منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   قراءة في قصيدة "إلى البحرِ أطوي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6048)

عبد اللطيف غسري 09-04-2011 05:06 PM

قراءة في قصيدة "إلى البحرِ أطوي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري
 
قراءة في قصيدة "إلى البحرِ أطوي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري
بقلم: الأديب والناقد المصري محمد عبد السميع نوح

إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ...


يََخُبُّ حِصَانُ الشَّمسِ والظلُّ واقِفُ = وَأنتَ على تشْذِيبِ حُلْمِكَ عَاكِفُ
وَأوْراقُكَ العَذْراءُ سِفْرٌ طَوَيْتََهُ = وَمِنْ شَجَرِ الإحْسَاسِ فِيهِ قطائِفُ
وَلِلماءِ أُخْدودٌ يَقولُ لكَ اقْتحِمْ = عُيُونَ الشِّتاءِ الآنَ.. هَلْ أنتَ وَاجِفُ؟
دَعِ القَلَمَ الوَرْدِيَّ يَرْسُمُ دَرْبَهُ = زَوَاحِفَ ضَوْءٍ ما لهُنَّ حَرَاشِفُ
وَكُنْ وَتَرًا لا يَسْأمُ الليلُ عَزْفَهُ = وَكُنْ خَبَرًا فِي جَوْفِهِ مِنهُ طائِفُ
أوِ اخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَة اللظى = هُنالِكَ جِسْرٌ نازحٌ بكَ عَارفُ
بِعَيْنَيْكَ فَجْرٌ أنتَ تَنْزِفُ طُهْرَهُ = فَهَلْ شَهِدَ الرَّاءُونَ ما أنتَ نازفُ؟
تجَلَّيْتَ فِي مَعْنى الحُضورِ وَإنَّمَا = حُضورُكَ طَيْفٌ فَي القراطِيسِ هَاتِفُ
ضِفَافُ الصَّدى تنزَاحُ.. أمْسِكْ ذُيُولهَا = إذا الصوتُ مَعْنًى لِلصَّدى وَمُرَادِفُ
على عَجَلٍ أبْحِرْ بِأشْرِعَةِ الأنا = لعَلَّكَ فُلْكَ الذكْرَياتِ تُصادِفُ
تركْتَ رَياحِينًا هُناكَ نَدِيَّةً = ـ أتذكُرُهَا؟ـ حيثُ الظنونُ عَواصِفُ
وحيثُ لِسَانُ الوقتِ يَجْرَحُ حَرْفَهُ = وحيثُ قُصَاصَاتُ السؤالِ صَحائِفُ
مَتَى يَشْرَئِبُّ النَّجمُ مِن شُرْفَةِ المدَى؟ = سُؤالٌ لِأسوارِ الإجَابَةِ ناسِفُ
وَنادَيْتَ عِشْتارَ القصيدةِ أنْ ضَعِي = نسِيغَكِ فوقَ الجِذعِ، فالغُصنُ راجِفُ
ألم تعْلمِي أنِّي عَصِيٌّ بنِينَوَى = وأنِّيَ طَوَّافٌ عَنِ النهرِ عَازفُ؟
إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ وَطِئْتُهُ = أليْسَ لِأسْمَاكِي لديهِ زَعانِفُ
وإنِّّي لَمَوْلودٌ بِزاوِيَةِ الرِّضَا = وَلَكِنَّ ظِلَّ الحُلمِ في القلبِ وَارفُ
وَإنِّي لِفَتقِ الأمْنِيَاتِ لَرَاتِقٌ = وإنِّي لِنَعْلِ القافِيَاتِ لَخَاصِفُ



قال المرحوم الأستاذ الدكتور الناقد محمود الحسيني :" النقدُ اكتشاف وليس تفسيرا " وهو قول أؤمن به ، وإن النص الأدبي برأي أستاذنا الرافعي رحمه الله يُكتبُ بفكر ويُقرأ بفكر آخر .
الشاعر هنا يجرد من نفسه ناقدا على المخاطب الذي قد يكون هو الشاعر وقد لايكون وليس هذا مهما .
وما يجريه الشاعر على مخاطبه هو ما يجريه الناقد على نص أدبي .. أتكلم عن قصيدة تشبه مشية غزال .
البداية صورة مرسومة لتدهش :
يخب حصان الشمس والظل واقف
وأنت على تشذيب حلمك عاكف
الأصل والظل ، حركة الحياة ، إيجابية أو سلبية الإنسان في الحركة ، عالم المثال وعالم الواقع .. يستمر الدفق الشعري منتقدا بمنطقية الواقع الملبوس بالصورة والكناية ليتحول إلى شعر عذب ٍ قريب الرمز عميق الدلالة ، القصيدة تضع القارئ في موضع الاكتشاف أيضا ولا تتركه يتحير كثيرا ، فهي تشير بأصبع إلى الخيال والحلم من خلال رموزها وتشير بأخرى إلى مفاتيح فك هذه الرموز ، ومن خلال هذا الاختيار الذي يضعنا الشاعر ويضع مخاطبه فيه تتجلى أبعاد الصراع النفسي الدائر مابين دنيا تموج بالحركة والأحداث وبين شاعر تتناثر حياته على السطور وكأنه / الإنسان حبر على ورق ، وياله من تشبيه عميق الدلالة .
اللغة ومفرداتها والموسيقى بإيقاعيها الداخلي والخارجي قدمت لنا كما قدمت في كل نصوص غسري شاعرا مطبوعا .. وهذه هي أهم ملامح هذا الشاعر الكبير .
تنتظم القصيدة في حالة نفسية واحدة من اللوم أو العتاب الدافع حتما إلى الاستنهاض أو بالأحرى التحريض من أول بيت في وحدة موضوعية .
نأتي إلى حركة الشمس وثبوت الظل ثم الأبحر والأنهار وكثير من جزئيات الطبيعة فنراها متناثرة في الأبيات في ترابط مشهدي واحد . وبتآلف العنصرين : وحدة الموضوع واتساق مفردات الصورة الفنية تنشأ الموسيقى الداخلية التي من خلالها نسمع وشيش الحركات سواء للماء أو الطيور والنجم والصوت والصدى .. إلخ ..
ويتناسب بحر الطويل مع التجربة على اعتبار أن ليالي الانتظار طويلة .. كما أنه بحر رصين وغنائيته تتلون مع كثير من الحالات الإبداعية في مرونة عالية ..
يخب حصان الشمس والظل واقف ** وأنت على تشذيب حلمك عاكف

الخبب : إيقاع مستحدث في أوزان الشعر العربي ، حين يجتمع القطع في تفعيلة المتدارك (فاعلن تصير فاعلْ) والخبن (فاعلن تصير فعِلن)ويصير الإيقاع في أغلب الأحوال كأنك تكرر : ما ما ماما بابا بابا (أو) تكْ تك ْ تكْتكْتكتك تكتك صوت عجلات القطار أو ارتطام حوافر الخيل بالأرض ، وفي هذه الحال يخلو الإيقاع من الأوتاد ويقتصرعلى الأسباب ،ولايعدو أن يكون سببا ثقيلا // يليه سبب خفيف
(فَعِلُنْ ـ ///0 )أو سببين خفيفين متتاليين ( فعْلنْ .. فعْ/0 لنْ / 0 )
وهو تسريع للأصل الذي بني عليه المتدارك (فاعلن .. أربع مرات في كل شطر)
ومن معنى التسريع الذي تؤديه الجياد في العدو حين تنقل الميامن جميعا والمياسرجميعا كانت تسمية هذا البحر خببا .
وكذلك حركة هياج موج البحر إنما هي خبب ، وأيضا الرجل يفسد الزوجة على زوجها والعبد على سيده خبب ، والخَِبُّ (بكسر الخاء وفتحها) الخائن ، نخلص من ذلك إلى أن الخبب حركة للتغيير ، وإتيان الشاعر بهذه المفردة كأول مفردة في القصيدة تفتح لنا مجالا محددا للقراءة والمحاكمة له أو عليه .
في البيت الأول : خبب حصان الشمس في مقابل وقوف الظل ، المعروف أن الظل يتحرك عكسيا مع حركة الشمس ، فإذا تحركت الشمس في الصورة الجيدة "حصان الشمس" فعلى الظل أن يتحرك ، المفارقة أنه واقف .. وتوضع الصورة الإنسانية في مقابل الظاهرة الكونية على نحو يوقف القارئ ولابد ، "وأنت على تشذيب حلمك عاكف " والظاهر لنا أن الشاعر ينعي على المخاطب ثبوته فيما تتحرك الدنيا ، الظل واقف وأنت عاكف ، فما المانع أن افهم أن المخاطب والظل سواء .. كأننا أمام صورة عالم المثل وعالم الواقع عند أفلاطون ، وهنا انكسرت نظرية أفلاطون على يد المخاطب المعاتَب بهذا العتاب ، قلنا إن لمفردة الخبب تجليات علمية في عروض الشعر ، وقلنا إن لها تجليات في هياج البحر ، وقلنا إن لها تجليات في عدو الجياد . وهذه التجليات مطروحة في القصيدة :
أما الجياد ففي البيت الأول ، وأما الشعر ففي البيت الأخير ، واما في البحرففي البيتين قبل الأخيرين مباشرة : وهاهما :
ألم تعْلمِـي أنِّـي عَصِـيٌّ بنِينَـوَى
وأنِّيَ طَوَّافٌ عَنِ النهـرِ عَـازفُ؟
إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَـوجٍ وَطِئْتُـهُ
أليْـسَ لِأسْمَاكِـي لديـهِ زَعـانِـفُ
هكذا أجدني أقرأ القصيدة كنص مسكون بالحركة والإيقاع النفسي ، فأنتقل إلى البيت الثاني
وأوراقك العذراء سفر طويته وفي شجر الإحساس منه قطائف
العذرية في إحساس الشاعر أي شاعر لاتبعد عن البراءة والطفولة أو الشباب الغض ، وهنا يشير إلى أن طي كتاب الماضي ماكان يجب أن يُطوى ، لأن فيه بقية حياة ، والإحساس الحياة لاشك ، وإلا لما تحرك حصان الشمس وأنت لم تبرح مكانك ..
وَلِلماءِ أُخْـدودٌ يَقـولُ لـكَ اقْتحِـمْ
عُيُونَ الشِّتاءِ الآنَ.. هَلْ أنتَ وَاجِفُ؟
دَعِ القَلَـمَ الـوَرْدِيَّ يَرْسُـمُ دَرْبَـهُ
زَوَاحِفَ ضَوْءٍ مـا لهُـنَّ حَرَاشِـفُ
وَكُنْ وَتَرًا لا يَسْـأمُ الليـلُ عَزْفَـهُ
وَكُنْ خَبَرًا فِي جَوْفِـهِ مِنـهُ طائِـفُ
أوِ اخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَـة اللظـى
هُنالِكَ جِسْـرٌ نـازحٌ بـكَ عَـارفُ
بِعَيْنَيْكَ فَجْرٌ أنـتَ تَنْـزِفُ طُهْـرَهُ
فَهَلْ شَهِدَ الرَّاءُونَ ما أنتَ نـازفُ؟
تجَلَّيْتَ فِي مَعْنى الحُضـورِ وَإنَّمَـا
حُضورُكَ طَيْفٌ فَي القراطِيسِ هَاتِفُ


الشاعر يناور مخاطبه ، تارة بالحكمة " وللماء أخدود" وتارة بالتحضيض الذي يقترب من التلويح بالتهديد :
"أو اختر وقوفا عند ناصية اللظى "
لاشك أن تعدد الأصوات داخل النص الشعري يثريه إلى حد كبير ، وللتعدد شروطه .. والقراءة العجلى توحي بأحادية الصوت ، وهو صوت الشاعر الذي لم يترك فرصة لصوت آخر .. ولكن بالملاحظة الدقيقة يتبين أن ثمة صوتين ، كلاهما للشاعر ، المتكلم والمخاطب ، ألاترون معي أن في توجيه ضمير المخاطب مايوحي بأن الشاعر يناجي نفسه بالخصوص ، والآخرين في العموم ؟
وللماء أخدود يقول لك اقتحم عيون الشتاء الآن ..حركة الماء في الأخدود ، حركة النبض في الإنسان ، حركة الحياة في الكون ، ولذلك كان الأمر : فاقتحم ـ الآن .. وهي صياغة تنقل إلى الإحساس دفق الماء وتوازيه بالطلب (فاقتحم) ثم يعقب ذلك الاستفهام المحفز أو المؤنب (هل أنت واجف) وبعد اقتحام عيون الشتاء والتماهي في الماء سر الحياة تتفتح الورود حتى لتتورد الأقلام، وإلى أي حد تخرجنا هذه اللقطة من قمقم الحزن إلى انفتاح البصيرة على الجمال والفأل الحسن :
"دع القلم الوردي َّ يرسم دربه
زواحف ضوء مالهن حراشف "
وهذا أمر آخر ، وقد كنى عن الإنسان بالقلم ، ولايرسم القلم حرفا ولا صورة وإنما يرسم الدرب .. لن أتمادى في القراءة التأويلية ، فقط أشير إشارات سريعة ، في ثلاث جمل تتشكل صورة جميلة : عيون الشتاء ـ القلم الوردي ـ زواحف ضوء ) ولولا أن زواحف الضوء مالهن حراشف ماكان لها هذا الجمال . وهي بذلك دعوة لتنقية الحياة من القبح والزيف والغثاثة .
ويوضع في مقابل ذلك " أو اختر وقوفا عند ناصية اللظى .. هنالك جسر نازح بك عارف
يكفيني "ناصية اللظى " في مقابل ما إذا رفض المخاطب الدعوة الوردية .. أما كون الجسر النازح عارفا بتكرار معاناة المخاطب فأرى أنه مطروح في سائر النص ، ولاأدري تماما هل من ضرورة ملحة لإيراده ، أم أن ذلك أمرا خاصا بالشاعر مما استأثر به في طويته ، ولكنه واضح الدلالة في معنى الترهيب من التقاعس عن تلبية رغبة المتكلم / الشاعر .
يعينيك فجر أنت تنزف طهره .. فهل شهد الراءون ما أنت نازف
حيثية أخرى من حيثيات الاستنهاض بالترغيب والترهيب ، وهي حيثية من الجمال الموسيقي بمكان ، كما أنها تقدم ورقة جديدة كحجة دامغة ، ونهتز كثيرا إذا قرأنا البيت " أمامك فجر " أو " ودونك فجرا" أو " بوجهك فجر " ثم نقرأ " بعينيك فجر " فذلك أدعى إلى الاهتزاز والانفعال ، وتلك الحالة من النزف المستمر للطهر ، التحذير يعلو وتعلو وتيرته بدرجة متنامية عبر الأبيات ، النص متحرك موقف إلى موقف ، ومن أطروحة إلى أخرى ، ومن حجة إلى حجة ،
تجليت في معنى الحضور وإنما حضورك طيف في القراطيس هاتف ..
التحول من الحلم إلى الواقع ، من التطيف إلى التجسد هو القضية الآن ، يرى الشاعر أن حضور المعاني وحدها ليس كافيا للإقرار بتمام الحضور ، وكأنما هو في سياق المثل القائل " حبر على ورق " البيت يتناص مع هذه المقولة ، ومن أمثال هذه المفاتيح للنصوص الحديثة نتلمس الطريق إلى انفتاح الدلالة إلى ما هو أكثر اتساعا من شخص الشاعر ، فقضايان كلها حبر على ورق ، وفلسفاتنا كلها حبر على ورق ، وابتكاراتنا لم توضع على أرض الواقع كتقنية حديثة ، بل وبكل أسف كثيرا ما تكون مواقفنا العقدية الرائعة والمذهلة مجرد اقتناع عقلي بلا رصيد من العمل ، والإيمان كما هو معروف ما وقر في القلب وصدقه العمل ..
أختم بالفعل "تجليت" والجمع"القراطيس" وهو ملح شديد الدلالة على الشتات ، فالمتجلي مفرد والمتجلى عليه كثير ، إضافة إلى اسم الفاعل (هاتف) الذي يعني الثبوت على حالة الجمود هذه مقدِّما لذلك بأداة الحصر (إنما)وعن الحضور يتكلم عن معناه بما يناسب القراطيس ولم يتكلم عن الحضور المادي الذي هو ضالة المتكلم والمخاطب على السواء . وكلمة الطيف تتمم هلامية كلمة (المعنى) حول قضية الحضور الورقي المرفوض .
الشاعر عبد اللطيف غسري يطرق الذائقة دائما بكهرباء الشعور فيغريني بالكتابة ممسوسا بإبداعه المتميز ..

عبده فايز الزبيدي 09-06-2011 10:46 AM

سعيدٌ بهذه القراءة
و لي عودة إنشاء الله تعالى
و تقب مودتي.

عبد اللطيف غسري 09-06-2011 01:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبده فايز الزبيدي (المشاركة 84745)
سعيدٌ بهذه القراءة
و لي عودة إنش اء الله تعالى
و تقب مودتي.

أخي الكريم الأستاذ عبده فايز الزبيدي..
سعادتي بإطلالتك الراقية هنا أكبر من كل الكلمات.
أشكرك وأحييك.
وأنتظر عودتك بكل شغف ومحبة.
مودتي وتقديري الكبير

ايوب صابر 09-07-2011 12:00 PM

أوِ اخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَـة اللظـى هُنالِكَ جِسْـرٌ نـازحٌ بـكَ عَـارفُ
بِعَيْنَيْكَ فَجْرٌ أنـتَ تَنْـزِفُ طُهْـرَهُ فَهَلْ شَهِدَ الرَّاءُونَ ما أنتَ نـازفُ؟

كأن الاستاذ الشاعر عبد اللطيف غسري في هذه الابيات يقول ما قاله نيتشه " ليكن شعارك ان تعيش في قلق دائم وان تبني بيتك فوق بركان" .

ولا شك ان القراءة النقدية التي قدمها الاستاذ الناقد محمد عبد السميع نوح قراءة رائعة لكنني ارى بأن القصيدة تقول اكثر من ذلك وربما ان الشاعر اراد ان يقول اكثر من الذي قيل...حبذا لو يتم التمحيص في اعماق هذه القصيدة ومحاولة استخراج ما تحتويه من عناصر جمال قد تكون مقصوده وقد تكون لا واعيه املاها سلطان الشعر.

ايوب صابر 09-08-2011 11:38 AM

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري:



بداية لا يمكن القول أن هذه القصيدة من أجمل قصائد الشاعر الأستاذ عبد اللطيف غسري فكل قصائده جميله إلى حد الإدهاش.




ولا اعرف أن كنت سأستطيع تقديم قراءة معمقة لها فالقراءة الشعرية لمثل هذا الشعر العميق ليس أمرا سهلا. فهي كالبحر حتما عميقة، وغامضة، والجمال يعبر إلى قلب وعقل المتلقي أمواج فوقها أمواج، لكن البحر يظل غامض وعميق وقد لا نصل إلى كل ما يختزنه من جمال وأسرار في أعماق أعماقه.


طبعا باستخدام هذا العنوان " إلى البحرِأطوي كُلَّ مَوجٍ " يضع الشاعر غسري المتلقي في جو النص المفعم بالحركة والرومانسية والغموض والرهبة والإثارة والخطورة، والخوف، والجمال، والتحدي... وكأن المتلقي انتقل فجأة إلى شاطئ البحر يشاهد الشاعر وهو يطوي الموج ولك أن تتخيل جمال تلك الصورة وأثرها على المتلقي.



فماذا يقصد الأستاذ غسري في البيت الأول؟



يََخُبُّ حِصَانُ الشَّمسِ والظلُّ واقِفُ = وَأنتَ علىتشْذِيبِ حُلْمِكَ عَاكِفُ



تعالوا نستكشف معا أعماق هذه القصيدة الجميلة!!!!

عبد اللطيف غسري 09-09-2011 02:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 84876)
أوِ اخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَـة اللظـى هُنالِكَ جِسْـرٌ نـازحٌ بـكَ عَـارفُ
بِعَيْنَيْكَ فَجْرٌ أنـتَ تَنْـزِفُ طُهْـرَهُ فَهَلْ شَهِدَ الرَّاءُونَ ما أنتَ نـازفُ؟

كأن الاستاذ الشاعر عبد اللطيف غسري في هذه الابيات يقول ما قاله نيتشه " ليكن شعارك ان تعيش في قلق دائم وان تبني بيتك فوق بركان" .

ولا شك ان القراءة النقدية التي قدمها الاستاذ الناقد محمد عبد السميع نوح قراءة رائعة لكنني ارى بأن القصيدة تقول اكثر من ذلك وربما ان الشاعر اراد ان يقول اكثر من الذي قيل...حبذا لو يتم التمحيص في اعماق هذه القصيدة ومحاولة استخراج ما تحتويه من عناصر جمال قد تكون مقصوده وقد تكون لا واعيه املاها سلطان الشعر.

أخي العزيز الأستاذ الأديب والناقد القدير أيوب صابر..
أتقدم إليك بأسمى عبارات الشكر والامتنان على تفضلك بالاطلاع على هذه القراءة، والبصم عليها بتوقيعك المميز الراقي الذي أرجو أن يحتذيَ به القراء والنقاد الذين يتصدون للإبداع بالقراءة والتمحيص الدقيق ولا يكتفون بمرور عابر لا يعبر عن مواقفهم الحقيقية من النصوص التي يقرأونها.
أشكرك إذن، وعلى الوعد مني باستمرار التواصل في عالم النت الافتراضي.
دمت بخير أخي الكريم.

ايوب صابر 09-10-2011 11:56 AM

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري:


يََخُبُّ حِصَانُ الشَّمسِ والظلُّ واقِفُ = وَأنتَ علىتشْذِيبِ حُلْمِكَ عَاكِفُ

تعالوا نستكشف معا أعماق هذه القصيدة الجميلة!!!!

الأغلب أن الشاعر يخاطب ذاته هنا إذ يقول: ألا ترى بأن حصان الشمس، وفي هذا تشخيص للشمس..أي جعلها كائن حي مثل حصان، تعدو باندفاع شديد؟ وفي ذلك كناية عن سرعة حركة الزمان... وكأن الشاعر يقول ألا ترى يا صاحبي بأن الشمس تهرول مسرعة في السماء فيمر الزمن بسرعة فائقة...بينما أنت واقفٌ في مكانك لا تتحرك، وغير مدرك أو منتبه لسرعة مرور الزمن والوقت، ودليل الشاعر على ذلك أن ظله واقف لا يتحرك.

ويضيف الشاعر أيضا محذرا أو معاتبا أو منبها ذاته بقوله... وبدلا من أن تندفع لتستفيد من الوقت وتلحق بحصان الشمس الذي يعدو ويخب مسرعا أنت تقف هناك تداعب حلمك وتعكف على تشذيبه.

وكأن الشاعر يقول لنفسه ايضا تذكر يا صاحبي أن "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" لكنه يقولها من خلال صورة شعرية بالغة الجمال والتأثير وبلغة غاية في التأثير وبأسلوب ساحر... حيث يصور الشمس الجامدة، والحارقة، والبعيدة جدا في كبد السماء...بحصان جميل يخب مسرعا باندفاع... بينما أنت تقف مداعبا حلمك ومشذبا له غير مدرك لسرعة مرور الوقت!

وكأن الشاعر يدعو نفسه للانتباه لسرعة مرور الوقت ويحثها على أن تتجاوز مرحلة الأحلام وتنتقل إلى العمل.

ونجد أن الشاعر يُسخر هنا أهم عنصرين من عناصر الجمال والتأثير على ذهن المتلقي وهما:

- الحركة المتمثلة في حركة الحصان الذي يخب مندفعا في كبد السماء...مما يجعل النص ينبض بالحيوية والحركة والحياة.

- التضاد والمتمثلة في حركة الشمس مقابل وقوف ذات الشاعر، إضافة إلى الشمس والظل...والمعروف أن تسخير التضاد هو أكثر العناصر تأثيرا على عقل المتلقي.

ثم هناك عنصر الحوار الذي يخلقه الشاعر من خلال تجريد شخص من ذاته ليخاطبه ويعاتبه وينبهه بأن الزمن يمر بينما هو يقف هناك يداعب حلمه.

وإذا أضفنا إلى كل تلك العناصر صورة الحصان الذهنية وما يرتبط بها تراثيا في ذهن المتلقي...ذلك الحصان الذي يخب مسرعا في كبد السماء، نجد أن تلك الصورة تستحضر في ذهن المتلقي كل ما يرتبط بالحصان من جمال، وقوة، وعنفوان، وخير الخ....فالخيل مقعود بنواصيها الخير إلى يوم ألقيامه....حتى اننا نكاد نرى حصان المتنبي والذي خلده في اشعار كثيره...

وعليه نجد أن هذا البيت من الشعر لوحده يقول الكثير جدا...وهو حتما بالغ التأثير والجمال...حد السِحر.


يتبع،،

ايوب صابر 09-12-2011 01:03 PM

تابع،،


وَأوْراقُكَ العَذْراءُ سِفْرٌ طَوَيْتََهُ = وَمِنْ شَجَرِ الإحْسَاسِ فِيهِ قطائِفُ

في البيت الثاني نجد وكأن الشاعر يستمر في مخاطبة ذاته فيقول ...أي صاحبي ، لماذا تقف هكذا مشغول بتشذيب حلمك؟ وأنت ترى الشمس تخب في كبد السماء مسرعة...والوقت يمر بسرعة.

وكأنه في هذا البيت يلوم نفسه ويحضها ويحثها بأن لا تقف مكتوفة الأيدي، وان تستمر في الحركة والنشاط وبذل الجهد، وربما كتابة القصائد تحديدا.

حيث يشير إلى تلك الأوراق العذراء التي ضمنها سفر طواه، (سِفْرٌ طَوَيْتََهُ )، وفي ذلك كناية على أن تلك الأوراق جديدة، لم يمسسها القلم بعد فهي عذراء...وطواها الشاعر في ذلك السفر الذي يحتوي أصلا على قطوف من ثمار شجر الإحساس، وهي حتما القصائد حيث يشبه الشاعر القدرة على الكتابة الشعرية بشجر الإحساس، والقصائد بثمار هذه الأشجار.

وكأن الشاعر يلوم نفسه على العزوف عن الكتابة الشعرية، والتوقف عن تسجيل وتدوين ما تجود به قريحته، رغم أن تلك الأوراق الجديدة التي أعدها جاهزة لتستقبل مزيد من قصائده الجديدة، التي هي بمثابة ثمار شجر الإحساس لديه والذي سبق له أن دون مثلها وضمنها ذلك السفر....كل ذلك والوقت يمر مسرعا بينما هو مشغول في تشذيب حلمه بدلا من العمل على مزيد من الانجاز.

وما يميز هذا البيت هو استخدام الشاعر لكلمات غنية يرتبط بها تراث ديني قديم، ويوقظ في ذهن المتلقي ذلك التراث العبق. وذلك يتأتى تحديدا من خلال استخدام كلمات (العَذْراءُ ) و (سِفْرٌ).

ولكن الشاعر لا يكتفي باستخدام تلك الكلمات وما تحمله أو يرتبط بها من معنى تراثي عميق يغني النص ويجعله بالغ التأثير، ولكنه يشخصن الأوراق حين يصفها بأنها عذراء...فيجعل النص ينبض بالحياة والحيوية....وكأنها أنثى عذراء.

وتقفز حدة تلك الحيوية بشكل مهول حينما يجسد الشاعر، في الشطر الثاني من البيت، الأحاسيس بأن يجعلها مثل الأشجار التي تثمر قصائد (قطوف).

ولا شك أن لاستخدام وتكرار حرف الهمس (السين أو الشين) ثلاث مرات في هذا البيت له سحر استثنائي...واثر بليغ على نفس المتلقي.

يتبع،،

ايوب صابر 09-16-2011 01:50 PM

تابع ،،،

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري


وَلِلماءِ أُخْدودٌ يَقولُ لكَ اقْتحِمْ = عُيُونَ الشِّتاءِ الآنَ.. هَلْ أنتَ وَاجِفُ؟

ويستمر الشاعر في معاتبة الذات، مخاطبا نفسه قائلا....كيف تقف مكتوف الأيدي أي هذا، وأنت ترى الأشعار تتدفق مثل ماء يتدفق في أخدود؟ .. .كيف تقف مكتوف الأيدي وهذه الأشعار تتدفق كما هي عيون الشتاء المنهمرة من السماء؟ هي تناديك وتقول لك اقتحم...أي احمل قلمك ودون ما تجود به قريحتك فلماذا تقف هناك خائفا عاجزا؟
هنا يشبه الشاعر ما يدور في خاطره من أشعار تتفلت بأنها مثل ماء يتدفق في أخدود، أو عيون الشتاء المنهمرة من السماء، وفي ذلك كناية عن غزارة قريحته الشعرية.

وكأن الشاعر يعاني من صراع داخلي بين ما يشعر به من قطوف الأحاسيس التي تحاول أن تتفلت وتخرج إلى الوجود ، وعزوف، ووقوف وعدم رغبة في تجسيد اللحظة الشعرية المتأتية، وعدم ميل إلى تدوين ما يدور في خلده من صور شعرية بل نزيف شعري كما يصفه في بيت لاحق.

ويضاف إلى ذلك الصراع الذي يدور في نفس الشاعر والذي يجعل النص اقرب إلى الحياة كونها صراع متعدد الأوجه، نجد في هذا البيت أيضا الكثير من الحركة المتمثلة في جريان الماء في الأخدود، وفي انهمار المطر من عيون الشتاء...هذه الحركة التي تجعل البيت ينبض بالحيوية والحياة، خاصة انه وباستخدام كلمة " الماء" يستحضر في ذهن المتلقي ما يرتبط بهذه الكلمة من تراث ومعنى، وهي حتما كلمة مرتبطة بالحياة..."وجعلنا من الماء كل شيء حيا".

وباستخدام كلمة ( عيون ) استنفار لحاسة البصر لدى المتلقي...هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تأتي استكمالا لرسم صورة بالغة الجمال تتمثل في أخدود من المياه المتدفقة، وعيون من أمطار الشتاء المنهمر من السماء.

وفي استخدام كلمة أخدود استحضار غير مباشر للتراث المرتبط بقصة الأخدود "قتل أصحاب الأخدود" وهي طريقة ذكية لاغناء النص من خلال حشد كلمات يرتبط بها عمق تراثي غني.

أما استخدام كلمة "اقتحم" ففيه تضخيم للصراع القائم في نفس الشاعر.

وفي كلمات "يقول لك" استثارة لحاسة السمع لدى المتلقي وتعزير للحوار بين الشاعر ونفسه.

وفي استخدام كلمة "واجف" تلاعب على مشاعر الخوف عند المتلقي ومحاولة لاستثارتها.

ونجد في محصلة ما حشده الشاعر هنا، في هذا البيت، من عناصر قوة وجمال، وتأثير، وخاصة عنصري الصراع الداخلي، والحركة، ومن ثم صورة المياه المنهمرة من عيون الشتاء، والأخرى المتدفقة من أخدود الماء، وتلك الكلمات التي تحمل في ثناياها الكثير من الإرث الحضاري والديني، والأخرى التي تستثير الحواس والمخاوف...نجد أن الشاعر نجح هنا في نسج بيت شعر اقل ما يقال عنه انه ...رائع بحق وبالغ التأثير والجمال.

يتبع،،

ايوب صابر 09-17-2011 01:31 PM

لا اعرف ان كنت قد امسكت بتلابيب هذه القصيدة ...حبذا لو تكون القراءة لمثل هذه القصيدة يتم عبر ورشة عمل يشترك فيها اكثر من محب للادب وعاشق للتعمق في النصوص الادبية، كلٌ يدلي بدلوه وينظر الى النص من زاويته.

بانتظار وجهات نظر اخرى لما تقوله هذه القصيدة، او اي اضافة او تصحيح، او توضيح....

ولا شك ان في القراءات النقدية العميقة كثير من الفائدة والمتعة.

عبد اللطيف غسري 09-17-2011 03:00 PM

أشكرك جزيل الشكر أخي الكريم الأستاذ أيوب على اهتمامك البالغ بالشعر والشعراء ووعيك التام برسالة النقد وأهمية المتابعة النقدية للإبداع في زمن الفوضى "النتِّية" إن صح التعبير.
أحييك على ما تبذله من جهود حثيثة من أجل الاضطلاع بمهمة النقد على أكمل وجه..
ولعل دعوتك الهادفة تجد آذانا صاغية من نقادنا الكرام في كل مكان فيقوموا بالدور المنوط بهم من أجل تمحيص الإبداع أيًّا كان مصدرُه..
وتقبل تحياتي وتقديري الوفير.

ايوب صابر 09-21-2011 02:39 PM

تابع ،،،

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري


دَعِ القَلَمَ الوَرْدِيَّيَرْسُمُ دَرْبَهُ = زَوَاحِفَ ضَوْءٍ ما لهُنَّ حَرَاشِفُ

في هذا البيت أيضا يستمر الشاعر في مناجاته لذاته معاتبا لها على وقوفها مكتوفة الأيدي بينما الزمن يمر مسرعا، في ظل ما يتدفق من أحاسيس في داخله وأشعار تتدفق في ذهنه وقلبه مثل المطر المنهمر من السماء أو المتدفق في أخدود الماء.

ويخلص الشاعر من هذه المناجاة والعتاب إلى دعوة نفسه إلى المبادرة بحمل القلم أو تركه ليرسم دربه بما يدونه من أشعار وقصائد.

وفي الشطر الثاني من البيت يشبه الشاعر القصائد والأشعار بزواحف من ضوء ولكن ليس لهن حراشف كالزواحف الحقيقية، وفي ذلك كناية عن غزارة ما يتوارد في ذهن الشاعر من أفكار وأشعار وقصائد هي في تدفقها جميلة وأشبه ما تكون بزواحف لكنها من دون حراشف.

وفي هذا البيت يلمح الشاعر إلى غزارة قريحته الشعرية وتلقائية ما يشعر به من أحاسيس وإشعار، تتدفق بسهولة وانسياب ودون عناء، فبمجرد حمل القلم سيبدأ القلم في خط ورسم دربه في عالم الأشعار والأحاسيس، دون تكلف أو عناء أو جهد يذكر، وستكون النتيجة تدوين الأشعار والقصائد والتي ستكون أشبه ما تكون بزواحف من الضوء لكنها خالية من الحراشف.

وفي البيت تلميح إلى أن الصراع الداخلي في نفس الشاعر ما يزال مستمرا، فمن ناحية هناك نزوع إلى الكسل والوقوف دون بذل جهد لتدوين تلك اللحظات الشعرية، ومن ناحية أخرى حث على ضرورة الاستفادة من ذلك الدفق الشعري وتحويله إلى قصائد.

كما نجد في البيت الكثير من الحركة والتي توحي بها كلمات "دع القلم يرسم" وكلمة "الزواحف"، وفي استخدام كلمة زواحف يرسم الشاعر صورة مهيبة مهولة لتلك الحالة التي ستنهمر فيها القصائد من خيالة وكأنها زواحف، والذي يجعل تلك الصورة شديدة الجمال والتأثير هو أنها زواحف من ضوء وليس لها حراشف.

ونجد أيضا أن الشاعر يشخصن القلم ويجعله كأنه قادر بذاته على رسم دربه وتدوين ما تجود به قريحة الشاعر من قصائد.

وفي البيت أيضا تسخير للألوان ( الوردي ) و (الضوء)، ولكن ربما أن أجمل ما في البيت هي تلك الصورة التي رسمها الشاعر بأن جعل الأشعار والقصائد وكأنها زواحف من الضوء.

كل ذلك يجعل البيت عظيما كتلك التي سبقته من الأبيات وهو أيضا ينبض حيوية وجمال، وله وقع عظيم.

ايوب صابر 09-28-2011 11:13 AM

تابع ،،،

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري:

وَكُنْ وَتَرًا لايَسْأمُ الليلُ عَزْفَهُ = وَكُنْ خَبَرًا فِي جَوْفِهِ مِنهُ طائِفُ

يكمل الشاعر حديثه مع ذاته مناجيا نفسه ويحثها أولا على أن تبادر إلى فعل الكتابة الشعرية وعدم الوقوف مكتوفة الأيدي بينما الزمن يمر مسرعا كما الحصان يخب خبا.

ويدعو الشاعر في البيت السابق نفسه أن تدع القلم يكتب ما شبهه الشاعر بزواحف من الضوء وهي القصائد الجميلة.

ويضيف الشاعر هنا وفي هذا البيت إلى ذلك دعوة ذاته الشاعرة إلى أن تكون مثل الوتر الذي يعزف موسيقى جميلة فلا يسأم الليل من عزفه لشدة جمال ما يقول.

كما يدعو الشاعر ذاته الشاعرة بأن تبدع وتزيد في العطاء حتى ينتشر خبر عبقريته الشعرية ويكون لشدة ما أنجز من عمل فني جميل ومؤثر مثل خبر تتناقله الألسن في جوف الليل.

ومن عناصر الجمال التي ضمنها الشاعر في هذا البيت تشخيصه للوتر وكأنه لوحده يعزف الحان جميلة وتشخيصه لـ الليل والذي جعله كشخص يُسر لما يسمع من الحان موسيقية هي قصائد الشاعر التي يحث ذاته الشاعرة على تدوينها.

وفي البيت ما يُحفز حاسة السمع، وفيه تسخير للألوان من خلال ما يشير إلى اللون الأسود وهو الليل.

ولا شك أن الموسيقى الداخلية في البيت لها وقع مؤثر على مسامع المتلقي خاصة بتكرار الألفاظ كن وترا ثم كن خبرا.

ايوب صابر 09-29-2011 09:57 AM

تابع ،،،

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر الاستاذ عبد اللطيف غسري:

أوِاخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَة اللظى = هُنالِكَ جِسْرٌ نازحٌ بكَ عَارفُ

وهنا يخير الشاعر ذاته الشاعرة بأن تكون مثل الوتر الذي يعزف عزفا جميلا فلا يَمله الليل ولا الساهرين فيه، وحتى يصبح خبرا على كل لسان لجودة ما يقول من أشعار، أو إن كان لا بد من الوقوف فليكن ذلك الوقوف (عند ناصية اللظى) أي بالقرب من الطريق المشتعل نارا (لظى)، لعل ذلك الوقوف يزيد الشاعر اشتعالا واحتراقا وتألقا، فينتقل الشاعر من حالة ذهنية إلى حالة أكثر سموا وصفاء عبر ذلك الجسر.

وكأن الشاعر في هذا البيت يقول ما قاله نيتشة الفيلسوف الوجودي والذي قال " ليكن شعارك أن تعيش في قلق دائم وان تبني بيتك فوق بركان"، وكأن نيتشه بدوره يقول "أن الألماس يصنع تحت الضغط والنار الحاميةDiamonds are made under pressure"، وكذلك الشعراء والنساك، تصنعهم الآلام والمآسي، وإن لم يصبحوا شعراء فأنهم وبفعل تلك النار المشتعلة في ثنايا قلوبهم يتحولون إلى ما يشبه الملائكة في سموهم وصفاء روحهم، وحينما يقفون عند ناصية اللظى.

أو ربما أن الشاعر هنا يقول لذاته الشاعرة إن لم تُقدمي على فعل الشعر، وإن لم تكوني لحنا جميلا لا يمله الساهرون، فربما عليك احتمال ذلك الاحتراق الداخلي الذي ينتج على اثر امتناع الشاعر من تفريغ تلك الشحنات العاطفية الملتهبة في ثنايا قلبه وذهنه والتي تتشكل على شكل قصائد.

ففي البيت إذا مزيد من الدفع باتجاه كسر حالة الجمود أو العزوف والوقوف عن ممارسة فعل اللحظة الشعرية، من خلال تهديد الشاعر لذاته بأن تفعل ما ينبغي، وان تتحرك وتمارس فعل الشعر وإلا فلتشتعل احتراقا بفعل لهيب تلك القصائد التي تتفلت لتخرج إلى حيز الوجود.

وابرز ما في البيت من عناصر جمالية هو ذلك الحوار الذي نسمعه يدور بين الشاعر وذاته الشاعرة ، و ذلك الصراع الذي نراه يحتد ويتعمق بين الفعل والسكون وبين الشاعر وذاته الشاعره، ثم اللعب على مشاعر المتلقي من خلال استخدام كلمات ملتهبة يكاد المتلقي يصطلي بنارها ( ناصية، اللظى ).

ثم هناك استثمار للتضاد من خلال الحث على الحركة والفعل من ناحية وفي نفس الوقت الدعوة هنا إلى الوقوف عند ناصية اللظى، ومن خلال استخدام كلمة (نازح) وفيها ما يشير إلى الحركة.

وكل ما في البيت يجعله جميلا، حيويا، رائعا ويزيد من حدة التأثير للقصيدة بشكل مهول. ويرسم الشاعر من خلال هذه الكلمات صورة شعرية نادرة في جمالها وتأثيرها... بل قََلَ مثيلها.

يتبع،،

ايوب صابر 10-06-2011 03:08 PM

بِعَيْنَيْكَ فَجْرٌ أنتَ تَنْزِفُ طُهْرَهُ = فَهَلْ شَهِدَ الرَّاءُونَما أنتَ نازفُ؟

في هذا البيت يوضح الشاعر سبب دعوته لذاته الشاعرة الى ضرورة الحركة والإقدام على فعل الشعر. فهو يرى بأن ما يكتبه من قصائد تحمل في ثناياها ولادة فجر طاهر جديد يظهر في عيني الشاعر.

ويطرح الشاعر هنا سؤالا استنكاريا: هل يا ترى يقدر المتلقيين (والراءون ) ما تنزفه من أشعار؟ تلك الأشعار التي ترسم ذلك الفجر الجديد.

وفي هذا البيت صورة شعرية جميلة للغاية حيث يشبه الشاعر فعل الشعر بالنزيف، ويشبه اثر الشعر بالفجر الجديد، ذلك الفجر الذي يكاد يطل من عيني الشاعر.

وكأن الشاعر يخاطب ذاته قائلا: كيف تقف مكتوف الأيدي وأنت بما تقوله من شعر جميل ترسم وتصنع فجرا جديدا.

ولا يخفى أن الشاعر هنا يفتخر بملكة الشعر لديه...إذ يرى بأن ما يقوله من شعر إنما يساهم في صناعة فجر جديد. وهو ليس شعرا ينز نزا، وإنما هو شعر غزير وهو أشبه في ولادته بالنزف.

وفي ذلك أيضا وصف للحظة الشعرية فهي ليست أمرا هينا وإنما عملية صعبة ومؤلمة وأشبه ما تكون بالنزيف النازف من العين.

وفي هذا البيت يستخدم الشاعر صورة شعرية ومحسنات أضافت إلى البيت جمالا وسحرا. فباستخدام كلمات ( عينيك + تشهد ) يوقظ في المتلقي حاسة البصر. وفي النزف ما يوحي بالحركة بل ربما بصورة الدم النازف من الجرح، ولكن النزيف هذه المرة هو نزيف قصائد تصنع فجرا جديدا، يولد من عيني الشاعر، الذي نراه يفتخر بأهمية دوره كشاعر.

ففي البيت إذا تأكيد على دور الشاعر في المجتمع ..فالشاعر ينزف شعرا..ويصنع فجرا.

يتبع،،

ايوب صابر 01-05-2012 01:59 PM

نريد ان نستكمل القراءة المعمقة لهذه القصدية الجميلة ...انتظرونا هنا في البيت التالي.

تجَلَّيْتَ فِي مَعْنى الحُضورِ وَإنَّمَا = حُضورُكَ طَيْفٌ فَي القراطِيسِ هَاتِفُ

عبد اللطيف غسري 01-08-2012 12:05 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 101926)
نريد ان نستكمل القراءة المعمقة لهذه القصدية الجميلة ...انتظرونا هنا في البيت التالي.

تجَلَّيْتَ فِي مَعْنى الحُضورِ وَإنَّمَا = حُضورُكَ طَيْفٌ فَي القراطِيسِ هَاتِفُ

حياك الله أخانا الفاضل الأستاذ القدير أيوب صابر..
أحييك على نشاطك الدؤوب في قسم النقد وحرصك على أداء مهمتك النقدية السامية على أكمل وجه.
سوف أنتظر استكمالك لقراءتك النقدية السامقة لقصيدتي هذه من أجل المزيد من الإثراء والفائدة.
تقبل تحياتي ومودتي الدائمة.

ايوب صابر 01-11-2012 11:22 AM

تابع ،،،

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر الاستاذ عبد اللطيف غسري:


تجَلَّيْتَ فِي مَعْنى الحُضورِ وَإنَّمَا = حُضورُكَ طَيْفٌ فَيالقراطِيسِ هَاتِفُ

وفي هذا البيت نسمع صوت الشاعر من جديد وهو يمجد ذاته ويمدح نفسه واصفا ما حققه في دنيا القصيدة من انجازات فيقول: أي هذا ...لقد كان لك حضورا جليا في عالم الإبداع الشعري، حضورا بارزا واضحا، عميق المعنى واضح الأثر، وكأنك الشمس الساطعة تظهر بعد ليل طويل فيكون ظهورها بارزا واضحا جليا.


وهكذا يصف الشاعر ما قدمه من انجازات شعرية، لكنه لا يكتفي بهذا المديح لذاته من خلال وصف حضوره المميز، بل يضيف إلى ذلك وتأكيد على شعوره بالفخر ومادحا نفسه، بأن ذلك الحضور لم يكن عابرا، ولا هامشيا، ولا يصعب ملاحظته... فهو بالإضافة إلى انه جلي واضح، فهو أيضا (طيف والطيف من الخيال والنور وهو ما يمكن أن يعبر إلى الذهن والقلب دون حواجز أو معيقات ).


وهذا الطيف استوطن دواوين الشعر، يكاد يسمع صوته، وهتافه، من بين أوراق تلك الدواوين، وفي ذلك ما يشير إلى مدى افتخار الشاعر بقدرته الشعرية التي يرى أنها أصبحت مثل الطيف الهاتف من بين الدفاتر ليخترق القلوب والأذهان، وكأنه يعيد إلى الأذهان قول المتنبي:


أنا الـذي نظـَرَ الأعمى إلى أدبــي ... وأسْمَعَـتْ كلماتـي مَـنْ بـه صَمَـمُ


لا بل هو يتفوق على المتنبي فهو لا يكتفي بالقول انه ولبلاغته وحضوره الشعري، كان قادرا على أن جعل الأعمى يرى شعره، وان يجعل الأصم يسمع قوله، بل إن شاعرنا يجعل حضوره (هتاف طيف) ذلك الهتاف الذي يخترق كل الأشياء والأجسام فحتى الجماد يمكنه أن يسمع لحن شعره الهاتف من بين ثنايا الكتب وليس فقط الأعمى والأصم.

ويبدو أن شاعرنا في طريقه لان يتفوق على المتنبي في فخره ومدحه لذاته ووصفه لقدراته على القول الجميل المؤثر.


ولا شك أن في البيت صورة شعرية بالغة الجمال فلك أن تتخيل عزيزي المتلقي صورة هذا الحضور فكلمة ( تجلى – تجليت ) توقظ في ذهن المتلقي معاني القوة، والرهبة، والنور الساطع، الذي لا مثيل له، والذي لا يمكن إلا أن يترك أثرا مزلزلا.


وفي الشطر الثاني يعزز الشاعر تلك الصورة الجميلة فيؤكد على أن ذلك الحضور لا يقتصر على التجلي وإنما هو في الواقع يصبح مثل الطيف الذي يستوطن الكتب ولكن الشاعر يشخصن الطيف هنا فيجعل له هتاف، ولا بد أن هتاف الطيف سيكون قادر على اختراق القلوب والعقول.

وباستخدام كلمة هاتف يوقظ الشاعر حاسة السمع لدى المتلقي مما يجعل لبيت الشعر هذا اثرا عظيما ومزلزلا.

ولا شك ان كاتب مثل هذا البيت من الشعر يستحق ان يفتخر بقدرته على قول الشعر الجميل.

يتبع،،

ايوب صابر 01-16-2012 03:23 PM


تابع ،،،

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر الاستاذ عبد اللطيف غسري:


ضِفَافُ الصَّدى تنزَاحُ.. أمْسِكْ ذُيُولهَا = إذا الصوتُمَعْنًى لِلصَّدى وَمُرَادِفُ

يعود الشاعر في هذا البيت لاستنهاض الهمة، همة نفسه الشاعرة طبعا، ونسمعه وهو يخاطب ذاته من جديد، حاثا إياها على أن تُقدم دون تردد على الكتابة الشعرية ، ومخاطبا ذاته بقوله "لا تقف هناك جامدا، وأنت تداعب حلمك، غير مدرك لسرعة مرور الزمن".

وفي هذا البيت الجميل والذي يشتمل على صورة شعرية معقدة وجميلة، نجد أن الشاعر يحث نفسه على الإسراع في العمل، والتصرف قبل أن يتلاشى صدى ما حققه من نجاحات في مجال الكتابة الشعرية، حيث شبه الشاعر صدى ما حققه من نجاح بنهر جارف، جاري، لكن الشاعر يرى ضفاف ذلك النهر من المجد والشهرة تنزاح بعيدا عنه، وفي ذلك كناية عن تلاشي صدى ما حققه من نجاح... لذلك فهو يخاطب ذاته حاثا أيها على الإمساك بذيول ما حققه من نجاح، قبل أن تتلاشى تماما كما يتلاشى الصدى.

وفي استخدام كلمة ذيولها ما يشير إلى صفة الاستعجال التي يضمنها الشاعر لهذا الشطر من البيت فهو يرى بأن توقفه عن ألكتابه جعل صدى ما حققه من نجاح يكاد يختفي وفي ذلك حثٌ على الاستعجال في التصرف والعودة إلى الكتابة، وهذا ينسجم مع حالة الاستعجال التي ضمنها الشاعر في البيت الأول من القصيدة.

ونجد أن الشاعر قدم الصدى على الصوت لان التلاشي هي صفة الصدى، الذي يقع كنتيجة للصوت، ويتلاشى تدريجيا.

ومن هنا نفهم الشطر الثاني من البيت على انه مخاطبة للذات من اجل الاستمرار في قول الشعر الجميل، الذي يمثل رفع الصوت والجهر به، مما يؤدي إلى وقوع الصدى.
وعليه فأن مخاطبة الشاعر لذاته بأن يستعجل في الإمساك بذويل الصدى قبل أن تتلاشى هي في الواقع استنهاض للهمة على الاستمرار في قول الشعر، الذي هو الصوت والذي ينتج عنه الصدى الذي يكاد أن يتلاشى.

فخوف الشاعر الذي يدعوه إلى الاستعجال في التصرف نابع في الواقع من خشيته أن يتلاشى صوته الشعري الذي ترك صدى عظيما...وذلك إذا ما استمر في الوقوف جامدا كالظل بينما الوقت يمر مسرعا.

ونجد أن لهذا البيت وقع عظيم على المتلقي، ناتج أولا من تشبيه الشاعر لصدى ما حققه من نجاح بالنهر الجارف العظيم ودليل عظمته تلك الضفاف التي كادت أن تتلاشى لأنه توقف عن الكتابة.

ثم من استخدامه لكلمات توقظ حواس المتلقي، وأهمها حاسة السمع باستخدام كلمات (الصوت و الصدى)، وفي استخدام كلمة ( امسك ) إيقاظ لحاسة اللمس عند المتلقي. وفي الشطر الأول تشخيص لضفاف النهر وكأنه كائن له ذيل. وفي استخدام كلمات ( الصوت والصدى ) استثمار للتضاد الذي له أعظم اثر على ذهن المتلقي.

والصورة الشعرية المتمثلة في ( ضفاف وتنزاح ) ما يوحي بالحركة،وهو ما يجعل البيت ينبض بالحيوية والحياة.

وفي هذا البيت ما يشير بوضوح إلى قدرة الشاعر عبد اللطيف غسري المهولة على تطويع الكلمات ليوصل لنا ما يريد أن يقوله عبر صورة شعرية غاية في الجمال والتأثير رغم ما يشوبها من تعقيد ظاهر هنا، وتقديم للصدى على الصوت.

ولا عجب إذا أن يفتخر بقدرته ويمدح ذاته الشاعرة.

ايوب صابر 01-22-2012 03:07 PM

على عَجَلٍ أبْحِرْ بِأشْرِعَةِ الأنا = لعَلَّكَفُلْكَ الذكْرَياتِ تُصادِفُ

وفي هذا البيت يستعجل الشاعر ذاته من جديد ( على عجل) طالبا من نفسه الإسراع في القيام برحلة شبه بحرية هذه المرة، ولكن باستخدام أشرعة ( الأنا ) والأشرعة جمع شراع، وهو ما يثبت على السفينة لتتمكن من الإبحار، ولكن البحر هنا هو الذات الشاعرة.
فالشاعر هنا يستعجل نفسه للإبحار في أعماق ذاته الشاعرة لعله يلتقي مصادفة بفلك الذكريات. والفلك هو السفينة وفي هذا البيت ما يشير إلى اعتزاز الشاعر بذاته الشاعرة التي يشبهها بالبحر الواسع، ولذلك فأن الإبحار في هذه الذات يحتاج إلى أشرعة والالتقاء بفلك الذكريات ربما يحدث، وربما لا يحدث وان حدث فسوف يكون ذلك صدفة، وذلك كناية عن ضخامة الذات الشاعرة.
وهذا البيت يشير إلى مدى اعتداد واعتزاز الشاعر بذاته الشاعرة التي يشبهها بالبحر، لكنه واسع بدليل حاجته إلى أشرعه تنقله عبر هذا البحر ولعله يتلقي صدفة بفلك الذكريات.
وأي ذكريات هذه ؟ هذا ما نجد جوابه في البيت التالي.

تركْتَ رَياحِينًا هُناكَ نَدِيَّةً = ـأتذكُرُهَا؟ـ حيثُ الظنونُ عَواصِفُ
وفي هذا البيت يعود الشاعر ليتذكر بداياته في كتابة الشعر، والتي يشبهها الشاعر هنا بالرياحين الندية، وهو يسأل هل ما زلت تذكر تلك القصائد الندية التي كتبتها على الرغم أن الظنون كانت كبيرة وعاصفة؟

وحيثُ لِسَانُ الوقتِ يَجْرَحُ حَرْفَهُ = وحيثُ قُصَاصَاتُ السؤالِ صَحائِفُ
وفي هذا البيت يصف طبيعة ذلك الزمن الذي ترك فيه الذكريات. وهو في هذا البيت يشخصن الزمن ويجعل له لسان.
ولا شك أن هذا الشطر كناية عن الحالة النفسية التي كانت تسيطر على الشاعر في تلك المرحلة الزمنية، وفيه كان الزمن يجرح الشاعر ( ربما لصعوبة الظروف) فينعكس ذلك على حروفه وقصائده.
وربما يريد الشاعر هنا أن يصف لنا شكوكه التي كانت تسيطر عليه أحيانا فتجعله متشكك في الوصول إلى النجومية والشهرة ولكنه وحيث حقق النجاح يستعجل نفسه للامساك بالقلم من جديد.

مَتَى يَشْرَئِبُّ النَّجمُ مِن شُرْفَةِالمدَى؟ = سُؤالٌ لِأسوارِ الإجَابَةِ ناسِفُ
وفي هذا البيت يشبه الشاعر نفسه بالنجم الذي ( يشرئب ) أي الذي يظهر من شرفة المدى وكأنه شخص يمد عنقه، وهو حتما يتساءل متى يظهر نجمكَ ويترفع؟ أيها القادم من المدى البعيد.
لكنه سؤال ليس في مكناه، فهو لا يحتاج إلى أجابه، لان النجم قد وصل ، والمقصود به هنا (الشاعر) وهو موجود أصلا من خلال ما حققه من نجاخات سابقة. وليس هناك حاجة لانتظار ظهوره من المدى البعيد.

وَنادَيْتَ عِشْتارَ القصيدةِ أنْضَعِي = نسِيغَكِ فوقَ الجِذعِ، فالغُصنُ راجِفُ
وفي هذا البيت يقول الشاعر انه خاطب آلهة الشعر (عشتار القصيدة )، وعشتار هي آلهة الخصب ولكن المقصود هنا هو وحي الشعر، وهو منبع الشعر لديه..
مناديا أيها ويطلب منها أن تضع وشمها ( نسيغ ) أي الوشم أو الأثر( القصائد) فوق الجذع، وفي ذلك كناية عن حث الشاعر نفسه على الإقدام على كتابة القصائد التي شبهها بوضع الوشم على الجذع المرتجف. وربما الارتجاف سببه الخشية من فقدان القدرة على الكتابة الجميلة.

ألم تعْلمِي أنِّي عَصِيٌّ بنِينَوَى = وأنِّيَ طَوَّافٌ عَنِ النهرِ عَازفُ؟
وهو في هذا البيت ما يزال يخاطب آلهة القصيدة ( عشتار القصيدة) ويقول لها ألا تدرين بأنني في حالة جعلتني غير قادر على الكتابة ( عصي بنينوى )، وأصبحت عازف عن قول الشعر..الذي سبق ان تدفق مني مثل النهر..
فلا تترددي يا آلهة الشعر أن تطلقي لنفسك العنان لتضعي نسيغك من جديد فوق الجذع المرتجف.

ياسر علي 01-26-2013 04:08 AM

شكرا أستاذنا الكريم ، بحثث عن البيت المفتاح في النص فلم أجد الا ما تفضلت به تأويلا .
الشاعر يعيش حالة زهو شعرية يستوطنها خوف من الآتي المجهول تارة يفتخر بفحولة قوافيه وأخرى يخشى نضوب ينابيعها ، فيبتهلا مناجيا آلهة الحب التي لها سلطان على الإحساس المرتبط بالشعرية .
لا جفت عيون إبداعكما
وشكرا لكليكما .

ايوب صابر 01-26-2013 01:36 PM

اشكرك يا استاذ ياسر علي


بصراحة ليس من السهل سبر اغوار اشعار الاستاذ عبد اللطيف غسري، لكنني احاول ما استطعت. ولعلك تساعدني في سبر اغوار قصيدته الجديدة حفل زفاف سريالي وهي الاعقد على ما يبدو.

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=10460

ايوب صابر 05-19-2013 12:32 PM

قراءة معمقة لبعض قصائد الاستاذ عبد اللطيف غسري على الرابط ادناه:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7347


الساعة الآن 12:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team