منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   [ " نفحات ٌ قرآنية ٌ "............ ] (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=2107)

حميد درويش عطية 10-31-2010 07:25 PM

[ " نفحات ٌ قرآنية ٌ "............ ]
 
العلاقة بين الهدى والتقوى
بسم الله الرحمن الرحيم
{ألم} ..

البقرة / 2
هناك اختلاف في تفسير مقطعات السور ، هذه الظاهرة القرآنية الفريدة والملفتة حقاًً !..
لا نعلم إن كانت هذه الظاهرة موجودة في الكتب السماوية غير المحرفة سابقاً ..
ولكن ليس من دأب البشر والمؤلفين ، أن يبدؤوا كتبهم بألغازٍ لا يعرفها المخاطبون .. فإذن ما معنى هذه الحروف المقطعة ؟..
الأمر الأول الذي يُلفت النظر ، هو كأن القرآن يريد أن يُخاطب جماعة معينة ، فما عدا الحروف المقطعة ، فإن الخطاب للجميع .. لكن القرآن يريد أن يتحدث مع صنف خاص ، هم الذين عُبر عنهم في الرواية المعروفة :
( إنما يعرف القرآن من خوطب به )
إذن هذه الأمور أسرارٌ متروكة لأهلها . وكأن الله - عز وجل - أراد أن يُكرم جزءاً من خلقه بهذه الرموز القرآنية ..
وهناك بعض التفاسيرالأخرى التي لا يمكن قبولها وهي أن القرآن مكوّن من هذه الحروف .. إذا كان الأمر كذلك فإنه لا يحتاج إلى التكرار ، فيكفي أن تأتي آية واحدة ببعض هذه الحروف المقطعة أما لماذا هذا التغيير { ألم } { حم } { يس } { عسق } ؟..
إن هذا التنوع يراد منه معنى آخر ، لا يعلمه إلا الذين خُصوا بالخطاب في هذه الحروف المقطعة .
{ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } إلى آخر الآيات المباركة ..
الملاحظ هنا أن القرآن الكريم هداية ، والهداية هي عملية ذهنية وإدراكية ، بمعنى نقل الإنسان من المجهول إلى المعلوم .. ولكن لماذا جعل القرآن الكريم هذه الهداية خاصة بالمتقين ؟.. والتقوى : عملية فعلية، وورع ، وفعل ، وترك .. فإذن ، ما الارتباط بين عالم المعرفة وهي الهداية ، وبين عالم العمل وهي التقوى ؟..
الجواب هو :
إن القرآن هداية شأنية ، فمن شأن القرآن أن يهدي ؛ ولكن هذه الهداية الشأنية لا تتحقق فعلاً وواقعاً ، إلا للذين استعدوا لقبول هذه الهداية ..
فالقرآن هدى، ولكن لمن يبحث عن الهدى : في الصحراء القاحلة ، وفي جوف الليل ..
هناك دليل يدّعي بأنه سوف يخرجك من الظلمات إلى النور ، فالذي لا يعترف بهذا الدليل ، أو يعترف بأنه دليل ، ولكن لا يعطيه وزناً ، ولا يعطيه أهمية ، هل يخرجه من الظلمات إلى النور؟.. لا ، لن يخرجه أبدا ، ولا يُتوقع منه أن يأخذ بيد هذا الإنسان الذي لا يعترف بوجوده ، أو يعترف بوجوده ولكن ليس في مقام الأخذ بدلالته ..
والقرآن الكريم هدى ، لا بما هو معلومات مطوية بين الدفتين ، ولا بما هو نظريات يعرفها المفسرون ..
كم من الذين يتلون القرآن ، والقرآن يلعنهم !.. وكم هم الذين يفسرون القرآن بما لا يخطر على الافهام ، وهم بعيدون كل البعد عن معاني القرآن الكريم !..
فإذن ، إن القرآن الكريم يقول بأنني هدى ، ودليل ، ومنقذ ، ومُخرج من الظلمات إلى النور؛ ولكن لمن؟..
للمتقين !..
من هم المتقون ؟..
أول صفة من صفات المتقين { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } .. إنها لفتة مهمة ، وهي أن أول خاصية في المتقي هي البنية الفكرية ، وليس المتقي الذي يمشي ويسعى .. بل هو الذي يحدد الطريق ، ثم يمشي ويسعى ؛ لما علمنا بأن
( السائر على غير بصيرة ، كالسائر على غير الطريق لا تزيده كثرة السير إلا بعدا ) ..
فالمتقي ليس هو ذلك الصوّام القوّام ، وإنما هو ذلك الإنسان الذي اكتشف الطريق ، ورأى الهيكل ورأى المخطط، ويعلم من أين يبدأ ، وإلى أين ينتهي ؛ فآمن بالغيب ، وترقى عن عالم الحواس .. ليس هذا الإنسان المادي التجريدي ، الذي لا يؤمن إلا بما يرى ويلمس ويسمع ، وإنما له قدرة على أن ينتقل من عالم المادة إلى عالم المعنى ، ويخترق حجب الغيب وحجب المادة ، ليصل إلى عالم الغيب .
ومن الغريب أن الذين لا يؤمنون بالغيب الأخروي ، يؤمنون بالغيب الدنيوي في هذه الدنيا ، وكأن الله أراد أن يقيم الحجة عليهم !.. فالأمواج الكهربائية ، والأمواج اللاسلكية ، وقوة الجاذبية ، والأضواء التي لا تُرى : ما فوق البنفسجية ، وما تحت الحمراء ، وأشعة الليزر ، وما شابه ذلك ، كله من الغيب الدنيوي .. إن هذه الأشياء في الدنيا ، ولها آثار خارقة ومدمرة .. ومع ذلك جعلها الله غيباً لا تُدرك بحواس ، ولا تلمس ولا تُرى .. من منكم رأى الكهرباء على ما تُعطي من بركة في هذا الوجود ؟..
إن من الغريب أن بني آدم يؤمن بالغيب في الدنيا ، ولا يؤمن بالغيب في الآخرة ، فلئن قائل ٌ قال : بأني آمنت بالغيب الدنيوي لآثاره .. فلِمَ لا يؤمن بالغيب الأخروي لآثاره ؟.. أليس الله عز وجل له هذه الآثار ؟!.. فانظروا إلى آثار رحمة الله !.. فلماذا لا تؤمن بهذا الغيب ، وتؤمن بهذا الغيب ؟ الذين يؤمنون بالغيب ؛ الإيمان بالغيب بكل ما غاب عن بصرك ، سواء في ذلك المبدأ ، وسواء في ذلك المعاد .. ولهذا في آخر هذه الآيات يقول تعالى :
{ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }
يخص المعاد وهو غيب بالذكر أيضاً .
فإذن إن المشكلة في بعض السالكين الذين يقفون في سيرهم ، أن حركتهم وسيرهم ليست مشفوعة بحركة علمية ..
ولهذا على المؤمن أن يمتلك هذا البنيان النظري ، من أين يصل إلى هذه البنية العلمية في التكامل والسير؟..
إن هناك ثلاثة أبواب إسلامية :
باب الاكتساب .. وباب التدبر .. وباب الإلهام والإلقاء في الروع .
أولا :
باب الاكتساب :
أن نقرأ ما اكتسبه الآخرون ، فإنه لدينا بعض الكتب في الكلام والعقائد والعرفان والأخلاق ، وهي حصيلة حياة أحدهم .. فهناك بعض الناس قد يعيش عشرين أو ثلاثين سنة في تأليف كتاب واحد منقح ، فهذا الكتاب ثمرة حياته .. فالإنسان في ليلة ، أو ليلتين ، أو في أسبوع ، وإذا به ينقل ثمرة حياة إنسان مؤلف مجاهد إلى فكره وإلى قلبه .. ولهذا فإن المؤمن السالك إلى الله عز وجل لا يمكن أن يستغني عن عالم المعرفة وعالم القراءة .
ثانيا :
التدبر والتأمل :
إن الله عز وجل أعطاك فكراً ، وأمرك بالتدبر .. والتدبر في كتاب الله ، وفي الطبيعة ، وفي الحياة وفي حركة الوجود ، لا يحتاج إلى تخصص ، فإن القضية تتوقف على التأمل وعلى التحليل .. وهذه قضية فطرية ، فالإنسان يُكوّن صورا مترتبة ، ثم ينتقل من المبادئ إلى النتائج ..
أنت أيضاً بإمكانك أن تخوض هذا العالم !.. ولهذا حتى في أشعار الجاهليين ، الذين جاءوا قبل النبي ( صلى اللهُ عليه ِ وعلى آله ِ و سلم ) ولم يعترفوا برسالة ، يلاحظ من خلال قصائدهم أن هناك فكرا وفهماً وتدبراً ، ولو على مستوى تحليل بعض مظاهر الطبيعة ..
فإذن ، إن التدبر أيضاً من صور امتلاك هذه البنية .
ثالثا :
الإلهام والإلقاء في الروع :
إذا تدبر الإنسان ، واكتسب العلم من غيره ، واكتسب من عقله وفكره .. عندئذ يأتي ذلك المدد الإلهي ، لُيلقي في روعه ما لا يلقي في روع الآخرين .. وهنالك المعرفة الإشراقية ، فالله عز وجل يعلم كيف يُلقي في روع عباده ما يُلقي ، إما مباشرة أو عبر ملائكة .. قد يُلقي في روع عبده في ليلة واحدة حصيلة تجارب الآخرين ، أو على الأقل يُحوّل الإيمان النظري إلى سكون في النفس .. وهذا هو معنى الإيمان ، { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } غير المعترفين بالغيب .
فالإنسان قد يعترف ، وقد يعلم ، وقد يتيقن بالغيب .. إلا أنه لا يتحول إلى قوة مطمئنة ، فالإيمان فيه عنصر الاطمئنان والأمن .. والاطمئنان والأمن قد لا يقترنان مع العلم .. هنا يأتي دور الغيب في أمرين :
الأمر الأول في إعطاءك المعرفة النظرية
وثانياً في تحويل المعلومة النظرية إلى حالة اطمئنان ويقين باطني ..
31
10
2010

منقول

ناريمان الشريف 11-02-2010 07:31 PM

الملاحظ هنا أن القرآن الكريم هداية ، والهداية هي عملية ذهنية وإدراكية ، بمعنى نقل الإنسان من المجهول إلى المعلوم .. ولكن لماذا جعل القرآن الكريم هذه الهداية خاصة بالمتقين ؟.. والتقوى : عملية فعلية، وورع ، وفعل ، وترك .. فإذن ، ما الارتباط بين عالم المعرفة وهي الهداية ، وبين عالم العمل وهي التقوى ؟..


الهداية عملية ذهنية وإدراكية
التقوى عملية فعلية وورع وفعل وترك

معلومات أفدت منها
بارك الله فيك أخي حميد
منقولات رائعة


..... ناريمان

حميد درويش عطية 11-02-2010 09:53 PM

موارد جواز التظلم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } .. النساء/ 149-148
ما هي الدروس المستفادة من هاتين الآيتين المباركتين ؟..
إن كثرة الشكوى والتكلم بما لا ينفع ليست من طبيعة الإنسان المؤمن ..
فالله - عز وجل - { لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ }
أي عندما يُظلم الإنسان عندئذ يكون له الحق في أن يشتكي .. وهذه الشكوى ينبغي أن تكون في موضعها المناسب :
فالإنسان يشتكي عند القاضي من أجل التظلم ومن أجل أخذ الحق أو عند مؤمن يمكنه أن يأخذ حقه .. أما الشكوى المجردة من أجل هتك الظالم فقط، فليس معلوما ً أن هذه الشكوى محبوبة عند الله عز وجل .
فإذن إن الإنسان إذا لم يُظلم من قبل إنسان فليس له الحق أن يهتك عيوبه .. وعندما تنهى بعض العوام من الناس عن الغيبة فإنه يبادر بالقول : إن هذا العيب موجود فيه وأنا لم أكذب ولم أفترِ ..
والحال بأن الغيبة : ( أن تذكر أخاك بما يكره ) أي أن تذكره بعيب فيه .. فإذا كان العيب غير موجود فيه معنى ذلك أنك مفترٍ عليه ..
فإذن إن كنت صادقا فأنت مغتاب .. وإن كنت كاذبا فأنت مفترٍ !..
إن الأصل في ذكر العيوب أن يكون ممنوعا ولكن الشارع المقدس جعل استثناءات :
كالمشورة والمظلوم والإنسان المتجاهر بعيبه الذي هتك ستر نفسه وصاحب البدعة في الدين .. هذه المعاني المطروحة في كتب الفقه هي مستثنيات الغيبة .. فإذا علم الإنسان بأن هذه غيبة ولكن لا يعلم أنه في القسم المستثنى أم لا : أي لا يعلم أن هذه مشورة أم لا .. ولا يعلم أن هذه غيبة صاحب البدعة أم لا .. أو أنه عيب يتجاهر به الإنسان أم لا .. فإذا سئل يوم القيامة عن ذلك ماذا سيكون جوابه عند الله عز وجل ؟..
فإذن إن معنى ذلك هو أن يعيش الإنسان حالة الوسوسة عندما يريد أن يتكلم على مؤمن .. فالبعض منا يعيش الوسوسة في القراءة وفي الطهارة وفي النجاسات وما شابه ذلك ولا يعيش الوسوسة القولية ..
والحال أن هذه الوسوسة مقدسة ومثمرة ويحبها الشارع .. بخلاف الوسوسة في القراءة والصلاة .
وعليه فإنه يكفي للمؤمن أن يقول الله عز وجل :
{ لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ }
أي لا يحب هذا العمل وبعد ذلك لا يحتاج إلى ذكر العقوبات يوم القيامة .. فالمؤمن العارف والمريد والمحب للمولى يكفي أن يعلم بأن الله - عز وجل - لا يحب هذا العمل وهنا قمة الإيمان ..
نعم فالقرآن الكريم في آية أخرى ذكر
{ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ... } !..
فهذه لعامة الناس .. أما الخواص فلا يحتاجون إلى تخويف وإنما يحتاجون إلى أن يعلموا بأن الله - عز وجل - لا يحب هذا العمل سواء في قالب الحرام أو قالب المكروه !.. أو يعلموا بأن هذا الأمر يحبه الله - عز وجل - في قالب الواجب أو في قالب المستحب ..
فإذا تحول الإنسان إلى محب لله - عز وجل - فإنه لا يبحث عن الحيل الشرعية ولا يبحث عن الرخص .. صحيح أن كل مكروه جائز ولكنه لا يفرق بين المكروه والحرام لأن كليهما لا يحبهما الله عز وجل ..
وعليه فإن الآية تبدأ ببداية مؤثرة ومعبرة :
{ لاَّ يُحِبُّ اللّهُ } ..
فما دام المولى لا يحب عليَّ إذاً أن أتوقف .. سواء علمت عقاب ذاك الأمر أو لم أعلم حجم العقاب في هذا المجال .
{ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا } ..
سميع مبالغة من السمع وعليما مبالغة من العلم .. فالإنسان قد يسمع ولكن قد لا يعلم الأمر ببواطنه .. إن الله - عز وجل - سميع عليم أي يسمع ما تقول ويعلم ما في باطنك ..
وهناك فرق بين إنسان يسمع ولا يعلم ، وبين من يسمع ويعلم .. ولهذا فإن الله - عز وجل - يصف نفسه قائلا :
{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } ..
فالناس يرون حركات العين ولا يرون خيانة العين .. كأن ينظر إنسان في جهة مستقيمة وهو ينظر بطرف خفي يمينا وشمالا إلى ما حرّم الله عز وجل .. فالناس يرون ظاهر البصر هو ينظر أمامه ولكن ينظر إلى زاوية خفية ..
فالناس يرون ظاهره ولا يرون ما يخفي صدره ..
فإذن إن الذي يعيش هذه الحقيقة أي حقيقة أن الله سميع عليم فإنه يتحول إلى إنسان مراقب أشد المراقبة لكل حركة وسكنة في وجوده .. ولهذا فإن هذا الانسان لا يختلف نهاره عن ليله ولا تختلف معاملته مع زوجته أو مع الآخرين ..
{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } ..
في جوف الليل وفي خلوة مع زوجة مستضعفة مسكينة فإن هذا الرجل الذي يعيش هذه الرقابة الإلهية من الطبيعي أنه لا يمكن أن يتكلم بكلمه واحدة مما لا يرضي الله سبحانه وتعالى .
وعليه ، فإن ملخص ما تقدم هو :
أن قوام المراقبة والمحاسبة ، هو الالتفات إلى هذه الحقيقة ، أي حقيقة السمع وحقيقة العلم الإلهي لأفعال المؤمن .. وإلا فإن روايات المراقبة والمحاسبة والعقاب يوم القيامة ، فإنها لا تكفي لإيجاد الدواعي الذاتية في قلب الإنسان المؤمن .. وإنما التفاته إلى هذه الحقيقة ، كافٍ لأن يتحول إلى إنسان مراقب لكل ما يقول ..
{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
*********************
2
11
2010

منقول

حميد درويش عطية 01-16-2011 06:37 PM

هيمنة القرآن على الكتب السماوية
________________________________
هل يصدّق القرآن الكريم بكل ما تضمّنته الكتب السماوية، وبخاصة التوراة والإنجيل الرائجين، أم يرفضها ويكذب مضامينها جملة وتفصيلاً ؟
وما هي ـ ترى ـ منزلة القرآن الكريم، كآخر كلمة في مفكّرة السماء، وكذروة ما نزل من جانب الله تعالى إلى البشرية، بين غيره من الكتب المنزلة قبله؟
يجيب القرآن الكريم عن هذا السؤال في الآية 48 من سورة المائدة بصراحة كاملة، وبلاغة إذ يقول :
( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب، ومهيمنا عليه، فاحكم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ).
في هذه الآية يصف البارئ تعالى كتابه العظيم ( القرآن ) بثلاثة أوصاف جديرة بالتأمل والإمعان :
1 ـ انه كتاب نزل بالحق.
2 ـ انه مصدق لما بين يديه.
3 ـ انه مهيمن عليه.
وما يرتبط بالسؤال المطروح ـ هنا ـ هو الوصف الثالث وهو كون القرآن مهيمنا على ما تقدمه من الكتب المنزّلة فماذا تعني الهيمنة القرآنية على تلكم الكتب؟
قال العلامة ابن منظور في ( لسان العرب ) : في التنزيل ومهيمنا عليه. قال بعضهم: معناه الشاهد، يعني وشاهداً عليه.
وقال ابن فارس في ( معجم مقاييس اللغة ) فأما المهيمن : وهو الشاهد.
وذهب إلى مثل ما ذهب إليه هذان العالمان اللغويان العلامة الفيروز آبادي في القاموس المحيط.
وإذا كان الشاهد بالحق هو الذي يقرر ما يصح، وينفي ما لا يصح فالمهيمن هو من يقرر ما يصح، ويبطل ما لا يصح.
والقرآن الكريم يقوم بهذه المهمة عينها بالنسبة إلى ما تضمنته الكتب السماوية الرائجة.
صحيح أن القرآن ـ حسب الوصف الثاني من الأوصاف الثلاثة المذكورة في الآية المطروحة في مطلع هذا المقال ـ هو كونه ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ) ولكن هذا التصديق لا يعني أنه يقرر كل ما تحتويه تلك الكتب على نحو الإطلاق حتى ما كان باطلا، بل يصدق ما صح فيها من المعارف، والمفاهيم، والقضايا، والموضوعات، ولهذا كان ضرورياً أن يضاف إلى هذه الجملة ما يقيّد هذا التصديق كيف لا، والوصف الأول من الأوصاف الثلاثة المذكورة هو كون القرآن نزل بالحق، وقد تكرر هذا الوصف مرتين في هذه الآية، عندما يقول سبحانه ( ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ).
وبهذا يعرف الترابط الدقيق بين هذه الجمل الثلاث في الآية وهي : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ) و( مهيمنا عليه ) ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ).
فإن الكتاب الذي قام على أساس بيان ما هو الحق والحقيقة، وما هو الصحيح والواقع في مجال المعارف والمفاهيم، لا يمكنه إلا أن يصدّق ما جاء في الكتب السابقة من حق وحقيقة، ويفنّد ما هو باطل، مخالف للواقع، مغاير للحقيقة.
إن هذا يتطلب منا أولا أن نقف على ما وصف الله تعالى به كتابه العزيز ( القرآن ) ليتسنى ـ بعد ذلك ـ فهم مسألة الهيمنة القرآنية على ما عداه من الكتب المنزلة الرائجة.
************************************************** *****************************************
حميد
16
1
2011

حميد درويش عطية 01-17-2011 06:47 AM

العقل.. الطريق إلى معرفة الله
لا يختلف اثنان في ان العقل هو من أبرز خصائص الإنسان، ومن أعظم ميزات العقل القدرة على الانتقال من الحقائق المشهودة إلى المغيبة، ومن المسائل الجزئية إلى الحقائق العامة، ومن الأمثلة الواقعية إلى السنن الإلهية، ومن الظواهر المعروفة إلى القوانين العامة المجهولة.
وعندما يفقد الإنسان امتياز الانتقال مما يراه إلى ما يفعله، ومما يبصره إلى ما يستبصره فإنه والحيوان سواء في القدرة العقلية.
ومن أعظم مظاهر هذه الحقيقة الكبرى ان الإنسان عندما يتأمل الكون بما فيه من آثار رحمة الله وقدرته وعظمته وينتقل إلى معرفة ربه، فإنه سيكون ممن يعقل المعلومات ويستثمر البصائر ويستفيد من الحقائق التي يراها، أما إذا لم يتأمل الكون ولم يصل إلى حقيقة معرفة ربه فإنه سيكون ممن لا يعقل بسبب جموده عند الظاهر؛ فهو يرى جريان الشمس لمستقرها ولا يعرف ان ذلك من تقدير العزيز العليم، ويشاهد الودق يخرج من كتل السحاب ويتدفق غيثا على الأرض الجرداء ليحولها إلى جنة خضراء ولكنه لا يبصر ان هذا من رحمة الله، ويرى ان الإنسان ينام في الليل ويصبح كالميت ـ إذ النوم أخ للموت ـ واليقظة من النوم كالانبعاث من بعد الممات، ولكنه لا يستشعر من خلال هذه الظاهرة قدرة الله ـ جل شأنه ـ ولا يبصر أصابع الغيب في ذلك.
والله ـ سبحانه ـ بعد ان يستعرض في سورة الروم طائفة من آياته التي جعلها دليلا إليه، وسببا لمعرفته، ووسيلة للتقرب إليه يقول :
( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) الروم/ 28
أي نبينها بوضوح وتفصيل للذين يعقلون، اما الإنسان غير (العاقل) فإنه لا يبصر ولو ضرب القرآن أبرز أمثلة الكون وأروعها.
فلو فتشنا عن المعنى الأصلي لـ(العقل) لعرفنا انه المحافظة على شيء ينطلق باندفاع، ولهذا يقال لمن يمنع تدفق الماء من علو انه قد (عقله)، ولمن يمسك البعير المنطلق في الصحراء انه قد (عقله)، وهكذا الحال بالنسبة إلى العلم الذي لا يستقر في دماغ الإنسان لكونه يأتي بخطفة سريعة كالوميض، ولذلك يحتاج الإنسان إلى مزيد من النشاط والحرة وقوة الإرادة والحزم لكي يعقل العلم، ويحفظه في قلبه من التبدد والتلاشي.
ان هناك حقائق كثيرة يغفل عنها الإنسان، وأكثر هذه الحقائق يرتبط ارتباطا وثيقا بدور العقل في الحياة ومن ضمنها:

1- ربط الحوادث ببعضها
ان يرى ضوء منبعثا من مصابيح الإضاءة دون ان يعرف ما وراء هذا الضوء المنبعث من نظام يولد الكهرباء فإن في عقله خللا، إذ لابد من ربط الظاهر الحاضر بالخفي الباطن، وهكذا الحال بالنسبة إلى جزئيات الشريعة وكلياتها، إذ ان الغالبية العظمى من الآيات القرآنية تحدثنا عن الخطوط العريضة للشريعة أو (الأصول العامة) حسب التعبير الفقهي، و(الهدى) طبقا للتعبير القرآني، ذلك لأن المهم ان يعي الإنسان الهدف العام أولا، وبعد ذلك تتكفل السنة الشريفة والأحاديث المروية عن الأئمة المعصومين عليهم السلام بشرح الجزئيات وإيضاحها.
ومع ذلك فقد أشار الأئمة عليهم السلام إلى مجموعة من الأصول العامة وتركوا أمر تفريعها وتطبيقها على الحياة إلى الفقهاء والمراجع من بعدهم، وهذا هو سر مرونة الإسلام، وقدرة أحكامه الشريفة على ان تطبق في كل عصر ومصر وفي كل الظروف، لأنها تحدث العقل الذي يكيف بدوره القوانين العامة حسب الشروط الموضوعية والجزئية.
وعلى هذا فإن استيعاب الكليات، ومعرفة الأصول هما الأهم لكي يعرف الإنسان حدود الشرك، وطرق الابتعاد عنه، اما التفاصيل فإنها موجودة في السنة الشريفة أو في عقل الإنسان المهتدي بالسنة وهو الفقيه العادل.
2- تكاملية الأحكام
أ- ان الآيات القرآنية تأمرنا بإقامة الصلاة كقوله ـ تعالى ـ:
( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا ) الإسراء/ 78
فهذه الآية تأمر بإقامة الصلاة إنابة إلى الله، وإقامة الصلاة لم تأت منفصلة عن سائر الآيات القرآنية بل جاءت في إطار الآيات الأخرى، إذ ان كثيرا من الآيات أمرت بالتوبة إلى الله والتقرب إليه، والصلاة هي الطريقة والوسيلة إلى هذا التقرب؛ فهناك آيات تأمر بالتقرب إلى الله ـ تعالى ـ وآيات تأمر بالتوبة وأخرى بالصلاة لأن الصلاة هي خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر (و) الصلاة قربان كل تقي كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام علي عليه السلام.
وعلى هذا فإن علاقة الصلاة بالإنابة هي علاقة السبب بالمسبب والوسيلة بالهدف والطريق بالغاية، ولذلك تقول الآية القرآنية :
( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ) الروم/ 31
فالإنابة إلى الله تكون عبر التقوى، والتقوى تتحصل من خلال الصلاة.
ب- ان الحج فريضة على كل مسلم ومسلمة، والسبب في ذلك ان هناك أهدافا رسالية تحققها فريضة الحج منها وحدة الأمة وصحة الإنسان وسلامة الاقتصاد..
ج- إن آيات القرآن تهدف إلى تنمية الثروة، والعيش المبارك الكريم في الدنيا، وفريضة الزكاة هي وسيلة تحقيق هذا الهدف.
ان من أخطر ما أبتليت به أمتنا الإسلامية هي تجزئة الأحكام عن بعضها، وعدم فهمها بصورة متكاملة، وعلى سبيل المثال فإن المسلمين يصلون ولكنهم لا يدركون العلاقة الوثيقة للصلاة بالنهي عن الفحشاء والمنكر، ويحجون دون ان يعرفوا علاقة الحج بالوحدة، ويزكون دون ان يربطوا بين الزكاة وبين تنمية الثروة وتوزيعها العادل.
والأدهى من ذلك كله ان آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن التوحيد والشرك فصلت تماما عن الحياة السياسية في الأمة على الرغم من ان هذه الآيات تمثل الإطار العام لحياة الإنسان في الدنيا في كل جوانب حياته.
وعندما يأمرنا الخالق ـ عزوجل ـ بتحقيق هدف استراتيجي أو قيمة إلهية وغاية مقدسة فإن هذا يعني ان نبحث عن الوسائل التي أمرنا بها الله ـ تعالى ـ لتحقيق هذا الهدف.
3- التوحيد أساس الانطلاق
ولقد أمرنا الله بالاستقامة على التوحيد فكيف نستطيع ذلك؟
فالمحافظة على التوحيد تقتضي من الإنسان ان لا يتطرف يمينا أو شمالا، وهذه مهمة صعبة، فتوحيد الله ـ عزوجل ـ يمثل أعظم زاد يحمله الإنسان إلى الآخرة، أما لو ذهب مشركا فلا شك انه سيدخل الجحيم كما يشعر بذلك قوله ـ عز من قائل ـ:
( ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) النساء/ 48
أي ان الله ـ عزوجل ـ لا يغفر ذنب الشرك، وعلى هذا فإن التوحيد هو المنقذ وهذا ما يثبته الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى :
( كلمة لا اله الا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي ).
وللأسف فإن الكثير من الناس يقولون (لا اله الا الله) في الوقت الذي يخضعون فيه عمليا للطاغوت، فإن هذه الكلمة سوف تكون حجة بالغة عليهم لكونها تتنافى مع عبادة الطاغوت والأصنام البشرية. إذ كيف يجوز ترديد هذه الكلمة باللسان وثقافة القلب وطعام الروح مستقيان من الآخرين، فالتوحيد لا يمكن ان يجتمع مع هوى النفس.
17
1
2011

حميد درويش عطية 02-19-2012 09:04 PM

▂▃▅▆▇ العقوبة بعد العناية ▇▆▅▃▂
سورة المائدة / 111
إن الآيات الأخيرة من سورة المائدة معبرة جداً ومخيفة في نفس الوقت لأن هذه الآيات تتناول محاورة بين عيسى (عليه السلام ) وبين الحواريين
الذين كانوا من أقرب الناس إلى عيسى (عليه السلام ) والذين كانوا في حالة من الإلتصاق الشديد به ( عليه السلام )
ولكن مع الأسف يلاحظ بأن تربية عيسى (عليه السلام ) لم تؤثر في نفس الحواريين إلى الدرجة التي يريدها (عليه السلام )
فقد طلبوا منه عدة أشياء :
أولا : طلبوا مائدة من السماء
( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء ) إن كلمة ( يَسْتَطِيعُ )
نوع من خلاف الأدب مع رب العالمين فلو قالوا : هل من المصلحة لهان الأمر وإنما قالوا : هل يستطي ؟
فكلمة السؤال عن الإستطاعة لم يكن سؤالا في محله ولهذا عيسى ( عليه السلام ) ( قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
ثانيا : طلبوا أن يأكلوا منها فالآن بينوا السبب في طلب المائدة السماوية : ( قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا ) والأكل عبارة عن إشباع للذة البطن .
ثالثا : ثم قالوا : ( وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ) إن هذا البيان فيه نوع من أنواع الكلام غير المتزن
فأول شيء قالوا : ( نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا ) ثم قالوا ( وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ) فقد جعلوا الفائدة المادية للمائدة السماوية مقدَّمة على الإطمئنان القلبي
وهذه أيضاً من النقاط التي يمكن أن تؤخذ على الحواريين فالإنسان عندما يتعامل مع الله عز وجل عليه أن يقدّم البعد المعنوي على البعد المادي .
(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ما هو التعليق الإلهي ؟
(قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) هنا السؤال : لماذا هذا التهديد بعد تنزيل المائدة ؟
إن الدرس العملي لجميع المسلمين في هذه المعادلة المهمة : إن إيمان الحواريين قبل إنزال المائدة كان إيماناً غيبياً وكان إيماناً بالله عز وجل وبقدرته
تعبداً واعتقاداً بما أخبرهم نبيهم روح الله وهو عيسى ( عليه السلام ) فهذا الإيمان التعبدي والإيمان الغيبي كان له قيمة متميزة
ولكن بعد إنزال المائدة أي أن تنزل مائدة من السماء فإنه من الواضح أنه إعجاز من قبل الله عز وجل فهذه المائدة سلبت ذلك الجو الغيبي
وهناك فرق بين مائدة مريم (عليه السلام ) وبين مائدة الحواريين : فمائدة الحواريين كانت بطلب من الحواريين
أما مائدة مريم ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) ولهذا المائدة السماوية لمريم لم تنقص من منزلتها عند الله عز وجل
بينما المائدة السماوية للحواريين تبعها تهديد ( إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ )
فإذن إن ملخص ما تقدم هو : أن الإنسان المؤمن قبل أن يتمم الله - عز وجل - عليه الحجة وقبل أن يتجلى له وقبل أن يغدق عليه النعم قد يقبل منه اليسير
وأما المؤمن الذي توجه الله إليه بألطاف خاصة ووهب له الخشوع في الصلاة ورزق التوفيق لأداء بعض الطاعات كالحج والعمرة
ويرى نعم الله عز وجل عليه متواترة فإن هذا المؤمن إذا انتكس أو تراجع أو خالف فإنه يشمله ذلك التهديد الذي شمل الحواريين .
فالمؤمن الذي يرجع من الحج من أو من العمرة أو ينتهي من شهر رمضان ومن ليالي القدر أو ينتهي من صلاة ليل خاشعة ثم يخالف فمثله كمثل الحواريين
تلك مائدة تؤكل وهذه مائدة تدرك فعندما يعصي الإنسان الله - عز وجل - في يوم أحيا ليله بالعبادة يختلف عن يوم لم يوفق فيه للعبادة
ولهذا فإن المؤمن على وجل كلما رأى توفيقاً إلهياً في عبادة أو في تقوى أو في زيارة أو في شهر رمضان أو في ليلة قدر فإنه يعيش الخوف
ولهذا النبي صلى الله عليه وآله كان يقول : ( اللهم لا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبداً .
اللهم لا تردني إلى سوء استنقذتني منه أبدا . اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً )
--------
منقول بتصرف
حميد
عاشق العراق
19 - 2 - 2012
الأحد 27 ربيع الأول 1433هج
http://www.3almsbaya.com/vb/storeimg...407020_657.png


حميد درويش عطية 02-22-2012 01:28 PM

شرحُ الصدر
( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء )الأنعام / 125
إن ظاهر هذه الآية كأنه خطاب للإنسان الذي يريد أن يتحوّل من الكفر إلى الإسلام ولكن الملاك أعم .
فالآية تبين حقيقة في صفوف المسلمين وما بعد الإسلام وهي : أن الله -عز وجل - إذا أراد أن يهيئ قلبا للهداية شرح ذلك الصدر
فلماذا يشرح صدر البعض دون البعض ؟ وكيف يشرح الصدر ؟
أولا : إن حكمة الله - عز وجل - تقتضي أن يجعل كل شيء في موضعه فعمل الحكيم مطابقٌ لقواعد الحكمة فليس هناك جزافٌ في أمر الحكيم .
وليس هناك ترجيحٌ بلا مرجّ فمثلا : إذا كان هناك عنصران والحكيم يعطي امتيازا لعنصر دون عنصر فهذا خلاف الحكمة الإلهية البالغة
فإذن ، إن تصرفات الله -عز وجل - في قلوب العباد : ربطا ً وهدايةً ، وخذلاناً ، وتوفيقاً ,كل هذه الأمور منشؤها من العبد .
نعم ، قد يكون المنشأ البشري غير كافٍ للهداية , فمثلا : إنسان يريد أن يهتدي ، فيقرأ كتاباً ويسمع محاضرة ويفكر ساعةً .
إن هذا السعي قد يكون غير كافٍ للهداية فهنا عندما يرى الله - عز وجل - عبده ساعياً في الهداية ، مفرغاً نفسه من أي حكم مسبق
فإن الله - عز وجل - يتدخل في المسك بيد ذلك الضال الذي يرى بأنه ضال ، ويرى الهداية من الله عز وجل ومع ذلك يسعى قدر إمكانه في تلمس الهدى .
فإذن ، ( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ) كأنه نوع اطمئنان للساعين في طريق الهدى
أي : إذا كنت تبحث عن الإيمان وعن الإسلام وعن التقوى وعن جزئيات الهداية وعن الإيمان الخالص وعن تثبيت الفؤاد وعن شرح الصدر وعن معرفة الجبار
فكل هذه المعاني من الله - عز وجل - ولكن عليك أن تسعى ولو سعيا بسيطاً لكي تثبت بأنك جاد في البحث عن الهدى الإلهي .
( وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) لماذا ذكر الصدر هنا ؟ ما يفهم
من هذه الآية : أن هناك مشكلة انتقال المعلومات من الفكر إلى القلب , القلب الذي يعيش حالة الاطمئنان
هنا إذا كان الطرف من الذين خذلهم الله وممن لا يريد هدايته يجعل له سداً منيعاً بين الفكر والقلب
فالذهن يعتقد بشيء والقلب يعتقد خلاف ذلك الشيء وطالما أحببنا في حياتنا ما يضرنا وكرهنا ما ينفعنا .
فأحببنا ما يضرنا اعتقاداً فنحن نعتقد أنه ضار ومع ذلك نحبه وبعض الأوقات العكس ، نعتقد أن هذا الشيء نافع ولكن لا نحبه
( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) هو خير لكم ولكن تكرهوه ( وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) هو شر في الواقع .
وقد يكون شراً في الذهن أيضاً ، لا في الواقع فحسب . وتعلم بأنه شر ولكن تحب ذلك الشر .
فإذن ، إن الخذلان الإلهي هنا يأتي ليوجد سداً منيعاً بين الفكرة وبين القلب ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) أي اعتقدوا بها اعتقاداً ذهنياً، ولكن القلب لم يستسلم
فما هي الضابطة ؟ ولماذا يجعل الله - عز وجل - الحاجز بين جهاز الفكر، وجهاز القلب خذلاناً ؟
يقال أن من أسباب ذلك: عدم العمل بمقتضى الفكرة، أي هناك فكرة، وهناك قلب، وهناك جوارح، وعمل خارجي
أنت إذا لم تنطلق وراء الفكرة الصحيحة، لم تعمل بالفكرة الصحيحة
فإن هذه الفكرة الصحيحة تخرج من قلبك، لأنك آمنت بالفكرة، واعتقدت بصحتها، ولكنك لم تمارس ذلك
( وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) وهنا دعوة للمفكرين، والباحثين، والذين ينشدون حقيقة ما في أصول الدين، أو في فروعه
الالتجاء إلى الله -عز وجل- من منطلق هذه الآية فالذي يشرح الصدر، هو الذي يجعل الصدر ضيقاً حرجاً، كأنما يصعد في السماء، كناية عن شدة الضيق
فإذن، بموازاة السعي العلمي في تحصيل مباني الشريعة وجزئيات الإسلام، علينا أن نتوسل إلى الله - عز وجل - في فك الرموز
وقد قيل : إن بعض الفلاسفة عندما كان يبتلى بعويصة فكرية فلسفية ، كان يلجأ إلى ركعتين من الصلاة؛ لكي ينفتح قلبه على الواقع
ولهذا فإن أدعية الهداية كثيرة ومنها : ( اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت، وقني شر ما قضيت) و ( أعوذ بك من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن )
إن الالتجاء الدائم إلى الله - عز وجل - في حقل البحث العلمي له ثمرتان :
الثمرة الأولى : تكريس الفكرة في الذهن .
الثمرة الثانية : مساعدة الإنسان ، لكي ينزل هذه الفكرة من عالم الفكر إلى عالم القلب ، وعالم الاطمئنان .
--------
منقول بتصرف
حميد
عاشق العراق
22 - 2 - 2012
الأربعاء 30 ربيع الأول 1433هج
http://www.3almsbaya.com/vb/storeimg...407020_657.png

حميد درويش عطية 02-25-2012 06:55 AM

التجليات الإلهية
(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) الأعراف / 142
إن هذه الآيات آيات غريبة حقا وهي آيات متعلقة بنبي الله موسى ( عليهِ السلام ) فاللقاء الإلهي هنا كان ثلاثين ليلة
ولكن الله- عز وجل - تفضل على موسى وزاده عشرا
نستطيع أن نستخلص من ذلك عدة دروس ، منها :
الدرس الأول : أن الإنسان بالدعاء الحثيث لإحراز القابلية تُمدد له العطاءات المعنوية
فاللقاء الإلهي في طور سيناء هو لقاء مغتنم ومصيري لنبي الله موسى ( عليهِ السلام )
وقد كان بالإمكان أن يواعده ( سبحانهُ ) منذ البداية أربعين ليلة ولكنه جعل الموعد على مرحلتين : أولى وثانية
و"لعله ذكر الليالي دون الأيام مع أن موسى ( عليهِ السلام ) مكث في الطور الأربعين بأيامها ولياليها .
والمتعارف في ذكر المواقيت والأزمنة ذكر الأيام دون الليالي لأن الميقات كان للتقرب إلى الله - سبحانه - ومناجاته وذكره
وذلك أخص بالليل وأنسب لما فيه من اجتماع الحواس عن التفرق وزيادة تهيؤ النفس للأنس وقد كان من بركات هذا الميقات نزول التوراة .
فإذن إن الله تعالى قد اختار الليل ليدل على أن اللقاء الإلهي يتجلى في الليل
صحيح أن النبي هو موسى ( عليهِ السلام ) والمتكلم هو الله عز وجل والمكان المقدس طور سيناء لكن ليله يختلف عن نهاره
وعليه ، فإن هذا درس للجميع ليغتنموا الليل لخصوصيته واختلافه عن النهار .
الدرس الثاني : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ )
إن موسى ( عليهِ السلام ) يذهب للقاء الله وفكره وقلبه في أمته وهذا اللقاء لقاء تخصصي مع الله عز وجل
فقد كلمه تكليما وأعطاه الله ما لم يعطه للأنبياء السلف من الحديث المباشر وخلق الكلام
ومع ذلك فإن قلبه مع الأمة
ومن هنا نعلم الجامعية في التكليف فالإنسان الذي يصلي صلاة الليل وهو في قمة إنشغالاته المعنوية
عليه أن لا يهمل أمر من حوله : سواء الزوجة والذرية والأرحام والمجتمع والجيران
لا أن يتذرع بأنه مشغول
بالمناجاة فيعيش الفناء الإلهي والذوبان في المعاني القدسية وينسى تكليفه الإجتماعي
فهذا موسى ( عليهِ السلام ) يذهب ويعيّن الوصي في قومه .
الدرس الثالث : أن موسى ( عليهِ السلام ) يعلم بأن الميقات ثلاثين أو أربعين ليلة ومع ذلك لم يترك الأمة دون وصي فقال : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ )
فمعنى ذلك أن هناك مفسدين في الأمة ووجود النبي في الأمة يمنع المفسد من إظهار إفساده لأن وجود النبي رحمة .
الدرس الرابع : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) لماذا قال موسى ( عليهِ السلام ) : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ؟
إن موسى ( عليهِ السلام ) هو خامس أنبياء أولي العزم وهو كليم الله فإذن هو أعرف الناس بالله وصفات كماله وجماله
فهل يقول موسى ( عليهِ السلام ) لربه : ( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) كما أرى الأشياء : كالجبل والأمور المادية ؟ حاشا هذا
فإن من أولويات إعتقاد المؤمن العادي بأن الله- عز وجل - كما يقول تعالى في القرآن الكريم : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ)
فهذه الآية لم تأتِ بشيء جديد إنها بيان لحقيقة يفهمها جميع الأنبياء والمتبعين لخط الأنبياء .
وبناء على ما تقدم كيف يقول موسى ( عليهِ السلام ) : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ؟
وهنا انزلق البعض في البحث وقال : نعم موسى ( عليهِ السلام ) طلب من الله - عز وجل - الرؤية الحسية
وكما قلنا : فإن هذا لا يليق بالمؤمن العادي فضلا عن النبي العادي فضلا عن نبي من أولي العزم ! فإذن إن ما طلبه موسى ( عليهِ السلام )
هي قطعا الرؤية الممكنة والرؤية التي تتناسب مع حقيقة الربوبية وهي الرؤية التي لا تتوقف عند الحس كما في النص الشريف :
( رأته العيون بحقائق الإيمان، ولم تره بمشاهدة العيان ) إنه نوع من أنواع التجلي والرؤية القلبية .
إن الله - عز وجل - قد تجلى للبصر: من خلال الشجر والماء ومن خلال التكوين من الذرّة إلى المجرّة
وكذلك تجلى للقلب بنوع آخر كما أن له أفلاك ومجرات وزينة في السماء يتجلى بها للمؤمنين
فكذلك يتجلى بلون آخر لعباده المخلصين فإذن إن هذا هو التجلي والرؤية التي أرادها موسى( عليهِ السلام ) من الله عز وجل
فما المانع أن يقتدي المؤمن بني الله موسى ( عليهِ السلام ) بأن يطلب نوعا من أنواع التجلي أو نوعا من أنواع الرؤية المتناسبة مع عظمة الربوبية ؟ إنها رغبة مقدسة وعظيمة .
الدرس الخامس :( قَالَ لَن تَرَانِي ) فإذا كان موسى ( عليهِ السلام ) قد طلب الرؤية المعنوية فلماذا قال : لن تراني ؟. وإذا كان لن تراني تشير إلى الرؤية الحسية فلماذا طلب موسى ( عليهِ السلام ) الرؤية ؟ وهنا قد يبدو شيء من التعارض بين جزئي الآية
وهنا أيضا بحث دقيق في هذا المجال :( قَالَ لَن تَرَانِي ) بمعنى يا موسى إن هذه الدنيا وطبيعة الحياة الدنيا لا تسمح لذلك التجلي الخاص الذي أردته مني
نعم تراني بمشاهدة القلوب وكما قال تعالى في سورة أخرى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) نعم إن مقدارا ً من التجليات الإلهية مدخرة في الآخرة
فموسى ( عليهِ السلام ) عبارة عن روح وجسد وهو محكوم ببعض علائق الأرض وطبيعة الحياة الأرضية لا تسمح ببعض التجليات
فـ( قَالَ لَن تَرَانِي ) بمعنى أنك لن تراني بتلك التجليات والرؤية الخاصة التي يرى ربنا في يوم القيامة .
وبعبارة واضحة : يا موسى لي تجليات في الدنيا وأخرى في الآخرة
فهناك قسم من التجليات يمكن أن تشاهدها في الدنيا من خلال عبادتك ومناجاتك وحديثك معي وقسم مدخر للآخرة
كما أن الرحمة الإلهية كذلك فرحمة الله بعثت النبي الخاتم، ورحمة الله بعثت هذا الوجود
ولكن هل تعلمون بأن رحمة الله في هذه الدنيا هي جزء من أجزاء الرحمة الواسعة ولعله قد ورد في بعض التعابير: أنها جزء من مئة
فإذن إن الرحمة الإلهية تتجلى في القيامة بأوسع صورها مع أنه في الدنيا هناك أيضا رحمة إلهيه متجلية .
الدرس السادس: ( وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ) أي يا موسى إذا أردت التجلي الخاص فإني أعطيك أثرا وعيّنة فأنا أتجلى لهذا الجبل تجليا لا تحتمله الدنيا
والجبل عنصر من عناصر المادة وهو يشترك مع موسى ( عليهِ السلام ) في أن كليهما محكومان بقوانين المادة فتجلى ربنا ذاك التجلي الخاص للجبل فـ( جَعَلَهُ دَكًّا )
أي أصبح مدكوكا متلاشيا في الجو( وَخَرَّ موسَى صَعِقًا ) أي مغشيا عليه من هول ما رأى فكلاهما اندكا كل بحسبه .
( فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) أي رجعت إليك مما اقترحته عليك وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى ولن أطلب تلك الرؤية قبل وقتها .
فإذن إن المؤمن في الدنيا يحب أن يصل إلى بعض المدارج المعنوية العليا جدا والله يحجبها عنه لا لبخل في فيضه وإنما لعدم تحمل المؤمن لبعض صور العنايات الخاصة
ولذا فإن على المؤمن أن يطلب ويقنع فعليه أن يطلب الدرجات العليا ويقنع بما يُعطى لأنه هو الخبير والبصير بقابليات العباد
وبما يستحقونه من قوتٍ سواء في عالم المادة أو في عالم المعنى .
حميد
عاشق العراق
25 - 2 - 2012
السبت 3 ربيع الثاني 1433هج

حميد درويش عطية 04-26-2012 05:42 PM

▂▃▅▆▇ في القرآن الكريم ▇▆▅▃▂
إنّ القرآن هو الوحي الإلهي المنزَّل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم محمد ( صلّى اللهُ عليه وآله وسلَّم ) فيه تبيان كل شيء
وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف .
وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزّل على النبي، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلّهم على غير هدى
فانه كلام الله الذي (لا يَأتيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ )
ومن دلائل إعجازه: أنّه كلّما تقدّم الزمن وتقدّمت العلوم والفنون، فهو باق على طراوته وحلاوته، وعلى سموّ مقاصده وأفكاره
ولا يظهر فيه خطأ في نظرية علمية ثابتة، ولا يتحمل نقض حقيقة فلسفية يقينية
على العكس من كتب العلماء وأعاظم الفلاسفة، مهما بلغوا في منزلتهم العلمية ومراتبهم الفكرية،
فانّه يبدو بعض منها ـ على الأقل ـ تافهاً أو نابياً أو مغلوطاً كلّما تقدّمت الأبحاث العلمية، وتقدمت العلوم بالنظريات المستحدثة،
حتى من مثل أعاظم فلاسفة اليونان كسقراط وأفلاطون وأرسطو الذين اعترف لهم جميع من جاء بعدهم بالأبوّة العلمية والتفوّق الفكري.
ونعتقد أيضاً: بوجوب احترام القرآن الكريم وتعظيمه بالقول والعمل، فلا يجوز تنجيس كلماته حتى الكلمة الواحدة المعتبرة جزءً منه على وجه يقصد أنّها جزء منه.
كما لا يجوز لمن كان على غير طهارة أن يمسّ كلماته أو حروفه ﴿ لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ سواء كان محدِثاً بالحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها، أو محدِثاً بالحدث الأصغر حتى النوم، إلاّ إذا اغتسل أو توضّأ، على التفاصيل التي تذكر في الكتب الفقهية .
كما أنّه لا يجوز إحراقه، ولا يجوز توهينه، بأيّ ضرب من ضروب التوهين الذي يعد في عرف الناس توهيناً: مثل رميه، أو تقذيره، أو سحقه بالرجل، أو وضعه في مكان مستحقر ;
فلو تعمّد شخص توهينه وتحقيره ـ بفعل واحد من هذه الأمور وشبهها ـ فهو معدود من المنكرين للإسلام وقدسيته، المحكوم عليهم بالمروق عن الدين والكفر بربِّ العالمين .
---------------------------
منقول بتصرف
حميد
عاشق العراق
26 - 4 - 2012
الخميس 5 جمادى الثانية 1433هج
http://www.3almsbaya.com/vb/storeimg...407020_657.png

ماجد جابر 04-26-2012 07:42 PM

أسجل إعجابي الشديد بهذه النفحات الإيمانية ، وبهذا النسيج الذي يذوب رقةً وأناقة .
بورك رمز العطاء أديبنا حميد درويش .
تقبل ؛ تحيّاتي وتقديري .
ماجد جابر

حميد درويش عطية 09-23-2012 06:58 PM

لمحة في إعجاز القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كتاب الله الذي أحكمت آياته، وأتقنت فصوله، وأبدعت جمله، واختيرت كلماته ، وعلا أسلوبه، واتفقت معانيه، وائتلفت مبانيه؛ فلا ترى فيه عوجا ولا أمتا، ولا تجد فيه اختلافا ولا تناقضا، وصدق الله إذ يقول :
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ فصلت : 42 ]
ومن ثم كان القرآن الكريم مناط أنظار العلماء، وموضع عنايتهم في القديم والحديث، وإن تعددت جهات نظرهم إليه، وتباينت مشاربهم منه .
ونحن في هذه الكلمة الموجزة نحاول أن نلم إلمامة يسيرة بناحية من نواحي عظمة هذا الكتاب الحكيم، وهي ناحية إعجازه، فنقول:
أنزل الله هذا الكتاب فأعجز به سائر البشر، ووقفوا منه في كل زمان ومكان موقف المبهوتين الذين بهرهم أسلوبه، وأخذت بمجامع قلوبهم جزالته، واستولت على نفوسهم عظمته، حتى إن بعضهم كان يعترف بقوة القرآن الكريم، وعظيم سلطانه على النفوس حينما يثوب إلى رشده، ويخلع رداء العصبية الجاهلية عن نفسه .
وليس أدل على إعجاز القرآن الكريم من نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب حين نبوغهم في صنعة الكلام، ونظم الشعر، وترسيل الرسائل، ونسج الخطب، وتفوقهم في أساليبها وتنسيقها، وجولاتهم الكثيرة المتتالية في ربوع القول، وأفانين الحديث، بل كانت إجادة القول غاية فخرهم، ونهاية شرفهم. ومنتهى ما تصبو إليه نفوسهم، وكانت لهم أسواق يقيمونها يقصد إليها الناس من كل صوب، ويؤمونها من كل حدب؛ يتبارون في إنشاد الشعر وإلقاء الخطب، متفانين في ذلك إلى حد كبير، حتى ظهر ذلك الفرقان العظيم والذكر الحكيم، على يد ذلك الأمي الكريم، الذي يعلمون عنه تمام العلم أنه لم يتلق عن أستاذ، ولم يجلس إلى فيلسوف، ولم يقرأ سفراً، ولم يكتب سطراً، فأخرس ألسنتهم، وأخمد أنفاسهم، فلم يجدوا حينئذ جوابا!.
سب آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، وسفه أحلامهم، وجهلهم غاية التجهيل، وطلب إليهم أن يعارضوه فما استطاعوا، مع شدة حرصهم على معارضته، والتماس الوسائل قريبها وبعيدها لإبطال دعوته. تحداهم أن يأتوا بمثله كما قال تعالى :
﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [ الطور : 34 ]
وأمهلهم طوال الأيام فما نطقوا؛ فتنزل معهم إلى عشر سور حيث قال:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ هود : 13 ] . وانتظرهم فبهتوا وما تكلموا ؛ فتنزل معهم إلى سورة واحدة من سوره، فقال تعالى :
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ البقرة : 23، 24 ]
فخارت قواهم ، وضلت أفكارهم، وانسدت المسالك أمامهم، وغدوا بعد ذلك صاغرين .
ولعمر الحق لو كانوا يقدرون على معارضته لفعلوا، وخلصوا أنفسهم وأهليهم وأموالهم من سلطته، والخضوع لدعوته إن طوعا وإن كرها، لاسيما وتأليف الكلام الجيد أمر سهل عليهم؛ إذ أنه عادتهم في لسانهم، ومألوف خطابهم، وهم أحرص الناس على إطفاء نوره الساطع، وإخفاء أمره الصادع ، شأن كل عدو مع عدوه؛ فكيف إذاً لا يعارضون بألسنتهم، وميسور عاداتهم، وهو أيسر لهم وأهون عليهم لو وجدوا لذلك سبيلا؟ استطال عليهم بأنواع المذام والقوم أولو حمية وعصبية، ورماهم من وقت لآخر بالعجز عن مباراته، والضعف عن مجاراته، والقوم ذوو أنفة وإباء، ومع ذلك لم يتحرك منهم ساكن، ولا قام واحد منهم في وجهه، ولا حدث نفسه أن يقوم، فحكم لنفسه حكما قاطعا حيث قال :
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [ الإسراء : 88 ]
سبحان الله! ألا فلينظر القارئ الكريم إلى هذه الثقة بالنفس، وهذا الشموخ الذي لا يدانيه سواه، هل يطيقه ويقدر عليه إلا من أحاط بقدر الناس وقواهم خبراً، ووسع كل شيء علما؟.
هل مثل ذلك القضاء القاطع بأنهم لن يستطيعوا مهما تضافروا واستظهر بعضهم ببعض أن يأتوا بشيء من مثله، هل مثل ذلك القضاء يمكن أن يكون قضاء بشريا ؟ .
كلا ! إنما ذلك قضاء العليم الخبير الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
إذن فالقرآن الكريم كلام الله تعالى ، أنزله على خير خلقه ، وصفوة رسله، ليكون آيته الكبرى ، ومعجزته العظمى، المؤيدة لدعوته، الشاهدة بصدق نبوته، ولا يعقل أن يؤيده بدليل يتلاشى أمام البحث، ويذهب سدى عند النقد الصحيح.
وإذا كان القرآن قد أعجز سائر العرب مع تضافرهم وتظاهرهم، وكثرة عددهم، وفصاحة لسانهم، وقوة بيانهم، وطول زمان معارضتهم، فلأن يكون لغيرهم أشد إعجازاً وأقوى مباراة وأعظم نضالا. وهل يتطاول نحو هذا الحمى ذلك الأعجمي الألكن، أو الصبي الذي لا يكاد يبين؟ بلى إن القرآن الشريف فوق طاقة جميع المخلوقين، وأعلى بكثير مما قد تصل إليه قدرهم، ولا عجب فهو تنزيل من جبار الأرض والسماء الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون .
منقول بتصرف
حميد
عاشق العراق
23 - 9 - 2012
http://www.3almsbaya.com/vb/storeimg...407020_657.png

حميد درويش عطية 10-24-2013 10:21 AM

هدف وغاية خلق الإنسان
من الحقائق التي عرض لها القرآن الكريم أن الإنسان لم يخلق سدىً لاهدف له ولا غاية ، قال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) المؤمنون 115
وقال : ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) العلق 8 وقال : ( يَا أَيُّهَا الاِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ) الإنشقاق 6.
فلقاء الله والرجوع إليه هو الهدف الذي من أجله خُلق الإنسان . الآيات لإثبات هذه الحقيقة كثيرة . قال تعالى :
( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا ) الكهف 110
وقال أيضاً : ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يونس 8 .
تأسيساً على ذلك يطرح هذا التساؤل : كيف يمكن للإنسان أن يحقّق هذا الهدف ، وما هو الطريق الموصل إلى لقاء الله سبحانه وتعالى ؟
في مقام الإجابة نقول : إنّ الإنسان خُلق في نشأة الابتلاء والامتحان ; قال تعالى : ( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) الملك 2،
فكلّ شيء في هذه النشأة لأجل امتحان الإنسان . من هنا وضعه الله تعالى على مفترق الطريق ليختار لنفسه الاتجاه الذي يريد ، قال تعالى :
( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ] الإنسان 3 وقال تعالى : ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف 29 .
فإذا استطاع الإنسان أن يقف على الطريق الذي يوصله إلى الهدف الذي خلق من أجله فهو المهتدي ، وإلاّ فيكون من الضالّين .
وانطلاقاً من هذه الحقيقة ، يدعو الإنسان ربّه مرّات عديدة في صلواته اليومية ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الفاتحة 6 , لأنّ أفضل الطرق وأحسنها وأقصرها للوصول إلى الهدف هو الصراط المستقيم ،
وإذا لم يوفّق الإنسان لسلوك هذا الطريق فهو ضال لا محالة ، ولا تزيده سرعة المشي في غير الصراط المستقيم إلاّ بعداً عن الهدف .
إذن فما هو الصراط المستقيم الذي يجب على السائر أن يسلكه للوصول إلى قرب الله ولقائه ؟
لقد بيّن القران الكريم ذلك بقوله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران 31
وكذلك قوله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب 21 .
ومن الواضح أنّ الأنبياء جميعاً وعلى رأسهم خاتم الأنبياء والمرسلين هم من الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ، قال تعالى :
( كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ *
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَع َوَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِم وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِراط مستَقِيم * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) . الأنعام 84 - 88
على هذا يكون الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى هو إتباع الخاتم ( صلّى الله عليه وآله ) . ولا يتحقّق هذا الإتباع إلاّ بالأخذ بكل ما جاءنا عنه ( صلّى الله عليه وآله ) قال تعالى :
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) الحشر 7 وما ذلك إلاّ لأنّه ( صلّى الله عليه وآله ) (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم 3 .
فالذي ينجي الإنسان من الضلالة ويهديه الصراط المستقيم هو معرفة الله والرسول . ثمّ إنّ القرآن بيّن لنا حقيقة أخرى فيما يرتبط بالإنسان حيث قال :
( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) التين 4 - 5 . فالإنسان وهو في نشأة الدنيا يعيش في أسفل السافلين ،
فعليه بعد أن تبيّن له الهدف والطريق أن يصعد من الأسفل إلى الأعلى ; ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فاطر 10
وليس هذا الصعود مكانياً بل هو معنوي ، ذلك أنَّ الارتفاع والصعود إلى الأعلى تارة يكون مكانياً كما لو صعد الإنسان على مرتفع من الأرض مثلاً ،
وأخرى يكون معنوياً كما في قوله تعالى في حق إدريس ( عليه السلام ) : ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) مريم 57
إذ ليس المراد هو الارتفاع المكاني ، بل ارتفاع مكانته عند الله تعالى . من هنا نجد أنّ القرآن الكريم والروايات الواردة عن النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) ذكرت أنّ هذا الصعود إليه تعالى يحتاج إلى حبل .
قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ) آل عمران 103.
بعد أن تبيّن أنّ الإنسان مسافر إلى الله تعالى ، وكادح كدحاً للوصول إليه والقرب منه واللقاء به ، وأنّ ذلك لا يتحقّق إلاّ من خلال إتباع القرآن .
أشار القرآن إلى زاد هذا السفر الإلهي ، حيث قال : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) البقرة 127 .
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
( أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاذ ، زادُ مبْلِغ ، ومعاذ منجح ، دعا إليها أسمع داع ، ووعاها خير واع ، فأسمع واعيها ، وفاز داعيها ) .
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن خير مطية يمتطيها الإنسان لكي يصل إلى هدفه هو قيام الليل . قال تعالى :
( وَمِنَ اللَيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لكَ عَسَى أَن يَبْعَثكَ رَبُّكَ مَقَامًا محْمُودًا ) الإسراء 79 ، وقال تعالى : ( قُمِ اللَيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً .* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) المزمِّل 2 - 4 .
فتحصّل إلى هنا أنّ أفضل مركوب يمتطيه الإنسان للسير إلى الله تعالى هو قيام الليل ، وأن أفضل الزاد هو التقوى ، وأن أفضل طريق هو الصراط المستقيم .
وبهذا يتضح دور التقوى في حياة الإنسان وموضعها في منظومة الشريعة الإسلامية، إذ كثيراً ما يقع الحث على التقوى من دون أن يتضح للسائر إلى الله موقع ذلك وموضعه في حياة الإنسان .
إقتباس وبتصرف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
24 - 10 - 2012

حميد درويش عطية 10-27-2013 02:37 PM

دروس من حياة نبي الله يوسف ( عليه السلام )
إن أحسن القصص هي قصص القرآن الكريم . فحياة يوسف الصدِّيق ( عليه السلام ) من القصص الثرية بالعبر :
شاب يرى مناما ملفتا في صغر سنه ، ويحظى بمرتبة متميزة في قلب والده ، ثم تقع عليه المكيدة العظيمة من قبل إخوانه ، فيُلقى في غيابات الجب ، ليموت جوعا وعطشا .
فإذا بقافلة تمر عليه ويرونه في أسفل البئر ، فيأخذونه ويبيعونه بدارهم قليلة - وقيل أنها مزيفة - ومن ثم يدخل قصر العزيز ، ويبتلى بامرأته ، فيعاقب بالسجن سنوات طويلة -
هذا الإنسان الذي أعطي شطر الجمال في حياة الإنسان ، يوضع في غياهب السجن - . ثم يرى العزيز مناما يحتاج إلى مفسّر ، وكان يوسف ( عليه السلام ) قد اشتهر بتفسير الرؤيا في السجن ، وإذا به يصبح على خزائن الأرض .
فإذن ، إن قضية يوسف - عليه السلام - كلها فرج بعد شدة : فالنجاة من البئر ، كان فرجا بعد شدة محاولة القتل . وبعد ذلك فرج في قصر العزيز .
ثم تأتي الشدة بعد ذلك في السجن ، فيأتيه ذلك الفرج ، ويا له من فرج !. معنى ذلك أن قصة يوسف ( عليه اسلام ) هي تجربة لبني آدم ، وعليه ، فإن على الإنسان أن لا يعيش اليأس في أسوء الحالات ،
ولهذا نصحَ نبي الله يعقوب ( عليه السلام ) أولاده فقال : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ } . فالرَّوْحُ : يعني الرخاء ، والمتنفس ، والراحة .
{ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } . لماذا الكافر ييأس من رحمة الله ، ومن روح الله ؟. لأن الكافر لا يرى وجودا لله عز وجل . أما المؤمن فإنه يعتقد بأن هناك إلها، وأنه قدير، وأنه رؤوف .
فالمؤمن بعد هذه العناصر الثلاثة : الاعتقاد بالوجود ، والاعتقاد بالقدرة ، والاعتقاد بالرأفة . إذا وقع بأشد الأزمات فما عليه إلا بالدعاء .
لهذا قيل : بأن الدعاء سلاح المؤمن ، ومخ العباد ة . فإبراهيم الخليل ( عليه السلام ) يوضع بالمنجنيق ويرمى به في النار ، والنار كما هو معروف بأنها محرقة على طوال الدهور والأعوام .
فمن يشك في أن النار محرقة ؟. وهل أن نمردو كان يتوقع أن تنقلب النار إلى برد وسلام على إبراهيم ؟. ولكن جاءه الرَّوْحُ من حيث لا يحتسب .
ونبي الله محمد ( صلّى الله عليه وآلهِ ) يدخل في غار، وآثار الأقدام تدل على أنه دخل الغار . فهل يشك المشركون أن النبي في هذا التجويف ؟.
وإذا بالله - عز وجل - يسخّر الحمام والعنكبوت ، ليغطي على مكان النبي ( صلّى الله عليهِ وآلهِ وسلَّم ) !.
وبالتالي ، فإن الذي يقرأ قصة يوسف ( عليه السلام ) بتمعن ، لا يكاد ينتابه الريب ، في أن الله - عز وجل - هو المنفّس لكل كرب .
وإلا لو أن هذه القافلة لم تمر على بئر يوسف ، أو مرت به بعد ساعات أو أيام ، لمات يوسف ( عليه السلام ) في قعر البئر .
ولو أنهم ألقوا الدلو في البئر من دون أن ينظروا إلى ما في أعماق البئر ، أيضا لما شعروا بوجود يوسف ( عليه السلام ) .
والدرس الثاني من قصة يوسف ( عليه السلام ) : أسلوب الدعاء مع البشر :
أولا : الخطاب بلفظ الاحترام : إن أخوة يوسف ( عليه السلام ) خجلون ، جاءوا إلى يوسف ( عليه السلام ) وهو على خزئن الأض ،
{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ } . خاطبوه بصفة الحكومة والملك ، ولم يكونوا يعرفوا أنه أخوهم .
ثانيا : التذكير بالعنصر الاجتماعي ، والإيثار : قالوا : { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } ؛ أيها العزيز !.
نحن لسنا منكوبين فحسب ، وإنما معنا عوائل ، فنحن لم نأتك طلبا للفرج لأنفسنا ، وإنما وراءنا أهل أصابهم الضر .
ثالثا : التعظيم حيث قالوا : { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ } ؛ جئنا نشتري الطعام ، ولكن يا أيها العزيز أموالنا لا تكفي، فبضاعتنا مزجاة قليلة ، فكيف نشتري الطعام بهذه الأموال القليلة ؟ .
يا أيها العزيز !. لا تعاملنا معاملة التجار، فإذا أردت أن تتعامل معنا معاملة الأسواق ، فنحن خاسرون ، وليس لدينا ما نشتري به طعاما .
رابعا : التذكير بالجزاء الإلهي : { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ } ، ثم انتقلوا إلى جانب استعطاف آخر ، فأنت عندما تتصدق علينا ، فهذا العمل لن يذهب هباء منثورا .
فهم لم يكونوا يعلمون بأن هذا نبي الله ، وإنما كانوا يخاطبونه على أنه بشر عادي .
فإذا كان يوسف ( عليه السلام ) سامحهم ، وأكرمهم ، وعمل ما عمل . فكيف برب يوسف ؟.
إن عظمة يوسف ( عليه السلام ) ، ورأفته ، وحنانه ، هي رشحة من رشحات حنان الله وعطفه .
وعليه ، فإنه إذا أردنا أن نخاطب رب العالمين ، علينا أن نسلك هذا السلوك ، وهو: التحميد ، والتعظيم ، والتفخيم .
ولهذا فإن المؤمن لا يدعو إلا بعد أن يثني على الله حق الثناء ، ثم يصلي على النبي وأهل بيته عليه وعليهم سلام الله ، ثم يدعو .
فإذن ، التعظيم الإلهي ، ثم الاستعطاف بذكر الآخرين . ولذا فالمؤمن يستخدم في الدعاء ( نا ) : { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ } .
والفارق بين الدعاء للفرد ، والدعاء للمجتمع ، هما حرفان : هذا حرف تقول : اللهم ارحمني !. وللآخرين تقول : اللهم ارحمنا !.
ما يضرك أن تضيف حرفا واحدا إلى دعائك ، لتوسع الدائرة من نفسك إلى من يدب على وجه الأرض ؟!.
ثم يأتي خطاب رب العالمين بعد العنصر الثاني ، الذي هو الاستعطاف الإلهي بذكر الآخرين : يا رب !. عاملنا بفضلك ، لا تعاملنا بعدلك .
كما خاطب أخوة يوسف العزيز : يا أيها العزيز تصدق علينا ، فإن الله يجزي المتصدقين .
فهذا الاسلوب علينا أن نتبعه في خطاب الله عز وجل . وأخيرًا تقول : يا رب !. أمرت بالعفو وأمرت بالتصدق ،
فهذه الآيات وإن كانت كلمات صادرة من أخوة يوسف ومن يوسف ( عليه السلام ) ، إلا أنها مقبولة عند الله عز وجل ، ولو لم يكن هذا الكلام تاما كاملا ، لما نقله القرآن الكريم .
وعليه ، فإن القضية يجب أن تكون هكذا في دعائنا لله عز وجل ، علينا أن نعيش هذا الجو بحذافيره ؛ ليأتي ذلك الفرج الذي أتى ليوسف ( عليه السلام ) .
مقتبس بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
27 - 10 - 2013

حميد درويش عطية 11-01-2013 01:35 PM

تفسير القرآن بالقرآن
لماذا يجب تفسير القرآن بالقرآن ؟ استُدلّ لهذه النظرية بدليلين :
الدليل الأوّل : لكي يتّضح هذا الدليل لابدّ من الإشارة إلى عدّة مقدّمات :
الأولى : إنّ القرآن الكريم كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنّه معجزة النبي ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ) الخالدة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .
قال تعالى : ( وَإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ) ( فصّلت : 41 - 42) والباطل نقيض الحقّ كما يقول الراغب في ( المفردات ) .
وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه ؛ قال تعالى : ( ذَلِكَ بـِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ) ( الحجّ : 62 ) .
قال الرازي في ذيل قوله : ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) وفيه وجوه :
لا تكذّبه الكتب المتقدّمة كالتوراة والإنجيل والزبور، ولا يجيء كتاب من بعده يكذّبه .
ما حكم القرآن بكونه حقّاً لا يصير باطلاً ، وما حكم بكونه باطلاً لا يصير حقّاً .
معناه أنّه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه ، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ،
والدليل عليه قوله تعالى : ( وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر : 9 ) فعلى هذا فإنَّ الباطلَ هو الزيادة والنقصان .
يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضاً له ولم يوجد فيما تقدّم كتاب يصلح جعله معارضاً له .
وقال الزمخشري : ( هذا مثل كأنّ الباطل لا يتطرّق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حتّى يصل إليه ويتعلّق به ) .
أمّا قوله تعالى في ذيل الآية : ( تنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد ) فهو الدليل على عدم وصول الباطل ـ بأيّ طريقٍ ـ إلى القرآن . فالباطل قد يسري إلى الكلام الذي يصدر من الأفراد ذوي العلم المحدود والقدرات النسبية ،
أمّا الذي يتّصف بالعلم المطلق والحكمة المطلقة ويجمع كلّ الصفات الكمالية التي تجعله أهلاً للحمد ، فلا يطرأ على كلامه البطلان ، ولا ينسخ أو ينقض أو تمتدّ إليه يد التحريف .
ولا يتناقض كلامه مع الكتب السماوية والحقائق السابقة ، ولا يعارض بالمكتشفات العلمية الراهنة أو تلك التي يكشفها المستقبل .
والحاصل فإنّ الآية واضحة الدلالة على نفي التحريف عن القرآن ، سواء من جهة الزيادة أو النقصان ، وهذا ما اتّفقت عليه كلمة المحقّقين من علماء المسلمين .
الثانية : إنّه لا يوجد بين مضامين القرآن الكريم أيّ اختلاف أصلاً . لقوله تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) ( النساء : 82 ) . وهذا قياس استثنائي مؤدّاه : لو كان القرآن من عند غير الله لوُجد فيه اختلاف كثير ، وحيث لا يوجد فيه ذلك ، فهو من عند الله سبحانه .
وجه الملازمة بين المقدّم والتالي أنّ غيره تعالى من الموجودات الواقعة في هذا النشأة ، كلّها قائمة على أساس التحرّك والتكامل ، وهذا قانون عام يجري في الإنسان أيضاً ،
فلا ترى واحداً من هذه الموجودات يبقى آنَينِ متواليَينِ على حال واحد ، بل لا يزال يختلف من حال إلى حال .
أمّا دليل بطلان التالي وهو عدم وجود الاختلاف فيه فهو مستبطن في المقدّمة الأولى ؛ إذ لو وجد الاختلاف لكان متضمّناً للباطل ، والمفروض أنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
والحاصل المستفاد من هذه الآية المباركة أمور :
1. إنّ القرآن ممّا يناله الفهم العادي . فلو لم يكن كذلك لما أمر سبحانه وتعالى الناس بالتدبّر والتأمّل فيه لمعرفة الحقّ ،
وإنّ التأمّل فيه يهدي صاحبه إلى كون القرآن من عند الله تعالى العليم بمصالح عباده الذي يهديهم بما يصلح أمرهم .
2. إنّ القرآن الكريم كامل مكمّل من جميع الجهات ، لا يقبل الاختلاف ولا التغيير ولا التحوّل والنسخ ولا الإبطال ولا التهذيب ولا التكميل ، فلا حاكم عليه أبداً ؛
لأنّ ذلك كلّه من شؤون الاختلاف. فإذا كان منفيّاً عنه بالكلّية ، فلا يقبل القرآن أيّاً منها ، ولازم ذلك أنّ الشريعة الإسلامية مستمرّة إلى يوم القيامة .
3. إنّ هذا الكتاب لمّا كان كاملاً من كلّ جهة ، لابدّ أن يكون نازلاً من عند الكامل المستجمع لجميع صفات الكمال الذي لا يُتصوّر النقص فيه أبداً ، وليس هو إلاّ الله سبحانه ،
لأنّ غيره تعالى سواء كان إنساناً أو ملكاً أو أيّ مخلوق آخر ، قرين النقص والاختلاف ، فلا يمكن أن يصدر منه ما ليس فيه اختلاف ، وإنّ الكمال مهما بلغ من الشأن في المخلوق فهو محدود ،
والقرآن بعجائبه وغرائبه غير محدود ، فهو المعجزة الخالدة ، لذا عبّر عنه سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله بقوله : ( لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ) .
الثالثة : مضافاً إلى ما ثبت من أنّ القرآن كتاب لا يأتيه الباطل وأنّه لم يقع فيه الاختلاف ، هناك خصوصية ثالثة وهي أنّ آياته متشابهة ، والتشابه هو توافق أشياء مختلفة واتّحادها في بعض الأوصاف والكيفيات ،
وقد وصف الله سبحانه جميع القرآن بهذا الوصف حيث قال : ( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابـِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) ( الزمر : 23 )
والمراد كون آيات الكتاب ذات نسق واحد من حيث جزالة النظم ، وإتقان الأسلوب ، وبيان الحقائق والحكم ، والهداية إلى صريح الحقّ ، كما تدلّ عليه القيود المأخوذة في الآية .
وهذا غير التشابه الذي في المتشابه المقابل للمحكم ، فإنّه صفة بعض آيات الكتاب وهذا صفة للجميع .
وقوله سبحانهُ : ( مثاني ) جمع مثنية بمعنى المعطوف ؛ لانعطاف بعض آياته على بعض ورجوعه إليه بتبيين بعضها وتفسير بعضها لبعض من غير اختلاف فيها بحيث يدفع بعضه بعضاً ويناقضه .
قال الرازي في ذيل هذه الآية: ( إنّ كلّ ما فيه من الآيات والبيانات فإنّه يقوّي بعضها بعضاً ويؤكّد بعضها بعضاً ) .
ممّا تقدّم اتّضح أنّ القرآن كتاب :
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لا اختلاف بين مضامينه أبداً.
● متشابه مثاني.
وكتاب له مثل هذه الخصوصيات لا يمكن إلاّ أن يكون مفسِّراً لنفسه ومبيّناً لمعارفه دون حاجة إلى الغير ، إذ لو احتاج إلى الغير للزم أن لا يكون التدبّر فيه موصلاً إلى أنّ هذا الكتاب منه تعالى .
وهذا خلاف ما دلّ عليه قوله : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ، ولزم أن لا يكون القرآن أحسن الحديث يهدي به الله من يشاء من عباده إلاّ بمعونة الغير ،
والمفروض أنّه هو الدليل على صحّة نبوّة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله .
الدليل الثاني
إنّ القرآن وصف نفسه بأنّه نور وأنّه هدىً وأنّه تبيان ، فكيف يتصوّر كتاب له مثل هذه الأوصاف مفتقراً إلى هادٍ غيره ومستنيراً بنور غيره ومبيَّناً بأمر غيره ؟
إنّ الطريق لفهم القرآن يمرّ من خلال منهجين :
أحدهما : أن نبحث بحثاً علمياً أو فلسفياً أو غير ذلك عن مسألة من المسائل التي تتعرّض لها الآية حتّى نقف على الحقّ في المسألة
ثمّ نأتي بالآية ونحملها عليه . وهذه طريقة يرتضيها البحث النظري ، غير أنّ القرآن لا يرتضيها .
ثانيهما : أن نفسّر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في القرآن نفسه ، ونشخّص المصاديق ونتعرّفها بالخواصّ التي تعطيها الآيات كما قال تعالى :
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء ) ( النحل : 89 ) . وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ،
وقال تعالى : ( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) ( البقرة : 185 )
وقال تعالى : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبـِينٌ ) ( المائدة : 15 )
وكيف يكون القرآن هدى وتبياناً وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج !
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) ( العنكبوت : 69 ) وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه ! وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن ! .
إقتباس بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
1 - 11 - 2013

حميد درويش عطية 11-02-2013 11:02 PM

يقول الله سبحانه وتعالى : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ( ا لمؤمنون: 93 - 94) ،
في هاتينِ الآيتين ، يعلِّم الله تعالى نبيّه، ويعلّمنا من خلال النبي ( صلّ اللهُ علىه وأله وسلَّمَ ) ، أنّ على الإنسان عندما يستحضر مشهد يوم القيامة ،
ويشاهد الناس الذين يختلفون في التزاماتهم ، بين مؤمن يلتزم الإيمان ، وكافر يلتزم الكفر ، أو ضالّ يلتزم الضلال .
أن يطلب من الله أن لا يحشره مع القوم الظالمين الذين توعّدهم بغضبه وسخطه وعذابه ، وأن لا يجعله في هذاالمجتمع الظالم لنفسه ، الذي ابتعد عن مواقع رضا الله .
وهذا الدعاء ينبغي للإنسان دائماً أن يدعو به ربه ، عندما يرى الناس الضالين والظالمين الذين يظلمون أنفسهم بالكفر أو بالضلال أو المعصية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
2 - 11 - 2013

حميد درويش عطية 11-03-2013 10:27 AM

التأمل والتدبُّر والتفكُّر في القرآن الكريم
إن من يتأمل القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، يرى غير ما نرى في واقعنا المعيش .
فأنه يرى الإدانة الكاملة لممارسة أي عملية تجهيلية ضد الإنسان سواء ؛ بتجريم السؤال أو تحريم التساؤل ، أو بتزويده بمعلومات مغلوطة .
فالقرآن منذ نزوله على سيد الأولين والآخرين ( صلّى الّلهُ عليهِ و آلهِ و سلَّمَ ) فتح باب ثقافة السؤال والتساؤل على مصراعيه .
ونفض عن الوعي والشعور والعقل كل ما علق به من أوهام بيئات التخلف وصار كل شيء موضع تساؤل وتفهم .
لذلك جاء الأمر الرباني بالتفكر ، والتدبر ، والحوار ، والمجادلة ؛ في الإيمان ، والأحكام ، والعبر .
( يسألونك الخمر والميسير , وعن الأهلة وعن اليتامى , وعن الاشهر الحرم ، وعن المحيض ، وعن الروح ، وعن ذي القرنين ،
وأسألهم ما بال النسوة ، وأسألهم عن القرية ، وأسأل من أرسلنا من قبلك ، واسألوا أهل الذكر . وهلم جرا )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
3 - 11 - 2013

حميد درويش عطية 12-05-2013 02:55 PM

يقول تعالى في محكم كتابه :
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
وهذه سنّة إلهيّة تاريخيّة واضحة ، تقول إنّه لا يمكن للأمّة أن تجلس في بيوتها وتشكو لله ما يحصل لها من ظلم وتعدّ واغتصاب للحقوق وإذلال للكرامات و.. ويستجيب الله لها ، أبداً ،
إنّ هناك سنّة وقانونا ثابتاً : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ فلا بدّ للأمّة أن تغيّر حالة الخنوع إلى حالة النهوض والثورة والتضحية والعمل والجدّ والمواجهة ،
حتّى يستجيب الله سبحانه لها ويدحض عنها الظلم والعنوان، ويبدّل الذلّ عزّاً وكرامة ، والهزيمة فوزاً وانتصاراً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد

5 - 12 - 2013

حميد درويش عطية 12-08-2013 02:59 PM

https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.n...76926242_n.jpg
إنَّ مُدارَسةَ القرآنِ العظيم ، بما هي تعبُّدٌ مَحضٌ ، وسيرٌ قلبيٌّ إلى الله ؛
إذا أقبَلَ عليها العبدُ بإخلاصٍ حقيقيّ ، فاضَت علَيه أنوارُ القرآنِ وحِكمتُه ،
وكان مِن شأنِه ما كان ، مِن تجلِّياتِ الرُّوح ، وتحصيلِ التزكيةِ والحِكمَةِ الربّانيَّة ، بصورةٍ تلقائيَّةٍ ذاتيَّة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد

8 - 12 - 2013

حميد درويش عطية 12-20-2013 03:35 PM

الطّرق إلى معرفة الله
هناك كلمة قيّمة لأهل المعرفة وهي : إنَّ الطرق إلى معرفة الله بعدد أنفاس الخلائق بل فوقها بكثير وكثير ،
فإنَّ لكل ظاهرة من الظواهر الطبيعية وجهين ، يشبهان وجهي العملة الواحدة ، أحدهما يحكي عن وجودها وحدودها وخصوصياتها وموقعها في الكون ، والآخر يحكي عن اتّصالها بعلّتها وقوامها بها ونشوئها منها .
فهذه الظاهرة الطبيعية " من الوجه الأول " تقع موضوع البحث في العلوم الطبيعية ، فيأخذ كل باحث جهة خاصة من هذا الوجه حسب تخصصه وذوقه واطّلاعه ،
فواحد يبحث عن التراب والمعادن وآخر عن النبات والأشجار ، وثالث عن الحيوان إلى غير ذلك من الموضوعات .
كما أنها من " الوجه الثاني " تقع طريقاً لمعرفة الله سبحانه والتعرف عليه من ناحية آثاره .
وبما أنَّ الظواهر الطبيعية ، جليلها وحقيرها لها وجهان ، فقد أكَّد الإِسلام على معرفتها والغور في آثارها وخصوصياتها ، قائلا :
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ وَ الاْرْضِ ( يونس : 101) ، لكن لا بمعنى الوقوف عند هذا التعرف واتخاذه هدفاً ، بل بمعنى اتخاذ تلك المعرفة جسراً لمعرفة بارئها وخالقها ، ومن أوجد فيها السُّنَن والنُّظُم .
إِنَّ الفرق الواضح بين تعرّف المادي على الطبيعة وتعرّف الإِلهي عليها هو أَنَّ الأول ينظر إلى الطبيعة بما هي هي ،
ويقف عندها من دون أنْ يتخذها وسيلة لتعرف آخر ، وهو التعرف على مبادئ وجودها وعلل تكونها ،
في حين أنَّ الإِلهي ، مع أنَّه ينظر إلى الظواهر الطبيعية مثلما ينظر إليها المادي ويسعى إلى التعرف على كل ما يسودها من نُظُم و سُنَن ،
فإِنَّه يتخذها وسيلة لتعرف عالٍ وهو التعرف على الفاعل الذي قام بإيجادها وإجراء السُّنن فيها ،
فكأَن النظرة في الأولى نظرة إلى ظاهر الموجود ، وفي الثانية نظرة إلى الظاهر متجاوزاً منها إلى الباطن .
وبعبارة أوضح : إنَّ المادي يقتصر في عالم المعرفة ، على معرفة الشيء ويغفل عن معرفة أخرى ، وهي معرفة مبداً الشيء من طريق آثاره وآياته ، فلو اكتفينا في معرفة الظواهر بالمعرفة الأولى حبسنا أنفسنا في زنزانات المادة ،
ولكن إذا نظرنا إلى الكون بنظرة وسيعة وأخذنا مع تلك المعرفة معرفة أخرى وهي المعرفة الآيوية لوصلنا في ظل ذلك ، إلى عالم أفسح ملي بالقدرة والعلم والكمال والجمال .
وعلى ذلك فكل المظاهر الطبيعية مع ما فيها من الجمال والروعة ومع ما فيها من النُظم والسُنن آيات وجود بارئها ومكونها ومنشئها ،
وعند ذلك يتجلى صدق القول : أنَّ الطرق إلى معرفة الله بعدد الظواهر الطبيعية بدءاً بالذرة وانتهاء إلى المجرة .
ولأجل ذلك نرى أنَّ رجال الوحي ودعاة التوحيد يركّزون في معرفته سبحانه على الدعوة إلى النظر في جمال الطبيعة وروعتها فإِنها أَصدق شاهد على أَنَّ لها صانعاً ومبدعاً ،
وهذا مشهود لمن طالع القرآن وتدبّر في آياته . فهو من خلال توجيه الإِنسان إلى الطبيعة وإلى السماء والأَرض وما فيها من كائنات ، يريد هدايته إلى مبدئها ،
ويكفي في ذلك قوله سبحانه :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالاْرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاْرْضِ لآَيَات لِّقَوْم يَعْقِلُونَ ( البقرة :164 ) .
منقول بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد

الجمعة
17 صفر 1435
20 - 12 - 2013

حميد درويش عطية 12-26-2013 11:33 AM

التجليات الإلهية
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ http://alkafeel.net/quran/text/html/r.gif142http://alkafeel.net/quran/text/html/l.gif سورة الأعراف
إن هذه الآيات آيات غريبة حقا ، وهي آيات متعلقة بنبي الله موسى ( عليه السلام ) . فاللقاء الإلهي هنا كان ثلاثين ليلة ، ولكن الله عز وجل تفضل على موسى ، وزاده عشرا .
نستطيع أن نستخلص من ذلك عدة دروس ، منها :
الدرس الأول : أن الإنسان بالدعاء الحثيث لإحراز القابلية ، تُمدد له العطاءات المعنوية . فاللقاء الإلهي في طور سيناء ، هو لقاء مغتنم ومصيري لنبي الله موسى ( عليه السلام ) ،
وقد كان بالإمكان أن يواعده منذ البداية أربعين ليلة ، ولكنه جعل الموعد على مرحلتين : أولى وثانية . ولعله ذكر الليالي دون الأيام - مع أن موسى مكث في الطور الأربعين بأيامها ولياليها . والمتعارف في ذكر المواقيت والأزمنة ذكر الأيام دون الليالي -
لأن الميقات كان للتقرب إلى الله سبحانه ومناجاته وذكره ، وذلك أخص بالليل وأنسب . لما فيه من اجتماع الحواس عن التفرق ، وزيادة تهيؤ النفس للأنس .
وقد كان من بركات هذا الميقات نزول التوراة . فإذن ، إن الله تعالى قد اختار الليل ، ليدل على أن اللقاء الإلهي يتجلى في الليل .
صحيح أن النبي هو موسى ( عليه السلام ) ، والمتكلم هو الله عز وجل ، والمكان المقدس طور سيناء . لكن ليله يختلف عن نهاره . وعليه ، فإن هذا درس للجميع ، ليغتنموا الليل لخصوصيته واختلافه عن النهار .
الدرس الثاني : { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ } . إن موسى ( عليه السلام ) يذهب للقاء الله وفكره وقلبه في أمته !. وهذا اللقاء لقاء تخصصي مع الله عز وجل ،
فقد كلمه تكليما ، وأعطاه الله ما لم يعطه للأنبياء السلف : من الحديث المباشر، وخلق الكلام . ومع ذلك فإن قلبه مع الأمة !.
ومن هنا نعلم الجامعية في التكليف ، فالإنسان الذي يصلي صلاة الليل ، وهو في قمة إنشغالاته المعنوية ، عليه أن لا يهمل أمر من حوله : سواء الزوجة ، والذرية ، والأرحام ، والمجتمع ، والجيران .
لا أن يتذرع بأنه مشغول بالمناجاة ، فيعيش الفناء الإلهي ، والذوبان في المعاني القدسية ، وينسى تكليفه الإجتماعي . فهذا موسى ( عليه السلام ) يذهب ، ويعيّن الوصي في قومه .
الدرس الثالث : أن موسى ( عليه السلام ) يعلم بأن الميقات ثلاثين أو أربعين ليلة ، ومع ذلك لم يترك الأمة دون وصي فقال : { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } .
فمعنى ذلك أن هناك مفسدين في الأمة ، ووجود النبي في الأمة يمنع المفسد من إظهار إفساده ؛ لأن وجود النبي رحمة . الدرس الرابع : { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } . فهنا الأبحاث القرآنية معمعة ، لماذا قال موسى ( عليه السلام ) : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ؟.
إن موسى ( عليه السلام ) هو خامس أنبياء أولي العزم ، وهو كليم الله . فإذن ، هو أعرف الناس بالله ، وصفات كماله ، وجماله .
فهل يقول موسى ( عليه السلام ) لربه : { أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ، كما أرى الأشياء : كالجبل والأمور المادية؟ . حاشا هذا !.
فإن من أولويات إعتقاد المؤمن العادي ، بأن الله عز وجل كما يقول تعالى في القرآن الكريم : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } . فهذه الآية لم تأتِ بشيء جديد ، إنها بيان لحقيقة يفهمها جميع الأنبياء والمتبعين لخط الأنبياء .
وبناء على ما تقدم ، كيف يقول موسى ( عليه السلام ) : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ؟. وهنا انزلق البعض في البحث ، وقال : نعم ، موسى ( عليه السلام ) طلب من الله عز وجل الرؤية الحسية ،
وكما قلنا : فإن هذا لا يليق بالمؤمن العادي ، فضلا عن النبي العادي ، فضلا عن نبي من أولي العزم !. فإذن ، إن ما طلبه موسى ( عليه السلام ) هي قطعا الرؤية الممكنة !.
والرؤية التي تتناسب مع حقيقة الربوبية ، وهي الرؤية التي لا تتوقف عند الحس ، كما في النص الشريف : ( رأته العيون بحقائق الإيمان ، ولم تره بمشاهدة العيان ) . إنه نوع من أنواع التجلي ، والرؤية القلبية .
إن الله عز وجل قد تجلى للبصر: من خلال الشجر والماء ، ومن خلال التكوين من الذرّة إلى المجرّة . وكذلك تجلى للقلب بنوع آخر . كما أن له أفلاك ومجرات وزينة في السماء ،
يتجلى بها للمؤمنين فكذلك يتجلى بلون آخر لعباده المخلصين . فإذن ، إن هذا هو التجلي ، والرؤية التي أرادها موسى( عليه السلام ) من الله عز وجل .
فما المانع أن يقتدي المؤمن بنبي الله موسى ( عليه السلام ) بأن يطلب نوعا من أنواع التجلي ، أو نوعا من أنواع الرؤية المتناسبة مع عظمة الربوبية ؟!. إنها رغبة مقدسة وعظيمة !.
الدرس الخامس : { قَالَ لَن تَرَانِي } . فإذا كان موسى ( عليه السلام ) قد طلب الرؤية المعنوية ، فلماذا قال : لن تراني؟ . وإذا كان لن تراني ، تشير إلى الرؤية الحسية ، فلماذا طلب موسى ( عليه السلام ) الرؤية ؟.
وهنا قد يبدو شيء من التعارض بين جزئي الآية . وهنا أيضا بحث دقيق في هذا المجال : { قَالَ لَن تَرَانِي } بمعنى هكذا أفضل يا موسى !.
إن هذه الدنيا ، وطبيعة الحياة الدنيا ، لا تسمح لذلك التجلي الخاص الذي أردته مني . نعم ، تراني بمشاهدة القلوب ، وكما قال تعالى في سورة أخرى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } .
نعم ، إن مقدار من التجليات الإلهية مدخرة في الآخرة . فموسى ( عليه السلام ) عبارة عن روح وجسد ، وهو محكوم ببعض علائق الأرض ،
وطبيعة الحياة الأرضية لا تسمح ببعض التجليات . فـ{ قَالَ لَن تَرَانِي } بمعنى أنك لن تراني بتلك التجليات والرؤية الخاصة التي يرى ربنا في يوم القيامة .
وبعبارة واضحة : يا موسى !. لي تجليات في الدنيا ، وأخرى في الآخرة . فهناك قسم من التجليات يمكن أن تشاهدها في الدنيا ، من خلال عبادتك ، ومناجاتك ، وحديثك معي . وقسم مدخر للآخرة .
كما أن الرحمة الإلهية كذلك ، فرحمة الله بعثت النبي الخاتم ، ورحمة الله بعثت هذا الوجود . ولكن هل تعلمون بأن رحمة الله في هذه الدنيا ، هي جزء من أجزاء الرحمة الواسعة ،
ولعله قد ورد في بعض التعابير : أنها جزء من مئة . فإذن , إن الرحمة الإلهية تتجلى في القيامة بأوسع صورها ، مع أنه في الدنيا هناك أيضا رحمة إلهيه متجلية .
الدرس السادس : { وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } . أي يا موسى !. إذا أردت التجلي الخاص ، فإني أعطيك أثرا وعيّنة . فأنا أتجلى لهذا الجبل تجليا لا تحتمله الدنيا .
والجبل عنصر من عناصر المادة ، وهو يشترك مع موسى ( عليه السلام ) في أن كليهما محكومان بقوانين المادة . فتجلى ربنا ذاك التجلي الخاص للجبل ،
فـ{ جَعَلَهُ دَكًّا } ؛ أي أصبح مدكوكا متلاشيا في الجو . { وَخَرَّ موسَى صَعِقًا } ؛ أي مغشيا عليه من هول ما رأى . فكلاهما اندكا كل بحسبه .
{ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } ؛ أي رجعت إليك مما اقترحته عليك ، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى ، ولن أطلب تلك الرؤية قبل وقتها .
فإذن ، إن المؤمن في الدنيا يحب أن يصل إلى بعض المدارج المعنوية العليا جدا ، والله يحجبها عنه . لا لبخل في فيضه ، وإنما لعدم تحمل المؤمن لبعض صور العنايات الخاصة .
ولذا ، فإن على المؤمن أن يطلب ويقنع . فعليه أن يطلب الدرجات العليا ، ويقنع بما يُعطى . لأنه هو الخبير والبصير بقابليات العباد ، وبما يستحقونه من قوتٍ ، سواء في عالم المادة أو في عالم المعنى .

منقول بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
الخميس
22 صفر 1435هج
20 - 12 - 2013

حميد درويش عطية 04-05-2015 09:59 PM

من هم الاخسرون أعمالاَ ؟
إن القرآن الكريم مليء بالآيات المتنوعة..
ففيه آيات هي قمة التبشير ، كآية تبديل السيئات بالحسنات ، فهي من الآيات المؤملة جداً في القرآن الكريم ..
فالذي يعيش حالة الانحراف دهراً من حياته ، ثم يعود إلى الله عز وجل ، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات.. وفيه أيضا آيات هي قمة التخويف ، ومن هذه الآيات هذه الآية الكريمة ، وإن كان ظاهر الخطاب يعود إلى المشركين ، ولكنه مخيف للجميع ..
وهذه الآية هي الآية 103من سورة الكهف :
بسم الله الرحمن الرحيم { قُل هل نُنَبِئكم بالأخسرين أعملاً ، الذين ضل سعيهم فى الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}.
إن الآية تجمع العمل ، حيث تقول : هل أنبئكم بالذين لهم أعمال كثيرة ، ولكنهم من أخسر الناس ؟..
أي أن الإنسان الذي لا عمل له ، قد لا يعجب بشيء من عمله ، إلا أن صاحب العمل والأعمال الكثيرة ، هم فى مظان هذا الخسران ..
يقال فى باب التجارة : إن التاجر إذا كان يتاجر ، وهو يعلم أنه سيخسر ، فإنه يقوم ببعض الإجراءات الإحتياطية ..
وكما هو معلوم فى باب التجارة ، أن إيقاف الخسارة في أي وقت ، هو ربح فى حد نفسه ..
ولكن إذا كان التاجر لا يعلم أنه خاسر ، ولا يحتمل أنه سيخسر ، فإن هذا الإنسان مفلس .. وفي يوم من الأيام سيؤول أمره إلى الإفلاس الشديد المفضوح ..
فهؤلاء المساكين أعمالهم كثيرة ، ولكن ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون بأنهم يحسنون صنعا .
{أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}.. فمن هم الذين لا يقام لهم وزن يوم القيامة ؟.. ومتى يكون العمل هباءً منثور ا؟..
إن من موجبات كون العمل هباء منثورا الكفر .. فالإنسان الكافر وجوده وجود مبغوض للمولى ، وهذا الوجود المبغوض لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى بشيء ، لأنه لا يعترف بمن يمكن التقرب إليه ..
وكذلك من الذين لايقام لهم وزن يوم القيامة ، المؤمن الذي يعمل لغير الله عز وجل .
إن العمل في حد نفسه لا خلود له ، ولكن يمكن أن يحمد عليه الإنسان، ويمكن أن يكتسب الثناء الجميل : ككرم حاتم .. ولكن الخلود والانتساب إلى الله عز وجل ، وأن تتحول مادة الطاعة إلى طاقة لا نهائية ، تتجلى في عرصات القيامة وفي الجنة ، فإن ذلك يحتاج إلى انتساب .. والعمل الذي لا ينتسب إلى الباقي ، فهو فانٍ شأنه شأن المظاهر الطبيعية .. فكما أن الشمس تتكور ، والنجوم تنكدر ، وكما أن العظام تؤول إلى رميم .. فكذلك أعمالنا تؤول إلى أمر معدوم ينتهي ..
فالذي يعطي الخلود ، هو انتسابه إلى الخلود .. والله خير الشريكين، ففي الروايات : إن العمل الذي يكون لله ولغير الله عز وجل ، فإن الله عز وجل يقول : أنا خير الشريكين ، تنازلت عن حقي ، ووهبتك هذا العمل .
وما دام الأمر كذلك ، فقبل أن يفكر الإنسان في كم الأعمال ، وقبل أن ينظر إلى حجم ما يقوم به من عمل ، قبل كل ذلك، ينبغي أن يهيئ القالب الذي يوضع فيه العمل .. ففي اللغة العربية لكل كلمة مادة وهيئة : الضارب هيئته الفاعل، ومادته الضرب .. وكذلك فإن عمل الإنسان له مادة وله هيئة : المادة عبارة عن الإنفاق ، والصيام ، والصلاة ، والحسنات ...الخ ..
والهيئتة التي تعطيه القيمة ، هي عبارة عن انتساب العمل لله عز وجل .. وإلا ، في بناء الكعبة ما هو وزن هذا العمل في عالم البناء ؟.. كم كلف إبراهيم ( عليه السلام ) بناء الكعبة ؟.. إن الكعبة بناء فى منتهى البساطة ، ولعله لا يوجد على وجه الأرض بناء ضخم كبساطة الكعبة: فهو بناء مكعب ، ليس فيه أي جمال هندسي ، ولا فيه تعقيد من تعقيدات البناء المتعارفة .. ولكن هذا العمل على بساطته انتسب إلى الله عز وجل ..
ولهذا أول ما قاله إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم }.. أي تسمع ما نقول ، وتعلم ما فى القلوب .
فإذن، صحيح أن الآيات ناظرة إلى المشركين حيث يقول : {أولئك الذين كفروا}.. ولكن روح الآية تنطبق على الجميع.. وعليه، فإن على المؤمن أن يحذر حالة الخسران المستمرة فى حياته.. بمعنى أنه يجب أن ينظر دائما إلى عمله، من خلال المراقبة الذاتية، أو التأمل الذاتي، أو بمراجعة استشارة الغير.. ويحاول أن ينظر دائما إلى أن القالب الذي يعطيه الخلود، هل لازال موجوداً أو غير موجود .
ما هي علامة العمل المقبول ؟.. إن العمل المقبول ، هو ذلك العمل الذي يعيش معه الإنسان الانتعاش الروحي. . يقول علماء الأخلاق : إن مع كل عمل صالحٍ مقبول هبة نسيم من عالم الغيب .. فالإنسان عندما يزاول عملا مخلصا لوجه الله تعالى ، فإنه يعيش حالة من حالات النفحات الإلهية : حيث أنه يرى بأن الله عز وجل ينظر إليه برفق ، ويرى التيسير والتسديد أينما يذهب .. بخلاف العمل الذي لا يعمله لوجه الله تعالى ، حيث أن عينه تكون إلى الخلق ، وإلى المكاسب ، وإلى عاجل متاع الدنيا ..
من الطبيعي أن يرى ذلك الإنسان أنه يقوم بخير !.. ولكن هذا العمل لا ينعكس لا في صلاته ، ولا في دعائه ، ولا في علاقته بالله عز وجل .. فإذن على الإنسان أن يتحاشى وبشدة، أن يكون سعيه كسعي الذين كفروا .. { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا } .
منفول بنصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
5 - 4 - 2015
الأحد
16 جمادى الثانية 1436هج

حميد درويش عطية 05-04-2015 08:40 PM

(شرح الصدر)
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}.. إن ظاهر هذه الآية، كأنه خطاب للإنسان الذي يريد أن يتحوّل من الكفر إلى الإسلام، ولكن الملاك أعم..
فالآية تبين حقيقة في صفوف المسلمين، وما بعد الإسلام، وهي: أن الله -عز وجل- إذا أراد أن يهيئ قلبا للهداية، شرح ذلك الصدر..
فلماذا يشرح صدر البعض دون البعض؟.. وكيف يشرح الصدر؟..
أولا: إن حكمة الله -عز وجل- تقتضي أن يجعل كل شيء في موضعه.. فعمل الحكيم مطابقٌ لقواعد الحكمة، فليس هناك جزافٌ في أمر الحكيم..
وليس هناك ترجيحٌ بلا مرجّح..
فمثلا: إذا كان هناك عنصران، والحكيم يعطي امتيازا لعنصر دون عنصر، فهذا خلاف الحكمة الإلهية البالغة..
فإذن، إن تصرفات الله - عز وجل- في قلوب العباد: ربطاً، وهدايةً، وخذلاناً، وتوفيقاً.. كل هذه الأمور منشؤها من العبد.
نعم، قد يكون المنشأ البشري غير كافٍ للهداية.. فمثلا: إنسان يريد أن يهتدي، فيقرأ كتاباً، ويسمع محاضرة، ويفكر ساعةً؛ إن هذا السعي قد يكون غير كافٍ للهداية.. فهنا عندما يرى الله -عز وجل- عبده ساعياً في الهداية، مفرغاً نفسه من أي حكم مسبق؛ فإن الله -عز وجل- يتدخل في المسك بيد ذلك الضال الذي يرى بأنه ضال، ويرى الهداية من الله عز وجل.. ومع ذلك يسعى قدر إمكانه في تلمس الهدى.
فإذن، {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ}.. كأنه نوع اطمئنان للساعين في طريق الهدى..
أي: إذا كنت تبحث عن الإيمان، وعن الإسلام، وعن التقوى، وعن جزئيات الهداية، وعن الإيمان الخالص، وعن تثبيت الفؤاد، وعن شرح الصدر، وعن معرفة الجبار..
فكل هذه المعاني من الله -عز وجل- ولكن عليك أن تسعى، ولو سعيا بسيطاً؛ لكي تثبت بأنك جاد في البحث عن الهدى الإلهي.
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}.. لماذا ذكر الصدر هنا؟.. ما يفهم من هذه الآية: أن هناك مشكلة انتقال المعلومات من الفكر إلى القلب.. القلب الذي يعيش حالة الاطمئنان..
هنا إذا كان الطرف من الذين خذلهم الله، وممن لا يريد هدايته، يجعل له سداً منيعاً بين الفكر والقلب.. فالذهن يعتقد بشيء، والقلب يعتقد خلاف ذلك الشيء..
وطالما أحببنا في حياتنا ما يضرنا، وكرهنا ما ينفعنا.. فأحببنا ما يضرنا اعتقاداً، فنحن نعتقد أنه ضار، ومع ذلك نحبه.. وبعض الأوقات العكس، نعتقد أن هذا الشيء نافع، ولكن لا نحبه.. {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}؛ هو خير لكم ولكن تكرهونه.. {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}؛ هو شر في الواقع، وقد يكون شراً في الذهن أيضاً، لا في الواقع فحسب!.. وتعلم بأنه شر، ولكن تحب ذلك الشر.
فإذن، إن الخذلان الإلهي هنا، يأتي ليوجد سداً منيعاً بين الفكرة وبين القلب {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}.. أي اعتقدوا بها اعتقاداً ذهنياً، ولكن القلب لم يستسلم.. فما هي الضابطة؟.. ولماذا يجعل الله -عز وجل- الحاجز بين جهاز الفكر، وجهاز القلب خذلاناً؟..
يقال أن من أسباب ذلك: عدم العمل بمقتضى الفكرة، أي هناك فكرة، وهناك قلب، وهناك جوارح، وعمل خارجي..
أنت إذا لم تنطلق وراء الفكرة الصحيحة، لم تعمل بها.. فإنها تخرج من قلبك، لأنك آمنت بالفكرة، واعتقدت بصحتها، ولكنك لم تمارس ذلك..
فإذا اعتقد بالفكرة، ولم يمارسها.. واعتقد بلزوم الرحمة، ولم يرحم؛ فإن الرحمة تنزع من قلبه.
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}.. وهنا دعوة للمفكرين، والباحثين، والذين ينشدون حقيقة ما في أصول الدين، أو في فروعه.. الالتجاء إلى الله -عز وجل- من منطلق هذه الآية..
فالذي يشرح الصدر، هو الذي يجعل الصدر ضيقاً حرجاً، كأنما يصعد في السماء، كناية عن شدة الضيق.. فإذن، بموازاة السعي العلمي في تحصيل مباني الشريعة وجزئيات الإسلام، علينا أن نتوسل إلى الله -عز وجل- في فك الرموز.. وقد قيل: إن بعض الفلاسفة عندما كان يبتلى بعويصة فكرية فلسفية، كان يلجأ إلى ركعتين من الصلاة؛ لكي ينفتح قلبه على الواقع.. ولهذا فإن أدعية الهداية كثيرة ومنها: (اللهم!.. اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وقني شر ما قضيت ) .. و(أعوذ بك من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن ) .
إن الالتجاء الدائم إلى الله -عز وجل- في حقل البحث العلمي له ثمرتان:
1- الثمرة الأولى: تكريس الفكرة في الذهن.
2- الثمرة الثاني: مساعدة الإنسان، لكي ينزل هذه الفكرة من عالم الفكر إلى عالم القلب، وعالم الاطمئنان.
وعليه، فإنه لإيضاح الفكرة ولتغلغل الفكرة إلى القلب، نحتاج إلى الاستمداد الدائم..
ولهذا النبي -صلى الله عليه وآله- هو هادي الخلق فكراً وعملاً.. ومع ذلك نرى التجاءه الدائم إلى الله -عز وجل- حتى أن الله -عز وجل- ينسب هداية نبيه إلى نفسه، إذ قال: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى
* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}.
منقول بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
4 - 5 - 2015
الإثنين
15 رجب 1436هج

حميد درويش عطية 10-21-2015 04:12 PM


1
بسم الله الرحمن الرحيم

الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
إن القرآن هداية شأنية، فمن شأن القرآن أن يهدي؛ ولكن هذه الهداية الشأنية لا تتحقق فعلاً وواقعاً، إلا للذين استعدوا لقبول هذه الهداية.. فالقرآن هدى، ولكن لمن يبحث عن الهدى: في الصحراء القاحلة، وفي جوف الليل.. هناك دليل يدّعي بأنه سوف يخرجك من الظلمات إلى النور، فالذي لا يعترف بهذا الدليل، أو يعترف بأنه دليل، ولكن لا يعطيه وزناً، ولا يعطيه أهمية، هل يخرجه من الظلمات إلى النور؟.. لا، لن يخرجه أبدا، ولا يُتوقع منه أن يأخذ بيد هذا الإنسان الذي لا يعترف بوجوده، أو يعترف بوجوده؛ ولكن ليس في مقام الأخذ بدلالته..
والقرآن الكريم هدى، لا بما هو معلومات مطوية بين الدفتين، ولا بما هو نظريات يعرفها المفسرون.. كم من الذين يتلون القرآن، والقرآن يلعنهم!.. وكم هم الذين يفسرون القرآن بما لا يخطر على الافهام، وهم بعيدون كل البعد عن معاني القرآن الكريم!.. فإذن، إن القرآن الكريم يقول بأنني هدى، ودليل، ومنقذ، ومُخرج من الظلمات إلى النور؛ ولكن لمن؟.. للمتقين!..

يتبع
************************************************** ************************************************** ********
حميد
عاشق العراق
21 - 10 - 3015

حميد درويش عطية 10-22-2015 04:36 PM

2
بسم الله الرحمن الرحيم
من هم المتقون؟..
أول صفة من صفات المتقين {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}.
إنها لفتة مهمة، وهي أن أول خاصية في المتقي هي البنية الفكرية، وليس المتقي الذي يمشي ويسعى.. بل هو الذي يحدد الطريق، ثم يمشي ويسعى؛ لما علمنا بأن (السائر على غير بصيرة، كالسائر على غير الطريق؛ لا تزيده كثرة السير إلا بعدا).
فالمتقي ليس هو ذلك الصوّام القوّام، وإنما هو ذلك الإنسان الذي اكتشف الطريق، ورأى الهيكل، ورأى المخطط، ويعلم من أين يبدأ، وإلى أين ينتهي؛ فآمن بالغيب، وترقى عن عالم الحواس.. ليس هذا الإنسان المادي التجريدي، الذي لا يؤمن إلا بما يرى ويلمس ويسمع، وإنما له قدرة على أن ينتقل من عالم المادة إلى عالم المعنى، ويخترق حجب الغيب وحجب المادة، ليصل إلى عالم الغيب.
أن بعض الذين لا يؤمنون بالغيب الأخروي، يؤمنون بالغيب الدنيوي في هذه الدنيا، وكأن الله أراد أن يقيم الحجة عليهم!. فالأمواج الكهربائية، والأمواج اللاسلكية، وقوة الجاذبية، والأضواء التي لا تُرى: ما فوق البنفسجية، وما تحت الحمراء، وأشعة الليزر، وما شابه ذلك، كله من الغيب الدنيوي..
إن هذه الأشياء في الدنيا، ولها آثار خارقة، ومدمرة.. ومع ذلك جعلها الله غيباً لا تُدرك بحواس، ولا تلمس ولا تُرى.. من منكم رأى الكهرباء على ما تُعطي من بركة في هذا الوجود؟..
إن من الغريب أن بني آدم يؤمن بالغيب في الدنيا، ولا يؤمن بالغيب في الآخرة، فلئن قال: بأني آمنت بالغيب الدنيوي لآثاره.. فلِمَ لا يؤمن بالغيب الأخروي لآثاره؟.. أليس الله عز وجل له هذه الآثار؟!.. فانظروا إلى آثار رحمة الله!.. فلماذا لا تؤمن بهذا الغيب، وتؤمن بهذا الغيب؟.. الذين يؤمنون بالغيب؛ الإيمان بالغيب بكل ما غاب عن بصرك، سواء في ذلك المبدأ، وسواء في ذلك المعاد.. ولهذا في آخر هذه الآيات يقول تبارك وتعالى: {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} يخص المعاد وهو غيب بالذكر أيضاً.
فإذن، إن المشكلة في بعض السالكين الذين يقفون في سيرهم، أن حركتهم وسيرهم ليست مشفوعة بحركة علمية.. ولهذا على المؤمن أن يمتلك هذا البنيان النظري، من أين يصل إلى هذه البنية العلمية في التكامل والسير؟.. إن هناك ثلاثة أبواب إسلامية: باب الاكتساب.. وباب التدبر.. وباب الإلهام والإلقاء في الروع.
أولا: باب الاكتساب: أن نقرأ ما اكتسبه الآخرون، فإنه لدينا بعض الكتب في الكلام والعقائد والعرفان والأخلاق، وهي حصيلة حياة أحدهم.. فهناك بعض الناس قد يعيش عشرين أو ثلاثين سنة في تأليف كتاب واحد منقح، فهذا الكتاب ثمرة حياته.. فالإنسان في ليلة، أو ليلتين، أو في أسبوع، وإذا به ينقل ثمرة حياة إنسان مؤلف مجاهد إلى فكره وإلى قلبه.. ولهذا فإن المؤمن السالك إلى الله عز وجل، لا يمكن أن يستغني عن عالم المعرفة وعالم القراءة.
ثانيا: التدبر والتأمل: إن الله عز وجل أعطاك فكراً، وأمرك بالتدبر.. والتدبر في كتاب الله، وفي الطبيعة، وفي الحياة، وفي حركة الوجود، لا يحتاج إلى تخصص، فإن القضية تتوقف على التأمل وعلى التحليل.. وهذه قضية فطرية، فالإنسان يُكوّن صورا مترتبة، ثم ينتقل من المبادئ إلى النتائج.. أنت أيضاً بإمكانك أن تخوض هذا العالم!.. ولهذا حتى في أشعار الجاهليين، الذين جاءوا قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يعترفوا برسالة، يلاحظ من خلال قصائدهم أن هناك فكرا وفهماً وتدبراً، ولو على مستوى تحليل بعض مظاهر الطبيعة.. فإذن، إن التدبر أيضاً من صور امتلاك هذه البنية.
ثالثا: الإلهام، والإلقاء في الروع: إذا تدبر الإنسان، واكتسب العلم من غيره، واكتسب من عقله وفكره.. عندئذ يأتي ذلك المدد الإلهي، لُيلقي في روعه ما لا يلقي في روع الآخرين.. وهنالك المعرفة الإشراقية، فالله عز وجل يعلم كيف يُلقي في روع عباده ما يُلقي، إما مباشرة أو عبر ملائكة.. قد يُلقي في روع عبده في ليلة واحدة حصيلة تجارب الآخرين، أو على الأقل يُحوّل الإيمان النظري إلى سكون في النفس.. وهذا هو معنى الإيمان، {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} غير المعترفين بالغيب.
فالإنسان قد يعترف، وقد يعلم، وقد يتيقن بالغيب.. إلا أنه لا يتحول إلى قوة مطمئنة، فالإيمان فيه عنصر الاطمئنان والأمن.. والاطمئنان والأمن قد لا يقترنان مع العلم.. هنا يأتي دور الغيب في أمرين: الأمر الأول في إعطائك المعرفة النظرية، وثانياً في تحويل المعلومة النظرية إلى حالة اطمئنان ويقين باطني.. (هم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، كأن زفير جهنم في أصول آذانهم).

************************************************** ************************************************** **
حميد
عاشق العراق
22 - 10 - 2015

حميد درويش عطية 10-26-2015 02:42 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
48-الأنفال / ج10)
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.. إن آيات الشيطان في القرآن آيات مختلفة ومتنوعة، فله أعمال متعددة، منها:
أولا: التزيين.. وكما هو معلوم أن الشيطان له قدرة على التزيين، فالشيطان له عدة حيل مع بني آدم.. ومن حيله أنه يزين في الأرض، بمعنى أنه يُري الإنسان صورةَ الأشيـاء مضخمة مفخمة، ويعطيها حجماً أكبر من واقعها.. فعندما يصل إلى ذلك الشيء، يراه كسراب بقيعةٍ، يحسبه الظمآن ماءً.. وأفضل مثال على ذلك ما يعيشه المتزوجون.. فحالات المتزوج وتصوره للحياة الزوجية، ولما سيعيشه مثلاً بعد الزواج، عادةً أضخم بكثير مما هو في الواقع.. ولهذا يلاحظ أن في بعض الأوقات تنقلب حالات المحبة الشديدة، والعشق الشديد إلى بغض شديد.. والسبب في ذلك أن المحب كان يرى في محبوبه صفات غير موجودة، وكان يتوقع أموراً غير مدروسة.. فعندما يصل إلى الواقع، يرى أنه كان متعلقاً بالوهم، ويرى أنه قد أعطى لمحبوبه أكثر مما يستحقه، فينتقم منه لا شعورياً.. وهذا شيء معروف في عالم العشاق.

ثانيا
: الوسوسة، والنفث في الصدور.. أي يلقي في روع الإنسان فكرة إجبارية.. وفي الطب النفسي هذا الأمر معروف بما يسمى بالوسواس القهري، أي فكرة قد تكون سخيفة، أو وهم قد يكون في منتهى البطلان، أوخوف لا داعي له، وقلق لا موجب له، أو همّ لا أساس له.. ولكن الإنسـان يعيش تلك الحالة من القلق.. والدليل على أن القضية وسوسة شيطانية، أن الإنسان المتعارَف والعـادي، عندما ينظر إلى ذلك الأمر يستهزئ بهذا الإنسان.. ويقول: هذه الفكرة ليست بالمستوى الذي توجب القلق.. فمن الواضح أن هناك جهة غيبية، هي التي توسوس في صدر بني آدم.
وقد شبهت بعض الروايات الشيطان، بأنه واضعٌ خرطومه على قلب بني آدم، وهذا الخرطوم لا يتراجع ولا يخنس، إلا إذا ذكر العبدُ ربَّـه، ولهذا قيل: خناس، أي كثير الذهاب والإياب.. فعندما يذكر العبدُ ربَّهُ، يتراجـع الشيطان.. وعندما ينسى ربه، فيأتي.. فإذن، هو وسواسٌ خنـاس.. ولهذا هناك عبارة جميلة لأحدهم يقول: (لولا كلمة الخنـاس، لأصابنا اليأس من الوسواس).. أي لولا أن اللهَ -عـز وجـل- قال بأنه: (وسواس خنـاس) لأصابنا الانهيار أمام وسوسته.. فكلمة (الخناس) فيها أمل لنا.. فإذن، هذه طريقة من طرق كيد الشيطان.
ولكن هذه الآية آية فريدة متفردة في بيان كيد غريب من مكائد الشيطان.. يقول: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.. فالشيطان لا يأتي من الفراغ، فهو لا يزين العدم، إنما يزين الوجـود، ويزين العمـل.. فإذن، إن أصحاب العمل، وأصحاب العبادة والسعي، وأصحاب الجهد والجهاد، هؤلاء يُخافُ عليهم من الشيطان؛ لأن هناك مادة يمكن أن يستثمرها الشيطان.. والإنسان الكسول الذي لا عمل له، والذي يحتقر نفسه، قد يكون من هذه الزاوية أبعد من الشيطان؛ لأنه لا يرى لنفسه شيئاً، ويحتقر نفسه.
ولهذا يلاحظ بأن الفسقة والفجرة، عندما ينيبون إلى ربهم يبالغون في الدعاء والنحيب والبكاء؛ لما يرونه من حقارة أنفسهم.. فالشيطان يستغلٌّ العمل.. و{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}.. فـ{أعمالهم} هنا يرجع لضمير المشركين، فليس لهم عمل صالح، يستحق أن يُعجَبَ به.. ولكن التعليق بالنسبة إلى المؤمنين.

ثالثا
: القدرة على التجسد.. {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}.. يقول المفسرون والمؤرخون: إن الشيطان تمثل على شكل رجـل، هو سراقة بن مالك، وكان له دور في تحريك الجـو ضد المسلمين.. هل معنى ذلك أن الشيطان يتمثل على شكل بشر إذا لزم الأمر؟.. يقول البعض منهم، ويرجح هذا الرأي السيد بتفسيره "الميزان"، يقول: كلمة {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} فـر، وانهزم.. وقال {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}.. أي رأى الملائكة، وطبعاً هذه الملائكة، يُخشى منها أن تنتقم من إبليس عندما يخرج من زيه، ويتشكل على شكل بشر، ليحرض وليحرك الجو ضد المسلمين.
إن هذه التعابير: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}، {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}، {َإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}، توحي بأن هناك وجودا ماديا.. وهناك شخصا قام بهذا العمل، وهرب -{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}- عندما رأى جحافل الملائكـة.. فإذن، هذه قدرة أخرى من قدرات الشيطان الغريبة، أنه إذا لزم الأمـر، يتجسد على شكل بشر.
وعليه، فإن قدرة الشيطان ليست محصورة بالوسوسة، والإلقاء في الروع، وتزيين العمل، وما شابه.. وإنما له القدرة على التجسد أيضا.. ونِعْمَ ما قاله صاحب الميزان في تفسيره أنه: ما المانع العقلي من ذلك؟.. فهذا ليس بأمر عجيب غريب.. فالشيطان وجوده كله غرابة في غرابة.. ولتكن هذه من غرابات الشيطان، فهو يتشكل بشكلٍ مادِّيٍّ يمكن أن يغوي بني آدم.. وبالتالي، فإن معنى ذلك أن الشيطان قدراته قوية وهائلة ومخيفة، وعلى الإنسان أن يكون عداؤه للشيطان بحجم قدرته، {إن الشيطانَ لكمْ عدوٌّ، فاتخذوه عدوّاً}.. فمعرفة العدو، الخطوة الأولى لمقاومته ومقارعتـه.

منقول بتصرف
************************************************** ************************************************** **
حميد
عاشق العراق

26 - 10 - 2015

حميد درويش عطية 11-20-2015 02:38 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

العقوبة بعد العناية
(111لمائدة / ج7)
إن الآيات الأخيرة من سورة المائدة معبرة جداً، ومخيفة في نفس الوقت؛ لأن هذه الآيات تتناول محاورة بين عيسى (ع) وبين الحواريين، الذين كانوا من أقرب الناس إلى عيسى (ع)، والذين كانوا في حالة من الإلتصاق الشديد به (ع).. ولكن مع الأسف يلاحظ بأن تربية عيسى (ع) لم تؤثر في نفس الحواريين، إلى الدرجة التي يريدها عيسى (ع).. فقد طلبوا منه عدة أشياء:
أولا: طلبوا مائدة من السماء، {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء}؟..
إن كلمة {يَسْتَطِيعُ} نوع من خلاف الأدب مع رب العالمين.. فلو قالوا: هل من المصلحة؛ لهان الأمر!.. وإنما قالوا: هل يستطيع؟.. فكلمة السؤال عن الإستطاعة لم يكن سؤالا في محله.. ولهذا عيسى (ع) {قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
ثانيا: طلبوا أن يأكلوا منها، فالآن بينوا السبب في طلب المائدة السماوية: {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا}.. والأكل عبارة عن إشباع للذة البطن.
ثالثا: ثم قالوا: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ}.. إن هذا البيان فيه نوع من أنواع الكلام غير المتزن.. فأول شيء قالوا: {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا}، ثم قالوا: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}.. فقد جعلوا الفائدة المادية للمائدة السماوية، مقدَّمة على الإطمئنان القلبي.. وهذه أيضاً من النقاط التي يمكن أن تؤخذ على الحواريين.. فالإنسان عندما يتعامل مع الله عز وجل، عليه أن يقدّم البعد المعنوي على البعد المادي.
{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.. ما هو التعليق الإلهي؟.. {قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}.. هنا السؤال: لماذا هذا التهديد بعد تنزيل المائدة؟..
إن الدرس العملي لجميع المسلمين في هذه المعادلة المهمة: إن إيمان الحواريين قبل إنزال المائدة كان إيماناً غيبياً، وكان إيماناً بالله عز وجل وبقدرته، تعبداً واعتقاداً بما أخبرهم نبيهم روح الله وهو عيسى (ع).. فهذا الإيمان التعبدي، والإيمان الغيبي، كان له قيمة متميزة.. ولكن بعد إنزال المائدة، أي أن تنزل مائدة من السماء؛ فإنه من الواضح أنه إعجاز من قبل الله عز وجل.. فهذه المائدة سلبت ذلك الجو الغيبي.. وهناك فرق بين مائدة مريم (ع) وبين مائدة الحواريين: فمائدة الحواريين كانت بطلب من الحواريين، أما مائدة مريم {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً}..
ولهذا المائدة السماوية لمريم لم تنقص من منزلتها عند الله عز وجل، بينما المائدة السماوية للحواريين تبعها تهديد {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}.
فإذن إن ملخص ما تقدم هو: أن الإنسان المؤمن قبل أن يتمم الله -عز وجل- عليه الحجة، وقبل أن يتجلى له، وقبل أن يغدق عليه النعم، قد يقبل منه اليسير..
وأما المؤمن الذي توجه الله إليه بألطاف خاصة، ووهب له الخشوع في الصلاة، ورزق التوفيق لأداء بعض الطاعات كالحج والعمرة، ويرى نعم الله عز وجل عليه متواترة، فإن هذا المؤمن إذا انتكس، أو تراجع، أو خالف؛ فإنه يشمله ذلك التهديد الذي شمل الحواريين.
فالمؤمن الذي يرجع من الحج من أو من العمرة، أو ينتهي من شهر رمضان، ومن ليالي القدر، أو ينتهي من صلاة ليل خاشعة، ثم يخالف، فمثله كمثل الحواريين.. تلك مائدة تؤكل، وهذه مائدة تدرك.. فعندما يعصي الإنسان الله -عز وجل- في يوم أحيا ليله بالعبادة، يختلف عن يوم لم يوفق فيه للعبادة.. ولهذا فإن المؤمن على وجل، كلما رأى توفيقاً إلهياً في عبادة، أو في تقوى، أو في زيارة، أو في شهر رمضان، أو في ليلة قدر؛ فإنه يعيش الخوف.. ولهذا النبي صلى الله عليه وآله كان يقول: (اللهم!.. لا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبداً.. اللهم!.. لا تردني إلى سوء استنقذتني منه أبدا.. اللهم!.. لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً).
منقول بتصرف

************************************************** **************************************************
حميد
عاشق العراق
20 - 11 - 2015

حميد درويش عطية 12-14-2015 08:58 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
كيد إبليس

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}..
إن آيات الشيطان في القرآن آيات مختلفة ومتنوعة، فله أعمال متعددة، منها:
أولا: التزيين.. وكما هو معلوم أن الشيطان له قدرة على التزيين، فالشيطان له عدة حيل مع بني آدم.. ومن حيله أنه يزين في الأرض، بمعنى أنه يُري الإنسان صورةَ الأشيـاء مضخمة مفخمة، ويعطيها حجماً أكبر من واقعها.. فعندما يصل إلى ذلك الشيء، يراه كسراب بقيعةٍ، يحسبه الظمآن ماءً.. وأفضل مثال على ذلك ما يعيشه المتزوجون.. فحالات المتزوج وتصوره للحياة الزوجية، ولما سيعيشه مثلاً بعد الزواج، عادةً أضخم بكثير مما هو في الواقع.. ولهذا يلاحظ أن في بعض الأوقات تنقلب حالات المحبة الشديدة، والعشق الشديد إلى بغض شديد.. والسبب في ذلك أن المحب كان يرى في محبوبه صفات غير موجودة، وكان يتوقع أموراً غير مدروسة.. فعندما يصل إلى الواقع، يرى أنه كان متعلقاً بالوهم، ويرى أنه قد أعطى لمحبوبه أكثر مما يستحقه، فينتقم منه لا شعورياً.. وهذا شيء معروف في عالم العشاق.
ثانيا: الوسوسة، والنفث في الصدور.. أي يلقي في روع الإنسان فكرة إجبارية.. وفي الطب النفسي هذا الأمر معروف بما يسمى بالوسواس القهري، أي فكرة قد تكون سخيفة، أو وهم قد يكون في منتهى البطلان، أوخوف لا داعي له، وقلق لا موجب له، أو همّ لا أساس له.. ولكن الإنسـان يعيش تلك الحالة من القلق.. والدليل على أن القضية وسوسة شيطانية، أن الإنسان المتعارَف والعـادي، عندما ينظر إلى ذلك الأمر يستهزئ بهذا الإنسان.. ويقول: هذه الفكرة ليست بالمستوى الذي توجب القلق.. فمن الواضح أن هناك جهة غيبية، هي التي توسوس في صدر بني آدم.
وقد شبهت بعض الروايات الشيطان، بأنه واضعٌ خرطومه على قلب بني آدم، وهذا الخرطوم لا يتراجع ولا يخنس، إلا إذا ذكر العبدُ ربَّـه، ولهذا قيل: خناس، أي كثير الذهاب والإياب.. فعندما يذكر العبدُ ربَّهُ، يتراجـع الشيطان.. وعندما ينسى ربه، فيأتي.. فإذن، هو وسواسٌ خنـاس.. ولهذا هناك عبارة جميلة لأحدهم يقول: (لولا كلمة الخنـاس، لأصابنا اليأس من الوسواس).. أي لولا أن اللهَ -عـز وجـل- قال بأنه: (وسواس خنـاس) لأصابنا الانهيار أمام وسوسته.. فكلمة (الخناس) فيها أمل لنا.. فإذن، هذه طريقة من طرق كيد الشيطان.
ولكن هذه الآية آية فريدة متفردة في بيان كيد غريب من مكائد الشيطان.. يقول: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.. فالشيطان لا يأتي من الفراغ، فهو لا يزين العدم، إنما يزين الوجـود، ويزين العمـل.. فإذن، إن أصحاب العمل، وأصحاب العبادة والسعي، وأصحاب الجهد والجهاد، هؤلاء يُخافُ عليهم من الشيطان؛ لأن هناك مادة يمكن أن يستثمرها الشيطان.. والإنسان الكسول الذي لا عمل له، والذي يحتقر نفسه، قد يكون من هذه الزاوية أبعد من الشيطان؛ لأنه لا يرى لنفسه شيئاً، ويحتقر نفسه.
ولهذا يلاحظ بأن الفسقة والفجرة، عندما ينيبون إلى ربهم يبالغون في الدعاء والنحيب والبكاء؛ لما يرونه من حقارة أنفسهم.. فالشيطان يستغلٌّ العمل.. و{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}.. فـ{أعمالهم} هنا يرجع لضمير المشركين، فليس لهم عمل صالح، يستحق أن يُعجَبَ به.. ولكن التعليق بالنسبة إلى المؤمنين.
ثالثا: القدرة على التجسد.. {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}.. يقول المفسرون والمؤرخون: إن الشيطان تمثل على شكل رجـل، هو سراقة بن مالك، وكان له دور في تحريك الجـو ضد المسلمين.. هل معنى ذلك أن الشيطان يتمثل على شكل بشر إذا لزم الأمر؟.. يقول البعض منهم، ويرجح هذا الرأي السيد بتفسيره "الميزان"، يقول: كلمة {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} فـر، وانهزم.. وقال {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}.. أي رأى الملائكة، وطبعاً هذه الملائكة، يُخشى منها أن تنتقم من إبليس عندما يخرج من زيه، ويتشكل على شكل بشر، ليحرض وليحرك الجو ضد المسلمين.
إن هذه التعابير: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}، {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}، { إِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}، توحي بأن هناك وجودا ماديا.. وهناك شخصا قام بهذا العمل، وهرب -{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}- عندما رأى جحافل الملائكـة.. فإذن، هذه قدرة أخرى من قدرات الشيطان الغريبة، أنه إذا لزم الأمـر، يتجسد على شكل بشر.
وعليه، فإن قدرة الشيطان ليست محصورة بالوسوسة، والإلقاء في الروع، وتزيين العمل، وما شابه.. وإنما له القدرة على التجسد أيضا.. ونِعْمَ ما قاله صاحب الميزان في تفسيره أنه: ما المانع العقلي من ذلك؟.. فهذا ليس بأمر عجيب غريب.. فالشيطان وجوده كله غرابة في غرابة.. ولتكن هذه من غرابات الشيطان، فهو يتشكل بشكلٍ مادِّيٍّ يمكن أن يغوي بني آدم.. وبالتالي، فإن معنى ذلك أن الشيطان قدراته قوية وهائلة ومخيفة، وعلى الإنسان أن يكون عداؤه للشيطان بحجم قدرته، {إن الشيطانَ لكمْ عدوٌّ، فاتخذوه عدوّاً}.. فمعرفة العدو، الخطوة الأولى لمقاومته ومقارعتـه.

************************************************** ********************************
حميد
عاشق العراق

14 - 12 - 2015

حميد درويش عطية 12-26-2015 06:52 PM

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

من هم الصادقون في التوبة ؟
( االتوبة 118 /
{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
ن هذه الآيات من الآيات التي تعطينا درسا بليغا في كيفية التوبة إلى الله عز وجل.. فلا ينبغي أن نخلط بين التوبة اللفظية، التي قد لا تستتبع الندامة، ولا العزم على عدم العود.. وعندئذٍ لا يمكن أن يعد هذا من الاستغفار والتوبة بشيء، فلا ارتباط له بالتوبة الحقيقية، التي تتغلل إلى أعماق الوجود.. إنما هي مجرد ألفاظ يتلفظها الإنسان، من دون أن يكون له أي مدلول في الخارج.. والقرآن الكريم ديدنه أن يبين المفهوم والمصداق.. فآيات التوبة في القرآن كثيرة جدا، ولكن القرآن الكريم يقدم لنا عينة من التوبة الحقيقة، تلك التوبة التي صدرت في زمان النبي (ص).
{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار} في الآية السابقة، ثم يقول : {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}، فقد جعل التوبة متوجهة إلى المهاجرين والأنصار في آية مستقلة، وجعل التوبة متوجهة إلى ثلة مؤمنة من هؤلاء في آية أخرى.. {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم}.
إن هؤلاء الذين تخلفوا عن الجهاد -أي الغزوة- بين يدي الرسول، وفي سبيل الله عز وجل، لم يتخلفوا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للنفاق، ولم يكن هناك موقف اعتقادي لأجل هزيمة المسلمين أو كسر شوكتهم.. ومع إنه لم يكن هنالك موقف نظري أو عقائدي، مع ذلك عاشوا هذه الأزمة بعد تخلفهم عن الجهاد.. معنى ذلك أن الخطوة الأولى للتوبة الحقيقية، هذا الانقلاب النفسي الذي أصاب هؤلاء المؤمنين.. أولا: ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. هؤلاء رأوا بأن هذه الدنيا لا تحتملهم.. فكيف يعيشون على وجه أرض، رب هذه الأرض ورب السماوات والأرضين، لا يرضى عنهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. إن هذا الإنسان الذي يعيش هذه الندامة، هل تستهويه شهوة صغيرة في هذه الدنيا؟.. فالأرض برحبها وسعتها لا تسعه.. فكيف بامرأة جميلة، أو شهوة عابرة؟.. إن هؤلاء قد عاشوا مسألة الندامة بكل صورها .
إن التاريخ لم يذكر جزئيات ماوقع عليهم، لقد ذهبوا إلى الجبال هاربين من المدينة لما هم فيه.. فلو أنه ذهبت إليهم امرأة لتغريهم، وهم في قمة الجبال يستغفرون ربهم، لن يلتفتوا إلى ذلك.. لأن الأرض برحبها ضاقت عليهم، وضاقت عليهم أنفسهم.. فهذه النفس العاصية يرونها لا تتحمل.. فمن الدرجات العليا والجميلة، أن يعيش الإنسان هذه الدرجة.. فهذه النفس وهي أحب الأمور للإنسان، إذا رآها الإنسان تعيش شيئا من المعصية والنفور عن طاعة الله عز وجل، لا يعد يتحمل حتى هذه النفس.. فالأرض ضيقة، والنفس لا تتحمل، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه..أي تيقنوا!.. هذا هو معنى الانقطاع، الذي لو وصل إليه الإنسان المؤمن، فتحت له أبواب السماوات.. أي أن يعيش حالة الإنقطاع القهري إلى الله عز وجل.. بحيث لا يرى ملجأ في الأرض، ولا ملجأ في النفس، حتى النبي (صاى الله عليه و آله وسلم ) الذي هو رحمة لهذه الأمة، لا ينفعهم شيئا، إذا لم يأذن الله عز وجل بذلك.
عندئذ تاب الله عليهم ليتوبوا، فالتوبة تمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: البادرة الطيبة، وهي نية عدم العود، ونية ترك المعصية.
المرحلة الثانية: الإلتفاتة الإلهية، (تاب الله عليهم).. فالله عز وجل لا يتوب عن العبد جزافا، إلا إذا رأى فيه بادرة طيبة.
المرحلة الثالثة: الحركة إلى الله عز وجل، ثم (ليتوبوا).. أي هناك توبة أولية هي ( البادرة) وهناك توبة حركية، وهي تلك التوبة التفصيلية، التي تترتب على توبة الله عز وجل .
إن هؤلاء الثلاثة: كعب، وزرارة، وبلال.. تخلفوا عن النبي في إحدى الغزوات، ثم ندموا.. ولما رجع النبي (ص) من الغزوة، جاؤوا إليه واعتذروا، فلم يكلمهم النبي، وتقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم.. فالنبي (ص) حاصرهم محاصرة اجتماعية، وأوصى المسلمين أن لا يكلموا هؤلاء، ليعيشوا جو المقاطعة الاجتماعية.. نعم، إذا توقف النهي عن المنكر على محاصرة إنسان اجتماعيا، فينبغي ذلك .
تقول الرواية: حتى الصبيان امتنعوا عن الحديث معهم.. وجاءت نساؤهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقلن: يارسول الله!.. نعتزلهم؟.. فقال: لا، ولكن لا يقربوكن –أيضا مقاطعة بدرجة من الدرجات- انظروا إلى وعي الأم المسلمة!.. كيف أن المرأة تأتي لتستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم ) بمقاطعة الزوج!.. فضاقت عليهم المدينة، وهربوا إلى رؤؤس الجبال، وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام، ولا يكلمونهم.. فأوامر النبي (صلى الله عليه وآله و سلم ) بعدم التكليم، أما الطعام فلا بد منه.
هذه هي قمة الندامة!.. وهذا كله في جانب، وهذه الفقرة في جانب، فقال بعضهم لبعض: قد هجرنا الناس، ولا يكلمنا أحد منهم.. فهلا نتهاجر؟.. فنحن الثلاثة على قمة الجبل، فليقاطع كل منا الآخر- وذلك مبالغة في التعذيب النفسي- فتفرقوا، ولم يجتمع منهم اثنان.. وانتشروا في الجبال، كلٌ ينادي ربه ويناجيه.. وبقوا على ذلك مدة خمسين يوميا يتضرعون إلى الله عز وجل، ويتوبون إليه.. فقبل الله توبتهم، وأنزل فيهم هذه الآية، آية خالدة في القرآن الكريم، نتلوها الآن تخليدا لهذه الذكرى المباركة من التوبة الحقيقية بين يد الله عز وجل.


منقول بتصرف
************************************************** *****************************

حميد
عاشق العراق

26 - 12 - 2015

حميد درويش عطية 01-23-2016 08:45 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
التجليات الإلهية
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ - الأعراف - 142}.. إن هذه الآيات آيات غريبة حقا، وهي آيات متعلقة بنبي الله موسى (ع).. فاللقاء الإلهي هنا كان ثلاثين ليلة، ولكن الله -عز وجل- تفضل على موسى، وزاده عشرا.. نستطيع أن نستخلص من ذلك عدة دروس، منها:
الدرس الأول: أن الإنسان بالدعاء الحثيث لإحراز القابلية، تُمدد له العطاءات المعنوية.. فاللقاء الإلهي في طور سيناء، هو لقاء مغتنم ومصيري لنبي الله موسى (ع)، وقد كان بالإمكان أن يواعده منذ البداية أربعين ليلة، ولكنه جعل الموعد على مرحلتين: أولى وثانية.. و"لعله ذكر الليالي دون الأيام -مع أن موسى مكث في الطور الأربعين بأيامها ولياليها.. والمتعارف في ذكر المواقيت والأزمنة ذكر الأيام دون الليالي- لأن الميقات كان للتقرب إلى الله -سبحانه- ومناجاته وذكره، وذلك أخص بالليل وأنسب.. لما فيه من اجتماع الحواس عن التفرق، وزيادة تهيؤ النفس للأنس.. وقد كان من بركات هذا الميقات نزول التوراة".
فإذن، إن الله تعالى قد اختار الليل، ليدل على أن اللقاء الإلهي يتجلى في الليل.. صحيح أن النبي هو موسى (ع)، والمتكلم هو الله عز وجل، والمكان المقدس طور سيناء.. لكن ليله يختلف عن نهاره.. وعليه، فإن هذا درس للجميع، ليغتنموا الليل لخصوصيته واختلافه عن النهار.
لدرس الثاني: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ}.. إن موسى (ع) يذهب للقاء الله وفكره وقلبه في أمته!.. وهذا اللقاء لقاء تخصصي مع الله عز وجل، فقد كلمه تكليما، وأعطاه الله ما لم يعطه للأنبياء السلف: من الحديث المباشر، وخلق الكلام.. ومع ذلك فإن قلبه مع الأمة!.. ومن هنا نعلم الجامعية في التكليف، فالإنسان الذي يصلي صلاة الليل، وهو في قمة إنشغالاته المعنوية، عليه أن لا يهمل أمر من حوله: سواء الزوجة، والذرية، والأرحام، والمجتمع، والجيران.. لا أن يتذرع بأنه مشغول بالمناجاة، فيعيش الفناء الإلهي، والذوبان في المعاني القدسية، وينسى تكليفه الإجتماعي.. فهذا موسى (ع) يذهب، ويعيّن الوصي في قومه.
الدرس الثالث: أن موسى (ع) يعلم بأن الميقات ثلاثين أو أربعين ليلة، ومع ذلك لم يترك الأمة دون وصي فقال: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}.. فمعنى ذلك أن هناك مفسدين في الأمة، ووجود النبي في الأمة يمنع المفسد من إظهار إفساده؛ لأن وجود النبي رحمة.. ومن هنا وقعت الواقعة في أمة نبينا الخاتم (ع)، وهذه الرواية المعروفة: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) أراد النبي (ص) أن يُفهم الأمة من خلالها، أنه كما أن غياب موسى (ع) عن الأمة من دون هارون، كان عرضة لظهور المفسدين.. فكذلك إن غياب النبي (ص) عن الأمة من دون وصي، سيكون عرضة لغلبة المستوليين، وانحراف الخط عما رسمه الله تعالى.
الدرس الرابع: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}.. فهنا الأبحاث القرآنية معمعة، لماذا قال موسى (ع): { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}؟.. إن موسى (ع) هو خامس أنبياء أولي العزم، وهو كليم الله.. فإذن، هو أعرف الناس بالله، وصفات كماله، وجماله.. فهل يقول موسى (ع) لربه: {أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}، كما أرى الأشياء: كالجبل والأمور المادية؟.. حاشا هذا!.. فإن من أولويات إعتقاد المؤمن العادي، بأن الله -عز وجل- كما يقول تعالى في القرآن الكريم: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}.. فهذه الآية لم تأتِ بشيء جديد، إنها بيان لحقيقة يفهمها جميع الأنبياء والمتبعين لخط الأنبياء.
وبناء على ما تقدم، كيف يقول موسى (ع): {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}؟.. وهنا انزلق البعض في البحث، وقال: نعم، موسى (ع) طلب من الله -عز وجل- الرؤية الحسية، وكما قلنا: فإن هذا لا يليق بالمؤمن العادي، فضلا عن النبي العادي، فضلا عن نبي من أولي العزم!.. فإذن، إن ما طلبه موسى (ع) هي -قطعا- الرؤية الممكنة!.. والرؤية التي تتناسب مع حقيقة الربوبية، وهي الرؤية التي لا تتوقف عند الحس، كما في النص الشريف: (رأته العيون بحقائق الإيمان، ولم تره بمشاهدة العيان).. إنه نوع من أنواع التجلي، والرؤية القلبية.
إن الله -عز وجل- قد تجلى للبصر: من خلال الشجر والماء، ومن خلال التكوين من الذرّة إلى المجرّة.. وكذلك تجلى للقلب بنوع آخر.. كما أن له أفلاك ومجرات وزينة في السماء، يتجلى بها للمؤمنين.. فكذلك يتجلى بلون آخر لعباده المخلصين.. فإذن، إن هذا هو التجلي، والرؤية التي أرادها موسى(ع) من الله عز وجل.. فما المانع أن يقتدي المؤمن بني الله موسى (ع) بأن يطلب نوعا من أنواع التجلي، أو نوعا من أنواع الرؤية المتناسبة مع عظمة الربوبية؟!.. إنها رغبة مقدسة وعظيمة!..
الدرس الخامس: {قَالَ لَن تَرَانِي}.. فإذا كان موسى (ع) قد طلب الرؤية المعنوية، فلماذا قال: لن تراني؟.. وإذا كان لن تراني، تشير إلى الرؤية الحسية، فلماذا طلب موسى (ع) الرؤية؟.. وهنا قد يبدو شيء من التعارض بين جزئي الآية.. وهنا أيضا بحث دقيق في هذا المجال: {قَالَ لَن تَرَانِي} بمعنى -هكذا أفضل وجوه الجمع- يا موسى!.. إن هذه الدنيا، وطبيعة الحياة الدنيا، لا تسمح لذلك التجلي الخاص الذي أردته مني.. نعم، تراني بمشاهدة القلوب، وكما قال تعالى في سورة أخرى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.. نعم، إن مقدار من التجليات الإلهية مدخرة في الآخرة.. فموسى (ع) عبارة عن روح وجسد، وهو محكوم ببعض علائق الأرض، وطبيعة الحياة الأرضية لا تسمح ببعض التجليات.. فـ{قَالَ لَن تَرَانِي} بمعنى أنك لن تراني بتلك التجليات والرؤية الخاصة التي يرى ربنا في يوم القيامة.
وبعبارة واضحة: يا موسى!.. لي تجليات في الدنيا، وأخرى في الآخرة.. فهناك قسم من التجليات يمكن أن تشاهدها في الدنيا، من خلال عبادتك، ومناجاتك، وحديثك معي.. وقسم مدخر للآخرة.. كما أن الرحمة الإلهية كذلك، فرحمة الله بعثت النبي الخاتم، ورحمة الله بعثت هذا الوجود.. ولكن هل تعلمون بأن رحمة الله في هذه الدنيا، هي جزء من أجزاء الرحمة الواسعة، ولعله قد ورد في بعض التعابير: أنها جزء من مئة.. فإذن، إن الرحمة الإلهية تتجلى في القيامة بأوسع صورها، مع أنه في الدنيا هناك أيضا رحمة إلهيه متجلية.
لدرس السادس: {وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}.. أي يا موسى!.. إذا أردت التجلي الخاص، فإني أعطيك أثرا وعيّنة.. فأنا أتجلى لهذا الجبل تجليا لا تحتمله الدنيا.. والجبل عنصر من عناصر المادة، وهو يشترك مع موسى (ع) في أن كليهما محكومان بقوانين المادة.. فتجلى ربنا ذاك التجلي الخاص للجبل، فـ{جَعَلَهُ دَكًّا}؛ أي أصبح مدكوكا متلاشيا في الجو.. {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}؛ أي مغشيا عليه من هول ما رأى.. فكلاهما اندكا كل بحسبه.
فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي رجعت إليك مما اقترحته عليك، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى، ولن أطلب تلك الرؤية قبل وقتها.
فإذن، إن المؤمن في الدنيا يحب أن يصل إلى بعض المدارج المعنوية العليا جدا، والله يحجبها عنه.. لا لبخل في فيضه، وإنما لعدم تحمل المؤمن لبعض صور العنايات الخاصة.. ولذا، فإن على المؤمن أن يطلب ويقنع.. فعليه أن يطلب الدرجات العليا، ويقنع بما يُعطى.. لأنه هو الخبير والبصير بقابليات العباد، وبما يستحقونه من قوتٍ، سواء في عالم المادة أو في عالم المعنى.

منقول بتصرف
************************************************** *******************************************
حميد
عاشق العراق
23 - 1 - 2016

حميد درويش عطية 03-04-2016 04:11 PM

متى يفلح المؤمنون؟ (1-المؤمنون / ج18)
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} . إن الآية تبدأ بـ{قد أفلح المؤمنون}.. والفلاح لم يخصص، إن كان للدنيا أو للآخرة.. بل جاء كمعنى عام، ينطبق على الفلاح الدنيوي والأخروي.. فالقرآن أعطى أول درس من دروس الإيمان، بأن من يريد السعادة المنشودة، والإطمئنان القلبي -تلك الضالة التي قد فقدها أهل الدنيا جميعاً، ما عدا المؤمنون- فإن هذه السعادة لايمكنها أن توجد، إلا في ضمن جو الإيمان، لأن السعادة هي حالة من حالات القلب: كالإرتياح، أو الحزن، أو كالإكتئاب، وما شابه ذلك.. وإن الذي خلق القلب والنفس، هو الأدرى بما يدخل السرور والسعادة في هذه النفس.
فإذن، لا يمكن أن تتحقق السعادة والإطمئنان في القلب، إلا بمراجعة الوصفة التي جاءت من قِبل مقلِّب القلوب، بل خالق القلب.. وعليه أن نمتع البدن، فأهل الدنيا أرادوا سعادة النفس، من خلال سعادة البدن.. وبتعبير آخر: من خلال إعطاء البدن ما يشتهيه: كشهوتي البطن، والفرج.. فهاتان الشهوتان، اللتان شغلتا أهل الدنيا: برجالهم ونسائهم.. وهنا تكمن المغالطة، من حيث أنه لا يوجد ارتباط بين عالم البدن، وعالم النفس.. فأن تسعد البطن، والفرج، والجلد، والعين، والأنف، والإذن.. فما علاقته بالنفس؟.. فإذا أكل زيد طعاماً، فهل يشبع عمرو؟.. فالروح والبدن، كزيد وعمرو، فهذا يأكل، والآخر يبقى جائعاً.. فلقد حصل اشتباهاً عند أهل الدنيا، فخلطوا ما بين الجسم والبدن، فتوغلوا في إعطاء المادة والبدن ما يشتهيان.. وبالتالي بقيت الروح دون غذاء، فلم يحققوا شيئاً من مقاصدهم.
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.. إن هناك فروعا متعددة للدين، والصلاة أحد فروع الدين، التي لها أحكامها.. وإقامة الصلاة هو مقدم على الخشوع، ولكن القرآن الكريم ذكر الأعلى، ليكون الأدنى في ضمنه.. فالإنسان الخاشع، فهو بلا شك مقيم للصلاة في أول الوقت ومحافظ عليها.. ولهذا في ختام هذه السلسلة من الآيات، جاءت هذه الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.. فالإنسان الخاشع يستلذ في الصلاة، والحديث مع رب العالمين.. وكأن الله عز وجل -تلك الشخصية المحبوبة- أغلق الأبواب على محبيه، فيتجلى لهم بين فترة وأخرى.. وأما في أوقات الصلاة، فبابه يكون مفتوحا للجميع، بمثابة عاشق بباب من يهواه، وهو ينتظر.. فيُفتح الباب فتحاٍ رسمياً، في اليوم خمس مرات.. ولهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يشتاق الى أول الصلاة، وكان ويقول: أبرد يا بلال، وكان الأئمة تتلوّن ألوانهم من الوضوء قبل الصلاة، كل ذلك لأن الصلاة عبارة عن إذن بلقاء للمطيع والعاصي.. ولهذا فإن الإنسان العاصي، عندما يدخل الصلاة، ويهتم بأن يخشع في صلاته، بمجاهدات وبمحاولات يصل إلى هذه النقطة من الخشوع.. فإذن، إن من صفات المؤمن الخشوع .
يقول تعالى في آية: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، وفي آية أخرى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.. فالذي لايخشى، ولا يخشع، فهو إنسان لا يعرف الله، وليس له علم بالله عز وجل.. هناك ما يسمى بالإيمان التعبدي.. وكما يقول بعض علماء الأخلاق: إن العلم إذا لم يتحول إلى سكون واطمئنان في القلب، لا يسمى إيماناً.. فالإيمان إيمانٌ إذا أوجب الإطمئنان في القلب.. فالناس قد علموا بالله عز وجل، ولهذا أسلموا، والإسلام هو العلم، والإقرار بالله عز وجل.. أما الإيمان فهي مرحلة أرقى من مرحلة العلم.. فالقلب الذي لا يفوّض أمره إلى الله تعالى، وكذلك القلب الذي يخشى من انقطاع الرزق، والإنسان الذي يخاف المخلوق.. فهذا الإنسان لا يعد مؤمناً بالله عز وجل، لأنه لم يحقق السكينة والإطمئنان في حركة حياته.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.. فقهياً لايمكن القول بأن كل صور اللغو محرمة.. فمثلاً: إذا كان الإنسان يقوم بلعبة غير قمارية، ومن دون مرابحة، فمن الناحية الفقهية تكون هذه اللعبة جائزة.. ولكن المؤمن يعرض عن هذا اللغو.. فالقرآن آياته كالنجوم في مواقعها، فلم يقل الله تعالى: الذين هم للغو تاركون، بل قال: {معرضون}.. والإنسان المعرض هو الذي يعتقد بتفاهة الشيء، فهناك فرق بين أن يترك الشيء، وهو متعلق به، خوفاً أو طمعاً أو حياء من الناس.. ولهذا في الشريعة أن أكل الخبائث غير جائز.. فأكل الحشرات والبهائم التي لايمكن أن تؤكل والقاذورات والحشائش.. فالشارع المقدس في القرآن الكريم، لم يذكر آية واحدة في الزجر عن أكل الحشرات المضرة، أو التي لا يمكن أن تؤكل.. لأن الناس بطبيعتها معرضة عن أكل الخبائث.. والمؤمن يصل إلى درجة، يكون انصرافه عن اللغو، بحيث لا يحتاج إلى معاناة.. ولكن اشتغاله باللغو إذا أجبر على ذلك، فهو يحتاج إلى معاناة. مثلاً أن ينظر إلى برنامج غير هادف، مراعاة إلى جو معين، أو أي هدف كان.. فإنه يعيش في حالة من الغليان الداخلي، لأنه ينظر ويشتغل بشيء هو معرض عنه.. ولهذا فإن الإنسان المحب للغو، ويحب ما لا نفع فيه.. ولكن يمنع نفسه منعاً، ويكبح جماحها كبحاً.. فإن هذا الإنسان غير مؤمن واقعي، لأنه غير معرض عن اللغو.. واللغو مقولة نسبية، فقد يكون لإنسان برنامج معين في التلفاز في مجال تخصصه، ويوجد إنسان آخر بالنسبة إليه أن هذا البرنامج لا يعنيه.. فهذا البرنامج يعتبر للأول هدف، وبالنسبة للآخر فهو لغو.. فعلى المؤمن أن ينظر إلى دائرة اللغو في حياته.. فإذا كان هو غير معني بهذا الأمر، فهو إنسان مشتغل باللغو، وقد قيل: بأن كل نظرة لا عبرة فيها، فهو لغو أو سهو.. وكذلك إن كل قول ليس فيه حكمة، فهو لغو أو سهو.
وتتسلسل الآيات الى أن تقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.. فكما قد يكون المبلغ المالي أمانة، فكذلك أن الزوجة تعد أمانة، والأسرة، والذرية، وكل هذه الأمانات بأيدي المؤمن.. فالمؤمن الذي يخشع في صلاته، ويترك اللغو، ويحافظ على فرجه، وإلى آخره.. ولكنه لا يراعي أمانته.. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ): (ملعونٌ ملعونٌ!.. من ضيّع من يعول).. فالإنسان إن كان يعول إنسانا آخر، أو مجموعة من البشر، وهذا الإنسان قد ضيّعهم، فهو ملعون: أي مطرود من رحمة الله عز وجل.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}.. إن أهل الجنة يدخلون الجنة وهي بكر {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان}.. فالحور كذلك، والغلمان لم يخدموا أحداً غير نساء ورجال الجنة، والقصور غير مسكونة، تسكن لأول مرة.. فإذن، لماذا قال: {الوارثون}؟.. فالإرث هو عبارة عن الإستفادة من متاع الغير، وقد قال العلماء قولاً جميلاً في هذا الخصوص: إن الإرث هو عبارة عن المال الذي كان في معرض الغير، ثم انتقل اليك.. فمثلاً هذا المال كان لأبيك يستمتع به، ومن ثم انتقل إليك.. أو أن هذا المال كان بالإمكان أن ينتقل للآخرين، ولكنك أنت أولى بهذا المال من غيرك.. فالمقصود بأن الجنة كانت بمعرض الجميع، والكل بإمكانه أن يدخل الجنة.. ولكن يوجد من قصّر، ودخل مَن دخل نار جهنم.. ولكن المؤمن نال هذه الجنة، التي كان من الممكن أن يصل إليها الآخرون.. ففي مضامين بعض الروايات أن الإنسان إذا دخل النار يقال: هذا موقعك في الجنة.. أي هذا مكانك في الجنة التي قد حُرمت منها.. ومن الممكن كذلك، أن الإنسان في يوم القيامة -حتى يعلم قدر الجنة- يرى موقعه من النار ويقال: هذا موقعك في النار، ولكن الله عز وجل خلّصك منها، ليبالغ في الدعاء والشكر، عندما يرى موقعه في الجنة.. وقد ورد في الروايات –ما مضمونها-: (أن لكل إنسان منزلاً في الجنة، ومنزلاً في النار.. فإذا مات ودخل النار، وُرثَ أهل الجنة منزله).. أي يحتلون ذلك المكان، الذي كان ينبغي أن يسكن فيه .
منقول بتصرف
************************************************** *****************************
حميد
عاشق العراق
4 - 3- 2016

حميد درويش عطية 03-24-2016 07:11 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
[/size][marq="2;right;1;scroll"]محور القلب[/marq]
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}..
إن هذه الآية على اختصارها، تعتبر من الآيات التي تعطي مسلكا للإنسان في الحياة.. فهنالك بعض الآيات تتناول الوضوء، والتيمم، وحركات جزئية، حتى أمثال أحكام الحج، والصلاة، وما شابه ذلك.. وهنالك آيات في القرآن الكريم، تعطينا الخطة العامة في السير في هذه الحياة، نحو الله عز وجل.
تقول الآية: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}.. إن هنالك بحثا مهما في هذا المجال.. وهو أن لكل إنسان محور اهتمام في قلبه، فهنالك هم غالب، وهنالك صبغة يصطبغ بها الإنسان.. وهذه الصبغة، وهذا المحور، وهذا الهم الأوحد، هو الذي يحرك الإنسان.. فإذا امتلك الإنسان محورا غالبا في حياته، وإذا وصل الإنسان إلى هم ثابت يشغل باله، فإن هذا الإنسان يتحرك بشكل دائب لاتجاه ذلك المحور.
ولهذا من المهم جدا إذا أردنا أن يستقيم الإنسان في سيره، أن نقلب محور اهتمامه، وهو ما يسميه بعض العلماء – علماء الأخلاق – بمبدأ الميل، ومبدأ الحركة.. وكما هو معلوم بأن الأرض تدور حول محور ثابت، فهذا المحور لو اختل، لاختلت حركة الوجود.. فإذاً، على أحدنا إلى جانب اهتمامه بالعبادة، وبالأمور الجزئية، وبالحركات المتقطعة.. أن يفتش وينظر إلى نفسه، ليجد المحور الثابت الذي يسير حوله!.. والمحور الذي ينبغي أن يكون عليه!..
وهذا ما بينته الآية في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}..(الذاريات/56).. فإذا عاش الإنسان هذا الهم، ولم يكن له هم إلا تحقيق حالة العبودية في هذه الحياة، فإنه سيتحرك بشكل تلقائي، ولا يحتاج إلى واعظ خارجي.
{فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}.. عادة يكون السباق في عالم الرياضة وما شابه ذلك، ولا يكون السباق إلا حيث يكون هنالك نهاية معينة، وهنالك جوائز لمن يصل إلى هذه النهاية.. فهل رأيتم سباقا مفتوحا لانهاية له؟.. وهل رأيتم سباقا لا ثمرة له؟..
وبما إن هنالك نهاية، وهنالك جوائز.. فتصور الجائزة عند الوصول للنهاية، يجعل الإنسان يسارع في المشي.. وإلا فإنه لا تنتظم حركة حياته..
إذاً، فالنهاية عبارة عن الوصول إلى حالة العبودية المطلقة {يا أيها الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ}..(الإنشقاق/6).. فنقطة اللقاء مع الله عز وجل تكون عند الموت..
وهنا نهاية السباق، فماذا يعطي الإنسان في النهاية؟.. يعطى ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}.
أيها المتسابق!.. لو تخاذلت في السباق، أو تباطأت في المشي، أو لو لم تدخل حلبة السباق، فأنت غير مهمل.. وفي يوم من الأيام، سترفع إلى الملك، والحاكم، وأنت في نقطة بعيدة عن النهاية، وأنت في نقطة تعتبر متخلفا في السباق.. وعليه، فإن المسألة ليست عبارة عن عدم الربح فقط، وإنما هنالك مؤاخذة: لماذا لم تصل إلى هذه النقطة؟..
ومن أشد أنواع العذاب يوم القيامة للجميع، التغابن والحسرة.. فالإنسان المؤمن عندما يؤتى به يوم القيامة، ويرى بأنه كانت له قدرات في الحياة الدنيا، وكان بإمكانه الوصول إلى قريب الهدف، وكان بإمكانه أن يكون في نقطة أقرب مما كان عليها عند الوفاة.. ولكن لم يحقق هذا القرب إلى النهاية.
كيف يكون شعور هذا الإنسان في الجنة؟.. فالإنسان يرى درجات عالية في الجنة، فيقال: هذه درجتك المقدرة، ولكنك تكاسلت.. ولو أن الله عز وجل أبقى هذه الحسرة في نفس هذا الإنسان، لما استمتع بحور الجنة ولا بقصورها.. فلا بد وأن ينسى هذه المرحلة.. إذاً، علينا أن نعيش هذا الجو { أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وبالتالي، فإن في هذه الآية عدة اصطلاحات:
الاصطلاح الأول: محور الحياة {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}..
والاصطلاح الثاني: هنالك سباق بما في السباق من نهايات وجوائز..
والاصطلاح الثالث: هنالك حالة الرقابة الإلهية {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}.. وسواء كنت فائزا أو خاسرا، فإنك ستقف أمام المحكمة الإلهية.. فبفوزك تعطى الجائزة، وبخسارتك لا تحرم الجائزة فحسب!.. وإنما تعاقب عقابا شديدا.

منقول بتصرف
************************************************** ********************
حميد
عاشق العراق
24 - 3- 2016

حسام الدين بهي الدين ريشو 04-17-2016 07:07 PM

بارك الله فيك
وألبسك حلل السعادة والرغد
وشكرا جزيلا

حميد درويش عطية 07-19-2016 04:58 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
من هم عباد الرحمن؟ (63-الفرقان / ج19)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
إن هذه الآيات المذكورة في سورة الفرقان، فيها وصف بليغ للعباد الذين اصطفاهم الله عز وجل.. وهذه الآية بمثابة تعيين الضوابط العامة للعبد الصالح، أي لعبد الرحمن الذي قبله الله عز وجل عبداً، حيث تقول الآية: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}.
أولاً: إن من صفات عبد الرحمن أنه يجمع بين حالتين: حالة التذلل، والترفع.. كيف يمكن للإنسان أن يكون متذللا ومترفعا في آن واحد؟.. فمتذللاً هنا بمعنى حالة الذلة والشفقة في العباد فيما لا يؤوله إلى الوهن.. وذلة المؤمن ذلة محمودة، حيث أن منشأها ليس الخوف من الطرف المقابل، كذلة المتملقين للأغنياء، أو ذلة الخائفين من الجبارين.. إنما هذه ذلة تنتج، إذا رأى الإنسان من الطرف المقابل عظيم أمام الله عز وجل، ولهذا القرآن الكريم في سورة المنافقين يقول: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وما عدا ذلك من العزة، فهي عنده زائفة، ولم يؤذن للمؤمن أن يذل نفسه.. فإذاً إن ذلة المؤمن نافذة من التواضع، وأن لا يرى تميزاً لنفسه على الآخرين، وكلما رأى إنسانا يقول: هو خير مني.. فشره ظاهر، وخيره باطن.. وأنا كيف أحكم على نفسي بتفوق على الغير؟.. والحال أن البواطن مستورة عليه.. فنحن لا نعلم من العباد إلا جلداً وعظماً ولحماً، فمن أين نعلم بواطن العباد؟..
ثانياً: لو فرضنا جدلاً إنك علمت باطن الشخص، ورأيت باطنه، ولكن من أين تعلم باطنك؟.. إن الذين يعرفون أنفسهم هم القلائل.. ولو عرفت باطنك وباطنه، ورأيت التميز، وحكمت بالتفوق.. من أين لك العلم بعواقب الأمور؟.. فأنت ترى الفعل، ولا ترى المستقبل.. والإنسان مجموعة ماض، ومستقبل، وساعة موت.. وعند ساعة الموت لا يعلم بم يختم للإنسان.. فالمؤمن ليس له أي حكم على العباد، إلا اللهم إذا خرج الطرف الآخر من دائرة الإيمان إلى الكفر، فهذا له حكم آخر.. ولكن بما أنه يجمع بين الاعتقادات الخاصة بأصول الدين، فيجب أن يحتمل أن هذا الإنسان على خير. {يمشون على الأرض هوناً} أي بتواضع، {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}.. فنبي الرحمة ابتلي بأشد الجاهلين، تقول بعض الروايات ما مضمونه: (إن المؤمن إذا ذهب إلى رأس جبل لجاءه من يؤذيه).. فالإنسان في حياته اليومية وإلى أن يموت لا بد وأن يبتلى بجهلة من أرحامه أو من غير أرحامه، في مجال عمله أو في دائرة معاشرته.. والمؤمن إذا تنزل إلى هؤلاء الجاهلين، وأراد أن يكيل الكيل كيلين، فإنه يتنزل إلى مستوى الجهال، ويشغل نفسه بعوالمهم، ويتثاقل إلى تثاقلهم قولاً وفعلا.. والحل هو أن يترفع عن الإنسان الجاهل، لا أن يقول له: (سلاماً) باللفظ، بل يقول له: (سلاماً) بمقام العمل.. إن المؤمن إذا تجاوز في حد من حدود الله، فهو بحد ذاته تلك الساعة ليس بمؤمن، ولا وزن له.. فلعله كان قبل ذلك من العباد والزهاد، ولعله أيضا هو كذلك بعد ذلك العمل.. ولكن في ساعة الغضب هو لا وزن له، ولو كان ذا وزن قبل الغضب وبعده.. فإذاً لماذا الإنسان يقيم وزنا لما لا وزن له؟..
{والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً}.. إن هؤلاء يرون لذتهم في السجود الطويل.. والروايات تؤكد تأكيداً غريباً على إطالة السجود.. والسجود ليس هذا الإنحناء البدني، فهذا الإنحناء البدني حركة رياضية.. وإنما السجود المقصود هو السجود الروحي.. فالسجود حركة قلبية، وهذه السجدة الظاهرية هي حركة البدن.. فالساجدون لله عز وجل، والمحترفون السجود، هؤلاء لهم عوالم لا تقدر ولا توصف.. فلهم سير إلى عالم البرزخ، وإلى عالم الغيب لا يعلم لذتها.. فسلمان الفارسي يقول -ما مضمونه-: لولا السجود، ولولا معاشرة المؤمنين، لما تحملت البقاء في هذه الدنيا.
إن السجود في عرف الأولياء والصلحاء، يعتبر سياحة روحية، وما أروعها من سياحة!.. لا تكلف مالاً ولا تعباً، ومتاحة في أية ساعة من الساعات.. ولذة السجود في السحر، حيث الناس نيام، فيقوم الإنسان ليكون مع الساجدين.. ولهذا {يبيتون سجداً وقياما}، أي يغلب عليهم السجود في هذا الليل الطويل.. والذين يقولون: {ربنا اصرف عنا عذاب جهنم}.. فهم على صفاتهم، والتزامهم يعيشون حالة الهلع والوجل.. {إن عذابها كان غراما}.. الغرام ما ينوب الإنسان من شدة أو مصيبة فيلزمه، ولا يفارقه، فكذلك نار جهنم تلزم الإنسان، ولا تنفك عنه.
{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}.. فالمؤمن أمين على مال الله عز وجل.. أي أنفقوا من مال الله عز وجل الذي آتاكم، فهذا المال مال الله، وأنتم عليكم أن تنفقوا بالكيفية التي أمركم الشارع بها.
وهنالك آية بليغة في العتاب والتأثير، {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}.. أي يا بني آدم!.. إن الله عزوجل لا يعبأ بكم، ولا يعتني بكم.. فما وزنكم عند الله عز وجل؟.. وما قيمة هذا الإنسان الذي يدب على قدميه، وبعد أيام يؤول أمره إلى التراب؟.. وما فرقه عن الجماد والحيوان والنبات لولا الوجود المادي؟.. إذا كنت تدعو، فأنت مترفع عن المادة.. وقد يقول قائل: وأنا أدعو!.. إن الدعاء حركة القلب لا حركة اللسان، فاللسان يكشف عما في القلب، فإذا كان القلب خاوياً، فحركة اللسان تكشف عن عدم.. فإذا لم يكن لك رصيد، كإنسان له عشرات الحسابات المصرفية، ولا درهم له في المصرف، فما قيمة هذه الحسابات الكثيرة؟.. فهذه الورقة تكشف عن رصيدك، فإذا لم يكن لك رصيد، فلا قيمة لهذا الظاهر.. فإذاً إن من المناسب للمؤمن في هذا الشهر الفضيل وفي غيره من الشهور، أن يحقق هذا الإرتباط الذي يعطيه وزناً وقيمة عند الله سبحانه وتعالى.
[color="red"[color="deepskyblue"]
منقول بتصر
************************************************** ******************************
حميد
عاشق العراق
19 - 7 - 2016

نشوة شوقي 08-02-2016 11:24 AM

نفحات قرآنية.. في سورة الرعد


قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد: 2].

يفهم من كلمه: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا : أن هناك عمدًا لا تُرى، وهي الجاذبية.

نشوة شوقي 08-07-2016 12:08 PM

قال الله " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَيرُ صَافَّاتٌ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهَ وَتَسْبِيحَهَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " النور 41
والتسبيح نوعان 1- تسبيح قولي 2- تسبيح فعلي "بلسان الحال"
والتسبيح في جملته : انقياد وخضوع لله رب العالمين , فأنت إذا نظرت في مخلوقات الله لرأيتها بانقيادها وكأنها تسبح الله " التسبيح الفعلي " وإن لم ترَ فيها التسبيح القولي .
فأهل الكفر اليوم بما لديهم من إمكانيات وآلات ومراكز أبحاث يستشعرون تماما تسبيح الكون لله , بل هم الذين يوصلون لنا ذلك , كيف ؟
فللنظر في أبحاث هؤلاء في عالم الحيوان , وعالم النبات , وعالم الجماد , وباطن الأرض وظاهرها , بل وفي السماء بما فيها من نجوم وكواكب ومجرات , بما يؤكد أن هذا الكون يسير بنظام ودقة متناهية , بأمر من الخالق العظيم .
فَيَا عَجَبًا كَيفَ يُعصَى الإلَهُ أَمْ كَيفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِـــــدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَــــــــة ٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الوَاحِــــــــد.ُ

حميد درويش عطية 11-18-2016 12:26 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
لمحة في إعجاز القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كتاب الله الذي أحكمت آياته، وأتقنت فصوله، وأبدعت جمله، واختيرت كلماته ، وعلا أسلوبه، واتفقت معانيه، وائتلفت مبانيه؛ فلا ترى فيه عوجا ولا أمتا، ولا تجد فيه اختلافا ولا تناقضا، وصدق الله إذ يقول :
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ فصلت : 42 ]
ومن ثم كان القرآن الكريم مناط أنظار العلماء، وموضع عنايتهم في القديم والحديث، وإن تعددت جهات نظرهم إليه، وتباينت مشاربهم منه .
ونحن في هذه الكلمة الموجزة نحاول أن نلم إلمامة يسيرة بناحية من نواحي عظمة هذا الكتاب الحكيم، وهي ناحية إعجازه، فنقول:
أنزل الله هذا الكتاب فأعجز به سائر البشر، ووقفوا منه في كل زمان ومكان موقف المبهوتين الذين بهرهم أسلوبه، وأخذت بمجامع قلوبهم جزالته، واستولت على نفوسهم عظمته، حتى إن بعضهم كان يعترف بقوة القرآن الكريم، وعظيم سلطانه على النفوس حينما يثوب إلى رشده، ويخلع رداء العصبية الجاهلية عن نفسه .
وليس أدل على إعجاز القرآن الكريم من نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب حين نبوغهم في صنعة الكلام، ونظم الشعر، وترسيل الرسائل، ونسج الخطب، وتفوقهم في أساليبها وتنسيقها، وجولاتهم الكثيرة المتتالية في ربوع القول، وأفانين الحديث، بل كانت إجادة القول غاية فخرهم، ونهاية شرفهم. ومنتهى ما تصبو إليه نفوسهم، وكانت لهم أسواق يقيمونها يقصد إليها الناس من كل صوب، ويؤمونها من كل حدب؛ يتبارون في إنشاد الشعر وإلقاء الخطب، متفانين في ذلك إلى حد كبير، حتى ظهر ذلك الفرقان العظيم والذكر الحكيم، على يد ذلك الأمي الكريم، الذي يعلمون عنه تمام العلم أنه لم يتلق عن أستاذ، ولم يجلس إلى فيلسوف، ولم يقرأ سفراً، ولم يكتب سطراً، فأخرس ألسنتهم، وأخمد أنفاسهم، فلم يجدوا حينئذ جوابا!.
سب آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، وسفه أحلامهم، وجهلهم غاية التجهيل، وطلب إليهم أن يعارضوه فما استطاعوا، مع شدة حرصهم على معارضته، والتماس الوسائل قريبها وبعيدها لإبطال دعوته. تحداهم أن يأتوا بمثله كما قال تعالى :
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [ الطور : 34 ]
وأمهلهم طوال الأيام فما نطقوا؛ فتنزل معهم إلى عشر سور حيث قال:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ هود : 13 ] . وانتظرهم فبهتوا وما تكلموا ؛ فتنزل معهم إلى سورة واحدة من سوره، فقال تعالى :
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ البقرة : 23، 24 ]
فخارت قواهم ، وضلت أفكارهم، وانسدت المسالك أمامهم، وغدوا بعد ذلك صاغرين .
ولعمر الحق لو كانوا يقدرون على معارضته لفعلوا، وخلصوا أنفسهم وأهليهم وأموالهم من سلطته، والخضوع لدعوته إن طوعا وإن كرها، لاسيما وتأليف الكلام الجيد أمر سهل عليهم؛ إذ أنه عادتهم في لسانهم، ومألوف خطابهم، وهم أحرص الناس على إطفاء نوره الساطع، وإخفاء أمره الصادع ، شأن كل عدو مع عدوه؛ فكيف إذاً لا يعارضون بألسنتهم، وميسور عاداتهم، وهو أيسر لهم وأهون عليهم لو وجدوا لذلك سبيلا؟ استطال عليهم بأنواع المذام والقوم أولو حمية وعصبية، ورماهم من وقت لآخر بالعجز عن مباراته، والضعف عن مجاراته، والقوم ذوو أنفة وإباء، ومع ذلك لم يتحرك منهم ساكن، ولا قام واحد منهم في وجهه، ولا حدث نفسه أن يقوم، فحكم لنفسه حكما قاطعا حيث قال :
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ الإسراء : 88 ]
سبحان الله! ألا فلينظر القارئ الكريم إلى هذه الثقة بالنفس، وهذا الشموخ الذي لا يدانيه سواه، هل يطيقه ويقدر عليه إلا من أحاط بقدر الناس وقواهم خبراً، ووسع كل شيء علما؟.
هل مثل ذلك القضاء القاطع بأنهم لن يستطيعوا مهما تضافروا واستظهر بعضهم ببعض أن يأتوا بشيء من مثله، هل مثل ذلك القضاء يمكن أن يكون قضاء بشريا ؟ .
كلا ! إنما ذلك قضاء العليم الخبير الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
إذن فالقرآن الكريم كلام الله تعالى ، أنزله على خير خلقه ، وصفوة رسله، ليكون آيته الكبرى ، ومعجزته العظمى، المؤيدة لدعوته، الشاهدة بصدق نبوته، ولا يعقل أن يؤيده بدليل يتلاشى أمام البحث، ويذهب سدى عند النقد الصحيح.
وإذا كان القرآن قد أعجز سائر العرب مع تضافرهم وتظاهرهم، وكثرة عددهم، وفصاحة لسانهم، وقوة بيانهم، وطول زمان معارضتهم، فلأن يكون لغيرهم أشد إعجازاً وأقوى مباراة وأعظم نضالا. وهل يتطاول نحو هذا الحمى ذلك الأعجمي الألكن، أو الصبي الذي لا يكاد يبين؟ بلى إن القرآن الشريف فوق طاقة جميع المخلوقين، وأعلى بكثير مما قد تصل إليه قدرهم، ولا عجب فهو تنزيل من جبار الأرض والسماء الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون .

منقول بتصرف
************************************************** **********************************
الجمعة
18 صفر 1438هج
18 - 11 - 2016

سرالختم ميرغنى 11-18-2016 02:05 PM

التحدى يوم الزينة
======================
جمهرة غفيرة من سحرة مصر حضرت التحدى يوم الزينة بينهم وبين سيدنا موسى وبجانبه أخاه هرون . ولما انتصر موسى على السحرة ألقوا سجدا . ولا يمكن لكل جمهور السحرة أن يتوحدوا في قولة واحدة . بعضهم قال (آمنا برب موسى وهرون) . وبعضهم قال (آمنا برب هرون وموسى) .
والقرآن الكريم أنصف الفريقين فأورد ما قاله كلٌ منهما ولكن في سورتين مختلفتين هما سورة الشعراء وسورة طه . ومع قليل من التأمل نجد أن معظم آيات القصة في سورة الشعراء عن موسى منفردا دون إشراك هرون معه . فنلاحظ أن السياق أنسب هنا لمن قالوا " رب موسى وهارون" .
وفى سورة طه جاء معظم الآيات عن الرسولين معا بصيغة التثنية كقوله: اذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولا لينا.. ، قال لا تخافا إننى معكما..، فأتياه فقولا..، قال فمن ربكما يا موسى ...إلخ وهكذا نجد ذكر الرسولين معا غالبٌ على السياق فكان من المناسب هنا إيراد قول الفريق الثانى "رب هرون وموسى" .

*************

سرالختم ميرغنى 11-19-2016 07:58 AM

https://tse1.mm.bing.net/th?&id=OIP....9&rs=0&p=0&r=0

" ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا "
صدق الله العظيم
************************************************** **********
يقول العلماء ، ومنهم كافرٌ ومنهم مؤمن ، إن القشرة الخارجية للأرض كانت ملتهبة ثم بردت خلال ملايين السنين . تسأءلت في نفسى: حسنا ، ومن أين جاء الأوكسجين ، غاز الحياة؟
فأجابونى بأن سحبا كثيفةً كانت وما تزال تغطى أسطح البحار والمحيطات . قلت وما شأن ذلك بالأوكسجين؟ قالوا: إن تلك السحب إنْ هي إلا ميكروبات نباتية دقيقة مجهرية لا ترى بالعين المجردة دأبها صناعة الأوكسجين وهى تظل عاكفة على إنتاجه ليل نهار ونشره في الفضاء . ونحن مدينون بحياتنا لتلك العوالق التي تسمى بالإيجا .
كنت أتوهم بأن تلك الملايين من السنين مرت عبثا على الأرض . ولكن كان هنالك عملُ دؤوب على تحضير الأوكسجين ..وتحضير الغازات الأخرى وسقوط الأمطار ونمو الغابات الكثيفة على الأرض لتكون عضدا للإيجا على إنتاج الأوكسجين . وبعد امتلاء الفضاء بالغازات وامتلاء الأرض بالعشب والمياه العذبة بدأ ظهور الحيوانات وتطورها .
كل ذلك لم يكن عبثا يا إخوتى . إنما كان إعدادا للأرض لاستقبال أبينا آدم وأمنا حواء . ألم نجعل الأرض مهادا . والجبال أوتادا . وخلقناكم أزواجا .
صدق الله العظيم

حميد درويش عطية 11-19-2016 11:37 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
من هم الاخسرون أعمالاَ ؟
إن القرآن الكريم مليء بالآيات المتنوعة..
ففيه آيات هي قمة التبشير ، كآية تبديل السيئات بالحسنات ، فهي من الآيات المؤملة جداً في القرآن الكريم ..
فالذي يعيش حالة الانحراف دهراً من حياته ، ثم يعود إلى الله عز وجل ، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات.. وفيه أيضا آيات هي قمة التخويف ، ومن هذه الآيات هذه الآية الكريمة ، وإن كان ظاهر الخطاب يعود إلى المشركين ، ولكنه مخيف للجميع ..
وهذه الآية هي الآية 103من سورة الكهف :
بسم الله الرحمن الرحيم { قُل هل نُنَبِئكم بالأخسرين أعملاً ، الذين ضل سعيهم فى الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}.
إن الآية تجمع العمل ، حيث تقول : هل أنبئكم بالذين لهم أعمال كثيرة ، ولكنهم من أخسر الناس ؟..
أي أن الإنسان الذي لا عمل له ، قد لا يعجب بشيء من عمله ، إلا أن صاحب العمل والأعمال الكثيرة ، هم فى مظان هذا الخسران ..
يقال فى باب التجارة : إن التاجر إذا كان يتاجر ، وهو يعلم أنه سيخسر ، فإنه يقوم ببعض الإجراءات الإحتياطية ..
وكما هو معلوم فى باب التجارة ، أن إيقاف الخسارة في أي وقت ، هو ربح فى حد نفسه ..
ولكن إذا كان التاجر لا يعلم أنه خاسر ، ولا يحتمل أنه سيخسر ، فإن هذا الإنسان مفلس .. وفي يوم من الأيام سيؤول أمره إلى الإفلاس الشديد المفضوح ..
فهؤلاء المساكين أعمالهم كثيرة ، ولكن ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون بأنهم يحسنون صنعا .
{أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}.. فمن هم الذين لا يقام لهم وزن يوم القيامة ؟.. ومتى يكون العمل هباءً منثور ا؟..
إن من موجبات كون العمل هباء منثورا الكفر .. فالإنسان الكافر وجوده وجود مبغوض للمولى ، وهذا الوجود المبغوض لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى بشيء ، لأنه لا يعترف بمن يمكن التقرب إليه ..
وكذلك من الذين لايقام لهم وزن يوم القيامة ، المؤمن الذي يعمل لغير الله عز وجل .
إن العمل في حد نفسه لا خلود له ، ولكن يمكن أن يحمد عليه الإنسان، ويمكن أن يكتسب الثناء الجميل : ككرم حاتم .. ولكن الخلود والانتساب إلى الله عز وجل ، وأن تتحول مادة الطاعة إلى طاقة لا نهائية ، تتجلى في عرصات القيامة وفي الجنة ، فإن ذلك يحتاج إلى انتساب .. والعمل الذي لا ينتسب إلى الباقي ، فهو فانٍ شأنه شأن المظاهر الطبيعية .. فكما أن الشمس تتكور ، والنجوم تنكدر ، وكما أن العظام تؤول إلى رميم .. فكذلك أعمالنا تؤول إلى أمر معدوم ينتهي ..
فالذي يعطي الخلود ، هو انتسابه إلى الخلود .. والله خير الشريكين، ففي الروايات : إن العمل الذي يكون لله ولغير الله عز وجل ، فإن الله عز وجل يقول : أنا خير الشريكين ، تنازلت عن حقي ، ووهبتك هذا العمل .
وما دام الأمر كذلك ، فقبل أن يفكر الإنسان في كم الأعمال ، وقبل أن ينظر إلى حجم ما يقوم به من عمل ، قبل كل ذلك، ينبغي أن يهيئ القالب الذي يوضع فيه العمل .. ففي اللغة العربية لكل كلمة مادة وهيئة : الضارب هيئته الفاعل، ومادته الضرب .. وكذلك فإن عمل الإنسان له مادة وله هيئة : المادة عبارة عن الإنفاق ، والصيام ، والصلاة ، والحسنات ...الخ ..
والهيئتة التي تعطيه القيمة ، هي عبارة عن انتساب العمل لله عز وجل .. وإلا ، في بناء الكعبة ما هو وزن هذا العمل في عالم البناء ؟.. كم كلف إبراهيم ( عليه السلام ) بناء الكعبة ؟.. إن الكعبة بناء فى منتهى البساطة ، ولعله لا يوجد على وجه الأرض بناء ضخم كبساطة الكعبة: فهو بناء مكعب ، ليس فيه أي جمال هندسي ، ولا فيه تعقيد من تعقيدات البناء المتعارفة .. ولكن هذا العمل على بساطته انتسب إلى الله عز وجل ..
ولهذا أول ما قاله إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم }.. أي تسمع ما نقول ، وتعلم ما فى القلوب .
فإذن، صحيح أن الآيات ناظرة إلى المشركين حيث يقول : {أولئك الذين كفروا}.. ولكن روح الآية تنطبق على الجميع.. وعليه، فإن على المؤمن أن يحذر حالة الخسران المستمرة فى حياته.. بمعنى أنه يجب أن ينظر دائما إلى عمله، من خلال المراقبة الذاتية، أو التأمل الذاتي، أو بمراجعة استشارة الغير.. ويحاول أن ينظر دائما إلى أن القالب الذي يعطيه الخلود، هل لازال موجوداً أو غير موجود .
ما هي علامة العمل المقبول ؟.. إن العمل المقبول ، هو ذلك العمل الذي يعيش معه الإنسان الانتعاش الروحي. . يقول علماء الأخلاق : إن مع كل عمل صالحٍ مقبول هبة نسيم من عالم الغيب .. فالإنسان عندما يزاول عملا مخلصا لوجه الله تعالى ، فإنه يعيش حالة من حالات النفحات الإلهية : حيث أنه يرى بأن الله عز وجل ينظر إليه برفق ، ويرى التيسير والتسديد أينما يذهب .. بخلاف العمل الذي لا يعمله لوجه الله تعالى ، حيث أن عينه تكون إلى الخلق ، وإلى المكاسب ، وإلى عاجل متاع الدنيا ..
من الطبيعي أن يرى ذلك الإنسان أنه يقوم بخير !.. ولكن هذا العمل لا ينعكس لا في صلاته ، ولا في دعائه ، ولا في علاقته بالله عز وجل .. فإذن على الإنسان أن يتحاشى وبشدة، أن يكون سعيه كسعي الذين كفروا .. { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا } .

منفول بتصرف
************************************************** *************************
السبت
19 صفر 1438هج
19 - 11 - 2016

نشوة شوقي 11-19-2016 12:14 PM

{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} إلى آخر الآيات المباركة.. فالملاحظ هنا أن القرآن الكريم هداية، والهداية هي عملية ذهنية وإدراكية، بمعنى نقل الإنسان من المجهول إلى المعلوم.. ولكن لماذا جعل القرآن الكريم هذه الهداية خاصة بالمتقين؟.. والتقوى: عملية فعلية، وورع، وفعل، وترك.. فإذن، ما الارتباط بين عالم المعرفة وهي الهداية، وبين عالم العمل وهي التقوى؟..

الجواب هو: إن القرآن هداية شأنية، فمن شأن القرآن أن يهدي؛ ولكن هذه الهداية الشأنية لا تتحقق فعلاً وواقعاً، إلا للذين استعدوا لقبول هذه الهداية.. فالقرآن هدى، ولكن لمن يبحث عن الهدى


الساعة الآن 05:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team