منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر ديوان العرب (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=48)
-   -   من شعراء العصر الحديث ( إيليا أبو ماضي ) (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1809)

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:00 AM

ابنة الفجر
( إيليا أبو ماضي )


أنا أن أغمض الحمام جفوني
ودودي صوت مصرعي في المدينة
و تمشي في الأرض دارا فدارا
فسمعت دويّه ورنينه
لا تصيحي واحسرتاه لئلّا
يدرك السّامعون ما تضمرينه
و إذا زرتني و أبصرت وجهي
قد محا الموت شكّه و يقينه
و رأيت الصّحاب جاثين حولي
يندبون الفتى الذي تعرفينه
و تعال العويل حولك ممّن
مارسوه و أصبحوا يحسنونه
لا تشقي على ثوبك حزنا
لا و لا تذرفي الدموع السخينه
غالبي اليأس و أجلسي عد نعشي
بسكون ، إنّي أحبّ السّكينه
إنّ للصمت في المآتم معنى
تتعزّى به النّفوس الحزينة
و لقول العذّال عنك (بخيل )
هو خير من قولهم ( مسكينة )
و إذا خفت أن يثور بك الوجد
فتبدو أسرارنا المكنونه
فارجعي و اسكبي دموعك سرّا
و امسحي باليدين ما تسكبينه
***
يا ابنة الفجر من أحبّك ميّت
و لأنت بمثل هذا مهينه
زايل النور مقلتيه و غابت
تحت أجفانه المعني المبينه
فأصيخي ! هل تسمعين خفوقا
كنت قبلا في صدره تسمعينه ؟
وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى
ليس يدري عدوّه من و خدينه
ساكتا لا يقول شيئا و لا يس
مع شيئا و ليس يبصر دونه
لا يبالي أأدعوه الثريا
أم رموه في حمأة مسنونه
و إذا الحارسان ناما عياء
و رأيت أصحابه يتركونه
فتعالى و قبّلي شفتيه
و يديه و شعره و جبينه
قبل أن يسدل الحجاب عليه
و يوارى عنك فلا تبصرينه
واحذري أن نراك عين رقيب
و لئن كان رجل ما تحذرينه
فاذا ما أمنت لا تتركيه
قبلما يفتح الصّباح جفونه
***
و إذا السّاعة الرّهيبة حانت
و أريت حرّاسه يحملونه
و سمعت النّاقوس يقرع حزنا
فيردّ الوادي عليه أنينه
زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا
بالذي زوّد الغريق السينة
نظرة تعلم السماوات منها
أنّه مات عن فتاة أمينه
***
طوت الأرض من طوى الأرض حيّا
و علاه من كان بالأمس دونه
و اختفى في التراب وجه صبيح
و فؤاد حرّ و نفس مصونه
و إذا ما وقفت عند السّواقي
و ذكرت وقوفه و سكونه
حيث أقسمت أن تدومي على العه
د و آلى بأنّه لن يخونه
حيث علّمته القريض فأمسى
يتغنّى كي تسمعي تلحينه
فاذكريه مع البروق السّواري
واندبيه مع الغيوث الهتونه
و إذا ما مشيت في الروض يوما
ووطأت سهوله و حزونه
و ذكرت مواقف الوجد فيه
عندما كنت بالهوى تغرينه
حيث علّمته الفتون فأضحى
يحسب الأرض كلّها مفتونه
حيث وسّدته يمينك حتّى
كاد ينسى شماله و يمينه
حيث كنت و كان يسقيك طورا
من هواه و تارة تسقينه
حتّى حاك الربيع للروض ثوبا
كان أحلى لديه لو ترتدينه
فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي
كنت أهوى زهوره و غصونه
ثمّ قولي للطير : مات حبيبي !
فلماذا يا طير لا تبكينه !
***
و إذا ما جلست وحدك في اللّي
ل و هاجت بك الشّجون الدّفينه
و رأيت الغيوم تركض نحو الغر
ب ركضا كأنّها مجنونه
و لحظت من الكواكب صدا
و نفارا و في النسيم خشونه
فغضبت على اللّيالي البواقي
و حننت إلى اللّيالي الثّمينه
فاهجري المخدع الجميل وزوري
ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه
وانثري الورد حوله و عليه
واغرسي عند قلبه ياسمينه

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:01 AM

اسألوها
( إيليا أبو ماضي )


اسألوها ، أو فاسألوا مضناها
أيّ شيء قالت له عيناها ؟
فهو في نشوة و ما ذاق خمرا
نشوة الحبّ هذه إيّاها
ذاهل الطرف شارد الفكر ،
لا يلمح حسنا في الأرض إلاّ رآها
ألسواقي لكي تحدّث عنها
و الأقاحي لكي تذيع شذاها
و حفيف النسيم في مسمع
الأوراق نجوى تبثّها شفتاها
يحسب الفجر قبسه من سناها
و نجوم السماء بعض حلاها
و كذلك الهوى إذا حلّ في الأرواح
سارت في موكب من رؤاها
كان ينهى عن الهوى نفسه الظمأى
فأمسى يلوم من ينهاها
لمس الحبّ قلبه فهو نار
تتلظّى و يستلذّ لظاها !
كلّ نفس لم يشرق الحبّ فيها
هي نفس لم تدر ما معناها

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:01 AM

الأسرار
( إيليا أبو ماضي )


يا ليتني لصّ لأسرق في الضحى
سرّ اللطافة في النسيم الساري
و أجسّ مؤتلق الجمال بإصبعي
في رزقه الأفق الجميل العاري
و يبين لي كنه المهابة في الرّبى
و السر في جذل الغدير الجاري
و السحر في الألوان و الأنغام وا
لأنداء و الأشذاء و الأزهار
و بشاشة المرج الخصيب ، ووحشة
الوادي الكئيب ، وصولة التّيار
و إذا الدجى أرخى عليّ سدوله
أدركت ما في الليل من أسرار
فلكم نظرت إلى الجمال فخلته
أدنى إلى بصري من الأشفار
فطلبته غإذا المغالق دونه
و ‘ذا هنالك ألف ألف ستار
باد و يعجز خاطري إدراكه
و فتنتي بالظاهر المتواري !

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:02 AM

الأسطورة الأزليّة
( إيليا أبو ماضي )


كان زمان ، لم يكن كائنا
و حالة ، ما برحت باقية
ملّ بنو الإنسان أطوارهم
و برموا بالسقم و العافية
فاستصرخوا خالقهم و اشتهوا
لو أنّه كوّنهم ثانية
و بلغت أصواتهم عرشه
في ليلة مقمرة صافية
فقال ، إنّي فاعل ما اشتهوا
لعلّ فيه حكمة خافية
و شاهدوه هابطا من عل
فاحتشدوا في السّهل و الرّابيه
من القرى القانعة الطاوية
و المدن الجامحة الغادية
تألّبوا من كلّ صوب كما
تجتمع الأمطار في الساقيه
يسابق الصّعلوك ربّ الغنى
و الأبله الباقعة الداهية
و يدفع الشّيخ التوى عوده
وصار مثل الرمّة البالية
فتى مضى الفجر و لمّا نزل
روعته في وجهه باقية
و تزحم الحسناء ممكورة
خلذابة كالروضة الحالية
دميمة تشبه في قبحها
مدينة مهجورة عافية
فقال ربّ العرش : ما خطبكم :
مابالكم صرخاتكم عالية ؟
هل أصبحت أرضكم عاقرا ،
أم غارت الأنجك في هاوية ؟
أم أقلع الماء فلا جدول ،
و ماتت الطير فلا شادية ؟
أم فقدت أعينكم نورها ،
أم غشيت أرواحكم غاشية ؟
أين الهوى ، إن لم يكن قد قضى
فكل جرح واجد آسية
الفتى :
قال الفتى : يا ربّ إنّ الصّبا
مصدر أحزاني و آلامي
ألبستنيه مونقا بعدما
أبلاه أخوالي و أعمامي
و صار في مذهبهم عصره
فترة زلاّت و آثام
فاختلفت حالي و حالاتهم
كأنّني في غير أقوامي
وصرت كالجدول في فدفد
أو شاعر ما بين أصنام
و الأخضر المورق في يابس
أو مثل صاح بين نوّام
دنياهم دنياي ، لكنّما
أعلامهم ليست كأعلامي
عندهم الروضة أشجارها
و الروض عندي الزهر النامي
و الطير لحم ودم عندهم
و ليس عندي غير أنغام
سكري بها أو بالندى و الشذى
و سكرهم بالخمر في الجام
يسخر قلبي بلياليهم
و يسخر الدهر بأيّامي
كأنّني جئت لتبكيتهم
كأنّما جاؤوا لإيلامي
عبء على نفسي هذا الصّبا
ألجائش المستوفز الطامي
يزرع حولي زهرات المنى
و شوكها في قلبي الدامي
فان ؛ له كلّ فان هوى
فان ، و لا ينجو من الذام
خذه ، و خذ قلبي و أحلامي
فإنّني أشقى بأحلامي
ومر يمرّ الدهر في لحظة
كالطيف أو كالبرق قدّمي
وازرع نجوم في لمّتي
فينجلي حندس أوهامي
الشبح :
وجاء شيخ حائر واجف
مشتعل اللّمّة بالي الإهاب
كأنّما زلزلة تحته
لما به رعشة واضطراب
فصاح : يا ربّاه خذ حكمتي
واردد على عبدك عصر الشباب
إنّ أماني الروح أزهارها
و إنّ روحي اليوم قفر يباب
تلك الأماني ، على كذبها ،
لم تكن اللّذّة فيها كذّاب
زالت و ما زالت ؛ و إنّ الشّقا
أن تطمس الآي و يبقى الكتاب
و تسلب السرحة أرواقها
و لم تزل أعراقها في التراب
كنت غنيّا في زمان الصّبا
و كنت صفر الكفّ ، صفر الوطاب
صحوت من جهلي فأبصرتني
كأنّني سفينة في العباب
قيل لها ، في البحر كلّ المنى
فلم تجد فب البحر إلاّ الضّباب
نأت عن الشّطّ و لم تقترب
شبرا من السرّ الذي في الحجاب
و لو ترجّى أو به لاشتفت
لكنّما عزّ عليها الإياب
مر تقف الأيّام عن سيرها
فإنّها تركض مثل السّحاب
وضع أمامي ، لا ورائي ، المنى
وطوّل الدرب ، وزد في الصّعاب
ما لذّتي بالماء أروى به
بل لذّتي بالعدو خلف السّراب
الحسناء :
و قالت الحسناء : يا خالقي
و هبتني الحسن فأشقيتني
وجهي سنّي مشرق ، و إنّما
مرعى عيون الخلق وجهي السني
حظّي منه حظّ ورد الربى
من عطره الفوّاح و السوسن
و مثل حظّ السرو من فيئه
و الطير من تغريدها المتقن
و مثل حظّ النجم من نوره
في الحندس المعتكر الأدجن
للقائل الفيء ، و السامع
التغريد ، و الزهرة للمجتني
و النور للمدلج و المجتلي ،
و الدرّ للغائص و المقتني
كم ريبة دبّت إلى مضجعي
مع الجمال الرائع الممكن
إن عشقت نفسي فويل لها
و الويل لي إن رجل حبّني
السمّ و الشوك و جمر الغضا
أهون من كاشحة الألسن
كم تقتفيني نظرات الخنا
ويلي من خائنة الأعين
لم يبق في روحي من موضع
يت ربّ لم يخدش و لم يطعن
إنّ الغنى في الوجه لي آفة
فليت أنّي دمية ليتني ...
الجارية :
و سكتت ؛ فصاحت الجارية
باكية من بؤسها شاكية :
ذنبي إلى هذا الورى خلقتي
فهل أنا المجرمة الجانية ؟
إن أخطأ الخزّاف في جبله ال
طين فأيّ ذنب للآنية ؟
أليس من يسخر بي يزذري
بالقوّة الموجدة البارية ؟
لو كنت حسناء بلغت العلى
فللجمال الرتبة العالية
فبات من أسجد قدّامه
صاغرة يسجد قدّمية
فإنّني في ملإ ظالم
أحكامه جائرة قاسية
ليس لذّات القبح من غافر
وفيه من يغفر للزّانية
نفسي جزء منك ، يا خالقي
و إنّها عاقلة راقية
أليس ظلما ، و هي بنت العلى ،
إن تك بالقبح إذن كاسية ؟
فليكن الحسن رداء لها
ترفل به ، أو فلتكن عارية
الفقير
و أقبل الصّعلوك مسترحما
في مقلتيه شبح اليأس
يصرخ يا ربّاه حتّى متى
تحكّم الموسر في نفسي ؟
و تضع التاج على رأسه
و تضع الشوك على رأسي ؟
و يشرب اللّذّات من كأسه
و أشرب الفصّات من كأسي
و تنجلي الأنجم في ليله
ضاحكة كالغيد في عرس
و يتوارى في نهري السنا
أو يتبدّى حانق الشّمس
يا ربّ لا تنقله عن أنسه
و إنّما إلى الأنس
فإن تشأ أن لا يذوق الهنا
قلبي فجرّدني من الحسّ
لو لم يكن غيري في غبطة
ما شعرت روحي بالبؤس
الغني :
و قال ذو الثّروة : ما أشتهي
لا أشتهي أنّي ذو ثروة
أنفقت أيّامي على جمعها
و خلتني أدركت أمنيتي
فاستعبدتني في زمان الصبا
و أوقرت بالهمّ شيخوختي
قد ملكتني قبلما حزتها
و ملكتني و هي في حوزتي
كنحلة أمسكها شهدها
من الجناحين فلم تفلت
حسبتها تكسبني قوّة
فافترست قوّتها قوّتي
جنت على نفسي و أحلامها
جناية الشوك على الوردة
ينمو فتذوي فهي علّيقه
يحذرها الطائف بالروضة
من قائل عنّي لمن خالني
أمرح من دنياي في جنّة :
لا تنظر الأضواء في حجرتي
وانظر إلى الظلماء في مهجتي
و لا يغرّنّك قصري فما
قصري سوى سجن لحرّيّتي
أنّي في الصرح الرفيع الذرى
كطائر ، في قفص ، ميّت
كم في عباب البحر من سابح
قد مات ظمآنا إلى قطرة
موت الطوى شرّ و لكنّما
أفظع منه الموت بالتّخمة
إن سهر العاشق من لوعة
أو سهر المحزون من كربه
فالشوق كالحزن له آخر
و ينقضي في آخر المدّة
أمّا أنا فقلقي دائم
ما دمت في مالي و في فضّتي
و الخوف من كارثة لم تقع
أمصّ من كارثة حلّت
كم من فقير مرّ بي ضاحكا
كأنّما يسخر من غصّتي
رأيته بالأمس من كوّتي
فخلتني أنظر من هوّة
و كنت كالحوت رأى موجة
ضاحكة ترقص كالطفله
أو حيّة تدبّ في منجم
ترنو إلى فراشة حرّه
قد اختفت ذاتي في بردتي
فما يرى الخلق سوى بردتي
فهم إذا ما سلّموا سلّموا
على خيوط البرد و الحلّة
ربّاه أطلق من عقال الغنى
روحي ، فإنّي منه في محنه
وانزع من الدينار من قبضتي
صلابة الدينار من سحنتي
و حوّل المال إلى راحة
و حوّل القصر إلى خيمة
للأبله
و صرخ الأبله مستفسرا
ما القصد من خلقي كذا و المراد ؟
ألم يكن يكمل هذا الورى
إلاّ أوجدتني في فساد
لي صورة النّاس و حاجاتهم
من مطعم أو مشرب أو رقاد
لكنّ لبّي غير ألبابهم
فإنّه مكتنف بالسواد
يعجزني إدراك ما أدركوا
كأنّ عقلي فحمة أو رماد
إن كنت إنسانا فلم يا ترى
لست بادراكي كباقي العباد ؟
أولم أكن منهم فمرني أكن
جرادة أو أرنبا أو جواد
فالندّ لا يعدم مع ندّه
ذريعة للسلم أو للجهاد
لا تسخر النّملة من نملة
و ليس يزري بالقراد القراد
أم أنت كالحقل على رغمه
ينمو مع الحنطة فيه القتاد
للأديب :
وجاء بعد المستريب
الألمعي العبقريّ اللّبيب
فقال : إنّي تائه حائر
أنا غريب في مكان غريب
أبحث عن نفسي فلا أهتدي
و ليس يهديني إليها أريب
أنا عليم حيث لا عالم
أنا لبيب عند غير اللّبيب
لو أنّني كنت بلا فطنه
سرت و لم تكثر أمامي الدروب
و كان عقلي كعقول الورى
و كان قلبي مثل باقي القلوب
و ثار عندي كالنجوم الورى
فلا عدوّ فيهم أو حبيب
ولم أر في ضحكهم و البكا
شيئا سوى الضّحك و غير النّحيب
و لم أسائل كوكبا طالعا
ما لك تبدو ، و لماذا تغيب
و لم أقف في الروض عند الضحى
يذهلني لون و شكل و طيب
و لم أقل ما كنت من قبلما
كنت ، و لا ما في سجلّ الغيوب
ما العقل ، يا ربّ ، سوى محنة
لولاه لم تكتب عليّ الذنوب
الخاتمة :
لمّا وعى الله شكايا الورى
قال لهم : كونوا كما تشتهون
فاستبشر الشيخ و سرّ الفتى
و الكاعب الحسناء و الحيزبون
...
لكنّهم لمّا اضمحلّ الدجى
لم يجدوا غير الذي كانا
...
هم حدّدوا القبح فكان الجمال
و عرّفوا الخير فكان الطلاح
و ليس من نقص و لا من كمال
فالشوك في التحقيق مثل الأقاح
...
و ذرّة الرمل ككلّ الجبال
و كالذي عزّ الذي هانا

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:03 AM

الانسان و الدّين
( إيليا أبو ماضي )


إنّي عرفت من الإنسان ما كانا
فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته و هو مشتدّ القوى أسدا
صعب المراس و عند الضّعف ثعبانا
تعود الشّرّ حتّى لو نبت يده
عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
خفه قديرا و خفه لا اقتدار له
فالظّلم و الغدر إمّا عزّ أو هانا
ألقتيل ذنب شنيع غير مغتفر
و القتل يغفره الإنسان أحيانا
أحلّ قتل نفوس السائمات له
و الطيّر و القتل قتل حيثما كانا
أذاق ذئب الفلا من غدره طرفا
فلا يزال مدى الأيام يقظانا
و نفّر الطير حتّى ما تلمّ به
إلاّ كما اعتادت الأحلام و سنانا
سروره في بكاء الأكثرين له
و حزنه أن ترى عيناه جذلانا
كأنّما المجد ربّ ليس يعطفه
إلاّ إذا قدّم الأرواح قربانا
هو الذي سلب الدّنيا بشاشتها
وراح يملأها همّا و أحزانا
لا تصطفيه و إن أثقلته منّنا
يعدو عليك و إن أولاك شكرانا
قالوا ترّقى سليل الطّين قلت لهم
ألآن تمّ شقاء العالم الآنا
إنّ الحديد إذا ما لان صار مدى
فكن على حذر منه إذا لانا
و المرء وحش و لكن حسن صورته
أنسى بلاياه من سمّاه إنسانا
قد حارب الدّين خوفا من زواجره
كأنّ بين الورى و الدّين عدوانا
ورام يهدم ما الرحمن شيّده
و ليس ما شيّد الرّحمن بنيانا
إنّي ليأخذني من أمره عجب
أكلّما زاد علما زاد كفرانا ؟
و كلّما انقادت الدّنيا و صار له
زمامها انقاد للآثام طغيانا ؟
يرجو الكمال من الدّنيا و كيف له
نيل الكمال من الدّنيا و ما دانا ؟
إذا ارتدى المرء ما في الأرض من برد
و عاف للدّين بردا عاد عريانا
هو الحياة التي ما غادرت جسدا
إلاّ اغتدى الميت أحيامنه وجدانا
و هو الضّياء الذي يمحو الظّلام فمن
لا يهتدي بسناه ظلّ حيرانا
و المنهل الرائق العذب الورود فمن
لا يسقي منه دام الدّهر عطشانا
ليس المبذّر من يقلي دراهمه
إنّ المبذّر من للدّين ما صانا
ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر
إنّي أرى من ذوي الأبصار عميانا

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:04 AM

الإله الثرثار
( إيليا أبو ماضي )


زعم المرء أنّما ربّ
كم يلوك الكلام هذا الإله
يلفظ البحر و هو ملح أجاج
لؤلؤا يبهر العيون سناه
ما ادّعى الدّرّ أنّه صورة البح
ر و لا قال : إنّني إيّاه
لا ولا قال كلّ شيء إلى المح
و و ما خصّ بالخلود سواه
إن تكن للخلود ذاتك في الد
نيا ، فما ذا الأمر الذي تهواه
و إذا صرت غير شخصك في الأ
خرى فهذا الفنا الذي تخشاه
في التراب الذي تدوس عليه
ألف دنيا و عالم لا تراه
أنت جزء من الكيان و فيه
كثراه ، كنبته ، كحصاه
كالورود التي تحبّ شذاها
و البعوض الذي تخاف أذاه
ما لحيّ بالموت عنه انفصال
إنّ دنياه هذه أخراه

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:04 AM

الابريق
( إيليا أبو ماضي )


ألا أيها الابريق ما لك والصلّف
فما أنت بلّور ولا أنت من صدف
وما أت إلاّ كالأباريق كلّها
تراب مهين قد ترقّى إلى خزف
أرى لك أنفا شامخا غير أنه
تلفّع أثواب الغبار وما أنف
ومسّته لأيدي الأدنياء فما شكا
ومصّته أفواه الطّغام فما وجف
وفيك اعتزاز ليس للديك مثله
ولست بذي ريش تضاعف كالزغف
ولا لك صوت مثله يصدع الدجى
وتهتف فيه الذكريات إذا هتف
وأنصت أستوحيه شيئا يقوله
كما يسكت الزّوار في معرض التّحف
وبعد ثوان خلت أني سمعته
يثرثر مثل الشيخ أدركه الخرف
فقال:(( سقيت الناس)) ، قلت له: أجل
سقيتهم ماء السحاب الذي وكف
ودمع السواقي والعيون الذي جرى،
وماء الينابيع الذي قد صفا وشف
فقال: ليذكر فضلي الماء وليشد
بمدحي، ألم حمله؟ قلت: لك الشرف!
فقال: ألم أحفظه؟ قلت: ظلمته
فلولاه لم تنقل، ولولاك ما وقف!

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:08 AM

الاشباح الثلاثة
( إيليا أبو ماضي )


روأني النوم وما برحا
حتى طأطأت له رأسي
أطبقت جفوني فانفتحا
باب الرؤيا والوسواس
أبصرت كأني في موضع
ما فيه غير الأرواح
فوقفت بعيدا أتطلّلع
فلمحت ثلاثة أشباح
ولد يتهادى في العشر
وفتّى في برد العشرينا
والثالث شيخ في طمر
ذو جسم يحكي العرجونا
وإذا بالأول يقترب
مني كالطائر في الوثب
فشعرت كأني أضطرب
وكأن خطاه على قلبي
يا نفسي ما هذا الفرق؟
لا رمح معه ولا نبل
ولماذا الخشية والقلق
والخلق أحبهم الطفل
وإذا بالطفل يخاطبني
بكلام لا يتكلّفه
ويمازحني، ويداعبني،
فكأني شخص يعرفه
((ما بالك منكمشا كمدا؟
قم نلعب في فيّ الشجر
ونهزّ الأغصن والعمدا
ونذود الطير عن الثمر
أو نصنع خيلا من قصب
أو طيّارات من ورق
ومدّى وسوفا من خشب
ونجول ونركض في الطرق
أو نأتي بالفحم القاتم
ونصوّر فوق الأبواب
تنّينا في بحر عائم
أو ليثا يخطر في غاب
أو كلبا يعدو ، أو حملا
يرعى ، أو نهرا، أو هضبه
أو ديكا ينقد، أو رجلا
يمشي ، أو مهرا، أو عربه
أو نجبل ماء وترابا
ونشيد بيوتا وقبابا
أو نجعل منه أنصابا
أو نصنع حلوى وكبابا))
مثّلت الطفل ودنياه
فأحبّت نفسي دنياه
ووددت لو أني إيّاه
بل خلت كأني إيّاه
فضحكت ولجّ بي الضحك
حتى استلقيت على ظهري
فاستيقظ في الولد الشك
فتوقف يعجب من أمري
ويقول: أيا هذا قدكا
فوحقك ذا الطيش الأكبر
ما تضحك مني بل منكا
إيّاك أنا لو تتذكر!
وتوارى عني واحتجبا
كالموجة في عرض النهر
فتضايق قلبي واضطربا
وارتجّت روحي في صدري
2
وإذا الشبح الثاني أقبل
يترّنح مثل المخمور
ألليل على الدنيا مسدل
وعليه وشاح من نور
معصوب المقلة والدرب
وعر وكثير الآفات
كسفين ليس لها ربّ
تجري في بحر الظلمات
ماذا في الأفق ؟فقد وقفا
يتأمل فيه ويبتسم
هل لاح له وجه عرفا
أم هزّ جوارحه نغم؟
أم أبصر آلهة الحب
تدعوه إليها إيماء
لا شيء في الأقف الرحب
وكأن هناك أشياء
ألطير تغني للزهر
ويظنّ الطير تساجله
والزهر ترحّب بالفجر
ويظنّ الزهر تغازله
ونظرت إليه في البّر
يتمنّى لو خاض البحرا
ونظرت إليه في البحر
يتمنى لو بلغ البرّا
يتأفّف من بطء الدهر
والدهر يسير به وثبا
وينام ليحلم بالفجر
والفجر يضيء له الدربا
ويسائل عن كأس الخمر
ويائله عنها الناس
في الليل ، وفي وضح الفجر
والخمرة فيه والكأس
فصيرت ولازمت الصمتا
حتى دانى الظلّ الظلّ
فأشرت إليه: من أنتا ؟
فأجاب: أنا ذاك الطفل
ومضى كالظلّ إذا انتقلا
وأنا أرجو لو لم يمض
فأعدت لنفسي ما ارتجلا
متعجّب بعضي من بعضي
3
ألشمس تزلّ عن الأفق
كالروح المحتضر الساجي
غمرتها أمواج الغسق
فتوارت خلف الأمواج
والغيم الأسود يحتشد
طبقا في الجوّ على طبق
والليل يطول ويطّرد
والأرض كسار في نفق
وإذا شيخ في صحراء
كالزورق في عرض البحر
إعياه الصلح مع الماء
وأضاع الدرب إلى البّر
يمشي في الأرض على مهل
وعلى حذر، لكن يمشي
كالشاة تساق إلى القتل
بعصا جبّار ذي بطش
يا شيخ... لماذا لا تقف؟
دميت رجلاك من الركض
فأجاب بصوت يرتجف
ألأرض تسير على الأرض!
يا شيخ... رويدا فالبد
سيضيء الدرب فتستهدي
فأجاب: ويتلوه الفجر
لكن سيضيء لمن بعدي
أيلذّ لغصن منكسر
عرّته الريح من الورق
أن يبصر في ضوء القمر
ما كان عليه على الطرق؟
ما لذّة ميت في الرمس
بالزّهر الفوّاح العطر
نور لا يشرق في النفس
كغباء في إذن الحجر
ما استخفت عني الأفلاك
والشهب، بل استخفى حبّي
لم تملأ دربي الأشواك
إنّ الأشواك لفي قلبي
يا شيخ: شجاني ما قلتا
وزرعت بنفسي آلامك
من أنت؟ أجاب: أنا أنتا
أنا ذاتك تمشي قدّامك
كم أبحث بين الأجرام
عني وأنقّب في الأرض
أحلامي تطمر أحلامي
بعضي مدفون في بعضي
لم أبصر ذاتي بالأمس
في لوح زجاج أو ماء
بل لاحت نفسي في نفسي
فهي الورئيّة والرائي

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:15 AM

البدر الآفل
( إيليا أبو ماضي )


أبعدك يعرف الصّبر الحزين
وقد طاحت بهجته المنون ؟
رمتك يد الزمان بشرّ سهم
فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
رماك و أنت حبّه كلّ قلب
شريف ، فالقلوب له رنين
و لم يك للزمان عليك ثار
و لم يك في خلالك ما يشين
و لكن كنت ذا خلق رضيّ
على خلق لغيرك لا يكون
و كنت تحيط علما بالخفايا
و تمنع أن تحيط بك الظنون
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا
فعندك سرّه الخافي مبين
حكيت البدر في عمر و لكن
ذكاؤك لا تكوّنه قرون
عجيب أن تعيش بنا الأماني
و أنّا للأماني نستكين
و ما أرواحنا إلاّ أسارى
و ما أجسادنا إلاّ سجون
و ما الكون مثل الكون فان
كما تفنى الدّيار كذا القطين
لقد علقتك أسباب المنايا
وفيّا لا يخان و لا يخون
أيدري النعش أيّ فتى يواري
و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟
فتى جمعت ضروب الحسن فيه
و كانت فيه للحسنى فنون
فبعض صفاته ليث و بدر
و بعض خلاله شمم و لين
أمارات الشّباب عليه تبدو
و في أثوابه كهل رزين
ألا لا يشمت الأعداء منّا
فكلّ فتى بمصرعه رهين
...
أيا نور العيون بعدت عنّا
و لمّا تمتليء منك العيون
و عاجلك الحمام فلم تودّع
و بنت و لم يودّعك القرين
و ما عفت الوداع قلى و لكن
أردت و لم يرد دهر ضنين
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي
نعيّك بعد ما طال السّكون
و لهف شقيقك النّائي بعيدا
إذا ما جاءه الخبر اليقين
ستبكيك الكواكب في الدّياجي
كما تبكيك في الرّوض الغصون
و يبكي أخوة قد غبت عنهم
و أمّ ثاكل و أب حزين
فما تندى لنا أبدا ضلوع
عليك ، و ما تجفّ لنا شؤون
قد ازدانت بك الفتيان طفلا
كما يزدان بالتّاج الجبين
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا
فما في الدهر بعدك ما يزين
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء
و كنت لنا المعين فلا معين
أبعدك ، يا أخي ، أبغي عزاء
إذا شلّت يساري و اليمين ؟
يهون الرزء إلاّ عند مثلي
بمثلك فهو رزء لا يهون
عليك تقطّع الحسرات نفسي
و فيك أطاعني الدّمع الحرون
فملء جوانحي حزن مذيب
و ملء محاجري دمع سخين
و ما أبقى المصاب على فؤادي
فأزعم أنّه دام طغين
يذود الدمع عين عيني كراها
و تأبى أن تفارقه الجفون
لقد طال السّهاد و طال ليلي
فلا أدري الرّقاد متى يكون
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي
عليك أسى لذلك ما يبين
جزاك الله عنّا كلّ خير
و جاد ضريحك الغيث الهتون

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:16 AM

البغضاء
( إيليا أبو ماضي )


لا تبغض ((الرّوس)) لكن لا تحبّهم
فحربنا حرب أقران لأقران
ولا ((الفرنسيس)) ما هم بالعداة لنا
لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّع منسدل
لكنّهم بطعن ونيرانا بنيران
وذي بيارقنا في ((الفوج)) خافقة
وجيشنا ظافر في كلّ ميدان
قلوبنا ليس فيها غير موجدة
ذو الشّيب فيها وفحم الشّعز سيّان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها
كواحد وكذا نقلى كإنسان
عدوّنا واحد؛ الكلّ يعرفه
ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
تردّنا عنه أمواج يلوذ بها
سميكة كالنّجيع اليابس القاني
أرى به، وهو في الطّوفان مختبىء
طوفان غيظ توارى خلف طوفان
قد أصبح الماء يحميه ويمنعه
الويل للماء منّا إنّه جان
قفوا أمام القضاء العدل كلكم
وليحلفنّ يمينا كل ألماني
غليظة كالحديد الصّلب ، صارمة
كالموت ، تبقّى لأزهار وأزان
أن نبغض البغض لا تبلى مرائره
ولا يقاس ولا يحصى بميزان
وان نردّده في كلّ ناحية
وأن نكرّره تكرير ألحان
وأن نعلّم منّا كلّ ذي كبد
أن يبغض القوم في سرّ وإعلان
بغضا إلى نسلينا بالإرث منتقلا
إلى بنيهم ومن جيل إلى ثاني
عدوّنا واحد، الكلّ يعرفه
ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
إنكلترا!!
ألا اسمعوا أيّها الألمان واعتبروا
فأنتم أهللا ألباب وأذهان
... في حقل جلس الوّاد كلّم
كمحكم العقد أو مرصوص بنيان
وقام واحدهم والكأس في يده
كأنّها قبس أو عين غضبان
فقال: يا قوم ((هذا سرّ يومكم))
ألا اشربوا ؛ إنّ اليوم سرّان
مقالة فعلت في الجمع فعلتها
فأصبحوا وكأنّ الواحد اثنان
ما ضربة السّيف من ذي مرّة بطل
ومستطير اللّظى من قلب صوّان
ولا السّفينة في التّيار جارية
ولا الشهاب هوى في إثر شيطان
أمضى وأنفذ منها وهي خارجة
من فيه كالسّهم من أحشاء مرتان
فضاء من كان في الكأس التي ارتفعت
ومن يريد ويعني القائل العاني؟
إنكلترا!!
بني بريطانيا نادوا جموعكم
واستصرخوا الخلق من إنس ومن جان
وابنوا المعاقل والأسوار من ذهب
واستأجروا الجند من بيض وعبادن
مروا أساطيلكم في البحر ترصدنا
وترصد البحر من موج وحيتان
تاللّه لا ذي ولا هذي تردّ يدا
إذا رمت دكت البنيان والباني
لا نبغض الرّوس لكن لا نحبّهم
فحربنا حرب أقران لأقران
ولا الفرنسيس ، ما هم بالعداة لنا
لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّقع منسدل
طعنا بطعن ونيرانا بنيران
نأتي ويأتون والهيجاء قائمة
بكل ماض وفتّاك وطعّان
لكنّما في غد يرخي السّلام على
هذي الوغى وعليهم سترنسيان
ويمّحي كلّ بغض غير بغضكم
فإنّه آمن من كلّ نقصان
حقد القلوب عليكم لا يزول وإن
زلتم وزلنا وزال العالم الفاني
في الأرض بغضكم والماء مثلهما
والبغض في الحرّ مثل البغض في العاني
الكوخ يبغضكم والقصر يبغضكم
وكلّ ذي مهجة منّا ووجدان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها
كواحد وكذا نقلى كأنسان
عدوّنا واحد؛ الكلّ يعرفه
ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
إنكلترا!!

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:17 AM

البلبل السجين
( إيليا أبو ماضي )


يا ربّ بلا سناء
كأنّما بدره يتيم
مشى به اليأس في الرّخاء
كأنّه النار و الهشيم
*
ليت الدّجى رقّ للمحبّ
أو ليت لي مهجة حجر
أقضّ هذا الفراش جنبي
كأنّ في مضجعي الإبر
هل بك يا نجم مثل كربي ؟
أم أنت من طبعك السّهر ؟
سهرت شوقا إلى ذكاء ؟
أم عندك المقعد المقيم ؟
أبكي و تصغي إلى البكاء
يا ربّ ! هل تعشق النجوم ؟
*
قد نال فرط السّهاد منّي
و اشتاق طرفي إلى الهجوع
و قرّح الجفن ماء جفني
في الحبّ ما فاض من دموعي
و شاب رأسي من التّجنّي
ياليت ذا الشّيب في الولوع
لعلّ في سلوتي شفائي
هيهات . داء الهوى قديم
ما يحسب الناس في ردائي ؟
في بردتي هيكل رميم !
*
قد طال يا ليل فيك صبري
و أشبهت ساعك القرونا
فقل لهذي النجوم تسري
أو إسأل الصّبح أن يبينا
و إن تشأ أن تكون قبري
فكن كما شئت أن تكونا
في سكون إلى البلاء
قد يألف العلّة السّقيم
من كان في قبضة الهواء
هان على نفسه النّسيم !
*
قرّب بين الضّنى و جسمي
ما أبعد النّوم عن جفوني
يا ليل فيك الرّقاد خصمي
يا ليل ما فيك من معين
سوى شج همّه كهمّي
ينشد و اللّيل في سكون !
أيمرح البوم في الخلاء
و تمسك البلبل الهموم ؟
هذا ضلال من القضاء
فلا تلمني إذا ألوم
*
سا سيّد المنشدين طرّا
و صاحب المنطق المبين
لو كنت بوما أو كنت نسرا
ما بتّ في أسرك المهين
خلقت لما خلقت ، حرّا
فزجّك الحسن في السّجون
و أطلق البوم في الفضاء
زعم الورى أنّه دميم
و أنّه غير ذي رواء
و لا له صوت الرّخيم !
*
تيّمك الروض فيه حتّى
تخذت باحاته مقاما
رأيت فيه النعيم بحتا
و لم تر عنده الأناما
مدّوا الأحابيل فيه شتّى
أقلّها يجلب الحماما
لو كنت كالبوم في الجفاء
ما صادك المنظر الوسيم
أصبحت تبكي من الشّقاء
ليضحك الآسر المضيم !
*
و المرء وحش فإن ترقّى
أصبح شرا من الوحوش
فخفه حرّا و خفه رقّا
و خفه ملكا على العروش
فالشرّ في الناس كان خلقا
و أيّ طير بغير ريش ؟
ما قام فيهم أخو وفاء
يحفظ عهدا و لا رحيم
فكلّ مستضعف مرائي
و كلّ ذي قوّة غشوم !
*
إن كان للوحش من نيوب
فالناس أنيابهم حديد
ما كان ، و الله ، للحروب
لولا بنو آدم وجود
لو امّحى عالم الخطوب
لقام منهم لها معيد
قد نسبوا الظلم للسماء
و كلّهم جائر ظلوم
لم يخل منه أخو الثّراء
و لا الفتى البائس العديم
*
أعجب ما في بني التراب
قتالهم فوقه عليه
قد صيّر و الأرض كالكتاب
و انحشروا بين دفّتيه
و استعجلوا الموت بالعذاب
و كلّهم صائر إليه
ما خاب داع إلى العداء
و لم يفز ناصح حكيم
ما رغب الناس في الفناء
لكنّما ضاعت الحلوم !!
*
لو لم يك الظلم في الطّبائع
ما استنصر العاجز العداله
لو عدلت فيهم الشرائع
ما استحدثوا للقتال آله
عجبت للقاتل المدافع
جزاؤه الموت لا محاله
لكنّما سافكو الدماء
يوم الوغى قادة قروم
و هكذا المجرم الدائي
في عرفهم فاتح عظيم !
*
أقبح من هذه الضّلاله
أن يحكم الواحد الألوفا
و يدّعي الفضل و النّباله
من يسلب العامل الرّغيفا
يا قوم ما هذه الجهالة
قد حان أن تنصفوا الضّعيفا
فراقبوا ذمّة الإخاء
و لتنس أحقادها الخصوم !
لا تتبعوا سنّة البقاء
فإنّها سنّة ظلوم !

ناريمان الشريف 10-16-2010 11:18 AM

التمثال
( إيليا أبو ماضي )


من المرمر المسنون صاغوا مثاله
و طافوا به من كلّ ناحية زمر
و قالوا – صنعناه لتخليد رسمه ،
فقلت – ألا يفنى كما فنى الأثر ؟
و قالوا – نصبناه اعترافا بفضله ،
فقلت إذن من يعرف الفضل للحجر ؟
و قالوا – غنيّ كان يسخو بماله
فقلت لهم هل كان أسخى من المطر ؟
و قالوا – قويّ عاش يحمي ذمارنا
فقلت لهم كان أقوى من القدر ؟
أكان غنيّا أو قويّا فإنّه
بمالكم استغنى و قوتكم ظفر
فلم يتعشّقكم و لا همتم به
كما خلتم لكنه النّفع و الضرر
و لم ترفعوا التّمثال للبأس و النّدى
و لكن لضعف في نفوسكم استتر
فلستم تحبّون الغنيّ إذا افتقر
و لستم تحبّون القويّ إذا اندحر
رأيتكم لا تعرجون بروضة
إذا لم يكن في الروض فيء و لا ثمر
و لا تعقلون الشاة إلاّ لتسمنوا ،
و لا تقتنون الخيل إلاّ على السفر
إذا كان حبّ الفضل للفضل شأنكم
و لم تخطئوا في الحسن و السّمع و البصر
فما بالكم تكرموا اللّيل و الضّحى
و لم تنصبوا التّمثال للشمس و لاقمر ؟

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:13 AM

التينة الحمقاء
( إيليا أبو ماضي )


و تينة غضة الأفنان باسقة
قالت لأترابها و الصيف يحتضر
" بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عندي الجمال و غيري عنده النظر "
" لأحبسنّ على نفسي عوارفها
فلا يبين لها في غيرها أثر "
" كم ذا أكلّف نفسي فوق طاقتها
و ليس لي بل لغيري الفيء و الثمر "
" لذي الجناح و ذي الأظفار بي وطر
و ليس في العيش لي فيما أرى وطر "
" إنّي مفصلة ظلّي على جسدي
فلا يكون به طول و لا قصر "
و لست مثمرة إلا على ثقة
إن ليس يطرقني طير و لا بشر "
....
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه
فازّينت واكتست بالسندس الشجر
و ظلّت اتينة الحمقاء عارية
كأنّها وتد في الأرض أو حجر
و لم يطق صاحب البستان رؤيتها ،
فاجتثّها ، فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به
فإنّه أحمق بالحرص ينتحر

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:13 AM

الحاجة إلى الخرس
( إيليا أبو ماضي )


ما كان أحوجني يوما إلى أذن
صمّاء إلاّ عن المحبوب ذي الأنس
كي لا يصدّع رأسي صوت نائحة
و لا تقطّع قلبي أنّه التّعس
و لا يمرّر نفسي الأدعياء و لا
ذمّ الأفاضل من ذي خسّة شرس
أقول هذا عسى حرّ يقول معي
ما كان أحوج بعض النّاس للخرس

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:14 AM

الحجر الصغير
( إيليا أبو ماضي )


سمع الليل ذو النجوم أنينا
وهو يغشى المدينة البيضاء
فانحنى فوقها كمسترق الهمس
يطيل السكوت والإصغاء
فراى أهلها نياما كأهل الكهف
لا جلبة ولا ضوضاء
ورأى السدّ خلفها محكم البنيان
والماء يشبه الصحراء
كان ذاك الأنين من حجر في السد
ّ يشكو المقادر العمياء
أيّ شأن يقول في الكون شأني
لست شيئا فيه ولست هباء
لا رخام أنا فأنحت تمثا
لا، ولا صخرة تكون بناء
لست أرضا فأرشف الماء ،
أو ماء فأروي الحدائق الغنّاء
لست درا تنافس الغادة الحسناء
فيه المليحة الحسناء
لا أنا دمعة ولا أنا عين،
لست خالا أو وجنة حمراء
حجر أغير أنا وحقير
لا جمالا ، لا حكمة ، لا مضاء
فللأغادر هذا الوجود وأمضي
بسلام ، إني كرهت البقاء
وهوى من مكانة ، وهو يشكو
الأرض والشهب والدجى والسماء
فتح الفجر جفنه... فإذا
الطوفان يغشى ((المدينة البيضاء))

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:15 AM

الحرب العظمى
( إيليا أبو ماضي )


لو استطيع كتبت بالنّيران
فلقد عييت بكم وعيّ بياني
ولكدت استحي القريض وأتّقي
أن يستريب يراعتي وجناني
أمسى يعاصيني لما جشّمته
فيكم وكنت وكان طوع بناني
يشكو إلّي وأشتكي إعراضكم
اللّه في عان يلوذ بعان
عاهدته أن لا أثير شجونه
أو يستير كوامن الأشجان
يا طالما استبكيته فبكى لكم
لولا الرّجاء بكيته وبكاني
كم ليلة أحيتها متململا
طرفي وطرف النّجم ملتقيان
تحنو على قلمي يميني والدّجى
حان على فتيات والفتيان
أجلو عرائسه لكم وأزفها
ما بين بكر كاعب وعوان
متألما فيكم وفي أبنائكم
وهم وأنتم نائمو الأحزان
ما غال نومي حبّ معسول اللّمى
ممنوعه، لكن هوى الأوطان
أنفقت أيّام الشّباب عليكم
في ذّمة المضي الشّباب الفاني
كم تسألوني أن أعيد زمانه
يا قوم ، مرّ زمانه وزماني
هان اليراع على البواتر والقنا
ما تصنع الأقلام بالمرّان
ليس الكلام بنافع أو تغتدي
حمر المضارب خلف كلّ لسان
والشّعب ليس بمدرك آماله
حتّى يسير على النّجيع القاني!..
***صلّ الحديد وشّمرت عن ساقها
وتنكّر الإخوان للإخوان
فالخيل غاضبة على أرسانها
والبيض غاضبة على الأجفان
والموت من قدّامهم وورائهم
والهول كلّ ثنيّة ومكان
بسطت جناحيها ومدّت ظلّها
فإذا جناحا السّلم مقصوصان
تغشى مواكبها ثلاث غياهب
من قسطل ودجنّة ودخان
ويردّ عنها كلّ خائض لّجة
سيلان: من ماء ومن نيران
أنّى التفتّ رأيت رأسا طائرا
أو مهجة مطعونة بسنان
يمشي الرّدى في إثر كلّ قذيفة
فكأنّما تقتاده بعنان
فالجوّ مّما من أرواحهم
لا تستبين نجومه عينان
والنّهر مّما سال من مهجاتهم
يجري على أرض من المرجان
والأرض حمراء الأديم كأنّها
خدّ الييّة أو خضيب بنان
كم من مبيح للضّيوف طعامه
أمسى طعام الأجدال الغرثان
ومقاتل ناش الكتيبة، ناشه
ظفر العقاب ومخلب السّرحان
ومخلّق بين المجرّة والسّها
صعد الحمام إليه في الطيران
ومشيّد وقف الزّمان حياله
متحيّرا بجماله الفتّان
أخنى على ذكر ((الخورنق)) ذكره
وسما على ((الحمراء)) و((الإيوان))
وقضى العصور النّاس في تشييده
أودت به مقذفة وثوان
ومدينة زهراء آمنة الحمى
هدمت منازلها على السّكان
خرست بلابلها الشّوادي في الضّحى
وعلا صياح البوم والغربان
وتعطلّت جنّانها وقصورها
ولقد تكون بغبطة وأمان
حرب أذلّ بها التّمدّن أهله
وجنى الشّيوخ بها على الشّبان
سحق القويّ بها الضّعيف وداسه
ومشى على أرض من الأبدان
بئس الوغى يجني الجنود حتوفهم
في ساحها والفجر للتيجان
ماأقبح الإنسان يقتل جاره
ويقول هذي سنّة العمران
بلي الزّمان وأنت مثلك قبله
يا شرعة قد سنّها الجدّان
فالقاتل الآلاف غاز فاتح
والقاتل الجاني أثيم جان
لا حقّ إلاّ تؤيّده الظّبى
ما دام حبّ الظّلم في الإنسان
لو خيّر الضّعفاء لاختاروا الرّدى
لكنّ عيش الأكثرين أماني
ما بال قومي نائمين عن العلى
ولقد تنبّه للعلى الثّقلان
تبّاع أحمد والمسيح ، هوادة
ما للعهد أن يتنكّر الأخوان
اللّه ربّ الشّرعتين وربّكم
فإلى متى الدّين تختصمان
مهما يكن من فارق فكلاكما
ينمى إلى قحطان أو غسّان
فخذوا بأسباب الوفاق وطهّروا
أكبادكم من لوثة الأضغان
في ما يحيق بارضكم ونفوسكم
شغل لمشتغل عن الأديان
نمتم وقد سهر الأعادي حولكم
وسكنتم والأرض في جيشان
لا رأي يجمعكم إذا اختلف القنا
وتلاقت الفرسان بالفرسان
لا رأية لكم يدافع دونها
مردالعوارض، والحتوف دواني
لا ذنب للأقدرا في إذلالكم
هذا جزاء الغافل المتواني
لو لم يعزّ الجهل بين ربوعكم
ما هان جمعكم على الحدثان
المرء ، قيمته المعارف والنّهى
ما نفع باصرة بلا إنسان
ما بالكم لا تغضبون لمجدكم
غضبات ملطوم الجبين مهان
أو لستم كالنّاس أهل حفائظ
أم أنتم لستم من الحيوان؟
أبناؤكم ، لهفي على أبنائكم
يلهو بهم أبناء جنكيز خان
النّازعون الملك من أيديكم
العابثون بكم وبالقرآن
أو كلّما طلعت عليهم أزمة
هاجوا ضغائنكم على الصّلبان
لا تخدعنّكم لسّياسة إنّها
شتّى الوجوه كثيرة الألوان
لو تعقلون عملتم لخلاصكم
من دولة القينات والخصيان
عارعلى نسل الملوك بني العلى
أن _ يستذلّهم بنو الرّعيان
ثوروا عليهم واطلبوا استقلالكم
ونشبّهوا بالصّرب واليونان
مذا يروع نفوسكم ، ما فيكم
وكلّ ولا التّرك غير جبان
وهبوهم الرّومان في غلوائهم
أفما غلبتم أمّة الرّومان
ما الموت ما أعيا النّطاسي ردّه
موت الذّليل وعيشه سيّان

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:15 AM

الحرّيّة
( إيليا أبو ماضي )


فتنته محاسن الحرّيّة
لا سليمى و لا جمال سميّه
هي أمنية الجميع و لكن
أرهقته الطبيعة البشريّة
و عجيب أن يخلق المرء حرّا
ثمّ يأبى لنفسه الحرّيّة
غادة ما عرفت قلبا خليّا
من هواها حتّى القلوب الخليّة
غرست في فؤاده الحبّ طفلا
فنما الحبّ و الفؤاد سويّه
ثمّ لمّا فشى الغرام و ذاعت
عنهما في الورى أمور خفيّة
حجبوها يسلو و لكن
كان قيسا و كانت العامريّة
بات يشكو النّوى الشّقيّ و تشكو
مانعيها من أن تراه الشّقيّة
مستهام قضى زمانا طويلا
في عناء من القيود القويّة
و عليه من الزمان رقيب
عاشق للسيادة الوهميّة
و لكلّ مطامع و أماني
يبذل النفس دونها للمنيّة
و يراها لديه أشرف شيء
و هي أدنى من الأكور الدنيّة
زعموا أنّه المليك المفدّى
بالرعايا من شرّ كلّ بليّة
إنّما تفتدي الرعيّة ملكا
باذلا نفسه فدى للرعيّة
ظلم القوم من توهّمه القوم
نصيرا للأمّة الروسيّة
و إذا أحرج الضّعاف قويّ
نسيت ضعفها النفوس الأبيّة

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:18 AM

الحسن لا يشرى ولا يستجلب
( إيليا أبو ماضي )


سفرت فقلت لها أهذا كوكب
قالت أجل وأين مني الكوكب؟
وتبسّمت فرأيت رئما ضاحكا
عن لؤلؤ لكنّه لا يوهب
وتمايلت فالسمهري مصمم
ورنت فأبصرت السّهام تصوّب
أنشبت ألحاظي بورد خدودها
لّما رأيت لحاظها بي ننشب
قد كلمت قلبي ولم ترفق به
واللّظ لو درت المليحة مخلب
بيضاء ناصعة كأن جبينها
صبح وطرتّها عليه غيهب
يا طالما اكتسب الحرير ملاحة
منها ويكسب غيرها ما يكسب
ولطاما بعض النساء حسدتها
ولطالما حسد السليم الأجرب
بين الطلاء وبينهنّ قرابة
مشهورة عنها الجميلة تنكب
إنّ الملاحة عندها عربية
وجمال هاتيك الدّمى مستعرب
قل للغواني إنّها خلقت كذا
الحسن لا يشرى ولا يستجلب
فإذا بلغتنّ الجمال تطريا
فاعلمن أنّ بقاءه مستعصب
هيهات ما يغني الملاح الحسن إن
كانت خلائقهنّ لا تستعذب
إني بلوت الغانيات فلم أجد
فيهن قطّ مليحة لا تكذب
وصحبتهنّ فما استفدت سوى الأسى
ما يستفاد من الغواني يتعب
وخيرتهنّ فما لبكر حرمة
ترعى وأعذر من رأيت الثّيب
لا يخدعتك ضعفهنّ فإنّما
بالضعف أهلكت الهزير الأرنب

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:19 AM

الخطب الفادح
( إيليا أبو ماضي )


( رثى بها المغفور له الامام الحكيم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية )
- - -
هيهات بعدك ما يفيد تصبّر
و لئن أفاد فأيّ قلب يصبر ؟
إنّ البكاء من الرجال مذمّم
إلاّ عليك فتركه لا يشكر
لو كان لي قلب لقلت له ارعوي
إنّي بلا قلب فإنّي أزجر
لا زمت قبرك و البكاء ملازمي
و اللّيل داج و الكواكب سهّر
أبكي عليك بأدمع هطّالة
و لقد يقل لك النجيع الأحمر
ووددت من شجوي عليك و حسرتي
لو أن لحدك في فؤادي يحفر
إنّي لأعجب كيف يعلوك و حسرتي
لو ان لحدك في فؤادي يحفر
أمسيت مستترا به لكنّما
آثار جودك فوقه لا تستر
مرض الندى لمّا مرضت و كاد أن
يقضي من اليأس الملمّ المعسر
يرجوط أنّك جابر كسره
فإذا فقدت فكسره لا يجبر
و علت على تلك الوجوه سحابة
كدراء لا تصفو و لا تستمطر
كم حاولوا كتم الأسى لكنّه
قد كان يخترق الجسوم فيظهر
حامت حواليك الجموع كأنّما
تبغي وقاء الشرق مما يحذر
و الكلّ يسأل كيف حال إمامنا
ماذا رأى حكمائنا ، ما أخبروا ؟
و الداء يقوى ثم يضعف تارة
فكأنّه يبلو القلوب و يسبر
أوردته عذبا فأوردك الردى
تبّت يداه فذنبه لا يغفر
هيهات ما يثني المنيّة جحفل
عمّن تؤم و لا يفيد العسكر
رصد الردى أرواحنا حتى لقد
كدنا نعزّي المرء قبل يصور
نهوى الحياة كأنّما هي نعمة
و سوى الفواجع حبّها لا يثمر
و نظنّ ضحك الدهر فاتحة الرضى
و الدهر يهزأ بالأنام و يسخر
أفقيد أرض النيل أقسم لو درى
بالخطب أوشك ماؤه يتهسّر
و ضعوك في بطن التراب و ما عهد
ت البحر قلبك في الصفائح يذخر
ورأوا جلالك في الضريح فكلّهم
يهوى و يرجو لو مكانك يقبر
لم تخل من أسف عليك حشاشة
أبدا فيخلو من دموع محجر
آبو و ما آب العزاء إليهم
و الحزن ينظم و المدامع ينشر
و الكلّ كيف يكون حال بلادهم
من بعد ما مات الإمام يفكّر
لم يبلنا هذا الزمان بفقده
لو كان ممّن بالرزية يشعر

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:19 AM

الخلود
( إيليا أبو ماضي )


غلط القائل إنّا خالدون
كلّنا بعد الرّدى هيّ بن بيّ
*
لو عرفنا ما الذي قبل الوجود
لعرفنا نا الذي بعد الفناء
نحن لو كنّا " كما قالوا " نعود
لم تخف أنفسنا ريب القضاء
إنّما القول بأنّا للخلود
فكرة أوجدها حبّ البقاء
نعشق البقيا لأنّا زائلون
و الأماني حيّة في كلّ حيّ
*
زعموا الأرواح تبقى سرمدا
خدعونا ... نحن و الشّمع سواء
يلبث النور بها متّقدا
فإذا ما احترقت باد الضياء
أين كان النور ؟ أنّي وجدا ؟
كيف ولّى عندما زال البناء ؟
شمعتي فيها لطلّاب اليقين
آيه تدفع عنهم كلّ غيّ
*
ليست الروح سوى هذا الجسد
معه جاءت ومعه ترجع
لم تكن موجودة قبل وجد
و لهذا حين يمضي تتبع
فمن الزور الموشّى و الفند
قولنا : الأرواح ليست تصرع
تلبث الأفياء ما دام الغصون
فإذا ما ذهبت لم يبق في
*
لو تكون الروح ما لا يضمحل
ما جزعنا كلّما جسم همد
لو تكون الروح جسما مستقل
لرآها من يرى هذا الجسد
كلّ ما في الأرض من عين و ظل
سوف ينحلّ كما انحلّ الزبد
و لئن صحّ بأنّا منشرون
جاز أن يعقب ذاك النّشر طيّ
*
ليت من قالوا بأنّا كالزهور
خبّرونا أين تمضي الرائحه ؟
أترى تبقى كألحان الدهور ؟
أم تلاشى مثل صوت النائحه ؟
ليت شعري أيّ خلد للبذور
بعد أن تلقى بنار لافحة ؟
قل لمن يخبط في ليل الظنون
ليس بعد الموت للظّاميء ري
*
مثلما يذهب لون الورقه
عندما تيبس في الأرض الأصول
مثلما يفقد نور الحدقه
حين أقضي .. هكذا نفسي تزول
كتلاشي الشمعة المحترقة
تتلاشى بين ضحك و عويل
أنا بعد الموت شيئا لا أكون
حيث أنّي لم أكن من قبل شيء !
*
إيه أبناء الثّرى نسل القرود
علّلوا أنفسكم بالترّهات
ألبسوا في صحوكم ثوب الجمود
واحلموا في نومكم بالمعجزات
فسيأتي زمن غير بعيد
تتهادى بينكم فيه أيّاه !!
و يحلّ الله في ماء وطين
فيراه الشّيخ و الشاب الأحيّ !

ناريمان الشريف 10-18-2010 08:20 AM

الخمر والدنيا
( إيليا أبو ماضي )


يشرب بنت الكرم بعض الناس
لكربة في النفس أو وسواس
وبعضهم لأنه قد ظفرا
وبعضهم لأنه قد خسرا
وبعضهم لأنهفي فرح
وبعضهم لأنه في ترح
وبعضهم كي يتردّ الأمسا
وبعضهم يجرعها كي ينسى
وبعضهم ليستفيد قوّة
وبعضهم لسورة الفتوّة
وبعضهم كيما يحلّ مشكله
وبعضهم لأنه لا شغل له
وبعضهم عن رغبة وعن هوى
وبعضهم لعلّه يرضي السّوى
وبعضهم من حبّه للبائع
وبعضهم نكاية للمانع
وبعضهم يشربها أحيانا
وبعضهم في أيّ وقت كانا
وبعضهم مع صحبة في الدار
وبعضهم في حانة الخمّار
وبعضهم مع زمرة الندمان
وبعضهم في وحدة الرهبان
وبعضهم في الصيف ذي الرمضاء
وبعضهم في زنم الشتاء
وبعضهم عند انجياب الظلمه
وبعضهم عند طلوع النجمه
وبعضهم يذمّها استهجانا
وبعضهم يمدّحها استحسانا
لكنّهم كلّهم يحسوها
ألمادحوها والمقبّحوها
فما وجدت في زماني رجلا
وقلت: هل تحبّها ؟ فقال: لا
وسرّ هذا أنها كالدنيا
تؤذي ولكت مع أذاها تهوى

ناريمان الشريف 10-19-2010 07:55 AM

الدمعة الخرساء
( إيليا أبو ماضي )


سمعت عول النائحات عشية
في الحيّ يبتعث الأسى و يثير
يبكين في جنح الظلام صبيّة
إنّ البكاء على الشباب مرير
فتجهّمت و تلفّتت مرتاعة
كالظبي أيقن أنّه مأسور
و تحيّرت في مقلتيها دمعة
خرساء لا تهمي و ليس تغور
فكأنّها بطل تكنّفه العدى
بسيوفهم و حسامه مكسور
و جمت ، فأمسى كلّ شيء واجما
ألنور ، و الأظلال ، و الديجور
ألكون أجمع ذاهل لذهولها
حتى كأنّ الأرض ليس تدور
لا شيء ممّا حولنا و أمامنا
حسن لديها و الجمال كثير
سكت الغدير كأنّما التحف الثرى
وسها النسيم كأنّه مذعور
و كأنّما الفلك المنوّر بلقع
و الأنجم الزهراء فيه قبور
كانت تمازحني و تضحك فانتهى
دور المزاح فضحكها تفكير
...
قالت وقد سلخ ابتسامتها الأسى :
صدق الذي قال
أكذا نومت و تنقضي أحلامنا
في لحظة ، و إلى التراب نصيره ؟
و تموج ديدان الثرى في أكبد
كانت تموج بها المنى و تمور
خير إذن منّا الألى لم يولدوا
و من الأنام جلامد و صخور
و من العيون مكاحل و مراود
و من الشفاه مساحيق و ذرور
و من القلوب الخافقات صبابة
قصب لوقع الريح فيه صفير !
...
و توقّفت فشعرت بعد حديثها
أن الوجود مشوّش مبتور
ألصيف ينفث حرّه من حولنا
و أنا أحسّ كأنّني مقرور
ساقت إلى قلبي الشكوك فنغّصت
ليلي ، و ليس مع الشكوك سرور
و خشيت أن يغدو مع الرّيب الهوى
كالرسم لا عطر و فيه زهور
و كدميه المثّال حسن رائع
ملء العيون و ليس ثمّ شعور
فأحببتها : لتكن لديدان الثرى
أجسامنا إنّ اجسوم قشور
لا تجزعي فالموت ليس يضيرنا
فلنا إياب بعده و نشور
إنّا سنبقى بعد أن يمضي الورى
و يزول هذا العالم المنظور
فالحبذ نور خالد متجدد
لا ينطوي إلاّ ليسطع نور
و بنو الهوى أحلامحهم ورؤاهم
لا أعين و مراشف و نحور
فإذا طوتنا الأرض عن أزهارها
و خلا الدجى منّا و فيه بدور
فسترجعين خميلة معطارة
أنا في ذراها بلبل مسحور
يشدو لها و يطير في جنباتها
فتهشّ إذ يشدو و حين يطير
أو جدولا مترقرقا مترنّما
أنا فيه موج ضاحك و خرير
أو ترجعين فراشة خطّارة
أنا في جناحيها الضحى الموشور
أو نسمة أنا همسها و حفيفها
أبدا تطوّف في البرى و تدور
تغشى الخمائل في الصباح بلبلة
و تؤوب حين تؤوب و هي عبير
أو تلتقي الكئيب ، على رضى
و قناعة ، صفصافة و غدير
تمتدّ فيه و في ثراه عروقها
و يسيل تحت فروعها و يسير
و يغوص فيه خيالها فيلفه
و يشفّ فهو المنطوي المنشور
يأوي إذا اشتدّ الهجير إليها
ألناسكان : الظبي و العصفور
لهما سكينتها ووارف ظلّها
و الماء إن عطشا لديه و فير
أعجوبتان – زبرجد متهدل
نام تدفّق تحته البلّور
لا الصبح بينهما يحول و لا الدجى
فكلاهما بكليهما مغمور
تتعاقب الأيّام و هي نضيره
مخضرّة الأوراق ، و هو نمير
فالدهر أجمعه لديهما غبطة
و الدهر أجمعه لديه حبور
...
فتبسّمت و بدا الرضى في وجهها
إذ راقها التمثيل و الصوير
عالجتها بالوهم فهي قريرة
و لكم أفاد الموجع التخدير
ثمّ افترقنا ضاحكين إلى غد
و الشهب تهمس فوقنا و تشير
هي كالمسافر آب بعد مشقّة
و أنا كأنّي قائد منصور
لكنّني لمّا أويت لمضجعي
خشن الفراش عليّ و هو وثير
و إذا سراجي قد وهت و تلجلجت
أنفاسه فكأنّه المصدور
و أجلت طرفي في الكتاب فلاح لي
كالرسم مطموسا و فيه سطور
و شربت بنت الكرم أحسب راحتي
فيها : فطاش الظنّ و التقدير
فكأنّني فلك وهت أمراسها
و البحر يطغى حولها و يثور
سلب الفؤاد رواه و الجفن الكرى
همّ عرا ، فكلاهما موتور
حامت على روحي الشكوك كأنّها
و كأنّهن فريسة و صقور
و لقد لجأت إلى الرجاء فعقّني
أما الخيال فخائب مدحور
يا ليل أين النور ؟ إنّي تائه
مر ينبثق ، أم ليس عندك نور ؟
...
" أكذا نموت و تنقضي أحلامنا
في لحظة و إلى التراب نصير ؟ "
" خير إذن منّا الألى لم يولدوا
و من الأنام جنادل و صخور "

ناريمان الشريف 10-19-2010 07:55 AM

الذئاب الخاطفة
( إيليا أبو ماضي )


ما بالهم نقضوا العهود جهارا
و تعمّدوا الإيذاء و الإضرارا ؟
و استأسدوا لمّا رأوا ليث الشّرى
عاف الزئير و قلّم الأظفارا
داروا به و الشّر في أحداقهم
ذا يدّعي حقّا و ذلك ثارا
لؤم لعمر أبيك لم ير مثله
التاريخ منذ استقرأ الأخبارا
و خيانة ما جاءها القوم الألى
تخذوا مع الوحش القفار ديارا
أمسى يحرّض عاهل الألمان عن
أمسى يحرّض في الخفا البلغارا
أمعاشر الإفرنج ليس شهامة
ما تفعلون إذا أمنتم عارا
أمن المروءة أن يساء جوارنا
في حين أنّا لا نسيء جوارا ؟
أمن المروءة أن يطأطيء تاجه
ملك ليملك في الثرى أشبارا ؟
ألبغي مرتعه وخيم فاعلموا
و الظلم يعقب للظلوم دمارا
إن تحرجوا الرئبال في عرينه
يذر السّكوت و يركب الأخطارا
و كما علّمتم ذلك الجيش الذي
يأبى و يأنف أن يرى خوّارا
فالويل للدنيا إذا نفض الكرى
و الويل للأيّام إمّا ثارا
إنّي أرى ليلا يخيّم فوقنا
لا ينجلي حتّى يشبّ النارا
فحذار ثمّ حذار من يوم به
يجري النجيع على الثرى أنهارا
يوم تباع به النفوس رخيصة
يوم يقصّر هوله الأعمارا
يوم يكون به الجميع عساكرا
و الكلّ يدخل في الوغى مختارا

ناريمان الشريف 10-19-2010 07:56 AM

الرأي الصواب
( إيليا أبو ماضي )


يا نفس هذا منزل الأحباب
فانسي عذابك في النّوى و عذابي
و تهلّلي كالفجر في هذا الحمى
و تألّقي كالخمر في الأكواب
و لتسمح البشرى دموعك مثلما
يمحو الصباح ندى عن الأعشاب
و استرجعي عهد البشاشة و الرّضى
فالدهر عاد تضاحكا و تصابي
أنا بين أصحابي الذين أحبّهم
ما أجمل الدنيا مع الأصحاب
قد كنت مثل الطائر المحبوس في
قفص ، و مثل النجم خلف ضباب
يمتدّ في جنح الظلام تأوّهي
و يطول في أذن الزمان عتابي
و أهزّ أقلامي فترشح حدّة
و أسى ، و يندى بالدموع كتابي
حتى لقيتكم فبت كأنّني
لمسرّتي استرجعت عصر شبابي
ليس التعبّد أن تبيت على الطّوى
و تروح في خرق من الأثواب
لكنه إنقاذ نفس معذّب
من ربقة الآلام و الأوصاب
لكنه ضبط الهوى في عالم
فيه الغوايه جمّة الأسباب
و حبائل الشيطان في جنباته
و المال فيه أعظم الأرباب
هذا هو الرأي الصواب و غيره
مهما حلا للناس غير صواب

ناريمان الشريف 10-19-2010 07:58 AM

الرجل و المرأة
( إيليا أبو ماضي )


يا ربّ قائلة و القول أجمله
ما كان من غادة حتى و لو كذبا
إلى م تحتقر الغادات بينكم
و هنّ في الكون أرقى منكم رتبا
كن لكم سببا في كلّ مكرمة
و كنتم في شقاء المرأة السّببا
زعمتم أنّهنّ خاملات نهى
و لو أردن لصيّرن الثّرى ذهبا
فقلت لو لم يكن ذا رأي غانية
لهاج عند الرّجال السخط و الصّخبا
لم تنصفينا و قد كنّا نؤمّل أن
لا تنصفينا لهذا لا نرى عجبا
هيهات تعدل حسناء إذا حكمت
فا الظلم طبع على الغادات قد غلبا
******
يحاربالرّجل الدنيا فيخضعها
و يفزع الدّهر مذعورا إذا غضبا
يرنو فتضطرب الآساد خائفة
فإن رنت حسن ظلّ مضطربا
فإن تشأ أودعت أحشاءه بردا
و إن تشأ أودعت أحشاءه لهبا
يفنى الليالي في همّ و في تعب
حذار أن تشكي من دهرها تعبا
و لو درى أنّ هذي الشهب تزعجها
أمسى يروع في أفلاكها الشّهبا
يشقى لتصبح ذات الحلى ناعمة
و يحمل الهمّ عنها راضيا طربا
فما الذي نفحته الغانيات به
سوى العذاب الذي في عينه عذبا ؟
هذا هو المرء يا ذات العفاف فمن
ينصفه لا شكّ فيه ينصف الأدبا
عنّفته و هو لا ذنب جناه سوى
أن ليس يرضى بأن يغدو لها ذنبا

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:01 AM

الرزء الأليم
( إيليا أبو ماضي )


( رثى بها فقيد اللغة و الأدب المرحوم الشيخ ابراهيم اليازجي )
- - - -
عدمت قلبي لم يعدم الجلدا
و نال نفسي الردى إن لم تذب كمدا
آها و لو نفعت آه أخا شجن
لم يبتع غيرها عند الأسى عضدا
آها و لو لم يكن خطب ألمّ بنا
ما سطّرتها يدي في كاغد أبدا
ألمرء مجتهد و الموت مجتهد
أن ليس يترك فوق الأرض مجتهدا
ساوى الرضيع به شاب مفرقه
و العبد سيّده و الثعلب الأسدا
قد غادر الفضل بالأحزان منفردا
من كان بالفضل دون الناس منفردا
مات ( البيان ) بموت ( اليازجّي ) فمن
لم يبك هذا بكى هذا الذي فقدا
و الله ما ولدت حواء أطهر من
هذا الفقيد فؤادا لا ولن تلدا
أين ( الضياء ) الذي زان البلاد كما
يزين البدر في جنح الدّجى الجلدا ؟
أين اليراع الذي قد كان يطربنا
صريره في أديم الطرس منتقدا ؟
و أين أين سجاياه التي حسدت
يبكي الشقيق أخا والوالد الولدا
أقسمت ما اهتز فوق الطرس لي قلم
إلاّ جعلت له دمعي البتيت مددا
و لا تخذت أخا في الدهر يؤنسني
بعد الجليل سوى الحزن الذي وجدا

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:03 AM

الزمان
( إيليا أبو ماضي )


يمشي الزمان بمن ترقب حاجة
متثاقلا كالخائف المتردّد
حتى ليحسبه أسيرا موثقا
ويراه أبطأ من يح مقعد
ويخال حاجته التي يصبو لها
في دارة الجوزاء أو في الفرقد
ويكون ما يرجوه زورة صاحب
ويكون أبعد ما يرجّى في غد
فإذا تولّى النفس خوف في الضحى
من واقب تحت الدجى أو معتد
طارت بها خيل الزمان ونوقه
نحو الزمان المدلهمّ الأسود
فكأنها محمولة في بارق،
أو عارض، أو عاصف في فدفد
ويكون أقصر ما يكون إذا الفتى
مدّت له الدنيا يد المتودّد
فتوسط اللذّات غير منفّر
وتوسد الأحلام غير منكّد
فإذا لذيذ العيش نغبة طائر
وإذا طويل الدهر خطرة مرود
وإذا الفتى لبس الأسى ومشى به
فكأنما قد قال للزمن اقعد
فإذا الثواني أشهر، وإذا الدقائق
أعصر ، والحزن شيء سرمدي
وإذا صباح أخي الأسى أو ليله
متجدد مع همه المتجدّد
فهو الورى وأذلّهم أنّ الورى
متعلل، أو طامع ، أو مجتد
جعلوا رغائبهم قياس زمانهم
والدهر أكبر أن يقاس بمقصد
وقلت في نفسي الرغائب والمنى
فقهرته بتجرّدي وترّهدي
يشكو الذي يشكو السهاد جفونه
أو لم يكن ذا ناظر لم يسهد
إن كان شيء للنفاد أعده
فيما انقضى ومضى وإن لم ينفد
ما أن رأيت الكحل في حدق المهى
إلاّ لمحت الدود خلف الأثمد
من ليس يضحك والصباح مورّد
لم يكتئب والصبح غير مورّد
سيّان أحلام أراها في الكرى
عندي ، وأشياء اشتملت يدي
أنا في الزمان كموجة في زاخر
أنا فيه إن يزيد وإن لم يزيد
مهما تلاطم فهو ليس بمغرقي،
أو مخرجي منه، ولا بمبدّدي
هيهات ما أرجو ولا أخشى غدا
هل أرتجي وأخاف ما لم يوجد
والأمس فيّ فكيف أحسبه انتهى
أفما رأيت الأصل في الفرع الندي؟
قبل كبعد حالة وهميّة
أمسي أنا، يومي أنا، وأنا غدي

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:06 AM

السجينة
( إيليا أبو ماضي )


رآها يحلُّ الفجرُ عقد جفونها
ويُلقي عليها تبرهُ فيذوبُ
وينفض عن أعطافها النورَ لؤلؤاً
من الطلِّ ما ضُمت عليه جيوبُ
فعالجها حتى استوت في يمينه
وعاد إلى مغناه وهو طروبُ
وشاء فأمست في الإناء سجينةً
لتشبع منها أعينٌ وقلوبُ
فليست تحيي الشمس عند شروقها
وليست تحيي الشمس حين تغيبُ
ومن عُصبت عيناه فالوقت كله
لديه وإن لاح الصباحُ غروبُ
لها الحجرة الحسناءُ في القصر إنما
أحب إليها روضةٌ وكثيبُ
وأجمل من نور المصابيح عندها
حُباحبُ تمضي في الدجى وتؤوبُ
وأحلى من السقف المزخرف بالدمى
فضاءٌ تشع الشهبُ فيه رحيبُ
تحنُ إلى مرأى الغدير وصوته
وتُحرم منه ، والغدير قريبُ
وكانت قليل الطل ينعش روحها
وكانت بميسور الشعاع تطيبُ
تمشى الضنى فيها وأيار في الحمى
وجفت وسربال الربيع قشيبُ
إسارك يا أخت الرياحين مفجعٌ
وموتك يا بنت الربيع رهيبُ

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:08 AM

السر في الأرواح
( إيليا أبو ماضي )


قال الغراب وقد رأى كلف الورى
وهيامهم بالبلبل الصّدّاح
لم لا تهيم بي المسامع مثله
ما الفرق بين جناحه وجناحي؟
إني أشدّ قوى وأمضي مخلبا
فعلى م نام النّاس عن تمداحي؟
أمفرق الأحباب عن أحبابهم
ومكدّر اللّذّات واالأفراح
كم في السّوائل من شبيه للطّلا
فعلى م ليس لها مقام الرّاح؟
ليس الخطوط من الجسوم وشكلها
السرّ كلّ السرّ في الأرواح
والصّوت من نعم السّما ولم تكن
ترضى السّما إلاّ عن الصّلاح
حكم القضاء فإن نقمت على القضا
فاضرب بعنقك مدية الذبّاح!!!

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:09 AM

السماء
( إيليا أبو ماضي )


لا تسألني عن السماءفما عندي
إلا النعوت والأسماء
هي شيء وبعض شيء وحينا
كل شيء وعند قوم هباء
فسماء الراعي كما يتمناها
مروج. فسيحة خضراء
تلبس التير مئزرا ووشاحا
كلما أشرقت وغابت ذكاء
أبدا في نضارة،لا يجف العشب
فيها ؛ولا بعض الماء
وهي عند الأم التي اخترم
الموت بنيها، وضلّعنها العزاء
موضع يولد الرّجاء من اليأس
إذا مات في القلوب الرجاء
وهي عند الفقير أرض وراء
الأفق، فيها ما يشتهي الفقراء
لا يخاف المثري، ولا كلبه الضاري
، ولا لامرىء به استهزاء
وهي عندالمظلوم أرض كهذي
الأرض لكن قد شاع فيها الإخاء
يجمع العدل أهلها في نظام
مثلما يجمع الخيوط الرداء
لا ضعيف مستعبد، لا قويّ
مستبد؛بل كلهم أكفاء
كلّ شيء للكل ملك حلال،
كلّ شيء فيها كما الكلّ شاموا
وهي عند الخليع أرض تميس
الحور فيها، وتدفق الصهباء
كلّ ما النفس تشتهيه مباح
لا صدود، لا جفوة، لا إباء
أكبر الإثم قولة المرء هذا
الأمر إثم، وهذه فحشاء
ليس بين الصّلاح والشر حد
كالذي شاء وضعه الإنبياء
وإذا لم يكن عفاف وفسق
لم تكن حشمة ولا استحياء
...
صور في نفوسنا كائنات
ترتديها الأفعال والأشياء
ربّ شيء كالجوهر الفرد فذّ
عدّدته الأغراض والإهواء
كلّ ما تقصر المدارك عنه
كائن مثلما الظنون تشاء
كلّ ما تقصر المدارك عنه
كائن مثلما الظنون تشاء

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:10 AM

السيّد المجتبى
( إيليا أبو ماضي )


سلام على السيّد المجتبى
كقطر الغمام و نشر الكبا
و يا مرحبا بأمير السلام
و قلّ له قولنا مرحبا
قدومك بدّد عنّا الأسى
كما يكشف القمر الغيهبا
و أحيا المنى في فؤاد الفتى
وردّ إلى الشيخ عهد الصّبى
كأنّي " بأيّار " خير الشهور
أتاه البشير بذاك النّبا
فوشّى الرّياض ، و حلّى الحقول ،
وزان الوهاد ، وزان الرّبى
و قال لأغصانه صفّقي
و للطير في الأرض أن تخطبا
و للنسمات تجوب البلاد
و تملأها أرجا طيّبا
ورنت بأذني أغاريدها
فقلت لكفّي أن تكتبا
فهذا القريض حفيف الغصون
و شدو الطيور ، و نفح الصبا
******
طلعات فطال خفوق الفؤاد
كأنّ به هزّة الكهربا
و ليس به هزّة الكهرباء
و لكن رأى التّائه الكوكبا
و ألقت إليك مقاليدها
نفوس تخيّرت الأنسبا
فيا صاحب الشّيم الباهرات
و يا من تحلّ لديه الحبّا
تقوّل عنك صغار النفوس
لأمر فما أدركوا مأربا
و من يسلب الشمس أنوارها
و من ذا الذي يمسك الصيبا ؟
فأحسن إليهم و إن أخطأوا
و كن كالحيا يمطر السّبسبا
إذا لم تسامح و أنت الكريم
فمن ذا الذي يرحم المذبا ؟
******
لقد طرب التاج و الصولجان
و حقّ لهذين أن يطربا
فإن هنّأوك بما نلته
فإنّي أهنّي بك المنصبا

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:10 AM

الشاعر في السماء
( إيليا أبو ماضي )


رآني اللّه ذات يوم
في الأرض أبكي من الشقاء
فرقّ، واللّه ذو حنان
على ذوي الضرّ والعناء
وقال: ليس التراب دارا
للشعر، فارجع إلى السماء!
وشاد فوق السّماك بيتي
ومدّ ملكي على الفضاء
فالتفّت حول عرشي
وسار في طاعتي الضياء
وصرت لا ينطوي صباح
إلا بأمري ولا مساء
ولا تسوق الغيوم ريح
إلاّ ولي فوقها لواء
فالأمر بين النجوم أمري
لي الحكم فبيها ولي القضاء
...
لكنّني لم أزل حزينا
مكتئب الروح في العلاء
فاستغرب اللّه كيف أشقى
في عالم الوحي والسّناء
وقال: ما زال آدميّا
يصبو إلى الغيد والطّلاء
ومسّ روحي واستلّ منها
شوقي إلى الخمر والنساء
وظنّ أنّي انتعى بلائي
فلم يزدني سوى بلاء
واشتدّ نوحي وصار جهرا
وكان من قبل في الخفاء
وصار دمعي سيول نار
وكان قبلا سيول ماء
...
يا أيّها الشاعر المعنّى
حيّرني داوّك العياء
هل تشتهي أن تكون طيرا؟
فقلت: كلاّ، ولا غناء!
هل تشتهي أن تكون نجما؟
أجبت : كلاّ ولا بهاء!
هل تبتغي المال؟ قلت: كلاّ
ما كان من مطلي الثراء
ولا قصورا ، ولا رياضا
ولا جنودا ولا إماء
وليس ما بي ، يا ربّ، داء
ولا احتياجي إلى دواء
ولا حنيني إلى القناني
ولا اشتياقي إلى الظباء
ولا أريد الذي لغيري
ذا حكمة كان أم مضاء
لكن أمنية بنفسي
يسترها الخوف والحياء!
فقال: يا شاعرا عجيبا
قل لي إذن ما الذي تشاء؟
فقلت: يا ربّ، فصل صيف
في أرض لبنان أو شتاء
فإّنني هنها غريب
وليس في غربة هناء!
فاسضحك اللّه من كلامي
وقال: هذا هو الغباء
لبنان أرض ككلّ أرض
وناسه والورى سواء
وفيه شيء تشتاق فيه؟
فقلت: ما سرّني وساء
تحنّ نفسي إلى السواقي ،
إلى الأقاحي، إلى الشّذاء
الى الروابي تعرى وتكسي،
إلى العصافير والغناء
الى العناقيد ، والدوالي،
والماء، والنور، والهواء!
فأشرف اللّه من علاه
يشهد ((لبنان)) في الماء
فقال: ما أنت ذو جنون
وإنّما أنت ذو وفاء
فإنّ لبنان ليس طودا،
ولا بلادا،لكن سماء!

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:11 AM

الشاعر و الأمة
( إيليا أبو ماضي )


خير ما يكتبه ذو مرقم
قصة فيها لقوم تذكره
...
كان في ماضي اللّيالي أمّة
خلع العزّ عليها حبره
يجد النّازل في أكفانها
أوجها ضاحكة مستبشرة
و يسير الطرف من أرباضها
في مغان حاليات نضره
لم يقس شعب إلى أمجادها
مجده الباذج إلاّ استصغره
همّها في العلم تعلي شأنه
بينها ، و الجهل تمحو أثره
ما تغيب الشمس إلاّ أطلعت
للورى محمده أو مأثره
فتمنّى الصّبح تغدو شمسه
و تمنّى اللّيل تغدو قمره
و مشى الدّهر إليها طائعا
فمشت تائهة مفتخره
...
كان فيها ملك ذو فطنة
حازم يصفح عند المقدره
بعشق الأمر الذي تعشقه
فاذا ما استنكرته استنكره
بلغت في عهده مرتبة
لم تنلها أمّة أو جمهرة
فاذا أعطت ضعيفا موثقا
أشفقت أعداؤه أن تخفره
و إذا حاربها طاغية
كانت الظاّفرة المنتصره
مات عنها ، فأقامت ملكا
طائش الرأي كثير الثّرثره
حوله عصبة سوء ، كلّما
جاء إدّا أقبلت معتذره
حسّنت في عينيه آثامه
و إليه نفسه المستكبره
و تمادى القوم في غفلتهم
فتمادى في الملاهي المنكره
زحزح الأمّة عن مركزها
و طوى رايتها المنتشره
و رأت فيها اللّيالي مقتلا
فرمتها فأصابت مدبره
فهوت عن عرشها منعفره
مثلما ترمي بسهم قبّره
...
كان فيها شاعر مشتهر
ذو قواف بينها مشتهره
كلّما هزّت يداه وترا
هزّ من كلّ فؤاد وتره
تعس الحظّ ، و هل من
شاعر في أمّة محتضره ؟
يقرأ النّاظر في مقلته
ثورة طاهرة مستتره
ما يراه النّاس إلاّ واقفا
في مغاني قومه المندثر
حائرا كالريّح في أطلالها
باكيا و السّحب المنهمره
و هي في أهوائها لاهية
و كذلك الأمة المستهتره
ما رأت مهجته المنفطره
لا ولا أدمعه المنحدرة
فشكاه الشّعر مما سامه
و شكاه اللّيل ممّا سهره
ثمّ لمّا عبث اليأس
مزّق الطّرس وشجّ المحبره
...
مرّ يوما فرأى أشباحا
جلسوا يبكون عند المقبرة
قال ما لكم ؟ ... ما خطبكم
أيّ كنز في الثرى أو جوهره ؟
و من الثاوي الذي تبكونه
قيصر أم تبّه ، أم عنترة ؟
قال شيخ منهم محدوب
و دموع اليأس تغشى بصره
إنّ من نبكيه لو أبصره
قيصر أبصر فيه قيصره
كيف يا جاهل لا تعرفه
وحداة العيس تروي خبره ؟
هو ملك كان فينا و مضى
فمضت أيّامنا المزدهرة
و لبثنا بعده في ظلم
داجيات فوقنا معتكره
و الذي كان بنا " معرفة "
لصروف الدّهر أمسى " نكره "
فانتهى التّاج إلى معتسف
لم يزل بالتّاج حتى نثّره
كلّ ما تصبو إليه نفسه
معصر أو خمرة معتصره
مستهين باللّيالي و بنا
مستعين بالطّغام الفجره
كلّما جاء إليه خائن
واشيا قرّبه و استوزره
فإذا جاء إليه ناصح
شكّ في نيّته فانتهره
مستبد باذل في لحظة
ما ادّخرناه له و ادّخره
يهب المرء و ما يملكه
و على الموهوب أن بستغفره
هزأ الشّاعر منهم قائلا :
بلّغ السّوس أصول الشّجره
رحمة الله على أسلافكم
إنّهم كانوا تقاة بررة
رحمة الله عليهم إنّهم
لم يكونوا أمّة منشطره
إنّ من تبكون يا سادتي
كالذي تشكون فيكم بطره
إنّما بأس الألى قد سلفوا
قتل النّهمة فيه و الشّرة
فاحبسوا الأدمع في آماقكم
و اتركوا هذي العظام النّخره
لو فعلتم فعل أجدادكم
ما قضى الظالم منكم وطره
ما لكم تشكون من محتكم
رضتم ألسنكم أن تشكره ؟
و جعلتم منكم عسكره
و حلفتم أن تطيعوا عسكره ؟
كيف لا يبغى و يطغى آمر
يتّقي أشجعكم أن ينظره ؟
ما استحال الهرّ ليثا إنّما
أسد الآجام صارت هرره
و إذا اللّيث وهت أظفاره
أنشب السّنور فيه ظفره !!

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:12 AM

الشاعر و الملك الجائر
( إيليا أبو ماضي )


1
أمر السلطان بالشاعر يوما فأتاه
في كساء حائل الصّبغة واه جانباه
و حذاء أوشكت تفلت منه قدماه
قال : صف جاهي ، ففي وصفك لي للشعر جاه
إنّ لي القصر الذي لا تبلغ الطير ذراه
و لي الروض الذي يعبق بالمسك ثراه
و لي الجبش الذي ترشح بالموت ظباه
و لي الغابات و الشمذ الرواسي و المياه
و لي الناس ... و بؤس الناس منّي و الرفاه
إنّ هذا الكون ملكي ، أنا في الكون إله !
2
ضحك الشاعر ممّا سمعته أذناه
و تمنّى إنّ يداجي فعصته شفتاه
قال: إنّي لا أرى كما أنت تراه
إنّ ملكي قد طوى ملكك عنّي و محاه
***
ألقصر ينبيء عن مهارة شاعر
لبق ، و يخبر بعده عنّكا
هو الألى يدرون كنه جماله
فإذا مضوا فكأنّه دكّا
ستزول أنت و لا يزول جلاله
كالفلك تبقى ، إن خلت ، فلكا
***
و الرّوض ؟ إنّ الروض صنعه شاعر
سمح ، طروب ، رائق ، جزل
وشّى حواشيه وزيّن أرضه
بروائع الألوان و الظلّ
لفراشة تحيا له ، و لنحلة
تحيا به ، و لشاعر مثلي !
و لديمة تذري عليه دموعها
كيما تقيه غوائل المحل
و لبلبل غرد يساجل بلبلا
غردا ، و للنسمات و الطلّ
فإذا مضى زمن الربيع أضعته
و أقام في قلبي و في عقلي !
***
و الجيش معقود لواؤك فوقه
ما دمت تكسوه و تطعمه
للخبز طاعته و حسن ولائه
هو " لاته " الكبرى و " برهمه "
فإذا يجوع بظلّ عرشك ليلة
فهو الذي بيديه يحطّمه
لك منه أسيفه ، و لكن في غد
لسواك أسيفه و أسهمه
أتراه سار إلى الوغى متعلّلا
لولا الذي الشعراء تنظمه ؟
و إذا ترنّم هل بغير قصيدة
من شاعر مثلي ترنّمه ؟
***
و البحر ، قد ظفرت يداك بدرّه
و حصاه ، لكن هل ملكت هديره ؟
هو للدجى يلقي عليه خشوعه
و الصّبح يسكب ، و هو يضحك ، نوره
أمرجت أنت مياهه ؟ أصبغت أن
ت رماله ؟ أجبلت أنت صخوره
هو للرياح تهزّه و تثيره
و الشهب تسمع في الظلام زئيره
للطير هائمة به مفتونة
لا للذين يروّعون طيوره
للشاعر المفتون يخلق لاهيا
من موجة حورا و يعشق حوره
و لمن فيه رمز كيانه
و لمن يجيد لغيره تصويره
يا من يصيد الدرّ من أعماقه
أخذت يداك من الجليل حقيره
لا تدّعيه ... فليس يملك ، إنّه
كالرّوض جهدك أن تشمّ عبيره
***
و مررت بالجبل الأشمّ فما زوى
عنّي محاسنه و لست أميرا
و مررت أنت فما رأيت صخوره
ضحكت و لا رقصت لديك حبورا
و لقد نقلت لنملة ما تدّعي
فتعجّبت ، ممّا حكيت ، كثيرا
قالت : صديقك ما يكون ؟ أقشعما
أو أرقما ؟ أم ضيغما هيصورا ؟
أيحوك مثل العنكبوت بيوته
حوكا ؟ و يبني كالنسور و كورا ؟
هل يملأ الأعوار تبرا كالضّحى
و يردّ كالغيث الموات نضيرا ؟
أيلفّ كاللّيل الأباطح و الرّبى
و المنزل المعمور و المهجورا ؟
فأجبتها : كلّا ! فقالت : سمّه
في غير خوف " كائنا مغرورا ! "
3
فاحتدم السّلطان أيّ احتدام
و لاح حبّ البطش في مقلتيه
وصاح بالجلّاد : هات الحسام !
فأسرع الجلّاد يسعى إليه
فقال: دحرج رأس هذا الغلام
فرأسه عبء على منكبيه
***
قد طبع السّيف لحزّ الرّقاب
و هذه رقبة ثرثار
أقتله ...و اطرح جسمه للكلاب
و لتذهب الروح إلى النّار
***
سمعا و طوعا ، سيّدي !.. و انتضى
عضبا يموج الموت في شفرتيه
و لم يكن إلاّ كبرق أضا
حتّى أطار الرأس عن منكبيه
فسقط الشاعر معرورضا
يخدّش الأرض بكلتا يديه
كأنّما يبحث عن رأسه
فاستضحك السلطان من سجدته
ثمّ استوى يهمس في نفسه
" ذو جنّة " أمسى بلا جنّته
***
أجل ، هكذا هلك الشاعر
كما يهلك الآثم المذنب
فما غضّ في روضة طائر
و لم ينطفيء في السّما كوكب
و لا جزع الشّجر الناضر
و لا اكتأب المطرب
و كوفيء عن قتله القاتل
بمال جزيل وخدّ أسيل
فقال له خلقه السّافل :
ألا ليت لي كلّ يوم قتيل !
4
في ليلة طامسة الأنجم
تسلّل الموت إلى القصر
بين حراب الجند و الأسهم
و الأسيف الهنديّة الحمر
إلى سرير الملك الأعظم
إلى أمير البرّ و البحر !!
ففارق الدنيا و لمّا تزل
فيها خمور و أغاريد
فلم يمد حزنا عليه الجبل
و لا ذوى في الرّوض أملود
5
في حومة الموت و ظلّ البلى
قد التقى السّلطان و الشاعر
هذا بلا مجد ، و هذا بلا
ذلّ ، فلا باغ و لا ثائر
عانقت الأسمال تلك الحلى
واصطحب المقهور و القاهر
*
لا يجزع الشاعر أن يقتلا
ليس وراء القبر سيف و رمح
و لا يبالي ذاك أن يعذلا
سيّان عند الميّت ذمّ و مدح
6
و توالت الأجيال تطّرد
جيل يغيب و آخر يفد
أخنت على القصر المنيف فلا
الجدران قائمة و لا العمد
و مشت على الجيش الكثيف فلا
خيل مسوّمة و لا زرد
ذهبت بمن صلحوا و من فسدوا
و مضت بمن تعسوا و من سعدوا
و بمن أذاب الحبّ مهجته
و بمن تأكّل قلبه الحسد
و طوت ملوكا ما لهم عدد
فكأنّهم في الأرض ما وجدوا
و الشاعر المقتول باقية
أقواله فكأنّها الأبد
ألشيخ يلمس في جوانبها
صور الهوى و الحكمة الوله

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:12 AM

الشاعر والكأس
( إيليا أبو ماضي )


بات والكأس في الظلام
في حديث ولا كلام
هي في صمتها تضيء
وهو في صمته يضام
شاعر أنفق الصّبا
من غرام إلى غرام
ذاهل النفس بالرؤى
عن حطام وذي حطام
وعن الفقر والغنى ،
وعن الحرب والسلام
بالشفاه التي طفا
بين أهدابها الأوام
بالغواني تطيعه
والغواني لها احتكام
بالشّذى وهو فائح،
والشذى وهو بالكمام
بالسحاب الذي يسحّ
وبالخادع الجهام
بالأغاريد ، والبلابل،
والنور، والخزام
حوله الكون في وغى
وهو والكون في وئام
ما له الآن وحده
ساكن العرق كالنيام
ساهر غير أنه
خادر الروح والعظام
صامت مثل كتبه
وكدنيا بلا أنام
أترى عضّه الطوى؟
لا، ففي بيته طعام
لم تزل كأسه لديه
وفي كأسه مدام
وله تضحك البروق
ويبكي الحبا السجام
وله ترتعي الكواكب
في مسرح الظّلام
وله تلبس الرّبى
برد النور والغمام
وله يعبق الشّذى ،
وله تعصر المدام
وله يلمع النّدى ،
وله يسجع الحمام
وله الغادة المليحة
والفارس الهمام
كلّها ، كلّها له
وعلى غيره حرام
وهو ساه كأنما
بسواها له مرام
وجهه غير وجهه‍
أم على وجهه لشام
كالتماثيل حوله
من نحاس ومن رخام
لا اكتئاب ولا رضّى
لا بكاء ولا ابتسام
ليله ما أمرّها
ليلة اليأس ألف عام
بقي الحسن إنما
مات في الشاعر الهيام
فإذا الكون عنده
جدث كلّه رمام

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:13 AM

الشباب أبو المعجزات
( إيليا أبو ماضي )


سلام عليكم رجال الوفء
وألف سلام على الوافيات
ويا فرح القلب بالناشئين
ففي هؤلاء جمال الحياة
هم الزهر في الأرض إذ لا زهور
وشهب إذ الشهب مستخفيات
إذا أنا أكبرت شأن الشباب
فإنّ الشباب أبو المعجزات
حصون البلاد وأسوارها
إذا نام حرّاسها والحماة
غد لهم وغد فيهم
فيا أمس فاخر بما هو آت
ويا حبّذا الأمهات اللواتي
يلدن النوابغ والنابغات
فكم خلدت أمة بيراع
وكم نشأت أمة في دواة
أنا شاعر أبدا تائق
إلى الحسن في الناس والكائنات
أحبّ الزهور ، وأهوى الطيور، وأعشق ثرثرة الساقيات
ورقص الأشعة فوق الروابي،
وضحك الجداول والقهقهات
تطالع عيناي في ذا المكان
روائع فاتنه ساحرات
كأن الفضاء وفيه الطيور
بحور بها سفن سابحات
كأن الزهور ترقرق فيها
سقسط الندى أعين باكيات
ومن بلبل ساجع لمغنّ،
ومن زهرة غضة لفتاة
فما أجمل الصيف في الخلوات
وأروع آياته البينات
نضا الستر عن حسنات الوجود
وكانت كأسراره المضمرات
وأحيا رغائبنا الذابلات
فعاشت وكانت كأرض موات
ففي الأرض سحر، وفي الجوّ عطر،
فيا للكريم ، ويا للهبات
أمامكم العيش حرّ رغيد
ألا فاغنموا العيش قبل الفوات

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:14 AM

الشباب والحب
( إيليا أبو ماضي )


الشباب والحب
بكيت الصّبا من قبل أن يذهب
فيا ليت شعري ما تقول اذا ولّى؟
وهّمته يبقى اذا أنت صنته
عن الشفة الحمراء والمقلة الكحلا
وخلت الهوى جهلا فلم يكن الهدى
أخيرا سوى ا؟لأمر الذي خلته جهلا
خشيت عليه أن يطوحه الهوى
فألقاك هذا الخوف في الهوّة السفلى
أتلجم ماء النهر عن جريانه
مخاقة أن يفنى؟ اذن ، فاشرب الوحلا
سبيلى الصّبا مهما حرصت على الصبا
فدعه يذوق الحبّ من قبل أن يبلى
فما ديمة صبّت على الصخر ماءها
فما أنبتت زهرا ولا أطلعت بقلا
بأضيع من برد الشباب على امرىء
اذا استطعمته النفس أطعمها العذلا
فلا تك مثل الأقحوانة راعها
من الحقل أنّ تجنى فلم تكن الحقلا
وأعجبها الوادي فلاذت بقاعه
فجاء عليها السيل في الليل واستتلى
فما عانقت نور الكواكب في الدّجى
ولا لثمت فجرا ولا رشفت طلاّ
وزالت فلم يستشعر النور والندى
على فقدها غما كأن لم تكن قبلا
ولا تك كالصدّاح اذ خال أنه
اذا اذدخر الألحان أكسبها نبلا
فضنّ بها والشمس تنثر تبرها
وفضّتها والأرض ضاحكة جذلى
فلّما مضى نور الربيع عن الربى
ودبّ الى أزهارها الموت منسلاّ
تحفّز كي يشدو فلم يلق حوله
سوى الورق الهاوي كأحلامه القتلى

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:14 AM

الشجاع
( إيليا أبو ماضي )


لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم،
ويرضى بتاففهات الأماني
إنّ حيّا يهاب أن يلمس النور
كميت في ظلمة الأكفان
وحياة أمدّ فيها التوقّي
لا توازي في المجد بضع ثوان
ألشجاع الشجاع عندي من أمسى
يغنّي والدمع في الأجفان

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:15 AM

الشعر والشعراء
( إيليا أبو ماضي )


بعيشك هل جزيت عن القوافي
بغير ( أجدت) أو (لافضّ فوك)؟
جزاوّك من كريم أو بخيل
رقيقا كان شعرك أو ركيكا
كلام ليس يغني عنك شيئا
إذا لم يقتل الآمان فيكا
وربتما يمنّ عليك قوم
كأنك قد غدوت بهم مليكا
إذا أرسلت قافية شرودا
فقد أيقظت في الناس الشكوكا
وقد تبلى بأحمق يدعيها
فإن تغضب لذلك يدعيكا

ناريمان الشريف 10-19-2010 08:16 AM

الصيف
( إيليا أبو ماضي )


عاد للأرض مع الصيف صباها
فهي كالخود التي تمّت حلاها
صور من خضرة في نضره
ما رآها أحد إلاّ اشتهاها
ذهب الشمس على آفاقها
و سواد اللّيل مسك في ثراها
و نسيم في أشجارها
و شوشات يطرب النهر صداها
و السّواقي فتن راقصة
ضحكها شدو و تهليل بكاها
و الأقاحي صور خلّابة
و أغاني الطير شعر لا يضاهى
إنّها الجنة لامريء
هو فيها و قليلا ما يراها
أيّها المعرض عن أزهارها
لك لو تعلم ، يا هذا ، شذاها
أيّها النائم عن أنجمها
خلق الله لعينيك سناها
أيّها الكابح عن لذّاتها
نفسه ، هيهات لن تعطى سواها
لا تؤجّل لغد ، ليس غد
غير يوم كالّذي ضاع و تاها
و إذا لم تبصر النفس المنى
في الضحى كيف تراها في مساها
هذه الجنّة فاسرح في رباها
و اشهد السّحر زهورا و مياها
و استمع للشّعر من بلبلها
فهو الشعر الذي ليس يضاهى
...
ما أحيلى الصيف ما أكرمه
ملأ الدنيا رخاء ورفاها
عندما ردّ إلى الأرض الصّبا
ردّ أحلامي التي الدهر طواها
كنت أشكو مثلما تشكو الضّنى
فشفى آلام نفسي وشفاها


الساعة الآن 02:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team