.... إنَّ العَصَا قُرِعَتْ لِذِي الحِلْمِ .... قيل : أن أول من قُرِعت له العصا عمرُو بن مالك بن ضُبَيْعة أخو سعدِ بن مالك الكِناني ، وذلك أن سعداً أتى النعمانَ بن المنذر ومعه خيل له قادها ، وأخرى عَرَّاها ، فقيل له : لِمَ عَرَّيْتَ هذه وقُدْت هذه ؟ قال : لم أقد هذه لأمْنَعَهَا ولم أعرِّ هذه لأهَبَهَا . ثم دخل على النعمان ، فسأله عن أرضه ، فقال : أما مَطَرُهَا فغَزير وأما نَبْتها فكثير ، فقال له النعمان : إنك لقَوَّال ، وإن شئت أتيتك بما تَعْيَا عن جوابه ، قال : نعم ، فأمر وَصيفاً له أن يَلْطِمَهُ ، فلطَمه لَطْمة ، فقال : ما جواب هذه ؟ قال : سَفِيه مأمور ، قال : الْطِمْهُ أخرى ، فلطمه ، قال : ما جوابُ هذه ؟ قال : أُخِذَ بالأولى لم يعد للأخرى ، وإنما أراد النعمان أن يتعدَّى سعد في المنطق فيقتله ، قال الْطِمْهُ ثالثة ، فلطمه ، قال : ما جواب هذه ؟ قال ربٌّ يؤدب عبده ، قال : الْطِمْهُ أخرى ، فلطمه ، قال : ما جواب هذه ؟ قال مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ ، فأرسلها مثلاً ، قال النعمان : أَصَبْتَ فَامْكُثْ عندي ، وأعجبه ما رأى منه ، فمكث عنده ما مكث ، ثم إنه بَدَا للنعمان أن يبعث رائداً ، فبعث عمراً أخا سَعْد ، فأبطأ عليه ، فأغضبه ذلك فأقسم لئن جاء ذامَّاً للكلأِ أو حامداً له ليقتلنه ، فقدم عمرو ، وكان سعد عند الملك ، فقال سعد : أتأذن أن أكلمه ؟ قال : إذَنْ يقطع لسانك ، قال : فأشيرُ إليه ؟ قال: إذن تقطع يدك ، قال : فأقرع له العصا ؟ قال : فَاقْرَعْهَا ، فتناول سعد عَصَا جليسِه وقَرَع بعصاه قرعةً واحدة ، فعرف أنه يقول له : مكانك ، ثم قرع بالعصا ثلاث قرعات ، ثم رفعها إلى السماء ومَسَحَ عَصَاه بالأرض ، فعرف أنه يقول له : لم أجدْ جَدْباً ، ثم قرع العصا مراراً ثم رفعها شيئاً وأومأ إلى الأرض ، فعرف أنه يقول : ولا نَبَاتاً ، ثم قرع العصا قرعةً وأقبل نحو الملك ، فعرف أنه يقول : كلِّمه ، فأقبل عمرو حتى قام بين يدي الملك ، فقال له : أَخْبِرْني هل حمدت خِصْبَاً أو ذممت جَدْباً ؟ فقال عمرو : لم أذمم هُزْلاً ، ولم أحمد بَقْلاً ، الأرضُ مُشْكِلة لا خِصْبُها يعرف ، ولا جَدْبُها يوصف ، رائدُها واقف ، ومُنْكِرها عارف ، وآمنُها خائف . قال الملك : أولى لك ، فقال سعد بن مالك يذكر قَرْع العصا : قَرَعْتُ العَصَا حتى تبيَّنَ صاحِبي ولمْ تَكُ لولا ذاكَ في القومِ تُقْرَعُ فقال : رأيتُ الأرضَ ليس بِمُمْحِلٍ ولا سارح فيها على الرعْيِ يَشْبَعُ سَوَاء فلا جَدْب فيعرفَ جَدْبُهَا ولا صَابَهَا غَيْثٌ غَزيرٌ فتُمْرَعُ فَنَجَّى بها حَوْباء نَفْسٍ كريمةٍ وقد كادَ لولا ذاكَ فِيْهِمْ تقطَّعُ هذا قول بعضهم . وقال آخرون في قولهم " إن العصا قرعت لذي الحلم " : إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظَّرِبِ العَدْوَانيّ ، وكان من حكماء العرب لا تَعْدِل بفهمه فهماً ، ولا بحكمه حكماً ، فلما طَعَنَ في السن أنكر من عقله شيئاً ، فقال لبنيه : إنه قد كبرَتْ سِنّي وعرض لي سَهْو ، فإذا رأيتموني خرجْتُ من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المِجَنَّ بالعصا ، وقيل : كانت له جارية ، يقال لها خصيلة ، فقال لها : إذا أنا خُوْلِطْتُ فاقرعي لي العصا ، وأُتِيَ عامر بِخُنْثَى ليحكم فيه ، فلم يَدْرِ ما الحكم ، فجعل ينحَر لهم ويُطْعمهم ويدافعهم بالقضاء ، فقالت خصيلة : ما شأنك ؟ قد أتلفْتَ مالك ، فخبرها أنه لا يدري ما حكم الخُنثى ، فقالت : أَتْبِعْهُ مَبَالَهُ . قال الشعبي : فحدثني ابن عباس بها قال : فلما جاء الله بالإسلام صارت سنة فيه . وعامر هو الذي يقول : أرى شَعَراتٍ على حاجِبَيّ بيضاً نبتن جميعاً تُؤَامَا ظَللْتُ أهاهي بهنَّ الكلا ب أَحْسَبُهُنَّ صِوَاراً قِياما وأَحْسَبُ أنْفِي إذا ما مَشَيْـ ـتُ شَخْصاً أمامي رآني فَقاما يقال : إنه عاش ثلاثمائة سنة ، وهو الذي يقول : تقول ابنتي لما رأتني كأنني سَلِيمُ أَفَاعٍ ليلُه غير مودعِ وما المَوْتُ أَفناني ، ولكنْ تَتابَعَتْ عَلَيَّ سِنُون مِنْ مَصِيف ومَرْبَعِ ثَلاثُ مِئِين قد مَرَرْنَ كوامِلاً وها أنا هذا أرتجي مَرّ أَرْبَعِ فأصبحتُ مثلَ النَّسر طارَتْ فراخُهُ إذا رام تَطْياراً يُقالُ له : قَعِ أُخَبِّرُ أَخْبارَ القرونِ التي مَضَتْ ولا بدَّ يوماً أنْ يُطارَ بِمَصْرَعِي قال ابن الأعرابي : أول من قرعت له العصا عامر بن الظَّرِب العَدْوَاني ، وربيعة تقول : بل هو قيس بن خالد بن ذي الجَدَّيْن ، وتميم تقول : بل هو ربيعة بن مُخَاشِن أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ، واليمن تقول : بل هو عمرو بن حُمَمَة الدوسيّ ، قال : وكانت حكام تميم في الجاهلية أَكْثَمُ بن صَيْفي ، وحاجب بن زُرَارة ، والأَقْرَعُ بن حَابس ، وربيعة بن مُخَاشِن ، وضَمْرةُ بن ضَمْرة ، غير أن ضمرة حكم فأخذ رِشْوَةً فَغَدَرَ . وحُكّام قَيْس عامر بن الظَّرِب ، وغَيْلَان بن سَلَمة الثقفي ، وكانت له ثلاثة أيام : يوم يحكم فيه بين الناس ، ويوم ينشد فيه شعره ، ويوم ينظر فيه إلى جماله ، وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة ، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم ، فاختار أربعاً ، فصارت سنة . وحكام قريش : عبدُ المطلب ، وأبو طالب ، والعاصي بن وائل . وحكيمات العرب : صُحْرُ بنت لقمان ، وهند بنت الخُسّ ، وجمعة بنت حابس ، وابنة عامر بن الظَّرِبِ الذي يقال له " ذو الحلم " قال المتلمس يريده : لِذِي الحِلْمِ قبلَ اليوم ما تُقْرَعُ العصَا وما عُلِّم الإنســـان إلا لِيَعْلَمَا والمثل يضرب لمن إذا نُبِّه انتبه. |
.... أَهْلُ القَتِيلِ يَلُونَهُ .... قال أبو عبيد : يعني أنهم أشدُّ عنايةً بأمره من غيرهم . |
.... أَبَى قائِلُهَا إلَّا تِمَّا .... تروى تاء " تمّا " بالرفع والنصب والخفض ، والكسرُ أفصحُ ، والهاء راجعة إلى الكلمة . يضرب في تتابعُ الناس على أمرٍ مختلَفٍ فيه . والمعنى : مضى على قوله ولم يرجع عنه . |
.... إنْ أَرَدْتَ المُحَاجَزَة فَقَبْلَ المُنَاجَزَة .... المحاجزة : الممانعة ، وهو أن تمنعه عن نفسك ويمنعك عن نفسه ، والمناجزة : من النَّجْز وهو الفَنَاء ، يقال : نجز الشيء ، أي فَنِيَ ، فقيل للمقاتلة والمبارزة : المناجزة ؛ لأن كلا من القِرْنَيْنِ يريد أن يُفْنى صاحبه ، وهذا المثل يروى عن أَكْثَمَ بن صَيْفِيٍّ . قال أبو عبيد : معناه انْجُ بنفسك قبل لقاء مَنْ لا تقاومه . |
.... أَوَّلُ الغَزْوِ أَخْرَقُ .... قال أبو عبيد : يضرب في قلة التجارب كما قال الشاعر : الحــربُ أولَ ما تكون فَتِيَّةٌ تَسْــعَى بزينتها لكل جَهُولِ حتَّى إذا اسْتَعَرَتْ وشَبَّ ضِرَامُهَا عادتْ عَــجُوزاً غَيْرَ ذات حَلِيْلِ وصف الغزو بالخرق لخرق الناس فيه ، كما قيل : " ليل نائم " لنوم الناس فيه . |
.... إنَّهُ نَسِيْجُ وَحْدِهِ .... وذلك أن الثوب النفيس لا يُنْسَجُ على مِنْواله عِدةُ أَثوابٍ ، قال ابن الأعرابي : معنى " نَسِيْج وَحْدِهِ " أنه واحد في معناه ، ليس له فيه ثان ، كأنه ثوب نُسج على حِدَته لم ينسج معه غيره ، وكما يقال نسيج وحده يقال " رَجُلُ وَحْدِهِ " ويروى عن عائشة أنها ذكرت عمر رضي الله عنهما فقالت : كان والله أحْوَذِيَّاً ، ويروى بالزاء ، نَسِيجَ وَحْدِهِ ، قد أعدَّ للأمور أقرانها ، قال الراجز : جاءتْ بهِ مُعْتَـجِراً بِبُرْدِهِ سَفْوَاء تردى بِنَسِيْجِ وَحْدِهِ |
.... إنَّ الشِّرَاكَ قُدَّ مِنْ أَدِيمِهِ .... يضرب للشيئين بينهما قُرْبٌ وشَبَه . |
.... إنَّمَا يُعَاتَبُ الأدِيمُ ذُو البَشَرةِ .... المعاتبة : المعاودة ، وبَشَرة الأديم : ظاهره الذي عليه الشَّعر ، أي أن ما يعاد إلى الدباغ من الأديم ما سلمت بشرته . يضرب لمن فيه مُرَاجعة ومُسْتَعْتَبْ . قال الأصمعي : كل ما كان في الأديم محتمل ما سلمت البشرة ، فإذا نَغِلَتْ البشرةُ بطل الأديم . |
.... إنَّ بَيْنَهُمْ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً .... العَيْبَة : واحدة العِياب والعِيَبِ ، وهي ما يجعل فيه الثياب ، وفي الحديث " الأنصار كرشي وعَيْبَتي " أي موضع سري . ومكفوفة : مُشَّرَجَة مشدودة . ومعنى المثل : أن أسباب المودة بينهم لا سبيل إلى نقضها . |
.... إذَا سَمِعْتَ بِسُرَى القَيْنِ فَاعْلَمْ أنَّه مُصْبِّحٌ .... قال الأصمعي : أصله أن القَيْنَ بالبادية يتنقل في مياههم ، فيقيم بالموضع إياماً ، فيكسد عليه عمله ، ثم يقول لأهل الماء : إني راحِل عنكم الليلة ، وإن لم يراد ذلك ، ولكنه يُشيعه ليستعمله مَنْ يريد استعمالَه ، فكثر ذلك من قوله حتى صار لا يصدق . يضرب للرجل يعرفه الناس بالكذب فلا يقبل قوله وإن كان صادقاً ، قال نَهْشَل بن حَرِّيٍّ : وعَهْدُ الغانياتِ كعَـهْدِ قَيْنٍ وَنَتْ عنه الجَعَائِلُ مستذاقِ كبَرْقٍ لاحَ يُعْجِبُ مَـنْ رَآهُ ولا يَشْفِي الحَوَائِمَ مِنْ لماقِ حدث أبو عبيدة عن رؤبة قال : لقي الفرزدقُ جريراً بدمشق ، فقال : يا أبا حَزْرة أراك تَمَّرغُ في طواحين الشآم بعد ، فقال جرير : أيهاه إذا سمعت بسُرى القَيْن فإنه مصبح ، قال : فعجبت كيف تَأَتَّى لهما ، يعني لفظ التمرغ ولفظ القين ، وذلك أن الفرزدق كان يقول لجرير " ابن المراغة " وهو يقول للفرزدق " ابن القَيْن ". |
الساعة الآن 02:07 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.