احصائيات

الردود
2

المشاهدات
9113
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
01-02-2012, 12:18 PM
المشاركة 1
01-02-2012, 12:18 PM
المشاركة 1
افتراضي سيوة الواحة المقدسة / استطلاع مصور
سيوة.. الواحة المقدسة

مجلة العربي الكويتية
ابريل 2009
العدد 605


بعد الوصول إلى القاهرة، والانتقال إلى الإسكندرية، والاستعداد للسفر إلى «واحة سيوة» في قلب صحراء مصر الغربية قرب الحدود الليبية عبر مدينة مرسى مطروح، تركتُ الصور، ونحَّيْتُ الكتب، واستبعدتُ الخرائط، وفكرتُ أن أستطلع عين القمر الصناعي في طريق الرحلة الذي يبلغ نحو 600 كيلومتر من الإسكندرية. أخذ مؤشِّر الإنترنت يقربني عبر موقع (جوجل) من الواحة النائية، والدهشة ترسم الملامح. فتلك البقعة داكنة الخضرة ترقدُ مثل طائر أليف فوق عش من اللون الذهبي اسمه بحر الرِّمال العظيم، وهي كذلك تستند بأعجوبة غرب جرف منخفض القطارة، الذي يشبه حفرة عبثية؛ فرَّغت جوفَها من قلب الصَّحراء يدٌ عملاقة. كان السؤال الأول، كيف وصل إلى تلك البقعة كل صانعي التاريخ القديم والمعاصر؟ أما السؤال المُلِحُّ فكان؛ كيف استقامت الحياة الفريدة في ذلك المكان البعيد على مرِّ آلاف السنين؟ وظلَّ السؤال الأكثر إلحاحًا: ماذا بقي من الحيوات التي وقفت فيها «واحة سيوة» شاهدة على كل العصور؟

نعبر الساحل الشمالي الموازي لشاطئ البحر المتوسط بين الإسكندرية ومرسى مطروح، بما يضم من عشرات القرى السياحية، بعضها مكتمل ومتجمِّل، وأكثرها في طور الأجنة، وكثيرٌ منها ليس سوى لافتات وسور وصورة مشروع. ثم انحدرنا جنوبًا إلى طريق تشبه خطا سميكًا فوق دفتر الرِّمال. دفتر من ورقة وحيدة عملاقة، لا تدرك أولها من آخرها، ولا تعرف الفارق بين سطورها إلا من اللوحات التي تحدد لك المسافات المتبدلات. حتى الجغرافيا المبهمة، الخادعة، تبدو كبساطٍ دون نقوش، تفك طلاسمها، إلا حين تبدو نقطة تفتيش أو مركز مرور.

الانتقالُ من النهر إلى القَفر، من الزراعة إلى الجَدْب، هو انتقال شرس الملامح، حاد التباين، لذلك لم يشهد التاريخ المصري هجرة من الوادي إلى الصحراء. حتى أن هذه المدن الجديدة، والمنتجعات التي بلا حصر، التي كنا نراها على الطريق من الإسكندرية إلى مرسى مطروح تظل مدنا بلا قلب. كم من قرية سياحية مررنا بها، وكم من مجمع سكني عبرنا به، وكل هذه العمائر الخرسانية لا أحد! الانتقال يساوي مغادرة أسلوب حياة إلى آخر مغاير، وهو أمرٌ لم يعتده المصريون لآلاف السنين، لذا بقيت الواحات في عزلتها، يخرج منها الناسُ إلى الوادي، ولكن لا يأتيها أبناء الوادي، مع استثناءات، ككل قاعدة. لذلك لم تكتشف الصحراء إلا خلال القرنين الماضيين وحسب، وحين جاء العربُ مصر لم يدخلوا غمار الصحراء، وإنما ساروا على المدقات (الطرق الترابية) الساحلية. وامتلأت القصص التاريخية والحكايات الأسطورية بمرويات عن التهام الصحراء للجيوش وكذلك لكونها ملآنة بالوحوش المفترسة!

تبدأ الجغرافيا تفشي سرًّا بأن التغيير قادمٌ، حين انكشفت الرمال عن مئات من الأشكال شبه الهرمية التي كونتها عوامل التعرية، كاشفة عن أجسادها؛ كأنها بسطات متدرجات مماثلات لمدرج سقارة، ليس لها لون واحد، وبدأ كما لو كانت كتلا ضخمة، أو أسطولا من صخور، أو أشباحًا لسفن عملاقة تركها ربَّانُها في العراء ومضى!

حين ظهرت الواحة الخضراء بُعيد ذلك المشهد اللانهائي بدا كأن هذا الأسطول الأبدي يحمي «واحة سيوة» من جهاتها جميعًا، فيكبح بحر الرِّمال العظيم من الهجوم عليها، من جهة الجنوب ويمنع جسد الواحة من السقوط إلى الشرق، حيث يربض منخفض القطارة.

نستمعُ، قبل الولوج إلى عالم «واحة سيوة»، إلى صوتِ التاريخ، فيقول هيرودوت: «بعد السَّفر إلى قلب الصحراء، يمرُّ المرءُ بأحراش تمرحُ فيها الوحوش البرية، وخلفها منطقة الرمال الكثيبة، التي تمتد من طيبة في مصر حتى أعمدة هرقليس. في هذه المنطقة بالتحديد، يصادف المرء، بعد مشي على القدمين لعشرة أيام، آثار مغطاة بأحجار الملح، الذي تحوَّل إلى بلورات من الكريستال العملاق، وفوق قمة تلك الروابي، ومن قلب الملح، يتفجر ماء عذب متجدد، ليصبح عينًا، خلف الغابات البرية».

هانحن على بُعد آلاف السنين من سطور هيرودوت، لكن الصورة التي وثقها لم تَخْتَفِ، بل أصبحت أكثر غرابة، سنكتشفها حين نزور مدينة الملح!

مدينة من ملح!

نحن في قلب ثلاث مساحات؛ بحر، وواحة، ومنخفض، وهي حين تجتمع تكون خطرا. لكنها هنا تمثل جنة منسية. فمع هذه المساحات، يطلعنا التاريخ على رحلات أكدت أهمية «واحة سيوة»، أبرزها: رحلة الملح، ورحلة الحج ورحلة التجارة!

في قلب «واحة سيوة»، تمتد طريقٌ أكثر غرابة، بطول 12 كيلومترا. تشق بحرًا من الملح! فعلى جانبي الطريق الإسفلتية تستقر المياه المالحة. هي الآن في الشتاء مرآة للسماء وما على الشطآن، ولكن ما إن يهل الصيف، حتى تكسو طبقة من الملح وجه الماء. ليصبح مثل غلالة نور. بين حين وآخر يظهر في البحر طمي قوامه الملح، لايزال يأخذه أبناء «واحة سيوة»، ليشيدوا به البيوت التقليدية، جريًا على عادة الآباء قبل مئات السنين. لا تزال هناك مدينة واحدة، شيِّدت بكاملها من هذا الملح، وهانحن على عتبات الوصول إليها.

من بعيد لاحت المدينة الملحية، غير المأهولة، سور كبير يحيطها من كل جانب، تآكلت منه أجزاء. وعلى باب المدينة مسجد من الملح، عرفناه على الرغم من أنه بلا مئذنة، لسبب يسير: لا يزال المحراب قائمًا، بارزا كأنه نصف عمود أسطواني خارج من جدار المسجد. تجولتُ مع زميلي المصور، والدليل والسائق. لايصاحبنا سوى الصمت في مدينة نادرة ليس يحرسها أحد. مدينة فريدة تستحق أن تضم إلى قائمة تراث الإنسانية الذي تسجله اليونسكو، من أجل الحفاظ عليه للأجيال القادمة، لا أن تُتركَ لمصيرها. لا تُمطر الدنيا في «واحة سيوة»، وإلا لاختفت تلك المدينة، واختفت معها آثار أخرى سنراها لاحقا. فعلى الرغم من ندرة مطرها فإنه يأتي كالسيل المدمر.

لا تستمد هذه المدينة فرادتها من الملح الذي شيِّدتْ منه وحسب، بل لأنها تضم رُبَّما أقدم عاصرة زيتون في مصر، وهي التي وهبت المدينة اسمها؛ «الزيتونة». يحدد الدليل عمرَ المدينة والمعصرة من جذع النخلة التي تعتليها، وقد تآكلت، مما يثبت أن عمرها انتهى، وإذا عرفنا أن خشب النخل يعيش أربعة قرون، لأمكننا بالتقريب تحديد عمر مدينة «الزيتونة» الملحية!

من أين جاء كُلُّ هذا الملح؟ ما أيسر السبب! لقد كانت «واحة سيوة» مغطاة بأكملها بالبحر، الذي انحسر ليصبح ما عليه الآن البحرُ المتوسط. لم يعش أحدٌ من تلك الأزمان السحيقة ليخبرنا بقصص اختفاء البحر، لكن الحفريات الباقية للحيوانات البحرية، والصخور الملحية، وتلك البحيرات المالحة، تظل شاهدًا على حضور البحر، ومرور المحيط.

في قلب كل هذا الملح، كانت هناك غرفة وحيدة من الحجر، تشبه إلى حدٍّ كبير غرف المقابر التي سنزورها لاحقا. لعل مدينة الزيتونة شيدت فوق أطلال معبدٍ قديم! يسمِّي أهالي «واحة سيوة» تلك المادة الملحية المستخدمة في البناء باسم طريف؛ «الكرشيف»! في القرن التاسع عشر، يصف الرَّحالة مينوتولي «واحة سيوة» فيقول إن أرضها منداة، مبتلة، كثيرة المستنقعات، مغطاة ببحيرات الملح، التي تنمو فوقها جزر صغيرة خصبة مثمرة».


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


... ومدينة من الطين!

من الزيتونة سنتجه إلى شالي، في قلب «واحة سيوة». وكلمة «شالي» باللغة السيوية تعني الوطن (البلدة، المدينة). في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي شيدت قرية شالي لتكون حاجز دفاع أمام القبائل المعادية. هناك بنى السكان قرية محصنة فوق هضبة عالية ترى المساحات حول الواحة من كل زاوية، تبوح بيوت شالي القديمة بسر العمارة الدفاعية؛ أسوار عالية، أبراج مراقبة، وطبقات من المنازل بعضها فوق بعض، وكأنه منزل وحيد، أو قلعة موَّحَّدة، وكلها من الطين، المُعَشَّق والمُطعَّم بالحجارة، كما أنها خاوية منذ العام 1820م، وفرادتها تدعو اليونسكو مرة أخرى لدراستها تمهيدًا لوضعها ضمن التراث الإنساني الواجب حفظه للأجيال القادمة. فالبيوت «العصرية» تزحف ببطء منذ العام 1985، ولكن بشراسة، لتلتهم العمارة السيوية التقليدية، ونموذج شالي هو الأندر بين العمارة الطينية، مثلما يبرز نموذج الزيتونة مثالا للعمارة الملحية. فمن يتدخل ليُحافظ على ما بقي من تلك الآثار؟

من أعالي شالي، تأتيك الصحراء، وبداية مشاهد بحر الرمال العظيم، ومن قمة شالي تبصر الشوارع المحيطة في «واحة سيوة». يمكنك أيضا أن تتأمل تقسيمات البيوت، وبعضها له حظائر عنزات ودجاج في مقابل البيوت أو متاخمة لها. وكثيرٌ من الناس حوَّل الباحة أمام البيت إلى سوق لعرض بعض المشغولات اليدوية، مثل أزياء النسوة، ودمى العرائس والإبل.

صعوبة تسلق شالي كان أحد أساليب الدفاع عنها، ونوافذ البيوت ضيقة، ولها فتحات ثلاث تشكل مثلثا. حيث توجد نافذتان تعلوهما ثالثة، تتيح للقاطنين مراقبة الخارج، مع وجود نار موقدة بشكل دائم (في الماضي)، وحراس، وتسمح آبار الماء الستة داخل المدينة بعدم الحاجة إلى الخروج.

كان إنشاء «شالي» نقطة تحول في حياة أبناء سيوة، وانتقالهم من مرحلة العيش في قرى متفرقة لها مركز «أكروبول» إلى العيش داخل أسوار «واحة سيوة». وقد حدد بعض الباحثين ذلك النزوح إلى الداخل زمنيا بين عامي 1100م، و1203م. كانت تلك مبادرة لحلول السلام، وتوقف هجمات قبائل البدو العابرة للصحراء عن الإغارة والسلب والنهب.

جبلٌ للموتى

على القمم بنى السيويون بيوتهم، لكنهم كذلك شيدوا فيها مقابر ملوكهم. ومثلما أقاموا المنازل واحدًا فوق الآخر، اختاروا من ذلك الجبل مكانا ليكدسوا المقابر واحدة فوق الأخرى، يحفرون جزءا ويشيدون جزءا آخر.

ومما يؤسف له هو ذلك التخريب الذي طال معظم المقابر في جبل الموتى، والنهب والسلب من قبل الرحالة الذين جابوا الصحراء المصرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حتى أنهم يحكون في الواحة من (مستر هاري) الذي أسس نزلا قرب الجبل، واستأجر عمالا محليين للتنقيب عن كنوز المقابر. إضافة لما سبق، فإن مما أساء إلى هذه المقابر، لجوء أهالي شالي القديمة للاختباء بالمقابر الحصينة بأسقفها الحجرية خشية قنابل الطائرات في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومنهم من جاء هاربًا من الغزو الإيطالي لليبيا، ولا تزال فروع بعض العائلات ذوات جذور ليبية.

لم نستطع التصوير داخل المقابر، الصغيرة نسبيا عن تلك الموجودة في وادي الملوك، ومن أشهر المقابر في جبل موتى تلك المسماة (سي آمون).

واحة وثلاثة عيون

في «واحة سيوة» عيون كثيرة، تبلغ في بعض المصادر والمرويات الثلاثمائة عددًا. لكن ضمن ما بقي في الواحة اليوم ثلاثة عيون شهيرة؛ الأولى عين كليوباترا، والثانية عين قريشات، والثالثة عين أبوشروف.

المتفق بين العيون هو أن حولها مكان يستريح إليه السائح، كمطعم أو مقهى، غير أن الطحالب تختفي في العين الثالثة. سألنا راعيها فقال إنه ربى فيها أسماك البلطي التي تنظف العين أولا بأول. تحوي العين ماء كبريتية جعلت عيون الأسماك بها تبدو جاحظة!

وتقع عين أبوشروف شرق عين قريشات بنحو 7 كيلومترات، وهي قرب قرية بالاسم نفسه، انتقلت بأكملها إلى مكانها الحالي بعد أن شيدت الحكومة وحدة صحية ومدرسة ومنازل جديدة. وقد زرنا أحد هذه البيوت التي أكملها صاحبها، وأضاف إليها مثل كثير من جيرانه، سياجًا من سعف النخيل، كنوع من الحفاظ على «حُرمة» البيت وساكنيه. القرية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد السكان فيها ألف نسمة، تصلها الكهرباء بمولِّدٍ للطاقة يشتغل من الخامسة عصرًا حتى الثانية صباحًا بعد منتصف الليل.

لكن للعيون المائية قصصًا أخرى في «واحة سيوة».

فمن أعلى كل قمة في الواحة، تستطيعُ أن تلمح هنا وهناك، في بيوتٍ كثيرة، عيونا مائية منزلية. إن حديث الجيولوجيين يؤكد أن «واحة سيوة» ترقد فوق بحر من المياه العذبة، حيث يستطيع كل «سِيويّ» أن يدق ماسورة مياه على عمق 70 مترًا أو أكثر، فإذا بها تتفجر بالمياه العذبة. وهكذا يمكن أن تنبع عين في كل بيت، وبستان.

قرب خزان مياه ضخم، يشبه مسبحًا تعوم فيه الطحالب، وعلى جدار مبنى صغير، كانت هناك لافتة مزدحمة بالعبارات: محافظة مطروح، مركز سيوة، الوحدة المحلية لقرية أغورمي، برنامج التنمية المحلية رقم 2، ووزارة التنمية والتعمير، جهاز الساحل الشمالي وسيوة، قطاع التنمية والتعمير بمطروح، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة: مشروع خفض منسوب المياه الجوفية واستغلال مياه الصرف للزراعة! كانت لافتة لا يتجاوز طولها نصف المتر، وعرضها المتر، بالرغم من وجود 38 كلمة بها. يقول الدليل شارحًا:

«حين تم حفر عين للري تحت جبل الدكرور، فاضت مياهها الساخنة، بشكل لافت، وفي الوقت نفسه، يعلو منسوب المياه المالحة، مما دعا المسئولين، المشار إليهم في اللافتة السابقة، إلى التفكير بسحب المياه، العذبة والمالحة، من هنا وهناك، إلى خزان موحد، يجمعهما معًا، ثم يوزعها للري». تحت الماسورتين، اللتين تضخان ماء باردًا وساخنا، وتصبان في حوض مربع أخذ طفل يقفز إلى الماء، ويستمتع بحمام ساخن بارد في آن واحد!

هذه الوفرة المائية أهلت سيوة لاحتضان أربعة مصانع لتعبئة مياه العيون، أحدها تديره شركة وطنية تتبع القوات المسلحة المصرية.

من بين الأخطاء التاريخية الشائعة والمدونة قرب هذا معبد الوحي - التسمية التي أطلقها «البعضُ» على «عين الشمس» - إذ توجد لافتة بأنها عين كليوباترا! والذي منح الاسم التاريخي للواحة هو هيرودوت، الذي قال «إن النيل هبة لمصر، والعيون هبة للآمونيين».

وقد سألتُ الباحث عبد العزيز عبد الرحمن الدميري، مدير آثار سيوة، ومدير مخزن أحمد فخري المتحفي، عن سر تلك التسمية الخطأ، فأجابني:

«ومثل هذه التسمية، اسم آخر، هو عين الحمام، كما ورد في مخطوطات دفاتر الملكية بسيوة لمدة تزيد عن مائتي عام، لأن العروس في الماضي كانت تأتي لتغتسل بمياهها، ومياهها ذات تدفق قوي، ونقاء وصفاء، دافئة شتاء، وباردة صيفا، حتى مع اشتداد درجة الحرارة، وتسميتها بعين كليوباترا تسمية سياحية لا أكثر ولا أقل من قبل الهواة، حيث لم يثبت أن كليوباترا أتت للواحة، وربما سمِّيَتْ كذلك مضاهاة بحمام كليوباترا الذي يقع غرب مدينة مرسى مطروح».

نساء وتقاليد

ليست العمارة وحدها هي الفريدة في «واحة سيوة»، بل العادات والتقاليد، المروية والمدونة، الباقية والزائلة، على حد سواء. فعزلة «واحة سيوة» في قلب مثلث رءوس زواياه عواصم مصر وليبيا والسودان، جعل من هذا النَّأي فضلا في تفردها. وهو الأمر الذي سجَّله أبو المصريات الأثري أحمد فخري، بعد سنوات قضاها بين أبناء «واحة سيوة».

لا تزال النسوة غير حاسرات ولا كاشفات، فما أن تخرج الواحدة منهن حتى تغطي وجهها تمامًا. ستعرف أنها متزوجة حين يكون غطاء الرأس والوجه أسود! وهي تلبس الملاءة المطرزة باللون الأزرق حين تخرج للمهن التي اصطفاها المجتمع لها، مثل مناسبات الزواج، والعزاء.

اليوم تخرج الفتيات للسوق في «واحة سيوة»، مثلما تخرجُ إلى العمل في بعض الحرف، مثل مصانع التمور، التي زرنا أحدها، وكان أغلب العاملين التسعين فيه من البنات. في يوم زفافها، ترتدي العروس السيوية سبع طبقاتٍ من الثياب. يمثل الرّقم سبعة فألا حسنًا، وهذه الأثواب السبعة تسمح للعروس بأن ترتدي كل يوم من أيام أول أسبوع لزواجها ثوبًا مختلفا. ويكون الثوب الأقرب للجسد شافًّا أبيض اللون، أما الثاني فيكون خفيفا قماشه أحمر، والثالث أسود، والرَّابع أصفر، والخامس أزرق، والسادس من الحرير الأحمر، والأخير من الحرير الأخضر!

تستعد العروس لاحقا لارتداء ثوب الزفاف الأسود التقليدي، المطرز بكثافة، بتصميمات هندسية ملونة حول العنق، وكثير من الأزرار والأصداف، مع رسم عيون شمسية دقيقة لطرد عيون الشر. البعض يرى في تلك الأزرار بقايا من صورة أشعة الشمس، رمز الإله آتون. فيما يصورها الآخرون على أنها مرايا سحرية، ويُعْتَقدُ أنها تجلب الطاقة من الشمس لتمنحها لمن يتجمل بها.

ترتدي نساء سيوة قلائد فضية عريضة مزخرفة برسوم الشمس والتمر والنخل والأسماك. أما الشَّعْر فتزينه قطعة من الفضة لها شكلُ الهلال، ثقيلة الوزن، يغطيها شال حريري له شرائط ملونة، تتدلى منه أطراف من الصوف المتعدد الألوان.

هذا الزي الأسود يكون للفرح، أما زي الحزن الذي يرتدى في مناسبات العزاء فيكون أبيض. وحين تخرج المرأة وحدها أو بصحبة ابنتها، لا يبين من الوجوه شيء.

اقتربنا من طفلة لا يتجاوز عمرُها العامين، ورفعنا عدسة التصوير نحوها، لكنها أسرعت بتغطية وجهها كفتاة كبيرة أو امرأة ناضجة. صبية أخرى تكاد تبلغ أعوامها الثلاثة أعلنت رفضها التصوير بالإنجليزية. وكأنهن ينشأن على نمطٍ وحيدٍ: لا لكشف الوجه، ونعم لاحترام التقاليد الحازمة.

على خطا الإسكندر الأكبر

كان الفتى الإسكندر قد ورث أمرين، إمبراطورية أبيه، وحلمه الخاص بمعرفة من قتل ذلك الأب المحارب فيليب ملك مقدونيا. وفي سنة 334 قبل الميلاد ترك الإسكندر (أنتيباتر) خلفه لحكم اليونان، وانطلق ليكمل مسيرة أبيه الفاتح، على رأس أسطول من 30 ألف فارس، وأسطول بحري من مائة وستين سفينة. وقد كانت موقعة إيسوس (في تركيا الحالية) سنة 333 ق.م، وانتصار الإسكندر على الملك الفارسي داريا، ودانت مدن الفينيقيين بالولاء للقائد الجديد، إلا مدينة صور (في لبنان) التي حوصرت 7 أشهر، ومدينة غزة (في فلسطين) التي كانت آخر محطاته قبل دخول مصر برًّا.

أظهر الإسكندر المقدوني احترامه للديانة المصرية، بل وأقام احتفالا أوليمبيا مزج فيه على الطريقة الإغريقية الرياضة بالدين والفن!

حين كان الإسكندر المقدوني يدرس وهو في الثالثة عشرة بمدرسة أرسطو، كانت هناك أنباء مثيرة عن كهنة آمون، وقدرتهم على قراءة التنبؤات. ومن هنا كان الفتى يبحث عن نبوءة خاصة: معرفة من قتل والده، وماذا سيكون مستقبل إمبراطوريته؟

ومثلما اتجهنا مع الفرع الغربي للنيل شمالا، في بداية رحلتنا، ترك الإسكندر المقدوني مدينة منف، واتجه شمالا بمحازاة النيل حتى وصل إلى البحر، وبمواجهة جزيرة فاروس قرر تأسيس مدينة الإسكندرية. ولم تتوافر كمية كافية من مادة الجير اللازم لتخطيط المدينة العملاقة التي ستصبح عاصمة جديدة، فاستخدم المهندسون الدقيق (أو القمح) المعد لمئونة الجنود!

ومثلما تركنا الإسكندرية إلى مرسى مطروح، اتجه الإسكندر المقدوني إلى هناك قبل 2340 سنة بالتمام والكمال. وقد هبت في رحلة الإسكندر المقدوني جنوبا إلى «واحة سيوة» عاصفة رملية، وازاها ما لقيناه في منتصف الطريق حيث يتم ترميم الطريق الإسفلتية، وتكاد الرؤية تنعدم بسبب الغبار المتطاير من أعمال الإنشاء. وحين نفد ماء الإسكندر المقدوني أمطرت السماء فملأ الجنود قربهم المائية. يقول الباحث محمد حسن «إن الإسكندر المقدوني لم يأتِ بجيش وإنما بفرقة من الأدلاء قوامها عشرون فقط». وحين ضللنا الطريق إلى المنتجع الذي نقصده على شفا بحر الرّمال قرب جبال التكرور، سألنا أهل سيوة، أما حين ضل الإسكندر المقدوني الطريق، فإن آمون أرسل له ولجمعه غرابين دلاهم على معبد الوحي.

أمام معبد الوحي

وصلنا إلى بوابة معبد الوحي، أو مركز المدينة عصر عبادة الإله آمون. من فوق الهضبة التي ترتفع ثلاثين مترًا، حيث أقيم المعبد على هيئة حدوة حصان، كنا نستطيع أن نشاهد الحزام الأخضر العريض الذي يمثل سياجًا لذلك الركن الديني. كانت قرى واحة آمون المتناثرات، لها مركز واحد هو الأكروبول، معبد الوحي، حيث نقف الآن، وكانت تحيط به، في تراتبية تعكس الطبقات بين الحاكم والمحكوم، فقد أحيط الأكروبول بثلاثة أقسام، أو أسوار، يسكن الأول الحكام، ويعيش في الثاني النساء والأطفال والأقارب والحرس، بينما يؤمِّن القسم الثالث الجنود ومنازل الحرس. وعلى مسافة صغيرة من الأكروبول كان هناك معبدٌ ثان لآمون، قرب ما كان يسمى بعين الشمس.

ومما يدل على استقلال «واحة سيوة» أو «واحة آمون» كما كانت تُسمى، وحصولها على نوع من «الحكم الذاتي قبل أكثر من 22 قرنًا، هو تصوير حاكم سيوة بصفة ودرجة موازية مع الفرعون أحمس الثاني، في مخالفة للقاعدة المتبعة في التصوير المعتاد لحكام الأقاليم في مصر، وباقي الواحات الأخرى، بأن يكون تصوير حاكم الإقليم أو الواحة، مثل الواحات البحرية، خلف الفرعون.

كنا نكادُ نسمع أغنية المصري القديم التي ترجمها سليم حسن: (يا آمون. أنت يا مُخرج القطعان في الصَّباح. ومرشِد المُتَألم إلى المرعى. وكما يقود الرَّعي إلى المرعى فأنت كذلك تفعل. يا آمون. خذ بزمام المُتألم إلى الطعام. لأن «آمون رع» يرعى من يتكل عليه. يا «آمون رع» إني أحبك وقد ملأت قلبي بك. وستنجيني من أفواه الناس في اليوم الذي يفترون فيه عليَّ الكذب. لأن رب الحق يعيش في الحق. وإني لن أستسلم للخوف الذي في قلبي. لأن ما قاله «آمون» يعلو ويزدهر).

في مديح العزلة

في اللحظات التي كان الجنون يصيب نهر النيل، بفيضان مُدَمِّر، لم يكن هناك من ملجأ لساكني الوادي سوى الهروب إلى الواحات. انتشرت تلك الواحات صغيرها وكبيرها في الصحراء المصرية من الشمال إلى الجنوب. من هنا، ومع الثورات غير المنقطعة للنهر الخالد، أصبح دور الواحات هو بناء المجتمعات. ومنذ عصور ما قبل التاريخ، اجتذبت الواحات هؤلاء الهاربين بحياتهم من غضب الطبيعة، مثلما استقبلت - كذلك - اللاجئين إليها لحمايتهم من غضب البشر، حين أصبحت الواحات مأمنًا لمن ضاق بالإرهاب الديني والسلطوي. هكذا امتلأت الواحات بخبرات متنوعة، وفرها القادمون إليها، فمنهم الفنانون، والحرفيون، والمعلمون، والمزارعون، وسواهم. وأصبحت الواحة نوعًا ما منفى سياسيا بعيدًا عن السلطة الحاكمة في وادي النيل، دون أن يعني ذلك أن تكون بلا فنون وآداب.

لكن الواحات التي كانت منعزلا، أصبحت نقطة جذب. هذه هي «واحة سيوة» مثالا، تعد نموذجًا فريدًا في أنها البقعة الوحيدة في مصر التي تحتاج إلى عمالة، وتختفي فيها البطالة! لذلك ستجد في قطاع كالسياحة ومجال كالتعليم كثيرين من الوافدين على الواحة المقيمين فيها. حتى أن المستثمرين الأجانب وجدوا طريقا ذهبيا في أراض تباع الفدادين فيها بمئات الجنيهات فقط.

الواحة التي كانت تغني عزلتها، ويمتدحها الأثريون، بدأت تغير طباعها لتلائم الوافدين الجدد، وبدأ التراث يتحول من عادات وتقاليد إلى فلكلور. صحيح أن الأمر في أوله، ولكن لا ننسى أن عجلة الزمن كفيلة بأن تسيء إلى تلك الخصوصية مثلما أساءت إلى بقاع سواها.

رَوى لنا أحد السيويين قصة طريفة وقعت قبل وصْل «واحة سيوة» بطريق مطروح الحالي، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. كان الرَّاوي قد نجح في المرحلة الابتدائية، ويستعد للانتقال إلى المرحلة الإعدادية، وأن يترك ارتداء «مريلة» المدرسة الابتدائية، ليرتدي «قميصًا وسروالا» خاصين بالمرحلة التعليمية التالية، ولكن «واحة سيوة» لم يكن بها من يبيع الزي المدرسي الإعدادي، وكان أن انطلق مع صحبه، وسائق، إلى مطروح. كان الليل يأتي فينام الجميع في السيارة، على ربوة عالية، وعند الفجر يبدأ التحرك، وقد اكتشف السائق أكثر من مرة أنه يخطئ الاتجاه، ويعود مرة أخرى من حيث أتى، مما جعل الرَّكب يستغرق في رحلة البحث عن زيٍّ مدرسي ثلاثة أيام.

لكن الراوي يمتدح تلك العزلة التي منحت «واحة سيوة» خصوصيتها، في العمارة حينا، والتقاليد حينا، واللسان أو اللغة حينا آخر.

اللغة السيوية تحتاجُ إلى معجم وممارسة لفهمها، وإذا كانت رحلة التجارة قد جعلت من «واحة سيوة» مركزًا لعبور البربر ولغتهم الأمازيغية، في المغرب والجزائر وليبيا، فإن هناك تأثيرات أخرى أنجبت معًا لغة شفهية غير مدونة لأهالي «واحة سيوة». تقول أغنية سيوية:

«َمَاسْ يا عيني لاجلسياما أتادم توحل تخلض
كان شك منحاق أنوكان لا طاوعه دأقيماط ددي»

ومعناها:

«قُل لعينيَّ: لا تبكِ يا ما أناس غيرك أحبت
فلو أنك يا حبيبي، عاشقي حقا ما كنت قد بعدتَ عني».

في مكان ما، قد تستمع للسيوي يحدثك بالعامية التي تفهمها، ثم يحدث جاره باللهجة السيوية، ويمرُّ أجنبي فيخاطبه بلغته، وهو يتنقل بين اللغات بيسر، مثل سحابة تعبر الواحة. قد تسمعُ جرسًا عربيا للكلمات، لكن ذلك للهجة قائلها. ومن الطريف أن نمرَّ ببعض المفردات.

ومن قاموس السيوية: أمان (ماء)، آخصوم (لحم)، آجبن (بيت)، آخوبي (صبي)، نيتا (هو)، آزمور (زيتون)، تيني (تمر)، جافلاخ (اذهب)، هيد (يأتي)، ماشي (نعم)، أولا (لا)، فِلْ (يذهب)، شيخ (أنت)!

ونختتم بالشنة والرنة!

فكثيرًا ما نسمع تمجيدًا لشخص أنه له شنة ورنة. وفي سيوة تدرك المعنى، فالشنة هي غطاء رأس يرتديه ذوو المكانة، والرنة صوت عصاه يدق بقوة تعبيرًا عن سلطته ونفوذه.

كان الليل يقتربُ وأنت تكاد تسمع لكل رجل في «واحة سيوة» شنة ورنة. فملامح الوجوه تحكي أكثر مما يبوح به التاريخ، ومسامع اللهجة تروي أفضل مما تفسره الوثائق. وهي تقول إن الواحة كانت أكثر من مجرد طريق، وأفضل من أن تكون معبرًا، وأهم من أن تكون مقصدًا فقط. وإذا كانت في الأمس واحة مقدسة بفضل ما كان يُروَى عن كهنة آمون، فإنها اليوم أكثر قدسية بفضل العمل الدءوب الذي يقوم على قدم وساق، لمستقبل جديد، تتحول فيه نبوءات الأساطير، إلى حقائق الحياة.

----------------------------------

صورة بالقمر الاصطناعي للصحراء الغربية في مصر حيث تقع «واحة سيوة». الخلاف على نشأة هذه الواحات محتدم بين العلماء، حيث لا يوجد ممر يربطها بالبحر. ومن ثم فكَّروا أنها نشأت بفضل حركة الرِّياح. ولكن مع التأكيد على دور الرِّياح، والجَزْم بأن تياراتها هي التي أعطت في «واحة سيوة» شكلها الحالي، فإن الحفريات تؤكد نشأة الواحة من قلب البحر المتوسط قبل 40 مليون سنة، لتصعد كجزيرة، مع انسحاب البحر إلى حيث يوجد الآن، بعد أن ترك صخوره وحفرياته لتدعم الجزيرة المتكونة. وقد أصبح سطح الصحراء الغربية ـ كله ـ مثل سطح مستو، مثل سرير عملاق من الحجر الكلسي الجيري. ومع عوامل التعرية عبر السنين، وتخلل المطر أجزاء السطح الجيري، بدأ تكوين الكهوف والقنوات التي تعبر تحت سطح الصحراء وقلب الواحات.


ينتشر ركوب الدراجات بين السياح بدرجة كبيرة، وفي ظل الشجر توجد مواقف للدراجات التي يستأجرها السائح للتجوال في الواحة بحرّية، فوق الطرق الترابية وبين مزارع النخيل. فضلا عن تنظيم رحلات السفاري بسيارات الدفع الرباعي.


في المدينة الملحية، غير المأهولة، وعلى باب المدينة مسجد من الملح، عرفناه بالرغم من أنه بلا مئذنة، لسبب يسير: لا يزال المحراب قائمًا، مدينة فريدة تستحق أن تضم إلى قائمة تراث الإنسانية الذي تسجله اليونسكو، من أجل الحفاظ عليه للأجيال القادمة، لأنها تضم ـ رُبَّما ـ أقدم عاصرة زيتون في مصر، وهي التي وهبت المدينة اسمها؛ «الزيتونة»!


تقع «واحة سيوة» أسفل سطح البحر بنحو 65 قدمًا، ويقال إن بها 300 عين ماء، وربع مليون شجرة نخيل. ومما يروى في الأساطير عن خصب أراضيها أن شجرة برتقال واحدة أثمرت 14 ألف برتقالة! ويُزرعُ في «واحة سيوة» أيضا الزيتون والتين والمشمش والرُّمان والعنب والشمام. في كل منزل فرصة أن تنبع عين تفيض مياها عذبة!


في يوم زفافها، ترتدي العروس السيوية سبع طبقاتٍ من الثياب. يمثل الرّقم سبعة فألا حسنًا، وهذه الأثواب السبعة تسمح للعروس بأن ترتدي كل يوم من أيام أول أسبوع لزواجها ثوبًا مختلفا. ويكون الثوب الأقرب للجسد شافًّا أبيض اللون، أما الثاني فيكون خفيفا قماشه أحمر، والثالث أسود، والرَّابع أصفر، والخامس أزرق، والسادس من الحرير الأحمر، والأخير من الحرير الأخضر! ويحتفظ متحف البيت السيوي بنماذج من هذه الثياب والحلي وأدوات بيتية انقرض استخدامها...... الصورة لسيدة متزوجة لا يبين منها شيء


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




تستعد العروس لاحقا لارتداء ثوب الزفاف الأسود التقليدي، المطرز بكثافة، بتصميمات هندسية ملونة حول العنق، وكثير من الأزرار والأصداف، مع رسم عيون شمسية دقيقة لطرد عيون الشر. أما الشَّعْر فتزينه قطعة من الفضة لها شكلُ الهلال، ثقيلة الوزن، يغطيها شال حريري له شرائط ملونة، تتدلى منه أطراف من الصوف المتعدد الألوان.


حين كان الإسكندر المقدوني يدرس وهو في سن الثالثة عشرة بمدرسة أرسطو، كانت هناك أنباء مثيرة عن كهنة آمون، القاطنين في واحة سيوة، وقدرتهم على قراءة التنبؤات. ومن هنا كان الفتى يبحث عن نبوءة خاصة: معرفة من قتل والده، وماذا سيكون مستقبل إمبراطوريته؟ ترك الإسكندر المقدوني مدينة منف، واتجه شمالا بمحازاة النيل حتى وصل إلى البحر، وبمواجهة جزيرة فاروس قرر تأسيس مدينة الإسكندرية. ومثلما تركنا الإسكندرية إلى مرسى مطروح، اتجه الإسكندر المقدوني إلى هناك قبل 2340 سنة بالتمام والكمال. حيث تم تتويجه في معبد الوحي، والصور للإسكندر متوجًا ولعملتين من زمانه، ولبقايا معبد الوحي أو التنبؤات في سيوة، الذي بني في عصر أمازيس (الأسرة السادسة والعشرون)، وقد بنى الأهالي فوق أجزاء منه بيوتهم! وهو يقع شرق سيوة بنحو 3 كلم، على صخرة تسمى أجورمي.


تنتشر في «واحة سيوة» مصانع التمور، ومعظم العاملين التسعين في أحدها من الفتيات، وينتج هذا المصنع نوعين من التمور؛ الصعيدي والفريحي. ومن أشهر التمور في «واحة سيوة» الأبيض واسمه الكواك، والأحمر ويُدعى غزالي، وألذها جميعًا وأرقها في الآن نفسه الثيوه! نادرًا ما تسمع عن مكان في مصر يحتاج إلى أيدٍ عاملة أكثر مما يوفرها العرض المحلي، هذه هي سيوة، واحة بلا بطالة، وفي كثير من المهن يعمل قاهريون وسكندريون وسكان من جنوب مصر. ومن المهن التي تستخدم منتجات النخيل ما يستخدم في الزينة أو الأغراض اليومية.


الباحث عبد العزيز الدميري المسئول عن مخزن أحمد فخري المتحفي، التابع للمجلس الأعلى للآثار بوزارة الثقافة المصرية، حيث توضع اللقى الأثرية حتى يتم عرضها, يقول إن أصل سكان الصحراء الغربية - حيث تقع واحة سيوة - هما عنصران من العناصر التي تهاجم مصر من الغرب، عرفا في الأدبيات التاريخية بالتحنو والتمحو، كما جاء في نقش يرجع لعصر الملك العقرب، في عصر ما قبل الأسرات. وخلال عصر الأسرة الثامنة عشرة ذكر اسم التحنو ضمن الشعوب التسعة التي نقشت أسماؤها على قاعدة عرش الملك أمنحتب الثاني، ثم عرفت عدة أسماء للشعوب الساكنة في سيوة وحلوها، منها: التحنو، التمحو، الليبو، الريبو، الأمونيوم، المازاكس، لواتة. وفي العصور المتأخرة، أشار ابن خلدون إلى قبيلة زناتة، التي تسكن مناطق في شمال إفريقيا وتحكي البربرية، وهي قد تكون قبيلة ظناين الحالية بسيوة، ويذكر مخطوط سيوة أن هناك 40 رجلا بنوا شالي - سيوة القديمة - وقد قسم هؤلاء أنفسهم بعد التناسل والتكاثر إلى قبائل عدة، ومما يرد لدى هيرودوت: يتكلم أهالي واحة آمون بلسان بعضه مصري، والبعض الآخر أتيوبي! الصورة للباحث، والمخزن المتحفي، وواجهة من معبد آمون بأم عبيدة، الذي يعود تاريخه إلى الأسرة الثلاثين، وبانيه نختابو الثاني، وجداره الباقي الوحيد يحمل نقوشا لبعض الطقوس الدينية.


أشرف أبو اليزيد


قديم 01-08-2012, 04:15 AM
المشاركة 2
عبدالأمير البكاء
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
ما هذه الروعة يا أستاذتنا الرائعة ريم بدر الدين

لقد غفلنا أو تغافلنا عن جواهر أرضنا المعطاء فلم نكتشفها بعد، ربما صرنا ننتظر

الغزاة كي يكتشفونا وأرضنا ، فينعموا بما لنا ، ونحن لا نملك الا جوعنا وعرينا

دمتِ مبدعة يا أختنا حتى في نقل الروائع








ن

قديم 01-10-2012, 01:17 PM
المشاركة 3
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ما هذه الروعة يا أستاذتنا الرائعة ريم بدر الدين

لقد غفلنا أو تغافلنا عن جواهر أرضنا المعطاء فلم نكتشفها بعد، ربما صرنا ننتظر

الغزاة كي يكتشفونا وأرضنا ، فينعموا بما لنا ، ونحن لا نملك الا جوعنا وعرينا

دمتِ مبدعة يا أختنا حتى في نقل الروائع



ن
مساء الورد
أستاذي الكريم عبد الأمير البكاء
سعيدة أن الاستطلاع الذي اخترته نال استحسانك
و لعلي أوجه عناية القراء إلى أن كل استطلاع مصور تنشره مجلة العربي الكويتية في كل عدد هو بمثابة كنز ثقافي رائع
شكرا أنك كنت هنا
تحيتي لك


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: سيوة الواحة المقدسة / استطلاع مصور
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
استطلاع مصور عن مدينة السويداء / ريم بدر الدين بزال ريم بدر الدين منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 7 12-05-2014 11:18 AM
الفلبين حضارة مظلومة .. استطلاع صحفي مصور ريم بدر الدين منبر مختارات من الشتات. 17 11-26-2012 08:57 AM
الواجب لحسن ملواني منبر القصص والروايات والمسرح . 2 08-19-2012 02:53 PM
الواحة ..(ق. ق. ج) ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 6 10-26-2011 11:32 AM

الساعة الآن 06:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.