رد الفعل المصري على عملية الثغرة : جرت كل المعارك السابق شرحها في إطار ظن القوات المصرية أن العدو يقوم بمحاولة لتدمير رءوس كباري الجيش الثانى ولم تنم إلى معلومات القيادة حقيقة الخطة التي أعدها العدو بغرض عبور القناة إلى الجانب الغربي بقوة ثلاث فرق كاملة , ولهذا فقد ظلت القيادة في معزل عن هذه الأنباء طيلة يوم 16 أكتوبر وهو اليوم الذى عبرت فيه قوة المظلات المدعمة بسرية دبابات , وعندما تم اكتشاف بوادر وجود هذه القوة ظل الظن أنها قوة صغيرة للعدو لا تزيد عن سبعة دبابات وهدفها هو التخريب وإشاعة الفوضي في الخطوط الخلفية , ولهذا قام قائد الجيش الثانى بالنيابة اللواء تيسير العقاد والذي تولى القيادة خلفا للواء سعد مأمون بإصدار أوامره لكتيبة دبابات بتدمير هذه القوة التي ظنها قوة صغيرة مما تسبب في عجز الكتيبة عن أداء مهمتها , ولا شك أن تغيير قيادة الجيش الثانى الميدانى في هذا التوقيت ساهمت في أن تكون بيانات قيادة الجيش الثانى عن مدى قوة العدو في الضفة الغربية بيانات غير دقيقة , وعزا الخبراء هذا الخلل في المعلومات إلى تقصير في مهمات المخابرات الحربية والإستطلاع التي عجزت عن استطلاع القوة الحقيقية للعدو في الوقت المناسب , فضلا على خطأ التصور من القيادة وعجزها خلال يومى 16 و17 أكتوبر من إدراك الهدف الحقيقي للعملية وأنها عملية عبور كبيرة , ولهذا ظلت القيادة المصرية مطمئنة إلى الأنباء التي وصلتها باعتبار القوة العابرة قوة هينة لم تلبث أن تتعرض للإبادة , وهو ما ثبت خطؤه فيما بعد ولم يتم استغلال انعزال قوة المظلات المدعمة بالدبابات عن قيادتها ليومين كاملين , ولو وصلت معلومات صحيحة عنها إلى القيادة في الوقت المناسب لتحققت مخاوف الإسرائيليين من إبادة لواء المظلات العابر بالكامل مع دباباته بنفس الطريقة التي واجهت بها قوات اللواء 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة قوات فرقة شارون شرق القناة وقوات إبراهام آدان التي حاولت تأمين منطقة العبور , وفى تلك الظروف أيضا تم تعيين اللواء عبد المنعم خليل والذي كان قائدا للمنطقة المركزية قائدا للجيش الثانى الميدانى بدلا من اللواء تيسير العقاد ريس أركان حرب الجيش ! ولا شك أن هذا القرار خدم العملية الإسرائيلية من حيث لا يتوقعون حيث أن اللواء عبد المنعم خليل كان بعيدا عن الجبهة ولم يحتك بأحوال الجيش الثانى وعندما طلب القائد الجديد المعلومات التفصيلية عن أحوال المعارك أحاله الفريق الشاذلى إلى اللواء محمد غنيم نائب رئيس هيئة العمليات والذي أحاطه علما بالأوضاع وفق ما وصلت للقيادة من معلومات مغلوطة , فلم يعلم القائد الجديد عبد المنعم خليل شيئا عن عمق الإختراق وتلقي المعلومات على أساس أنها قوة صغيرة لا تزيد عن سبع دبابات لا أكثر ! وكان قرار تغيير القيادة بعبد المنعم خليل قرارا غير موفق نظرا لأن اللواء تيسير العقاد كان رئيسا لأركان الجيش وهو الأكثر احتكاكا بأحواله والأقدر من غيره في تلك الظروف , وهذا دون الإقلال من قيمة وكفاءة كليهما , لا سيما وأن الأسباب التي دعت القيادة لهذا الإختيار أن اللواء عبد المنعم خليل كان قائدا سابقا للجيش الثانى لمدة ثلاث سنوات قبل الحرب , ولكن القيادة السابقة لا تعنى بالضرورة لزوم القيادة أثناء المعارك والعمليات لا سيما في ظل ظرف كالإختراق الحادث , وهذه هى وجهة نظر اللواء جمال حماد وكثير من المحللين وهى وجهة نظر صحيحة , إذ أن القيادة في الجبهة وأثناء العمليات أقدر من غيرها ـ حتى لو فاقتها كفاءة ـ في حسن إدارة المواقف الطارئة وقد وصل اللواء عبد المنعم خليل لمركز قيادته مساء 16 أكتوبر وهو الموعد الذى علم فيه المشير أحمد إسماعيل والرئيس السادات بأمر القوات الإسرائيلية في الغرب من خلال خطاب جولدا مائير في مساء نفس اليوم , وعندما طلبا المعلومات حول هذا الخصوص جاءتهما المعلومات المنقوصة بأن القوات العابرة قوة صغيرة فقط , وعليه أكد المشير إسماعيل للواء عبد المنعم خليل أن يقوم بتدمير هذه القوة عقب انتهائه من دراسة موقف جيشه في العمليات , وللأسف استمرت وجهة نظر القيادة المصرية في الإستهانة بأمر القوة الإسرائيلية العابرة للغرب وكان داعى الإستهانة هو قوة الهجوم الإسرائيلي المكثف على الفرقة 16 مشاة والذي كانت تهدف منه القيادة الإسرائيلية إلى شغل القوات المصرية عن نيتها الأصلية وهى فتح الفرصة أمام الفرق الثلاث المعدة للعبور للغرب ولهذا ظلت القيادة المصرية تعتقد أن مهمة القوة الإسرائيلية التي عبرت كطليعة لبقية الفرق ما هى إلا مهمة نفسية وتخريبية هدفها إشاعة الفوضي في خلفية الجيش الثانى وإحداث أثر نفسي يمكنها من نجاح الهجوم في الشرق , ولهذا ركزت قيادة الجيش الثانى على ضرب الهجوم الإسرائيلي في الشرق وتمكنت من إلحاق الخسائر الفادحة المتوالية بالقوات الإسرائيلية والتى تعجب المصريون من تكرار هجومها رغم الخسائر , ولكن كان رهان القوات الإسرائيلية قائما على أن تتم عملية العبور إلى الغرب في غفلة من القوات المصرية عن هدفها الرئيسي وفى سبيل ذلك الهدف ضحت القوات الإسرائيلية بهذه الخسائر على أمل تحقيق النجاح المطلوب , |
وكانت النقطة الخطرة التي وقعت فيها القيادة المصرية هى ضآلة معلومات الإستطلاع وظروف تغيير القيادات التي جاءت بمصادفة قدرية لكى تمنح الخطة الإسرائيلية دماء الحياة بعد أن كانت محاولتها تُمنى بفشل ذريع يتمثل في خسارتها لجميع قواتها المشاركة في العملية شرق وغرب القناة , فمن شرق القناة كانت الفرقة 16 مشاة قد تكفلت بكل القوات الإسرائيلية المهاجمة وفى غرب القناة في يوم 16 لو كانت المعلومات التي وصلت عن القوة الإسرائيلية صحيحة لتم القضاء عليها قضاء مبرما عن طريق القوة المناسبة , وقد استمر غياب المعلومات الدقيقة قائما حتى بعد يوم 17 أكتوبر وعليه كانت معالجة ثغرة الإختراق من وجهة نظر المصرية لا زالت تتركز على المعالجة من شرق القناة لا غربها , ونظرا لأن المعلومات كانت تشير لمحدودية القوة العابرة فقد صدرت الأوامر بالقضاء على ثغرة الإختراق عن طريق تكليف اللواء 25 المدرع المستقل بهذه المهمة , على أن تتم في مواجهة ثغرة الإختراق من الشرق لا الغرب وكان اللواء 25 المدرع المستقل قد عبر من الغرب إلى الشرق ليكون ملحقا بالفرقة 7 مشاة أثناء تطوير الهجوم , وتم تعويض الفرقة 7مشاة بكتيبة دبابات من الفرقة 4 المدرعة , وكانت الخطة التي أعدتها القيادة سليمة نظريا ـ على حد تعبير اللواء جمال حماد ـ ولكنها كانت مخالفة للواقع حيث أن قوة الإختراق في الشرق عند معبر الدفرسوار كانت بقوة ثلاثة ألوية مدرعة أى ثلاثة أمثال قوة اللواء 25 المدرع بينما القوات الإسرائيلية في الغرب كانت لا تتعدى كتيبة دبابات ملحقة بلواء مظلات , ولو تم دفع اللواء 25 المستقل إلى غرب القناة بدلا من شرقها لتمكن من القضاء على الثغرة بسهولة عن طريق تدميرها من الغرب , وهو ما عارضه الرئيس السادات وأصر على عدم سحب هذا اللواء وأن يقوم بمهاجمة قوات الثغرة وتدميرها في شرق القناة , متأثرا بمعلومات صغر القوة الإسرائيلية في الغرب وكان اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى قد استقرأ الأحداث وعارض المهمة التي تم تكليف اللواء 25 المدرع مستقل بها وحاول تعطيلها بكل السبل إلا أوامر القيادة فى المركز رقم 10 كانت صارمة بوجوب تنفيذها وثبت أن اللوا واصل كان على حق تماما في توقعاته من أن اللواء 25 المدرع سيواجه خطر التدمير نظرا لفارق القوة بينه وبين فرقة المدرعات الإسرائيلية التي تواجهه بقيادة إبراهام أدان عند معبر الدفرسوار واندفع اللواء إلى مهمته الإنتحارية لمواجهة فرقة إبراهام المتأهبة والتى تزيد على ثلاثة أمثاله في القوة وهو يواجهها منفردا فضلا على تسلح فرقة إبراهام بعدد كثيف من صواريخ تاو المضادة للدبابات والتى وصلت مع الجسر الجوى الأمريكى , واشتبك اللواء 25 المدرع مع الفرقة دون أى معاونة متوقعة من الفرقة 21 المدرعة والتى كان من المفروض أن تعاون اللواء في مهمته غير أن خسائرها في حروبها السابقة ضد قوات العدو منعتها من المعاونة المطلوبة , وهكذا تم تدمير ثلثي دبابات قوة اللواء 25 المدرع المستقل في هذه المواجهة مع فرقة إبراهام أدان نظرا لقصور المعلومات الشديد وعدم إدراك اللواء لحقيقة حجم قوات العدو عند معبر الدفرسوار , وتم سحب باقي الدبابات وارتداد اللواء إلى الخلف عقب خسائره الكبيرة واتخاذ الأمر بإعادة تأهيله وتنظيمه وتجديده , وكان هذا الخطأ ـ خطأ دفع اللواء 25 المدرع المستقل منفردا ـ لهذه المهمة هو الخطأ السياسي الثانى الذى ترتكبه القيادة المصرية بعد عملية قرار تطوير الهجوم للشرق بالمخالفة لرأى رئيس الأركان وقادة الجيوش , وأثبتت التجربة أن إهمال آراء قادة الميدان والقيادة العسكرية المحترفة أمر بالغ الخطورة وأثبت التاريخ عدة حوادث لها شأن في هذا المجال لا سيما في ظل معركة يونيو 67 والتى ساهمت القيادة السياسية فيها بقرارات لم يكن للقيادة العسكرية القدرة على تحمل نتائجها , وأهمها فتح حرب في جبهتين فضلا على صدور الأوامر بتلقي الضربة الأولى , وكان السادات عقب توليه الرياسة حريصا على ألا يتدخل في سير المعركة عسكريا , وطبق ذلك بنجاح حتى يوم 13 أكتوبر الذى أصدر فيه الأوامر بتطوير الهجوم بالمخالفة لرأى القادة الميدانيين وأيضا بمخالفة رأى عبد المنعم واصل في دفع اللواء 25 المدرع لخوض مهمة انتحارية دون تزويده بالمعلومات الضرورية عن حجم قوة العدو المتوقع مواجهتها والتى نجم عنها مواجهة غير متكافئة بين اللواء 25 المدرع وفرقة كاملة من القوة الإسرائيلية , وقد عبر اللواء عبد المنعم واصل في مذكراته عن أسفه الشديد لقرار القيادة المخالفة لوجهة نظره وهو يصف معركة هذا اللواء وكانت هذه هى المحاولة الأولى للقضاء على الثغرة ولكن دون الإستناد لمعلومات حقيقية مما تسبب في فشلها , |
|
وبعد أن تمت هذه المهمة ونظرا لأن القوات الإسرائيلية لم تنشئ إلا جسر المعديات فقط , |
|
|
|
|
|
وكان شارون قد بدأ الإتجاه بأقصي سرعته نحو الشمال بعد حلول وقف إطلاق النار على أن يكون اقتحامه الإسماعيلية من خلال عبوره ترعة الإسماعيلية وقطع الإمدادات الرئيسية القادمة من القاهرة وشرق الدلتا إلى قوات الجيش الثانى الميدانى , ولكن أحلام شارون بالإستيلاء على الإسماعيلية والسيطرة على طريق الإمدادات لم تلبث أن تبخرت بسبب طبيعة الأرض الزراعية التي أعاقت تقدم قواته من ناحية , ومن ناحية أخرى وقوف المقاومة المصرية كحائط صد فولاذى أمام قوات شارون التي تحاول عبور الترعة , ومن ثم توقفت قوات شارون المدرعة جنوب الترعة دون أن تتمكن من العبور إلى الأرض الشمالية وفى نفس الوقت قامت قوات الجيش الثانى الميدانى بالدفاع عن مدينة الإسماعيلية وشنت الهجمات المضادة على قوات شارون باستخدام عدة جبهات للهجوم , كان أولها استخدام مدفعية الجيش الثانى والتى كان يتولاها العميد عبد الحليم أبو غزالة ـ وزير الدفاع فيما بعد ـ وقامت المدفعية بجهود جبارة وموفقة في وقف العدو ومنعه من عبور ترعة الإسماعيلية بقوة نيران ضخمة تجاوزت 10 كتائب مدفعية في نفس الوقت الذى تم تكليف اللواء 118 ميكانيكى بمهمة الدفاع أمام ترعة الإسماعيلية بالتنسيق مع مدفعية الجيش الثانى كما أصدر اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى أوامره إلى اللواء 182 مظلات باحتلال موقع جبل مريم وكانت أوامر قائد الجيش الثانى لقائد قوة المظلات بالتمسك بموقع جبل مريم حتى آخر طلقة وآخر رجل ونفذت قوة المظلات مهمتها بكفاءة ونجحت في الدفاع عن موقع جبل مريم الذى يعتبر مفتاح مدينة الإسماعيلية كما تم تلغيم طرق تقدم العدو ووضع الكمائن في طريق اقتراب العدو , إضافة إلى تكوين قوة احتياط تكون مهمتها استرداد موقع جبل مريم لو نجح العدو في اختراقه , كما قامت المجموعة (139) صاعقة بمهمة عمل الإغارات والكمائن واستنزاف قوة العدو وبعدها تم تكليفها بمهمة التمركز أيضا على طول خط المواجهة وعمل الكمائن في طريق جنوب ترعة الإسماعيلية , وقام شارون بالهجوم المتعدد الجوانب على كل الطرق التي فرشها أمامه الجيش الثانى بالفخاخ والكمائن واشتعلت معركة من أقوى المعارك على أبواب الإسماعيلية تكبدت فيها قوات شارون خسائر فادحة دعته إلى طلب النجدة السريعة من الجنرال حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي , ولكن بارليف رفض طلبه فقد كانت الليلة مظلمة تماما وعبور طائرات الهليكوبتر لإنقاذ الجرحى وإخلائهم أمر مستحيل فضلا على أن الطائرات ستقع في الكمائن المصرية , وأمر بارليف شارون بأن تتولى قواته إخلاء جرحاه وفق إمكانياته , ونفذ شارون الأمر طيلة أربع ساعات كاملة حتى طلوع النهار استهلكها في إخلاء جرحاه من ميدان المعركة حتى بزغ الفجر ووجد رجال المظلات الإسرائيليين القائمين بمهمة إخلاء الجرحى على بعد 20 مترا من مواقع قوات المظلات المصرية , فتراجعوا للخلف وبهذا فشلت إلى الأبد مهمة شارون بالإستيلاء على الإسماعيلية أو تطويق طريق الإمدادات وتبخرت أحلام المجد التي راودته منذ بدء العمليات , |
الساعة الآن 12:40 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.