منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الآداب العالمية. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=38)
-   -   مائة عام من الغزلة : ما الذي جعلها واحدة من اروع الروايات .. نظرة معمقة (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=13311)

ايوب صابر 04-18-2014 11:26 AM

مائة عام من الغزلة : ما الذي جعلها واحدة من اروع الروايات .. نظرة معمقة
 
اعلن اليوم عن وفاة غابرييل غارسيا ماركيز صاحب رواية "مائة عام من العزلة"والتي تعتبر واحدة من اروع الروايات على الاطلاق وترجمت الى عدة لغات :

فما الذي جعلها واحدة من اجمل الروايات وأعظمها ؟
تعالوا نلقي عليها نظرة معمقة
.....

-----------


منوعات آخر تحديث الجمعة, 18 ابريل/نيسان 2014; 02:30 (gmt +0400)

غابرييل غارسيا ماركيزمائة عام من العزلةجائزة نوبلكولومبيا

اشتهر ماركيز بروايتي "مائة عام من العزلة" و"الحب في زمن الكوليرا"

دبي، الإمارات العربية المتحدة (cnn) -- *أعلن في المكسيك عن وفاة الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز عن 87 عاما، الذي اشتهر بروايات مثل "مائة عام من العزلة،" و"الحب في زمن الكوليرا."

وحاز ماركيز عام 1982 على جائزة نوبل للآداب، واشتهر بأسلوبه الذي جمع بين الخيال والواقع في عالم حالم، كما أنه يعتبر من أهم روائيي أمريكا اللاتينية، إذ أن روايته "مائة عام من العزلة" هي من أعظم روايات العصر الحديث منذ نشر رواية "دون كيشوت،" للروائي الإسباني ميغيل دي تيربانتس.

وولد ماركيز، الذي كان يعرف باسم "غابو،" شمال كولومبيا، ونشأ في عائلة تعددت توجهاتها السياسية بين التشدد والتحرر.

وقد رثاه الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس عبر تغريدة على تويتر قال فيها: "العظماء لا يموتون أبدا."

http://ia601705.us.archive.org/34/it...elfa.21016.pdf

ايوب صابر 04-18-2014 01:31 PM


رواية مائة عام من العزلة

(بالإسبانية: Cien años de soledad) رواية للكاتب غابرييل غارثيا ماركيث، نشرت عام 1967، وطبع منها قرابة الثلاثين مليون نسخة، وترجمت إلى ثلاثين لغة [1] وقد كتبها ماركيث عام 1965 في المكسيك. بعد ذلك بسنتين نشرت سودا أمريكانا للنشر في الأرجنتين ثمانية ألف نسخة. وتعتبر هذه الرواية من أهم الأعمال الإسبانية الأمريكية خاصة، ومن أهم الأعمال الأدبية العالمية. مائة عام من العزلة هي من أكثر الروايات المقروءة والمترجمة للغات أخرى. يروي الكاتب أحداث المدينة من خلال سيرة عائلة بوينديا على مدى ستة أجيال والذين يعيشون في قرية خيالية تدعى ماكوندو، ويسمون الكثير من أبنائهم في الرواية بهذا الاسم.

حبكة الرواية
يبرز في هذه الرواية عنصر الخيال الذي يأخذ بالقارئ لعالم ماكوندو وحياته البسيطة التي لا تلبث تنغصها صراعات بين المحافظين والأحرار وغيرها من الصعاب. كما تمتد أحداث هذه القصة على مدة عشرة عقود من الزمن، وتتوالى الشخصيات وما يترافق معها من أحداث برع المؤلف في سردها وأبدع في تصوير الأحداث والمشاكل وفي وضع النهاية لهذه العائلة عبر العودة إلى إحدى الأساطير القديمة التي لطالما آمنت بها أورسولا.

شخصيات الرواية
خوسيه أركاديو بونديا (مؤسس القرية).
أورسولا (زوجة مؤسس القرية).
العقيد اورليانو ابن أركاديو.
أركاديو الابن.
ريبيكا هي ابنتهم بالتبني.
ملكياديس هو رجل غجري.
فرسبي كراسو هو شاب إيطالي يأتي إلى القرية ليعلم الموسيقي.
أمارانتا.
بيلار تينيرا.

مقتطفات
لقد نجح الكاتب ببراعة أن يخلق تاريخ قرية كامل من نسج خياله منذ أن كانت بدايتها الأولى على يد خوسيه أركاديو بوينديا وعدد قليل من أصدقائه. تلك القرية التي أخفى ليلها قصص حب بعضها نجح وبعضها كان مكتوب له أن يفشل، مرورًا بنمو القرية حتى أصبحت أشبه بمدينة صغيرة توالت عليها الحروب والحكومات. من أجمل الافكار التي أراد الكاتب إيصالها للقاريء ان الزمن لا يسير في خط مستقيم بل في دائرة ، فكلما تلاشت الاحداث من ذاكرتنا اعادها الكون لكن في شخصيات و ازمنة مختلفة" يفاجأ القارئ في بداية القصة بتكرار الأسماء المتشابهة مثل أورليانو، أركايدو، وحتي اسم بوينديا هو اسم مشترك للأم والأب الأجداد الأولين الذين بحثوا عن طريق إلى البحر لمدة تتجاوز العام فكان الاستقرار الاضطراري في مكان مناسب وأطلق عليه خوسيه أركاديو بوينديا، الجد الكبير، اسم قرية ماكوندو التي سرعان ما اكتشف مكانها الغجر الذين زاروها بالألعاب السحرية والاكتشافات وحتى البساط الطائر والثلج في زمن كانت هذه المخترعات أو حتى الخيالات غير موجودة.
ومع الزيارة الأولى للغجر، تبدأ الأحداث في التطور فنتعرف علي ميلكيادس الذي يبدأ كل شيء به وينتهي أيضا به، ويهرب خوسيه اركاديو ابن مؤسس القرية الجد الكبير لعقود طويلة ويعود لنشعر بمدى تغير الازمنة، ويترك أيضا ميلكيادس الغجري تلك الرقاق التي هي بها نبوءه ماكوندو من بداية تأسيس المدينة مرورا بالمآسي والأحقاد والحروب الطويلة التي قادها الكولونيل أورليانو بوينديا الليبرالي، ابن مؤسس القرية ضد المحافظين. والأمطار، التي استمرت أكثر من أربع سنوات دون انقطاع في فترة أورليانو الثاني، والحياة الطويلة التي عاشتها أورسولا الجدة زوجة مؤسس القرية. والنبوءة التي استطاع آخر فرد في الأسرة، أورليانو الصغير، أن يفك شفرة الأبيات الشعرية ويفهم في اللحظة الأخيرة قبل هبوب الرياح المشئومة التي قضت علي آخر السلالة والقرية كلها.

مصادر
^ الشرق الأوسط
أعمال غابرييل غارثيا ماركيث الكاملة
الروايات: في ساعة نحس | مائة عام من العزلة | خريف البطريرك | وقائع موت معلن | الحب في زمن الكوليرا | الجنرال في متاهته |عن الحب وشياطين أخرى | ليس للكولونيل من يكاتبه | ذكريات غانياتي الحزينات
قصص قصيرة: عاصفة ورق | جنازة الأم الكبرى | إيرنديرا البريئة | حجاج غرباء | رجل عجوز جداً بجناحين عظيمين
غير خيالية: قصة بحار غريق | مهمة سرية في تشيلي | خبر اختطاف | عشت لأروي
----


http://upload.wikimedia.org/wikipedi...%84%D8%A9.jpeg

فاتحة الخير 04-19-2014 11:43 AM

1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله

شوقتنا لقراءة هذه الرواية، والغريب أن الكثير منا لا يعرفون الكاتب حتى يموت، وهذا طبعا من قلة اهتمامنا بعالم الثقافة والكتابة عموما، فهناك كتابا كبارا سواء عربا أو أجانب لا نعرفهم حتى ينشر نعيهم وتبدا وسائل الإعلام في الحديث عنهم، ساعتها نرى أنهم كانوا أو ربما نحن من كان يعيش في عزلة.

شكرا أستاذ أيوب صابر

http://im81.gulfup.com/cdxaXt.jpeg

ايوب صابر 04-19-2014 03:50 PM

شكرًا استاذة فاتحة الخير على تفاعلك مع الموضوع وسوف انتظر قراءتك النقدية للرواية ورايك عن سر روعتها هنا ....

من يقراء تاريخ الإبداع يجد انه كلما ارتفع مستوى العبقرية وكانت من المستوى الاعلى كلما واجه صاحب هذه العبقرية جحودا ونكران وربما حورب في حياته وقتل واحرقت كتبه واتهم بالزندقة والجنون او ربما اهمل إبداعه وتم تجاهله وقد شرحت ضمن حديثي عن العلاقة بين اليتم والعبقرية سر ذلك الموقف ويتلخص في ان عقول العباقرة تعمل بمستوى اعلى من الطاقة الذهنية ولذلك تكون المخرجات كودية وغالبا ما تحمل على معاني مستقبلية وتشتمل على استشراف ونبوءات ولا يدرك قيمتها الناس المعاصرين للكاتب ويحتاج العقل الجماعي لسنوات عددية قادمة قد تطول جداً لإدراك مقاصد وأبعاد وفهم كنه ما ولده عقل مثل ذلك العبقري من مخرجات عبقرية .

لكننا في حالة هذا الكاتب نجد ان الجمهور قد أدرك عبقريته وقدره بان منح العديد من الجوائز منها جائزة نوبل وهو حي لكن السؤال هل فعلا أدرك الجمهور اعماق ما كتبه غارسيا ومنح التقدير الذي يستحقه فعلا ؟ ام ان رحلة استكشاف مخرجات عقله قد بدات للتو ؟

ظني وللأسف اننا سنكتشف في مخرجات عقله الابداعية بعد موته أبعاد لم نكن نراها وهو حي لان الزمن سيجعل عقلنا الجماعي اقدر على فكفكة رمزية وكودية وعبقرية نصوصه الابداعية التي حتى هو نفسه قد لا يكون أدرك بعض أبعادها وكوديتها على الرغم انه مولدها ذلك لان مصدر الإبداع هو العقل الباطن غير محدود القوة والذي يولد نصوص تحتاج الى زمن قادم وتراكم للتجربة الانسانية لفهمها ولملمة رمزيتها. *

كما وسوف نجد بان كتاباته اشتملت على استشرافات مستقبلية سينكشف مغزاها مع الزمن .









ايوب صابر 04-20-2014 12:24 AM

رثاء عربي غير مكتمل لغابرييل غارسيا ماركيز
'الاستثناء' الذي أعاد إنتاج التراث المشرقي ليصنع أدبا عجائبيا
april 18, 2014

تونس ـ ‘القدس العربي’ ـ من حسن سلمان: شكل رحيل ‘أبو الواقعية السحرية’ غابرييل غارسيا ماركيز صدمة كبيرة لدى المثقفين العرب، وخاصة أن أغلبهم يدين في بعض نتاجه للأديب الكولومبي الكبير الذي عرف كيف يطوّع الخيال ليصنع ادبا عجائبيا يحمل هموم الواقع المغرق بالمحلية ويعيد إنتاجه بقالب عالمي يصلح لكل الأزمنة.
وإذا كان ماركيز انبهر، كغيره من أدباء أميركا اللاتينية، بالتراث العربي والشرقي عموما، فإنه رواياته المفعمة بالإنسانية شكلت موردا هاما لأغلب الأدباء العرب.
ويبدو أن ماركيز نجح إلى حد بعيد في توظيف خبرته الطويلة في الإعلام والسياسة ليلتقط تفاصيل صغيرة ويعيد نسجها في حكايات بسيطة شغلت أهل الفكر والسياسة لنصف قرن، ودعت عددا كبيرا من الزعماء في العالم لكسب وده، رغم انتقاده المتكرر لهم في نتاجه الإبداعي.

كمال الرياحي: فقدان ماركيز أهم من رحيل محفوظ

ويقول الروائي التونسي كمال الرياحي إن غياب ماركيز يمثل حدثا كبيرا لأي روائي عربي ‘من ناحية فقدان كبير لروائي كان له من الكفاءة الإبداعية والسردية ما جعله يستمر في الكتابة لسن متقدمة’.
ويضيف لـ’القدس العربي’: ‘أشعر أن ماركيز اقترب كثيرا من الأدب العربي، فرواياته تعبر عن البيئة العربية بكل تفاصيلها، وخاصة الجو السحري والتعلق بالموسيقى والأساطير وعوالم ألف ليلة وليلة وغيرها’.
ويذهب الرياحي بعيدا حيث يؤكد أن فقدان ماركيز قد يكون أهم من فقدان نجيب محفوظ بالنسبة للروائيين العرب، مشيرا إلى أن نتاج الأديب الكولومبي متوفر لدى أغلب القراء العرب وبلغات متعددة.
ويرى أنه ماركيز ‘أبو الأدب اللاتيني’ هو أحد الأسباب الرئيسية لانتعاش الجنس الروائي في العالم، و’إذا كان البعض يعتقد أننا في زمن الرواية، فإني أرى أن نعيش زمن ماركيز′.
وتحدث الرياحي عن العلاقة المتواترة بين ماركيز و’صديقه اللدود’ الأديب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، مشيرا إلى أن ‘الصراع الأدبي’ بين الرجلين قادهما لاحفا لنيل جائزة نوبل.
وأضاف ‘ما يميز ماركيز هو أنه قادر على صناعة الأحداث حتى وإن لم يكتبها، نذكر على سبيل المثال اللكمة التي تلقاها من يوسا إثر خلاف مع يوسا، حيث لجأ إلى مصوره ليلتقط له صورة عينه المتورمة وهو يضحك، بمعنى أنه حوّل هذه اللكمة أو الحادثة البسيطة إلى حالة إبداعية’.
وكان يوسا اكتفى بالتعليق على حادث رحيل صديقه ماركيز بالقول ‘إن رجلا عظيما قد مات. أثرت أعماله الأدب الإسباني وحلقت به إلى آفاق أوسع′.

زهور كرام: استثمار رحيل ماركيز في الحديث عن راهنية الإبداع

وترى الأديبة المغربية زهور كرام أن رحيل مبدع حقيقي بحجم ماركيز هو خسارة للبشرية ‘التي تعيش الآن فوضى المفاهيم، والتباس معنى الوجود، بسبب دمار الوجدان الذي بدأ يفقد لماء الإنسانية، واختناق الخيال مع هيمنة التكنولوجيا التي تتحول مع سوء توظيفها من مجرد وسيط من المفترض أن يخدم الإنسان، ويهيئ له مساحة من التفكير الحر، وتنشيط خياله إلى سلطة تعطل الخيال والفعل’.
وتضيف لـ’القدس العربي’: ‘عندما تفقد البشرية قيمة إبداعية خلاقة، فإنها تعلن الفقد مأساة. قد يختزل هذا الإحساس رحيل الكاتب العالمي غابرييل ماركيز، الذي شكل حضوره الإبداعي ثروة إنسانية تمثلت في قدرته البليغة على استثمار الخيال، وجعله ملازما للواقعي من أجل بناء حالة إبداعية جعلت من كتاباته ملتقى التفاعل الإنساني’.
وترى أن رواية ‘مائة عام من العزلة’، التي كتبها ماركيز عام 1967 ونال عنها جائزة نوبل للآداب عام 1982، تشكل نقلة نوعية في مسار كتاباته و’أهم مدخل لعالم هذا المبدع الخلاق’.
وتشير إلى أن ماركيز قال ذات يوم إنه استوحى أحداث الرواية من الحكايات الشعبية والخرافات الغرائبية التي كانت تحكيها جدته عندما كان طفلا، وتقول إن ‘مئة عام من العزلة شاهدة عن كون زمننا أنجب مبدعا أجاد عشق الخيال’.
وتضيف ‘وهنا، لابد من استثمار بعض مقومات التجربة الرائدة عند ماركيز وهو جودة تدبير ذاكرة الطفولة واستلهام غناها الحكائي الذي جعل ‘مائة عام من العزلة’ تنفرد بتميز سرد العوالم الغرائبية وسحر العجائبية، إلى جانب قوة اللغة الإبداعية الإسبانية’.
وتتساءل كرام عن مصير الإبداع مع اختناق شروط الخيال، و’كيف يمكن للبشرية أن توثق رؤاها، وفلسفة وجودها في إبداع بدأ يقترب أكثر من الواقع؟ وكيف يمكن تمثل الإبداع في زمن تراجع الحكايات، وهيمنة التقنية؟ وهل من الممكن أن نتحدث عن توجه جديد للممارسة الإبداعية في ظل شروط تكنولوجية؟ كيف نستطيع أن نجعل من رحيل ماركيز المبدع الخلاق محطة مهمة لإعادة طرح سؤال راهنية الإبداع في الزمن الحالي؟’.

يوسف رزوقة: ماركيز الصحافي التقط الأحداث بعد أن اكتوى بحرائقها

ويؤكد الأديب التونسي يوسف رزوقة أن ماركيز كان ‘بمثابة الكاميرا التي تلتقط التفاصيل لكونه كان صحافيا أيضا ملما بالأحداث ويكتوي بحرائقها، وهو ما خوله أن يكون مرآة عاكسة لعصره وعاملا في مسار السرد العالمي’.
ويؤكد أن العالم لن يستطيع نسيان ‘كبير كتاب العالم’ الذي ‘أعطى زخما روائيا كبيرا جعل قراء العربية والعالم يحترمونه، وجعل من الرواية علامة فارقة في مستوى المصطلح’.
ويضيف ‘ماركيز أكبر رواد السرد وهو لن يموت لسبب واحد هو أنه أضاف للمدونة السردية روايات مثل ‘مئة عام من العزلة’ و’الحب في زمن الكوليرا’ وهي ستظل في الذاكرة وتؤسس لسرد مستوفي لشروطه الإبداعية بما له من زخم بالأحداث وعيون لاقطة لكل التفاصيل الصغيرة’.
وأكد رزوقة أيضا ولع أدباء أميركا اللاتينية بالمشرق وتطويع حكاياته في نقل واقعهم المعاش، وأشار في الوقت نفسه إلى أن ماركيز يشاطر أقرانه في كتابة سيرته الذاتية التي يمكن استثمارها سينمائيا لاحقا، مؤكدا أنه ‘لا يستغرب أن يكتب ماركيز عن الجانب الأنثربولوجي فيه لأنه يعتبره أيضا ارتدادا لرواياته السردية’.

مسعودة بوبكر: ماركيز نجح بتحويل الواقع المحلي إلى حالة عالمية

وتقول الأديبة التونسية مسعودة بوبكر ‘غابرييل غارسيا الأديب الكبير الذي تربينا على نصوصه وفي ذائقتنا الأدبية الكثير منه، ولا نستطيع أن نتصور أدبا سرديا أو رواية دون التفكير في ماركيز′.
وتشير إلى أن الأدب العربي تأثر كثيرا بماركيز كأبرز أعلام أمريكا اللاتينية ‘الذي تأثر بدوره بحكايات ألف ليلة وليلة والتراث العربي، كما أن الأدباء العرب تأثروا بأسلوبه في سرد الحكاية وتفاصيلها العديدة والتحليل النفسي والاهتمام بالواقع القريب الذي يجعل منه بمحليته أمرا عالميا، أي: تطوير الحالة المحلية إلى عالمية’.

هيام الفرشيشي: ماركيز كان قريبا جدا من الروح العربية

وترى القاصة التونسية هيام الفرشيشي أن رحيل أديب مثل ماركيز سيعيد تسليط الضوء على منجزه الإبداعي والنتاج الأدبي لأميركا اللاتينية عموما و’مدى ارتباطه بتحرر الشعوب من بوتقة القوى المهيمنة، والاشتغال على المحلية الضيقة التي تستثمر هموم الإنسان في كل مكان’.
وتضيف ‘يجب أن لا ننسى أنه اشتغل على سمات مهمة تفتح آفاق الفكر كالعزلة والبحر، وسيؤثر نتاجه على اعادة الاعتبار للأدب عموما’.
وتشير إلى أن ماركيز ‘أعاد إنتاج الخيال العربي من خلال إطار طبيعي وسياسي مختلف ولهذا كان قريبا جدا من الروح الشرقية والعربية’، مشيرة إلى أن رواياته شكلت جواز سفره إلى عدد كبير من الدول وخاصة أميركا التي كان ممنوعا من الدخول إليه حتى مجيء الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي ألغى هذا الأمر.
يذكر أن كلينتون أكد في وقت سابق أنه يشعر بالفخر لأنه كان أحد أصدقاء ماركيز طيلة عقدين، وأضاف ‘حين قرأت روايته مائة عام من العزلة قبل 40 عاما، شعرت بالذهول من قدرته على التخيل ووضوح الفكر، والأمانة العاطفية’.

ريم الحربي 04-20-2014 12:28 AM

أستاذي القدير أيوب صابر ما أروع ما طرحت هنا

للحقيقة رواية مائة عام من العزلة من أروع الروايات بحق

وللحقيقة قرأتها أول مرة منذ زمن طويل ومع ذلك لا ألبث أن أعود
إليها فلقد كبرت على روايات هذا العبقري الرائع
فلماركيز قدرة هائلة على أن يجعل شخوص رواياته تنبض بالحياة ربما هذا ما يجعلني أعود لرواية مائة عام من العزلة
وأقرأها مرراً وتكرراً وفي كل مرة أشعر أنني أقرأها لأول مرة
لما فيها من عمق ولما لدى شخصياتها وأحداثها من قدرة على شد القارئ وأخذه إلى عالمها

للحقيقة مائة عام من العزلة هي أحد أهم الشواهد على عبقرية
ذلك العبقري الساحر غابريل غارسيا ما ركيز
شكراً لك أستاذي القدير



ايوب صابر 04-20-2014 12:50 AM

شكرًا استاذة ريم على هذه المشاركة وعلى القائك الضوء على جانب من الجوانب التي يبدو انها جعلت مئة من العزلة رواية رائعه .

لا اعرف ان كنت تتفقين مع كلنتون في وصفه الرواية "‘حين قرأت روايته مائة عام من العزلة قبل 40 عاما، شعرت بالذهول من قدرته على التخيل ووضوح الفكر، والأمانة العاطفية".

فهل السر في روعة الرواية يكمن بشكل اساسي في الواقعية السحرية ام ان لدى المذكور قدرات مذهلة على السرد الجميل؟

ايوب صابر 04-20-2014 01:12 AM

ماركيز مات؟
عزت القمحاوي
april 18, 2014

هي جميلة جدًا، وهو كذلك، لكنه غالبًا لم يكتبها؛ تلك الرسالة التي عاودت الظهور بمناسبة موته المعلن وغير النهائي.
لا أذكر بالتحديد تاريخ ظهور خطبة الوداع المنسوبة إلى الروائي الأشهر في كل الدنيا غابرييل غارثيا ماركيز، لكن عمرها لا يقل عن خمس سنوات، عندما قطع شوطًا على طريق النسيان، امتثالاً لداء عائلته المتأصل الذي لمسناه في ‘مائة عام من العزلة’ أشهر روايات التاريخ بعد دون كيخوت.
‘لو شاء الله أن يهبني شيئًا من حياة أخرى، فإنني سأستثمرها بكل قواي، ربما لن أقول كل ما أفكر به، لكنني حتمًا سأفكر في كل ما أقوله، سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه، سأنام قليلاً، وأحلم كثيرًا مدركًا أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور’ هذا المفتتح ذو المسحة الرسولية يصنع من ماركيز مسيحًا جديدًا، لكنه لا يبشر بالآخرة بل بالحياة الدنيا.
عذوبة الأسلوب في الرسالة، الوصية، أو العظة المنبرية تليق بماركيز الكاتب، وحب الدنيا ‘يلبق’ لماركيز الإنسان: ‘لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقًا متى شاخو، من دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق’ ذكاء المفارقة في الجملة الماركيزية يبدو واضحًا كذلك في الوصية، لكن الكآبة التبشيرية ليست له، وهذا اليقين بأنه قد اقترب ورأى ليس من طبيعته الأكثر ميلاً إلى التواضع المراوغ، وغياب السخرية في الرسالة عيب شنيع، لا أظن أن ماركيز يمكن أن يقع فيه، حتى في ظرف الاقتراب من الموت.
قيل في بداية ظهور النص الوداعي إنه منقول عن ماركيز عبر صديق مقرب، ولم يهتم ماركيز أو لم يجد الفرصة لينفي أو يؤكد إن كان النص العذب له أم لا! ولكن المؤكد أنه امتلك واحدًا من أجمل الأساليب، له سماته المميزة، ولذا فهو قابل للتقليد. مثاله في لغتنا العربية طه حسين، ولا تسعفني الذاكرة المرهقة بأسلوب كاتب آخر يغري المنتحلين بالانتحال.
من سخريات القدر أن الرجل الذي عاش حياته الطويلة ليروي عن الآخرين، انتهى مرويًا عنه، وأمست السنوات الأخيرة من حياته غيابًا غامضًا لا يشبه سوى غياب ملكلياديس، الغجري المشعوذ بالعلم، الذي يشبهه ماركيز بأكثر مما يشبه أي شخص آخر من أبطال رواياته.
ملكلياديس كانت قوته في معرفة بالكيمياء والفيزياء وظفها في إبهار سكان القرى باعتبارها معجزات، من المغناطيس الذي يجذب الحديد إلى أعجوبة لوح الثلج، ولا بأس من تمرير كذبة تحضير الذهب وسط المعجزات الظريفة!
وكذلك كان ماركيز، اشتغل على صنعته بدأب، عاش بحواس مفتوحة لاستقبال العالم واستفاد من كل ما مر به ليكون الروائي الأشهر والأكثر عذوبة في العالم على الأقل منذ نشر ‘مئة عام من العزلة’ عام 1967 إلى اليوم.
حتى الصحافة، مقبرة المبدعين استفاد منها ماركيز، ركبها ولم يقع تحت حافرها؛ ليس فقط باستعارته بعضًا من أعذب حكاياته من تغطياته الصحافية، بل باستعارة السهولة والاختصار والدقة، دون أن يسمح لماكينتها بتجريده من ذكاء المفارقة وعمق السخرية. وهكذا كان بوسعه أن يشبه هيمنجواي في تلمس لحم الواقع بالحانات وقصور الأغنياء وخنادق المحاربين وأن يجري الحوارات ويعقد الصداقات مع الزعماء ومرتكبي الجرائم الخطرين، على أن يبقى مثله الأعلى وليم فوكنر.
لم يترك ماركيز الصحافة إلا بعد أن منحها وظيفة أخيرة، عندما اخترع الصحافي المسن الذي روى حكايات غانياته الحزينات. لم تخرج من قلبه رواية كاواباتا ‘الجميلات النائمات’ منذ قرأها للمرة الأولى وشاء ألا يودع الدنيا دون أن ينسخها، وهو يعرف أن اتهامات اللصوصية لن تطارده، لأنه ماركيز!
وهذا ما كان؛ لم يجد القراء شيئًا في أن يزين ثري قصره الفخم بنافذة يابانية من زجاج ملون. ومن لا يعجبه ذلك يستطيع أن يتفادى النظر إلى تلك النافذة بالذات، وستجد عيناه في القصر الكثير الذي تتأمله.
ترك ماركيز الكثير الذي نتأمله، ويمكننا ألا نحب ‘حكايات غانياتي الحزينات’ أو نحبها، ونستطيع أن نصدق أو لا نصدق أن ماركيز كتب رسالته الوداعية التي ظلت تهب من صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية كلما تواترت أخبار عن تدهور صحته، لكن الأحمق فقط يستطيع رفض دعوتها للحب.
ويبقى أن الموت النهائي المعلن لماركيز، قد يكون مؤلمًا للكثيرين من محبيه، لكن المؤكد أن موته السابق، غير المعلن كان يؤلمه هو، عندما كان يستعيد ذاكرته للحظات ويعرف أنه ماركيز، الرجل الذي احتفى بالذاكرة في كل ما كتب.
استراح الرجل، لكن الكاتب سيعيش طويلاً، طويلاً جدًا سيعيش.
‘ كاتب مصري

ايوب صابر 04-20-2014 06:19 AM

ماركيز: الكاتب الجيد حين يرحل
أمير تاج السر
april 18, 2014

في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وفي بداية تعرفي إلى سكة الكتابة السردية، بعد أن ظللت أكتب الشعر منذ الطفولة، وكنت طالبا في مصر، أصابتني حمى القراءة العنيفة لكل ما كتب من قصة ورواية ونقد، سواء أن أنتج عربيا أو ترجم لنا من لغات أخرى. لم تكن هناك بالطبع إنترنت ولا وسائل اتصالات من أي نوع ليتعرف المرء عن طريقها إلى الطرق التي تؤدي إلى أهدافه، مثل أي الكتب يقرأ، وأي الأفلام السينمائية يشاهد، ومن هم الكتاب الجديرون بمتابعتهم.
لكن كانت توجد المقاهي الثقافية، أي المقاهي التي يرتادها المثقفون في وسط القاهرة، ليجلسوا ساعات، يستمعون فيها إلى بعضهم، ويتناقشون في إصداراتهم وإصدارات غيرهم من تلك التي قرأوها وكونوا رأيا، ولم تكن تلك الجلسات يومية في الغالب، ولكن مرة أو مرتين في الأسبوع، وإن كان البعض يأتون بشكل شبه يومي. وقد نوهت كثيرا إلى أن تلك المقاهي كانت الفيسبوك، وتويتر، الخاص بذلك الزمان، حيث يمكن العثور بسهولة على أخبار الثقافة ونقلها مباشرة إلى الصحف، ويحدث في كثير من الأحيان أن ينطق أحدهم بفكرة ما، لم تصبح نصا بعد، ليجدها في اليوم التالي، تحتل مساحة لا بأس بها في صحيفة أو مجلة، بوصفها خبرا عن عمل منجز تحت الطبع، وأذكر في تلك الأيام أن ذكرت لعدد من الذين يجلسون معي إنني أكتب نصا اسمه: ذاكرات ميتة، وكان ذلك في الحقيقة مجرد فكرة خطرت ببالي، لم تنجز قط، لكن وجدت بعد عدة أيام، في إحدى الصحف اليومية، خبرا عريضا عن الذاكرات الميتة التي ستصدر عن إحدى دور النشر قريبا.
إذن كانت ثمة وسيلة لمعرفة ما يجري في المحيط الثقافي، وعن طريق تلك الوسيلة، وتزامنا مع حمى القراءة التي ذكرتها، دخلت آداب كثير من البلدان إلى حياتي كقارئ، ومنها أدب أمريكا اللاتينية، وعلى رأسه ما أنجزه غابرييل غارسيا ما ركيز. دخلت روايات مثل: جنازة الأم الكبيرة، ليس لدى الكولونيل من يكاتبه، إيرنديرا الغانية، مئة عام من العزلة، سواء في طبعات عربية أو إنجليزية، وتأتي بعد ذلك في فترة التسعينيات وبعد أن تركت مصر، باقي أعماله كلها، وحتى سيرته الذاتية التي حملت عنوان: عشت لأروي، أو تلك التي كتبها جيرالد مارتن، بعد أن أمضى سنوات طويلة في مصاحبة ماركيز، والاستماع لشهاداته وشهادات أصدقائه، في شتى الشؤون.
لقد أردت القول، إن ماركيز كما أعتقد، ولعل الكثيرين يوافقونني على ذلك، كان الأجدر وسط ذلك الزخم القرائي، بسرقة أي قارئ من الكتب الأخرى لآخرين، وتوظيفه في قراءته وحده. لم يكن ديكتاتورا عنيفا في ذلك، ولكن القارئ يستجيب برغبته، وكامل إرادته، ويصبح من الصعب أن ينتزع نفسه من عالمه بعد ذلك، ليغرسها في عوالم أخرى. الدهشة، الغرائبية التي تصبح حقيقة حين تعجن بفن داخل نصوص حقيقية. رواية القصص بانسيابية غريبة، والحوادث النادرة كأنها تحدث كل يوم، فالرجل الكبير حين يصاب بالخرف، يربط إلى جذع شجرة في حوش البيت، ولا يكون ذلك غريبا، والخادم يعود إلى بيت سيده بعد سنوات من الغياب ليردد إنه جاء ليشارك في جنازة السيد، ويكون السيد في تلك اللحظة في كامل صحته، ويتناول عشاءه، ثم ليموت في اليوم التالي، ويشارك الخادم بالفعل في الجنازة. إيرنديرا التي كانت من شدة ما كانت ترهقها جدتها، ساعات نومها كاملة وهي تعمل، ثم يحترق البيت من شموعها أثناء نومها النشط، وبعد تقدير خسائرها، توظفها الجدة عاهرة متنقلة، لتجميع مبالغ تعوض خسائرها.
لقد كان الخيال هو مفتاح الإدهاش عند ماركيز، وشخصيا لا أنسجم مع أي عمل روائي أو قصصي لا يتبل بالخيال، ودائما ما أقول، إن القراء لا يحتاجون لمن يكتب لهم حياتهم اليومية كما يعيشونها، ولكن تلك الحياة الموازية، التي ربما كانت ستكون حياتهم، وربما هي أحلامهم البعيدة التي لن تتحقق، ماركيز صنع ذلك، وكثيرون غيره من كتاب أمريكا اللاتينية والعالم صنعوا ذلك، فقط تأتي الريادة، الجرأة التي كسرت حاجز الخوف من التحديث، واستخدام الخيال في أقصى طاقته. نعم فقصة مثل قصة الملاك المسكين الذي عثر عليه في حوش أحد البيوت،لا تكتب إلا والخيال في قمة اشتعاله، وقصة مثل: أجمل غريق في العالم، كانت درة لأنها علقت على جيد الكتابة بقلادة من الخيال الخصب.
لقد كان ماركيز معلما كبيرا بلا شك، انتقل بموهبته وحدها، من تشرده الأخاذ في أوروبا خاصة باريس، في فترة من فترات حياته، إلى استقراره الأخاذ، في أي وجدان تهزها الكتابة الجيدة، وأي موهبة أخرى، تود أن تصبح موهبة مؤثرة. ولعله الكاتب الوحيد الذي يجري اسمه على كل لسان حين تذكر الملكة الكتابية المؤثرة، ولذلك لم يكن غريبا، أن يتم اختيار ملحمته: مئة عام من العزلة، من قبل نقاد وقراء، ومتخصصين، الرواية الأكثر تأثيرا في العالم، وهي كذلك لأن لا أحد قرأ مئة عام من العزلة إلا ضحك أو بكى أو استغرب أو اندهش، أو اضطرب. وفي رأيي إن: الحب في زمن الكوليرا، ملحمة أخرى لا تقل تأثيرا عن مئة عام من العزلة، لكن الأخيرة أضاعت شيئا من شهرتها، لأنها أتت أولا، ولأنها كانت حاضرة، كشهادة عظيمة أهلت المعلم ماركيز لجائزة نوبل.
منذ سنوات كتب ماركيز روايته الصغيرة: ذكرى غانياتي الحزينات، متأثرا برواية الياباني ياسوناري كاباواتا: الجميلات النائمات. كما هو معروف، وهذا تأثر لم ينكره ماركيز، حين كتب فكرة يا سوناري قصة قصيرة أولا عن المسافر الذي يراقب نوم امرأة جميلة، تجلس بجانبه في الطائرة، ثم كتبها رواية بعد ذلك. شخصيا أعتقد وربما يخالفني آخرون، إن غانيات ماركيز الحزينات، لم تكن رواية أصلية، ترتدي ثياب خياله البديع، ليست مثل أجمل غريق في العالم، ولا أحداث موت معلن، حين تكون الفكرة ضربة إدهاش موفقة، ارتدت ثوب خيال مطرزا في معمله الشخصي، بل صناعة لنص مهما حاول لن يخرج عن تساؤل الناس، مقارنته بالنص الأصلي البديع الذي كتبه كاباواتا. لقد كتبت في تلك الأيام عن شيخوخة الكتابة، وإن المبدعين أسوة بغيرهم ينبغي أن يتقاعدوا عن الكتابة حين تشح هرمونات الأفكار أو تنعدم. عموما ذلك لم ولن يقلل من حجم كاتب مثل غارسيا، لأن الكاتب الجيد، يحال لتجربته كاملة لا لنص عاق من نصوصه، كتبه تحت ظروف معينة.
المحصلة، إن غابرييل غارسيا ماركيز، سيد الكتابة، أستاذ الحكايات، قد رحل، وخسارة مثل هذه نحسبها من الكوارث.
‘ روائي سوداني

ايوب صابر 04-20-2014 04:10 PM

مائة عام من العزلة
عن goodreads

كل الروايات تحكي حقبًا متفرقة من الزمن ، لكنّ مئة عام من العزلة تحكي الزمن ذاته !
استطاع ماركيز أن يخترع عالمًا ، أن يبني كوكبا جديدا اسمه " ماكوندو " يوزع عليه شخصيات إنسانية متشابهة الأسماء ، تختلف عنا تمامًا ، تشبهنا تماما !
من أين أبدئ ؟ حسنًا دعني أخبرك عن خط الزمن الذي خطه ماركيز ، لقد خلق ذاكرة في الكتاب ينقلها من يد شخصية إلى يد أخرى دون أن يعي القارئ بذلك !
لقد كان خوزيه أركاديو بونديه هو أول من حمل هذه الذاكرة حتى لكأنك تعتقد بأنه بطل هذه الرواية ، ثم انتقلت بخفة إلى يد زوجته أورسولا ، ولربما كانا أطهر من في العائلة وأشدها طيبة وبراءة وإنسانية .
ثم انتقلت الذاكرة - وحينها كانت ذاكرة ممتلئة كقربة مسافر - إلى يد العقيد أورنيول بونديه الابن الأصغر لأورسولا وخوزيه والذي أعتقد بأنه أكثر شخصية حصلت على تركيزي في الكتاب !
وهكذا تنتقل الذاكرة من يد إلى أخرى حتى تصل إلى نهاية الملحمة لتبدئ بالتلاشي تدريجيًا ثم الاختفاء لتردد في نفسك : هل كنت أحلم أم أتخيل فيلمًا لم يصور بعد ؟
والرواية على فوضوية أحداثها وتداخل أسماء أبطالها وغزارة أحداثها إلاّ أنّ حرفًا فيها لم يكن عبثًا ! حتى تلك الحوادث التي قد تبدو لك صدفًا أدبية حشا بها ماركيز الرواية .. أؤكد لك أنها لم تكن كذلك !
والرواية بؤرة إنسانية عميقة ، إذا دخلتها وجدت كل صفات وأفعال الإنسان الجميلة جدا فيها والقبيحة جدا كذلك !
ما الذي لم تحمله هذه الرواية للإنسان ؟
السياسة والاقتصاد والحرب والحب والكراهية والعائلة والموت والأمومة والثقافة والعلوم والحكمة والشجع ... كل شيء كل شيء
إنها رواية تستحق أن تعيشها لا أن تقرأها فحسب :)

أكثر ما أثارني في الرواية كانت قصة موت أمارنتا !
أن يأتي الموت إليك على شكل امرأة عجوز ثم يطلب منك البدء بخياطة كفنك وتطريزه لأنه سيزورك للمرة الأخيرة عندما تنتهي من فعل ذلك
يالها من رمزية عجيبة .. بحق الله !
كذلك تأثرت جدا بقصة العقيد أورليانو وتقلب قلبه الحر والصراع المحتدم الدائم بين ملائكته وشيطانه .
عشت الغربة التي عاشتها روبيكا ، آلامها وشيخوختها وأمراضها القديمة .
أحببتُ الجد الأول لهذه العائلة المجنونة خوزيه أركاديو بونديه ، أحببت موته اللطيف تحت شجرة الكستناء .
كرهت أورليانو الثاني ، أشفقت على خوزيه أركاديو الثاني ، تقززت من أمارنتا أورسولا ، شعرت بالجنة التي أحاطت بروميديوس الجميلة :")
إنه لمن المذهل كيف استطاع ماركيز اختصار مئة عام من العزلة في رواية واحدة ، عندما أفكر بهذا الآن أشعر بعبقريته وقدرته غير المحدودة .

بقي أن أبدي تحفظي الشديد تجاه أخلاقيات الرواية ، فلم أقرأ في حياتي نصًا احتوى هذه الكمية من الدعارة والبؤس والقبح والقذارة .
لكن قيمة الرواية الإنسانية إضافة إلى الأصل الجنوب أمريكي للكاتب - حيث الانحطاط الأخلاقي واقعا معاش - سمحت لي بتجاوز هذا الانحطاط ، ولأول مرة في حياتي أفعل ذلك ، أنا التي أمتلك حساسية أخلاقية شديدة للأعمال الأدبية .
ومع ذلك فقد سرقت نجمة واحدة من نجمات التقييم بسبب هذه الأخلاقيات.

ايوب صابر 04-20-2014 04:19 PM

مائة عام من العزلة

عن goodread
أنا أؤمن في الإنسان و في قدراته العقلية و الإبداعية و أن العبقرية ليس لها سقف أو حدود, و لكن ..

أستطيع أن أعقد لكم الأيمان على أحد شيئين..


إما أن "ماركيز" ليس من البشر, بل هو ممسوس . يتلقى المساعدة _في كتاباته_ من ملك الجان شخصيا,, أو ربما كان يتلقاها من الجدات/الجنيات القديمات اللاوتي شهدن خلق الكون و يحفظن عن ظهر قلب ما سيؤول إليه حال الخليقة منذ أن أخرج الله البشر من ظهور آبائهم و أشهدهم على أنفسهم و أطلقهم في الأرض ليستعيدوا ذاكرة فقدوها.


أو أنه إنسـان مثلنا, يملك ما نملك و لا يزيد عنا يدا أو قدم بل فقط لديه من طول البال ما يسمح له بكتابة رواية عادية متسلسلة الأحداث غير متشابهة الأسماء أو متشابكة المواقف فيما يقرب من 500 صفحة , ثم يعـود و يحضر دفاتراً جديدة و يبدأ في نقل الأحداث _ التي كتبها سلفاً_ بصورة متداخلة حيث أنه على علمٍ بالنهايات و بتوالي الأحداث و ما ستؤول إليه النهايات.


نعم.. لابد أنه فعل ذلك.. فلا يعقل أن إنساناً مثلنا يستطيع أن يكتب بهذه العبقرية رواية متداخلة كل هذا التداخل و تتكون من 500 صفحة و تقع أحداثها في مئة عام و لا يوجد في شجرة العائلة إلا اسمين اثنين , أورليانو و خوسيه أركاديو


أما "صالح علماني" ,, فلابد أنه هو الآخر ممسوس و إلا فكيف تُفسرون قدرته على ترجمة هذا الجنون؟

اللعنــة على العبقرية التي ستسبب لنا _نحن القراء_ فقد العقول

ايوب صابر 04-20-2014 04:27 PM

“ومع ذلك، وقبل أن يصل إلى بيت الشعر الأخير، كان قد أدرك أنه لن يخرج ابداً من هذه الغرفة، لأنه مقدر لمدينة المرايا (أو السراب) أن تذروها الرياح، وتُنفى من ذاكرة البشر، في اللحظة التي ينتهي فيها أوريليانو بوينديا من حل رموز الرقاق، وأن كل ما هو مكتوب فيها لا يمكن أن يتكرر، منذ الأزل إلى الأبد، لأن السلالات المحكومة بمئة عام من العزلة، ليست لها فرصة أخرى على الأرض”
― جابرييل جارسيا ماركيز, One Hundred Years of Solitude
tags: مئة-عام-من-العزلة

ايوب صابر 04-20-2014 04:48 PM

mai ahmd's review Jan 19, 12
5 of 5 stars
bookshelves: روايات
Read in January, 2009
عن goodreads

حين تفكر بقراءة هذه الرواية يجب أن تضع نصب عينيك أنك لا تقرأ عملا اعتياديا يستلزم جهدا مشابها
عليك أن تترك كل حواسك مع الكتاب
المترجم علماني كان متفهما جدا لطبيعة القارىء العربي وربما صعوبة التواصل مع أسماء بهذا الكم وأجيال بهذا العدد فما كان منه إلا أن وضع خارطة للأجيال الستة التي مروا على قرية ماكوندو من أسرة خوسيه أركاديو بوينديا تسهيلا وحتى لا يقع القارىء في لبس الأسماء وهذا يحسب لعلماني كمترجم له باع في الترجمة بلغة سلسة أصبح يتهافت عليها الجميع

الرواية من الروايات العظيمة والتي تقدم دروسا في فن كتابة الرواية السحرية الخالدة أنها لا يمكن أن تكون سوى ملحمة هذه الرواية هي الرواية التي حصل ماركيز بعدها على نوبل وهي الرواية التي ظلت لسنوات عديدة من أكثر الكتب مبيعا في القارة اللاتينية
كتب ماركيز قصة قرية أسرة بوينديا لأجيال عديدة منذ الجهد الذي بذل في بناء قرية ماكوندو
وحتى آخر فرد في سلالتها تلك القرية التي اختير مكانها بعد صعوبات عدة القرية الهادئة التي تنعم بالسلام وحتى توافد الناس عليها وكل مراحل التطور التي مرت بها القرية كانت مرتبطة بألأسرة الآنفة الذكر لم يكن ماركيز مجرد كاتب يعتني بتفاصيل الحدث ولكن في كثير من الأحيان كنتُ أخاله مصور يصور الحالة وويهتم بالكادر ويرتب تكوين الصورة كأجمل ما تكون ثم يطلقها لكي تقع عليها العيون المتشبثة لكل حرف فيها كان من الطريف جدا والمأساوي أيضا ما ذكره ماركيز حول هذه الرواية أنه لم يكن يملك أجر البريد لإرسالها إلى الناشر
يقول: «أرسلتُ مخطوطة «مائة عام من العزلة»، إلى فرانثيسكو بوروا في دار نشر سورامريكا في بوينس آيرس، وعند وزن الطرد طلب موظف البريد أن ندفع 72 بيسوس، ولم نملك غير 53 بيسوس، فقمنا بفصل المخطوط إلى قسمين متساويين، وأرسلنا قسماً منه، وبعد ذلك انتبهنا إلى أننا أرسلنا القسم الثاني من الرواية». وعلق ماركيز: «لحسن الحظ كان فرانثيسكو بوروا متلهفا لمعرفة القسم الأول من الرواية، فأعاد إلينا النقود، كي نرسل له القسم الأول».
تخيلوا لو لم يكن هذا الناشر مطلعا ومتفهما لضيع علينا قراءة هذه الرواية الخارقة!
لا أعرف ماذا أقول هنا الحقيقة ولكن هذه الرواية عالم خيالي لكنه ليس بعيد عن الواقع أنها واقعية جدا بكل شخوصها المجنونة وعثراتهم وتقلباتهم ماركيز يلجأ أحيانا إلى لعبة الخيال لكي يقضي على شخصية انتهى دورها مثل تلك التي طارت بجسدها وروحها إلى السماء أو لعلاج فكرة ما , كوجود الأطباء الغير مرئيين الذين كانت تتراسل معهم أورسولا وفريناندا , كما تذكرت وأنا أقرأ المشهد الأخير وظهور ذنب الخنزير المرتبط بالخطيئة بتلك القصة الكارتونية ماجد لعبة خشبية الذي كان حين يلجأ إلى الكذب يستطيل أنفه
يذكر أن ماركيز من الكتاب الذين تتقاطع فيه روايتهم وهذا شأن الكثير من الكتاب الكبار فهناك باموق وساباتو
وجدت تشابها في أحداث شركة الموز مع أحداث عاصفة الأوراق أول رواية كتبها ماركيز كذلك هناك روايات أخرى للأسف لم أطلع عليها ولكن هناك دائما رابط ما
وصفت إحدى الصديقات هذه الرواية بأنها العالم
وبعد قراءة الرواية قلت أيضا هذه الرواية هي العالم أنها أدق تشبيه ممكن أن يقال عن أحداثها
عالم متشابك متناقض بسيط ومعقد سعادة وألم موت وحياة
قصة المذبحة ومن قبلها حرب التصفية كلها إشارات سياسية واضحة كما كانت تلك الإشارات تومض عندما سأل أوريليانو صديقه عن سبب خوضه للحرب !

غرقت معهم في الطوفان وفي اكتشافات أورسولا وتوقفت عند هذه العبارة حين وجدت ما فقدته فرناندا
اكتشفت أن كل فرد في العائلة يكرر كل يوم دون وعي منه التنقلات نفسها والتصرفات نفسها
بل ويكررون تقريبا الكلمات نفسها في الموعد نفسه وعندما يخرجون عن هذا الروتين الدقيق فقط
يتعرضون للمجازفة بفقدان شيء ما !
وهذا حقيقي جدا
إننا نكرر ما نفعله كل يوم وعندما نخرج من روتيننا المعتاد نضيع !
أما عن تشبيهات ماركيز فالحقيقة أنه لم تمر علي تشبيهات بهذاالجمال والدقة وحسن التعبير ورقة الإحساس
حين يقول كان نحيلا وقورا حزينا كمسلم في أوربا
أو كان يمضي مع التيار بلا حب أو طموح كنجم تائه في مجموعة أورسولا الشمسية
هل قرأتم تشبيهات بهذا العمق !
وما يثير ضحكي جدا هو مجموعة الأطباء الغير المرئيين
لقد أبحر ماركيز في خيالاته السحرية في هذه الرواية إلى كل الإتجاهات تركني ألاحق خيالاته
ياه كم سأفتقد أجواء هذه الرواية سأفتقد جرعات الجنون المركزة داء الأرق الطوفان شجرة الكستناء الأطباء الغير المرئيين السمكات الذهبية حفلات العربدة والولائم الصاخبة حتى النمل والعث
لم أتمنى أن تنتهي تلك الأسرة ولا تلك النهاية ودار في رأسي كل خيالات ماركيز في القرية
وكل أرويليانو
وكل خوسي أركاديو
لقد رحلوا جميعا
ويجب أن أعود إلى الواقع أخيرا !

ايوب صابر 04-21-2014 02:58 PM

ماركيز… ذلك المحظوظ الحاسد
صبحي حديدي
APRIL 20, 2014

رحيل غابرييل غارثيا ماركيز (1927ـ2014) يعيدني، شخصياً، إلى ملفّين اثنين يخصّان أدبه الرفيع؛ يأخذ أولهما منحىً تقنياً صرفاً، يخصّ الترجمة إلى اللغات الأخرى؛ ويقترن الثاني بصفة الحسد التي ـ على نقيض ما يظنّ الكثيرون، غالباً ـ تتحكم بسلوك كبار المبدعين على مرّ العصور، وتلعب دوراً بنّاءً في تحفيز الفنون، وترقية حسّ التنافس والتجاوز والتفوّق. صحيح أنّ الروائي الكولومبي الكبير كان القاسم المشترك بين الملفّين، كلّ منهما بمقدار متفاوت، إلا أنّ الفوارق بين المنحى الأوّل والصفة الثانية كانت أقرب إلى صناعة التكامل الجدلي، بدل التناقض التناحري.
ففي مثال أوّل على الملفّ التقني، صدرت كما هو معروف ثلاث ترجمات، إلى العربية، لمذكّرات ماركيز: الأولى بعنوان ‘عشتُ لأروي’ من صالح علماني، والثانية ‘نعيشها لنرويها’ من رفعت عطفة، والثالثة ‘أن تعيش لتحكي’ من طلعت شاهين. وقد يهتف المرء، محقاً بالطبع: كم هو محظوظ هذا الـ’ماركيز′! روايته ‘مائة عام من العزلة’ قُيّض لها اثنان من خيرة آل الجندي معرفةً بالأدب والفصحى (سامي، وإنعام)؛ وذلك رغم أنّ المترجمَين نقلا عن الفرنسية، وليس عن الأصل الإسباني. وإذا كانت متابعتي سليمة، فإنّ سليمان العطار أنجز ترجمة ثانية للرواية ذاتها، صدرت في الكويت؛ وثالثة في لبنان، على يد محمود مسعود؛ ورابعة في لبنان أيضاً، من محمد الحاج خليل…
غير أنّ حظّ ماركيز في العربية لا يُقارن البتة بحظّه في لغة أخرى، جبّارة وكونية وكوزموبوليتية، هي اللغة الإنكليزية؛ إنْ لم يكنْ بسبب الذيوع الرهيب للشهرة الشخصية، فعلى الأقلّ لأنّ الترجمة الإنكليزية للرواية ذاتها هي التي جلبت له جائزة نوبل للآداب سنة 1982، كما قيل. وحين صدرت الرواية بالإسبانية للمرّة الأولى سنة 1967، تلقى ماركيز النصيحة الثمينة التالية من صديقه الروائي الأرجنتيني الكبير خوليو كورتازار: إعملْ على أن يترجمها غريغوري راباسّا، ولا تدعْ أحداً سواه يقترب منها، واصبرْ عليه حتي يقتنع بها، وانتظره حتى يشاء الله! ذلك لأنّ كورتازار كان يعرف ما يقول، حقّ المعرفة: لقد ترجم له راباسّا أصعب أعماله: روايته Rayuela، ‘لعبة الحَجْلة’ حسب قاموس منير البعلبكي، أو ‘الخَطّة’ كما نقول في بلاد الشام؛ العمل الوحيد (في ما أعلم) الذي يمنحك رسمياً قراءتين مختلفتين: الأولى ‘تقليدية’، تبدأ من الفصل الأول وتنتهي في ختام الفصل 56، حيث يعلمك كورتازار أنك تستطيع التوقف عن القراءة بضمير غير قلق أبداً، إذْ أنّ الفصول الـ 99 الباقية يمكن الاستغناء عنها؛ والقراءة الثانية ‘تركيبية’، يقترح الروائي ترتيب فصولها هكذا: 73 ـ 1 ـ 2 ـ 116 ـ 3 ـ 84 ـ 4 ـ 71 الخ…
وفي المثال على الملفّ الثاني، ثمة اعتراف ماركيز العلني أنه كتب ‘ذكريات عاهراتي الكئيبات’، 2004، بدافع الحسد الشديد من رواية ‘منزل الجميلات النائمات’، للروائي الياباني الكبير ياسوناري كاواباتا (1899ـ1972)، الحائز على نوبل الآداب لعام 1968. كما أقرّ ماركيز بأنّ روايته كانت تسعى إلى تحقيق حلم قديم هو مجاراة تلك الرواية اليابانية، بدليل أنه عاد إلى ذاك الحلم بعد توقف عن الكتابة الروائية دام قرابة عقد كامل، تفرّغ فيه لإنجاز سيرته الذاتية المعروفة. ولهذا، ليس ثمة ما يمنع من وضع ماركيز وجهاً لوجه أمام كاواباتا، في ساحة مقارنة أقرب إلى المفاضلة، وأشبه بغربلة فنّ لصالح فنّ آخر، أو ربما تصفية عبقرية إزاء أخرى كما يحدث في نهائيات الرياضات الكبرى. أميل شخصياً، وإذا جاز اللجوء إلى لعبة كهذه، إلى ترجيح كفّة الروائي الياباني في موضوعة أولى حاسمة وكونية، هي الشيخوخة وإغواء العذرية؛ وترجيح كفّة الروائي الكولومبي في موضوعة، ليست أقلّ حسماً وكونية، هي الاستبداد الواقعيّ ـ السحري.
كان كاواباتا ثالث ثلاثة عمالقة تربعوا على سدّة الرواية اليابانية في النصف الأوّل من القرن العشرين (إلى جانب جونيشيرو تانيزاكي وسوسيكي ناتسومي)؛ ولكنه كان الوحيد الذي طوّع التقاليد الأدبية اليابانية لكي تتصالح مع معطيات انقلاب البطل الملحمي إلى ‘شخصية’، وما يعنيه ذلك من مواجهات مع مقولة ‘النفس′، وما يستدعيه من رموز وموضوعات وطرائق سرد. وأمّا ماركيز، بوصفه أحد كبار آباء الواقعية السحرية، فإنّ نجاحاته الباهرة في دمج الواقع بالفانتازيا لم تكن تستهدف، عن سابق قصد أوّل، تحدّي قيود النوع وكسر أعراف الواقعية كما استخدمها الخطاب الغربي في سرد تاريخ الإمبراطورية؛ بل كانت، جوهرياً وبادىء ذي بدء، تردّ إلى المركز الإمبريالي ذلك ‘البريد الحداثي’ القائم على سرديات محلية واقعية تماماً، ممهورة مع ذلك بعجائب قرية ماكوندو، وببطاركة في خريف عمر غرائبي، وجنرالات ليس لديهم من يكاتبهم…
ويبقى أنّ قراءة ماركيز بترجمة راباسا لا تعادل قراءته في أية ترجمة إنكليزية أخرى، ولا مبالغة في إنّ الروائي الكبير يدين لمترجمه الكبير بقدر من الفضل يوازي الكثير من فضائل الأعمال ذاتها. كذلك يبقى أنّ حال الحسد التي سكنت المعلّم الكولومبي تجاه المعلّم الأسبق، الياباني؛ أسفرت عن رياضة اغتناء فريدة، ظلّ الرابح الأكبر فيها هو ذلك القارىء العريض، المتباعد/المتقارب، والمنفرد/الكوني.

ايوب صابر 04-21-2014 11:31 PM

غابرييل غارثيا ماركيز : تنظيم النبوءات وتوارد الخواطر
مصطفى الحمداوي
april 20, 2014

يبدأ غابرييل غارثيا ماركيز، في مقال بعنوان ‘التخاطر اللاسلكي’ في كتابه ‘كيف تُكتب الرواية ومقالات أخرى’ يبدأ المقال على النحو التالي: ‘في ليلة مضت، روى لي أخصائي أعصاب فرنسي، وباحث مثابر، انه اكتشف وظيفة من وظائف الدماغ البشري يبدو أنها ذات أهمية بالغة.
وكان يواجه مشكلة واحدة فقط: لم يستطع أن يحدد فائدتها. سألته بأمل يقيني، إذا كان هناك احتمال ما بأن تكون تلك الوظيفة هي من تنظيم النبوءات، والأحلام الإستشرافية وتوارد الخواطر. فكان رده الوحيد أن نظر إلي نظرة مشفقة.’ ويورد ماركيز الجملة الأخيرة من الفقرة التي أحس بها من خلال لغة الإيحاء التي استعملها الأخصائي الفرنسي في الأعصاب، إذ يعبر عن ذلك بخيبة أمل كبيرة بأن الأخصائي الفرنسي اكتفى فقط بأن نظر إليه نظرة مشفقة. وكأن ماركيز بتركيزه على الجملة الأخيرة من الفقرة يود أن يقول لنا بأن الأخصائي الفرنسي سخر من كون فكرة احتمال أن تكون هذه الوظيفة هي من تنظيم النبوءات والأحلام الإستشرافية وتوارد الخواطر، وهي فكرة ساذجة لم تكن تستوجب حتى ردا كلاميا نافيا كما هو مُتوقع.
لم يخبر ماركيز القارئ، في مقاله ‘التخاطر اللاسلكي’، حول هوية هذا الفرنسي الأخصائي في الأعصاب والباحث المثابر، ولم يذكر اسمه على الأقل ليكون لهذه القصة مصداقية لمن يحبون مصداقية القصص الواقعية، وان كنا، وككل الذين يتابعون أدب ماركيز المخلصين، لا تهمنا مثل هذه التفاصيل الصغيرة بقدر أهمية ما يرويه غارثيا من أحداث بارعة. وطبعا ليست هذه هي المرة الأولى أو الأخيرة التي يكتب فيها غابرييل غارثيا ماركيز حول حوادث يزعم بأن أبطالها هم أصدقاء له، أو من معارفه، ولا يذكر اسم هؤلاء الأشخاص. وكما لاحظنا أعلاه، فقد أنهى ماركيز الفقرة بجملة لها دلالة عميقة، بل وستفتح له الأفق واسعا ليواصل الحكي على نفس النسق، وفي نفس الإطار الذي يدخل ضمن تنظيم النبوءات والأحلام الإستشرافية وتوارد الخواطر. بحيث يستحضر مرة أخرى حادثة مماثلة تقريبا، وتتشابه إلى حد بعيد مع قصته التي أوردها حول الأخصائي الفرنسي، وطبعا لأن الأمر يتعلق هنا دائما بالموضوع الذي يبدو أنه استأثر باهتمام ماركيز الشديد، أي الموضوع الذي أسماه في مقاله ‘التخاطر اللاسلكي’. يواصل ماركيز الحديث، وهذه المرة تذكره قصة اكتشاف الأخصائي الفرنسي في الأعصاب لوظيفة من وظائف الدماغ البشري التي يبدو أنها ذات أهمية بالغة، بصديق عزيز، وبحادثة قديمة تعود إلى ما قبل ثمانية عشر عاما من كتابة ماركيز لذلك المقال ‘التخاطر اللاسلكي’. وهذا الصديق العزيز هو باحث في الدماغ البشري في جامعة ميكسيكو كما نعلم من خلال ما يخبرنا به غابرييل غارثيا ماركيز، ولكن ماركيز مرة أخرى لا يذكر لنا اسم هذا الباحث. ويقول لنا في نفس المقال وحول نفس الشخص، ودائما الأمر يتعلق بالتخاطر اللاسلكي:
‘كنت أمازحه، بمداعبات تخاطرية، فيفندها على أنها محض مصادفات، رغم أن بعضها كان يبدو شديد الوضوح. ‘ففي إحدى الليالي اتصلت به هاتفيا كي يأتي لتناول الطعام في بيتنا. وبعد المكالمة فقط انتبهت إلى أنه لا يوجد في المطبخ ما يكفي من الأشياء. فعاودت الاتصال به لأطلب منه أن يحضر لي معه زجاجة نبيذ من ماركة لم تكن من الأنواع المتداولة، وقطعة سجق. وصاحت ميرثيدث ـ زوجة ماركيز ـ من المطبخ طالبة أن أقول له أن يحضر كذلك صابونا لجلي الأطباق. لكنه كان قد خرج من بيته. وفي اللحظة التي أعدت فيها وضع سماعة الهاتف، راودني إحساس صاف بأن صديقي، وبأعجوبة يصعب تفسيرها، قد تلقى الرسالة. فكتبت ذلك على ورقة كي لا يشك في روايتي. ولمجرد اللمسة الشاعرية فقط، أضفت انه سيحمل وردة أيضا. بعد ذلك بقليل وصل وزوجته، ومعهما الأشياء التي طلبناها، بما في ذلك صابون من النوع ذاته الذي نستخدمه في بيتنا. قالا لنا وكأنهما يعتذران: (شاءت المصادفة أن يكون السوبر ماركت مفتوحا، فرأينا أن نحضر لكم هذه الأشياء)، لم يكن ينقص سوى الوردة. وفي ذلك اليوم بدأنا، صديقي وأنا، حوارا مختلفا لم ينته حتى الآن’.
دعونا نكون أوفياء للحقائق، على الأقل لوقت قصير جدا لنتأمل كلام غابرييل غارثيا ماركيز، والتخاطر العجيب الذي حصل بينه وصديقه العزيز، ووصول الرسالة التي كان يود ماركيز إيصالها إلى دماغ صاحبه لاسلكيا، الرسالة التي وصلت فعلا وبإحساس صاف كان قد راود ماركيز في لحظة تجل غامضة، وبأعجوبة يصعب تصديقها كما يقول. بل أكثر من ذلك فان ماركيز، ولكي لا يدع مجالا لشك صديقه، فقد كتب على ورقة كل تلك الأغراض التي كان يريد أن يوصي بها صديقه. طبعا حصل ما توقعه ماركيز ـ كما يخبرنا ـ ، وجاء صديقه رفقة زوجته وهما محملان بكل تلك الأشياء، بما في ذلك الصابون الخاص الذي يُستخدم في بيت ماركيز، وكذلك زجاجة نبيذ من ماركة لم تكن من الأنواع المتداولة، وقطعة السجق. ولم يكن ينقص سوى تلك الوردة، الوردة التي قال عنها ماركيز بإشارة فيها الكثير من الإيحاء، بأنه دونها على الورق فقط من أجل السبب التالي ‘ولمجرد اللمسة الشاعرية فقط، أضفت انه سيحمل معه وردة أيضا’. انه توارد خواطر مدهش حسبما يبدو، بل وحتى الوردة التي أضافها ماركيز لم تكن إلا لمجرد اللمسة الشاعرية فقط، ولم تكن ضمن التوارد عبر الخواطر الذي تولد في ذهن ماركيز، وبأعجوبة يستحيل تصديقها، كما يصف. وبالتالي فالوردة مبعدة من الحادثة، لأنها كتبت على الورقة لأجل إضفاء لمسة شاعرية لا أكثر، وبمعنى آخر فقد تحقق التوارد في الخواطر بين ماركيز وصديقه على نحو كامل. وهنا علينا أن نقرأ هذه الحادثة بين ماركيز وصديقه على وجهين: أولا ماركيز سيكون ولا شك قد لاحظ في حياته اليومية، وما مر به وفي محيطه من أحداث، كغيره من الناس، أن هذا النوع من المصادفات، الغريبة جدا، يقع فعلا، ولو نادرا، وأنه غالبا يحدث على نحو يبعث على العجب. وثانيا، وهذا هو الأهم، فان ماركيز ككاتب كبير لديه قدرة باهرة على التقاط الجزئيات الحاسمة التي تضفي على الكتابة لذة ونكهة خاصة لا يقدر على صناعتها إلا روائي بحجم غابرييل غارثيا ماركيز، لم يكن ليهمل هذه الخاصية الفريدة في إبداعه، وسيلاحظ القارئ ولا شك الزخم الكبير الذي تزخر به كتابات ماركيز حول التنبؤات وقارئات الطالع وعلم التكهن. وهو هنا إذ يتحدث عن هذا التوارد العجيب في الخواطر الذي يقنعنا أنه يؤمن به، فإنما يفعل ذلك لكي يكتب مادة فريدة ومثيرة لاهتمام القراء. وهو في النهاية ينجح كما العادة لأنه يمتلك أدوات سرد مثيرة للإعجاب تجعل القارئ يتجاوز سؤال هل هذه الخوارق المتمثلة في التخاطر اللاسلكي يمكن أن تحدث. ورغم أن ماركيز يعطينا الانطباع بأنه يؤمن بهذه الحالات العجيبة، غير أن ذلك لا يحدث، في تقديرنا، إلا على المستوى الأدبي، ولأنه من جهة أخرى يجد فيه مادة ثرية ومدهشة للكتابة ليس إلا.
بل أكثر من ذلك يأتي بقصص أكثر غرابة، فيها الكثير من الإبداع وتفجير القدرة الاستيعابية للخيال الخصب على نحو عجيب. ويضيف في نفس المقال، ويروي بأنه ‘يعرف توأمين متشابهين تماما أحسا بألم في الضرس ذاته وفي الوقت ذاته وهما في مدينتين متباعدتين، وحين يكونان معا يراودهما إحساس بأن أفكار أحدهما تتداخل بأفكار الآخر’.
هل حقا إلى هذا الحد يمكن أن تحدث مثل هذه الظواهر؟ الجواب طبعا لدى ماركيز، فهو لم يعلق على هذا الأمر، فقط أشار، للتأكيد، بأنه يعرف التوأمين اللذين يتشابهان تماما. وهذه الإشارة ليست صدفة، بل وضعها ليجعل القارئ يشعر بأن ما يقرأه حقيقة وليس مجرد خيال، وماركيز يعرف بأن الكثير من القراء تستهويهم رواية الأحداث الواقعية، وأحداث العجائب والغرائب. ولهذا نجده يعزف عزفا بديعا على هذا الوتر. وإذا تأملنا قليلا أدب ماركيز، سنجد أن منبع الواقعية السحرية ينبثق من هذا المبدأ..ربما..مع أننا لسنا الآن بصدد الحديث عن ذلك.
ويواصل غابرييل غارثيا ماركيز ببراعة حكيه الأنيق رواية قصة غريبة إلى أقصى حدود الغرابة، فقد زعم أنه ‘تعرف في إحدى بقاع ساحل الكارايبي على مداو يفاخر بأنه قادر على معالجة بهيمة عن بعد إذا ما بينوا له أوصافها ومكان وجودها بدقة. وقد تأكدت بعيني هاتين، يقول: ‘رأيت بقرة متعفنة، والديدان تتساقط منها حية من قروحها، فيما المداوي يتلو دعاء سريا على بعد فراسخ منها’. مع ذلك لم يخبرنا ماركيز في المقال، ورغم معاينته، كما يزعم، للبقرة المتعفنة ما إذا كان ذلك المداوي قد أفلح في شفائها. ولكنه يتحدث بعد ذلك بطريقة تعطي الانطباع بأن الرجل يتحدث بصدق، إذ يقول: ‘لكنني لا أذكر رغم ذلك سوى تجربة واحدة حُملت فيها هذه القدرات على محمل الجد في التاريخ المعاصر، وقد قامت بتلك التجربة قوات الولايات المتحدة البحرية التي لم تكن لديها وسائط للاتصال مع الغواصات الذرية المبحرة تحت طبقة الجليد القطبية، فقررت محاولة الاتصال عن طريق التخاطر. حاول شخصان، أحدهما في واشنطن والآخر في الغواصة، التوصل إلى انسجام بينهما وإقامة نظام لتبادل الرسائل الذهنية. وكانت التجربة فاشلة بالطبع، لأن التخاطر أمر عفوي لا يمكن ضبطه، ولا يقبل أي نوع من المنهجية. وتلك هي وسيلته الدفاعية. فكل ما هو تكهن، ابتداء من النبوءات الصباحية وحتى’دهور’ نوستراداموس، يأتي مشفرا منذ إدراكه، ولا سبيل إلى فهمه إلا حين يكتمل. ولو لم يكن كذلك لهزم نفسه بنفسه مقدما’.
في هذه الفقرة التي يحدثنا فيها ماركيز عن التجربة التي قامت بها قوات الولايات المتحدة البحرية الأمريكية، ثم تفسيره لسبب فشلها، نكتشف أن غابرييل غارثيا ماركيز يحاول أن يقنعنا مرة أخرى بأنه يؤمن بهذا النوع من التخاطر إذا توفرت له بعض الشروط. بل يمكنني الذهاب بعيدا لأقول بأن ماركيز يجد نفسه على يقين بأن العلم مستقبلا سيصل إلى هذا الإنجاز، وبالتالي فهو في كتابته هنا يبشر بذلك العصر، ولا يستبعد أن يحدث ذلك على المدى المتوسط..ربما.
وينهي غابرييل غارثيا حديثه الممتع حول التخاطر اللاسلكي، كما يروق له أن يسميه، ويعود إلى جدته، والى قرية اراكاتاكا، والى عوالم غريبة وليست بعيدة جدا عن النمط الذي غلب على جل كتاباته الروائية. بل الأكثر من ذلك أن هذا الكلام يذكرنا تحديدا برواية ‘مئة عام من العزلة’، بحيث ترد هذه الخواطر عن جدته كشكل من السرد الروائي الكثيف في الأحداث والعوالم الغرائبية التي يضعها ماركيز أمام القارئ، لتعلن عن بروز النكهة المميزة لرواية ‘مئة عام من العزلة’. تلك الرواية الفاتنة، التي كلما قرأناها، لا ننتهي من أجوائها وعيش طقوسها في المُتخيل إلا لكي تراودنا الرغبة للعودة من جديد لقراءتها. يقول ماركيز:
‘إنني أتكلم في الأمر بكل خصوصية لأن جدتي لأمي كانت العلامة الأكثر جلاء على الإطلاق بين جميع من عرفتهم في علم التكهن. كانت كاثوليكية من الجيل الذي مضى، لكنها كانت أستاذة في تكهناتها. إنني أذكرها وهي في مطبخ بيتنا الكبير في اراكاتاكا، تترصد العلامات السرية في أرغفة الخبز الشذية التي تخرجها من الفرن.
في أحد الأيام رأت الرقم ( 09 ) مكتوبا في بقايا الدقيق، فقلبت السماء والأرض إلى أن وجدت بطاقة يانصيب تحمل هذا الرقم. خسرت. إلا أنها ربحت في الأسبوع التالي غلاية قهوة تعمل بالضغط، ببطاقة كان جدي قد اشتراها في الأسبوع السابق ونسيها في جيب سترته، وكان رقمها هو ( 09 ) كان لجدي سبعة عشر ابنا ممن كانوا يطلقون عليهم في ذلك الحين تسمية ـ الأبناء الطبيعيين ـ وكأن أبناء الزواج النظامي هم أبناء اصطناعيون، وكانت جدتي تعتبرهم أولادها. كانوا متفرقين على طول المنطقة الساحلية، لكنها كانت تتحدث عنهم جميعا في ساعة تناول الفطور، وتشير إلى صحة كل واحد منهم والى وضع تجارته وأعماله وكأن لديها اتصالات مباشرة وسريعة معهم. كان ذلك الزمن الرهيب هو زمن البرقيات التي تصل في وقت لا تخطر فيه على بال أحد وتدخل البيت مثل ريح رعب، تنتقل من يد إلى يد دون أن يجرؤ أحد على فتحها، حتى ترد إلى ذهن أحدهم الفكرة الملهمة بجعل طفل صغير يفتحها، وكأن للبراءة القدرة على تغيير لعنة الأخبار المشؤومة.
لقد حدث ذلك في بيتنا ذات يوم، وقرر البالغون المبهورون أن يتركوا البرقية مثل جمرة متقدة، دون فتحها، إلى أن يعود جدي. أما جدتي فلم تتأثر، وقالت: إنها من برودينثيا اغواران تخبرنا فيها بقدومها. لقد حلمت الليلة أنها آتية في الطريق إلينا.
عندما رجع جدي إلى البيت لم يكن بحاجة حتى لفتح البرقية، فقد جاءت معه برودينثيا اغواران التي وجدها مصادفة في محطة القطار، وكانت مقتنعة تماما من أن جدي قد ذهب إلى المحطة استجابة لسحر برقيتها الأكيد’.
هكذا يروي ماركيز حوادث حول جدته، ويوحي بثقة أنها حصلت في الواقع بالفعل، ونحن لا نملك أن نقيم مصداقية هذا الكلام، لأنه في البداية وفي النهاية، كلام يدخل في إطار الأدب. وهل ينبغي، أن نتساءل حتى، ما إذا كانت القصة واقعية أم هي مجرد نتاج خيال مبدع الهدف الأساسي الذي يحرك فيه هوس الحكي هو الإمتاع أولا وأخيرا. ونحن نستمتع بمثل هكذا نص مدهش، لا يعنينا من حقيقته إلا السرد الأنيق، والحدث الاستثنائي الذي نجده بين أيدينا، ونقرأه بشغف كبير. هذه هي قوة ماركيز والاستثناء الكبير الذي يتميز به. انه يمارس الأدب تماما كما يمارس الحياة، بكل تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة.
في النهاية، نهاية مقال ‘التخاطر اللاسلكي’ من كتابه ‘كيف تكتب الرواية ومقالات أخرى’ يجرنا غابرييل غارثيا ماركيز نحو نفس الطقوس الغرائبية التي تنتمي لعوالم روايته الساحرة ‘مئة عام من العزلة’، ويروي بنفس النسق الذي يروي به رواية ‘مئة عام من العزلة’ ويتحرك في نفس العوالم العجيبة لنفس الرواية العبقة بنفس مدرسة الواقعية السحرية، هذه المدرسة التي طورها غابرييل غارثيا ماركيز ليتجاوز في كتاباته ونتاجاته فيها، ما أنتجه رواد هذه المدرسة. ولذلك نرى ماركيز في غير ما مرة يصر على تسمية هذه المدرسة بمدرسة الواقعية المأساوية، وهو إذ يسحب هذا المصطلح الجديد على نمط كتابته، فإنما لينسب هذا التطور الكبير، أو التحول الذي أحدثه في هذا النوع من الكتابة إلى نفسه، كما نحسب. وليقول ضمنيا، ربما: لقد تجاوزت مدرسة الواقعية السحرية، وان ما أكتبه ليس سوى نمط جديد من الكتابة ينزع إلى مدرسة جديدة، مدرسة الواقعية المأساوية.
وهكذا، وبنفس إيقاع وطقوس ‘مئة عام من العزلة’ يختم غابرييل غارثيا مقاله ‘التخاطر اللاسلكي’ بفقرة جد مثيرة في عمقها وواقعيتها السحرية، أو..واقعيتها المأساوية كما يفضل ماركيز:
‘ماتت الجدة عن نحو مئة سنة.. أصيبت بالعمى وصارت تهذي في أيامها الأخيرة حتى أصبح من المستحيل متابعة خيط عقلها. وكانت ترفض خلع ملابسها لتنام ما دام المذياع مفتوحا، رغم أننا كنا نوضح لها كل ليلة أن المذيع غير موجود في الغرفة. كانت تظن أننا نخدعها، لأنها لم تستطع أن تصدق أبدا أنه يمكن لآلة شيطانية أن تسمعنا صوت أحد يتكلم من مدينة أخرى نائية’.
أعتقد أن ماركيز، في هذه الفقرة الأخيرة، استطاع ببراعة أن يربط بين التخاطر اللاسلكي كحالة مرتبطة بالعقل، وبوظيفة غير مكتشفة بعدُ في الدماغ، وبين المذياع كحالة وآلة ‘شيطانية بحسب اعتقاد جدته’ آلة لاسلكية لتوصيل الصوت والخبر. وبين هذا وذاك، يكون ماركيز غير بعيد أيضا لا عن هذا ولا عن ذاك. هكذا عودنا ماركيز في كتاباته، فهو على كل حال يعتبر بأن حرفته هي (ساحر)، كما كتب في كتابه ‘مصائب مؤلف كِتاب’، بحيث يعدد في ذلك الكتاب البلايا التي يتكبدها الكاتب، وكيف أن الكتابة في آخر الأمر بالنسبة للكاتب هي قدر، تماما كما يمكن أن يولد أي شخص وهو أسود البشرة..وسيظل الكاتب الجيد يكتب باستمرار، حتى إذا كان حذاؤه بحاجة إلى إصلاح، وحتى إذا كانت كتبه لا تلقى رواجا’. هكذا يرى غابرييل غارثيا ماركيز الاخلاص الحقيقي للكاتب لصنعته.

ايوب صابر 04-22-2014 12:42 PM

صيّاد السحر والحكايات
الياس خوري
april 21, 2014

في ‘قصة موت معلن’، روى غابرييل غارثيا ماركيز حكاية موت سانتياغو نصار مذبوحا بالسكاكين. كل القرية، ما عدا الضحية، كانت تعلم أن المهاجر السوري-اللبناني سوف يموت. وعندما سقط سانتياغو أو يعقوب، أحسسنا، نحن القراء الذين أشركنا المؤلف في سره المعلن، بالمفاجأة. فالموت، حتى حين يكون معلنا هو المفاجأة الأخيرة التي تصفعنا ببرودتها وحقيقتها.
لم يكن ماركيز بطلاً كي يموت مذبوحا لأنه فض بكارة فتاة، كما مات المهاجر المشرقي الجميل، لكنه كان راوي الحكاية. وكي تروي يجب أن تعيش، أي أن لا تكون بطلا، بل ظلا للبطل أو رفيقا له، أو شاهدا على الحكاية.
لكن موت ماركيز المعلن منذ إصابته بالسرطان عام 1999، جاء مفاجئا كما يجيء الموت. حتى الرواة الذين اختبأوا خلف أبطالهم وحكاياتهم، يتحولون الى أبطال ولو مرة واحدة، حين تعلن بطولتهم موتهم.
منذ أن صدرت ترجمة ‘مئة عام من العزلة’، الى لغة الضاد، صار ماركيز كاتبا عربيا، من دون أن يدري. دخل سحر عوالمه في وجودنا وكأنه آتٍ من مكان عميق في وعينا وذاكرتنا.
ما أطلق عليه النقاد اسم الواقعية السحرية، لا يشبه سوى العجيب والغريب في التراث الأدبي العربي، الذي صنعته شهرزاد في كتاب ‘ألف ليلة وليلة’. واقع مسحور وسحر واقعي، السحر ليس خيالا لأنه ابن الحقيقة، والحقيقة ليست حقيقية لأنها ابنة الخيال. هذا المزج بين الواقعية والسحر، أوصل الرواية التي بدأت رحلتها السحرية مع كافكا وفوكنر الى إحدى قممها، عبر تحويله الحياة اليومية الى مرادف للحلم.
إحساسنا بأن هذا الأدب يأتي من مكان عميق في وجودنا سبق لبورخيس أن رسم ملامحه حين اخترع ليلة لا وجود لها في كتاب الليالي، ثم تشكل مع الأبطال السوريين في الرواية الأمريكية اللاتينية ليصل الى ذروته مع سانتياغو نصار، الذي دخل في ‘مجمع أسرارنا’، وصار بطلي الشخصي مع أقربائه اللبنانيين الذين شهدوا مذابح 1860 وكانوا ضحاياها.
هذا الأفق العربي- الأمريكي الجنوبي لم يجد حتى الآن من يدرسه. وانا هنا أستخدم صيغة الهوية بشكل رمزي، لأن ‘ألف ليلة وليلة’ ليست عربية الا لأنها تدور في أفق لغوي عربي وفي مناخات دمشق والقاهرة وبغداد، لكنها كانت تلخيصا للآداب الشرقية كلها. كما ان أدب أمريكا الجنوبية الذي ولد من رحم الحكاية الشهرزادية، ليس محليا إلا لأنه يدور في أفق لغوي واجتماعي محدد، لكنه يمتد ليلخص أدب القرن العشرين بعناصره الأساسية.
سر ماركيز أنه تعلم أن يكون راويا وشاهدا، لكنه لم يجلس في المقاعد الخلفية كي يحتمي من عصف الزمن. عاش في قلب العاصفة، وكان مناضلا يساريا حتى النهاية. كان تشيليا في مواجهته للإنقلاب العسكري الفاشي، وكوبيا في دعمه لحلم الثورة، وفلسطينيا في دفاعه عن الحق والحقيقة. من الصحافة الى الأدب، صنع هذا الكاتب أسطورة أدبية تشبه أساطير رواياته، تعلم فن الحب بالحب، وواجه ‘خريف البطريرك’ بالسخرية، وذهب الى متاهات الجنرال، وروى من دون توقف. كأنه كان يصطاد الكلمات ويعيد تأليفها من جديد، فاتحا للخيال أفقا جديدا، مكتشفا أن الحياة حلم من الرغبات والإحتمالات، وأن السحر بعد طرده من كل الأمكنة، عاد الى الكلمات التي كانت مهده وستبقى بيته الى الأبد.
اصطاد ماركيز الحكايات من ذاكرته ومن الواقع، او هذا ما أوحته لنا مذكراته التي أعطاها عنوان ‘عشت لأروي’، هكذا بعث في مذكراته كل شياطينه التي أوحت له، كي يبرهن انه لم يخترع شيئا، وان المؤلف لا يؤلف بل يصطاد القصص ويعيد صوغها.
لكنني أحسست وأنا اقرأ المذكرات أنني أمام عمل تخييلي بامتياز. لم أصدق المذكرات، لأنني شعرت أن حرفة الأدب وشياطين الخيال تداخلت فيها مع الوقائع، بحيث شعرت أنني أمام نسخة روائية جديدة لأعمال روائية سابقة، وأن ما حاول الكاتب أن يعطيه صفة المذكرات، لم يكن إلا مزجا للذاكرة بالخيال.
لنفترض أن شهرزاد كانت شخصية حقيقية، (بالمناسبة فإن الكتّاب الذين تعيش أعمالهم طويلا، يتحولون هم أيضا الى شخصيات من صنع الخيال من أمرئ القيس الى هوميروس وصولا الى شكسبير…) ولنفترض أنها ستكتب الآن ذكرياتها، فكيف ستتعامل مع السندبادين، هل بوصفهما خيالا تمرد على الحقيقة، أم حقيقة تستطيع أن تضبط الخيال؟ وكيف ستروي حكايتها مع الملك المجنون، هل بصفتها حيلة أدبية أم بصفتها حيلة حياتية؟ لا شيء يستطيع أن يكون أكثر حقيقية من خيال أدبي يلعب مع الحياة لعبة الموت، هذه هي لعبة الأدب الكبرى، بدل أن نترك للموت أن يصنع نصنا عن معنى الحياة، تقوم الحياة بكتابة نصها عن معنى الموت.
إنها لعبة معقدة بدأها أجدادنا العرب بالوقوف على الأطلال، كي تصير الكلمات وشما على جسد الرحيل، وصارت حقلا أدبيا عبر قدرتها على تحويل الموت الى أحد اشكال الحياة، ليس عبر الإنتصار عليه، بل عبر تحويله الى أحد احتمالات الواقع السحرية.
قال شقيق ماركيز إن الرجل بدأ يفقد ذاكرته منذ سنوات قليلة، وأثار هذا التصريح الكثير من الأسى والغضب، لكن ما فاتنا اكتشافه هو أن ذاكرة الموت أخذت الكاتب من مكسيكو الى ماكوندو، بلدة خياله الروائي في ‘مئة عام من العزلة’. ربما فقد ذاكرة المدينة التي أقام ومات فيها، لكنه لم يعد يحتاج الى هذه الذاكرة منذ أن قرر أن يعيش في ماكوندو، ويبدأ رحلته من جديد، متلاشيا في الكلمات، متخليا عن دوره كراو ليصير جزءا من الرواية.

ايوب صابر 04-23-2014 02:30 PM

هل رحل ماركيز حقا؟
عمر الدريسي
APRIL 22, 2014
عن القدس العربي

‘عشتُ لأروي’ أو أكتب لأبقى حيا؛ الكاتب العظيم هو من له قدرة الإصرار والإمساك فجأة باللحظة الدقيقة التي تنبثق منها الفكرة ‘مثل الصياد الذي يكتشف فجأة، خلال منظار بندقيته، اللحظة التي يقفز فيها الأرنب’.
الكاتب العظيم هو من يعرف بأنّ القصة تُولد ولا تُصنع، كما أنّ الموهبة ذات قيمة أساسية، إلا أنها بالطبع، لا تكفي لوحدها، المهم لدى الكاتب الموهوب هو أن يتعلم، أن يمتهنن، أن يصقل كيف يكتب بخبرة متعلم ووعي الإنسان، الحكيم المثقف، المطلع…، كيف يبدع، ليكتب بحب، ومن دون ضجر بالنسبة للقراء.
دشن غابرييل غارسيا عهده مع الكتابة منذ الصغر إذ يعترف: ‘كانت حكاياتي في معظمها أحداثا بسيطة من الحياة اليومية اجعلها أكثر جاذبيه بتفاصيل متخيلة كي يصغي إلي الكبار، وكانت أفضل مصادر إلهامي هي الأحاديث التي يتبادلها الكبار أمامي لأنهم يظنون إنني لا افهمها فيشفرونها عمداً كي لا أفهمهما لكن الأمر كان خلاف ذلك، كنت امتصها مثل إسفنجة ثم افككها إلى أجزاء واقلبها لكي أخفي الأصل، وعندما أرويها للأشخاص أنفسهم الذين رووها بينهم، تتملكهم الحيرة للتوافق الغريب بين ما أقوله وما يفكرون فيه’.
‘عشتُ لأروي’؛ يقول الروائي غابرييل غارسيا أن ‘نصف الحكايات التي بدأت بها تكويني سمعتها من أمي. وهي لم تسمع مطلقاً أي كلام عن الخطاب الأدبي ولا عن تقنيات السرد ولا عن أي شيء من هذا. لكنها تعرف كيف تهيئ ضربة مؤثرة وكيف تخبئ ورقة آس في كمّها خيراً من الحواة الذين يخرجون مناديل وأرانب من القبعة’
‘عشتُ لأروي’؛ رواية ‘مائة سنة من العزلة’، رواية تتسم بالحكاية وكأنها ‘ألف ليلة وليلة’ الشرقية العربية، والتسلسل غير المنسجم وكأنها بدايات بلا نهايات، صراع أسطوري عبر الأجيال، يروي الكاتب أحداث المدينة من خلال سيرة عائلة ‘بوينديا’ على مدى ستة أجيال والذين يعيشون في قرية خيالية تدعى ‘ماكوندو’، من خلال الأحداث، عمل غابرييل غارسيا ماركيز – بشاعريته وخياله الثاقب وسحر حبكه الواقعي- على فضح تاريخ الحروب والديكتاتوريات في القارة المشبعة بالأسطورة والأبطال والطغاة. القارة التي لم تحظ ببرهة طمأنينة نتيجة العنف والمظالم، فعاشت عزلة قسرية، لذالك ربما عنون روايته ب ”مائة سنة من العزلة’.
و لفك تلك العزلة عن المجتمع الأمريكي اللاتيني أتى الكاتب برواية ‘الحب في زمن الكوليرا’، حيث أعتبر الكاتب أن الاهتمام بالحب والجمال والرومانسية هو السبيل الأفضل لإبحار بأمان ضد الظلم والاضطهاد، وهو وقود الأمل في الحياة ‘لقد كنت مؤمناً على الدوام بأنّ الحب قادر على إنقاذ الجنس البشري من الدمار وهذه العلامات التي تبدو ارتداداً إلى الوراء هي على العكس من ذلك تماماً في الحقيقة: إنها أنوار أمل’، ويضيف: ‘إن هذا الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت’.
‘عشتُ لأروي’؛ لم يكتف كاتبنا بالرواية والمسرحية واللغة الشعرية فقط: بل كان مناضلا وإعلاميا، أعلن تخوفه من السلاح النووي المنتشر عبر العالم مطلع القرن الواحد والعشرين، وتخوفه من قتامه الأوضاع الاجتماعية والهيمنة والاستغلال الإمبريالي، أبدع في السرد والوصف وحبك الحكايات الممتعة التي تشد القراء شدا بليغا، له مواقفه واضحة ‘رواية : خريف البطريرك’ في مناهضة الاضطهاد والعنصرية والديكتاتوريات المتناسلة عبر العالم.
ربما كان يساري الهوى السياسي، تقدمي الأفكار والقناعات، يقول الجامعي البريطاني جيرالد مارتن مؤلف كتاب سيرة الروائي غابرييل غارسيا وترجمه إلى اللغة العربية، الدكتور محمد درويش:’… كان بوليفار وآليندي ونيرودا وفوينتس وعمر توريخوس وكورتاثار وكاسترو من الذين احتفى بهم، وعزز بهم مواقفه..’، إلا أن هذا لم يمنع غابرييل حسب كاتب سيرته في نسج علاقات مع الشخصيات الغربية النافذة مثل فرنسوا ميتران الرئيس الفرنسي، ملك اسبانيا، عائلة كلينتون…
شهر غشت عام 2001، وبعد تردد كبير وللأمل في حياة أفضل لزوجته وأولاده، قال حين وقع العقد مع هوليود لتحويل رواية ‘الحب في زمن الكوليرا’ إلى فيلم سينمائي: ‘لقد كبرت وكل نفس ذائقة الموت، ولا بد من التفكير بتأمين مستقبل الأولاد، ومعهم زوجتي، التي أحبها منذ نصف قرن ولا استطيع أن أغادر وأتركها في مهب الرياح …’.
إِنْ تخلى بعض المثقفين العرب عن قضية فلسطين، لم يتخلى عنها غابرييل غارسيا ماركيز، بل نافح عنها عبر مواقفه الكثيرة المضيئة في مسيرته الحافلة بالمبادرات الخلّاقة؛ إذ نشر عام 1982 بيانه الشهير عن مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي العام 2002، ندد باقتحام القوات الصهيونية المدن الفلسطينية في الضفة وأصدر البيان الناري الذي ندد فيه بمواقف الكتّاب والمثقفين المتخاذلين في العالم، وقال في نهاية البيان: ‘لكل هؤلاء أقول أنا غابرييل غارسيا ماركيز أوقّع هذا البيان منفرداً’..
من رواية ‘قصة موت معلن’ تحكي عن جريمة قتل قام بها التوأمان ‘فيكاريو’ دفاعاً عن شرف أختهما ضد ‘سانتياجو نصار’، ومع هذا فلم يتحرك أحد لمنع الجريمة… مع أن الأدلة لم تكن ثابتة على الضحية، هل معنى ذلك أن هذه المدينة بأجمعها، برجالها ونسائها وسلطاتها، بل وأكثر من ذلك أصدقاؤه أيضاً، كانوا يريدون الخلاص من ‘سانتياجو نصار’، ذاك في الروية أما الواقع، فعلى فراش المرض، غابرييل غارسيا ماركيز ، لم يستسلم، فكتب رسالة إلى أصدقائه ومحبيه غبر العالم ‘… لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر… تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه… حافظ بقربك على مَنْ تحب، أهمس في أذنهم، إنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتني بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفها. لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار …
لقد غادر هذا العالم من قال:’ ……ليس العمر ما يملكه المرء من سنوات, بل ما يملكه من أحاسيس′، صاحب الإبداع السحري الواقعي، صاحب جائزة نوبل للآداب لعام 1982، غادرنا الروائي العظيم يوم أمس الخميس 17 أبريل 2014، عن سن تناهز87 من منزله بالعاصمة المكسيكية ، بعد معاناة مريرة مع المرض، وقد نعاه الرئيس الكولمبي بقوله: ‘العظماء لا يموتون أبدا’. ونعاه أيضا الكاتب الكولومبي الكبير، الدكتور عمار علي حسن، قائلًا: البشرية فقدت واحدًا من أعذب الأقلام، ومخيلة من أخصب المخيلات، وكاتبًا كبيرًا من كتاب القرن العشرين’.
لم ترحل السيد غابرييل غارسيا ماركيز، فأعمالك ستخلدك: لم تمت ‘انك حي في الكلمات… كل عبارة في أعمالك درس بليغ وحكمة مستقلة ô
كاتب مغربي
E-mail :drissi-omar1@live.fr

ايوب صابر 04-23-2014 04:06 PM

عمار علي حسن: رحيل ماركيز أفقد البشرية واحدًا من أعذب الأقلام
ياسر الغبيري
الجمعة 18-04 - 06:09 م (0) تعليقات


الكاتب الدكتور عمار على حسن، الكاتب الكولومبي الكبير "ماركيز

نعى الكاتب الدكتور عمار علي حسن، الكاتب الكولومبي الكبير "ماركيز"، قائلًا: البشرية فقدت واحدًا من أعذب الأقلام، ومخيلة من أخصب المخيلات، وكاتبًا كبيرًا من كتاب القرن العشرين.
وأضاف علي حسن، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن ماركيز تأثر بالواقعية السحرية للمكسيكي "خوان لوروفو"، وقرأ وسمع كثيرًا عن سحر الشرق، وألف ليلة وليلة، كما تعد روايته "مائة عام من العزلة" من أهم الروايات في تاريخ الأدب الإنساني، وإلي جانبها بعض الأعمال الشهيرة مثل: "خريف البطريرك"، "الحب في زمن الكوليرا"، "عشت لأروي"، ولكن تظل "مائة عام من العزلة" الأمتع والأشوق في تاريخه الأدبي.
وأوضح علي حسن، أن ماركيز أعطانا درسين الأول: كيف يمكن للإنسان أن يقدر اهتماماته ويبدع فيها جميعًا ولا يتوقف عطاؤه؟؛ فالرجل إلى جانب أنه أديب كبير فهو صحفي وناشط سياسي، وهو أمر ينطبق على الأديب البيروفي "ماريو فارغاس يوسا، والدرس الثاني: كيف يمكن للإنسان أو الكاتب أن ينفتح على التقنيات الإنسانية، وأن يتعامل معها بمنتهى الحرية والتسامح، كي يخدم نصه الأدبي.
وأشار حسن، إلى بقاء أعمال ماركيز، قائلًا: إن إرث ماركيز كبير جدًا، ومن المؤكد أن أعماله ستظل تقرأ إلى زمن بعيد، خاصة "مائة عام من العزلة"، التي لن تمحى من ذاكرة العالم.

ايوب صابر 04-24-2014 10:47 AM

تعالوا نقرا الرواية على الرابط أدناه ونضع تعليقاتنا عليها . من ناحيتي وجدت بعد ان قرات 28 صفحة حتى الان ان القرية التي اخترعها ماكيز ربما تكون قرية حقيقية .
ووجدت انه يتحدث عن التجار العرب الذين كانوا من بين الأوائل الذين وصلوا الى تلك القرية النائية في صفحة ٢٣ . ولا استغرب ان تكون الرواية هي قصة واقعية لقرية حقيقية نائية من قرى كولمبيا او انه استخدم هذه القرية كنموذج يعبر من خلاله عن حياة كولمبيا ككل والتطور الذي شهدته من بدايات اكتشافها الى زمن لاحق .
حتما اسلوبه سحري ولا شك ان المترجم هنا احسن الترجمة واستطاع نقل روح النص وليس النص بذاته فظل سحريا في وقعه ...اسلوب سردي مذهل بحق
اهلا وسهلا


http://ia601705.us.archive.org/34/it...elfa.21016.pdf

ايوب صابر 04-24-2014 03:23 PM

لاحظوا معي سحرية هذا المقطع شديد الدرامية والذي ما ان تظن انه ابهرك بعقدة شديدة الإبهار حتى تجد نفسك وقد ارتطمت بصعقة اشد ابهارا واحدة تلو الاخرى حتى تعتقد ان ماركيز قد حشد كل ما يستطيع ان يحشده من عقد مبهرة في فقرة واحدة لكنه يعود ليكرر ذلك في مواقع اخرى وهذا هو سر السحرية التي ترك اثرها على المتلقي :

" يبدو ان ان أرسولا لم تغفر لهم قط ما عدته انتهاكا لواجب الحشمة في الاسرة وعندما عاد العروسان الجديدان من الكنيسة حرمت عليهما دخول البيت وعدتهما من الأموات ...وهكذا استأجرا بيتا فيما وراء المدافن وأقاما به دون ان يكون فيه من الأثاث اكثر من أرجوحة نوم جوزيه اركاديو .... وفي ليلة الزفاف تسلل عقرب الى شبيب ربيكا ولدغ قدمها حتى تورم لسانها ...غير ان هذا لم يمنع ان يستمتعا بشهر عسل صاخب ترامت اصداؤه الى الجيران الذين أشفقنا ان تقض مضاجع الموتى في قبورهم !


تخيلوا يظن المتلقي ان عدم الغفران لوحده يمثل عقاب في اعلى حالاته لكننا ما نلبث ان نكتشف بان الام اعتبرتهم من الأموات ونظن ان التصعيد الدرامي قد وصل الى حده الاعلى فنجد انها حرمت عليهم دخول البيت فيذهبا للعيش في بيت فارغ والمهم ان ماركيز جعل موقع البيت ما وراء المدافن بهدف رفع مستوى الإثارة من خلال الحديث عن الموت ولكن القصة لا تنتهي عند ذلك ولا نعرف من اين جاء ماركيز بذلك العقرب الذي لدغ ربيكا ليتورم لسانها بينما نكون في انتظار شيءً اخر وهنا يلقي لنا بقنبلة التضاد حيث لم يمنع كل ذلك الالم من الاستمتاع بأقصى حد من اللذة لكنها لذة صاخبة حتى ان الجيران أشفقوا ان تقض تلك اللذة لشدة صخبها مراقد الموتى وهم في قبورهم ....

يا لهذا السرد العجائبي بحق !

ايوب صابر 04-28-2014 10:51 PM

تمثلات ملكيادس: عن غابرييل غارثيا ماركيث
عبداللطيف عدنان
APRIL 27, 2014

أتمثل ملكيادس غابرييل غارثيا ماركيث كما تنطق إسمه قشتالية العالم القديم؟ أم غابرييل غارسيا ماركيس كما ينطقون إسمه في قشتالية الإمبراطورية، قارته الأم أمريكا اللاتينية؟ أم ماركيز كما يسميه من قرأه بالفرنسية أو الإنكليزية أو أي ترجمة نقلت عنهما؟
في ملكيادس أتمثل معلم سردية من نوع آخرغادر العالم بعد أن حوله إلى قارة مخيالية مدنها ميكسيكو سيتي، كارطاخينا، باريس، طوكيو والقاهرة وسكانها كواباتا، فوينطيس، كونديرا، نجيب محفوظ وخوان غويتسولو، قارة إسمها بكل بساطة ماكوندو، ما فتئت تتكون لتطير مع الريح وتترك الحكي للصالونات الأدبية والاتحادات الكتابية، والندوات الصحافية حيث يحل الحكواتيون الجدد، في تعبير ماركيث نفسه، على مستوى الكلام التلفزي مشاكل تستعصي عليهم على مستوى الإبداع.
أننعى هذا الحكواتي الساحر، الغجري الرحالة الذي كان يطل على الناس بالجديد ويترك لهم مهمة يكملونها بطريقتهم الخاصة؟ أم ننعي نهاية حقبة كان فيها الأدب هو المتعة وكانت الكتابة هي القراءة بدءا ومبدأ؟ مثل ملكيادس بالنسبة لسكان ماكوندو، كان غارثيا ماركيث بكل الانعكاسات الرمزية في تمثل الشخصية والشخص، في الحكاية وفي السرد، بوصلة لاستشراف معالم الطريق في عالم الحكي وهو في مرحلة البدء الذي يعاود دورته النيتشوية، تضاريسه مثل وديان أنهار ماكوندو التي كان يتأمل فيها جد أورليانو بوينديا بيض التكوين الماقبل تاريخي في زمن تنقص فيه الأشياء أسماءها. زمان الأشياء في مرحلة الإشارة. بدأ الحكاية كشرط للحياة. بيضا تركته شهرزاد وثيرفانتيس ليتفقس خوان رولفو وكورتاثر هذا المخيال الجديد الذي أكتشفه العالم بصوت قنبلة: الإنفجار الأدبي الأمريكولاتيني El boom Literario .
- مائة عام أم ألف ليلة أم أزل الحكاية؟

ليست ماكوندو إلا عتبة لقارة جديدة يقودنا إليها ملكيادس: العالم الجديد في معمور الحكاية والسرد. غابرييل غارثيا ماركيث الذي كان يكره شخصية كريستوفر كولومبوس، في اقتباس لتعبير للكاتب سلمان رشدي، يكتب رده على العالم القديم بسردية أخرى هي مائة عام من العزلة. يذكّر العالم القديم، ونحن من ضمنه، بالأخص يذكرنا نحن، أنه في البداية لكل حكاية خالدة كان هناك رقم. لازمة الرقم تحاور النسبي أكثر من المطلق. لا تحدد وإنما تفتح باب الاحتمال على مصراعيه. رقم لا يعبر المسافة الزمنية وإنما يدعو لترحال عمودي وفقري، دياكروني وسانكروني. رقم لا يقتل الوقت في اللحظة، ولا يمحو الفضاء في النقطة. ماكوندو زمكان، حكائي- سردي، للعبور. قد تكون مائة سنة من حياتها هي خمسمائة سنة من مقاومة تعسف العالم القديم الذي أراد تحقيق طوباويته بسقاط أسمائه البالية والمترهلة على أشياء العالم الجديد النابضة بحياة مختلفة، مرتكبا أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية وهي تطليق دوال هذا العالم من مدلولاتها الأولية. مائة عام من العزلة تمد خط حوار مفتوح، السخرية والتهكم من القوالب ومثالياتها هي لكنته الخاصة، حوار مع دون كيخوطي دي لا منتشا.غابرييل غارثيا ماركيث ومغيل دي ثربانتيس حكواتيان ينتميان لما سماه جيل دولوز بالمثقف الطبيب الذي يشخص أمراض مجتمعه. مغيل دي ثربانتيس رسم أجمل لوحة كاركاتورية لما كان في بال الملوك الكاثوليك الإسبان من هلوسات حمى التبشير المقدسة وإحياء أمجاد الإمبراطوريات الأروبيات الأم بواقعيتها والكثير من خيالاتها. ثربانتيس نسف واقع مشروع تاريخي بلغة الحلم والخيال. قوض فكرة عن إسبانيا بتشخيص حالة جنونها الحضاري في جنون دون كيخوطي وحلم يقظة سانتشو بانثا. الكاتب الإسباني، الفاشل جدا بمقاييس معاصريه، ينسف بناء الواقع الأول بما فيه لغته التي كرسها النحوي القشتالي أنتونيو دي نبريخا. بدون كيخوطي وطريقة كلام دون كيخوطي واجه ثرباتيس الكولونيالية الإسبانية في قلعتها الأكثر امتناعا: اللغة.
خمسمائة سنة بعد ثربانتيس يشرّح كاتب آخر من بلد سمّي على كولومبوس تداعيات جديدة لتعسف العالم القديم تحمل اسم الكولونيالية الجديدة. طوباويته الرأسمالية. رسالته التبشيرية الاقتصاد الليبرالي الجديد. ضحاياه من العالم الجديد آلاف من عمال يونايتد فروت تحمل جثثهم في عربات القطار ويرمى بهم في البحر. عدد الضحايا في مائة عام من العزلة يبالغ في العدد الذي حدده الجد للحفيد. لكن الرقم مجاز يجتاز الحد الزمني يعبر من يونايتد فروت وأراكتاكا إلى ‘تشيكيتا’، التي تبيع لنا موز كولومبيا بأرخص الأثمان، وكل بقعة في الأرض تحولت لمنجم وسوق. وكما شخص ثيربانتيس دون كيخوطي ورسمه غوستاف دوري، أبطال هذا التعسف الجديد يشخصهم ماركيث في جنرالات يعمرون أكثر من مائتي سنة ويترجم تشخيصهم بكل أليغورية فنان كولومبي آخر هو التشكيلي فريناندو بوطيرو.
ومثل مؤسس الرواية الحديثة الذي كتب بلغة السوقية التي كان يتكلمها المورسكيين والمدجنين، يعبث كاتب الرواية التي حققت أكبر المبيعات بعد الكتاب المقدس في النسخة الإسبانية بلغة الإمبراطورية ورطانتها. غرثيا ماركيث كتب بقشتاليته الخاصة غير آبه بقواعد النحوي الإسباني ألاركوس يوراش، لأن سحر واقعه لا يتناسب ودغمائية النحويين.
مائة عام هو كذلك رقم يضيف عمرا جديدا للحكاية. هو امتداد جديد لزمنية الحكاية. هو رجوع لماضي السرد الأزلي مع ألف ليلة وليلة. أليست صفحات مهملة من كتاب الحكي العربي الأول هي ما عثر عليه طفل كولومبي في قرية بعيدة في الساحل الشرقي، ليقرأها باندهاش وتصيبه الحمى التي لن تفارقه إلى حدود الثامن عشر من أبريل من هذه السنة في ميكسيكو سيتي وهي حمى الحكي؟ كانت هذه الحكاية واقعية أم شطحة خيال عربية لا يهم، ولسببين: أولهما أن غارثيا ماركيث أشار في أكثر من مناسبة إلى تأثير امرأة أخرى في مهنته ومهنيته كحكواتي هي شهرزاد. إن كان السبب الأول يجد ما يزكيه في مائات الأطروحات في الأدب المقارن التي تناولت الموضوع، فالسبب الثاني يمنح لهذه الحقيقة شرعية من داخل عوالم ماركيث نفسه: وهي أنه داخل الأدب ليس هناك من خيال دون أرضية واقعية. أن يدين صاحب الحب في زمن الكوليرا لألف ليلة وليلة هي طريقة أخرى يكرر فيها ماركيث ما قاله إبن قارته الكاتب خورخي لويس بورخيس: هناك فقط ألف ليلة وليلة، وبعدها مجرد نسخ وتكرار.
وكما أن مائة عام هو زمنية رجوع لماضي السرد هو كذلك زمنية إبحار في حاضر ومستقبل السرد. الكتاب مثل أحد أبطاله، ملكيادس بالذات، يضعك في أدغال الجديد ويترك لك حق الإكتشاف والمغامرة بطريقتك الخاصة. مائة عام من العزلة كما قلت أعلاه بوصلة في الحكاية والسرد نعثر من خلالها على طريقنا نحو خوليو كورتاثار وخوان رولفو وبرايسي تشينيكي وكارلوس أونيتي وكارلوس فوينطيس. طريق مشي فيه سيرخيو راميريث كما مشى فيه إلياس خوري، مشى فيه سانتياغو غامبوا كما مشي فيه لوكليزيو. طريق السردية والسردية المضادة واللاسردية وسرديات بديلة. الرقم هو الزمن الأزلي في رحلة الآدب تقتسمه القراءة والتجربة، وليس مدة الدرس في برنامج أكاديمي إسمه، أكيدا أضحك ماركيث، الكتابة الإبداعية.
- الواقع العجائبي، أم الواقعية السحرية أم فقط الواقع؟
هل أتمثل ملكيادس إبن لويسا ماركيث وعامل التلغراف بقرية أركتاكا غبرييل إليخيو غرثيا الذي كان يكتب الشعر ويعزف الكمان بمهارة ويقرأ كل ما يقع بين يديه ونقل لإبنه عدوى الأدب؟ يقر الكاتب أن الأم التي ظهرت شخصا واقعيا في رواية وقائع موت معلن Crùnica de una Muerte Anunciada ، أفضل ناقد بالنسبة له، لأنها تفكك شخصيات رواياته بسهولة توازي تعقيده في تركيبها. أما الأب فيترك للقارئ رسم ملامحه في خوبينال أوربينو بطل الحب في زمن الكوليرا Amor en los Tiempos del Cùlera El. أم هو حفيد العقيد نيكولاس ريكاردو ماركيث الذي شارك في الحرب الأهلية التي قادها البطل الأسطوري رفاييل أوريبي أوريبي الذي بنى عليه شخصية العقيد أوريليانو بوينديا في مائة عام من العزلة؟ من ملكيادس غير هذا الطفل الذي رحل والداه إلى ريوهاتشا وتركاه في بيت كله نساء، مع جد لا يأبه بخمسين سنة من فارق العمر بينهما ويحكي له عن الحرب الأهلية ومجزرة عمال شركة الموز كما لو كان حدثا يافعا. من الكاتب الحكواتي رائد الواقعية السحرية غير هذا الحفيد الذي كانت جدته تكلم أموات العائلة كما لو كانوا في الغرفة المجاورة أو على مائدة الطعام؟ في الواقع المعاين لبيت العائلة بأراكتاكا تتشكل معالم حكائية ماركيث التي سيعرفها النقد ويعرّفها باسم الواقعية السحرية. بين أراكتاكا وبرنكيا وكرطاخينا كان العالم الذي تتشكل حقيقته بين الخرافة والواقع كما جاء في تعبير الكاتب الكوبي ليثاما ليما. العالم الذي كان ينقله ماركيث دون وعي مقصود للوصفات السحرية التي بهرت قراءه حول الأرض، لأنه كان الواقع وكفى. يقول في أكثر من مناسبة أن واقع أمريكا اللاتينية سحري ولكن فقط بالنسبة للأوروبيين الذين يحددون الواقعية في تعريفات جيوغرافية وفي ثمن الطماطم.
أين السحري من الواقعي في فضاء الفنادق التي تسكنها بائعات الهوى؟ هل هي هذه الأمكنة التي اقتطنها الحكواتي في مرحلة الحالم المتسكع في بوغوتا، الذي ترك دراسة القانون واشتغل كصحفي، وكان يجدها فيها مجاله المفضل لأنها صخب الليل الذي يعتبره ضرورة اجتماعية كإنسان وهدوء النهار الذي يساعده على الكتابة كأديب؟ هل مكان كهذا يكسب بعدا سحريا في الصورة المجازية لقلب العاشق الذي تسكنه أكثر من امرأة لكل واحدة حجرتها الخاصة كما جاء في الحب في زمن الكوليرا، محكية ستظهر بعد عقود إسمها ذاكرة عاهراتي الحزينات Memoria de mis Putas Tristes.
في الطرقات المغبرة، في حر الظهيرة على مرفإ ميناء يصادف الكاتب الشخصية ولا يتخيلها. بعد الواقع تتنقل الشخصية بين الأقنعة كملكيادس السرمدي الزئبقي: تنفلق، تتزاوج، تتوالد، ترحل وتعاود الظهور. أينما تحل تحلل الفضاء الواقعي ليستحيل معها في ماكوندو جديدة تمتد من أمريكا الوسطى إلى قرن الكونو سور بالأرجنتين. هي العقيد أوريليانو الذي يرافق سيمون بوليبار في متاهته، ويعيش تفاصيل مقتل سنتياغو ناصر في موته المعلن، هي هذه السردية التي تهاجر في اصطلاح جيل دولوز بين الرواية والقصة القصيرة وبين الجنس الكتابي الذي لايراه ماركيث غير جنس أدبي آخر بكل استحقاق، وأعني جنس الروبورتاج الصحفي
ترحال الشخصية من ترحال الشخص. من غابرييل إلى غابو تمتد خريطة هجرات كتابية في الميولات والاتجاهات والأساليب؟ هل هو غير ملكيادس: هذه الأقنعة المتغيرة، المتلونة، الكرنفالية التي تنسف الحدود بين الأجناس والأنواع السردية. كتابة ماركيث تفاجئ وتحضر. سرديته الدائرية ليست إلا دورة فلكية نوعية في الكتابة. منذ حواره مع بلينو أبولييو ميندوسا في رائحة الجوافة El Olor del Guayaba كان الروائي واضحا في تحديد، والذي ليس سوى تبديد، الخطوط الفاصلة بين الواقع والأدب. كان جليا في الكلام عن مشروعه الكتابي كحيز رمادي بين الكتابة الصحفية والكتابة الخيالية. يقول ويكتب ويصرح في أكثر من مناسبة أن نوات الكتابة هي الواقع. الفانتاستيك يوجد فقط في والت ديزني. يقول ويعيد كذلك إن الصحافة جنس ادبي آخر، وأن التحقيق الصحفي ليس سوى قصة قصيرة.
كتابة الواقع. أو المعادلة الإبداعية حيث نعثر على مفتاح بفهم به لإجراء الحكاية ومشروع السردية سيعرّفها درس الأدب بمدرسة ماركيث. في المعادلة قد نرى، ما وجد فيه البعض تدنيا في الأسلوب الأخير، نهاية الدائرة التي تعلن عن بداية جديدة. غابو لم يغادر حيز معادلة الواقع والسحرية. قد تكون مجموعته القصصية جنازة الأم الكبرى ومجموعة إرينديرا ورواية مائة عام من العزلة هي الواقعية السحرية في نسختها بالبصمة المحلية والتي وقعها سارد أمريكي آخر من العيار الثقيل وأعني الكوبي أليخو كاربينتي. قد يكون ماركيث قد عاد بنا في مجموعة إثناعشر قصة في الترحال Doce Cuentos Perigrinos وذاكرة عاهراتي الحزينات إلى الأصول الألمانية لهذه الواقعية السحرية.
في نفس المعادلة نرى السردية الحكائية البديلة في كتابه الأخير لم أحضر لأقدم خطابا vengo a decir un discurso no Yo . نعيش سحر الحكاية، بمفعول المحلول الذي تناولناه جرعا منذ مرحلة ما قبل وقائع موت معلن، في مقالات تحكي عن مواقف في الأدب والسياسة والصداقات. قصص قصيرة شخوصها هي آلبارو موتيس وخوليو كورتاثار وبارغاس ليوسا زمكانها قد يكون في منزل قديم في كوبا يتحول لمركز مؤسسة سينمائية أو مقصورة في قطار رحلة ليليلة بين باريس وموسكو. إنها الكتابة الصحفية الأدبية، هذه السردية التي أعلن عنها ماركيث منذ رواية أخبار اختطاف Noticias de un Secuestro . هي الكتابة التي تلامس باروكية أليخو كاربنيتي دون أن تقع في تعقيد ليثاما ليما. هي هذه القشتالية التي تتحرر من قواعد النحو الصارمة، الجملة الحوارية التي تحاول جاهدة محاكاة العامية، ضعف يعترف به ماركيث وامتياز يصم به خوليو كورتاثار. كتابة تقتنص القارئ لتحسسه أنها تخاطبه شخصيا. أسلوب ماركيث قبالا وتلمود من نوع خاص. لهذا كان من السهل تمثل الواقع في واقعية رواياته. كان من السهل معاينة المعادلة المقلوبة في الواقع الذي يحاكي الفن. ألم يصرح له ماركوس أن نموذج ثورته التي أعلنها على لوردات البترول في المكسيك من أدغال شياباس موجود في مائة عام من العزلة وخريف البطريق. ألا تتبنى عناصر الفارك FARC وفرق ثورية أخرى على طول القارة أسامي مثل بوينديا وملكيادس وأركاديو.
- الرواية أم السينما؟
هل أتمثل ملكيادس هذا الأمريكي اللاتيني من جيل الإنفجارالأدبي الذي لم يجد في الظاهرة غير اجثثات رخيص لكتاب أمريكا اللاتينية من قبورهم تحقق به دور النشر الأروبية مزيدا من المبيعات؟ هل أتمثله في المبدع الذي كان يكره باريس لأنها لم تكن بالنسبة له باريس يوسا أو كورتاثار، وإنما باريس الطقس البارد، وزمن انتظار العقيد الذي لا يكاتبه أحد.و لأنها فضاء التعسف العنصري الذي عاناه من شرطي خاله جزائريا؟ أم اتمثل ملكيادس هذا الروائي العالمي الذي ترجم لكل لغات الأرض وكان يزدري النقاد؟ حين استفسره إبنه عن الرمزية المحلية والميتولوجية للديك في رواية لا أحد يكاتب العقيد El Coronel no tiene quien le escriba كان جوابه الديك هو الديك. جواب يعبر بالواضح عن موقف من الآلة النقدية لكاتب كان يكتب بشفرات فقط الأصدقاء يستطيعون فكها. موقف يذكرنا بدرس بورخيس الخالد أن الأدب قراءة بالدرجة الاولى وأن الأدب بأكثر ما يربح مع القارئ الجيد يخسر مع الكاتب الرديء.
هل أتمثل ملكيادس هذا الروائي الذي كتب الكثيرون الرواية ليكتبوا مثله؟ الروائي الذي انتحله رينالدو أريناس من باب السخرية من محاكم التفتيش الكاستروية، وسرقت منه إيسابيل أليندي بالأسلوب الإنشائي لتلميذة مدرسة من باب التسلق والشهرة بأسرع الطرق. الروائي الذي دخل في عراك يدوي مع بارغاس ليوسا. الكاتب الوحيد من العالم الذي رفض توقيع عريضة الاستنكار على النظام الكوبي حين اعتقل الشاعر هيبيرتو باديليا، ولكنه الشخص الوحيد الذي اقنع كاسترو بتغيير لباسه إلى الزي المدني. أم أتمثل ملكيادس هذا الأب الحنون لأسرة من أربعة أفراد تحترم حرفته لدرجة أن العطلة التي حضر لها بمشقة ألغيت بعد مسافة نصف ميل من البيت، حين داهمته فورة السطور الاولى لرواية بيت العائلة؟ باقتناع الجميع يعود أدراجه للبيت وينزوي بلباسه المفضل،بدلة الميكانيكي، ودون أي علم بأي طريقة كانت زوجته مرسديس تدفع أجر البيت وتضع وجبة الطعام فوق المائدة، يعكف يوميا على كتابة رواية ظل جنينها يتكون لمدة تسع عشرة سنة. بعد ثمانية عشر شهرا يطلع بروايته الحلم بعنوان ليس بيت العائلة كما كان في الفكرة وإنما Cien Aûos de Soledad.
أم هو ملكيادس السينما؟ هل أتمثل غارثيا ماركيث السينمائي في طريقة الكتابة في تتبع وتأطير الشخصيات وفي بؤرة النظر داخل السردية. في كتابة السيناريو والكتابة التي تحاكي السيناريو؟ يسأله بيلينيو ميندوسا عن تحديد نقطة البدء في كتابته، فيجيب: ‘المشهد’. إنه الكاتب الذي راوده الحلم يوما أن يصبح مخرجا سينمائيا، وسخر بعض سنوات عمره من التدريب في استديوهات روما مع رفاق أصبحت لهم فيما بعد توقيعات في سينما القارة اللاتينية مثل فيرناندو بيري. إنه كاتب السيناريو الذي يرى في الواقعية الجديدة الإيطالية السينما الأكثر واقعية وإنسانية. الذي وجد في جنرال فرانسيسكو روسي صورة من جنرالاته. الكاتب السينمائي الذي وضعه صديقه فديل كاسترو على رأس مؤسسة السينما الأمريكو لاتينية الجديدة ليشرف على ورشات تدريبية في كتابة السيناريو في أكثر من بلد برؤية تراعي للقارة خصوصيتها.
إنه ماركيث عكس العديد من الروائيين كان يؤمن بحكمة السينمائي الفرنسي روبير برويسون، بأنه لا يمكن لأي فن أن يأخذ مكان فن آخر، ويتردد كثيرا في بيع حقوق أعماله للسينما. بعد مدة من الرفض يبيع حقوق مائة عام من العزلة للسينما فقط ليدخل السينما في محنة تعديل واقتباس لا يمكن أن تخرج منها. عدّل وقائع موت معلن فرانسيسكو روسي، مخرجه المفضل. ونقل للسينما لا أحد يكاتب العقيد رائد التعديل الأول في القارة، المخرج المكسيكي آرتورو ريبستيين، والذي استطاع نقل فورة البوم السردية إلى اللغة السينمائية، وعالج بالصورة المتحركة نصوص خوان رولفو وخوسي دونوسو وكذلك نجيب محفوظ برواية بداية ونهاية. نجاح المخرج المكسيكي في نقل أسلوبيته الواقعيته يضاهيه نجاح المخرجة هيلدا إدالغو في نقل ساحريته للسينما بتعديل كتابه عن الحب وشياطين أخرى Del Amor y Otros Demonios . أمام هذا النجاح هناك الإخفاق الكلي في نقل رواية الحب في زمن الكوليرا، حين لم تسعف كرنفالية الألوان والشبقية وفحولة خابيير برديم، أو صوت المغنية شكيرا، المخرج الإنجليزي مايك نيويل في نقل حكاية عوالمها تنتمي للأدب وسرديتها تتحقق فقط في الكتابة.
إنه غبرييل غرثيا ماركيث، الروائي الذي لم يكتب قط سيناريو عن روايته وكتب سيناروهات اخرجها كبار السينمائيين في القارة اللاتينية مثل توماس غوتيريث آليا وخوسي لويس أغراس وخورخي علي تريانا. السارد الأيقونة الذي عبر عن هم قارة وعبرت من خلاله القارة عن ما يشكل خصوصيتها التاريخية والحضارية. الذي نقل عوالمه الشكلية والجوهرية ، الذي نقل لا أحد يكاتب العقيد . الحكواتي ذو النفس الفولكنوري بشخصياته التي قد تتجاوز العشرين شخصية في رواية واحدة. ماركيث هو كذلك موجة سينمائية في أمريكا اللاتينية. هو كذلك تيار في السينما العالمية. أنه سينما إمير كوستورتزا البوسني. دون مائة عام من العزلة ما كان ليتحقق إنجاز سينمائي متفرد أسمه زمن الغجر.

- قراءة ماركيث: بلور الذاكرة

أم أتمثل ملكيادس في ترتيب زمني خاص؟ في شوارع مدينة الرباط الليلية التي كان يتسكع فيها طالب في شعبة الأدب الإسباني متأبطا رواية ما من رواياته التي كان يقرأها كما لو كانت رقائق مقدسة. في علاقات عاطفية كانت عوالم الرواية تساعد على تحمل عنفها في واقع يرفض الحب بالواضح والمشفر. في مونوغرافية السنة الأولى من الجامعة عن الفضاء في مائة عام من العزلة، إلى السيناريو التطبيقي في الإخراج التلفزي بتعديل قصة يوم كباقي الأيام من مجموعة جنازة الأم الكبرى ستة سنوات بعد ذلك. أم في الحوارات الساخنة داخل أستديوهات التلفزة الإسبانية بمدينه هيوستن بتكساس حيث كان يرد على استفسارات الزملاء الأمركولاتينيين الاستشراقية بمحاضرات عن بورخيس وكورتاثار وماركيث.
في ذات محاضرة يتحدث بورخيس عن القراءة كذاكرة خاصة، وأنه يعاود قراءة دون كيخوطي من باب استرجاع لحظات من طفولته ليس إلا. الآن، وأنا في قارة أخرى من الأدب بعيدة كل البعد عن ماكوندو، يحكم أقاليمها كتبة عموميون بالمعنى المجازي والمباشر، ويختزل فيها الأدب بصوت أقلية في العرق والجنس تنتظر دورها في الكلام، أظنني أقرأ ماركيث داخل معادلة بورخيس. اليوم أتمثل ملكيادس في زمنية خاصة لم أجدها حتى وأنا أتجول شوارع كرطاخينا ذات زيارة بمناسبة زواج صديقة كولومبية. وجدت إسم غابو وأسماء شخصيات رواياته على المحلات والمطاعم. نفس الشخصيات التي صورت لي عالما طالما قضيت ساعات مستلقيا على صخر الساحل الأطلسي في الرباط احلم بالتجوال في عوالمه. بعد ما يزيد عن عقد تجولت في ذاك العالم لكني لم أعثر على عوالمه.
فهمت حينها أن غابرييل غرثيا ماركيث أكبر من قارة. اليوم أفهم أنه ترحال أبدي في الزمن.

هيوستن في 18 أبريل 2014
عن القدس العربي

ايوب صابر 04-29-2014 01:58 PM

غارسيا ماركيز.. الكتابة والإدهاش
*أمير تاج السر
عن الجزيرة نت
تقول الكاتبة التشيلية المعروفة إيزابيل أليندي في حوار معها عن غابرييل غارسيا ماركيز بعد رحيله "إن قراءة روايات ماركيز كانت تمنحني متعة بلا حدود، لكنها لم تكن تدهشني إطلاقا، كوني مواطنة من أميركا اللاتينية*ولدت وعشت فيها زمنا، ذلك ببساطة شديدة أن ماركيز كان يكتبنا نحن اللاتينيين، يكتب حياتنا كما نعيشها بكل ما فيها من خير وشر".
هذا الكلام قد يكون صحيحا، وأيضا يحمل شيئا من المبالغة في رأيي، فالعوالم شبه البدائية مثل عوالم أميركا اللاتينية وأفريقيا وبعض الجزر المستقلة هنا وهناك بسكانها ومجتمعاتها المحدودة، خاصة في عصر ما قبل التقنيات الحديثة -التي كانت في حد ذاتها معجزة واختصرت العالم بشدة- لا بد أن توجد فيها الكثير من الأساطير التي شكلت وجدان الناس، وانزاحت إلى حياتهم اليومية المعتادة.

لا بد من وجود خرافات ما يعتقد البعض في حقيقتها، وبالتالي لن تدهشه إذا ما قرأها في رواية، أو شاهدها في شريط سينمائي، ولكن يمكن أن تدهش شخصا آخر لا يعرف عن تلك العوالم شيئا. وسيسعى ذلك الغريب إلى مزيد من المعرفة بالبحث عن*مكامن الدهشة تلك، وبالتالي يصبح الإدهاش هنا بابا سهل الفتح، تخرج منه المعرفة لمن أرادها.
"كنت وسأظل وفيا لعشقى لغابرييل غارسيا ماركيز، ومعظم من كتبوا أدبا في أميركا اللاتينية وإسبانيا، وفيا لخيالهم الذي يأخذ من بيئة بدائية شبيهة ببيئتي"
الغجري "ملكيادس"، في رواية "مئة عام من العزلة" مات في أحد الأيام واختفى عن الحضور إلى "ماكندو"، لكنه ظهر ذات يوم بعد أن عاد إلى الحياة، ليحكي عن ذلك العالم الغامض الذي زاره وعاد. هذا شيء مدهش وبعيد عن المنطق بالتأكيد، لكنه لن يكون مدهشا للذين يعتقدون في إمكانية حدوث ذلك، من سكان المجتمعات المغلقة، في الأرياف وبلاد العالم الثالث كما ذكرت.
وأذكر أن هذا المعتقد كان سائدا في القرى في السودان في فترة ما، فحين كنا صغارا نزور قريتنا في الشمال نستمع*كثيرا لمثل هذه القصص من سكان القرية، وكيف أن*شخصا ما عاد من الموت، ليجول ليلا في البلدة، وربما يؤذي أحدا، وبالتدريج ومن كثرة تردد مثل هذه القصص، تتشكل*في الوجدان ما أسميها مقاومة الدهشة، التي ستسيطر بعد ذلك.
أذكر أيضا تلك المرأة الغريبة التي كانت تقيم في بيت من القش قريبا من منزل أهلنا في القرية، وتحتفظ بحياة منعزلة تماما، ظلت محورا للتخمين. كنا نراها في النهار عادية جدا، تصافح الناس وتتحدث معهم، ويمكن أن تدخل بيتا لدقائق وتخرج، ويمكن أن تستلف ملعقة من ملح أو سكر.
لكنها تشتعل بحياة أخرى في الليل، حيث نسمع صياحها وضحكاتها، ونسمع أو يخيل إلينا أننا نسمع أصواتا أخرى تحدثها، ونرضى بما يقال عنها، وهو أنها متزوجة من جني يزورها في الليل، ويظل هذا الرضى مسيطرا على عقولنا إلى أن تختفي الدهشة تماما.
لقد استوحيت حياة تلك المرأة وقصتها الغريبة في روايتي "اشتهاء"، وأنا على يقين بأن الذي سيندهش -إن كان ثمة اندهاش سيحدث- ليس القارئ الذي عايش مثل تلك الحكايات، ولكن قارئا بعيدا قد تسوقه المصادفة لقراءة الرواية.
وعلى نفس نهج قصة تلك المرأة التي كان اسمها "بنت عيسى"، توجد كثير من القصص التي تهم الكُتاب، ويمكن أن يستلفها الخيال ويطور منها ويعيد إنتاجها قصصا مدهشة، ستدهش البعض كما ذكرت، ولن تدهش من اعتاد على مثلها.
كنت وسأظل وفيا لعشقى لغابرييل غارسيا ماركيز، ومعظم من كتبوا أدبا في أميركا اللاتينية وإسبانيا، وفيا لخيالهم الذي يأخذ من بيئة بدائية شبيهة ببيئتي، وسأردد ما قالته إيزابيل أليندي "إنني لم أكن أندهش بقدر ما كنت أستمتع بكل كلمة أقرأها، وكل مشهد بديع يصوره*أحد مثل ماركيز".
ستدهشني أشياء أخرى، تدهشني اللغة المستخدمة، المفارقات، المواقف التي فيها طرافة، وأيضا الفكرة التي ينبني عليها النص. ولطالما قلت إن النص الناجح هو في البداية فكرة صغيرة تتكون بلا إرادة من الكاتب، وتمتلك القدرة على النمو الخارق، ومن ثم السيطرة على كل حواسه حتى يخرجها نصا.
أيضا الشخصيات بكل ما فيها من نزق وحكمة، وقار أو ابتذال،*هي شخصيات حقيقية، موجودة وما على الكتابة الجيدة سوى أن تنفض عنها غبارها، وتهندمها وتوظفها في النصوص، وقطعا ستملأ الوظيفة بلا جدال.
"الإدهاش يأتي من توظيف الطرافة بهذه البراعة. لا يوجد هنا كاتب يلوي ذراع ذهنك ووقتك حتى تقرأ ما يكتب، ولكن يوجد ساحر صاحب نداء غامض، يناديك، وتلبي النداء طائعا"
حقيقة لن أنسى من كتابة ماركيز*شخصيات مثل المصور الفوتوغرافي في رواية "الحب في زمن الكوليرا" الذي انتحر وهو في ثمانينيات العمر، لأنه لم يرد أن يشيخ، وهنا يأتي الإبهار*من كون الرجل كان شيخا بالفعل.
شخصية أخرى مثل الغريب في رواية "وقائع موت معلن"، الذي جلس على مقعد أمام المنزل، مرهقا ويود أن ينام، ومرت فتاة جميلة، فقال لصاحبة المنزل: سأنام قليلا، وحين أستيقظ، ذكريني بأنني سأتزوج هذه الفتاة.
الإدهاش هنا يأتي من توظيف الطرافة بهذه البراعة. هنا لا يوجد كاتب يلوي ذراع*ذهنك ووقتك حتى تقرأ ما يكتب، ولكن يوجد ساحر صاحب نداء غامض يناديك وتلبي النداء طائعا.
لقد ذكرت مرة في حديثي عن سيرة ماركيز التي كتبها بعنوان "عشنا لنحكي"، أو لعله عنوان شبيه بذلك، تختلف ترجمته عن الإسبانية من مترجم لآخر، أن تلك السيرة بالرغم من كونها سيرة حقيقية للكاتب، إلا أنها لم تستطع الإفلات من بهاراته وكتابته بطريقته المعروفة في شد القارئ، مهما كان انشغاله.
إذن ماركيز كان يدهش من لا يعرف عوالمه أو العوالم الشبيهة بعوالمه في العالم الممتد، ويمتع الكل ممن يعرفون عوالمه أو لا يعرفونها. أنا مثل إيزابيل أليندي، عشت سنوات قراءتي الأولى مع المتعة الماركيزية.
وحتى الآن أعود من حين لآخر لروايتي المفضلة "الحب في زمن الكوليرا" أقرأها بنفس المتعة التي قرأتها بها في الثمانينيات من القرن الماضي. ولا أستطيع أن أتخيل أن ذلك الحكاء العظيم هو نفسه الذي شاهدت علبة على طاولة قيل إنها تحمل رماده. بالنسبة لنا نحن عشاق الأدب، والمرضى بجرثومته، فإن القراءة بلا ماركيز، تبدو ناقصة كثيرا.
_______________
روائي وكاتب سوداني

ايوب صابر 05-02-2014 06:46 PM

عندما تُصبح العُزلة ثمنَ الشّهرة
وداعاً غابرييل غارسّيا ماركيز
محمّد محمّد الخطّابي '
may 1, 2014
عن القدس الغربي

بعد احتفاله بعيد ميلاده السّابع والثمانين، في بلد إقامته المكسيك، غيّب الحمام يوم الخميس 17 نيسان (ابريل) الجاري(2014) ‘غابرييل غارسيا ماركيز′ أحد أكبر الرّوائيين في القرن العشرين، الحاصد أو الحاصل على جائزة نوبل العالمية في الآداب عام 1982 ، كان صاحب الأعمال الإبداعية الرّوائية الكبرى في العالم الناطق باللغة الإسبانية، والآداب العالمية، مثل ‘مائة سنة من العزلة’ التي قال عنها بابلو نيرودا أنها من أعظم الروايات التي كتبت في اللغة الإسبانية بعد ‘دون كيخوته دي لا مانشا’ لمغيل دي سيرفانتيس، و’الحبّ في زمن الكوليرا’ والكولونيل ليس لديه من يكاتبه’ ‘ويوميات موت معلن’، و’الجنرال في متاهته’، و’خريف البطريرك’ وسواها من الأعمال الإبداعية العديدة في مختلف المضامين، والمجالات الأدبية الأخرى.
ولد ماركيز في ‘أراكاتاكا’ في 6 مارس 1927 التي كانت ضيعة، أو قرية مغمورة في الكرايب الكولومبي، والتي تحوّلت في روايته الشهيرة ‘مائة سنة من العزلة’ إلى ‘ماكوندو’، حيث تترعرع، وتتعايش، وتتآخى ،وتتعانق الحقيقة، والخيال، والأسطورة، والخرافة، والأحلام، والرّغبة، والتطلّع، لقد فتحت آداب ماركيز الباب على مصراعيها للإبداعات الأدبية في أساليب جديدة مبتكرة، كان كذلك من أبرز وأهمّ كتّاب ‘البّوم’ الأدبي الشهير للرّواية الإسبانية- الأمريكية في العالم أجمع،ومن أشهر كتّاب موجة ‘ الواقعية السّحرية ‘في الآداب الأمريكية اللاتينية ،التي إنتشرت وإشتهرت منذ السبعينيات من القرن المنصرم .
من سار على الدّرب وصل
كان ماركيز يوقّع كتاباته الأولى وهو بعد غضّ الإهاب، طريّ العود في المعهد الذي كان يتابع فيه دراسته، باسم مستعار وهو ‘خبيير غارسيس′ ولم يكتب بإسمه الصّريح حتى عام 1947 عندما إلتحق بالجامعة الوطنية ببوغوتا لدراسة الحقوق، حيث طفق يكتب- بمساعدة صديق عمره، ورفيق دربه في الإبداع الكاتب الكولومبي الكبيرالرّاحل ألفارو موتيس – في جرائد ‘الأونيفرسال’ و’الهيرالدو’ وأخيرا ‘الإسبكتادور’، ثمّ تمّ إيفاده عام 1955 كمراسل من طرف هذه الصحيفة إلى أوربا، وبشكل خاص إلى جنيف، وروما، ثمّ أخيرا إلى باريس حيث بدأت تتفتّح له أبواب الشّهرة والمجد الأدبيين.
وبعد إنتصار الثورة الكوبية عام 1959 إنتقل غارسيا ماركيز إلى ‘لاهافانا’، حيث بدأت ميولاته اليسارية تتفتّق، وأقام صداقة متينة منذ ذلك الإبّان مع قائد الثورة الكوبية فيديل كاسترو، ولقد إستمرّت هذه الصداقة لسنوات طويلة جدّا،وفي عام 1961 ثمّ إيفاده إلى نيويورك مبعوثا من طرف ‘الوكالة اللاتينية للصّحافة’، وفي هذه التواريخ بدأ كتابة روايته المعروفة ‘الكولونيل ليس لديه من يكاتبه’، ثمّ سرعان ما عاد أدراجه إلى المكسيك وهو البلد الذي سيصبح مكان إقامته الثانية بعد بلده كولومبيا، وفي المكسيك كان يكتب سيناريوهات للسينما إلى جانب الرّوائي المكسيكي الكبير كارلوس فوينتيس، ومن أشهر الأفلام التي أعدّها ماركيز للفنّ السابع فيلم ‘الدّيك الذّهبي’ عن قصّة للكاتب المكسيكي المعروف خوان رولفو. ثم طفق بعد ذلك في نشر فصلات ،أو أجزاء مستقلّة من عمله الإبداعي الروائي الكبير الذائع الصّيت ‘مائة سنة من العزلة’ في كلّ من بوغوتا، وليما، وباريس، وقد ظهرت الطبعة الأولى من هذه الرواية في ‘بوينس أيريس′ بالأرجنتين، والتي حققت له نجاحا أدبيا باهرا وسريعا، ثمّ إنتقل ماركيز للإقامة في مدينة برشلونة إلى غاية 1975. وبعد هذا التاريخ عاد إلى المكسيك، وصار يقاسم اقامته بين العاصمة الأزتيكية، وبين مدينة ‘كارتاخينا دي إندياس′ الكولومبية، والعواصم الأوربية، وفي مختلف بلدان أمريكا اللاتينية.
إعترف غابرييل غارسّيا ماركيز بأنّ شهرته الأدبية لم تكن نتيجة الأعمال الكلاسيكية الكبرى التي كتبها، وإنما جاءته هذه الشّهرة عن طريق الأغاني الشعبية المنتشرة في البّحر الكاريبي، وهي عبارة عن قصص مغّناة مصحوبة بالطنبور والأكورديون، تتحدّث عن البطولات، والمغامرات، والإنتفاضات، والنكبات، والفواجع التي عرفتها شعوب المنطقة التي ينتمي إليها،التي كانت على الدّوام ملتهبة بالأحداث والتطوّرات، والتقلّبات والتي كان لها تأثير كبير على حياته وكتاباته .
ويقول ماركيز عن روايته ‘مائة سنة من العزلة’ التي حصل بها على جائزة نوبل في الآداب عام 1982، إنّه على الرّغم من التقريظ والإطراء اللذين حظيت بهما هذه الرواية، إلاّ أنّ كتبه الأخرى خير منها، وكان هذا التصريح في الواقع مناورة من ماركيز لتوجّيه عناية وإهتمام القرّاء والنقّاد إلى بقية أعماله الأدبية الأخرى، كمّا أنّه كان تعبيرا عن طموحاته، وتطلّعاته إلى مواصلة طريق النجاح، والشّهرة الواسعة التي أصبح يرفل في أثوابها.
وقال ماركيز إنّ رواية ‘مائة سنة من العزلة’ قد تحوّلت إلى حاجز، أو نقطة إنطلاق، أو شهادة أساسية بالنسبة لباقي إبداعاته الأخرى، وهو لم يكن بودّه أن يحدث هذا، إذ بالنسبة إليه، فإنّ أحسن كتبه وأقربها إلى نفسه هو ‘الكولونيل ليس لديه من يكاتبه’ ..!.

البدايات والمؤثّرات
وحول تأثيراته الأدبية يقول ماركيز: ‘إنّ الرّوايات التي تروى في سواحل كولومبيا الكاريبية لها نظرة خاصّة ومباشرة للواقع، وهذاهوأكبر منهل إغترفت منه ويظهر تأثيره جليّا في معظم كتبي’. وأشار أنّ أولى قراءاته الجادّة كانت في معهد مدينة ‘سيباكيرا’ (تبعد عن العاصمة بوغوتا بحوالي خمسين كيلومترا والتي توجد بها أكبر كاتدرائية للملح في العالم وهي من أهمّ المعالم السياحية الغريبة في كولومبيا اليوم) حيث تابع دراسته حتى مستوى الباكالوريا، وأنه قرأ في أوقات الفراغ كلّ الكتب التي كانت موجودة في مكتبة هذا المعهد، حيث إعتكف وإكتشف ‘ويليام فولكنر’، و’فيرجينيا وولف’ و’إرنست هيمينغواي’، إلى جانب العديد من الكتّاب الآخرين الكبار من مختلف الجنسيات والثقافات، ومن الكتب التي قرأها ويذكرها جيّدا في هذا المعهد ‘ألف ليلة وليلة’ حيث كان لهذا الكتاب تأثير كبيرعليه كذلك، ظهر بشكل واضح في روايته ‘مائة سنة من العزلة’ حسب بعض الدارسين.

كتاب أمريكا اللاتينية
هذه الرّواية، قال عنها الكاتب المكسيكي الكبير الرّاحل كارلوس فوينتيس أنّه في عام 1965عندما وصلته نسخة من الصّفحات الأولى منها وهو في باريس، جلس دون تفكير وكتب: (لقد قرأت كتاب أمريكا اللاتينية). إنّها تبدو للقارئ، وكأنّها رواية مغامرات، حيث تمتزج فيها البطولة بالأسطورة. كما أنّها تبدو للقارئ غير النابه وكأنّها قصص ألف ليلة وليلة في صيغتها الأمريكية التي تلخّص تاريخ أمريكا اللاتينية منذ إستقلالها إلى الوقت الحاضر.هذه اللعبة التي تتطلب بعد التراجع والتقهقر غيرالمعلن عنهما في النصّ تشير إلى هذه القارّة في بعض عهودها الغابرة، وهكذا نجد تكهّنات تشحذ الخيال حول العصر الوسيط، وعصر النهضة وقرن أوعصر الأضواء، ويشطّ أو يشطح ‘ماركيز′ بخياله، في إحدى شخصوص الرّواية وهو ‘مكياديس′ العالم الكيماوي، ولقد إعترف ماركيز أنه قد إستوحى هذه الشخصية من قارئ الطالع والمتنبّئ الفرنسي الشهير والمثير ‘ميشيل دي نوسترداموس′ وهو كذلك رجل النهضة المدافع عن حقوق الإنسان في القرن الثامن عشر، ربما لذلك يموت مرّتين، ويحتمل أن يولد من جديد ليدلّنا ويرشدنا كيف ستجد ‘ماكوندو’أو ‘أراكاتاكا’ (أي أمريكا اللاتينية) منفذا أو مخرجا من الموت الذي يحكم به عليها ظاهريا ماركيز في نهاية الرّواية. فمائة سنة من العزلة تبتدئ بتقديم ماكوندو كأرض بور تدعو الرجال في المنطقة لإستيطانها ،وتنتهي كذلك كما بدأت بدعوة جديدة للمهاجرين الجدد الذين سوف ينزلون لأسباب عدّة من الجبال مثل المرّات السابقة لإستيطان القرية ومنحها قوانين أكثر عدالة وأقلّ فسادا. من جهة أخرى ‘مكياديس′ يمكن أن يموت ويولد لأنّه يقطن ويسكن أوّلا وأخيرا في القارة الأمريكية ،حتى وإن كان يجرى في عروقه الدم الأجنبي ،إنه لا يفرق أو يميّز الحدود الفاصلة بين الحياة والموت في هذه المنطقة، أيّ في أمريكا التي لا يموت شيء فيها موتا تامّا أو كاملا أو نهائيا، كما أنّه لا يولد أيّ شيء فيها بالتمام أو في شكله النهائي.
بعد النجاح الباهر الذي حققته هذه الرواية، فإنّ ماركيز يرجع نجاحه الأدبي إلى أنه يتمتّع منذ البداية بنظرة واضحة، وهي أنّ عالمية الأدب تكمن في قدرة الكاتب على رؤيته، ونقل وتصوير العالم الداخلي الخفيّ للكاتب نفسه، ويقول: ‘إنّ الوسيلة الوحيدة ليصبح المرء كاتبا عالميا هو أن يكتب عن قريته الصغيرة’. ويتّفق ماركيز في هذا مع القاصّ المكسيكي المعروف ‘خوان رولفو’ ومع الفنان المكسيكي الكبير ‘روفينو طامايو’، ومع يحيى حقّي، وتوفيق الحكيم، والطيّب صالح، وغسّان كنفاني، ومحمد شكري وسواهم من كبار الكتّاب الآخرين.
ويؤكّد ماركيز أنه عندما أدرك الشهرة الواسعة أصبح يشعر بالعزلة، لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يعرف ماذا وكيف يفكّر الآخرون حوله. وقال صاحب ‘مائة سنة من العزلة’ أنّه كان يشعر بالعزلة أكثر من أيّ وقت مضى، فالشّهرة في رأيه يمكنها أن تكون رائعة لو كانت مثل صدرية يمكن للمرء أن يخلعها عنه متى شاء، ويعود لأرتدائها متى شاء، وإلاّ فإنّها تصبح شيئا مضنيا ومتعبا للإنسان عليه حمله 24 ساعة متوالية في اليوم. وقال ماركيز أنّ أخطر ما يمكن أن يجنيه الإنسان من الشّهرة هو الهجوم، والمضايقات التي يتعرّض لها ضدّ حياته الحميمية الخاصّة بإلحاح متواصل ومتثاقل حتى أمسى أمرا لا يطاق لدى بعض الكتّاب والمشاهير، ويغدو ثمنها في الأخير العزلة القاتلة.

ذكريات مضيئة
وعن أيام طفولته وشبابه يقول ماركيز، إنّ أحلى وأجمل وأسعد سني عمره كانت خلال طور الدّراسة . وهو يتذكّر في هذا القبيل رحلة قام بها على ظهر مركب عبر نهر ‘ماغدالينا ‘، ثم في قطار قديم نحو ‘بوغوتا’ ليجتاز اختبار الحصول على منحة دراسية، كان عمره آنذاك 13 سنة فدنا منه رجل وطلب منه كتابة قطعة شعرية لإهدائها لخطيبته كان ماركيز قد غنّاها مع مجموعة من الطلبة ‘السّواحلييّن’ (نسبة للقاطنين على السّاحل الكولومبي) المتّجهين كذلك مثله إلى العاصمة بوغوتا بحثا عن منح دراسية، وتابع ماركيزحديثه قائلا: ‘بعد مرور أيام على هذا الحدث رآه الرجل نفسه الذي كان قد طلب منه على متن القطارالقطعة الشعرية إيّاها ،وهو واقف في طابور طويل أمام مبنى وزارة التربية والتعليم في بوغوتا تحت شمس حارّة وحارقة ليتقدّم لامتحان الحصول على منحة دراسيّة، فسأله: أنت، ماذا تفعل هنا..؟ وحينما ذكر له السّبب قال له الرجل: دع عنك هذا وتعال معي، فقد كان هو المدير العام للمنح بالوزارة. وهكذا خصّه بمنحة على الفور لمتابعة دراسته في معهد ‘سيباكيرا’ الآنف الذكر، وقد شكّل ذلك أولى خطواته في درب الصّحافة والأدب والشّهرة الواسعة.

غابو: إرث وطني
في عام 1999 أصيب ماركيز بسرطان لمفاوي سرعان ما تجاوزه وشفي منه، وفي عام 2001 فقد أخا له يدعى ‘غابرييا إليخيو ماركيز′ الذى حزن عليه حزنا شديدا، كان وقتئذ بصدد إعداد مشاريع أدبية لكتابة العديد من الكتب بعد ‘مذكراته’ أو ‘سيرته الذاتية’ التي نشرها عام 2002 تحت عنوان ‘أعيش لأروى’، والتي كان قد حقق بها مبيعات ضخمة في العالم الناطق باللغة الإسبانية وخارجه. ولكنّه ظل صامتا لم يعرف عنه شيء طوال هذه السنين حتى بلغ الخامسة والثمانين من عمره في مارس من عام 2012، حيث نشرت العديد من الصّحف والمجلات في مختلف بلدان العالم صوره وهو في المكسيك مع زوجته، وأقربائه،وأحبّائه، وخلاّنه، وأصدقائه، وذويه، في هذا البلد الأزتيكي الذي عاش فيه ماركيز أكبر قسط من حياته، كالعديد من الكتّاب الآخرين من مختلف بلدان أمريكا اللاتينية مثل بلديّه وابن جلدته ‘ألفارو موتيس′، و’أغوستو مونتيرّوسو’، و’إدواردو غاليانو’، و’فرناندو فاييّخو ‘وسواهم وهم كثير . يقول عنه أحد أصدقائه المقرّبين وهو الكاتب الكولومبي ‘بلينيو أبوليّيو ميندوسا’: ‘كان غابرييل غارسيا ماركيز هوّ ذاته، ولكنّه لم يكن غابو المعهود (لقبه من باب التلطيف بين أصدقائه) الذي يعرفه الجميع،كان يبدو كما لو كان غائبا عن المكان، كان قد فقد تلك الشرارة المتّقدة، والشّعاع اللاّمع الذي كان يتلألا في عينيه باستمرار.
كان ‘غابو’ يبدو غريبا غير عادي، وأضحى الحديث عنه في بلده كولومبيا يكاد أن يكون محظورا أو محرّما، فهو يعتبر إرثا وطنيا لا يمكن لمسه أو الدنوّ منه’..!. (أنظرالمقالات الثلاث التي نشرت لي مؤخرا في ‘القدس العربي’ حول هذا الكاتب الكبير وهي:’مائة سنة من العزلة: يوميات قرية أسطورية’ عدد 7369 بتاريخ 27 شباط (فبراير) 3013 . و’غابو ..صحافيا’ عدد 7384 بتاريخ 16-17 آذار (مارس) 2013. و’ماركيز هل فقد ذاكرته..؟ عدد7153 بتاريخ 14 حزيران (يونيو) 2013).
‘ كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا- (كولومبيا).

ايوب صابر 10-13-2014 12:00 PM

الى اي نمط كتابي تنتمي رواية مائة عام من العزلة حسب رأيك؟
الى الواقعية السحرية ؟
ام الى الخيال السحري؟

ايوب صابر 04-20-2015 09:38 AM

الرّواية التي ملأت الدّنيا وشغلت النّاس..! : بقلم محمّد محمّد خطّابي
 
فى الذّكرى الأولى لرحيل صاحب مئة عام من العزلة: الرّواية التي ملأت الدّنيا وشغلت النّاس..!
محمّد محمّد خطّابي
april 19, 2015
عن القدس العربي

غرناطة ـ «القدس العربي»: منذ رحيل صاحب رواية «مئة عام من العزلة» الكاتب الكولومبي الشّهير غابرييل غارسّيا ماركيز بتاريخ 17 نيسان/ابريل من العام المنصرم 2014 نشرت العديد من الكتب والمقالات والدّراسات التي لا حصر ولا عدّ لها حول هذا الرّوائي المثير دائماً للجدل قيد حياته، سواء في معايشاته الخاصّة، أو في رواياته أو تصريحاته أو مع أصدقائه وخلاّنه وكبريائه وخيلائه وعناده والمشاكل الصحيّة التي كانت تنتابه قبيل وفاته بخصوص الضّعف الذي كان قد أصبح يعاني منه في ذاكرته في الأعوام الأخيرة من عمره، (أنظر مقالي حول هذا الموضوع في «القدس العربي» بعنوان «غابرييل غارسيا ماركيز ..هل فقد ذاكرته؟» (العدد713بتاريخ 14حزيران/يونيو2012) أو إلقاء الأضواء على مهنته القديمة والمتجدّدة دائما وهي تعاطيه الصّحافة في ربيع عمره .
غابرييل غارسّيا ماركيز منذ أن رحل عن عالمنا لم تتوقف الأوساط الثقافية، ودور النشر في إسبانيا، وفي بلده كولومبيا، وفي مختلف بلدان أمريكا اللاتينية، والولايات المتحدة الأمريكية، ومختلف بلدان العالم عن تنظيم لقاءات وتظاهرات وملتقيات ومناظرات حول أدبه، وإبداعاته ورواياته وكتبه، وإعادة طبع بعضها، كما لم يتوقف الحديث عن خطاباته التي جمعت قبيل رحيله في كتاب مستقلّ تحت عنوان «لم آت لألقي خطاباً» وكان آخر كتاب نشر عنه يحمل عنوان «غابو..صحافياً» وقبله بقليل كان قد صدر عنه كذلك كتاب آخر تحت عنوان «غابو رسائل وذكريات» من تأليف صديقه الحميم بيلينيو أبوليّو ميندوسا (أنظر مقالي في «القدس العربي» حول هذا الكتاب العدد 7356 بتارخ 12 شباط/فبراير 2013)، أمّا كتاب «غابو صحافياً» فقد كان قد صدر قبل وفاته في كلٍّ من كولومبيا والمكسيك في آنٍ واحد عن دار النشر «صندوق الثقافة الإقتصادية»، كما كانت قد صدرت طبعات أخرى من هذا الكتاب في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية وإسبانيا بعد ذلك. وكان الكاتب والناقد الإسباني خوان كروث قد إعتبر هذا الكتاب عند صدوره كنزاً ثميناً لا نظير له في عالم الخلق، والإبداع الصّحافي والأدبي على حدّ سواء، ولقد تمّ توزيع أو إهداء الطبعات الأولى منه في حياة الكاتب بالمجّان، ثم بيع بأثمنة متفاوتة بعد مماته، فالأمر كان يتعلق بواضع أشهر روايةٍ كتبت في القرن العشرين، وهي «مئة عام من العزلة» التي بيع منها منذ صدورها أوّل مرّة عام 1967 ملايين النّسخ حتى اليوم.
وحريٌّ بنا بهذه المناسبة، والحالة هذه أن نلقي نظرة متأنّية على هذه الرّواية التي حقّقت من الشّهرة، والذيوع، والإنتشار ما لم تحقّقه أيّ روايةٍ أخرى من رواياته، أو روايات زملائه، وخلاّنه، وأصدقائه من الكتّاب الآخرين سواء في موطنه كولومبيا، أو في أيّ بلدٍ من بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى

رواية ملأت الدّنيا وشغلت النّاس

ماذا إذن في هذه الرّواية التي ملأت الدّنيا وشغلت الناس؟ وما هي أهمّيتها، وقيمتها بالنسبة لباقي أعمال ماركيز الإبداعية الأخرى؟ وماذا تخبّئ بين صفحاتها أو تخفي بين دفّتيها؟ وماهو سرّ أو سحر نجاحها، وشهرتها، وذيوعها وإنتشارها، ونقلها إلى مختلف لغات الأرض؟ (ترجمت إلى 37 لغة بما فيها اللغة العربية).!
الواقع أنّ رواية «مئة عام من العزلة» تعتبر من أشهر، وأبهر روايات «غابو» الذي توّج بها رحلته الطويلة في عالم الخلق، والعطاء، والإبداع بجائزة نوبل في الآداب عام 1982، لقد كتب ماركيز هذه الرّواية في المكسيك ونشرها في بوينوس أيريس ولم يكن يتجاوز عمره آنذاك التاسعة والعشرين. وكان أوّل نقدٍ كتب حول هذه الرّواية بقلم الناقد المكسيكي إيمانويل كاربايو عام 1967 عندما قرأها وهي بعد مطبوعة على الآلة الرّاقنة، ولم تكن قد صدرت بعد، لقد ذهب هذا الناقد في ذلك الوقت إلى القول: «إنّه وجد نفسه أمام واحدةٍ من أعظم الرّوايات في القرن العشرين» ولم يخطئ .
ولد غابرييل غارسيا ماركيز في أراكاتاكا وهي إحدى القرى الكولومبية الصغيرة المغمورة عام 1927، وخرج من قريته عام 1930، ومن كولومبيا عام1954 إلاّ أنّه ظلّ وفيّاً لقريته، وللذكريات التي عاشها هناك. وعندما بدأ يكتب قصصه، ورواياته قفزت شهرة هذه القرية إلى مختلف أنحاء العالم، ونطقها الملايين بفضل إبنها البار. ونظراً للحرارة المرتفعة المعروفة عن هذه القرية، فإنّنا نجد هذا الحدث ينعكس على معظم قصص ماركيز، وهو يرمز إلى هذه القرية في العمل الأدبي الإبداعي الكبير باسم «ماكوندو».

العرب والعربيّة في مئة عام من العزلة

يتعرّض ماركيز في هذه الرّواية، التي تنتمي إلى مدرسة الواقعية السّحرية التي ميّزت الأدب الأمريكي اللاتيني خلال الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، للمهاجرين العرب الأوائل (مسلمين ومسيحيين) الذين وصلوا إلى أراكاتاكا (ماكوندو) في الرّواية، وعن مهن التجارة التي كانوا يزاولونها، وعن البّاعة المتجوّلين، وبائعي الحليّ والمجوهرات، وهو يستعمل في تسميتهم مصطلح «الأتراك» وهو مصطلح غير دقيق (سمّوا كذلك فقط لأنّهم عند هجرتهم كانوا يحملون جوازات سفر مسلّمة لهم من طرف الدّولة العليّة العثمانية التركية) وتبدو في الرّواية بعض العادات والتقاليد العربية، فـ «شارع الأتراك» سيصبح في الرّواية فضاءً سيعرف تغييرات، وتحوّلات واضحة سيكون لها تأثير على معظم سكان ماكوندو التي يقول عنها ماركيز أنّها: «سرعان ما تحوّلت من ضيعة صغيرة إلى قرية نشيطة ذات دكاكين وأوراش للصّناعات التقليدية، وإلى طريق تجاري دائم من حيث وصل العرب الأوائل» الذين تعاطوا التجارة والمقايضة وأحدثوا في القرية تنظيماً إجتماعياً أساسياً، وحياة ثقافية، وحملوا معهم «ألف ليلة وليلة» وقصصها العجيبة وخيالها المجنّح (قرأ ماركيز هذا الكتاب في السّابعة من عمره). إنّ وصول هؤلاء المهاجرين إلى القرية وإنتشار مفهوم التجارة فيها قد يكون تلميحاً، أو رمزاً لوصول الاسبان إلى ما سمّي فيما بعد العالم الجديد، أو اسبانيا الجديدة، أو أمريكا.
تجدر الإشارة أنّني بعد قراءةٍ متأنيّة لهذا العمل الإبداعي الرائع- خلال وجودي في كولومبيا- قمت بإجراء إحصاء دقيق للكلمات العربية أو التي تنحدر من أصل عربي الموجودة فيه، فإذا هي كلمات عديدة جدّاً لا حصر لها مبثوثة هنا وهناك في هذه الرّواية منها على سبيل المثال: القطن، المسجد، السّوسن، الضّيعة، الجلباب، المخزن، العقرب، الكحول، الكافور، القطران، الزّيت، المسك، السّوط، الياسمين، الزّهر، الخزامى، البركة، السّاقية، اللقّاط، الزعفران، الزّناتي (التي إستقرّت في الاسبانية بمعنى الفارس المغوار نسبةً إلى القبيلة الأمازيغية بالمغرب «زناتة»)، الكيل، الثرثرة، الشّراب، القاضي، القائد، البابوش (عربية- فارسية) وسواها من الكلمات الأخرى، ولقد فوجئ العديد من المثقفين والكتّاب الكولومبيين بذلك عندما ألقيت محاضرةً حول» مئة عام من العزلة» لماركيز باللغة الاسبانية منذ بضع سنوات خلال أمسية أدبية «بنادي نوغال» الشهير ببوغوتا، إذ يصعب في كثير من الحالات ردّ بعض الكلمات العربيّة أو ذات الأصول العربية التي إستقرّت في اللغة الاسبانية منذ قرون إلى أصلها أو أثلها العربي.

فصول مستقلّة

ويشير الناقد إمانويل كاربايو إلى أنّ ماركيز بأعماله الرّوائية المبكّرة قد أقام إلى جانب روائيين آخرين أسس وقواعد الرواية الجديدة في هذه القارة، وقد نال إعجاب القرّاء، والنقّاد إلى جانب كتّاب مثل الراحل كارلوس فوينتيس وماريو برغاس يوسا الذين إنطلقوا من التزامهم باللغة ثمّ عمدوا إلى التحليل العميق لواقع الإنسان الأمريكي اللاتيني، وعالجوا بذكاء أساطير وإرهاصات العالم الذي نعيش فيه، وتعكس أعمالهم حياة قارّة بأكملها.
ويشير الكاتب أنّ الروائييّن الذين يعتبرون إخوة كبار لماركيز وهم كاربنتيير وكورتاثار ومارشال ورولفو أمكنهم كذلك خلق فنّ روائي جيّد على مستوى القارة. وأنّ أوّل قصّة كتبها ماركيز لم يكن عمره يتجاوز 19 سنة ونشرها بعد ثماني سنوات وهي «تساقط الأوراق» صدرت في بوغوتا عام 1955، ثم تلتها رواية «الكولونيل ليس لديه من يكاتبه» وهي رواية قصيرة أو قصّة مطوّلة أنهى كتابتها في باريس عام 1957، ثم «السّاعة النحسة» التي حصل بها الكاتب على أوّل جائزة أدبية عام 1961، وفى عام 1967ظهرت له «مئة عام من العزلة»، التي تعدّ من أجود الرّوايات التي شهدتها اللغة الاسبانية في القرن المنصرم.
لقد قدّم ماركيز «للرواية الاسبانوأمريكية» ما قدّمه وليم فولكنر» للرّواية الأمريكية». أنّ قصصه القصيرة هي بمثابة فصول مستقلة لم تجد مكانها في رواياته، أو ربما كتبت لتنير حياة بعض الشخصيات، أو تفسير بعض أحداث هذه الروايات الأكثر إنتشاراً في العالم، وهي قصص مكتوبة بطريقة تقليدية تجعل بينها وبين الماضي حدّاً بواسطة الصّمت الذي يغدو في أعمال ماركيز صوتاً مدويّاً صاخباً مثل كلماته مئة عام من العزلة نفسها التي هي سرد لتاريخ شعب.

التاريخ والأدب

إنّه أوّل ما يثير الانتباه بعد إغلاق كتاب «مئة عام من العزلة» هو عدم تسلسل أحداثها التاريخية، ولكنّ هذا النوع من عدم التسلسل بدلاً من أن يصبح عاملاً يلغي قيمة الرّواية يجعلها تتوفّر على بعض الخصائص التي أهّلتهأ لتحتل مكاناً خاصّاً بين الأعمال الروائية التي نشرت بعدها، فعلى خلاف الرّوائيين الآخرين المعاصرين لماركيز، إنه في هذه الرّواية يسعى ويحقق مبتغاه في البحث عن الأصالة بواسطة سبل قد تبدو للوهلة الأولى في الظاهر رجعية، وهذه السبل بدلاً من أن تتّجه نحو المستقبل فإنها تسير في إتجاه معاكس للتاريخ وللأدب بغية اكتشاف الماضي، هذا الماضي الذي أسهمت العزلة والوحدة في تنقيته، وتجليته، وتصفيته وأصبح يكاد يكون مجهولاً ولكنه في الوقت نفسه هو جديد بالنسبة للقارئ مثل صحيفة اليوم التي بين يديه، فهناك يعثر على ما كان يبحث عنه منذ 1955 عندما صدرت قصّته «تساقط الأوراق»، فكأنك تلتقي مع رجال يعيشون في الخيال، وهو هنا نوع من البناء إنطلاقاً من الهدم ، الحبّ، القهر، والقسوة، والمعاناة. رجال وعالم يقفان في الرّصيف المقابل للمعتقدات الإجتماعية والأعراف الموضوعية والأفكار السياسية والمعتقدات الدينية. والمحسوبية والمنفعية، وأخيراً المخدّرات التي تجعل الحياة ممكنة ومستمرّة في مجتمع مّا، كما هو الشأن في قصّة «الكولونيل ليس لديه من يكاتبه» وفي «الساعة النحسة» فقد كان من المستحيل الجمع بين التاريخ والشخصيات. إنّ غارسيا ماركيز أمكنه أن يجد في قرية ماكوندو وهو الإسم الذي يرمز إلى اسم قريته الحقيقية أراكاتاكا، رجالاً وطرائق عيش والصّلات التي تربطهم بعوالم سابقة لوجودهم. في الوقت الذي تتحوّل فيه هذه الشخصيات إلى أناس أنانييّن، وأصدقاء وصوليين لا تهمّهم سوى المصالح المادية الآنية، فقرية ماكوندو هي (الفردوس الأرضي) والفرصة المناسبة الوحيدة المتاحة والممنوحة للإنسان ليحقق أحسن أمانيه. في الفردوس لا يمكن لأعداء الرجال إستغلال
الفرص لتحطيم وإفساد السعادة التي يوجدون فيها، إنّ (مؤسّسة ماكوندو) التي توازي فكرة أمريكا، حيث أمكن للأوربييّن منذ «الاكتشاف» تعزيز مواقفهم فيها، واستقدموا معهم في الوقت ذاته عنصر الاستمتاع بالحياة وكذا زرع بذور الشرّ والكراهية والتحطيم، التي ستترك القرية فيما بعد شبيهة بقرية متحجّرة أو مصنوعة من حجر. ومثلما ذهب الرّوائي المكسيكي كارلوس فوينتيس عندما قرأ مئة عام من العزلة فوصف هذه الرواية بأنها «كتاب أمريكا اللاتينية». يرى إمانويل كاربايو كذلك أنّ هذه الرّواية بالفعل هي بمثابة «كتاب مقدّس» في وصاياه أو عهوده القديمة والجديدة الذي يحكي فيها تماشّياً مع قواعد الفنّ تاريخ شعب مختار، في قرية ماكوندو منذ البداية إلى حلول الكارثة، منذ أن وطأ هذه الأرض الغرباء الوافدون، وجعلوا من هذه الضّيعة قرية أسطورية حتى اللحظة التي يهيمن فيها النمل على الأرض، ويلتهم آخر وليد من آخر رجال هذه الذريّة والسّلالة.

روايةٌ تشحذ الخيال

الرواية تبدو للقارئ إنطلاقاً من منظور آخر، وكأنّها رواية مغامرات، حيث تمتزج فيها البطولة بالأسطورة. كما تبدو بالنسبة للقارئ غير النّابه وكأنّها قصص ألف ليلة وليلة في صيغتها الأمريكية التي تلخص تاريخ أمريكا اللّاتينية منذ إستقلالها إلى الوقت الحاضر.هذه اللعبة التي تتطلب بعد التراجع والتقهقر غير المعلن عنهما في النصّ تشير إلى هذه القارّة في بعض عهودها الغابرة، وهكذا نجد تكهّنات تشحذ الخيال حول العصر الوسيط، وعصر النهضة، وقرن، أو عصر الأضواء ويشطح ماركيز بخياله، فـ «مكياديس» هو العالم الكيميائي في العصر الوسيط، ولقد إعترف ماركيز أنّه قد إستوحى هذه الشخصية من قارئ الطالع والمتنبّئ الفرنسي المعروف ميشيل دي نوسترداموس وهو كذلك رجل النهضة المدافع عن حقوق الإنسان في القرن الثامن عشر ربّما لذلك يموت مرّتين، ويحتمل أن يولد من جديد ليدلنا ويرشدنا كيف ستجد ماكوندو منفذاً أو مخرجاً (أيّ أمريكا اللاتينية) من الموت الذي يحكم به عليها ظاهرياً ماركيز في نهاية الرّواية. وهذه الخلاصة تتصادف بشكل يثير الإنتباه في البداية، فمئة عام من العزلة تبتدئ بتقديم ماكوندو كأرض بور تدعو الرّجال في المنطقة لإستيطانها، وتنتهي كذلك كما بدأت بدعوة جديدة للمهاجرين الجدد الذين سوف ينزلون لأسباب عدّة من الجبال مثل المرّات السابقة لاستيطان القرية ومنحها قوانين أكثر عدالة وأقلّ فساداً. من جهة أخرى مكياديس يمكن أن يموت ويولد لأنه يقطن ويسكن أوّلاً وأخيراً في القارّة الأمريكية، حتى وإن كان يجري في عروقه الدم الأجنبي، إنه لا يفرق أو يميّز الحدود الفاصلة بين الحياة والموت في هذه المنطقة، أيّ في أمريكا التي لا يموت شيء فيها موتاً تامّاً أو كاملاً أو نهائياً (فلنفكّر في النظام الإقطاعي والمذاهب الليبرالية) كما أنّه لا يولد أيّ شيء فيها بالتمام أو في شكله النهائي.
رواية «مئة عام من العزلة» تطرح معضلة وهي: إلى أيّ حدّ ينبغي للرّواية وباقي الأغراض الأدبية الأخرى أن تعكس الظروف الواقعية وفي هذه الحالة للبلدان السّائرة في طريق النموّ؟ أو إلى أيّ حدّ يجوز لنا إذا وضعنا في إعتبارنا أنّ الرواية هي في يد الرّجال المتدرّبين مثل الأوروبيّين والأمريكيّين بأن نذهب ونقدّم للقرّاء صورة بنيوية وجمالية حسب ما يحدث في المختبرات الأدبية الأكثر تقدّما في البلدان التي تعيش وتستمتع بالإمتيازات التي يوفّرها لها العصر الحاضر؟ إنّ إجابة ماركيز تبدو مقنعة، فإنّ «مئة عام» تقول: «إن التطوّر والنموّ الإقتصادي لا ينبغي لهما أن يصبّا بالضرورة في رواية طيّعة أو في رواية تتجاهل الواقع والإطار التاريخي للقارّة».

تطويع الأسلوب

إنّ وجهة نظر ماركيز لا يمكن أن يعاتب عليها، لأنّه لا ينكر فضل هذه الرّواية الجديدة، ولا الإكتشافات القائمة في التقليد الأدبي الأمريكي اللاتيني، وهكذا يمكن أن يقدّم بإرتياح للقرّاء عملاّ أمريكياّ، وهو عمل لا يمكن أن يغبط تلك الأعمال التي تكتب في أماكن أخرى من العالم. أنّ «مئة عام من العزلة» تعتبر من أدقّ وأعمق وأجود الروايات، إلاّ أنّه إلى أيّ حدّ يمكن إستعمال هذا الوصف دون أن ينأى عن الحقيقة؟!
إنّ البنية، والتاريخ والشخصيات والأسلوب والجوّ الذي تدور فيه الرّواية كلّ ذلك يفي بدقّة متناهية بالغرض، فالرّواية إستعراض في أرقى مظهره للحياة، والألم، والمعاناة، والموت، والأمل، حيث الخيال والعبث وكلّ ما يمكن أن يتخيّله المرء يغدو أمامه حقيقة ماثلة.
ماركيز بعد كتابته لهذه الرّواية يمكن أن ينام هانئ البال مطمئنّ الخاطر حتى وإن كان هناك إحتمال مؤدّاه أنّ هذا العمل الأدبي قد يقصي الكرى عنه كالأرق الذي كانت تعاني منه ماكوندو وستظلّ كذلك ما تبقىّ لها من الأيام. ويشير كاربايو إلى أنّه بعد أن أعاد قراءة نقده الأوّل لهذه الرّواية الذي نشره عام 1967، ينبغي له أن يتنبّه إلى «أنّ التنبّؤات، أو قراءة الغيب في الأدب يمكن أن يبتعد وأن ينأى عن الصّواب». ففي هذا العرض توقّع الناقد أنّ ماركيز مثل رولفو وغيره من الذين بعد كتابتهم لعمل جيّد وممتاز قد يلوذون بالصّمت، ولكنّ شيئاً من هذا لم يحدث مع ماركيز، فقد إستمرّ في الكتابة والإبداع، فمن سنة 1967 إلى اليوم نشر كتباً كثيرة جديدة.
ويشير الناقد أنّه مع ذلك ليس متيقنّاً من أنّ ماركيز قد كتب بالفعل أعمالاً جيّدة كما هو الشأن في حينه بالنسبة لمئة عام من العزلة، وأقلّ منها مرتبة «الكولونيل ليس لديه من يكاتبه» وهو يرى في أعماله بعد سنة 1967 نوعاً من الحنين نحو عالم ضائع لا يمكن إسترجاعه. إنّ ماركيز الذي جاء بعد «مئة عام» ليس مكتشف أقطار، ومناطق ومواطن أدبية جديدة في عصرنا، إنه كاتب وصاحب أسلوب قويّ ومميّز ذو مقدرة وطواعية رائعة، ونكهة لذيذة في مطبخ الأدب ممّا يفضي بالقارئ المبتدئ إلى الوقوع في الخطأ وعدم التمييز بين «اللقطة» وبين المعاودة والإستمرارية. هناك فقط روايتان بعد مئة عام من العزلة وهما «يوميّات موت معلن» و»الحبّ في زمن الكوليرا» يمكن وصفهما بأنّهما عملان رائعان، إلاّ أنهما ليستا روايتين ممتازتين، وهذان العملان في سيرة أيّ روائي آخر أقلّ موهبة من ماركيز يستحقّان الإهتمام والإعجاب، أمّا عند ماركيز بالذات فهما عملان يمكن قراءتهما بمتعة، ولكن ليس بالمتعة التي يجدها القارئ عند قراءته لأعمال أخرى رائعة للكاتب وفى مقدمتها «مئة عام من العزلة».
إنّ غارسيا ماركيز اليوم يبدو لنا وكأنّه يكتب قبالة مرآة، ويوحي لنا بأنّه يتوقف بعد كلّ برهة لينظر إليها ويتأمّل نفسه مليّاً وليهنّئها كلما كتب جملة أو فقرة أو إستعارة أو مجازاً، لا يعاتبه ولا يحاسبه أحد على ذلك، إنّه قد ترك وراءه التواضع وهو اليوم يمشي مرحاً، وصبباً في خيلاء وشموخ، نظراً لما حقّقه، وأدركه من نجاح وإنتشار وشهرة واسعة.

كتاب أمريكا اللاّتينية

قال الكاتب المكسيكي الرّاحل كارلوس فوينتيس إنّه تعرّف على غابرييل غارسيا ماركيز لأوّل مرّة عن طريق الكاتب الكولومبي(الذي إختطفته يد المنون مؤخّراً كذلك) الفارو موتيس الذي أهداه في الخمسينيات من القرن الماضي إحدى رواياته الأخيرة منبّها إيّاه بولادة كاتب كبير. ويشير فوينتيس أنه في ذلك الوقت كان يشرف على مجلة «المكسيك الأدبية» التي نشر فيها نصوصاً مطوّلة عبّر فيها عن إعجابه بأعمال ماركيز الأولى التي وقعت بين يديه. وعاد فوينتيس عام 1963 من جولة في أوروبّا وكان ماركيز في المكسيك، ومنذ اللحظة الأولى كان إعجاب فوينتيس بماركيز كبيراً «لخفّة روحه ومعارفه الواسعة» ثمّ توالت لقاءاتهما، وإكتشاف مصالح متبادلة بينهما. وهكذا دامت صداقتهما سنين طويلة ممّا شكّل سيرة ذاتية مشتركة. ويشير فوينتيس في هذا القبيل إن فصولاً كثيرة ممّا كتبه ماركيز وفوينتيس يمكن خلطها وتبادلها وإستعمال بعضها الآخر تحت عناوين متباينة مثل «ضائعون في سوروسكو» و»ربيع براغ» و»شهادات سيّدات عصور مضت» و»ألف آحاد في سان أنخيل» و»إرتباك صوتين» و»شخصيّات ونصوص» و»العقيد غابلات» الذي تاه عنه في «موت أرتيميو كروث» ثم عاد فوجده من جديد في «مئة عام من العزلة»، وفي فصل آخر موثوق بخيوط ملوّنة وهو «الجنرال في متاهته». ويشير فوينتيس إلى أنّه في عام 1965عندما وصلته نسخة من الصّفحات الأولى من «مئة عام من العزلة» وهو في باريس جلس دون تفكير وكتب: «لقد قرأت كتاب أمريكا اللاتينية» .
وإسترجع فوينتيس ذكريات عاشها إلى جانب الكاتب المبدع الذي يفضّل أن يسمّيه «غابو» فقط والذي قال له ذات مرّة «إنّنا نكتب الرّواية الأمريكية اللاّتينية نفسها، فصل كولومبي كتبته أنت، وفصل مكسيكي كتبته أنا، وتولّى خوليو كورتاثار كتابة الفصل المتعلق بالأرجنتين، وكتب الفصل التشيلي خوسّيه دونوسو وأمّا الفصل الكوبي فكتبه أليخو كاربنتيير.
ويشير فوينتيس إلى أنّ ماركيز رافقه على إمتداد حياته إعجاب، وحبّ، أصدقائه وخلاّنه وهم جميعاً وعلى رأسهم فوينتيس نفسه إحتفلوا بنجاحاته، وصفّقوا له بصدق وحرارة، وعلّق ماركيز على هذه التصفيقات ذات مرّة قائلاً: «ليتها كانت أصواتاً في صناديق الاقتراع «..!
وقال فوينتيس ذات يوم: «إنّه يتمنّى له مئة عام ومئة أخرى»، وعن الأوّل الذي سيرحل منّا نقول كما قال هو نفسه عن كورتاثار: «ليس صحيحاً.. إنّه لم يمت، فهناك دوماً أصدقاء يذكرونه وهم لا ينتهون». وبعد رحيل فوينتيس المفاجئ لابدّ أنّ ماركيز كرّر متحسّراً الكلمة نفسها التي سبق أن قالها هو نفسه عن كورتاثار. وبعد موت ماركيز بعدهما لا جرم أنّنا نكرّر اليوم ما قالاه هما الإثنان معاً…! (أنظر مقالي حول هذا الموضوع في «القدس العربي» بعنوان «وداعاً كارلوس فوينتيس..غابت شمس المكسيك السادسة» العدد7129 بتاريخ 17أيار/مايو2012).

محمّد محمّد خطّابي

خالد العاطفي 04-20-2015 11:25 AM

جهد رائع منك ..
استاذي القدير ايوب صابر
استمتعت بتواجدي
في هذا القسم
تحية وتقدير لك

ايوب صابر 05-11-2015 08:00 AM

غَابرْيِّيلْ غَارْسِّيَا مَارْكِيزْ في فَضَاء الوَاقِعِيَّة السِّحْرِيَّة
محمّد محمّد خطّابي
may 10, 2015

غرناطة – «القدس العربي» يعالجُ كتاب «غابريّيل غارسّيا ماركيز في دائرة الواقعيّة السّحريّة»، الصّادر مؤخّراً للزّميل مصطفى الحمداوي، موضوعاً ساحراً مسحوراً، وهو «الواقعيىة السّحرية في أدب أمريكا اللاّتينية»، وبشكلٍ خاصّ عند صاحب «مئة سنة من العزلة» الذي مرّت ذكرى رحيله الأولى في 17 أبريل/نيسان الماضي2015، (أنظر مقالي حول هذا الموضوع في «القدس العربي» العدد 8080 بتاريخ 20 أبريل 2015)، لقد سبق لي أن زرتُ الضّيعةَ، أو القريةَ، وأخيراً المدينةَ الصّغيرة التي وُلِد وعاش وترعرع فيها ماركيز في كولومبيا (أراكاتاكا)، (حوالي 40000 نسمة) التابعة لإقليم «ماغدالينا» الكاريبي، التي أصبحتْ في ما بعد مَاكُونْدُو، في روايته الكبرى الآنفة الذكر، وذلك خلال عملي وإقامتي في هذا البلد الجميل، والتي أصبحت اليوم مشهورةً في مجموع بلدان أمريكا اللاتينية، وعلى الصعيد العالمي بفضل إبنها البار الذّائع الصّيت الذي تحوّل منزله (مسقط رأس الكاتب) فيها إلى متحفٍ دائم، وغدت أراكاتاكا بالتالي محجّاً جذّاباً يتقاطر عليه عشّاقُ الأدب، وإبداعات ماركيز على وجه الخصوص من كلّ حدب وصوب.
لقد راعني، وبهرني المجهود المحمود الذي بذله المؤلف في إخراج هذا الكتاب إلى النّور والظّهور. واستمتعتُ، وأنا أقرأ بعضَ أسْطُرِه التي تحاول أن تستكنه وتستبطن أغوارَ هذه الحركة الإبداعية السّحرية عند ماركيز، التي تنحدر من غياهب التّاريخ السّحيق لسكّان القارة الأمريكية الذين عشقوا الحريّة والحياة الكريمة، وهاموا بالطبيعة وتسربلوا بسحرها، فالواقعيّة السحريّة.. مشاعر وأحاسيس واستقراءات وحكايات وقصص وأساطير وأمثال مأثورة، وأقول سائرة وأشعار متواترة، وتراث متوارث وأحلام، وبعض أضغاث أحلام عاشها وحلّق في فضاءاتها الفسيحة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً السكّان الأصليــــّون لهذه القـــارّة في شقّها الجنوبي (السُّفْليِ) كما يحلو أن يطلق عليه أحدُ أساطينها الذي اختطفته يد المَنُون مؤخراً (13 أبريل 2015) وهو الكاتب الأروغوائي إدواردو غاليانو الذي أوليناه حقّه في كتابي «ذاكرة الحلم والوشم..».

رُولْفُو والواقعيّة السّحريّة

ظهر هذا الفنّ الإبداعي الجميل (الواقعية السّحرية) وتفتّق، وانبثق عند العديد من الكتّاب، والمبدعين في أمريكا اللاتينيّة الآخرين أمثال الكاتب المكسيكي المعروف خوان رولفو، الذي يُطلِق عليه بعضُ النقّاد (بأبي الواقعيّة السحريّة في أدب أمريكا اللاّتينية)، وميغيل أنخيل أستورياس وكارلوس مونسيفايس، وكارلوس فوينطيس وأوكتافيو باث، وأليخو كاربنتيير، وماريو برغاس يوسا، وخُورخي لويس بُورخيس، وخُوليو كُورتاثار، وإيرنيستو ساباتو، وألفارو مُوتيس، وإيسابيل أليندي، هذه الرّوائيّة التشيليّة التي خرجت من مِعطف ماركيز نفسه، وسواهم كثير.
يعتبر هذا الكتاب إرهاصاً مُبشّراً، وإعلاناً مبكّراً للتعرّف على كاتب فذّ، شقّ طريقه في عالم الأدب والكتابة، بعزيمةٍ وإرادةٍ، وروحٍ عصاميّة صلبة في متاهات دروبنا الحياتية الوعرة، وبين آجامٍها ومشاقّها، وأهوالها. يطبع هذا الكتاب لغة عذبة ومُيسّرة، وأسلوب مَرِحٌ مُريح، كتاب ينفذ إلى أعماقك، ويحرّك فيك مشاعرَك، ويُدغدغ لواعجَك، وفضولك، إنه يؤول بهذا الصّنف من الإبداع الفطري الجميل إلى ينابيعه الأولى الصّافية، لأنّ ديدنه هو محاولة استعادة تجسيم مفهوم الواقعية السّحرية لدى ماركيز، (الذي يعترف صراحةً لنا أنّه تلقّن بعض أسرار، ومكامن هذا الفنّ الإبداعي عند رولفو، وذلك عندما أهداه أحدُ أصدقائه الحميمييّن، وهو مواطنه الرّاحل الكاتب والشاعرالكولومبي ألفارو موتيس كتابيْ رولفو «بيدرو بارامو»، و»السّهل الملتهب» وقال له: «خُذْ تعلّم»..! الشّيء الذي جعل ماركيز يقول فيه، وعنه في ما بعد عن اقتناع شهادته التاريخية، والاعتراف له بقصب السّبق والتفوّق في هذا المجال :»ثلاثمئة صفحة من مجموع أعمال رولفو رفعته إلى مقام سوفوكليس»، كما ظهرت هذه الحركة لدى سواه من المبدعين من مواطنيه، وبني طينته، وأبناء جلدته في أمريكا اللاتينيّة وتقريبها من القارئ بشكلٍ خاص بعد الطفرة أو (البُّومْ) الأدبي الشّهير الذي عرفته هذه القارّة منذ النّصف الثاني من القرن المنصرم.

عناقُ الواقع بالأسطورة

ولكن ما هي في العُمق الواقعيّة السحريّة..؟! لكي تتّضح لنا صورة هذه النّزعة الأدبية بوضوح، دعنا نبحث، وننقّب عنها عند أحَدِ أبرز أقطابها، ومُبدعيها الكبار، وهو خوان رولفو نفسه، إذ يميّز الأدب الأمريكي اللاتيني طابع خاص، وهو ما يُطلق عليه بـ»الواقعية السّحرية» وهي ضربٌ من الأدب تظهر فيه الأحداث السّحرية الخيالية وسط أحداث واقعية يمتزج فيها الواقع بالأسطورة.هذه النزعة عُرِف بها بالفعل خوان رولفو، والتصقت بأدبه، وإبداعاته على قلّتها قبل أن يشتهر بها غابرييل غارسيا ماركيز، إلاّ أنّه عندما سُئل ذات مرّة حول ما إذا كان هو مُخترع هذا التيّار الأدبي في أمريكا اللاتينية، وعن معناه، قال رولفو: «إنّ صاحب هذا التيار هو الكاتب الإيطالي ماسّيمو بونتيمبلي (القرن التاسع عشر)، وهو بمثابة مفتاح يعيننا على فهم، واستساغة أو استيعاب الأدب الإيبروأمريكي. ويعتقد رولفو رّغم تأكيده على أنه ليس من أنصار التعميم، أنّ هناك بعض الخصائص المشتركة في أدب القارة الأمريكية، خاصّة في البلدان التي كان فيها وجود مكثّف للسّكّان الأصليين. لهذه الظاهرة مبرّراتها التاريخية، فالجماعات السكّانية الأصلية في القارة الأمريكية تتّسم بهذه الخاصّية. إذ أنّ هناك صراعاً قائماً بين معتقداتها القديمة المتوارثة والمذهب الكاثوليكي، وهؤلاء السكّان لم يقعوا قطّ تحت تأثير هذا المذهب كليّا. فمعتقدهم القديم ما زال قائماً يتجلّى في مختلف طقوسهم الاجتماعية، وفي العديد من مظاهر حياتهم اليومية.

الواقع الرّائع

ويرى رولفو أنّ السِّحر عند الهنود هو نوع من السّلوك يقدّمون من خلاله نوعاً من التعبير عن الإذعان للطبيعة وقوّاها. والسّحر بالنسبة لهم كذلك استكناه للماضي وبحث عنه. إنّ هذا الحيّز أو المكان الذي يحتلّونه ويعيشون في كنفه لا وجود لشيء فيه سوى الماضي. فالهنود- مثل الفراعنة- يعتبرون الموت عودة إلى الأصل، وهذا ما يفسّرعدم خوف الهندي من الموت، وهذا أيضا سرّ احتفائه به في العديد من المناسبات، بل أنّ هناك يوماً في العام عندهم يُسمّى بيوم الموتى. وهكذا يتلقف الكاتب هذا العنصر القائم بين الواقع والسّحر، ومن هنا يستمدّ هذا التيّار اسمَه. ويضرب رولفو مثلاً بالكاتب الكوبي أليخو كاربنتيير الذي تالّق في هذا الجانب كذلك، فأوجد مصطلحا آخر في هذا الصدد وهو «الواقع الرّائع» إلاّ أنّ رولفو يوثر، ويفضّل مصطلح «الواقعية السّحرية»، نظراً لما يتضمّنه من عودة إلى ماضي السكّان الأصلييّن. فالأدب في أمريكا اللاتينية وثيق الصّلة، ولصيق بهذا المفهوم، إذ أنّ هذه الظاهرة غالباً ما تجد مواضيعها في الأسطورة، والخرافة، والتاريخ، والسّحر، والغيبيّات بمعانيها الواسعة الطقوسيّة، والجماليّة وفى الإستاطيقا، وينهلُ أصحابه من الينابيع الأولى لشعوب هذه القارّة .

مَا… وَمَنْ نحن؟

ويحاول أصحاب هذا الاتجّاه الإجابة عن التساؤل التالي: مَا… وَمَنْ نحن؟ (للعاقل ولغير العاقل)، فيشير خوان رولفو بخصوص أحد أبطاله في قصّته المعروفة «بيدرو بارامو» إلى أنّه دائمُ البّحث عن الماضي في « أناه» وفي جذوره السُلاليّة التي يجسّدها في طفولته التي تمثل أسعدَ سني عمره، وأرغدَ مراحل حياته.
وفي نظر رولفو فإنّ الحضارة الغربيّة على الرّغم من الضغوط التي مارستها على المواطن الهندي، فإنّها في الواقع لم يكن لها تأثير كبيرعلى السكّان الأصلييّن، فقد تركت هذه الحضارة الهندي في منتصف الطريق، ولم تفلح في المسعى الذي بدأته منذ خمسمئة عام ونيّف في طمس شخصيته، وتشويه صورته، وإتلاف تاريخه، وبعثرة عوائدة، وتقاليده، وعاداته، وإقامة قطيعة بينه وبين ماضيه.
الشّعور بفداحة الموقف، وتجسيم الجمال، والاستبطان الجوّاني عن طريق الحُلم بعيون غير مُغلقة، والتحليق في عوالمه الفسيحة، هذا الصّنف من الإبداع يدفع القارئ إلى التأمّل، وإعمال النظر، والعودة إلى الينابيع الأولى، والرّجوع إلى الجذور البعيدة والأحلام، وبقايا الأوشام التي تتراءى للنائم في ما يرى في أحلامه، تتغلغل في متاهات الماضي الغابر وثنايا الزّمن الذي ولّى، ومضى وانقضى، وذهب لحال سبيله، ولكنّ آثاره وتأثيراته، وانطباعاته ما زالت بادية للعيان، وما انفكّت باقية راسخة في مخادع القلوب وعالقة بين طيّات الألسن.
كتاب من هذا القبــــيل – على صغر حجمه- يتحتّم على القارئ أن يقـــرأه بلطفٍ وتأنٍّ ..عليك أن تحتال وأن تتحايل عليه، كلمات وحروف ومشاعرسحرية حالمة هائمة تحملك على راحتها، وتعانق الواقع المعاش قديماً، وتغوص بك في فضاءات أحلام أثيرية فسيحة لا تحدّها حدود، ولا تقيّدها قيود.

الدّائرة والفضاء

ولئن عتبتُ على صاحب الكتاب شيئاً، لقلت إنّ الذي استرعى انتباهي فيه بضربٍ من الشّدوه هو «عنوانه»، فالعنوان يعتبره غيرُ قليلٍ من الكتّاب والنقّاد من الأهميّة بمكان، إذ هو مفتاحَ الدّخول، أو كلمة السرّ في عالمنا العنكبوتي المتشابك المعاصر، أو عبارة «إفتح يا سمسم» في الحكاية الألفليليّة إيّاها المعروفة، أو مصباح ديوجين في حِلْكة الليل، لقد كانت أمنيتي أن يستبدل المؤلف كلمة (دائرة الواقعية السحريّة) التي توحي بالضّيق والانسداد والانغلاق والقيد والمحدودية والاستدارة بكلمة (فضاء الواقعية السّحريّة) التي تُوحي بفُسحة الأحلام والانفتاح والسّعة والتحليق والتفكير الطّلــــيق والإقلاع والسَّفَر والتّجوال والتّرحال، والانطلاق في ســـرمدية شساعة هذا الكون الأثيري اللاّمحدود، وفي طيّات التاريخ الحافل البعيد زماناً ومكاناً لأجداد أجداد أصحاب هذا الصّنف من الأدب الإبداعي السّحري الجميل، الذين لم يستعملوا، ولم يعرفوا لا في تاريخهم، ولا في ثقافتهم، ولا في حضارتهم (لاعند المايا، ولا الأزتيك، ولا الإنكا، ولا المُوشيك..) «العَجَلَة « قطّ سوى «عجلة» التقويم أو حَجَر الشّمس لحساب الزّمن، أو «الدوائر» الهندسية، والمعمارية، والمصوغات الذهبيّة .
ويحضرني وأنا على مشارف الصّفحة الأخيرة من هذا الكتاب التعبير البليغ، والتعريف الرّائع الذي سُقته، واستعملته في العديد من المناسبات عند تعرّضي لهذا الموضوع في آداب أمريكا اللاّتينية، والذي قاله ذات يوم قُطْبٌ من أقطاب الواقعيّة السّحريّة في القارّة الأمريكية كذلك، وهو الكاتب الأرجنتيني المعروف صاحب كتاب (الألف) أولى الحروف العربيّة الذي وضعه عنواناً جميلاً لأوّل مُؤلَّفٍ له، ولفاتحة باكورة أعماله، إنه المبدع ذُو الرّأي الثاقب والأدب البديع والبّصيرة النافذة خورخي لويس بورخيس، عندما قال: «الواقعيّة السّحريّة هي أن تحلم ذات ليلةٍ أنّك كنتَ تتجوّل في حديقةٍ غنّاء… وعندما تستيقظ في الصّباح تجد في يدك وردة…» .

محمّد محمّد خطّابي


الساعة الآن 12:46 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team