ترجيع مؤلم
ترجيع مؤلم.
حمل على ظهره جرمه الثقيل يطوف به المدائن، حيث ذهب يحاول التمادي في النسيان، ومتى طالت الشكوك شخصه، وبات الفضول مختوما على العيون التي تنهش تفاصيله، بدل المكان وسعى إلى الخلاص. بلغ سن الحكمة وأصبح الماضي في أعماقه مجرد طريق عبره ليلا، لا يريد أن يعود إلى تفاصيله المنسية التي أخفت بشاعتها السنين كما تخفي التجاعيد نضارة وجهه. التقى به عند المنعطف، رجل توسم فيه رشدا، وتعلقت روحه برشاقة *صحبته، رأى في عرضه مسكنا لجسده الذي أتعبه المسير، وبلسما شافيا لقحط امتد فاستطال كثيرا. كان الرجل يبحث عن بستاني يتعهد حديقة بيته، فوجد في هذا المتجول خير من يتولى أمرها، ويحيي ربيع عمرها الذي خانه هؤلاء الذين كلفوا بها قبله، لم يخيب الرجل ظنه وأبان عن علو كعب في مهمته، بل أضفى على المكان لمسة شاعرية خاصة، مزج فيها بين الذوق الباريزي واللندني، دون أن يفقدا صورتيهما ودون أن يغرق في التفاصيل *ليحافظ على علاقته المتجذرة بالمكان وما تباركه التربة من أصناف الزهور ومن جميل الأشجار. في قلب البستان غرست يداه مستطيلا زهريا بريا يحسبه الناظر زربية مفروشة طرزتها أنامل مضمخة بالفن العتيق. يتبادل أطراف الحديث مع مستضيفه، فيتحدثان عن الفنون ومناقبها، عن الحكم ومنازلها، عن *النبات والحيوان، عن العجائب والغرائب، يبحران في سعادة عميقة، فتزدهر في قلبيهما أنوار الفضيلة، يتنفسان أريج الحديقة فتسري في عروقهما الطمأنينة، وتغمرهما نشوة الامتلاء. ذات مساء والشمس ماضية لمعانقة الأفق، قال الرجل لضيفه: عذرا ما سألتك عن موطنك، وما تشرفت بمعرفة قصتك" نظر إلى صاحبه من وراء جفون تكاد تطبق على بصره، فلا يرى غير ظلمة معتقة، ملأ رئتيه هواء لعله يعيد لعينيه حياتهما، استفاق هامسا في أعماقه: هكذا الإنسان! استأنف بصوت مسموع: يا صاحبي، الحديث يطول في الموضوع ولأنني متعب اللحظة، فإن الغد يتسع للإجابة.* أرخى الليل بظلاله على الحديقة حين فتح باب الكوخ الجانبي الذي يأويه، نظر إلى النجوم العائمة في السماء، لأول مرة انتبه لهذا الكم الهائل من المصابيح التي تزين وجه السماء دون أن تستطيع إضاءة وجه الأرض وزرع البسمة في ظلمتها، وجد نفسه يبتعد عن المكان، يهرب من ماضيه الذي تراءى له حيا منذ *طرق سؤال الرجل أذنيه، قال: لعلني لم أبتعد بما يكفي.* |
رد: ترجيع مؤلم
حوار داخلي عميق ..و باعتقادي ان الفكرة الجوهرية تتمحور حول ذلك الماضي السيء الذي لا يكف عن ملاحقة صاحبه في نومه ويقظته ، وفي حاضره ومستقبله، ما لم يرجع عن غيه ويتوب لله توبة نصوحا عله يبدل همه فرجا و سيئاته حسنات ....
بورك اليراع أ. ياسر وهذا الخيال الفياض :31: |
رد: ترجيع مؤلم
"بدل المكان وسعى إلى الخلاص. بلغ سن الحكمة وأصبح الماضي في أعماقه مجرد طريق عبره ليلا، لا يريد أن يعود إلى تفاصيله المنسية التي أخفت بشاعتها السنين كما تخفي التجاعيد نضارة وجهه."
دخلت معكَ وبقوة جو القصة وذلك الإحساس المؤلم بالنسيان أستاذ ياسر رسمتَ التفاصيل وبدقة بجو أصيل كم جميل أن أقرأ لكاتب وقاص متمكن من الحرف و قادر على السرد الجميل الممتع والقوي دمتَ بخير:45: |
رد: ترجيع مؤلم
حمل جرمه... الجرم جرم سماوي أو من جريمة يمكن قرائتها من زاويتين
...الحلكة ضدها السنا لعله يجد في الأرض سعة للهروب من الأول لعله يلقف الأخر وما ظني بالبشر وجِبِلّة الفضول لتتركه يسير للامام تفصيل رائع ورمية أنيقة للحرف أصابت لب الجمال طاب القلم في يدك تقديري |
رد: ترجيع مؤلم
(مزج فيها بين الذوق الباريزي واللندني، دون أن يفقدا صورتيهما ودون أن يغرق في التفاصيل *ليحافظ على علاقته المتجذرة بالمكان)
الأستاذ ياسر تحية يسبقها سلام مهما طال الزمان سيبقى بعض الماضي متربع في نفس المكان لن يغادر فهو توءم خبيث لروح اجتمعا بسبب ولن يغادر حتى تغادر الروح الا إذا نسى بمنة من خالق الروح |
رد: ترجيع مؤلم
اقتباس:
نعم أستاذ محمد إنها عثرات الماضي التي تكبل التقدم ما لم يتحل الفرد بما يكفي من التسامح مع نفسه. تقديري. |
رد: ترجيع مؤلم
اقتباس:
شرف لهذه الحروف المتناثرة أن تجد من يلملم شتاتها. دمت للسعادة موطنا. تقديري أستاذة ياسمين الحمود |
رد: ترجيع مؤلم
اقتباس:
سعيد بوجودك هنا. تحية تقدير |
رد: ترجيع مؤلم
اقتباس:
بوركت أخي عبد العزيز. تقديري |
رد: ترجيع مؤلم
نص جميل ومبهر يلامس القلب بخفة ورشاقة لامثيلان لها فعلياً يبث الحيرة والتساؤل ... دام الإبداع ... |
رد: ترجيع مؤلم
الانسان عبارة عن كتلة اعصاب يحمل ازر الايام
|
الساعة الآن 12:37 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.