منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر رواق الكُتب. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=27)
-   -   فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=30484)

عبد السلام بركات زريق 03-20-2023 03:11 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الخامسُ والسّبعونَ


في الشّيءِ يَأتِي بِلفظِ المَفْعُولِ مَرَّةً وبِلفْظِ الفَاعِلِ
مَرَّةً والمَعْنَى وَاحِدٌ


تَقولُ العَرَبُ: مُدَجَّجٌ ومُدَجِّجٌ، وعَبْدٌ مُكاتَبٌ ومُكاتِبٌ،
وشَأْوٌ مُغَرَّبٌ ومُغَرِّبٌ، ومَكانٌ عامِرٌ ومَعْمُورٌ، وآهِلٌ
ومَأهُولٌ، ونُفِسَتِ المَرأةُ ونَفِسَتْ، وعُنِيتُ بالشّيءِ وعَنِيتُ
بهِ، وسَعِدَ فُلَانٌ وسُعِدَ، وزُهِيَ علينا وزُهَا.

عبد السلام بركات زريق 03-20-2023 04:58 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّادسُ والسّبعون


في التّكْرِيرِ والإعَادَةِ


هَيَ مِن سُنَنِ العَرَبِ فِي إظْهَارِ العِنَايَةِ بِالأمرِ كمَا
قَالَ الشّاعرُ (مَهْلًا بَنِي عَمِّنا مَهْلًا مَوالِينَا) وكمَا قَالَ
الآخرُ (كَمْ نِعْمَةٍ كانت لَكُمْ كَمْ كَمْ وكَمْ) فَكَرَّرَ لفظَ
(كم) لِلعِنَايَةِ بِتَكْثِيرِ العَدَدِ. ومنْهُ قولُهُ تَعَالَى {أوْلَى لَكَ
فأَوْلَى}1. ولِهَذَا جَاءَ في كِتابِ اللّهِ التَّكْرِيرُ، كَقَولِهِ تَعَالَى
{فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبان}2، وقولِهِ عَزَّ وجَلّ {وَيْلٌ
يَوْمَئِذٍ للمُكَذِّبين}3.


1 "34" من سورة القيامة.
2 "13" من سورة الرحمن.
3 "19" من سورة المرسلات.

عبد السلام بركات زريق 03-20-2023 05:22 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ السّابعُ والسّبعونَ


في إجْرَاءِ غَيرِ بَنِي آدَمَ مَجْرَاهُمْ في الإخْبَارِ عَنْهُ


من سُنَنِ العَربِ أنْ تُجْرِي المَوَاتَ ومَا لَا يَعْقِلُ في بَعْضِ
الكَلَامِ مَجْرَى بَنِي آدَمَ، فَتَقُولُ في جَمْعِ أرْضٍ أَرْضُونُ، وتَقُولُ:
لَقِيْتُ مِنْهُمُ الأمَرَّيْنِ، ورُبَّما يَتَعَدَّى هَذا إلى أكْثَرَ مْنْهُ، كمَا
قالَ الجَعْديُّ:

تَمَزَّزْتُها والدِّيكُ يَدعُو صَباحَهُ
وأمَّا بَنُو نعْشٍ دَنَوْا فَتَصَوَّبُوا


وكمَا قالَ اللّهُ عَزَّ وجلَّ {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أنْ تُدْرِكَ
القَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهارِ وكلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحونَ}1 وقال
عَزّ اسْمُهُ {إنِّي رَأيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كوكَبًا والشَّمسَ والقَمَرَ
رأيْتُهُمْ لِي سَاجِدينَ}2. وقالَ عَزَّ وجَلَّ {يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَسَاكِنَكُم لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُليمانُ وجُنودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرون}3
وقالَ سبحانهُ {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤلَاءِ يَنْطِقون}4 وأَكْبَرُ مِنْ
قَوْلِ الجعْدِيّ قَوْلُ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبيب:

إذْ أشْرَفَ الدِّيكُ يَدْعو بَعْضَ أُسْرَتِهِ
إلى الصَّبَاحِ وهُمْ قَوْمٌ مَعَازِيلُ


فَجَعَلَ للدِّيكِ أُسْرَةً وسَمَّاهُمْ قَوْمًا.


1 "40" من سورة يس.
2 "4" من سورة يوسف.
3 "18" من سورة النمل.
4 "65" من سورة الأنبياء.

عبد السلام بركات زريق 03-21-2023 02:46 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثامنُ والسّبعون


في خَصَائِص مِنْ كَلَامِ العَرَبِ


للعَربِ كَلامٌ تَخُصُّ بِهِ مَعَانيَ في الخَيْرِ والشَّرِّ، وفي اللَّيلِ
والنَّهارِ وغَيرِهِمَا، فَمِنْ ذلكَ التّتَابُعُ والتَّهَافُتُ لا يَكُونانِ
إلّا في الشَّرِّ. وهَاجَ الفَحلُ، والشَّرُّ، والحَرْبُ، والفِتْنَةُ. ولا
يُقالُ هاجَ لِمَا يُؤدِّي إلى الخَيرِ.
وظَلَّ يَفعلُ كَذَا إذَا فَعَلَهُ نَهَارًا، وبَاتَ يفعلُ كَذَا، إذَا
فَعَلهُ ليلًا، والتَّأوِيبُ سَيْرُ النَّهارِ لا تَعْرِيجَ فِيهِ. والإسْئَادُ
سَيرُ اللَّيلِ لا تَعْرِيسَ فِيهِ. ومِنْ ذَلكَ قَولُهُ تَعَالَى {فَجَعَلْناهُمْ
أحاديثَ}1 أيْ: مَثَّلنَا بِهِمْ، ولا يُقالُ: جُعِلُوا أحَادِيثَ إلّا في
الشَّرِّ.
ومن ذَلكَ التَّأبِينُ لَا يكُونُ إلّا مَدْحًا لِلْمَيِّتِ، والمُسَاعَاةُ لا
تكونُ إلَّا للزِّنَا بِالإمَاءِ دُونَ الحَرائِرِ، ويُقالُ نَفَشَتِ الغَنَمُ
لَيلًا، وهَمَلَتْ نهارًا.
وخُفِضَتِ الجَارِيَةُ، ولا يُقالُ خُفِضَ الغُلام. ولَقَمَهُ بِبَعْرَةٍ إذا
رَمَاهُ بِهَا، ولا يُقالُ ذَلكَ في غَيرِهَا.


1 "19" من سورة سبأ.

عبد السلام بركات زريق 03-23-2023 05:20 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ التّاسعُ والسّبعونَ


يُنَاسِبُهُ في الرِّيحِ والمَطَرِ



لمْ يَأتِ لَفْظُ الرِّيحِ في القُرآنِ إلّا في الشَّرِّ، والرِّيَاحُ إلّا في
الخَيرِ، قال عزَّوجلَّ {وفي عَادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيهِمُ الرِّيحَ
العَقِيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَليهِ إلّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}1
وقَالَ سُبْحَانَهُ {إنَّا أرْسَلْنا عَلَيهِمْ ريحًا صَرْصَرًا في يَومِ نَحْسٍ
مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأنَّهُمْ أعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}2 وقالَ جَلَّ
جَلَالُه {وهُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرَى بَينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}3
وقَالَ {ومِنْ آيَاتِهِ أنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّراتٍ ولِيُذيقَكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ ولِتَجريَ الفُلْكُ بِأَمْرِهِ ولِتَبْتَغوا مِن فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ
تَشْكُرونَ}4 وعنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: الرِّياحُ ثَمانٍ: فَأَرْبَعٌ
رَحْمَةٌ وأَربعٌ عَذابٌ، فأمَّا الّتي لِلرَّحْمَةِ: فَالمُبَشِّراتُ
والمُرْسَلَاتُ والذَّرِيَاتُ والنَّاشِرَاتُ، وأما الَّتِي للعَذَابِ:
فَالصَّرْصَرُ والعَقِيمُ وهُمَا في البَرِّ، والعَاصِفُ والقَاصِفُ
وهُمَا في البَحرِ، ولمْ يَأتِ لَفْظُ الإمْطَارِ في القُرآنِ إلَّا
لِلعَذَابِ، كَمَا قَالَ عَزّ مِنْ قَائِلٍ {وأمْطَرْنا عَلَيهِمْ مَطَرًا فساءَ
مَطَرُ المُنْذَرِينَ}5 وقَالَ عَزّ وجلَّ {ولَقَدْ أتَوْا عَلَى القَرْيَةِ الّتي
أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوءِ}6 وقَالَ تَعَالَى {هَذا عَارِضٌ مُمْطِرُنا بلْ
هُوَ ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذَابٌ ألِيمٌ}7.


1 "42-41" من سورة الذاريات.
2 "20-19" من سورة القمر.
3 "57" من سورة الأعراف.
4 "46" من سورة الروم.
5 "173" من سورة الشعراء.
6 "40" من سورة الفرقان.
7 "24" من سورة الأحقاف.

عبد السلام بركات زريق 03-23-2023 05:30 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 

الفَصْلُ الثّمانُونَ



في اقْتِصَارِهِمْ عَلَى بَعْضِ الشّيءِ وهُمْ يُرِيدُونَ كُلَّهُ



ذَلكَ مِن سُنَنِ العَرَبِ في قَوْلِهِمْ: قَعَدَ على ظَهْرِ راحِلَتِهِ،
وقَولِ الشَّاعِرِ (الواطِئينَ على صُدورِ نِعالِهِمْ) وقَولِ لَبيدٍ
(أوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النفوسِ حِمَامُهَا) أرَادَ: كُلَّ النُّفُوسِ، وفي
القُرآنِ {قُلْ للمُؤمنين يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}1 و(مِنْ) هَذهِ
للتَّبْعِيضِ، والمُرَادُ يَغُضُّوا أبْصَارَهُمْ كُلَّها. وقالَ عَزَّ ذِكرُهُ
{ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإِكْرامِ}2 . وقال الفرزدق:

لَمَّا أتَى خَبَرُ الزُّبَيرِ تَواضَعَتْ
سُورُ المَدينةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ


يَعنِي أسْوَارَ المَدِينةِ.


1 "30" من سورة النور.
2 "27" من سورة الرحمن.

عبد السلام بركات زريق 03-25-2023 11:08 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصْلُ الوَاحدُ والثّمانونَ


في الاثْنَينِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا مَرَّةً وبأحَدِهِمَا مَرَّةً


قالَ الفَرَّاء: تَقولُ العَرَبُ: رَأيتُ بِعَيْنِي ورأيتُ بِعَينَيَّ، والدّارُ
في يَدِي وفي يَدَيَّ. وكُلُّ اثْنَيْنَ لَا يَكادُ أحَدُهُمَا يَنْفَرِدُ فَهُوَ عَلى
هَذَا المِثَالِ كالْيَدَيْنِ والرِّجْلَينِ. قال الفَرَزْدَقُ:

ولوْ بَخِلَتْ يَدَايَ بِهِ وَضَنَّتْ
لَكَان عَلَيَّ لِلقَدَرِ الخِيَارُ


فَقالَ (ضَنَّتْ) بَعدَ قَولِهِ يَدايَ. وقال الآخَرُ:

وكَأنَّ في العَينَينِ حَبَّ قَرَنْفُلٍ
أو سُنْبُلٍ كُحِلَتْ بِهِ فَانْهَلَّتِ

فقالَ كُحِلَتْ بِهِ بَعدَ قَولِهِ (في العَيْنَينِ) وقالَ بِهِ. وقد ذَكَر
القَرَنْفُلَ والسُّنْبُلَ. وقال آخرُ:

إذَا ذَكَرَتْ عَيْنِي الزَّمَانَ الّذِي مَضَى
بِصَحْراءَ فَلْجٍ ظَلَّتا تَكِفانِ

وقالَ بَعْضُ المُحْدَثِينَ:

فَدَتْكَ بِعَيْنَيها المَعَالِي فَإنَّهَا
بِمَجْدِكَ والفَضْلِ الشَّهير كَحِيلُ


ويُقالُ: وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَليهِ أي عَيْنَاهُ، وفُلانٌ حَسَنُ الحَاجِبِ
أيْ الحَاجِبَيْنِ، وأخَذَ بِيَدِهِ أي: بِيَدَيْهِ، وقَامَ عَلى رِجْلِهِ أيْ:
رِجْلَيْه.

عبد السلام بركات زريق 03-25-2023 03:14 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّاني والثّمانونَ


في الجَمْعِ الّذِي لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ

النِّسَاءُ، والنَّعَمُ، والغَنَمُ، والخَيْلُ، والإِبِلُ، والعَالَمُ، والرَّهْطُ،
والنَّفَرُ، والمَعْشَرُ، والجُنْدُ، والجَيْشُ، والثُّلَّةُ، والعُوذُ، والمَسَاوِئُ،
والمَحَاسِنُ، ومُراقُ البَطنِ، والمَسَامُّ، والحَوَاسُّ.

عبد السلام بركات زريق 03-25-2023 03:15 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّالثُ والثَّمانون


في الاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا وَاحِدَ لَهُمَا مِنْ لَفْظِهِمَا


كِلَا وكِلْتَا، واثْنَانِ واثْنَتَانِ، والمِذْرَوَانِ، والمَلَوَان1، وجاء يَضْرِبُ
أصْدَرَيْهِ، ولَبَّيْكَ، وسَعْدَيْكَ، وحَنَانَيْكَ، وحَوَالَيكَ. وقَدْ قِيلَ:
إنَّ وَاحِدَ حَنَانَيْكَ: حَنَانٌ.


1 المذروان: المذروان بالكسر: أطراف الأَلْيَة، ومن الرأس
ناحيتاه ومن القوس ما يقع عليه طرف الوتر من أعلى
وأسفل. انظر معجم القاموس المحيط واللسان وغيرهما
في مادة "ذرا". والملوان: الليل والنهار.

عبد السلام بركات زريق 03-25-2023 03:18 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الرّابِعُ والثّمانونَ


في أَفْعَلَ لَا يُرادُ بِهِ التَّفْضِيلُ


جَرَى لهُ طَائِرٌ أشْأمُ، وقَالَ الفَرَزْدَقُ:

*بَيْتًا دَعائِمُهُ أَعَزُّ وأطْوَلُ*

وفي القرآنِ {وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ}1. واللهُ أعلم.


1 "27" من سورة الروم.

عبد السلام بركات زريق 03-25-2023 03:28 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الخامسُ والثّمانونَ


للعَرَبِ فِعْلٌ لَا يَقُولُهُ غَيرُهُمْ


تَقولُ: عَادَ فُلَانٌ شَيْخًا، وهُوَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ شَيْخًا، وعادَ المَاءُ
آجِنًا، وهُوَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. قال الهُذَلِيُّ:

أطَعْتُ العِرْسَ في الشَّهَوَاتِ حَتّى
أعَادَتْني أَسِيفًا عَبْدَ غَيرِيْ


وهُوَ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ أَسِيفًا حتّى يَعودَ إلى تِلكَ الحَالِ، وفِي كِتَابِ
اللهِ عَزَّ وجَلَّ {يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلماتِ}1 وهُمْ لَمْ
يَكُونُوا في نُورٍ مِنْ قَبْلُ، ومِثْلُهُ قَولُهُ تَعَالَى {ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ
إلى أرْذَلِ العُمُرِ}2 وهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا أَرْذَلَ العُمُرِ فيُرَدُّوا إلَيْهِ.


1 "257" من سورة البقرة.
2 "70" من سورة النمل.

عبد السلام بركات زريق 03-25-2023 04:31 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ السّادسُ والثّمانونَ


في النَّحْتِ


العَرَبُ تَنْحِتُ من كَلِمَتَين وثَلاثٍ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وهُوَ جِنْسٌ
منَ الاخْتِصَارِ كَقَوْلِهِمْ: رَجُلٌ عَبْشَمِيٌّ، مَنْسوبٌ إلَى عَبْدِ
شَمْسٍ، وأنْشدَ الخَلِيلُ:

أقولُ لَها ودَمْعُ العَينِ جارٍ
ألَمْ تَحْزُنْكِ حَيْعَلَةُ المُنادي؟


مِنْ قَوْلِهِمْ: حَيَّ عَلى الصَّلَاةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ فَصْلٌ شَافٍ في حِكَايَةِ
أقْوَالٍ مُتَدَاوَلَةٍ مِنْ هَذَا الجِنْسِ. وأمَّا قَولُهُمْ صَهْصَلِقٌ، فَهُوَ مِنْ
صَهَلَ وصَلَقَ، والصَّلْدَمُ من الصَّلْدِ والصَّدْمِ.

عبد السلام بركات زريق 03-26-2023 09:37 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّابعُ والثّمانونَ


في الإشْبَاعِ والتَّأكِيدِ


العَرَبُ تَقولُ: عَشَرَةٌ وعَشَرَةٌ فَتِلكَ عِشْرُونَ كَامِلَةٌ. ومِنْهُ
قَولُهُ تَعَالَى {فَصِيامُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}1 ومِنْهُ قَولُهُ تَعَالَى {ولَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ}2
وإنَّما ذَكَر الجَنَاحَيْنِ لِأنَّ العَرَبَ قَدْ تُسَمِّي الإسْرَاعَ طَيَرانًا، كَمَا
قَالَ النَّبيُّ صَلَى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلَّما سَمِعَ هَيْعَةً طارَ إِلَيْها)3
وكَذَلِكَ قَالَ اللّهُ عَزّ وجَلَّ {يَقُولُونَ بِألْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ في
قُلوبِهِمْ}4، فَذَكَر الأَلْسِنَةَ لِأنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: قَالَ في نَفْسِهِ،
وقُلْتُ في نَفْسِي، وفي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وجَلَّ {ويَقُولُونَ في
أنْفُسِهِم لَوْلَا يُعَذِّبُنا اللّهُ بِمَا نَقُولُ}5 فَاعْلَمْ أنَّ ذَلكَ القَوْلُ
باللِّسَانِ دُوْنَ كَلَامِ النَّفْسِ.


1 "196" من سورة البقرة.
2 "38" من سورة الأنعام.
3 رواه الإمام أحمد في مسنده والإمام مسلم في صحيحه
وابن ماجه في سننه.
4 "11" من سورة الفتح.
5 "8" من سورة المجادلة.

عبد السلام بركات زريق 03-26-2023 09:42 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثامنُ والثّمانونَ


في إضَافَةِ الشَّيءِ إلى مَنْ لَيسَ لَهُ لَكنْ أُضِيفَ إلَيهِ لاتِّصَالِهِ بِهِ


هُوَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ، كَقَوْلِهِمْ: سَرْجُ الفَرَسِ، وزِمَامُ البَعِيرِ،
وتَمْرُ الشَّجَرِ، وغَنَمُ الرَّاعِي. قَال الشّاعرُ:

*كَمَا يَحْدُو قَلَائِصَهُ الأجِيْرُ*

عبد السلام بركات زريق 03-26-2023 11:45 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ التّاسعُ والثّمانونَ


في الفَرْقِ بَينَ ضِدَّيْنِ بِحَرْفٍ أو حَرَكَةٍ



ذَلكَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ كَقَوْلِهِم: دَوِيَ من الدَّاءِ، وتَدَاوَى
مِنَ الدَّوَاءِ. وأخْفَرَ إذا أجَارَ، وخَفَرَ إذَا نَقَضَ العَهْدَ، وقَسَطَ
إذا جَارَ، وأقْسَطَ إذَا عَدَلَ. وأقْذَى عَيْنَهُ إذَا أَلْقَى فِيهَا
القَذَى، وقَذَاهَا إذَا نَزَعَ عَنْهَا القَذَى.
وما كَانَ فَرْقُهُ بِحَرَكَةٍ كَما يُقالُ: رَجُلٌ لُعَنَةٌ إذَا كَانَ كَثيرَ
اللَّعْنِ، ولُعْنَةٌ إذَا كَانَ يُلْعَنُ، وكَذلكَ ضُحَكَةٌ وضَحْكَةٌ.

عبد السلام بركات زريق 03-26-2023 04:16 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ التّسعونَ


في زِيَادَةِ المَعْنَى حُسْنًا بِزِيَادَةِ لَفْظٍ


هِيَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ، كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ لَيْثٌ، إنَّما شَبَّهْتَهُ
بِلَيْثٍ في شَجَاعَتِهِ، فإذَا قَالَ: زَيدٌ كَاللَّيثِ الغَضْبَانِ فَقَدْ
زَادَ المَعْنَى حُسْنًا، وكَسَا الكَلَامَ رَوْنَقًا، كما قال الشَّاعِرُ:

شَدَدْنَا شَدَّةَ اللَّيثِ
عَدَا، واللَّيْثُ غَضْبَانُ

وكَمَا قَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

*تَرائِبُها مَصْقولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ*

فَلَمْ يَزِدْ عَلى تَشْبِيهِهَا بالمِرْآةِ. وذَكَرَ ذُو الرُّمَّةِ أُخْرَى، فَزَادَ
في المَعْنَى حَيْثُ قَالَ:

*وَوَجْهٌ كِمِرآةِ الغَريبةِ أسْجَحِ*

لأنَّ الغَريْبَةَ لَا يَكونُ لَهَا مَنْ يُعْلِمُهَا مَحَاسِنَهَا مِنْ مَسَاوِيهَا،
فَهِيَ تَحْتَاجُ إلى أنْ تَكُونَ مِرْآتُهَا أَصْفَى وأَنْقَى لِتُرِيَهَا مَا تَحْتَاجُ
إلى رُؤْيَتِهِ مِنْ مَحَاسِنِ وَجْهِهَا وَمَسَاوِيهِ. ومِنْ هَذَا المَعْنَى
قَوْلُ الأعْشَى:

تَرُوحُ عَلَى آلِ المُحَلِّقِ جَفْنَةٌ
كَجابِيَةِ الشَّيخ العِراقيِّ تَفْهَقُ


فَشَبَّهَ الجَفْنَةَ بِالجَابِيَةِ وهِيَ الحَوْضُ، وقَيَّدَهَا بِذِكْرِ العِراقيِّ
لأنَّ العِراقيَّ إذَا كَانَ بالبَرِّ ولَمْ يَعرِفْ مَوَاضِعَ المَاءِ وَمَوَاقِعَ
الغَيْثِ فَهُوَ عَلَى جَمْعِ المَاءِ الكَثِيرِ أَحْرصُ مِنْ البَدَوِيِّ العَارِفِ
بالمَنَاقِعِ والأحْسَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الرُّوميِّ:

مِنْ مُدامٍ كأنَّها دَمْعَةُ المَهـ ـجُورِ يَبْكي وعَيْنُهُ مَرْهاءُ

فَشَبَّهَهَا بِدَمْعَةِ المَهْجُورِ في الرِّقَّةِ، وزَادَ في الرِّقَّةِ بِأنْ وَصْفَ
عَينَهُ بالمَرَهِ، وهُوَ طُولُ العَهْدِ بِالكُحْلِ، لِيَكُونَ الدَّمْعُ مَعَ
رِقَّتِهِ أصْفَى وأسْلَمَ مِمَّا يَشُوبُهُ، وهَذا مِنْ لَطَائِفِ الشُّعَرَاءِ.

عبد السلام بركات زريق 03-29-2023 05:42 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الواحدُ والتّسعونَ


في الجَمْعِ الّذِي لَيسَ بَيْنَهُ وبَيْنَ وَاحِدِهِ إلّا الهَاءُ


هَذا الجَمْعُ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وهُوَ كَقَوْلِهِمْ: تَمْرٌ وتَمْرَةٌ، وسَحَابٌ
وسَحَابَةٌ، وصَخْرٌ وصَخْرَةٌ، ورَوْضٌ ورَوْضَةٌ، وشَجَرٌ وشَجَرَةٌ،
ونَخْلٌ ونَخْلَةٌ. وفي القُرآنِ العَزِيزِ {والنَّخْلَ باسِقَاتٍ لَها طَلْعٌ
نَضِيْدٌ}1 وقَالَ تَعَالَى {إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنَا}2 وقال {والسَّحَابِ
المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}3 فَذَكَّر.
وقَالَ في مَكَانٍ آخَرَ {حتّى إذَا أقَلَّتْ سَحَابًا}4 فَأنَّثَ ثم قال
{سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ}5 فَرَدَّهُ إلى أصْلِ التّذْكِيرِ.


1 "10" من سورة ق.
2 "70" من سورة البقرة.
3 "164" من سورة البقرة.
4 "57" من سورة الأعراف.
5 "57" من سورة الأعراف.

عبد السلام بركات زريق 04-01-2023 09:20 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 

الفصلُ الثّاني والتّسعونَ



في التّصْغِيرِ


مِنْ سُنَنِ العَرَبِ تَصْغِيرُ الشَّيءِ عَلَى وُجُوهٍ: فَمِنْهَا تَصْغَيرُ
تحقيرٍ، كَقَوْلِهِمْ: رُجَيلٌ ودُوَيْرَةٌ. ومِنْهَا: تَصْغِير تَكْبيرٍ، كَقَوْلِهِم:
عُيَيْرُ وحْدِهِ، وجُحَيْشُ وحْدِهِ، وكَقَولِ الأنصارِيّ: أنا جُذَيْلُها
المُحَكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرَجَّبُ. وكقَولِ لَبِيدٍ:

وكلُّ أناسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ
دُوَيْهِيَهٌ تَصْفَرُّ مِنْها الأنَامِلُ

ومِنْهَا تَصْغِيرُ تَنْقِيصٍ كَمَا يُقَالُ: لم يَبْقَ مِنَ بيتِ المَالِ إلّا
دُنَيْنِيرَات، ومن بَنِي فُلانٍ إلا بُيَيْتٌ. ومِنْهَا: تَصْغيرُ تَقْريبٍ،
كَقَولِ امْرِئِ القَيْسِ:

*بِضَافٍ فُوَيْقَ الأرْضِ لَيْسَ بِأعْزَلِ*


وكَقَوْلِكَ: أنَا راحلٌ بُعَيْدَ العِيدِ، وجَاءَنِي فُلَانٌ قُبَيلَ الظُّهْرِ.
ومِنْهَا: تَصْغِيرُ إكْرَامٍ ورَحْمَةٍ، كَقَوْلِهِمْ: يَا بُنَيَّ، ويَا أُخَيَّ، ويَا
أُخَيَّةُ، ويا بُنَيَّةُ، وكَقَوْلِ النّبيِّ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلّمَ لِعَائِشَةَ:
يا حُمَيْرَاءُ1.
ومِنْهَا: تَصْغِيرُ الجَمْعِ، كقولك: دُرَيْهِمَاتٌ ودُنَيْنِرَاتٌ وأُغَيْلِمَةٌ،
وكَقَولِ عِيسى بْنِ عُمَرَ: واللّهِ إنْ كانَتْ إلّا أُثَيَّابًا في أُسَيْفَاطٍ.


1 رواه الإمام ابن ماجه في سننه.

عبد السلام بركات زريق 04-05-2023 03:21 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّالثُ والتّسعونَ


في الاسْتِعَارَةِ



ذَلكَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ. وهِيَ أنْ يَسْتَعِيرُوا للشَّيءِ مَا يَلِيقُ بِهِ،
ويَضَعُوا الكَلِمَةَ مُسْتَعَارَةً لَه مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ. كَقَوْلِهِمْ في
اسْتِعَارَةِ الأعْضَاءِ لِمَا لَيْسَ مِنَ الحَيَوَانِ: رَأسُ الأمْرِ، رَأسُ المَالِ،
وَجْهُ النَّارِ، عَيْنُ المَاءِ، حَاجِبُ الشَّمْسِ، أنْفُ الجَبَلِ، أنْفُ
البَابِ، لِسَانُ النَّارِ، رِيْقُ المُزْنِ، يَدُ الدَّهرِ، جَنَاحُ الطَّرِيقِ،
كَبِدُ السَّماءِ، سَاقُ الشَّجَرَةِ.
وكَقَوْلِهِمْ في التَّفرُّقِ: انْشَقَّتْ عَصَاهُمْ، شَالَتْ نَعَامَتَهُمْ، مَرُّوا
بَينَ سَمْعِ الأرْضِ وبَصَرِهَا، فَسَا بَينَهمُ الظَّرِبَانُ1.
وكَقَوْلِهِم في اشْتِدَادِ الأمْرِ: كَشَفَتِ الحَرْبُ عَنْ سَاقِهَا، أبْدَى
الشَّرُّ عَنْ نَاجِذَيْهِ، حَمِيَ الوَطِيسُ، دَارَتْ رَحَى الحَرْبُ.
وكَقَوْلِهِمْ في ذِكْرِ الآثَارِ العُلْوِيَّةِ: افْتَرَّ الصُّبْحُ عنْ نَوَاجِذَهِ،
ضَرَبَ بِعَمُوْدِهِ، سُلَّ سَيْفُ الصُّبْحِ مِنْ غِمْدِ الظَّلَامِ، نَعَرَ
الصُّبْحُ في قَفَا اللَّيْلِ، بَاحَ الصُّباحُ بِسِرِّهِ، وهِيَ نِطاقُ الجَوْزَاءِ،
انْحَطَّ قِنْدِيلُ الثُّرَيَّا، ذَرَّ قرْن الشَّمْسِ، ارْتَفَعَ النَّهَارُ، تَرَحَّلَتِ
الشَّمس، رَمَتِ الشَّمْسُ بِجَمَرَاتِ الظَّهِيرَةِ، بَقَلَ وَجْهُ النَّهَارِ،
خَفَقَتْ رَايَاتُ الظَّلَامِ، نَوَّرَتْ حَدَائِقُ الجَوِّ، شَابَ رأسُ اللَّيْلِ،
لَبِسَتِ الشَّمْسُ جِلْبَابَهَا، قَامَ خَطِيبُ الرَّعْدِ، خَفَقَ قَلْبُ
البَرْقِ، انْحَلَّ عِقْدُ السَّمَاءِ، وَهَى عِقْدُ الأنْدَادِ، انْقَطَعَ شِرْيَانُ
الغَمَامِ، تَنَفَّسَ الرَّبِيعُ، تَعَطَّرَ النَّسيمُ، تَبَرَّجَتِ الأرْضُ، قَوِيَ
سُلْطَانُ الحَرِّ، آنَ أنْ يَجِيشَ مِرْجَلُهُ ويَثُورَ قَسْطَلُهُ، انْحَسَرَ
قِنَاعُ الصَّيفِ، جَاشَت جُيُوشُ الخَرِيفِ، حَلَّتِ الشَّمْسُ
المِيزَانَ وَعَدَلَ الزَّمَانُ، دَبَّتْ عَقَارِبُ البَرْدِ، أَقْدَمَ الشِّتَاءُ
كَلْكَلَهُ، شَابَت مَفَارِقُ الجِبَالِ، يَوْمٌ عَبُوسٌ قَمْطَرِيرٌ، كشَّرَ
عَنْ نَابِ الزَّمْهَرِيرِ.
وكَقَوْلِهِمْ في مَحَاسِنِ الكَلَامِ: الأدَبُ غِذَاءُ الرُّوحِ، الشَّبَابُ
بَاكُورَةُ الحَيَاةِ، الشَّيْبُ عُنْوَانُ المَوْتِ، النَّارُ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ،
العِيَالُ سُوسُ المَالِ، النَّبِيذُ كِيمْيَاءُ الفَرَحِ، الوَحْدَةُ قَبْرُ الحَيِّ،
الصَّبْرُ مِفْتَاحُ الفَرَجِ، الدَّيْنُ دَاءُ الكَرَمِ، النَّمَّامُ جِسْرُ الشَّرِّ،
الإرْجَافُ زَنْدُ الفِتْنَةِ، الشُّكْرُ نَسِيْمُ النَّعِيْمِ، الرَّبِيعُ شَبَابُ
الزَّمَانِ، الوَلَدُ رَيْحَانَةُ الرُّوْحِ، الشَّمْسُ قَطِيفَةُ المَسَاكِينِ،
الطِّيْبُ لِسَانُ المُرُوءَةِ.


1 الظربان: دويبة كالهرة منتنة، جمعها ظرابين وظربى، والأخير
بكسر الظاء وإسكان الراء بعدها باء مفتوحة.

عبد السلام بركات زريق 04-06-2023 12:44 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ الرّابعُ والتّسعونَ


من اسْتِعَارَاتِ القُرْآنِ


{وإنَّهُ في أمِّ الكِتَابِ} 4 من سورة الزخرف.

{لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى ومَنْ حَوْلَهَا} 92 من سور الأنعام.

{واخْفِضْ لَهُمَا جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} 24 من سورة الإسراء.

{والصُّبْحِ إذَا تَنَفَّسَ} 18 من سورة التكوير.

{فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الجُوعِ والخَوفِ} 112 من سورة النحل.

{كُلَّمَا أوْقَدُوا نَارًا لِلحَرْبِ أطْفَأهَا اللّهُ} 62 من سورة المائدة.

{أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} 29 من سورة الكهف.

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ والأرْضُ} 29 من سورة الدخان.

{وامْرَأتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ} 4 من سورة المسد.

{واشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيْبًا} 4 من سورة مريم.

{وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 37 من سورة يس.

{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ} 13 من سورة الفجر.

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ} 154 من سورة الأعراف.

ومِنَ الاسْتِعَارَاتِ في الأشْعَارِ العَرَبِيّة قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أرْخَى سُدُولَهُ
عَليَّ بِأنْوَاعِ الهُمُومِ لِيَبْتَلِي

فَقُلْتُ لَهُ لمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ
وأرْدَفَ أعْجازًا وناءَ بِكَلْكَلِ

وقَوْلُ زُهَيرٍ:

وَعُرِّيَ أفْرَاسُ الصِّبَا ورَوَاحِلُهْ

وقَوْلُ لَبيدٍ:

إذْ أصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا

فأمَّا أشْعَارُ المُحْدَثِينَ في الاسْتِعَارَاتِ فَأكثرُ مِنْ أنْ تُحْصَى.

عبد السلام بركات زريق 04-08-2023 11:32 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الخَامسُ والتّسعونَ


في التَّجْنِيسِ


هُوَ أنْ يُجَانِسَ اللَّفْظُ اللَّفْظَ في الكَلَامِ والمَعْنَى مُخْتَلِفٌ،
كَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وجلَّ {وأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيمانَ لِلّهِ رَبِّ العَالَمينَ}1
وكَقَوْلِهِ {يَا أسَفَى عَلَى يُوسُفَ}2 وكَقولِهِ {فأدْلى دَلوَهُ}3
وكَقولِهِ تَعَالَى {فأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّم}4 وكقولِهِ عَزّ
وجَلّ {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلّبُ فِيهِ الوُجُوهُ والأبْصَارُ}5 وكقزلِهِ
عزّ وجلَّ {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}6 وكقولِهِ تَعَالَى {وَجَنَى
الجَنَّتَينِ دانٍ}7.
وكمَا جَاءَ في الخَبَر (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَومَ القِيَامَةِ)8. (آمِنٌ مَنْ
آمَنَ بِاللهِ)9. (إنَّ ذَا الوَجْهَينِ لا يَكُونُ وَجِيهًا عِندَ اللّهِ)10.
ولمْ أجِدِ التّجْنِيسَ في شِعرِ الجَاهِليَّةَ إلّا قَليلًا، كَقَولِ الشَّنْفَرَى:

وبِتْنَا كأَنَّ النَّبْتَ حُجِّرَ فَوقَنَا
بِرَيْحَانَةٍ رِيَحَتْ عِشَاءً وطُلَّتِ

وقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:

لَقَدْ طَمَحَ الطَّمَّاحُ من بُعْدِ أرْضِهِ
لِيُلْبِسَني مِنْ دَائِهِ مَا تَلَبَّسَا

وقَوْلِهِ:

ولَكِنَّما أسْعَى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ
وقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المؤَثَّلَ أمْثَالِي

وفي شِعْرِ الإسْلَامِيّينَ المُتَقدِّمِين كَقولِ ذِي الرُّمَّةِ:

كَأنَّ البُرَى والعَاجَ عِيْجَتْ مُتُونُهُ

وكَقولِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ:

وذَلكمْ أنَّ ذُلَّ الجَارِ حَالَفَكُمْ
وأنَّ أنْفَكُمُ لا يَعْرِفُ الأنَفَا

فأمَّا في شِعْرِ المُحْدَثِينَ فَأكْثَرُ مِنْ أنْ يُحْصَى.


1 "44" من سور النمل.
2 "84" من سورة يوسف.
3 "19" من سورة يوسف.
4 "43" من سورة الروم.
5 "37" من سورة النور.
6 "89" من سور الواقعة.
7 "54" من سورة الرحمن.
8 رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
9 روى الإمام أحمد حديثًا بهذا اللفظ(العبد آمن من عذاب
الله ما استغفر الله).
10 رواه قريبًا من هذا اللفظ البخاري وأحمد والدارمي.

عبد السلام بركات زريق 04-09-2023 03:34 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّادسُ والتّسعونَ


في الطِّبَاقِ


هو الجَمْعُ بَينَ ضِدَّيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلِيَضْحَكُوا قَليلًا
وَلِيَبْكُوا كَثيرًا}1 وكَمَا قَالَ عَزَّ وجَلَّ {تَحْسَبُهُم جَميعًا
وقُلوبُهُمْ شَتَّى}2 وكَمَا قَالَ عزَّ وجلَّ {وتَحْسَبُهُمْ أيقاظًا
وهم رُقُودٌ}3 وكَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائلٍ {ولَكُمْ في القِصَاصِ
حَياةٌ}4.
ومِمَّا جَاءَ في الخَبَرِ عَن سَيِّدِ البَشَرِ صلّى اللهُ عَليهِ وسلّم
(حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ والنَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)5. (النَّاسُ نِيامٌ فَإذَا
مَاتُوا انْتَبَهُوا)6. (كَفَى بِالسَّلامَة دَاءً)7. (إنَّ اللّهَ يُبْغِضُ البَخيلَ
في حَياتِهِ والسَّخيَّ بَعْدَ مَوْتِهِ)8. (جُبِلَتِ القُلُوبُ عَلَى حُبِّ
مَنْ أَحْسَنَ إلَيها)9. (احْذَرُوا مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ ولا يؤْمَنُ
شَرُّهُ)10.
ومِمَّا جَاءَ في الشِّعرِ قَوْلُ الأعْشَى:

تَبِيتُونَ في المَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ
وجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا

وقَوْلُ عَبْدِ بَنِي الحَسْحَاسِ:

إنْ كُنْتُ عَبْدًا فَنَفسي حُرَّةٌ كَرَمًا
أو أسْوَدَ الخَلقِ إنِّي أبْيَضُ الخُلُقِ

وقَوْلُ الفَرَزْدَقِ:

والشَّيْبُ يَنْهُضُ في الشَّبابِ كأنَّهُ
لَيْلٌ يَصِيحُ بِجَانِبَيهِ نَهَارُ

وكَقْولِ البُحْتُرِيِّ:

وأُمَّةٌ كانَ قُبْحُ الجَوْرِ يُسْخِطُهَا
دَهْرًا فَأصْبَحَ حُسْنُ العَدْلِ يُرْضِيهَا



1 "82" من سورة التوبة.
2 "14" من سورة الحشر.
3 "18" من سورة الكهف.
4 "179" من سورة البقرة.
5 رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما.
6 هو من قول علي بن أبي طالب. كما في كشف الخفاء.
7 رواه الديلمي في مسند الفردوس وسنده ضعيف.
8 رواه الخطيب في كتاب البخلاء عن الإمام علي بن أبي
طالب كرم الله وجهه.
9 رواه أبو نعيم وابن حبان والخطيب، والبيهقي في شعب
الإيمان، عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا وتتمة الحديث:
"وبغض من أساء إليها" ولا يتم الشاهد إلا بهذه التتمة.
10 لم أجده بهذا اللفظ في كتب السنة التي رجعت إليها.

عبد السلام بركات زريق 04-11-2023 04:05 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصْلُ السّابعُ والتّسعُونَ


في الكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهُ بِمَا يُسْتَحْسَنُ لَفْظُهُ


هِيَ مِنْ سُنَنِ العَربِ، وفي القُرآنِ {وقَالُوا لِجُلُودِهِمْ}1 أيْ:
فُرُوجِهِمْ. وقَالَ تَعَالَى {أو جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ}2
فَكَنَّى عَنِ الحَدَثِ. وقَالَ تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُم أنَّى شِئْتُمْ}3
وقَالَ عَزّ وجَلّ {فَلَمَّا تَغَشَّاها}4 فَكَنّى عَنِ الجِمَاعِ، واللّهُ
كَرِيمٌ يُكَنّي. وقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّم لِقائِدِ الإبِلِ
الَّتي عَلَيْهَا نِسَاؤُهُ (رِفْقًا بِالقَوَارِيرِ)5 فَكَنَّى عَنِ الحُرَم.
وقَالَ عَليهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ (اتَّقُوا المَلَاعِنَ)6 أيْ: لَا تُحْدِّثُوا
في الشَّوارع فَتُلْعَنُوا.
ومِنْ كِنَايَاتِ البُلَغَاءِ: بِهِ حَاجَةٌ لا يَقْضيها غَيرُه، كِنَايَةً عَنِ
الحَدَثِ. وذَكَرَ ابْنُ العَمِيدِ مُحْتَشِمًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ. فقالَ:
آلَى يَمينًا ذَكَرَ فِيهَا حَرَائِرَهُ. وذَكَرَ ابْنُ مُكرَّم سَائِلًا فَقَالَ: هُوَ
مِنْ قُرَّاءِ سُورَةِ يُوسُفَ، يَعْنِي أنَّ السُّؤَّالَ يَسْتَكْثِرُونَ مِنْ
قِراءَةِ هَذهِ السُّورَةِ في الأسْوَاقِ والمَجَامِعِ والجَوَامِعِ، وكَنَّى
ابْنُ عَائشَةَ عَمَّنْ بِهِ الأُبْنَةُ بِقولِهِ: هُوَ غُرَابٌ، يَعْنِي أنَّه يُوَارِي
سَوأَةَ أخِيهِ. وكَنّى غَيْرُهُ عَنِ اللَّقِيطِ: بِتَرْبِيَةِ القَاضِي. وعَنِ
الرَّقِيبِ بِثانِي الحَبِيبِ. وكَانَ قَابُوسُ بْنُ وَشْمَكِيرٍ إذَا وَصَفَ
رَجُلًا بِالبَلَهِ قَالَ: هُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، يَعْنِي قَولَ النَّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيهِ وسَلّمَ (أكثَرُ أهْلِ الجَنَّةِ البُلْهُ). ومِنْ كَنَايَاتِهِمْ عَنْ
مَوْتِ الرُّؤساء والأجِلَّةِ والمُلُوكِ: انْتَقَلَ إلَى جِوارِ رَبِّه، اسْتَأثَرَ
اللّهُ بِه.


1 "21" من سورة فصلت.
2 "43" من سورة النساء.
3 "223" من سورة البقرة.
4 "189" من سورة الأعراف.
5 وقائد الإبل: هو أنجشة الأسود، ذكر هذه الرواية
بهذا اللفظ الإمام الذهبي في كتابه تجريد أسماء
الصحابة، ورواه البخاري بلفظ (ارفق يا أنجشة بالقوارير)
6 تقدم تخريجه.
7 رواه البيهقي والبزار والديلمي بسند فيه لين. وهذا
الحديث يعني الذين لم يهتموا بالدنيا اهتمام المقبلين
عليها، فأصبحوا فيها كالبله، انظر كتاب النهاية في غريب
الحديث للإمام ابن الأثير الجزري.

عبد السلام بركات زريق 04-11-2023 04:14 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ الثّامنُ والتّسعُونَ


في الالْتِفَاتِ


هُوَ أنْ تَذْكُرَ الشَّيءَ وتُتِمَّ مَعْنَى الكَلَامِ بِهِ، ثُمَّ تَعُودَ لِذِكْرِهِ
كَأنَّكَ تَلْتَفِتُ إلَيهِ كَمَا قَالَ أبُو الشَّغْبِ:

فَارَقْتُ شَغْبًا وقَدْ قُوِّسْتُ مِنْ كِبَرِي
لَبِئْسَتِ الخَلَّتَانِ الثُّكْلُ والكِبَرُ

فَذَكَرَ مُصِيبَتَهُ بِابنِهِ مَعَ تَقَوُّسِهِ مِنَ الكِبَرِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلى
مَعْنَى كَلَامِهِ فَقَالَ: لَبِئْسَتِ الخَلَّتَانِ، وكَمَا قَالَ جَرِيرٌ:

أتَذْكُرُ يَومَ تَصْقُلُ عَارِضَيْهَا
بِعُودِ بَشَامَةٍ سُقِيَ البَشَامُ

وكَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ
بِعَذابٍ وقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}1 فَنَهَى عَنِ الافْتِرَاءِ ثُمَّ وَعَدَ
عَلَيهِ فَقَالَ {وقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}.


1 "61" من سورة طه.

عبد السلام بركات زريق 04-13-2023 05:09 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 

الفَصلُ التّاسعُ والتّسْعُونَ



في الحَشْوِ



العَرَبُ تُقيمُ حَشْوَ الكَلَامِ مَقَامَ الصِّلَةِ والزِّيَادَةِ وتُجْرِيهِ
في نِظَامِ الكَلِمَةِ وهُوَ عَلَى ثَلاثَةِ أضْرُبٍ: ضَرْبٌ مِنْهَا
رَدِيءٌ مَذْمُومٌ كَقَولِ الشَّاعِرِ:

ذَكَرْتُ أخِي فَعَاوَدَني
صُدَاعُ الرَّأسِ والوَصَبُ


فَذَكَر الرَّأسَ وهُوَ حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لأنَّ الصُّدَاعَ مُخْتَصٌ
بالرَّأسِ، فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ مَعَهُ. وكَقولِ الآخَرِ:

صُدُودُكُمْ والدِّيَارُ دَانيَةٌ
أهْدَى لِرَأسِي ومِفْرَقِي شَيْبَا


فَقَولُهُ مَفْرَقِي مع ذِكْرِ الرّأسِ حَشْوٌ بَغِيضٌ. وكَقَوْلِ الآخَرِ:

إذَا لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ في دَوْلَةِ امْرئٍ
نَصِيبٌ ولَا حَظٌّ تَمَنَّى زَوَالَها


والنَّصيبُ والحظُّ بِمَعْنًى وَاحِدٌ.

وأمَّا الضَّرْبُ الأوْسَطُ فَكَقَولِ امْرِئِ القَيسِ:

ألَا هَلْ أتَاهَا والحَوَادِثُ جَمَّةٌ
بِأنَّ امْرَأَ القَيسِ بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا1


فَقَوْلُهُ والحَوَادِثُ جَمَّةٌ حَشْوٌ مُسْتَغنًى عَنهُ، ولَكنْ لَا بَأسَ
بِهِ في مَوضِعِهِ، وكَقَولِ النَّابِغَةِ:

لَعَمْرِي ومَا عَمْرِي عَليَّ بِهَيِّنٍ
لَقَد نَطَقَتْ بُطْلًا عَلَيَّ الأقَارِعُ


فَقَولُهُ ومَا عُمْرِي عَليَّ بِهَيِّنٍ حَشْوٌ يَتِمُّ الكَلَامُ بِدُونِهِ، ولكنّهُ
مَحْمُودٌ لما فيهِ مِنٍ تَفْخِيمِ اللَّفْظِ وتَأكيدِ المُرَادِ.
وأمَّا الضَّرْبُ الثّالثُ فَهُوَ الحَشْوُ الحَسَنُ اللَّطِيفُ كَقَوْلِ
عَوْفِ بْنِ مُحَّلِّمٍ:

إنَّ الثَّمَانِينَ وبُلِّغْتَهَا
قَدْ أحْوَجَتْ سَمْعِي إلَى تَرْجُمَانْ


فَقَوْلُهُ: وبُلِّغْتَها، حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنهُ في نَظْمِ الكَلَامِ، ولَكنَّهُ
حَسَنٌ في مَكَانِهِ، وأوْقَعُ في المَعْنَى المَقْصُودِ. وكَانَ بْنُ عَبّادَ
يُسَمِّي هَذا الحَشْوَ حَشْوَ اللَّوْزينَجِ، لأنَّ حَشوَ اللَّوْزينَجِ
خَيرٌ مِنْ خُبْزَتِهِ. ومِنْ هَذا الضَّرْبِ قَوْلُ طَرَفَةَ:

فَسَقَى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها
صَوْبُ الرَّبِيعِ ودِيمَةٌ تَهْمِي

فَقَوْلُهُ غيرَ مُفْسِدِهَا حَشْوٌ؛ ولَكِنْ مَا لِحُسْنِهِ نِهَايَةٌ! ومِنْ
ذَلِكَ قَولُ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ لِأبِيهِ زَيْدٍ، وعَدِيٌّ في حَبْسِ النُّعْمَانِ:

فَلَوْ كُنْتَ الأسِيرَ، ولَا تَكُنْهُ
إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقُولُ


فَقَولُهُ ولَاتَكُنْهُ حَشْوٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهُ وبَرَاعَتُهُ. ومِنْ ذَلكَ
قَولُ البُحْتُرِيِّ:

إنَّ السَّحابَ أخَاكَ جادَ بِمِثْلِ مَا
جَادَتْ يَداكَ لَوَ انَّهُ لَمْ يَضْرُرِ


فَقَوْلُهُ أخَاكَ حَشْوٌ ولَكنْ ما لِحُسنِهِ غايَةٌ! ومِنْ ذَلكَ قَولُ
ابْنِ المُعْتَزَّ:

إنَّ يحيى، لَا زَالَ يَحْيَا، صَدِيقِي
وخَلِيلِي مِنْ دُوْنِ هَذِي الأنَامِ

فَقَولُهُ لَا زَالَ يَحيَا حَشْوٌ يُرْبى على حَشْوِ اللَّوْزَينَجِ، ومِنْ
ذَلكَ قَولُ أبِي الطَّيِّب المُتَنَبِّي:

ويَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ
يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا، وحَاشَاهُ، فَانِيَا

فَقَوْلُهُ وحَاشَاهُ حَشْوٌ يَجْمَعُ الحُسْنَ والطِّيبَ. ومِنْ ذَلكَ
قَوْلُ ابْنُ عَبَّادَ:

قُلْ لأَبِي القَاسِمَ إنْ جِئْتَهُ
هُنِّيْتَ مَا أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ

كلُّ جَمَالٍ فَائقٍ رَائقٍ
أنتَ، بِرَغْمِ البَدْرِ، أُوْتِيْتَهُ


فَقَوْلُهُ بِرَغْمِ البَدْرِ حَشْوٌ يَقْطُرُ مِنْهُ مَاءُ الظَّرْفِ. ومِنْ ذَلكِ
قَوْلُ أبِي مُحَمَّدٍ الخَازِنِ الأصْبَهَانِيّ رَحِمَهُ اللّهُ للصَّاحِبِ:

فَإيْهِ طَرْبَةً للعَفْوِ إنَّ الـ ـكَرِيمَ، وأنْتَ مَعْناهُ، طَروبُ

فَقَوْلُهُ وأنْتَ مَعْنَاهُ حَشْوٌ يَعْجِزُ الوَصْفُ عَنْ حُسْنِهِ
وحَلَاوَتِهِ. وكانَ ابْنُ عَبَّادَ يَقُولُ: إذَا سَمِعَ قَولَ يَحْيَى بْنِ
أكْثَمَ لِلْمَأمُونِ وقَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ (لَا، وأيَّدَ اللّهُ أمِيرَ المُؤْمِنينَ)
هَذِهِ الوَاوُ أحْسَنُ مِنْ وَاوَاتِ الأصْدَاغَ في خُدُودِ المُرْدِ المِلَاحِ.


1 بيقر: خرج من الشام إلى العراق.

عبد السلام بركات زريق 04-15-2023 08:57 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
نهاية الكتاب

تمَّ كتابا فقه اللغة وسر العربية

تم بحمد الله وفضله

12-4-2023


الساعة الآن 10:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team