منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر سِحْـر المنابــر (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=65)
-   -   ** نصوص القائمة الرئيسية والمستحدثة / منبر القصص والروايات .... (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3871)

سحر الناجي 03-01-2011 06:00 AM

** نصوص القائمة الرئيسية والمستحدثة / منبر القصص والروايات ....
 
1 - إشاعة مزعجة / نزار ب . الزين



إشاعة مزعجة


قصة قصيرة


نزار ب. الزين*
*****
بعد سهرة طويلة في بيت رئيس مخفر قرية الغدير ، ترك الأستاذ مروان المضافة في طريقه إلى سكنه في المدرسة ، و في يده عصا ، يهش بها الكلاب الضالة إذا صادفته ، و بيده الأخرى ضوء بطارية ( فلاش ) ، كان يضيئه من حين لآخر تجنبا للتعثر بالحجارة التي كانت تملأ الطريق .

كانت تلك هي المرة الأولى التي يتأخر فيها مروان حتى انتصاف الليل ، أما السماء فكانت صافية و الهواء عليلا ، إلا أن القمر كان في أواخر أيامه فلن يظهر قبل الفجر ، و لكن أضواء النجوم كانت كافية لتريه طريقه بمعاونة ضوء البطارية ..
كان يصفر لحنا جميلا عندما لفت نظره ، حيوان ما ، يتعقبه ...
وجه الضوء نحوه فلمعت عيناه ، و لكنه لم يميزه ..
أما الحيوان فقد كف عن اللحاق به ، لربما أزعجه الضوء ...
" ترى هل هو كلب ضال ؟؟ "
" أم ترى هو ذئب يبحث عن فريسة ؟! "
ارتعدت فرائصه لمجرد الفكرة
و بدأ يسمع ضربات قلبه و كأنها طبل أفريقي يعلن النفير !
" لقد انتهيت يا مروان "
" آخرتك بين فكي حيوان مفترس ، يا مروان !! "
أخذ يهمس إلى ذاته و قد بدأ يشعر بشلل الرهبة .. ، و لكنه تجلد و استمر يغذ السير ..
" لا زلت في منتصف الطريق ، يا مروان "
" الله يرحمك يا مروان "
و لكنه تجلد و استمر يغذ السير ...
و من حين لآخر كان يلتفت نحو رفيقه المرعب ..
يسلط الضوء نحوه ، تلمع عيناه ، يكف عن اللحاق به لفترة وجيزة ، ثم يتابع ..
يسمع الآن لهاثه ..
" لقد اقترب اللعين .... "
يرفع مروان عقيرته بالغناء ... فيخرج صوته متحشرجاً ..
يشعر أن الحيوان أصبح وراءه مباشرة الآن ..
يلتفت مسلطا الضوء عليه ..
يا للهول إنه ضبع ..
يعرفه من ظهره المائل ..
" رأيت الضبع ( الذي أكل بياع الحلاوة) ، في أحد الأعياد ، عندما كنت طفلا يا مروان ."
" رأيت صورته في عدة كتب يا مروان .."
" الله يرحمك يا مروان "
يكاد يسقط ...
يتجلد ..
يجر قدميه ..
و لكن الضبع يبتعد عنه قليلا نحو اليمين ..
ربما أزعجه الضوء !
أخذ مروان يصرخ ، ملتفتا نحو القرية خلفه:
" وين راحوا . وين راحوا...وين راحوا النشامى "
" يا أبو عدنان ... يا أبو فيصل .. يا أبو شهاب !!!! "
و لكن الضبع لا زال يرافقه ..
يسلط عليه الضوء من جديد ..
يبتعد الحيوان أكثر ..
يعاود الغناء بأعلى ما أوتي من صوت ، يخرج صوته متحشرجا أكثر من قبل...
ثم يعاود الإستنجاد بأعلى ما أوتي من صوت الذي لا يزال يخرج متحشرجا :
" وين راحوا .. وين راحوا...وين راحوا النشامى "
" يا أبو عدنان ... يا أبو فيصل .. يا أبو شهاب .. يا أبو هايل !!!
و لكن بلا طائل فكل الناس- الساعةَ - نيام ...
يتجلد ثم يستمر يغذ السير ...
فجأة يلمح بناء المدرسة ...
" لقد اقتربت من طوق النجاة يا مروان "
" تجلد يا مروان "
" إنها بضعة أمتار يا مروان "
يسلط الضوء نحو اليمين
" لا زال اللعين يرافقني "
يقترب من المدرسة ، يجري ، يخرج المفتاح من جيبه سرواله المبلل بيد مرتعشة ، يصعد الدرجات الثلاث قفزا فيتعثر ، ينهض بسرعة ، يفتح باب غرفته ، يدخل و هو يلهث ، و طبول قلبه لا زالت تدق ايقاع الخطر ، يقفل الباب ؛ يجر الطاولة وراء الباب ... ثم يتهالك فوق سريره ، و هو يهمس إلى ذاته :
" لقد نجوت يا مروان ... "
" كاد الضبع يلتهمك يا مروان ... "
" و ليمة عشاء فاخرة ، كنتَ ستمسي ، يا مروان "
" ربما كان سيدعو أم عياله السيدة ضبعة ، و جراءه الجائعين ، أو ربما كان سيجرك إليهم .... يا مروان "
" الحمد لله على سلامتك .. يا مروان ..."
*****
في اليوم التالي ، قص ماجرى له ، على كل من صادفه .
صدقه البعض و ظن البعض أنه متوهم !
و بعد انتهاء الدوام المدرسي ، توجه إلى المخفر ، ليحكي لصديقه أبو عدنان - رئيس مخفر الغدير - عن تجربته المرعبة تلك ، و يعاتبه لأنه لم يرسل معه مرافقا ليلة أمس .
و تصادف وجود أحد وجهاء القرية ، الذي أكد أن مرافق الأستاذ كان بالفعل ضبعا ، و لكنه لم يكن جائعا ، فقد نبش قبر طفلة رضيعة كانت قد دفنت بالأمس ؛ ثم أضاف ضاحكاً :
- و لولا أنه كان ممتلئاً لكان الأستاذ مروان وجبته ! .

*****
انتشرت ، قصة الأستاذ مروان بين أهل قرية الغدير ، ثم تناقلتها الألسن إلى القرى المجاورة ثم إلى مركز المحافظة ، كانوا ينقلونها بصور شتى و بأساليب مختلفة ، حتى تطورت إلى عبارة : (( الضبع ، أكلَ الأستاذ مروان ، معلم مدرسة الغدير))
و بطريقة ما بلغت القصةُ العاصمة .
ثم تناولتها إحدى الصحف مُبهَّرةً محوّرة !....

*****
بعد بضعة أيام ، فوجئ الأستاذ مروان بحافلة تقف جوار المدرسة ، ثم يترجل منها والده و عمه و شقيقيه و بعض الأقارب !!!
و ما أن رَأوه حتى هرعوا نحوه يضمونه إلى صدورهم مهنئين بسلامته .
-------------
نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
***********

نزار ب. الزين
قالت الحكمة وهي تتجول بتؤدة على مرافئ الزمان أن :
كل شئ إذا كثر رخص إلا الأدب فإنه إذا كثر غلا ..
و أضافت بكبرياء المنطق : للصمت أحيانا ضجيج .. يطحن عظام الصمت ..
وفي قصتك الباهظة الحرف سيدي.. لم يكن للصمت من ظلال على جدر الألسنة ..
وأولئك من يلوكون الحدث بحناجر ثرثارة لا يدركون أنهم يغتالون الحقيقة في بهراوة المبالغة ..
وجلنا الأستاذ مروان لولا تفاوت الحكاية .. وهزال الأصوات المتفاوتة بين مصدق ومكذب ..
حينها سيقبع القطن في الأسماع لهنيهات تمتد أصابع المبالغة لإزالته كي تزرع الوهم ..
رائعة انسكاباتك فاضلي .. وكانت غيومك باهرة المطر ..
سلام على روحك ..


سحر الناجي 03-01-2011 06:04 AM

2 - أليانا / أريج عبد الجليل




تساقط ...تساقط في نسق الحياة ... اضحى الكون رتيبا˝ ..يطقطق ..كل يوم ..بنفس النسق ..طق طق طق ..تساقط في احداث جرت ..ثم بدأت تتداعى .أكان الخطا من المؤلف ام من المخرج ؟ ام من الممثلين ..وتلك الجوقة التي تسمر افرادها رعبا من تلك الكلمة التي اطلقتها ..أليانا ..نعم هي من اطلقت تلك الكلمة لتدوي في ارجاء المسرح ...طراااخ ...اليانا ...الفتاة الصغيرة ..هل من الممكن ان تكون هي ...ولكن لماذا ؟ ما الذي غيرها في هذه اللحظة ؟ أهو المشهد الأخير ؟ام توبيخ المخرج لها في المشهد السابق .. الياانا ؟؟؟ اين انت ؟؟اين ذهبت ؟؟ ياللهول ؟؟كل شيء اصبح مظلما ..تتراءى بين ستائر المسرح ظلال ...خرجت من بين الستائر ...ظلت تتأرجح في صمت ..اليانا ..اليانا ..يا ألهي ..اليانا تتدلى من السماء كملاك صغير ... يا لجمالها ؟!! ولكن ..اليانا ...الياناااااا .لا اا ..هرعت الجوقة جميعها الى اليانا ..يتدلى جسدها الهزيل من على المسرح الذي بدأت حياتها فيه وقررت ان نتنهيها فيه ... اليانا ..تتدلى من اعلى المسرح وقد تجمدت دمعتان على ارضية المسرح .. دمعتان ما زالتا حارتين ...تحملان حرارة الالم الذي شعرت به كل تلك السنين ..اليانا ..تلك اليتيمة ...التي كانت تمني نفسها بان تقول امي ..أبي ..تدلت والموت يقبض بكفتيه على عنقها الصغير ..اليانا ...ذاك الملاك الذي ظلمه الآخرون ..حتى انهم نعتوها ووصموها بالجنون احيانا ..لانها اثرت الصمت في معظم الاحيان ..لأنها عزلت نفسها عن الأخرين ..اليانا تلك الفراشة البيضاء ...قتلت ...لم تنتحر اليانا ...اليانا قتلت ...تتجمع الحشود ..أهذا جزء من العرض ...تتسلل بين الحشود رؤوس صغيرة ...اهذه اليانا ؟؟ انهم اطفال الملجأ ..يحبون اليانا كثيرا ..يعشقونها ..حد الجنون ..فهي كانت لهم الأسرة الوحيدة في هذا االعلم ...انطونيو يصرخ ,,!! اليانا اهذا المشهد جزء من المسرحية ..اليانا ...صامتة ...ردي اليانا ...لا تجيب ...انطونيو يصرخ بحنق شديد على هذا الكون ...يصرخ وهو ينظر الى المخرج والى الجوقة والى الحشود ... قتلتموها ..نعم انتم من قتلها ... ظلت تكافح لأجلكم ...ظلت تحاول ان تثبت نفسها في هذا الكون ..ولكنكم قتلتموها ...انطونيو يجلس تحت ظلال المشهد ويتلمس دموع اليانا ويمسحها على وجهه ..اليانا ...اليانا ..لمن تركتينا ؟ من سيدفعنا الى التفاؤل بعد الآن ؟؟ من سيوبخنا عندما نسرق ؟ من سيقول لي ليلة سعيدة ويقبلني على خدي ....اليانا ..تكوم جسد انطونيو بين الحشود وهو ينظر الى الخواء ..أظلم العالم في وجهه في تلك اللحظة .. ظل يردد ..أليانا ..أليانا ...لا ترحلي اليانا ... تجمعت الجوقة حول جسديهما وهم ينظرون دون حراك ؟.. نظر المخرج الى وجهه في مرآة الممثلين ..وجد نفسه قبيحا ...جدا ..ظل ينظر الى نفسه بحنق شديد من انا ؟؟ وماذا فعلت ؟؟ يا الهي ..قتلتها !! ما كان علي ان اوبخها ..ما كان علي ان اصرخ في وجهها .. يا الهي ماذا فعلت ..يسقط المخرج على ارض المسرح وهو يردد ..قتلت اليانا ..نعم انا قتلتها ..تتجمع الحشود حول المخرج وهي تنظر ... بدأت الحشود في الاختفاء قليلا قليلا خلف ستائر المسرح ..أسدل الستار جزئيا ..حتى تلاشى كل شيء ...ما عدا اليانا ..تلك الروح الرقيقة التي ظلت تجول حول ذلك المسرح وتعتني باطفال الملجأ ..وانطونيو الذي اصبح شخصا غير مألوف ... اصبح اليانا اخرى .. الآن فقط اسدل الستار ووقف الجميع وصفقوا .

**************

أريج عبد الجليل
عند تأفف الحدس الجالس واجمآ على كرسي الوعي من رتابة المساء ..
تأتينا على حين غرة حشرجة تنوء بالبيان وتحرر أصابع الدهشة ..
التسمر .. هو التعبير الأولي لاصطفاف الإدراك أمام انسياب الفكرة ..
حقآ .. لا يجني المتلقي من براعة المبدع سوى حفنة من النقوش التي تعتلي الذاكرة ..
ويكفيني هنا .. أني قرأتُ باستمتاع حد أني أعدت توزيع أحداقي مرارا على الجمال ..
عادة ما ألتقط شيئآ من الروعة إذا ما مررتُ من خمائلها ..
وهذا الفوج من المعاني الراقية هو ما صاحبني قيبل الرحيل ..
مذهل عطرك يا أريج .. وبهي الرائحة ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 03-01-2011 06:13 AM

3 - حب بلا أحلام / حسام سيف

حب بلا أحلام



استفاقت وابتسامة الرضى تجمل وجهها القمري من غفوة تحت ظل شجرة زيتون مثمرة
اتكأت معتدلة في جلستها تلملم خصلات شعر تناثرت فوق وجنتيها
برباطٍ أحمر

نظرت بطرف عينها للسماء فانكسر شعاع شمسها فوق سواد عينها
فتوارت على عجل خلف جبال القرية خجلاً
من جمال فتاة البستان


لحقت بها تخطو خطوات حمامة تلاحق حبيبات الذرة
تقطف ثمرة تفاح هنا... تمسك غصن شجرة هناك...

تقفز عالياً تداعب عناقيد العنب
فرحةً بحلم زارها منذ لحظات

حبيب ترملت يدها بين يديه ، حبيب نفر الليل من سواد شعره
حبيب غرق نهر الصبح في وجنتيه ، حبيب تهابه شموخ الجبال

صمتت . . وقفت . . نظرت . . استدارت

بركان حزن ثار على محياها

حبيب من صنع الأحلام . . أين سوف يكون

هل له وجود ..!!

سؤال راودها

نفض عنها كل شي جميل
في لحظة حزنٍ بارد

لسعة حرارة توهج لها الخدّان حمرة

استدارت

إنها أشعة شمس تحث على المسير

لسفح تل يطل على مشارف قريتها

سارت تجاري شمس يومها
تصعد تل قريتها

ولكن بخطوات مثقلة وروح ساكنة
وطيف هدوء سقيمٍ يحوم حولها
ترانيم حديث من بعيد أفزع مسامعها
فهي لم تعتد وجود بشر في طريق عودتها

وقفت ملتفتة نحو مصدر الصوت فإذ هو راعي القرية وشاب غريب تعرفت على ملامحه هذا الصباح

اقتربت بهدوء منهما مختبئة خلف شجرة بلوط
إنه حديث عن الحب
فنظرت عالياً هل هناك من وقت النهار متسع ...!!
فوجدت شمس نهارها متكأة على تلٍّ
تنتظرها


جمدت كل حواسها عن الحراك ما عدا مسامعها
لتسمع حديث الحب
بين الشابين
سأل الراعي الشاب الغريب

ما سر حياة الحب من وجهة نظرك ...؟؟
فأجاب
إنه العطاء
ورده عليه بنفس السؤال بلهجة تهكم
ما سر حياة الحب من وجهة نظرك أنت ...؟؟

فأجاب الراعي
إنه الوفاء

فاستدارت بوجهٍ يتوهج حمرة خجل
لشمس نهارها تهمس بعهدها الأبدي
حبيبي . . لن أغفو بعد اليوم


بقلم
حسام سيف
توثيق
29/2/1432هـ

**************

حسام سيف ..
ابتسامة تستلقي على الشفاه باهتة حين يعترينا ذاك الملبد بالوجيب ..
قنديل مبحوح الوهج .. يتسلل إلى الأفئدة ونخاله البدر في سطوعه ..
وفي أحلامنا نخال ذاك الطيف الذي قد يشطرنا إلى أنصاف .. وكأنه أعجوبة الزمان ..
والتلصص إلى أهازيج القلوب كالتنصت إلى أغنيات الشعور على حقول الزمن ..
ومن يغفو والأحلام بجنونها تنفي النوم من عيوننا ختى توشم بالذبول والشتات ..!!
حكاية قلب مرهف .. استدعت حدقي فأتيت لأرى ما خطبها ..
ومضيت وأنا أحمل في كفي أمنية قلب يحلم بالعشق ..
شكرآ كبيرة لهذا المطر ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 03-01-2011 06:22 AM

4 - تواشج / غازية منصور الغجري




عرضت نصف ثروتها مقابل تبادل نصفها الأعلى مع خادمتها ...

في العيادة صرخت الثانية ..

السيدات

أ

و

لاً .

***

سحبته إلى الشرفة ..أشارت الى الأرنب وانثاه بحسرة ..هل ترى عظمة هذا التواشج ..

قال لها في ارتباك : - هل أنجزت ترقيع سروالي الأسود؟..

***

انعتاق ..ق ق ج

كان حلمه أن يدخل سينما القدس كما رفاقه كل خميس ..وكان والده يتهمه بالفسق ..ويحذره من شر أحلامه ..عاد من المدرسة ...وجده محمولا على الأكف وسط جماهير غفيرة ..سقط مغشياً عليه .. ملئوا أنفه بغاز الحياة من فحل من البصل .. نهض مسرعاً باتجاه الزاوية التي خبأ فيها سجائر و تذكرة ..خطفهما فرحاً و أطلق لرجلية العنان .


****

تكفير..


..أغرقت شوارع المدينة بالدموع عند صوت الباب المدوي خلفه ..عاد بعد ربع قرن ..أخذها في رحلة علاج طويلة تكفيراً عن ذنبه .. هدم بيتها المتواضع وشيد لها قصراً باذخاً ..في تلك الأثناء ، ذهب عقلها مع ذكرياتها وصباها وهو يرتجف ويفأفئ .

************

غازية منصور الغجري
في كوخ ناء على تلال الخيال سمعت صوت حكاياتك ..
وتحت خميلة الدهشة تراصت حروفك تحتمي بظل ظليل ..
وخلف النوافذ الخشبية كان ثمة ستارة حيث طيف يطل من حرير الصمت ..
ذاك كان يراعكِ الذي حمّل الغروب مزيد من القرمزية ..
فجاء الظلام ينوء بتراتيل بقصة الزمان الموغر بالضوء ..
قصص رائعة ومنثور خلاب ..
سلام على روحك

سحر الناجي 03-01-2011 06:27 AM

5 - وداع / حيال محمد الأسدي

وَدَاع


تَمَعَّنَ فِي تَقَاطِيْعِ وَجْهِهَا
أَحَسَّ بِتَنَاغُمٍ سَاخِنٍ
بَيْنَ رَجْفَةِ شَفَتِهَا السُفْلَى
وَ نَبْضِهِ
مَرَّرَ اصْبَعَهُ عَلَى الفَجْر
اعْتَقَلَ خِصْلَةً جَذْلَى
وَ أَعَادَهَا
الَى اللَّيْلِ السَارِحِ
علَى كَتِفَيْهَا
تَقَدَّمَ نَحْوَ البَاب
لَوَّحَ بِيَدِهِ
ظَلَّتْ هِيَ جَامِدَةً
كَأَنَّهَا نُصْبُ خَيْبَة
سَقَطَتْ دُرَّةٌ
حَرَثَتْ حُمْرَةَ الشَفَق
وَ مَعَ البَابِ
قَلْبُهَا انْغَلَق !!


حِيَال مُحَمَّد الأَسَدِي
************
حيال محمد الأسدي ..
الوجوه وحدها سيدي تحمل تضاريس القلوب الغارقة في لجة الشعور ..
أصابعك أزاحت ستار الدهشة عن شبابيك أحداقنا لتسدل حرير الذهول ..
أنا هنا أجدني أمسك على الوداع بأطراف مدببة الإنتباه ..
أجدت في أن تجعلنا نرتقي للغيم ونشاكس المطر ..
حرفك باهظ سيدي .. ويتوهج بالتميز ..
سلام على روحك



سحر الناجي 03-01-2011 06:33 AM

6 - شعرها برائحة الدرّاق / محاسن سبع العرب


شعرها .. برائحة الدراق .. ( ق . ق . ج )

كان يحدثها طوال الوقت عن زهور دراق ليلكية تكاد تتفتح ..
ولما أثمر
الدراق .. وحان قطافه ..
كانا قد افترقا ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسرّت له :
ـ لما أنام .. أتوسّـدُ شـَــعـري

ذهب بخياله إلى البعيد ..
تخيّـلها نائمة تتوسد غيمة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ هل شعرُكِ طويل كما أشتهيه ؟

ـ هو تماما ً .. بطول أحلامي معك ..

بعد سبعة أيام فقط .. قصته إلى ما فوق كتفيها ..

*****************

محاسن سبع العرب
بين خصلات شعثاء من الأماني دس يراعك أنفه ليتشمم الحكاية ..
كانت الغيوم التي اكتنزنت على كتف خيالك مسرفة بالبياض ..
والبرق وحده يناكف المدينة الغافية على سفح وعينا ..
فجاءنا حرفك بحفنة مضيئة من المطر اللذيذ ..
جميلة هي رائحة الدراق هنا ..
سلام على روحك

سحر الناجي 03-01-2011 06:41 AM

7 - ذات مساء / مراد عبد

ذات مساء ...



جاهد العجوز طويلا ليصعد السُلم ، مغالبا سني الغربة التي أحنت ظهره ، ومتكئا على قلبه الكسير . يحث ساقيه المتخاذلتين لتضعا قدميه أمام الباب ، وقد تلاشت في خاطره صور غائمة لذويه ..
وفي الصباح فتح الصبي الباب ، صاح : أبي ! أبي ! غريب يرقد عند بابنا .


***************

مراد عبد ..
كيف حدث وأن شعرت بالخطوات الهزيلة هنا تسقط بعثرة الزمن ..!
بين قناديل الأيام نسي العجوز قواه على رصيف الذكرى ..
وبين ذراعي النهاية قال الفجر أن لا عتمة ستهب على الأفق بعد الآن ..
وعند الأبواب المغلقة ثمة حكايات حبيسة الأطياف المنسية ..
يراعك وكز الحزن في أعماقنا فأطلت الدهشة تروي الحبور ..
سلام على روحك ..

حمود الروقي 03-10-2011 12:28 AM

تجربة للــرد في هذه الصفحـة المصابة بـداء البيـاض :)

سحر الناجي 03-10-2011 11:44 AM

8 - ميدان التحرير 5 زوجة وام / روان عبد الكريم

مساء اخر كئيب يحل على مدينتى الهادئة , أسمع حثيث
خطواتك الخافته , تصعد فى هدوء الخائف ثم تتوقف
عندها,من تخدع يا عامر..اعلم انك لديها...اكاد اشعر تغير
الهواء حولى حينما تختلط به انفاسك , انظر للمرآة الموشاة
بسواد السنين, انزع الشعرةالبيضاء العنيدة, تذكرنى انه مر
عاماً لم اخرج من قوقعتى بكلمة ما ..تخليت عن مشرط
الجراح فكيف لطبيبة رأت إبنها الشاب صريعاً ان تمسكه
مدائن الالم تقلصت على ثدى المعطوب , هذا الثدى المعطوب
كان اول يؤنس قبره..تصعد السلم فى تؤدة المتأمر افتح الباب
تقف وهى خلفك كالظلال..تدخلان دون وعى منى... تقتحمان
خلوتى الاثيرة اشد يدى على صدرى الخاوى ...ياتينى صوتك
سحيقاً مرتجفاً:-
هى خائفة تعلمين ان زوجها مسافر وتلك المظاهرات اللعينة والبلطجية و
اقاطعك باماءة متفهمة.. تغترفان من صمتى جراءة وتنسجان
من حزنى هراء ..تقبران وجودى ..تحبسان عنى هواء الغرفة
..تدس لها سيجارة بين شفتيها القاستين المصبوغتين سوداً
وتمسك هى بمخالب يدها صورة ابنى وتقول:-
له نفس عينيك اللوزتين يا عامر وتغمز فى خفة الى صدرى
الخاوى ثم تلقى الصورة باهمال ..تنفجر حمم الغضب
بداخلى تدوس اخضركما ويابسكما تماما كما انفجرت منذ عام
وانت تهذى:-
ابنك المدمن وجدوه ملقى فى الطريق الصحراوى اثر حقنة هيروين.
يومها لطمت وجهك ووضعت بينى وبينك سدوداً من غبار
تحول عني رؤية مساحات الخوف بداخلك وقد هشمت قامتك
واحنت ظهرك واعطبت عقلك وأنستك هذا ألابن الطيب
الحنون الذى اختفى اثر قيادته مظاهرة فى الجامعة.
حينما أنهى هجومى العارم عليكما ..تؤلمنى نظرة االإرتياع
فى عينيك وتبهجنى اثر اظافرى على وجهها وفرارها منى.
أستعيد خلوتى الآثيرة ...تلوذ بحجرتك لعل الجدران الفاصلة
تحول بين ماضينا وحاضرنا ..افتح النافذة اتنفس هواء اوائل
فبراير العذب بينما صوت ابنى الحنون يهمس من بعيد:-
"مش هنطاطى مش هنطاطى احنا كرهنا الصوت الواطى"
أحس به يدس وجهه الفتى فى صدرى الخاوى فاشعر
بالامتلاء ..تسقط خيوط الشمس الحنون على جفونى.. فاعلم
ان روحاً اخرى تطير شعاعاً معها ..يحتوينى صوت سامر
اخى عبر الهاتف واعرف ان على الدرب شهيدً جديد

******ُ

فى الظهيرةجلست فى الميدان امام بقعة الدم الدافئة ارسم
حولها دوائر بينما الطفل ذو العينين اللوزتين يساعد سامر فى
المسشتفى الميدانى ثم يعطينى بعض الماء ..بينما يهمس
سامر اسمه احمد فانظر له بتساؤل..وهو يقول:-
اخبرنى احمد شقيقنا الكبيرقبل استشهاده انه سيتكفله ..احتضن الصغير واغمم سافعل انا ..يربت سامر على كتفى:-
اذن لديك منافسين فهذا المصرى الامريكى الذى يبيع الجرائد
وهناك ام فقدت ابنها ايضا وووووو
اقاطعه والطفل فى احضانى:-
سافعل انا
ساكمل ما بداه اخى وابنى ..ساقبع فى الميدان..رايت ابنى
مراراً بين الثوار.. فى اعين الثوار.. فى صوت الثوار فى
خطوات الثوار ..اصبح فى يدى المرتجفة قوة ..تعود الطبيبة من جديد ..يعود ابنى من جديد
كاحلام الشتاء الدافئة تأتينى يا عامر, كظل رمادى انسلخ من
واقعه الكئيب ..تسمرت عينيك باسفلت الميدان.. يهمس
صوتك :-
سامحينى فلا اجيبك سوى سوى بهامة مرفوعة ..:-
بل اسأله ان يسامحك ..من اطعمته يوما هذا الصدر الخاوى
حينما يجاوبنى الصمت مذهولاً ..اجد فى عينيك مدن خربة
وقلاع مهدومة وسفناً بلا مرسى تتطاير اشرعتها كشعرك
الليلى يهزها الهتاف من حولى:-
ارحل ارحل
تتناثر غباراً فضياً فى مسائى الحزين وحينما تطالع عيناى
رقمك على الجوال ويدى منهمكة فى اعادة ضمادة احمد
الصغير اغالب جبال الحنين فتقهرنى ويأتى صوتك الحالم
كذاك الصباح البعيد حينما ينتابنى الغثيان وعينيك تغمز بفرح
على بطنى المتكور...يضم صوتك ماضينا وحاضرنا فى
حماسة لاهبة:-
لقد اقتحمنا مقر امن الدولة... لن اهدئ حتى اظفر بقاتل ابنى
....لكنك تظفربسرداب كئيب يعصر روحك وحجرة مقبورة نقش على جدرانها بالدماء خطاً تعرفه واعرفه:-
امن الدولة ظالم ظالم... امن الدولة كافر كافر

مدائن الالم تقلصت على قلبك الذهبى ايها الحبيب فخمد النبض الحنون...اعرف انك قريباً منى ايها العملاق فرائحة الهواء تحمل انفاسك الياسمينية وحثيث خطاك الهادرة يهز الاغصان فتصرخ:-
الشعب يريد حل امن الدولة


**************************

روان عبد الكريم
مساء يتحول إلى أهزوجة وحكاية ملبدة بشفاه الزمان ..
عندما يطل القلب من نوافذ الصدور ويمسك بأطراف نبضه بحفنة شعور ..
قد تكون بادرة أن الآت سيكون موشوم على حواسنا ..
في هذه المساحة عدوت معكِ على شاطئ الحدث حتى اللهاث ..
كان سردكِ واقعيا حتى استشعرت بالنهاية تمهرينها في دمي ..
لن تكون هذه نهاية حلولي هنا .. سأعود بلاريب مع جديدك ..
بلغي قلبك أجمل التقدير


سحر الناجي 03-10-2011 12:44 PM

9 - عندما هجم الظلام / م . يحيى خان


[عندما هجم الظلام] - تجربة مع الرعب - يحيى خان


فجأة ..
ودون مقدمات ..
ساد سكون عجيب أرجاء المنزل، مع توقف جميع الأجهزة عن العمل دفعة واحدة!..
ولأنّ نومها خفيف، فقد شعرت المرأة بذلك فوراً ..
وفتحت عينيها ..
لينتفض جسدها بقوة، مع عدم رؤيتها لأي شيء!..
أجل ..
هـذا بالضبط ما دفعها للانتفاض ..
أنها لا ترى أي شيء ..
بتاتاً!..
الظلام الأسود القاتم يحيط بها من كل اتجاه ، ويمنعها حتى من رؤية كفها التي قربتها من وجهها في محاولة يائسة ..
ما الذي يحدث هنا؟!..
صرخت بالسؤال داخل أعماقها ، ليحمل الصدى إلى عقلها جواباً سريعاً ..
ربما مجرد حلم!..
ظلت ساكنة في مكانها لبضع ثوان ، قبل أن تعتدل جالسة فوق الفراش ، وقـد صفى ذهنها قليلاً من أثر النوم ..
ليس حلماً إذاً ..
التيار الكهربائي انقطع عن المنزل!..
أجل ، هذا ما حصل بلا شك ..
هل هو عـطـل فني من شركة الكهرباء؟..
أم ...؟
شعرت بقبضة تعتصر أحشاءها ، مع التوتر المصاحب للهاجس ..
هل يعقل ما تفكر فيه؟!..
لكنّ ذلك يحدث فقط في الأفلام التي اعتادت مشاهدتها!..
القاتل المأجور (أو السارق) يصل إلى القاطع الكهربائي الرئيسي للمنزل و ...
لا ..
هـزت رأسها بشدة ، لتنفض عن خاطرها هذا الهاجس ، وواصلت طمأنة نفسها بأنّ ذلك لا يمكن أن يحصل معها هنا في بيتها ..
إنه عطل في الشبكة الكهربائية بلا شك ..
الهجوم الحقيقي الوحيد الذي تتعرض له هو هجوم الظلام!..
هذا العدو الأسود ، الذي يطبق عليها الآن من كل اتجاه ، باعثاً في جوانبها ضيقاً يمنعها من التنفس بسهولة ..
يا الله!..
كم هي غالية نعمة الإبصار ، وكم هو مؤلم هذا الشعور بفقدها ، حتى لو كان مؤقتاً ..
أدارت المرأة رأسها يمنة ويسرة ، محاولة سبر أغوار الظلام ، ولمحت ما بعث القشعريرة في جسدها ..
فهناك ..
في مكان ليس ببعـيد عنها ..
نقطة ضوء صغيرة ، خافتة ، معلقة في الهواء ، خضراء اللون!..
يا إلهي!.. ما هذا؟!..
لم يتجاوز هذا التساؤل شفتيها المرتجفتين ، مع استمرارها في التحديق المذعور نحو تلك النقطة من الضوء ..
ثم اجتاح تفكيرها هاجس مخيف آخر ..
الجن؟!..
هل يعقل ذلك؟!..
لقد قرأت العديد من القصص عما يمكن أن يفعله الجن داخل الغرف والمنازل لإخافة بني البشر ، فهل هي الآن تواجه أحدهم؟..
يا إلهي!.. يا إلهي!..
لم تجد المرأة من الشجاعة ما يكفي لكسر حاجز السكون الخانق ، فكتمت بكفها صرخة رعـب كادت تفر من شفتيها ، لتجد طريقها نحو عينيها ، فتخرج مع دموعها المنهمرة في صمت ..
ثم تذكرت شيئاً ..
هاتفها الجوال ..
أجل ، الهاتف مزود بشاشة خاصة تصدر ضوءاً ساطعاً عند لمسها ..
وهذا أكثر ما تحتاج إليه الآن .

الضوء ، لترى ما حولها ..
مسحت دموعها بسرعة وقـد تجدد الأمل لديها في الخروج من هذا الظلام ، ثم أخذت تتلمس بكفيها في بطء وحذر المنطقة المحيطة بها بحثاً عن الهاتف الجوال ، وسط مجموعة من الأغراض الشخصية المتناثرة ..
ساعة معصم ، زجاجة عطر ، رواية و ...
وصلت بأصابعها إلى الجهاز الصغير ، متعرفة على أبعاده وشكله المستطيل ، فـقـبضت عليه بقوة ، وضغطت بلهفة على الزر الخاص بفـتح عمل الشاشة ، ليمزق الضوء الصادر منها جزءاً من الظلام الدامس أمام وجه المرأة ، مما أجبرها على إغلاق عينيها لثوان قليلة ، قبل أن تعاود فتحهما .
وعلى الفور ، أدارت الجهاز لتوجه ضوء الشاشة نحو تلك النقطة الخضراء ، وقد جهزها خيالها وخوفها لرؤية مخلوق عجيب بعين واحدة ، يقف هناك في ثبات ، مستعداً للانقضاض عليها في أية لحظة ..
لكنها وجدت شيئاً مختلفاً تماماً ..
جهاز التحكم عن بعد بوحدة التكييف المنفصلة ، يقبع هناك بين أحضان الحامل البلاستيكي الصغير المثبت على الجدار ، ونقطة الضوء الخضراء في طرفه تشير إلى أن بطاريته مازالت تعمل ..
أفرغت المرأة ما بداخلها من توتر عبر زفرة طويلة ، وشعور خفيف بالخجل حاول العثور على مكان له في فؤادها ، لكنه سرعان ما استسلم وانسحب تاركاً المكان بأكمله لشعور الخوف والاضطراب ..
في اللحظة التالية، انطـفأت شاشة الهاتف الجوال ، لتعطي الفرصة من جديد لهجوم الظلام ، فأسرعت المرأة بلمس الشاشة ليسطع الضوء مرة أخرى ، وقد تذكرت حقيقة أن نظام حفظ الطاقة في الجهاز يحتم إطفاء ضوء الشاشة بعد 10 ثوان من عدم الاستخدام ..
الساعة الرقمية في الطرف العلوي الأيسر من شاشة جهاز الهاتف تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل ، فخطر للمرأة أن تتصل على زوجها المسافر في رحلة عمل قصيرة مع اثنين من زملائه ، لكنها عدلت عن ذلك بسرعة ، فليس هنالك الكثير مما يستطيع الزوج فعله في مثل هذا الوضع ، كما أن خوفها أقوى من أن يسمح لها بالحديث وسط هذا الظلام الكثيف ، والهدوء المرعب ..
أقسمت في قرارة نفسها أن تعطي زوجها وقتاً عصيباً عند عودته غـداً إلى المنزل ، كي لا يتركها وحيدة على هذا النحو مرة أخرى!..
ومع وصول خواطرها إلى زوجها ، تذكرت المرأة أمراً مهماً ..
المصباح الكهربائي الصغير ..
أجل ..
زوجها أخبرها قبل سفره بأنه قد تركه داخل أحد الأدراج في غـرفة المعـيشة ..
لابد لها إذاً أن تصل إليه بسرعة ، كي يمنحها شعوراً ببعض القوة والسيطرة أمام العدو الأسود ..
وعلى الرغم من الهواجس التي اجتاحتها وهي تتخيل الرعب الذي ينتظرها عندما تتحرك وسط الظلام من هنا إلى غرفة المعيشة ، إلا أنّ مؤشر البطارية في الهاتف الجوال أكد لها بأنه من الأفضل أن تسرع في خوض الرحلة ، قبل أن تستهلك الطاقة المتبقـية فيه ، وتجد نفسها غارقة في الظلام الحقيقي ..
الرجفة في ساقيها (أثناء نهوضها من السرير) أجبرتها على الاستناد إلى أقرب قطعة أثاث لبضع لحظات ، حتى تمالكت نفسها واستعادت توازنها ، لتـتـقـدم ببطء نحو باب غرفة النوم ، مستعينة بالضوء المنبعث من شاشة الهاتف ، وهي تحركه يمنة ويسرة ..
ومع تجاوزها لتلك المرآة المستطيلة في ركن الغرفة ، توقفت فجأة ، وقد انعقد حاجباها في شدة ، مع رجفة قوية سرت في أوصالها ..
انعكاس صورتها لم يظهر في المرآة أثناء مرورها بجانبها!..
لا ..
مستحيل!..
بالتأكيد هي لم تتمكن من رؤيته بسبب ضعف الاضاءة حولها ..
هل تعود بضع خطوات لتتأكد؟!..
لا! ، لن تعود ..
بلغت باب الغرفة في تلك اللحظة ، فأمسكت بمقبضه بأصابع مرتجفة ، وقد خيل لها بأنها تسمع نبضات قلبها المتسارعة تمزق هذا الصمت من حولها ..
ترى ما الذي ينتظرها خارج الغرفة؟..
هل ستدير المقبض؟ ، أم تعود أدراجها إلى الفراش ليحتضنها بعيداً عن الخطر؟..
لا ..
ليس لديها الخيار هنا ، يجب أن تتقدم ..
وبهدوء شديد ، أدارت المقبض الدائري ، وسحبت الباب ببطء لتفتحه بما يكفي لعبور جسدها ، ثم وجهت ضوء شاشة الهاتف إلى الممر أمامها و ...
شهـقـت بعنف عندما لمحت شيئاً يقف هناك ، في أحد أركان الممر ، وكادت الدماء تجف في عروقها ، لكنها سرعان ما زفرت بعصبية مع إدراكها لحقيقة ما تراه ..
جـرّة فخارية كبيرة الحجم ، تبرز من فوهـتها عشرات القطع البلاستيكية النحيلة ، التي امتزجت ألوانها العـديدة لتصنع تحفة جمالية بديعة ، تزين الممر في الأوقات والأوضاع الاعتيادية ..
لكنّ الأوضاع الآن غير اعتيادية أبداً ، أليس كذلك؟!..
هكذا حدثت المرأة نفسها ، وهي تتقدم ببطء عبر الممر إلى حيث تنتظرها غرفة المعيشة في نهايته ، وضوء شاشة الهاتف يمزق بعض قطع الظلام في وهـن ، أثناء تحركه يمنة ويسرة دون توقف ..
ماهذا؟..
هل تسمع صوت تنفس شخص ما؟! ، شيء ما؟! ، أم أنّ ذلك من صنع هواجسها؟..
ربما كان ذلك اللص الحقير ، الذي تعمد قطع الكهرباء عن المنزل؟!..
دارت بعينيها في كل اتجاه أثناء تقدمها في الممر ، مع حركة ضوء شاشة الهاتف ، وهي تتوقع أن ينقض عليها اللص بغتة من مخبئه ، وحانت منها التفاتة نحو الدرج المفضية إلى الطابق السفلي ، فارتجفـت بعنف وهي تتخيل نفسها تهبط من خلاله إلى قلب الظلام ، ليلتهمها بسهولة بين أنيابه!..
يا إلهي!.. يا إلهي!..
لم تحتمل أعصابها أكثر من ذلك ، فبدأت في البكاء الصامت ، وهي تعض شفتيها بقوة لتمنع الصرخات من الهرب خارج فمها ، وهرولت نحو غرفة المعيشة كأنما تحاول الفرار بسرعة من كل ما ينتظرها ..
أسرعت إلى مجموعة الأدراج في ركن الغرفة ، وفتحت أولها ، لتبحث في محتوياته بعصبية عن المصباح الكهربائي ، معتمدة على أصابع يدها اليمنى ، حيث انشغلت يدها اليسرى ، الممسكة بالهاتف، بمسح الدموع التي تمنعها من الرؤية ..
لا شيء!.. أين المصباح؟..
أغلقـت الدرج الأول بعنف وحنق ، لتنقض على الدرج الثاني ، وقد ازداد ذعـرها مع الهاجس الذي يخبرها بعدم جدوى ما تقوم به و ...
ها هو المصباح الكهربائي!..
قبضت عليه تماماً كما يقبض المرء على طوق النجاة الذي يلقى له في عرض البحر وهو على وشك الغرق ، وضغطت ذلك الزر الصغير في منتصفه ، لينطلق الضوء الأبيض القوي ، ممزقاً جزءاً لا بأس به من الظلام ..
عندها فقط خارت قواها ، وتهالك جسدها على أرض الغرفة ، لتستند بظهرها على طرف الأريكة ، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة من فرط التوتر ، مع استمرار تدفق فيضان الدموع ..
دقائق عديدة انقضت ، لم تتوقف خلالها المرأة من توجيه ضوء المصباح إلى كل ما حولها ، قبل أن تستعيد قليلاً من هدوئها ، وتلملم شتات شجاعتها ، لتنهض مستندة على طرف الأريكة ..
يجب أن تعود الآن إلى غرفة نومها ، لتستقر فيها لحين عودة الكهرباء ، أو طلوع الشمس بعد ساعات قليلة ..
شعرت بالإحباط لمجرد تخيل عبورها الممر المظلم مرة أخرى ، لكنها سرعان ما ذكرت نفسها بالسلاح الجديد الذي تحمله الآن في يدها ، فتقدمت إلى بداية الممر ، وأطلقت ضوء المصباح في كل اتجاه ، وقد ضاقت عيناها لتركز فيما تراه ..
لا شيء ..
تحركت بضع خطوات للأمام ، ثم انطلقت بأقصى سرعتها نحو غرفة النوم ، دون أن تحاول النظر إلى أي نقطة حولها ، حتى أصبحت داخلها ، فأغلقت الباب بسرعة ، وحركت الرتاج لقفله ، قبل أن تستند بظهرها على الباب ، وتأخذ نفساً عميقاً ..
وفجأة ..
عادت الحياة إلى جميع أجهزة المنزل دفعة واحدة ، تماماً كما توقف كل شيء دفعة واحدة عند انقطاع التيار الكهربائي ، فالإضاءات الخافتة في غرفة النوم بددت الظلام ، و وحدة التكييف المنفصلة عادت إلى العمل ، وإصدار صوتها الرتيب ، المصاحب لحركة صفائح توزيع الهـواء ذهـاباً وإيـاباً ، لتمزق الصمت الرهيب ..
لا يمكن وصف فرحة المرأة بعودة الحياة للمنزل ، وعودة النور إلى عينيها ، بعد أن كاد الظلام والخوف يقودانها إلى حافة الجنون!..
ودون أن تشعر ، أطلـقـت ضحكة عالية ، أفـرغـت فيها ما كان يعتمل في كيانها من رعب وتوتر ، طوال دقائق التجربة المخيفة التي عاشت فيها ..
وعـندما تعب حلقها وصدرها من الضحك ، تحركت نحو فراشها لتلقي جسدها المنهك فوقه ، وتغوص في بحور الأحلام بسرعة ، وهي تقبض بقوة على المصباح الكهربائي في كف ، وهاتفها الجوال في الكف الأخرى ..
وفي نقطة معينة من الفناء الخارجي للمنزل ، بالقرب من القاطع الكهربائي الرئيسي، أشار أحد الرجلين المتشحين بالسواد لزميله إشارة خاصة ، مفادها أن خطة القطع المؤقت للتيار قد نجحت ، فأومأ الأخير برأسه موافقاً ، قبل أن يتحرك الاثنان في هدوء نحو الباب الصغير المتصل بالمطبخ ..
لقد انسحب الظلام من اللعبة ، بعد أن أدى دوره بفعالية ..
ليعلن بهذا بداية الهجوم الجديد ..
الهجوم الحقيقي ..
القاتل!..
* * *
تمت بحمد الله


******************
م . يحيى خان ..
مرحبآ بالأديب اللامع والروائي الذي جمع مابين العلم والأدب ..

حضرت سيدي فتوجت الإبداع ببصمتك المنقوشة بعسجد العطاء ..
وما زال سؤالك الذي طرحته علي يتمارى في وعيي بين حين وآخر ..
حين سألتني على أحد شواطئ النت : إن كنت أقرأ الروايات السعودية ..
بالطبع أزهو بالإطلاع على كل انتاجك الروائي والأدبي ..
وهذا النتاج ينوء بتفاصيل الدهشة التب انتقشت على وعيي حبورا

قصتك بلا ريب شهادتي فيها مجروحة أمام روعة التشويق في سياقها ..
ترحيبي فاضلي كاحتفال الصبح بإطلالة الشمس ..
سلام على روحك ..


سحر الناجي 03-10-2011 01:05 PM

10 - بائعة الياسمين / سهى العلي

..بائعة الياسمين..

كُنت في طريقي للسوق بهدف شراء بعض الحاجيات.. عندما رأيتها, ولا أدري كيف أصفها..
فتاة صغيرة مُقعدة.. لم تتعدى ربيعها السابع.. تبيعُ أطواقَ الياسمين للمارة..
لا أردي ما الذي أصابني حينها.. لقد لامستْ نظراتُها فُؤادي.. فيها شيء سحري.. ربما هي البراءة التي تكبر قبل أوانها.
كانتْ شاردة.. عيونها كالمرآة تعكسُ ما بقلبها.. مظهرها يدلُ على طفلة لم تلمس الماء مدة طويلة..
اقتربتُ منها لأشتري الياسمين.. وأنا أتمتمُ لبؤس حال هؤلاء الأطفال.. ما ذنبهم في ما يحدث بين الكبار.. على مسرح الحياة الدرامي..
رمقتني بنظرة غريبة.. لم أفهمها.. وكأنها تريد قول شيء ما.. ولكن حدثي القوي الذي يعود كوني مُدرسة أطفال.. أفهمني أنها تشكو بطريقة غير مباشرة عن سُخطها وغضبها لحالها.. أتصور أنها تتمنى في صميمها أن تلهو مع بنات جيلها, داخل بيتها, أو في ساحة المدرسة.
سألتها عن السعر.. لم تُجبني.. أمسكت عُملة معدنية بيديها الصغيرتين.. ثمّ نظرت إليّ وكأنها تقول: هذا هو سعرها..

يا الله.. إنها خرساء!

صدقاً لا أدري كيف أصفُ شعوري حينها..
انقبض قلبي.. شعرتُ برغبة عارمة بضمها.. لكن خفتُ أن أزيدها حسرة وألمْ.. فأنا مُجرد زائرة سريعة.. وسأغادر في الحال.
أعطيتها ضعف المبلغ.. أمسكتها بقبضتها وضمتها لصدرها.. نظرت لي وابتسمتْ.. بعدها عاودت الشرود..
غادرتُ المكان وعقلي ظلّ سارحاً في تِلكَ الصغيرة.. أين هي عائلتها؟ أول سؤال خطر على بالي.. رغبتُ بمحادثتها ومعرفة كُل شيء عنها.. لكن كيف سأحدثها ولا أعرفُ لغة الإشارة..
فجأة عادتْ ذاكرتي للوراء..
تذكرتُ صديقة طفولتي "ندى".. الفتاة التي حُرمت من السير.. سببه ثُقب في القلب منذُ الولادة.. يمنعها من بذل أي مجهود..
كيف كانت ندى تُحب الحياة.. دوماً تُغني لنا بصوتها الذي يُشبهُ عذوبة الناي..
كانت تجعلنا نبكي بأغانيها التي تحملُ بين طياتها الأمل.. لم نكن حينها نتعدى ربيعنا العاشر.. ننظر لأنفسنا.. كيف أننا نتأففُ من كُل شيء.. وهي غارقة ببحرٍ من الأمل والسعادة..
أذكر في صباح يوم مشئوم استيقظتُ فيه مذعورة. لم يكن هُناك سبب وجيه لخوفي..غادرتُ منزلي بسرعة.. وقصدتُ منزلها..
فجأة توقفتُ أما باب بيتها الخشبي الكبير.. سرتْ قشعريرة خوف في بدني كله. بقيتُ واقفة ومشدوهة لأكثر من نصف ساعة.. بلا سبب وجيه وملموس..
كانت أفكاري حينها تسرقني للحظات المرح واللعب مع ندى.. وكأنني لن أراها أبداً.
أذكُر كيفَ فُتِحَ البابُ فجأة على مصراعيه.. وأنا مغمضة العينين.. أغرقُ في بحر من الذكريات.. والهواء البارد يلفني غضباً.. وكأنهُ يسألني.. لِمَ أقِفُ هُنا..
فجأة علا صوتُ الأم من الداخل وهي تصرخ.. " ندى "..
عرفتُ أنها فارقت الحياة.. رحلت وتركتني وحيدة.. أبحثُ عن فُتات الأمل المُتناثر في بقاع الأرض..
كانت هي الوحيدة القادرة على بَثْ الأمل وحُب الحياة في روحنا.. قلبها الصغير المثقوب لمْ يحتملْ قسوة الحياة.. قرر الإضراب عن العمل..
أذكرُ حينها كيف أنني أضربتُ عن الطعام لثلاثة أيام.. كنتُ أريد اللحاق بـ ندى.. حتى نلعب سوياً.. يااه.. كم أفتقدها..

******
بعد تلكَ الذاكرة.. عرفتُ أنني أحببتُ تِلكَ الفتاة.. بائعة الياسمين.. من كُل قلبي..


عدتُ للسوق مرة أخرى بهدف العثور على الفتاة الصغيرة..
توقفتُ في نفس المكان.. أطلقتُ نظري في كُل الاتجاهات.. لا أثر لها.. بدأ قلبي يخفقُ بشدة.. وعيناي تستعدان للسباحة في بحر دموعي..
وجدتُ صبياً صغيراً يبيع العلكة.. قريب من المكان الذي تواجدت فيه الفتاة بالأمس..
هرولتُ إليه سائلة.. أين بائعة الياسمين!.. نظر إلي بسذاجة بريئة.. قال بصوتٍ لا يحملُ أي معالم..
-ندى؟
جحُظتْ عيناي لجوابه..
هل قال ندى؟
سألته مجدداً عن اسمها..
"أجابني مُتعجباً..
- اسمها ندى..
ثُمّ استطرد بصوتٍ خفيض:
-لقد تركتني ورحلتْ..
قلبُها لم يحتمل قسوة الحياة.. فقرر الإضراب عن العمل.

***************
سهى العلي
هي كائن مزروع في تفاصيل أيامنا المتمطية على أسوار الزمن ..
على حين غرة تأخذيننا إلى عطر النهار الموشوم بوجه الصغيرة ..
وبين أزقة الحياة وتحت تحليق الحمائم يأتينا صوتكِ على جبين هذه الحكاية ..
ورغم حشرجة الحقيقة على حنجرة اليراع .. إلا أن الصغيرة أمطرتنا بالدهشة ..
تماما كما فعل حرفكِ الذي تظلل بحفنة وامضة من البهاء
سلام على روحك




سحر الناجي 03-10-2011 02:00 PM

11 - قلادة من شعر الحبيب / أحمد القلعاوي


قـلادة من شعر الحبيب ... !

رغم شدة البرد .. وحدة النسيم .. لكنه كان يفتح نافذة غرفته المجاورة لغرفتها .. ويتكئ بيده على دكة النافذة ليظهر رأسه والجزء الأكبر من جذعه .. وهو يمسك بسجارته وينفث الدخان بقلق بدى واضحا بطريقة تدخينه وحتى في حركة الدخان .. يتشظى بنظره نحو السماء .. صافية .. والنجوم ساطعة .. وينظر إلى حديقة المشفى التي كانت تضج بالمصابيح الملونة المنتشرة بين الواح الزهور المحيطة بالمدخل .. وكأنه يناجي الرب وينحني خجلا مرة وخوفا مرة أخرى .. ويعود وهو ينفخ زفيره بين كفيه بحثا عن الدفء وكأنه شعر الآن بشدة البرد خارج المكان بعد أن يرمي عقب سجارته من النافذة بطريقة لم يعتد عليها من قبل .. يعود ويفتح باب غرفته .. ويقترب من باب غرفتها ويهم بالدخول ويحاول أن يفتح الباب بهدوء وتفاجئه الممرضة الخاصة عند الباب وتمنعه من الدخول ويرجع وهو يشبك أصابع يديه على رأسه ألما وشوقا وندما قاتلاً على ما قاله لها فيتكئ بظهره إلى الجدار ويخر كالماء المنساب من أعلى ليقرفص على الأرض ويشعل سجارة أخرى .. وتمنعه الممرضة بعد عودتها وهي تركض طالبة منه أن لا يدخن في الممر فيهز رأسه أعتذارا وموافقة على ذلك .. يعود إلى نافذة غرفته ويلتحف البرد ليشبع رغبته من الدخان معاتباً نفسه ولكن بصوت عال ٍ بعض الشيء .. ما الذي فعلته كيف قلت لها ذلك وأنا أعي مدى رقتها وبياض قلبها الطفولي ..؟؟ بماذا أعتذر لها ؟ هل أقول لها أني كنت مخموراً ؟ لا لا لأني وعدتها أن لا أشرب الخمر ثانية .. نعم أقول لها أني كنت أختبرها .. وووووآآآآآه .. ما أغباني اليوم .. أختبر من أنجحتني بكل اختبارات الحياة والحب والجوع .. لالا .. أقول لها أني كنت أمزح معها ولم أكن أتصور أن يحدث هذا .. لا أدري .. وبصوت أعلى لا أدري .. وأعلى .. ويده ترتجف ليضرب بها زجاج النافذة .. صوته .. صراخه .. دعا بعض العاملين إلى الدخول عليه منهم من أمسك به والآخر يمسح الدم عن يده وينادي للممرضة القريبة أن تأتي بسرعة لضماده .. وينشغلون بضماد يده إصابة عميقة ربما تحتاج الى زرار أو أكثر .. وهو يرفض وبكاؤه يشتد .. فيدخل الطبيب ويقوله إهدأ رجاءً ما هكذا تعالج الأمور يجب أن تكون صبورا أنت رجل ومؤمن .. ويلتفت الطبيب بغضب الى الممرضة والعاملين ويصرخ بوجوههم بنبرة العتب وعدم الرضى .. من قال له .. ؟ من نقل له الخبر بهذه السرعة ..؟ الممرضة تحاول أن تصدر أي صوت أو تتكلم بأي كلام مع الدكتور حتى لا يكمل جملته وتريد أن تفهمه أنه لا يعلم بأي خبر .. ولكنه أنتبه لكل ما قاله الطبيب .. فتحدث مع نفسه .. أنا قتلتها ولا بد أن أعتذر لها لا بد أن أخبرها حقيقة الأمر كيف أتركها تذهب وهي غاضبة مني غاضبة عليّ .. كيف ..؟ لا .. لا .. أتبعها .. اتبعها حيث هي الآن .. وسأقسم لها ببسمتها الربيعة المورقة سأقسم لها بنعاس عينيها وهي تغفو على كتفي سأقسم لها بغصنية أصابعها النرجسية البضة .. سأذكرها بذلك الكأس الذي جمعنا به قطرات المطر وبكينا سوية عليه وأنزلنا دموعنا فيه وارتشفناه عند أول فجر ليلة لقائنا .. نعم أتبعها .. وينهض ويـُخرج من محفظته قلادة منسوجة من خصلة شعر ٍ أسود حريري ملتفتا لمن حوله .. هل شاهدتم من قبل قلادة من شعر أنثى .. ؟ ها هي .. ! قلادتي نسجتها .. وهو يشير لغرفتها .. نسجتها لي من شعرها سأعلقها على عنقي وأدخل غيابها عني من باب لن تـُسد بوجهي .. الكل في ذهول لا يعون ما يقصد ولا يدركون ما ينوي ويقترب من النافذة ويصرخ باسمها بصوت تقشعر منه أوراق الشجر كخريف شرس يدب بربيع بهي .. وصل لإذن الحبيبة الراقدة في الغرفة المجاورة لغرفته ودخل صوته جوف مسامعها .. شعر الطبيب به أكثر وأدرك نيته وصاح بمن حوله أنه يريد أن ينتحر أمسكوه .. وتعلقوا به .. الكل اتجه مسرعا عليه فوضى الغرفة التي سببها هو حين ضرب زجاجة نافذة أعاقتهم بعض الشيء وقربه من النافذة منحه فرصة كان يعتبرها أمله الوحيد كي يكون مع من يحب .. يرمي بنفسه ليسقط من نافذة المشفى العالية .. الضجة تملأ المكان البعض يطيل النظر بالآخر والطبيب يعصر يمناه بقوة ويعض شفته ندما على ما حصل والآخر ينظر من النافذة له وهو لا زال يمسك قلادة الشعر المعلقة بعنقه وعينه تنزف أكثر من فمه .. والممرضة بين صراخ مخنوق وبكاء متقطع وذهول من المنظر تتجه نحو باب الغرفة مسرعة لتخرج من هذا المكان المرعب .. ويركض معها أحد العاملين يهم وهو يصرخ بوجه الباقين أن انزلوا له لنراه لننقذه بسرعة فتحت الممرضة الباب .. وإذا بحبيبته تخرج من غرفتها .. بألمها وبقايا غيبوبتها التي انقطعت حين سماع صوته وهو يصرخ باسمها .. دفعها حبها له وخوفها عليه أن تخرج هي له .. كانت تريد أن تعتذر منه وتعاتب الطبيب والممرضة لأنهم قالو له بأنها لا ترغب بلقائك ولن تسمح لك بالدخول عليها .. الدهشة تسمر الممرضة .. وتنشر الصمت بالمكان .. وهي تسألهم أين هو ؟ لماذا أخبرتموه بما قلته لكم ..؟ لماذا .. ؟ تبكي تتلفت بحثا عنه وألم صدرها يشتد وأزمتها القلبية تتفاقم .. تلتف تصرخ بوجه الجميع أين هو ..؟ خذوني اليه .. يموت إن لم ألتقيه الآن الكل في حيرة .. ماذا يقولون لها ..؟ هل يخبرونها أن الطبيب .. عاتبهم بشدة حين شاهده بأزمة عصبية حادة ويمينه تنزف دما لأنه ضرب زجاج النافذة لأننا أخبرناه أنك لا تريدين لقاءه مثلما تصور الطبيب .. فتقترب الممرضة من الطبيب وهي ترتجف وتبلع ريقها مختنقة بعبرة البكاء لتهمس في أذن الطبيب .. لا سواي وأنت يعرف ما قالته لنا وأنا لم أخبره ولا أنت .. العاملون دخلوا عليه بعد أن سمعوا صراخه وصوت الزجاج المتكسر .. وسقوطه واسقاطه لكل ما حوله من أغراض .. دخول عليه وهو يضرب كل ما حوله وكما تشاهد هذه الفوضى لا حاجة في مكانها .. أنت تصورت أننا أخبرناه ويبدو أنه سمع ما قلت .. بل سمع .. تصور أنها ماتت .. ألم تنتبه لما قاله .. سأعلق قلادة شعرها على عنقي وأدخل الى غيابها .. وهنا أرتفع صوت الممرضة بعض الشيء كي تـُسمع الطبيب بوضوح ما تنطق به ممتزجا ببكاءه المتقطع وحشرجة صدرها وأنينه .. لاسيما .. وصرخة أين هو خذوني اليه ؟ أرتفعت أكثر .. وكثر الحاضرون في غرفة المأساة .. فبدت الحيرة صفراء عاصفة بوجه الجميع .. ماذا يقولون لها ؟ وكيف يخبرونها بذلك .. فيشتد ألمها .. ويعلو النداء منها اليه .. حتى سقطت كنيزك أحمر ينزل من السماء غاضبا على من في الأرض وما يصنعون .. مغشية عليها .. وقوة سقوطها وما أحدثه من صوت .. أيقظه من نومته اللذيذة التي كان ينعم بها .. بعد سهرته الطويلة التي جمعته بها بعيد ميلاد لقائهما الأول .. ينهض مرعوبا مرتبكا .. يقفز من السرير كالضوء ليحملها برقتها المعهودة له وخفتها الزهرية الغضة .. ويمسح عرق وجهها بخديه بلسانه كما عودها أن يسمح دموعها من شدة الشوق له حين كانت تلتقيه .. فتستنشق زفيره .. وتنتبه أنها بين أحضانه .. وهو يبتسم بوجهها الباسم ويمرر إبهامه بشفتيها .. كمرور الندى بالورد .. ويقول لها .. أكابوس حب ثاني .. أي قلب تملكين وأي قلب تشغلين ..
*****************


أحمد القلعاوي ..
هنا الأبجديات .. الحروف .. وحتى المعاني تلاحمت بنسيج غير مرئي الوضوح .. لكنه وامض ..
هنا .. اكتنزت الحكاية بفيض من المشاعر والخلجات التي تسللت إلى حنايانا وخلفت أحاسيس شتى ..
كانت أنفاسنا تتقافز على متن السطور لتصل إلى حافة الأحداث التي صغتها ببراعة المبدع ..
وعلى كرسي الذهول وقف الوعي منا يطالع آخر سطر بأنفاس مكتومة ..
عهدتك شاعرا أيها الملثم بتمتمة الحرف .. فأجدت أيضآ دور القاص الذي يدثرنا بحكايا الشتاء
سلام على روحك ..


سحر الناجي 03-15-2011 11:59 AM

12 - غروب / ابتسام الدمشاوي

غـــروب



انتهت لتوها من صنع التابوت ..جمعـت زهرات البنفسـج

ونثرتها حول جثتها وقالت سيروا ..
ترفع رأسها بين الحين والآخر..تتأمل وجوه من يحملون
التابوت .. إنهم مبتسمون ومازالوا يسيرون بجد ملحــوظ
تشير إلى المشيعين إشارة تحية فيبادلونها نفس الاشـــاره ولكن ليس بنفس الدرجة من الحرارة ... تجلس تحاول أن تحدثهم .. تصيـح هـل تســـمعون
لا أحد يجيب .. تنزل من التابوت .. تنادى من فوهــة القبر أبى. . أمى . . إخوتى .. ولدى أنا قادمة.. هل تسمعون.. تأتيها الأصـوات متداخلة ولكن تسمعها بوضوح .. تعالى نحن فى الانتظار..
هذا عالمك الرائـــع .. اهبطى لا تترددى .. لا تنتظرى
من يدفعك .. تنظر وراءها
يأتيها صــوت أخيها الأكبر .. تعالــى يا رابعــة لنبـدأ من جديد .. تحمل زهرات البنفســــج وتنزل درج القـبر .
ولم تنس أن تنظر إلى المشيعين وتشير إليهم إشـارة الـوداع
تدخل وتغلق عليها باب القبر......وتغرب الشمس .

***********

ابتسام الدمشاوي
ونثرتها هنا زهور متوهجة بالهلع لذلك اللحد الذي ينتظرنا مليا ..
وكأنكِ اجتحت بتمتمة النهاية كل الأمكنة التي تسكننا وشرعت أبواب الزمن الغافية ..
وما رأفتِ بنا ولا ينبغي أن تفعلي .. والحقيقة مغروسة في مآقينا ..
أجدتِ يا بارعة في مخاطبة الغفلة فينا حتى هب القلب فزعا ..
شكرآ بحجم الشمس كما تسطع بالحقيقة في حكايتك الرائعة ..
سلام على روحك


سحر الناجي 03-15-2011 12:03 PM

13 - أحزان إمرأةٍ شقراء ... / عمر مسلط


أحزان إمرأةٍ شقراء ...


يَنتهي عرض الفلم ، تَصفيق حاد في الصالة ، كل العيون تتجه إليها ، الكاميرات تُلاحقها ، والأضواء تُحاصرها ...
تَنطلق إلى مؤتمرها الصحفي ، تقف بكبرياءٍ أنثوي ، بَريقُ شَعرها الأشقر يَطغى على المكان ، سِحر إبتسامتها يُلغي كل الأسئلة ،
ونظراتُ عينيها تَختزل كل الإجابات ...
تُودع الحضور، حُشود تنتظرها في الخارج ، تَستقل سيارتها السوداء ، تنطلق مُسرعة ، مطر بدأ يتساقط ، يَتبلل ثوبها الخَمري، تتأمل وردةً آخذةً بالذبول، تدخل بيتها الأنيق ، تُشعل الأضواء ، تُغمض عينيها ، تفتح الماء الساخن ، ينساب الماء على وجهها ،

فَتفقد نصف جَمالها ، تنظر في المرآة ، يَعتريها شيء من الحزن ، فَيختفي نصف جمالها الآخر ، تُطفئ الأضواء ،
تَستلقي على فراشها الوثير ، تتأمل ضوء القمر المُتسلل إلى غرفتها ، غَيمة شقية تداعب إحدى النجمات ،
برد يَسري في كيانها ، دمعة ساخنة تُبلل وجهها ...
ينامُ الحالمون على وَقع جمالها الأسطوري ...وتَغفوهي على واقع جمال ليس له وجود ...

*********

عمر مسلط ..
أمام المرآة .. تلوح في العادة أشياء لا تراها سوى الروح المطلية بكوم من الأصباغ ..
تبدو الحياة سرابآ من وراء الظل المعكوس والذي لا يمثل سوى تفاصيل الأقنعة ..
وبعيدآ عن حماقة بعض النساء اللائي يتشبثن بالتبرج وارتداء الوجوه المزركشة ..
أظن للرجل دور رئيس فيما يحدث , حين تشرأب أحداقه إلى كل امرأة زائفة الجمال ..
سواء على شاشات التلفاز أو في أدق التفاصيل اليومية ..
فلو أنه لم يصر على الانبهار بالألوان والقسمات الكاذبة .. واللهاث خلف البهرجة والقشور ..
لما دفع بإمرأته إلى تقليد المائلات المميلات كي يحُزن على رضاه ..
ولعلي لا أنفي المسألة عن عاتق المرأة ..
حيث عليها أن تبرز جمالها الروحي والأخلاقي وتقنع رجلها به قبل أن تفتنه بمظهرها الخلاب ..
قصة واقعية تسري بعمق في خلايا حياتنا اليومية المتعاقبة ..
شكرآ لهذا القلم البارع
تقديري


سحر الناجي 03-15-2011 12:12 PM

14 - أبو رجل مسلوخة / روان عبد الكريم


على خلفية أبورجل مسلوخة"اخينا"
أعود للبلدة القديمة كل حين.. لشجرة الصفاف الحنون الرؤوم ...أخبرتنى جدتى أنها زرعت يوم زفافها ..ذهبت الجدة ... وبقيت الشجرة تظل الإستراحة وتلقى ببعض أغصانها بدلال على أمواج النهر العاشق, وتحفظ على جذعها أسمائنا التى نقشت منذ ثلاثين عاماً ...حيث أعتدنا كل صيف أن نمكث فى الإستراحة بصحبة الجدة الحبيبة... تشعل التنور على العشب الأخضر ونلتف حولها لتروى لنا كل ليلة حكاية جديدة.. تقول بصوتها الرخيم :-
العهد ..إلا العهد...وتلفنا بسحر الحكاية
مسعد ومرجان ..أصحاب شقاء .. تعاهدا على رى الأرض قبيل الفجر.
.تصمت الجدة وتنظر إلينا فى وجل:-
-هل تدرون من سمع حديثهما
.-نهز رؤسنا خائفين ونتمتم بالبسملة وصوتها العميق ردد :-
( أخينا), الذى يسكنن المقابر الشرقية المهجورة
وقد التفت أجسادنا الصغيرة مرتعشة بجانب البعض وهى تكمل ونظرتها تغرق فى النهرالغافى :-
-الخائب مسعد ..غرق فى النوم ونسى عهده وموعده ..نسى رفيقه مرجان ..الذى ذهب عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل فى ليلة حالكة السواد تجوبها رياح باردة تهز الزرع البكر بقسوة وتثير الغبار ...و فوق الجسر تربص به "أخينا" فى صورة مسعد وهو يقول له فرحاً بفريسته:-
نتسابق فى الرى , فضحك المسكين وهرع لحقله الناعس بكل نشاط بينما أخينا خلفه كتلة من سواد دامس ,ثم يعود فى صورة مسعد ويروى فدان مقابل قيراط لمرجان ...الذى شد عزمه وغرق فى العمل حتى إرتواء الأرض و.تلاشت طاقته فألقى بجسده المكدود على الأرض الرطبة المرتجفة قرب الفجر ...تكرر جدتى قرب الفجر ...أحذروا من ليل ما قبل الفجر ..تتلاشى أصوات الليل ..كل الأصوات ..عدا صوت الرياح الهائجة تجوب الوديان بجنون..وتهمد الأبدان ..تماماً كما همد مرجان الذى أيقظه أخينا ليعطيه كوباً من الشاى الأسود الساخن ..وقف فوق رأسه ينتظر
هتف فيه مرجان
-ألن تشرب!!!؟
-يضحك "أخينا" فى غل.. والنار تتراقص فى عينيه الحمراوتين وفمه يتسع كبئر عميق .. أنا لا آكل ولا أشرب فقط مسعد يفعل
فضحك مرجان هازئا وقد ظنها دعابة
مسعد:- ..دعك من هزر العفريت..أنا لا أخاف ويكمل شرب شايه الأثير ...فيصرخ "أخينا" العفريت وجسده يتموج فى قلب الرياح كألسنة النار ثم يعود مرة أخرى لصورة مسعد
ألا تصدقنى ...ألا تصدقنى...يسقط كوب الشاى من يد مرجان الذى الجمه الذهول واخينا يدور حوله ويدور.. الا تصدقنى ثم يجلس جانبه فى وداعة ضاحكا ..هل فزعت يا صديقى .. فيتنهد مرجان المسكين وكأنه مر بحلم ويشتاط غيظا من مسعد
..دعابتك سمجة ..ويلقى نفسه مرة اخرى على العشب الرطب ثم يقوم متتماً حان وقت الرحيل ...بينما أخينا يجلس مستكيناً يمد له يده فلا يتأخر مرجان عن مساعدته فى النهوض ..ولكن مهلاً فاليد ليست بشرية على الآطلاق .بل أشبه بحافر حمار أشهب .لم يصدق مرجان فى البداية ..يشده أخينا نحوه وهو يضحك ملئ فمه الأسودالعميق كفوهة بئر مهجور وعينه البيضاوتين تدوران فى محجريهما.. ثم يفلته ...طار مرجان يسابق الريح ..الأرض تتسع أسفله وتتسع ..وتتسع… والعفريت يطير فوق رأسه و يصرخ ليطرب الليل الصامت:-
أنا لا آكل ولا أشرب...مسعد يأكل ويشرب..مازال مرجان ينهب الأرض جرياً..حتى توقف قلبه عن الخفقان..وبعدها أذن الفجر..وأستقيظ الليل للرحيل ...فتلاشى العفريت كالضباب الثقيل. لتنقطع معه أنفاسنا....تحكى جدتى وهى تلفنا بذراعيها العحوزتين:-
وفى الصباح وجدوه..مرجان جثة هامدة يحتضن أرضه الجبارة..ومن يومها وقرب الفجر وعفريت مرجان يخبط على بيت مسعد ويزعق بصوت سحيق :-
مسعد .......مسعد..مسعد الذى عاش عمره خائفاً خلف الأبواب الموصدة .. يرقب من شرفة منزله القريبة من الحقل إثنان يرويان حقله كل يوم قرب الفجر .. "أخينا" ورفيقه الجديد.

************

روان عبد الكريم
هذا هو ما يعترينا يا ماطرة حين يذهب الجسد وتحيق بنا الأرواح والذكرى ..
في المهد وحتى نبعث أحياء .. سيبقى لقسمات الجدة شطر الذاكرة الأعظم ..
قالت لي جدتي يومآ بينما المطر يغسل المدينة من شوائب النهار :
" أغمضي إليكِ حكاياتي بقلبك , سيأتي يوم وتحتاجين إلى تفاصيلها "
وربما أورثتني شئ من رائحة العفريت أو الغول الملبدة بالفزع ..
ولكنها بلا ريب منحتنا حكمة توارت بين أبجديات الخيال الشهي ..
رائعة هذه البيضاء المبللة بعطور الذكرى ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 03-15-2011 12:16 PM

15 - سقط سهوآ / محمد نديم


سقط سهوا


كان عليه أن يشد كل تفاصيل وجهه اليابس ليرسم شبه ابتسامة خافتة ، كي يثبت للعالم أجمع أنه متفائل وسعيد.
كثيرا ما يصب الآخرون زيت نصائحهم المتسخ، في آذاننا أن نتحمل مشاق الحياة وهمومها ، لم يكلف أحد من الحكماء نفسه أن يهمس للحياة في أذنها ،أن تتحملنا قليلا وترأف بنا ، نحن الفقراء، عيال الله ، كُتـَلُ الطين والهم والحزن ، كوابيس الحكام ، وعفاريت الأغنياء ، والدمى على طاولات الشاهبندر وقوجة التجار ، في ليالي سمرهم الحمراء ، ومؤتمرات صفقاتهم السوداء، واتفاقياتهم الشيطانية ، التي يحددون فيها سعر و حجم ولون وقوة الحزام الذي سنربطه على بطوننا في كل عام مالي جديد
.
الجو نار ... نار ... نار
...
حملته أمه سهوا ، ووضعته كرها ، فكان القادم غير المرغوب فيه ، التاسع في الترتيب لأبوين فاقا البشر و الحجر في تحمل ذل الحاجة وضربات العوز ، فاتته كل القطارات :قوائم المواليد ، التعليم ، بطاقة التموين ، الإسكان الشعبي ، فاسمه قد سقط سهوا من كل السجلات ، لم يأخذ رقما في تقرير وزير العدل
.
رقم مطموس إلا من سجل واحد ،( التهرب من التجنيد الإجباري ) ، كان عليه الآن أن يثبت أولا وجوده ، وثانيا براءته وثالثا حقه في أن يكون له مكان في طوابير الخبز اليابس ، المخلوط بأشياء لا نعلمها نحن الجهلاء
.
الشمس تتحدى الجميع في صيف لا يرحم سوى من يملك أجهزة التكييف ، الشارع مختنق بطوق أمني جبار
.
الأرصفة منتفخة بالبشر والبضائع والعربات المدفوعة باليد والوجوه الكالحة، والأجساد التي يجب وعن جدارة ، أن تمثل الوطن في مؤتمر سوء التغذية الدولي . من ها هنا يمر الزعيم ، فليـُنتزع حقٌ الجميع في أن يذهب في الاتجاه الذي يريد ، لابد لنا جميعا أن نتوجه توجها عاما ، لأسباب قومية ودواعي أمنية
.
يداه المعروقتان تمسك بتلابيب أوراق عديدة ، ملوثة بحبر، وعرق وغبار ، وفي عينيه حسرة ولهفة بين الحزن على موظف لم يدركه ، ومدير لم يلحق به
.
·
اسمك مطموس ،

·
الختم غير واضح ،
·
أين شهادة ميلادك ؟
·
الصورة غير لامعة
·
المسئول في المصيف ،
·
الختم مقفول عليه ،
·
المدير مشغول.
·
خرج المدير لتوه
.
السكرتيرة تحتسي الشاي وتتطلع لأسطر الأخبار في جريدتها اليومية دونما اكتراث ، تتوجه بالحديث لزميلتها دون أن تدرك أن صاحبنا يقف بينهما.تتوجه بالكلام عبر جسده وكأنه هواء
!!!
لا نعلم من في خدمة من؟

الجو نار ... والأسعار أيضا ... عجوز تموت تحت أقدام المتصارعين في طابور الخبز اليومي ....
(
من معالم شوارعنا وصورتها الثابتة في الأذهان) : ( طابور العيش
) .
بالروح بالدم نفديك يا هذا
....
هتاف ، حول مواكب المماليك ، انقطع من شوارعنا منذ عقد أو يزيد...إذ انكشف المستور وترك معظم الزعماء بلادهم عارية مكشوفة العورة أمام قطاع الطرق الدوليين ، دون مكتسبات سوى المقابر الجماعية
.
********
الطوق الأمني يزداد ضيقا ، جميع الاتجاهات مغلقة ، نصال الأسلحة تلمع تحت الشمس الحارقة ، الجنود كالتماثيل دون دم في العروق أو اهتزازات في الملامح ، بلغت القلوب الحناجر، المحشورون في الحافلات الحديدية الساخنة ، المحشودون فوق الأرصفة ،في الأزقة الجانبية ، تحت الجسور ،خلف الحوائط ،تحت أعمدة الكهرباء البارزة أسلاكها استعدادا لصعق ما تيسر لها من المساكين
.
راح الجميع يتنفسون الهواء الأسود بصعوبة بالغة.بدا الميدان وكأنه قنبلة قابلة للتفجر في أي ثانية
.
لابد لنا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة، ، نحن فقط جموع الحرافيش علينا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة ، في سبيل أن يمر الزعيم بسلام ، علينا أن نذوب، نموت ، نذهب إلى الجحيم ، لدواع أمنية
.
لا نعلم من في خدمة من ؟

الجو نار ..... والقلوب أيضا
·
لا عليك من رؤيته.
·
أمر محال
.
·
سيمر حتما من شارع ما
.
·
يمكنك أن تلمح جانب وجهه خلف زجاج السيارة الأسود
.
·
لالا ليس هو ....إنه البديل المستنسخ
.
·
هل يأكل مثلنا؟

·
الجو نار ... والأسعار أيضا .
طوى دفتر أوراقة الرطبة بين أصابعه المتسخة.تحسس مكان حافظة نقوده الفارغة إلا من بطاقة الهوية ، الأمر لا يسلم في هذا اليوم النكد ، من مخبر سري يقبض على ذراعك ويسألك : بطاقتك؟

ذاب الموظفون – اجتماع هام للمدراء العوام والمساعدون ووكلاء الوزارة ، بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة .
اسمك ليس هنا
..
·
لا رقم لك
....
·
مر الأسبوع القادم
..
· .
الأسبوع القادم؟

·
عليه أن يسلم نفسه للمخفر المجاور ...
·
خائن متهرب من الخدمة الإلزامية للوطن العزيز
...
الوطن العزيز ... شجر وماء ومتاجر وشوارع ومخافر... ليس لنا فيها نصيب ... سوى مساحة من زنزانة رطبة قاسية الحوائط.وموقع قدم ، تموت فيه بحرية تحت أقدام المتصارعين على كسرة خبز أسود
.
إقالة وزير العدل صباح اليوم. وتعيين مدرب جديد للمنتخب الوطني
.
الطوق الأمني كثعبان يزحف مضيقا الدائرة حول المساكين ، الملايين تحتضر بين فكي كماشة
.
·
أنتم السبب ... يا فرعون من فرعنك؟

·
جبناء .
·
خانعون
.
·
زبالة
.
·
والله ولي النعم رجل طيب
.
·
هل يأكل مثلنا؟

·
الحاشية هم السبب.لعنهم الله في كل كتاب.
على من يعرض أوراقه ، وهمومه ، وانكسار قلبه؟ كلهم في اجتماعاتهم الهامة بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة الرسمية
.
الطوق الأمني يزداد خنقا لعنق الشارع وعروق الحارات ، وشرايين الأزقة
.
صرخة (سيارة الزعيم) تخترق المكان وتملأ القلوب رهبة والأجساد ارتعاشا، ، الأعناق تمتد لرؤية أي شيء ـ الزحام يضيق حول الموكب ، النكد والتعطيل ، والذل ، والإهانات ،و الركلات والهراوات ، وقنابل مسيلة للدموع ، ورصاص حي ،هي الهدايا الدائمة المصاحبة لمواكب مماليك العصر
.
الهرج والرعب تسيدا المكان
.
غطوه بأوراقه التي اجتهد شهورا في جمعها وختمها وتأشيرها .... لم تكف سوى لتغطية جزء من وجهه الذي كان داميا مطموس الملامح
.
وقف الضابط يسجل ملاحظاته ببرود
:
أنه في ساعته وحينه ، وعند مرور موكب ولي النعم ، حاول موتور مجهول الهوية الإمساك بيد الزعيم ، لولا يقظة الجهات الأمنية.


***********

محمد نديم ..
وسقط حلولي على الجدار الأيسر من الحكاية لأنزع من التفاصيل دهشة ..
ولو كانت الحياة تصغي سيدي لحكمة العابرين فيها لما برح في الدنيا شقيا ولا محروما ..
وأفئدتنا وحدها المنوط بها السمع والوعي كي نتكيف مع كل طوارئ القدر ..
لن تبقى الأرصفة منتفخة بالبشر طويلا .. فهناك موعد مع الأبدية بات محتوم ..
تسلسل رائع في سكب التفاصيل التي تلجم الوعي ..
سلام على روحك

سحر الناجي 03-15-2011 12:26 PM

16 - جوقة نفاق / سهام الببايضة



جوقة نفاق
بقلم: سهام البيايضة

وقف أبو شرف أمام المرآة يملس شعره الأجعد المتبقي فوق أذنيه وأعلى رقبته، الذي انحسر عن مساحة كبيره من رأسه ، يضع الكثير من ماء الكولونيا فوق أوداجه المنتفخة وعلى رقبته، وهو يدندن لحن أغنية قديمه لام كلثوم ،يتذكر بعض الكلمات وينسى البعض الآخر مستمرا بدندنة ألحن المشهور الذي حفظه بالتقادم والتكرار عن ظهر قلب .
دخلت ام شرف بهدوء تراقب زوجها الذي اعتاد، أن تزفه حتى باب البيت وهو يستعرض نفسه أمامها بمشيته ،بعطره وهندامه المستورد المختوم بالماركات العالمية .
سألته مستفسرة:"الى أين يا أبو شرف..يظهر أن مهمتكم اليوم على مستوى كبير ..من هو سعيد الحظ – هذا- الذي سيتشرف بزيارتكم؟"
أبو شرف: "مسؤول ..مسؤول كبير ..أتوقع أن يستلم وزاره بالتعديل القادم..لا بد أن أبادر الى زيارته حتى لا يعتقد أني أنافق له بعد أن يستلم مهام وزارته..يعني ..تمهيد.. ..لن اخسر شيئا..لا بل من الممكن أن اكسب غداء على مستوى عالي.. ادعٍ لي..المهمة صعبه قليلاَ!"
ام شرف:" لا يا عزيزي ..إنها ليست بصعبة عليك ..خذ معك جوقتك المفضلة وأنا متأكدة أنه لن يترككم ابدآ ..انتم خير جليس لأي مسؤول يحب ال ن.. ف.. ا...اقصد المنادمة ..الله يقطع لساني ..كدت أن أغلط فيكم!!"
نظر إليها أبو شرف نظرة عدم ارتياح قائلا:"أنت تعيشين في عالم آخر..تسيطر عليه مبادئ وأفكار والدك المعلم السابق، التي لا تزال راسخة فيك..أيامكم عفا عليها الزمان..الحياة تغيرت يا "مدام" ..انظري الى كل هذا العز الذي تعيشين فيه ...من أين جاء برأيك؟.. هكذا مسؤولين يحتاجون الى هكذا نفخ ...أو سميه كما تشائين !..أنهم يحتاجون إلينا كحاجتهم الى المستشارين والعلماء وأصحاب العقول في السياسة والاقتصاد ..نملأهم بالغرور.. ونطربهم بالمدح والإطراء،ونرفه عنهم من مشاكل الناس وطلباتهم ،ونرفع من قيمتهم في الأوقات التي يتقاعسون فيها عن تأدية واجباتهم،وندعم مسيرتهم الفاشلة في العمل والخدمة ..ونصفق لهم عندما تشتد المعارضة حولهم،ونجعل منهم أبطال يدخلون سجل الوطن التاريخي !!
صمتت ام شرف وقد غلبها حديثه ، وشعرت أن هناك مسافات تمتد بينهما اتسعت وهوت الى أعماق سحيقة، من اختلاف المبادئ وطرق التعامل وكسب الرزق ..واكتفت في لجة التغيير وصراع المناصب وتبدلها، على رعاية بيتها وتربية أولادها،وكتمان غيظها ،عندما تتسع مدارات علاقاته لتصل الى من يستطيع الاستفادة منهم بكل الوسائل والمهارات التي اكتسبها على مدار سنوات حياته المهنية ،التي جعلته دائماً في صدارة المجالس يتقدم العزائم، ينال الهدايا والهبات، ويقدم بالمقابل مخزونة ألقيمي من خدمات، دون أي اعتبار أو حد، لصون كرامته ..فكم هي المرات التي شهدت فيها أوقات محرجة كان فيها فوق محك تقليل الشأن!! وسمعت ما يقوله الآخرون عنه ، ونعته بنعوت الرياء والنفاق ..لكن عزمه وإصراره ، أذاب ماء وجهه، في سبيل الوصول والبقاء قريبا من كل ما هو كبير ومسؤول، والصمود أمام اكبر إهانه،مبرراًً لها ، انه يفعل ما سيفعله الآخرون ، وان الشتائم مهما كانت لن تلتصق به،والمواقف نتائجها مضمونة لصالحه، طالما أن اذرع الشياطين تنشط في تلك الأجواء المحمومة بالغيرة والصراع،وعندما يستبعد في حالة الإطاحة بوزير أو صاحب قرار كان المقرباً له ومحسوب من حاشيته ، لا يلبث أن يجد لنفسه مكانا مناسباً في سلسلة توارث عائلي لمراكز القوى !
قال لها يوما يشرح فلسفته ليقطع عليها انتقاداتها وخوفها من عاقبة الأمور:"إنها لعبة متعددة الجوانب في أجواء الصراع على المكاسب والامتيازات الحكومية، أتجاوز فيها أي مبدأ أو خلق إنساني محترم ،كل يوم ازداد قوة ، رغباتي حاضرة، مكانتي محفوظة في الصدارة ، أمتع أصحاب العطوفة، المعالي والسعادة، بكلمات الثناء والتفخيم ، الذي لا ينقطع طالما هناك مواطن يطالب بحقوقه ومسؤول لا يعمل على تلبيتها ،منشغلاَ ،يبحث عن السلطة والمال، ولا يحظى برضا الناس ..أنا - يا سيدتي - أمارس معهم علم نفس وفن إدارة الصراع والاسترضاء، واعلمي أن الحال إذا بقي على ما هو، ستحتاج البلد الى الكثير من المصفقين ،المطبلين والعازفين على كافة الأوتار،كتاب ،صحفيين ،مرتزقة ،سماسرة ووكلاء أمن وحماية ، لإشباع هذا الكم الهائل من الغرور والشعور بالسلطة والأهمية !
فكرت ام شرف كثيرا بكلام زوجها الذي كانت تجده قوياً مزدهراً يوم بعد يوم،لا شيء يكسره، في أعماقها كانت تعلم أن ما يقوم به غير صحيح لكن الواقع يثبت لها العكس دائماً ..انه رجل المرحلة بكل معنى الكلمة!!،محاط بالأصدقاء دائما ،مشغول معظم الوقت ،يحمل فوق حزامه أربعة هواتف متنقلة ، أموره ميسره ،مجرد هاتف بسيط يتخطى صفوف الانتظار ،وتصرف له أفضل الأدوية وتوقع له أصعب المعاملات ،وإذا ارتفع ضغطه قليلا تداعى عليه الكثير من معارفه وخلانه ،يمطرونه بالهدايا والعطايا،علهم يصلون بواسطته الى من يتمسح بهم ،وأحيانا خشية من شكواه عليهم في حالة غضبه أو عدم رضاه لسبب ما!! وإذا احتاجه احد، قصرت ! وضاعت حيلته ،وضاقت عليه السبل.. متعذرا بالسفر وكثرة الانشغال!! فلا يهون عليه.. أبدا.. أن يرى أحدا قد نال مكسب من مسؤول أو خدمه دون نفسه!! .
أما شرف الصغير ،فلقد كان له أداة للنفاق والنصب الاجتماعي ، يصطحبه في الأعياد والمناسبات، ويدربه على استلام ولاية عهدة،يدفعه بصوته الجهوري الضحَاك:"مد يدك يا بني ..سلم على أعمامك !!" ...فلا يترك احد من الحضور .. يسلم بيده ويتبادل معهم الأحضان والقبلات ، حاصداًً ما في جيوبهم من نقود ، تعتمد قيمتها على كرمهم وحبهم للظهور، ليخرج الولد وقد امتلأت جيوبه بالدنانير ويداه محملتان بالهدايا!!..حتى أتقن أساليب وفنون والده صغيراً ،وتفوق عليه شاباً!!
أثناء انشغالهما بالحديث رن جرس البيت، توجه أبو شرف ليفتح الباب، مرحباً بصديقيه:" أهلا وسهلا..تفضل أبو صادق ..تفضل أبو نزيه ..!!".. ثم ادخلهما الى صالة الجلوس، لحين اقتراب موعدهم المبرم مع الوزير الموعود ،في هذا الأثناء سمع أبو شرف ابنه شرف قادما يناديه !
نظر إليه مستفسراًً،وقبل ان يتفوه بكلمة.. انهال الشاب عليه واخذ يقبل يديه ورأسه..وهو يكيل له عبارات المدح والتفخيم :"والدي العزيز ..سيدي..بركة هذا البيت العامر بوجودكم وحضوركم..اسمح. لي..!!."
قاطعه والده زاجراًً إياه أمام ضيوفه:"خفف يا ولد من هرجك وهات من الآخر..كم تريد ؟"
اشرف بكل انكسار ومسكنه :"من خيركم ..مئة دينار فقط لا غير!!"... غص أبو شرف في ريقه واخذ يسعل بشده ،حينها انتفض صديقاه يحاولان التخفيف عنه وهما يربتان على ظهره ويصرخان :صحة.. صحة .. يا أبو شرف..أعدائك وحسادك عنك ..عين وأصابتك!!!
استعاد أبو شرف صوته الذي ضاع بالسعال ،واضعاً يده داخل معطفه مخرجاًً محفظته، ليؤكد عدم انزعاجه من طلب ابنه الذي اختار الوقت المناسب والحرج، ليطلب والده هذا المبلغ !!
ناول أبو شرف ولده ورقتي نقد من فئة الخمسين دينار قائلا: خذ..يكفيك هذا المبلغ؟؟!!
اخذ شرف ورقتي النقد قائلا:"منك يا والدي العزيز كل شيء فيه بركة"..وبسرعة هم الى يده يريد تقبيلها ..لكن والده أسرع وسحب يده من قبضة قائلا :"لم يأت أوانك بعد..لا زلت صغيرا يا ولد !!"
رد شرف، عين على والده وأخرى تصطنع الخجل:" تربيتك وعضدك الأيمن يا والدي العزيز!!"
نظر أبو صادق الى أبو نزيه وقد أدهشهما،سلوك شرف الشاب وما وصل إليه من حرفيه وإقناع ،وقد استوعبا أهدافه وغاياته !
قال أبو صادق وهو يحاول إخفاء ضحكة مكتومة :"ما شاء الله نعم التربية!!"
قال أبو نزيه :"سبحان الله ..من شابه أباه ما ظلم ...الولد مستقبله واعد !!"
قال أبو صادق مقترحاًً:"ما رأيكم أن يرافقنا شرف ؟..اعتقد أننا نحتاج الى دماء جديدة ترافقنا في جولاتنا!!"
نظر أبو شرف الى الرجلين بعينين باردتين وكأنه لم يسمعهما..وبكل هدوء توجه الى باب البيت ليفتحه قائلا :تفضلوا .. هيا يا شرف ..لا نريد أن نتأخر..أمامنا مهمة جديدة لك!!!
خلف ستائر غرفة نومها وقفت ام شرف تراقبهم وهم يستقلون مركبة أبو نزيه الذي جلس بجانبه أبو صادق في المقعد الأمامي،وإثناء سير المركبة مبتعدةَ، شاهدت ابنها شرف من خلف الزجاج .. جالساً متصدراً المقعد الخلفي بجانب والده !! ..معلنةً الساعة، ولادة فرخ جديد!!

**********

سهام الببايضة ..
تماما .. كنصع الوقائع خلف وهج الشمس ينسكب الجوهر ها هنا ..
كنت أفتش عن سردك بين ثنيات الحرف الذي سكبتيه فبرعت ,,
ووجدته على وجه أبي شريف وشرود المرأة التي أجهدها الحدث ..
وكأن ندبة قد اختلجت القلب الحزين وتأبى النزف إلا في حضرة وعينا ..
هذه الحكاية المشوقة تقضم رتابة الوقت وتغرس في الأحداق دهشة ..
أمتعتني قراءة حرفك .. حتى احتفظت ببعضه في ذاكرتي ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 03-15-2011 12:39 PM

17 - صك الخذلان / خالد عبد اللطيف


قصة " صـك الخذلان"


اقترب من الباب،حاول أن يدق،خانته أنامله،أحس أن الأرض تميد تحت قدميه ،حتى قدميه الصلبتين اللتان خاض بهما معارك برية كثيرة،لم تعد قادرة على الثبات.
أصابه دوار وصداع في الرأس،ولم يعد قادرا على الوقوف .كل هذه الأعراض المفاجئة كان بإمكانه تحملها،والصبر على أوجاعها ومكارهها،لكن الشيء الوحيد الذي هد كيانه من الداخل،إخبار الزوجة والابن لما جرى له في هذا اليوم الأكلب.
كاد أن يطرق الباب مرة ثانية،لكن شيئا خفيا جره للخلف،تراجع والعرق يتصبب من جبينه،وأحس بضيق في صدره،دقات قلبه تتعالى،ويداه ترتعشان،شلت جميع أعضائه،حاول أن يصرخ،لكن وخزا كالإبر تسلل إلى حنجرته وأوقف نبرات صوته.
الزوجة والابن بالداخل ينتظران قدوم الزوج،منتظرين البشرى،فقد أعدا المائدة،ووسط الصحن تربعت دجاجة محمرة ثخينة.
عاد أدراجه لايلوي على شيء،لم يعرف أي وجهة يختار،ضاقت به السبل،ودون وعي منه،وجد نفسه دالفا أول مقهى،مسندا ظهره لأول كرسي.
لم يعرف كيف مرت الأمور بهذه السرعة على موقع الوزارة، كان يبحث عن اسمه بين الذين تم انتقاؤهم لكن دون جدوى.كانت اللائحة قاسية وجافة تحمل أجسادا غريبة لم يسمع بها من قبل.تساءل في حيرة كيف لم يختاروه من بين المرشحين،وهو الحاصل على شواهد عليا بميزة:حسن جدا.
كيف تخلوا عنه بسهولة، أليس المجال مجاله؟ والتدريس غايته وأمله.ألم يحصل على شواهد مهنية في مجال التعليم بميزات مشرفة، أمثاله هم المؤهلون لخدمة الدولة ونظامها التعليمي.
اعتبر الأمر مجرد خطأ،حاول النهوض من على كرسيه،ليعيد النظر في موقع الوزارة ولائحتها،لكن من جاء من يخبره من أصدقائه بأنه قد قضي الأمر،وأن باب الأمل قد أغلق والى الأبد.
طفرت دمعة حارة من عينيه،شعر بجفاف في حلقه،أحس أن هذا الكون بدأ يصغر ويصغر حتى تلاشى وتبخر،اصطكت أسنانه،وجحظت عيناه،ماذا يقول لزوجته ولابنه وبأي وجه سيلقاهما.
طيلة حياته لم يكن متخاذلا ولا متهاونا،فبعد حصوله على شهادات عليا من الجامعة،وشهادة من معاهد للصحافة،قرر أن يعمل في أي مهنة،فقد عمل صباغا،ودافعا للعربات المجرورة،ومساعدا للخياط،ومراسلا لجرائد وطنية،وفي آخر المطاق استقر به المطاف أستاذا بالتعليم الثانوي الخصوصي والابتدائي،كانت كل تقارير المفتشين تنوه بكفاياته وقدراته ومهارته وسعة معارفه.
واليوم حين أتيحت له الفرصة لإبراز مهاراته وقدراته،أهملوا كل تجاربه وخبراته،ولم يفسر له أحد كيف تم إسقاطه،والعهدة على الحاسوب الخالي من المشاعر،أثناء الترشيح لمنصب معلم قدم لهم سيرته الذاتية والعلمية الحافلة بالكفاءة .
حار في كل ماجرى ،كل شيء مر كلمح البصر،تلك الشاشة العقيمة التي لم تفرز اسمه.نظر مجددا لعله يبصر حرف" الميم" فرك عينيه أكثر من مرة دون جدوى،تذكر تلك الرزمانة من المراجع والمصادر والمجلات في مجال التربية والبيداغوجيا والتي حفظها عن ظهر قلب،تبخر كل شيء دفعة واحدة.
حتى السن محسوم في الوظيفة،كانت هذه فرصته وأمله،نظر حواليه،كان كل شيء أسودا قاتما.
هبطت أشرعة الظلام دون أن يدري،سمع دقات قلبه تصم أذنيه،تشنجت عضلات وجهه،انتظرته الزوجة والولد،لكنه لم يعد.

خالد عبد اللطيف.


***************

خالد عبد اللطيف ..
دون أي تباعد انساب النص سيدي متدحرجآ إلى الخاتمة بحبات من التشويق التي استقرت على وعينا ..
كأننا نعاين معاناة منطوقة نقشت على الباب وعلى الطريق وفي الزقاق , حيث الحرف البارع كان سيد الموقف ..
أخفضت لنا جناح الألم , فانسل إلينا دون استئذان .. من خلال تعاقب الإنفعال ..
ورغم أكوام الحزن المتراصة هنا , إلا أن الدهشة كانت جائزتنا الكبرى ..
شكرآ سيدي كبراعتك

سحر الناجي 03-15-2011 12:44 PM

18 - باب توبة !! / دارين عزوز


في المحطة الثانية، قبل وصوله إلى مقصده بساعات، أفاق من نومه العميق على صوت صفير القطار المزعج، والضجيج الذي رافق حقائب المسافر الذي جلس بجانبه..
بادله التحية بابتسامة مصطنعة، وبإيماءة طلب منه إعارته أحد الكتب التي كان يحملها وكأنه بذلك يقفل باب الحديث معه !!!
ظل يتأمل صفحات الكتاب بذهنٍ شاردٍ حتى شده عنوانٌ عريض معاصي أهل القبور: الشركُ بالله ، النفاق ، تحليل ما حرم الله ،النميمة ،الكذب ، الزنا .... واسترسل في قراءة أنواع العذاب ويداه ترتجفان ،والعرق يتصبب بارداً من كل جسمه.. ترك الكتاب جانبا وشرد في تفكير عميق وقد صُبغ وجهه بلون الموتى .
عند توقف القطار نزل مسرعاً في ذهنه حلا لوضع حدٍ لاضطرابه بعد الذي قراءه !!
فاتجه إلى ملهى ليلي لينسى ويرتاح ..!!

*************

دارين عزوز ..
أنظرني هنا وقد جلبت حفنة من الإدراك كي أتشرب دقائق الحكاية ..
سأذكر أنني عبرت واحة الضمير وسراجي أيقظ وهجه ضوء حرفكِ الباهر ..
حتى صوت الملائكة في الفؤاد بدا أكثر حكمة في مكث التفاصيل ..
وما ظننته غفلة قد اجتاحت العمر بوابل من الخطايا المتراكمة ..
قد أزاحته أقصوصتك الرائعة وغرست بدلا منه حفنة من الرجاء ..
أسأل العظيم أن يجنبنا الشيطان ويطهرنا بالماء والثلج والبرد ..
سلام على روحك


الساعة الآن 08:23 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team