احصائيات

الردود
0

المشاهدات
1872
 
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي

محمد عبدالرازق عمران is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
850

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jul 2011

الاقامة
البيضاء / ليبيا

رقم العضوية
10226
11-23-2011, 01:04 AM
المشاركة 1
11-23-2011, 01:04 AM
المشاركة 1
Smile غدا يوم آخر
( غدا يوم آخر )
[justify]أحبها كما لو أنه لم يحبّ قط .. منحها عصارة روحه وقلبه ، ومنح للعقل راحته في مجال الثّقة المطلقة .. قدّمها لأصدقائه ولأقربائه كسيدة للمجتمع من طراز رفيع ، أرادها أنثى مميزة وأما لأزمنة الحبّ القادم من وراء الأحلام ، فتح لها آفاق التعامل العنصري مع الحاسوب وشبكة المعلومات ومنحها حرّية القيادة لحياته مع تفرغه للمعرفة والأدب والكسب المباح .. إلاّ أنّ درجات تفهم الحضارة تختلف من إنسان لآخر .
كانت الصدمة الحضارية أكبر من أن تتحملها هذه القادمة من سهوب القرية وجبالها المكللة بالزعتر والبلوط والثلج .. أرادت المال سريعا دون أن تمنح نفسها أدنى درجة للالتفات إلى طفلتها الوحيدة والتي شغل بها الأب في الحضانة والبيت معا .. تعددت الوجوه أمامها ، فسقطت تحت وطأة الإبهار حيث الضابط العجوز المتقاعد المتصابي .. جبان هارب من عوالم زوجته الطيّبة إلى جنّة صديقة وقريبة ، المحرّمة عليه والتي أوكلت له كأمانة ، ما رعاها حق رعايتها .. انجرفت وراءه كما لو أنها فراشة ضالّة ، انخدعت بلهيب شمعة آيلة للانطفاء فأحرقت جناحيها ولم تعد تقوى على الطيران .. تمنّعت على زوجها بحجج الإرهاق والعمل والمرض ، طلب منها ترك العمل والتفرغ للبيت طالما أنّ مرتبه يكفي لقطع مشوار الحياة في مدينة الصّخب .. استفزها هذا الطلب وصرخت في وجهه : لن يحدث هذا الأمر إلاّ في بيت أكثر اتساعا من هذه الشّقة البائسة .. اتجه كعادته للصلاة مزودا بالصمت ، وبالغضب المباح في كثير من الأحيان .. اتسعت الهوة بينهما ، وكانت الطفلة شاهدة على الانهيار وتشظي المشاعر .. قال لها : علينا أن نفترق ؛ فالثقة بدأت في الانسحاب ، وذاتك مازالت تائهة في مدارات الآخرين .. قالت له : عدّت لهذيانك وأوهامك .. إذا بماذا تفسرين هروبك مني وبتصرفات غرائبية .. بل وحضورك مع ذلك العجوز المتقاعد ؟ .. إنّه ربّ العمل ، وهو رجل طيب .. يزكي .. ويصلي !!
قال في نفسه : هكذا هي ضربة النصّابين .. باسم الإنسانية يتم ذبح الضحايا ، ثمّ استطرد قائلا : هنالك من يسميه بالضابط الجّبان لأنّه لا يملك قرارا حازما للمواجهة، ويجيد لعبة الهروب ، أيضا لست مرتاحا لبرودك وهروبك من وطأة عيني ، ثمّ إنّه الحشرة الطفيلية التي دخلت مجالنا الحيوي وأخذت تأكل من أفكارنا وأعصابنا معا لذا اتركي هذا العمل المقزّز الذي يحيلك إلى مجرد سكرتيرة تنتزع منها كرامة الأمومة .. مستحيل ! إذا لابدّ من حلّ لهذه المعضلة ؛ ولا يتم ذلك إلاّ بالانفصال .. أعطني مهلة حتى نباشر إجراءات الطلاق ، والمحرج مع النّاس أن نكون في ذات الوضع .. حسنا كم المدة التي تحتاجين لنصل إلى اتفاق مريح ؟! هذا الشهر .. بعده يكون الأمر مباشرة .. مرّت شهور ثلاثة والهوة تتسع والاختيار لديها بدأ يكبر ويأخذ شكل اختيار أصدقائه المقربين .. عرضت على أحدهم الزّواج بشرط قبول ابنتها معها فهرب منها إلى غيرها قائلا : إذا لم يكن بها الخير لزوجها فلا يكن فيها لأحد .. جاءه النبأ ، فأنتقم لكرامته بممارسة العنف معها ، دخل الدّوامة بصمت وقهر ؛ فجنّ جنونه ، وقرر الطلاق ، ولعن الحضارة والمدنية وتركها في بيت أهلها وغاب في الصحراء معتكفا بحزن ، لكنّه أسلم أمره للسماء .. في المحكمة سقطت دمعة من مقلتيها .. ارتجف قلبه لمشهد ، أراد أن ينهض من مكانه ويلغي مشروع الطلاق ، لكنه تذكر أن لا شئ حسن دائما يأتي منها ، جمد في مكانه وبقلب ينزف من وطأة الحدث .. وقع الطلاق بكثير من الأسى ، وكثير من الإحساس الرّهيب .. عام من الصّمت .. وعام من الحزن واللانوم مرّا عليه .. فيما هي سقطت أقنعتها التي ارتدتها خلال السّنوات السّبع ، وأكلها النّدم إلى حدّ التسكع على أرصفة الزّمن البارد ، وتمنت على نفسها عودة الأيام الطيّبة ، لباكورة السنوات الأولى من زواجها الأسطوري الدّافئ ، تذكرت الفنادق والمصايف والرحلات وبذخ الأيّام ، ولكن هيهات .. هيهات ، حمل على كاهله قدره وقضاءه ومضى وحيدا بعيدا ن يحلم بلحظة أرقى وأنضج .. لعن المال وأصحاب الشّركات الفاسدة ، لعن ذاته وقبّل رأس أمه التي قاطعها بلا سبب سوى أنّ السيدة استدرجته لقطع التواصل بين المدينة والقرية ، ففـــقدت بذلك تاج رأسها الحقيقي ؛ وهو العائلة .. لعن كلّ شئ .. وجلس قبالة البحر يرمي الحصى في الماء ، وكلما تشكلت دائرة كان يرى وجهها فيها ، بكى كثيرا وكثيرا ، بكى على أزمنة الحبّ الضائعة ، كان طلاقها قائما على الورق ، لكنها تسكن أعماقه ؛ اتضح له أنّها لا زالت ساكنة فيه ولم يطلقها بعد .. انتفض حبها في قلبه من جديد ، اجتاحته بوجهها البدريّ وبعينيها الواسعتين ؛ لكنّه اكتشف أنّه تأخر كثيرا .. سأل عنها ، قالوا له : خطبت لضابط عجوز متقاعد يسكن عاصمة الضّجيج ؛ ضحك كثيرا .. وضحك !! .. اللّعنة .. كم كنت طيبا ومغفلا في آن ؛ ولكن غدا يوم آخر .. وتذكر حكمة أبيه .. الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويه . [/justify]
( آلاء محمد / ليبيا )


* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:58 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.