقوم تفسير وبيان القرآن بيانا واضحا !!
وبغض النظر عن أن هذا الكلام ليس له قيمة فى مواجهة أجيال المفسرين العظام , إلا أنه حتى لو صدق لامك هذا , فلا يعنى هذا أبدا أنك على حق فيما ذهبت إليه من آراء !!
فالدفاع عن وجهة نظرك يكون بإقامة الأسانيد والأدلة عليها ,
أما الدفاع بطريقة أن فلان أخطأ , وعلان أجرم !!
فهذا للأسف الشديد ــ سامحنى ــ أسلوب المفلسين الذين لا يجدون لوجهات نظرهم أى دليل يقطعون به الجدل فيما يذهبون إليه ..

ورغم محاولاتى الدائبة فى إهمال المحتوى الخارج عن الموضوع فى ردودك , وإعادة القاش لنقطته الرئيسية إلا أنى فوجئت بك تتهمنى أنا بالهروب !!
فسبحان الله ..
ألا تتابع النقاش من بدايته وتشارك فيه حتى ترى كم مرة أعدت عليك نفس الأسئلة ولم أجد منك استجابة على نقطة واحدة منها ؟!
الأمر الثانى أنى سأريحك وأجيبك عن النقاط الخارجة عن الموضوع هذه المرة ,
لا لشيئ إلا لأدعوك للمرة الأخيرة إلى الإلتفات إلى أصل النقاش , وإدراك الحقيقة التى تحاول أن تتهرب منها وهى أنك تنتهج نهجا فى التعرض لكتاب الله تعالى هو نهج أهل الشبهات وطريق أهل البدع والأهواء .. عافاك الله وإيانا منهم ..
فليتك تتدبر قليلا فى هذا الأمر وتراجعه ..
إنك دعوت فى نقاشك هذا صراحة إلى القول فى القرآن بالرأى المطلق , ومن أى أحد , ورفضت رفضا تاما القواعد العلمية التى يجب على الباحث فى القرآن الكريم أن يتحلى بها , وكأنى بعلوم التفسير ــ على صعوبتها ــ لا تمثل شيئا عندك فى منهج البحث العلمى !
وحجتك فى ذلك قائمة على شيئ واحد ألا وهو أن الإجتهاد مفتوح فى القرآن الكريم , وسبق أن قلنا لك أنه مفتوح بالطبع , ولكن بالأصول العلمية لأى علم , وإلا كانت العلوم نهبا للعوام والجهلاء
واعتمدت على أقوالك بأخطاء العلماء ..
ناسيا أن أخطاء علماء التفسير إنما هى كأخطاء غيرهم فى شتى أنواع العلوم , فلا يوجد أحد معصوم بعد الأنبياء عليهم السلام , وأخطاء العلماء مردودة عليهم ببيان الصواب وليس فى خطئهم أى عيب فالطبيب الممارس العالم قد يخطئ ولكن هذا لا ينفي أنه طبيب انتهج منهج علوم الطب بوجه صحيح فتعلمه علما صحيحا , وبالتالى فإن أخطاءه ستكون نادرة إلى جوار إنجازاته ..
وكذلك أهل التفسير فى كل عصر لهم أخطاؤهم ولكن علمهم أثمر لنا من المعارف ما يعفو هذه الأخطاء ..
لكن الجريمة الحقيقية ــ وليس الخطأ ــ أن نسمح بأن ينتهج أحد فى كتاب الله القول المطلق بلا علم ودون أن يتسلح بالقواعد العلمية الصحيحة للخوض فى التفسير تحت زعم أن كافة علماء التفسير كانوا يخطئون !!
والإجتهاد المفتوح فى القرآن الكريم ..
ليس معناه ولا من محتواه آيات الأحكام , ولا الآيات التى فسرها القرآن أو حسمت تفسيرها السنة أو الصحابة ,
فهذا القسم من القرآن الكريم لا يقربه مفسر لأنه الله عز وجل سهل تفسيره للأمة وانتهى الأمر ,
ولو أنك لاحظت منهجك لوجدت أنك لا تذهب إلا لنوعين من الآيات ..
الأول : الآيات المحكمة التفسير التى ورد تفسيرها بسياق القرآن الكريم أو السنة أو تفسير الصحابة
الثانى : آيات المتشابه , والتى لا يتتبعها إلا أهل الزيغ كما أخبر القرآن الكريم بنفسه ,
وأنت ترفض الوقوف عندما أمرنا الله ورسوله الوقوف عنده تحت زعم حرية العقل وتحت زعم أن هذا الوقوف كان سببا فى تخلف الأمة , رغم أن الأمة الإسلامية عاشت أزهى عصورها وكانت سيدة العالم عندما رجعت والتزمت بهذا المنهج الوقاف عند حدود الله ورسوله عليه الصلاة والسلام والإلتزام بالسنة فيما أمر النبي عليه السلام ونهى عنه !

هذا هو محور النقاش للمرة الأخيرة يا دكتور ..
والحقيقة أنه عيب كبير على شخص مثلك من المفروض أن نتعلم منه أصول البحث العلمى , فإذا بنا نراه يخالف أبسط مبادئ هذا البحث !
وبعد تناولى ردودك اليوم أرجو أن تعود لقراءة الفقرة السابقة , وتحدد موقفك النهائي منها بالقبول أو الرفض لينتهى النقاش عند هذا الحد , خوفا من استمرار الجدل والتكرار ونحن منهيون عن الجدل والمراء لا سيما فى أمور الدين ..

تقول :
اقتباس:

لم تجبني عما لو كان يغضبك ذكر مثال "الفسوة والفسية" الذي ضرب في التفاسير على الله سبحانه وتعالى يعلم آدم الأسماء، وعن الرواية التي تطعن في أخلاق نبينا الكربم ذو الخلق العظيم! أعتذر مرة أخرى وبشدة عن ذكر هكذا كلمات في هذا المنتدى الكريم. ولكن ليس أعز من القرآن الكريم عندي فإن قيلت في حقه تعالى وقرأتها أجيال وأجيال فما الضر من ذكرها هنا؟ أوَ أعزّ من القرآن وجلاله تعالى؟
أحسب بعدم جوابك أنك تكره أن يقال هذا الكلام عليك، وسؤالي فإن كرهته على نفسك فلم لم تكرهه على الله تعالى وعلى أنبيائه؟

والله ما تجاهلتها إلا لإعفائك أنت من الحرج يا دكتور نبيل !
فلست أدرى والله ما الذى تمثله لك هذه الكلمات من حجة ,
هل تعطيك الدليل على ما ذهبت إليه من أفكار !
هل تمنحك أو يمنحك هذا الغمز فى علماء التفسير ما تفتقر إليه من حجة وبرهان ؟!
والأهم من ذلك :
ألم يكن من الأولى أن تلتفت إلى الأسئلة التى وضعناها لك وهى أسئلة كاشفة عن طبيعة خطئك العلمى فيما ذهبت إليه ؟!
ونقول وبالله المستعان :
أن الكلمتان لا تمثلان أى حرج مما تحاول الإيحاء به ولو كنا نتعامل فى الدين بمثل تعاملك هذا لما صلح أمر الفقه كله ! فهو لا يحتوى فقط الفسوة والفسية , بل يحتوى ما هو أكبر من ذلك وأطم فى أحكام الطهارة مثلا , وفى تفسير آيات الأحكام , وفى علاج أمور الزواج .. وغيرها
فهل فى استخدام الشرح لهذه الأمور يمثل عندك طعنا فى القرآن الكريم !
ما أشد غيرتك المحمودة على القرآن ..
وكنا نتمنى والله لو تمتد هذه الغيرة إلى حيث يجب أن تضعها فى موضعها الصحيح ألا وهو الغيرة على كتاب الله من القول على الله بغير علم ..
ثانيا :
ما لم تنتبه أنت إليه ــ وهو دافع الحرج ــ أن هذا التفسير الذى تستنكره , ليس رأيا للمفسر ,
بل هو رواية أوردها بن جرير وابن كثير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما , حيث أوردا الرواية من حيث أن ابن عباس قال علم آدم الأسماء كلها وأسماء كل شيئ حتى الفسوة والفسية ..
وهذه الرواية لم تثبت بسند صحيح متصل عن ابن عباس ..
أى أنها رواية ضعيفة ولا تحمل أى حجة , وحتى لو صحت الرواية فالقائل هنا هو ابن عباس ترجمان القرآن وليس ابن كثير أو الطبري
وأنا لم أشأ اتهامك بالتدليس على القارئ من أنك أتيت بها توحى أنها كانت رأيا مطعونا فيه لأحد المفسرين , وهو ما ثبت خطؤه لك الآن ,
فإن كنت تعلم أنها رواية ضعيفة ومجرد رواية لا رأى للمفسر , فهذا تدليس على القارئ واتهام باطل كعادة اتهاماتك لمفسري أهل السنة ..
وإن كنت لا تعلم أنها رواية , فقد كان من الأحرى بك ألا تثير الأمر من بدايته وأن تكف عن تتبع عورات المفسرين , فليس هذا بنهج أهل العلم ..

وتقول :
اقتباس:

تقول أخي أنك غير ملزم بالدفاع عن الأخطاء المثبتة في التفاسير.
أجدها مفارقة عظيمة أن لا تلزم نفسك بنقد روايات تسيء إلى الله تعالى وإلى أنبيائه الكرام في الوقت الذي أجدك تلزم نفسك بالرد على من يعمل على إزالة هذه الإساءات!
اسمح لي أن أقول بل أنت ملزم بذلك، وكل من يقرأ مثل هكذا أقوال ملزم. ودليلي مرة أخرى هو القرآن وليس غير ذلك.
فعن حادثة الإفك الذي رميت به أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قال تعالى:

سبحان الله ..
والله إنك تضحكنى رغما عنى يا دكتور ..
أولا : أنا لست أدرى ما العلاقة أو الرابط الذى يربط بين حادثة الإفك وبين إلزامك لى بأخطاء المفسرين ..
ثانيا وهى الأهم : فى أى منهج علمى بالله عليك وجدت هذه القاعدة التى تلزمنى فيها بأخطاء المفسرين رغم أنى أنتمى إلى منهج أهل السنة القائم على إنكار الخطأ على صاحبه , وعدم الأخذ والرد إلا عن صاحب مقام النبوة كما قال الإمام مالك بن أنس ..
وما هى الحجة التى تتمسك بها حتى تلزمنى بما لم ألتزم به !
هل رأيتنى قلت أن مفسري القرآن معصومين , أو رأيتنى ألزمتك بمفسر معين قلت لك أن ما سواه باطل !!
ثالثا : ما الذى يمثله لك هذا الإلزام فى محور النقاش ..
هل لو كنت ملتزما بأخطاء المفسرين , تكون أنت ساعتها على الحق فيما ذهبت إليه من أفكار شاذة فى القرآن والسنة ؟!
رابعا : لو أننى اتبعت معك نفس الأسلوب , لكنت أنا المحق وأنت المخطئ ..
فأنت تحاول إلزامى بما لم ألتزم به أصلا ولا شأن لى به
بينما ترفعت أنا عن ألزامك بما تستحقه أقوالك ..
فهل رأيتنى ألزمتك باعتقاد المعتزلة والقرآنيين منكرى السنة النبوية بسبب أنك تنكر النسخ وتنكر الأحاديث بالإنتقاد العقلي ولا تعتد بمنهج أهل السنة القائم على الإسناد والمتن ؟!
وهل رأيتنى ألزمتك بصفات أهل الزيغ والبدع اعتمادا على أنك نهجت نهجهم فى تفسيرك لآيات القرآن ؟!
راجع نفسك يا دكتور فكلامك وردودك تحمل الكثير من المغالطات , وأنا لا أريد تتبعها وليس هذا أسلوبي معك لأنى لا زلت أعتقد أننا فى حوار تكامل يهدف للحق وليس فى حوار مناظرة يهدف للغلبة ..
ولهذا ترانى طويت كشحا عن كثير من تلك المغالطات طمعا فى أن تنتبه معى إلى ما أريد الوصول إليه معك ..








محمد جاد الزغبي 12-19-2012 05:32 AM

وتقول :
اقتباس:


أما عن قولك أنك لم تقل بمنعي من التأويل فنعم ولكنك تفعل ذلك فعلا في كل كلمة تجهيل لي.


هذا التجهيل والاستعلاء الفكري على الآخرين من موروثاتنا الفكرية الراسخة التي علينا أن نعيد النظر فيها.


فأنت أخي الكريم اعتمدت تجهلي بناء على حجة واحدة وهي عدم إلمامي باللغة والتفاسير وقد بينت لك بالتفصيل أنك أبعد ما تكون عن ذلك.



لا تدع نفسك لشيطانها يا دكتور نبيل ..
فأنا لم أصفك بالجهل بل وصفت أقوالك , وهذه الأقوال لا زلت أقول فيها بهذا الرأى , ولو أنى حكمت على أقوالك منفردة بعيدة عن شخصك لقلت فيها ما هو أكثر
وأنت تقول أنك ملم بالتفاسير وملم بالسنة , ولكنى رأيت معتقداتك وكلامك تفعل العكس , فما ذنبي أنا ؟!
وكيف تكون منتميا للسنة ولأصول التفسير وأنت تطعن أول ما تطعن فى علماء التفسير وترفض الأصول التى أصلوها ؟!
أى أنك ترفض المنهج كله ..
فما الذى يفيدنا به إلمامك بالمنهج ذاته وأنت تنكره ؟!
الأمر الهام ..
أنا والله ما استعليت عليك ولا أردت تهميشك أو تهميش أقوالك ,
أنا فقط دعوتك إلى كلمة سواء أن تنتهج ما تريد من التفسير وتتفكر كيفما شئت فى القرآن الكريم وسنكون أسعد الناس بك إن فعلت , ولكن افعل ذلك على أساس صحيح
فهل أخطانا بالله عليك أن دعوناك للإلتزام بالقواعد العلمية الصحيحة قبل خوضك فى كتاب الله تعالى ؟!
ووالله لو كان الأمر هينا أو بسيطا أو فى عداد أمور الإجتهاد التى لا إنكار فيها لتركتك وما تكتب ..
ولكن الأمر جلل وأنت مصر على ألا تعى ذلك
ألا تدرك خطورة حديث النبي عليه الصلاة والسلام ( من قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار )
ألا يثير فيك هذا الحديث خوفا أو فزعا أو حتى حرصا عند التعرض لكتاب الله بغير علم
ألا يهدم هذا الحديث منهجك كله من أساسه , حيث أنك تقول بأن الخوض فى تفسير القرآن لا يحتاج إلى تلك القواعد التى شرعها العلماء ..
فلو كان الأمر كذلك والقرآن عرضة للرأى المطلق , فما هو الداعى لهذا الحديث إذا ؟!


اقتباس:


يعني أنت أخي لا زلت مصمما على إبعاد العقل عن الموضوع.


سبحان الله. ما اللغة بلا عقل؟ ما السياق بلا عقل؟ ما أنا وما أنت بلا عقل؟



يا رجل كيف أبعد العقل عن الموضوع وهو أساس اكتساب العلم !!
سبحان الله
هل كان كلامى صعبا لهذه الدرجة وأنا أتحدث عن قاعدة أولية من قواعد العلوم ؟!!
العقل هو الوسيلة التى يخوض بها الإنسان معترك العلوم لكنه ليس الطريق الوحيد بالقطع
بل يلزم له قواعد العلم التى يكتسبها العقل أولا ..
بينما تتحدث أنت فى واحدة من غرائبك عن أن العقل هو الأساس منفردا ..
فهل سمعت بالله عليك عن إنسان قرر أن يكون عالم فضاء دون الدخول إلى مجال مبادئ علوم الفضاء ؟!
أو شخصا قرر أن يكون طبيبا دون أن يدرس الطب أصلا !
أى عقل فى كلامك هذا يا دكتور وأى مغالطة ؟!
اقتباس:


أعتقد أن أكبر أزمة مرت بها الأمة الإسلامية، بالرغم من كثرة الأزمات السياسية، هي تلك التي وقعت بين علماء الطبيعة وعلماء الشريعة في مراحل مبكرة من تاريخ الأمة.


أشهر رجال الدين سلاح التكفير، فخسر علماء الطبيعة، فأطفأت الأنوار وانكفأ الناس وماتت العلوم.


ماتت بهذا جميع علوم الطبيعة والمنطق فأصبحت كلمة "المنطق والعقل" مرادفة في الأذهان لكلمة "الضلال والزندقة".



كالعادة يا دكتور مع الأسف ..
تتكلم بلا دليل وبالكلام المرسل ..
والمشكلة أنه كلام باطل فى أساسه وجملته وتفصيله , ولا يغيب إدراك ذلك عن أى شخص له أدنى مقدار من الخوض فى تاريخ الأمة
تقول أنه فى مرحلة مبكرة انطفأت العلوم وماتت وأصبح العقل مرادفا للزندقة !!
بينما الإسلام فى تاريخه المبكر كان عصره هو عصر العلم المطلق وتقدمت الأمة الإسلامية على سائر الحضارات وفى كافة المجالات ..
فمن أين تستقي التاريخ يا دكتور ؟!
ولو أنك طالعت القليل من كتب الفرق الإسلامية وتاريخها ستدرك أن الزندقة إنما أشهرها علماء السنة فى مواجهة فرق المعتزلة والفلاسفة الذين أرادوا إخضاع القرآن والسنة للعقل لا العكس , وبهذا قلبوا مفهوم الإيمان , وعندما انتشرت هذه البدع كان هذا هو عصر الظلام على الأمة وليس العكس
وتاريخ المعتزلة أول الفرق التى نادت بتحكيم العقل على النصوص كان هو فاتحة الطعن فى السنة النبوية بل وفى القرآن الكريم فأنكر المعتزلة الثوابت العقائدية كصفات الله عز وجل وأسمائه , وحرفوا فى معانى وآيات القرآن وأنكروا السنة النبوية الصحيحة تحت زعم أن المنطق والعقل يرفضانها ,,
وبالمناسبة ..
قالوا بمثل قولك عن علماء السنة أنهم ليسوا بعلماء ولا يمثلون أى قيمة وأن تراث الأمة من كتب صحاح السنة والعقيدة لا يثل قيمة لأنه لم يعتمد على العقل !!
فانتبه عافاك الله

اقتباس:


أعتقد جازماً أنه لو لم يخسر علماء الطبيعة المعركة، لكانت الأمة الإسلامية قد وصلت إلى ما نحن به هذه الأيام من التطور التكنولوجي في غضون 200 سنة أو أقل. فكم من المجد أضعنا؟


أنت هنا تقيم مأتما على ميت لم تثبت وفاته أصلا يا دكتور ..
فمن قال إن علوم الطبيعة ماتت فى دولة الإسلام أو أن تلك العلوم حاربها علماء الشريعة !!!
ألا تقرأ شيئا قط فى تاريخ العلوم يا أستاذنا الفاضل قبل أن تلقي اتهاماتك جزافا هكذا ؟!
إنك خلطت بين حضارة الإسلام وبين الغرب فى هذا الأمر
فرجال الدين الذين حاربوا العلم ووقفوا ضد التقدم العلمى فى الطبيعة كانوا رجال الكنيسة فى العصور الوسطى بأوربا , فهؤلاء هم الذين اضطهدوا وحرقوا علماء الطبيعة مثل جاليليو وغيره ممن أثبتوا أن الأرض تدور حول نفسها وتدور حول الشمس وأنها كوكب من ضمن عدة كواكب
بينما كان علم الفلك والطبيعة عندنا كان فى قمة ازدهاره ,
وفى نفس الوقت الذى كانت أوربا ترسخ فيه فى بواطن جهل الكنيسة كان علماء الفلك والطب والأحياء وسائر العلوم الكسبية فى بلاد الإسلام يقدمون المعارف الأساسية فى علوم التشريح والبصريات والكواكب وغيرها
بل إن بعض علماء الشريعة عندنا كانوا من علماء الكيمياء والفلك .. مثل جلال الدين السيوطى وغيره .. فقدم هؤلاء العلماء أول تشريح لجسم الإنسان وقدموا أول الخرائط للأرض , وأثبتوا دوران الأرض قبل ارتياد الفضاء , واكتشفوا الدورة الدموية والجراحة وغير ذلك من شتى المكتشفات التى لا زالت آثارها قائمة إلى يومنا هذا ..
وأنا لن أحيلك على مصادر عربية أو إسلامية تخبرك بهذا بل أحيلك على كتاب بسيط لمؤلفة وباحثة ألمانية وهى زيجريد هونكة , والتى كتبت كتابا عظيما اسمه ( شمس العرب تشرق على الغرب ) وشرحت فيه كيف أن ثوابت العلوم الكسبية التى أسسها العلماء المسلمون كانت هى البذرة التى صعدت عليها أشجار التقدم التكنولوجى الحالى
وأنا هنا ألفت نظرك للمرة الألف إلى أنك تخرج عن الموضوع الرئيسي إلى تفريعات لا محدودة ولا أتصور ما الذى سيفيدك هذا التفريع فى إثبات منهجك ؟!
الأخطر من ذلك أنك تدعو الأمة لاتباع منهجك لتحرر العقل كما تقول حتى تتقدم الأمة !
فهل ستتقدم الأمة عندما ننكر النسخ أو نلوى آيات القرآن عن معناها أو عندما نقول أن عيسي عليه السلام لم يرفع إلى السماء ؟!!
أى تقدم هذا يا أخانا الفاضل ؟!
وكيف تقدم أسلافنا وتركوا للعالم حضارة لا تغيب عنها الشمس , بينما كانوا كما تعتقد معطلين للعقول ؟!

اقتباس:

وبالنسبة لموضوع الناسخ والمنسوخ الذي تردده دائما وتحسبه ملاذا أخيرا وقلعة حصينة لك، فسأفرد مقالا مفصلا فيه وأرجو أن تحاورني فيه هناك، ولن يكون حاله بعد ذلك بأفضل حال من قلاع "ضوابط التفسير" و "لا تجتمع أمتي على ضلالة" و "أنني لا أفسر القرآن بالقرآن" التي يبدو ولله الحمد أنني قد أزلتها من فكرك إذ لم تلجأ إليها في مداخلتك الأخيرة

أولا : أنا لم أتراجع عن قولى من أنك لا تفسر القرآن بالقرآن والدليل على ذلك أنك تناقض التفسير والسياق القرآنى فى كل أفكارك
وأنا توقفت عن إيراد ذلك فى الرد السابق نظرا لأنى كررت الأسئلة وأنت لا تجيب
ثانيا : أنا لا أحسب موضوع الناسخ والمنسوخ قلعة لى حصينة فى النقاش معك ..
ببساطة لأن هدفي ليس هزيمتك أو التنقص من شأنك ولو كان هذا هدفي فوالله لتحقق لى هذا الهدف بدون أمر الناسخ والمنسوخ أصلا , فكما قلت لك من قبل إن محتوى ردودك وموضوعاتك لو أننى تعمدت الطعن فيك لأجله لكفي وزيادة ..
ولكن ليس هذا من أهدافي إنما هدفي الوحيد لفت نظرك لإعادة النظر فى منهجك كله محبة وأخوة فى الله ليس أكثر
ثالثا : أنا لن أناقشك فى موضوع آخر ورابط آخر ببساطة لأن أصل النقاش هنا , وأنت تريد أن تفرعنا إلى تفاصيل غير مجدية , بينما أنا أنتقد منهجك فى العموم , فإذا كنت أنتقد منهجك القائم على الكلام بلا دليل فكيف أدخل معك فى التفاصيل ؟!
وموضوعك الآخر لا يختلف عن بقية موضوعاتك من كونه مستحيل الإثبات علميا وعمليا وينتهج نفس النهج فى إنكار الثوابت بمجرد الرأى
وأنا أستغرب والله منك كيف تقول أنك من أتباع السنة النبوية ثم تدعونى لتناقشنى فى إنكار النسخ وهو متواتر فى السنة الصحيحة ؟!
وكيف تتصور أنك تستطيع إثبات العكس أمام دليل قائم على أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ؟!
هذا هو آخر قولى أيها الأخ الكريم ..
وهو قول النصيحة التى لا تحتمل الجدل على حد قول الشاعر :
لك نصحى وما عليك جدالى × آفة النصح أن يكون جدالا ..
وليس من المفيد أبدا التطويل فى الجدل والمراء والخروج من موضوع إلى موضوع , فالنبي عليه السلام يقول :
( أنا زعيم ربض فى الجنة لمن ترك الجدال ولو كان محقا .. )
وأكتفي بما جاء فى ردودك من أشياء تراها إجابات على ما سبق من أسئلة وأراها أنا غير ذلك , ولكن أكرر لك نفس الأسئلة فى كل مرة وأترك لك الحكم فى الأمر , وكذلك أتركه للقارئ الكريم ..
والله ولينا ومن وراء القصد ..

د نبيل أكبر 12-19-2012 06:25 AM

شكر وتقدير
 
[justify]

أخي العزيز محمد جاد

بعد التحية،


أعتقد أن كلا منا قد قال ما يرغب في إيصاله للأخرين وأجد أننا قد بدأنا نطحن الطحين ونتهم بعضنا البعض باتباع الشياطين.


إقتباس:
((لا تدع نفسك لشيطانها يا دكتور نبيل ..))
انتهى الاقتباس


لم يكن الهدف من الحوار من كلينا "النصر" بشكل من الأشكال، فنحن نبذل الجهد والوقت بهدف نيل رضى الله تعالى ثم حسابنا جميعا عنده تعالى، والحمد لله تعالى رب العالمين.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

[/justify]

ريمه الخاني 05-12-2017 07:36 AM

جزاكم الله خيرا ونفع بكم.
تسجيل مرور

محمد جاد الزغبي 05-18-2017 09:07 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني (المشاركة 223345)
جزاكم الله خيرا ونفع بكم.
تسجيل مرور

بارك الله فيك أختنا الفضلي ريمة الخانى ..
شكرا لك


الساعة الآن 07:04 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team