احصائيات

الردود
11

المشاهدات
7030
 
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية

ريما ريماوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
801

+التقييم
0.17

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
الأردن.

رقم العضوية
10476
10-15-2011, 12:02 PM
المشاركة 1
10-15-2011, 12:02 PM
المشاركة 1
افتراضي وصية المليونير.. بقلم: ريما ريماوي
بسم الله الرحمن الرحيم،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

أهلا وسهلا بكم أيها الأعزاء،،

قصة "وصية المليونير" مبنيّة على حكاية روتها لي المرحومة والدتي وأنا صغيرة، وأعدت كتابتها حسب تصوري الخاص.
وتحتوي الكوميديا والدراما والخفة والطرافة، والعبرة أيضا. تتميز بالهاءات الثلاثة
"هادئة، هادية، وهادفة".

الشخصيّات:
رقيّة : متسلطة تكره الخدم، العمر 40 سنة.
نانسي : الحسناء/ هاوية عمليات التجميل، العمر 30 سنة.
عماد : المراهق الشاب/ في دار العجزة، العمر 18 سنة.
ماهر : العالم الذكي الجبان/ في السجن، العمر 33 سنة.
وسيم : الشاب الوسيم النسونجي/ والزواج، العمر 31 سنة.
فراس : مخدوم رقية، العمر 45 سنة.
محمود : السائق وزوج نانسي، العمر 36 سنة.
العم كريم : العجوز صديق عماد، العمر 80 سنة.
الشيخ صالح: زميل ماهر في السجن، العمر مجهول؟!
سحر : حبيبة وسيم، العمر 23 سنة.


** يتبع **


قديم 10-15-2011, 12:09 PM
المشاركة 2
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
وصية المليونير 2/8

بدأت الأحداث في بلد ما من العالم؛

داخل غرفة النوم الرئيسية لقصر فخم، يستلقي رجل عجوز يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقد تجمع حوله عدد من الأقارب يجهشون بالبكاء. في لحظة أن أسلم فيها الروح ساد صمت ثقيل غريب. وساد الجوّ شعور بارتياح عام لوفاة قريبهم المليونير "عدنان" الذي كان بخيلا، ولم يساهم معهم إلا بنزر يسير من ثروته الضخمة، وحانت فرصتهم للتمتع بثروته.

في اليوم التالي بعد تشييع جثمانه مباشرة، اجتمع بهم محامي العم في غرفة مكتب القصر الفخم، من أجل تلاوة الوصية.

قام بعرض فيلم "فيديو" يظهر فيه العم عدنان، وكان يتمتع بصحته.

ظهر وقهقهته المكروهة، قال:

- أهلا بكم أقربائي. أعرف أنّكم فرحون برحيلي، وحانت فرصتكم للاستمتاع بثروتي، سوف أوزّعها عليكم بالتساوي، لكن عليكم تنفيذ وصيّتي أوّلا، وستنالون نصيبكم بعد سنة من الآن. وإليكم شروطي:

أولا فلنبدأ بأكبركم "رقيّة" :

- عليكِ العمل في خدمة البيوت يوميا.. لمدة ستة أشهر، توجد شهادة توصية مع المحامي لهذا الأمر.

وأنهى حديثه بضحكة زلزلت كيانها التي استشاطت غضبا، وكان المحامي حازما وهو يوضّح لها أنها لن ترث عمّها إن لم تنصع لشرطه، فاستسلمت صاغرة.


تابع المحامي العرض، ليكمل العم من خلال الشاشة:

- ثانيا "نانسي" الجميلة:

عليك يا عزيزتي الزواج فورا من سائقي "محمود"، مع حفل زفاف وإشهار. ويجب أن تعيشي معه، قبل حصولك على نصيبك.

تنهّدت نانسي برقة، تخمّن:

"يا لعمي الغبي؟ أنا الفاتنة أتزوّج الصعلوك؟ وقد رفضتُ رجالا من عليّة القوم يتفوقون بكل شيء."

لكنّ ضعفها أمام عمليات التجميل، وحاجتها الماسّة للمال من أجل شفط دهون ساقيها, جعلها ترضخ ، رغم كشرتها الواضحة فبدت كالقطة بأناملها وهي تطرقها بعصبية على الطاولة أمامها، وتلألأت أظافرها المدرمة الطويلة المطليّة. لم يفتها أن نظرات نظرات الإستهزاء والشماتة الممتزجة بالرضا الصادرة عن ذاك الانسان البدائيّ الجالس بينهم، الآن فقط فهمت سبب حضوره الجلسة معهم.

-ثالثا "ماهر":

ماهر الذكي أما أنت فعليك القيام بجنحة تؤدي بك إلى الحبس لمدة أسبوع واحد على الأقل، أعرف أنك رعديد لا ترضى على نفسك ذلك، لكن هذه رغبتي كي ترث مني.

لم يكد عدنان ينهي كلامه وإذ بماهر يسقط على الطاولة مغشيا عليه، ركضوا يرشّونه بالماء البارد فاستعاد وعيه، مصفرّا خوفا. هو هزيل وجبان، لكنه ملتزم لم يخالف القانون ولا حتى مخالفة سير.

رابعا "عماد":

أردف المرحوم من خلال الشاشة:
- عماد حفيد ابن عمي العزيز، عليك العمل في ملجأ للعجزة لمدة ستة أشهر كاملة.
فتوقّد وجه عماد غضبا، وخرج صافقا باب المكتب بعنف ارتجّت له القاعة، يتمتم ساخطا: "لكم يكرهني هذا الحقير، هو يعلم مدى اشمئزازي من العجزة وضعفهم. من المؤكد يرغب بالانتقام فأنا لم أزره في المشفى."

لكنه هدّأ نفسه، وعاد وجلس مومئا للمحامي معلنا موافقته، هو الأشدّ حاجة للمال من أجل تأمين عيشه.

تابع المحامي العرض. وأردف الراحل:

- خامسا "وسيم":

أخيرا وسيم ابن ابنة عمتي العزيزة سارة، هل تدري أنّنا كنا مغرميْن، لكن شغلتُ عنها بالعمل وتكوين ثروتي، لم تفتها مغامراتي مع الحسناوات حولي، فتزوجت يائسة قبل أن يفوتها القطار، وأنجبتك، لا أخفيك أنني ندمتُ على خسرانها للأبد.

المطلوب منك إيجاد شريكة لحياتك والزواج منها مع البقاء معا ستة أشهرعلى الأقل لكي تحظ بنصيبك.

اكتفى "وسيم" بالابتسام موافقا، ومشاعر الحيرة تطفو فوق وجهه الوسيم البهيّ الطلعة، الزواج لم يكن واردا، على الرغم من تجاوزه الثلاثين عاما.

ثم ختم العم وصيته بتوريث خمسة عشر ألف دولار لكل من سائقه، وخادمه العجوز المطيع الموجود مع الحضور أيضا، على أن تدفع لهما مباشرة عدّا ونقدا دون قيد.. أو تأخير.

شارديِن انصرفوا دون أن يودعوا بعضهم بعضا، وكل يفكر في كيفية تنفيذ شرط العم القاسي، وتعاظم شعورهم بالحقد عليه.



** يتبع **

قديم 10-15-2011, 12:18 PM
المشاركة 3
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
تنفيذ الوصية 3/8


رقيّة الخادمة

رقيّة في الأربعين من عمرها، تزوجت وترمّلت بسرعة، قبل عقدين من الزمن. كانت سليطة اللسان، تقسو على الخدم وتطردهم دون رأفة أو شفقة.

بغضت عمها لرغبته في امتهان كرامتها بمزاولة هذا العمل الحقير برأيها. وهو يعلم تماما قرب نضوب الثروة التي تركها زوجها الراحل.

من خلال الجريدة وجدت عملا كمرافقة سيّدة مريضة، وكان عليها الاعتناء بها ونظافتها وطعامها، بالإضافة إلى أعمال منزلها الصغير. كان أول يوم عمل شاقّا إذ كان بيت المقعدة مهملا، وكانت متطلّبة نزقة، لم تسمح لها بالراحة. عادت مساء إلى البيت متألمة، تنزّ أصابعها دما. بسرعة غرقت في فراشها الوثير، غفت وأهدابها تغرقها دمعات حرّى.

تعوّدت على خدمة السيّدة منذ الصباح الباكر وحتى تضعها في فراشها بعد العشاء، ثمّ تعود إلى بيتها وقد استنزفها التعب، يرافقها شعور الذّل، فالمرأة لم ترحمها.

بعد مضي أسبوع، تأخّرت على المريضة بعد تأخرها في النوم، وجدت ابنتها الغاضبة في انتظارها، وبدأت تلومها على تأخّر حالة أمّها واتهمتها أنها السبب لسوء خدمتها لها. ثم طردتها شرّ طردة، ولم تبال في أن تدفع لها أجرتها.

عادت إلى بيتها حزينة، ولم تستطع مغالبة دموعها فبكت كما لم تبكِ سابقا.
لمّا هدأت، طلبت من الخادمة الفليبينية عمل مساج لها، وكانت في حاجة إلى تدليل نفسها.
بعدها استراحت، وأصبح التدليك ضمن مهام الخادمة الأسبوعية.

أثناء التدليك أخذت تصغي لخادمتها تخبرها عن أسرار الجيران التي تسمعها من الخادمات الأخريات. وعليه لم يعودوا مجرد ظلال تتحرك، بل ناس يعانون ويحبون ويخونون، يسعدون ويتعسون.

ذات مرة انعكست الأدوار، لمّا مرضت خادمتها. بعدها أصبحت بمثابة المرافقة الخاصة لها. وازدادت أواصر المحبة والألفة بينهما.

ولم تعد تتأنّف عن الأعمال المنزليّة، بل بدأت تتعلّم من خادمتها. بدورها درّبتها على اختصار خطوات العمل ممّا سرّع الإنجاز. وأصبحتا رفيقيتين.

بعد شهرين وجدت إعلانا يطلب مدبرة منزل. عملت اللازم وذهبت في موعد اللقاء، إلى عنوان البيت، ولم يكن بعيدا جدّا عن مكان سكنها.

قابلت هناك السيد "فراس" وأخته، وكانا في خريف العمر، وفي غاية الطيبة واللطف، شرحا وضعهما، وفهمت من المرأة أنّها فضّلت البقاء من غير زواج مثل أخيها لرعاية إخوانهما الصغار. بعد استلام فراس مصلحة العائلة مبكرا، فتح الله عليه في رزقه وتوسعت تجارته في بيع الأقمشة. وحاليّا هما يعيشان بمفردهما بعد أن نضج الأولاد وهاجروا.

بسبب مرض الأخت هما بحاجة إلى مدبرة للمنزل. وتمّ الاتّفاق، باشرت العمل وكانت في كامل الكفاءة، فأحسنا معاملتها وكأنها فرد من العائلة.

لم يفت السيد "فراس" الانتباه لبشرتها ويديها الناعمتين، وفهم أنها ابنة نعمة جارت عليها الأيّام، سمح لها بالجلوس معهما على مائدة الطعام، لمّا رآها تتقن آداب المائدة تأكّد له رقيّها.

بدأ شعور غريب يراوده في حضرتها، يحسّ نبضات قلبه ترتفع تجاهها كأنه مراهق صغير.

حلّ يوم الراتب فأجزل لها العطاء، انصرفت تكاد الطّيران فرحا، هذا أول أجر تتقاضاه من عرق جبينها.

لم تنتبه وهي عائدة إلى البيت إلى أن "فراس" يلاحقها لرغبته في معرفة مكان سكنها.
استغرب دخولها إحدى العمارات الفخمة في حيّ راق، وتحيّة الحارس لها كأنّها ملكة.
اقترب منه مادّا يده يصافحه، ودسّ بيده ورقة مالية من الفئات الكبيرة، وسأله عنها،
فتبسّم الحارس وقال:


- نعم، إنّها السيدة رقيّة، شقتها في الدور واسعة وشرحة.
اتّسعت عيناه دهشة، متسائلا عن سرّها رغم يسر حالها.

كاد أن يطرق عليها الباب ليستوضحها عن الأمر، لكنه تراجع، مفضّلا الانتظار
حتى تبوح من تلقاء نفسها. وتنفّس الصعداء عندما علم أنه لا يوجد شريك لحياتها.

توثّقت أواصر الألفة مع "فراس"، خصوصا أن أخته كانت تمضي معظم وقتها نائمة.
وأصبحت "رقيّة" النزقة، شخصيّة أخرى محبة وحنونة. لم تتكاسل عن الخدمة،
وتعوّد فراس المائل للسمنة على الأطاييب التي تعدها له.

طلب منها أن تدعوه باسمه دون سبقه بسيّد. أصبحت عند إشراقة كل صباح، تطير طيرانا إلى منزل مخدومها العزيز. تسعد بقربه، تزاول أعمالها في المطبخ، وتفرح عندما يساعدها في تحضير الطعام. أو تجفيف الأواني، تلامس الأيادي شعور خاص. وعادت الحياة تدبّ فيهما من جديد.

ذات يوم صارحته بأمر زوجها، ووفاته المبكّرة، وشرحت عن شعورها بالخذلان لكونه تركها وحيدة تصارع الحياة. بكل مشاعر الحرمان التي عاشها طيلة عمره، احتضنها بقوّة، قائلا:

- أنتهت وحدتك عزيزتي، وأنا أيضا عانيت الوحدة وكافحت من أجل إخوتي الصغار،
وأصبح من حقي السعادة والتقاعد بعد ازدهار المحل، أريدك أنت رقية العزيزة
شريكة لحياتي، وإن قبلت بي زوجا سأصبح أسعد إنسان في الدنيا. وأردف:

- أعلم غاليتي أنّك تخفين سرا، أنا أعرف مكان سكنك لكن هذا لا يهمني، أنت،
كما أنت الآن التي أهتم بها، بل أحبّها وحياتي صارت لها وملكها. بين فرح ودموع
أخبرته عن وصيّة عمها، ورضيت به زوجا.

ها هما في خريف العمر يعيشان ربيع الحب، بكل ما فيه من أمل بمستقبل واعد.
من قال إنّ الحبّ لا يهزم العمر وثقل السنين؟!

** يتبع **

قديم 10-15-2011, 12:21 PM
المشاركة 4
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
نانسي والسائق 4/8

نانسي في حدود الثلاثين، هاجسها الجمال والتجميل وعليه صرفت المال الكثير، وقامت بإجراء عدد كبير من عمليات التجميل شفط ونفخ وقص ولصق حتى وصلت الأمور للنحت كذلك.. فصارت من أجمل النساء لكن بلا روح كلعبة الجبس، لم تكتفِ بعد وتعتقد أنّها ما زالت بحاجة إلى عملية جديدة وربّما عمليات، لا يتوقّف الأمر معها، والكمال لله.


استيقظت في اليوم التالي على رنين جرس الباب مستمر، شتمت البائع المتجوّل في سرّها، لم تفكّر في غيره إذ لم تتعوّد استقبال ضيوف في مثل هذه الساعة المبكّرة.

تمطّت في فراشها قطة كسولة آملة أن ينصرف الزائر العنيد. لكن لا فائدة، عليها أن ترى من بالباب، وضعت على نفسها "روبا" يغطي غلالة النوم الرقيقة القصيرة التي ترتديها، وفتحت للزائر متذمّرة، السائق محمود الذي اقتحم عليها الشقّة قبل أن تأذن له، وأزاحها بكتفه من أمامه وكاد أن يطيّرها دون أن يبالي..

داهمها شعور بالغثيان إثر مروره، من رائحة عطره الرخيص النفّاذ، فكّرت:
"لعلّه سكب على نفسه القارورة كاملة."
أسرعت إلى النافذة تفتحها فيدخل الهواء النقي، انفتح روبها يكشف عن ساقين مرمرتين رائعتين، يستغرب من يراهما عن ماهيّة العملية التي تحتاجها لتجميلهما.

عندما استدارت وجدته يلتهمها بنظراته، فاجتاحها شعور بعدم الارتياح، وشدت رداءها بإحكام عليها، مع هذا استطاعت نظراته الماجنة النّفاذ من خلال ثيابها الخفيفة.


السائق محمود، رجل في السادسة والثلاثين من العمر، يتمتّع بجسم رياضيّ مشدود، طويل القامة عريض المنكبين لا تنقصه الوسامة. وقد ترمل منذ سنتين، وتركت له زوجته ثلاثة أولاد ذكور تتراوح أعمارهم ما بين أربع وعشر سنوات.

قال لها بصوته الجهوريّ الواثق:
-أنت تعرفين أن زوجتي رحلت نتيجة مضاعفات الولادة، للحقيقة فرحت بوصية المرحوم، آن الأوان لأمّ جديدة تعتني بأولادي وترعاهم، وتهتم بي ومتطلباتي كرجل.

انقبض قلبها، لكنّها تركته يتحدّث عن التجهيز للعرس، وسرحت عنه ولم تعد تصغي لحديثه.

هي تكره الأطفال، لا تتصوّر نفسها معهم أو مسؤولة عنهم، إلّا أنها تحب الجمال والتجميل ولهذا تحتاج المال الوفير.

استفاقت من شرودها، على سؤاله عن قائمة أصدقائها التي ترغب بدعوتهم لحفل زفافهما:
"ماذا؟! " تشنجت وهي ترفض بحزم دعوة أي من عليّة القوم إلى هذا الزفاف المهزلة تحت مبدأ: " إن بليتم فاستتروا".

تركته في الأيام اللاحقة يرتب لحفل زفافهما بمفرده وكأن الأمر لا يعنيها.
جاء فرحا يخبرها عن حجزه قاعة أفراح بسعر رخيص، وأيضا كعكة العرس مجّانيّة، لقد أخبره صديقه الوسيط أنهم يتعاملون مع مطعم مشهور يشترون منه الكعكات البائتة بسعر بخس، اكتفت بابتسامة صفراء تكتم غيظها.

الطامّة الكبرى عندما اقترح عليها أن تستأجر ثوب الزفاف بهدف التوفير، أصرت بعصبية على أن تحضر فستان زفافها بنفسها من أجمل وأغلى دور الأزياء. هز كتفه لا مباليا طالما لن يبتاعه بفلوسه.

بعد بضعة أيام جرى حفل زفاف نانسي كما خطط له، كانت رائعة الجمال وبدا العريس نفسه وسيما ببذلة العرس المستأجرة، وقد تعطّر من عطر ثمين أهدته له، فامتزجت مع رائحة رجولته بشكل جميل ومثير.

أما حفل الزفاف فكارثة، حضرته جسدا بلا روح. وافترستها الكآبة لمّا داسوا فستان فرحها الباريسي الثمين، وتمزّق ذيله.

غصّت القاعة الصغيرة بالمدعوّين، ومعارفهم غير المدعوّين من أدنى طبقة في المجتمع. ناهيك عن الأطفال الذين يتراكضون هنا وهناك، يصيحون ويتمسحون بثوبها بأياديهم الدبقة الوسخة.

أما زملاؤه من السائقين كانوا يتغامزون ويضحكون بأسلوب فجّ، وهم يحدّقون بها بوقاحة، فتخضّب وجهها خجلا، وتنفّست الصعداء بعد انتهاء الحفل.

حاولوا الدخول برفقتهما إلى بيت الزوجية، لكنه دفعهم ضاحكا إلى الخارج ولم يسمح لهم، ب ثم فاجأها عند الباب بتطويقها بين ذراعيه وحملها بسرعة وعبر بها إلى الداخل.

ما أن خطا بها بضعة خطوات إلا وانتابه دوار شديد، حينها فطن أنه لم يأكل شيئا منذ البارحة لانشغاله. فمادت به الأرض ووقع فوقها أرضا، ثم أصابته نوبة ضحك لم يستطع خلالها الوقوف على قدميه، فأزاحته عنها بعنف. وركضت إلى أحد الأبواب القريبة منها، متألمة نفسيّا وجسديّا لا تطيق رؤيته.

صفقت الباب خلفها وانخرطت في بكاء هستيريّ عنيف، عندما هدأت انتبهت على رائحة كريهة تزكم أنفاسها، تحسّست بأصابعها كبسة النور، وأضاءت المكان فوجدت نفسها داخل غرفة صغيرة تستعمل كمخزن. مملوءة بالغسيل القذر وغياراته الداخليّة ملقاة مبعثرة قرب السلّة على الأرض.

خرجت من المخزن راكضة متأففة.. رأته يلتهم تفّاحة وينظر إليها بوقاحة ويغمزها، وقد داعبت وجهه ابتسامة مشاغبة مرحة. لم تلق بالا إليه وفتحت باب غرفة النوم الرئيسيّة، هرعت إلى الداخل وأقفلت على نفسها بالمفتاح.

خلعت ثوب زفافها الثمين ورمته بإهمال على إحدى الكنبات القديمة المتهالكة، وتمدّدت على السرير تلتقط أنفاسها، ثمّ غفت بسرعة نتيجة الإنفعال والتعب.

استيقظت في الصباح وأشعة الشمس تغمر الغرفة، وثلاثة أطفال صغار بل قرود يتنططون قربها على السرير، رأت محمود واقفا قرب الباب ينظر إليها بشبق رجل لم ير امرأة نائمة بهذا الشكل المغري في ثيابها الداخلية منذ زمن طويل، ردّت بسرعة الغطاء عليها حياء
خاصة بوجود الصغار حولها.

مدّ لها فنجان قهوته كي ترتشف بعض الجرعات منه، لفرط ارتباكها رشفت جرعة كبيرة، وانفجر ضاحكا عندما صاحت متألمة من شدة سخونة القهوة. أخبرها أنّ القفل معطل وكان بإمكانه الدخول عندها بأي وقت، لكنّه احترم رغبتها بالبقاء وحيدة.

بعدها مضت الأيام متثاقلة ببطء شديد، واستمرّت على ما هي عليه موجودة جسدا بلا روح، مكتفية بالتنقل بين محطات التلفاز المختلفة دون أن تهتمّ بمتابعة برامجها المفضّلة.

لمّا لم ير الأولاد أي اهتمام من جانبها ابتعدوا عنها إلاّ الصغير "حاتم"، كان يكتفي بالجلوس ملاصقا لها وكأنّه يستمد من حرارة جسمها توقه الغريزي إلى حنان أم فقدها وليدا.

ذات يوم سمعت نشيجا مكتوما، أيقظها من حالة الغيبوبة الطوعية التي أدخلت نفسها فيها. تتبّعت الصوت حتى سرير "حسام" الولد الأكبر، وكان يغطّي نفسه كاملا يبكي بصوت خافت، جلست على حافة سريره ووضعت يدها على رأسه محاولة أن تهدّئ من روعه، وسألته عمّا يبكيه.. أجابها بين دموعه ونشيجه:
- اشتقت إلى أمي، أصبحت متعبا جدّا، منذ زمن وأنا أعتني بإخوتي الصغار أثناء انشغال أبي بعمله، لكم أتمنى أن تعود مرة كي أخبرها عن حبي لها، وأعود إلى حضنها طفلا صغيرا، حضورك ذكّرني بها.
منعت دموعها بصعوبة، وفكّرت:
"هو محروم من أمه وأنا محرومة من الأطفال". قبل عشر سنين، مرضتْ وانفجر مبيضها ممّا اضطرّ الأطباء لاستئصاله، أعلمها الطبيب بأن احتمال أن ترزق الأطفال شبه معدوم بسبب التهاب مبيضها الآخر.

عادت من ذكرياتها الخاطفة على صوت نشيج الولد الذي كبر بسرعة نتيجة حمله الهم مبكّرا، غمرتها عاطفة الأمومة وجذبته إليها تحتضنه، واختلطت دموعها مع دموعه، جاء أخواه فرفعت يديها وضمتهم جميعا بحنان لم تعرف أنه موجود لديها إلاّ الآن.

عندما رجع الأب في الليل، شاهد لوحة عائلية جميلة لأم تضع الصغير في حضنها، ويلاصقها الولدان الآخران، والكل غاف في سبات عميق.

في اليوم التالي استيقظت متحمسة تريد تنظيف الزريبة التي يعيشون بها، هي بطبعها موسوسة نظافة وترتيب ولم تعد تحتمل العيش بهذه الفوضى والوساخة.

بعزم وجرأة أمسكت المقص وأعملت فيه أظافرها الطويلة التي كانت تمضي ساعات في
العناية بها وطلائها، وعقصت شعرها الناعم الطويل المصبوغ باللون الأشقر على شكل ذيل فرس، لبست (جينز شورت ) قصير وأحد القمصان القطنية ثم بدأت العمل.

استيقظ محمود على ضجتها في غرفة الجلوس حيث تعوّد أن ينام منذ قدومها. تفاجأ بشكلها الجديد دون أصباغ ولا تجميل وبثياب بسيطة. حملق فيها معجبا:

" يا الله، إنّها أجمل وأكثر طبيعيّة، بدون مكياج"

عندها عاوده شعور الحب الطاغي، الذي حاول أن يخفيه منذ رآها في قصر عمها، ولم يجرؤ على البوح.

قرر أن يبقى ويساعدها في حملة التنظيف، يشاركهما الأطفال كل حسب استطاعته. بعد أن أنهوا البيت خرجوا للعمل في الساحة وغسل السيارة، تراشقوا الماء في هذا اليوم الربيعي الدافئ، ومرت الساعات بسرعة.

على الرغم من أنّ اليوم كان شاقا متعبا إلاّ أنه مرّ من أجمل أيام حياتهم جميعا، اكتمل فيه الجو العائلي الجميل.

تمكن منهم التعب وتوقفوا عن العمل، إلاّ هي أصرّت على المواصلة متحمسّة تريد أن تنهي التنظيف كاملا. انتهت عند الغروب، ولكم أسعدها منظر البيت الذي يشع بالنظافة والترتيب. ولم تعد رائحة البيت تضايقها.

تمكّن منها التعب ليلا، استيقظت فجأة متألمة جدا تسبح في عرقها، وسقطت صريعة المرض. استفاق محمود على صوت أنينها الخافت، بلحظة كان قربها فوجدها تغلي وحرارتها مرتفعة إلى درجة الخطر، دون تردد أو تفكير نزع ثيابها، شعرت به ولضعفها لم تقاومه، حملها بسرعة ووضعها بكل حنان في المغطس، انتفضت وهو يصبّ الماء البارد على جسدها الملتهب وغابت عن الوعي.

بين إغماءات متكررة واستعادة الوعي أمضت عدة أيام تعاني لكن محمود كان قربها، يعطيها الدواء في مواعيده، ويضع كمادات باردة على جسدها المشتعل، حتى بدأت الحرارة بالانحسار عنها، وتعود عافيتها إليها تدريجيا، لم يفارقها طيلة مرضها، وقد تفرّغ لها بعد ترك أولاده في رعاية جارتهم.
بعد تماثلها للشفاء، لم يستطع مقاومة سحرها وضعفها بين يديه فقبّلها وهي نائمة على شفتيها الورديتين، هي زوجته حلاله.. شعرت به، وتجاوبت معه وسمحت له بالعودة إلى سريره.

قديم 10-15-2011, 12:24 PM
المشاركة 5
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
ماهر في السجن 5/8

ماهر، ثلاثة وثلاثين عاما، طالب علم أفنى حياته يدرس ويجتهد، واسع الاطّلاع يعرف كل شيء وكأنه موسوعة علمية متنقلة بل يكاد يتفوق على (جوجل).

شهاداته العلمية المتنوّعة تملأ جدار مكتبه في بيته، لم يكتف من الاستزادة في العلم وبحاجة إلى النقود من أجل الدراسة والأبحاث، ولم يجد بدّا من أجل تأمين هذا إلاّ تنفيذ وصية عمّه الراحل. لكن مجرّ التفكير باحتماليّة سجنه تجعله يرتعش كالورقة في مهب الريح.

بعد شهر من التفكير والتردّد والتراجع عقد العزم على التنفيذ، حمل حجرا كبيرا وذهب به إلى السوق القريب ينوي رميه على واجهة أحد المتاجر الكبيرة هناك.

لعظم ارتباكه ارتجفت يده ووقع الحجر على إصبع قدمه الكبير، فعاد ينطّ إلى البيت متألما، بعد أن شفي أصبعه. عاد لمحاولاته من جديد، ولا يجرؤ فيعود أدراجه خائبا. وقد لفت نظر رجل أمن توجّس منه خيفة، وداخله الشك والريبة، فوضعه تحت المراقبة.

استجمع شجاعته وصوّب الحجر نحو الواجهة، لكنّ الشرطي كان له بالمرصاد فأمسك يده ومنعه، ثارت ثائرة ماهر في أوّل مواجهة له في حياته، وشتم الشرطي فغضب وألقى عليه القبض، ثم أرسل بعدها للمحاكمة، حكم عليه بالحبس ثلاثة أيام لإهانته الشرطي، تمتم بعد الحكم بصوت منخفض:
- هذا ليس كافيا. طلب منه القاضي رفع صوته حتى يسمعه، ردّ بصوت عال:

- كنت أقول إنك غبيّ لا تفهم. غضب القاضي ومدّد أيام السجن الى أسبوع كامل بسبب
تحقيره المحكمة.

"يا إلهي مالذي فعلته؟!" فكر في نفسه وهو يساق إلى السجن،

"هل حقا أنا في طريقي إلى السجن؟ الله يستر، مالذي سوف يحدث لي هناك؟ "
ارتعش جسمه الهزيل من مجرد التفكير بهذا الأمر الجلل، بدأت الأفكار السوداء تتلاطمه بقوة: "كان يوم أسود، لما انصعت لعمي المجنون".

أفاق من أفكاره على السجّان يدفعه بعنف إلى داخل العنبر، هتف:
- لا.. لا.. لم أقترف ذنبا، أخرجوني من هنا أرجوكم.

لكن لات ساعة ندم. بدأ يرتعد بعد إلقائه نظرة على وجوه زملائه المساجين فكر:
" يا لهم من أشرار عنيفين، يا رب ما العمل؟" استأنف تفكيره:
"لماذا هذا الرجل الضخم قادما نحوي؟ ماذا يريد منّي؟ " تحول وجهه الى الأحمر
لفرط انفعاله.. كم قرأ عن فظائع السجون،
هتف في داخله: " كلاّ لا تقترب مني أنا لست من إيّاهم إبتعد..."

اسودّت الدنيا في عينيه وفقد وعيه كعادته.. استفاق بين يديّ هذا الرجل الضخم
الملتحي وهو يبتسم له، عاد فأغمض عينيه، بدأ يتحسس نفسه بيديه اطمأنّ:
"الحمد لله.. كل شيء في مكانه"

تساءل مندهشا وقد شقّ عينيه قليلا: " لماذا هذا الرجل يقترب بوجهه هكذا؟
يا للهول... ماذا ينوي؟"
صرخ بأعلى صوته دون أن يسمع له أيّ صوت من الرعب:
"يا للكارثة، أنقذوني!"،

لما وجده الرجل يتنفّس بسهولة رجع برأسه الى الوراء، وبدأ يضربه على وجهه
بصفعات قوية قاصدا إيقاظه.
" يجب أن تتوقف هذه الصفعات ليس لي بد إلاّ فتح عيناي" فكّر ماهر:
"يااااه... أنه يبسم لي، لم يعد يخيفني"استعاد وعيه تماما،
ابتسم له الرجل من جديد، وقال له:

- اعتقدنا بأننا قد فقدناك فلقد أصابتك نوبة هلع توقفت إثرها عن التنفّس،
وهذا اضطرني إلى منحك التنفس الاصطناعي، وأضاف ضاحكا:
- يا رجل كانت تجربة قاسية جدا، لا تفكر بأن تكررها خوفنا من أن تموت كوم،
وقبلة الحياة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كوم آخر.

ابتسم ماهر بضعف، وفكّر لقد بلغ هنا قمّة نوبات الهلع في حياته كلّها،
ولم يبق أمامه إلاّ الشفاء، هكذا قرأ في كتب علم النفس.

عرّفه الرجل عن نفسه بأنّه الشيخ "صالح" وهو هنا على ذمة التحقيق بسبب
آرائه السياسية المتطرفة ضدّ الحكومة. وعرّفه ماهر بدوره ع عن حاله.
بدآ يتناقشان في أمور الدنيا والحياة، فأعجب كل منهما بسعة اطلاع الآخر، واندمجا في الحديث على الرغم من تعارض آرائهما السياسية، واحتدم النقاش بينهما، التفّ بقية
السجناء حولهما مكتفين بالإنصات لهما.

مأمور السجن كان شابّا متطوّرا مقبلا على الحياة، لفته ماهر ومنطقه وسعة علمه
وتهذيبه، وحيّرته القضيّة التي تسببت بإدخاله السجن، بحث عنه من خلال (جوجل)
ووجد أنّه عالم كبير، له وزنه في الكثير من الأبحاث والدراسات، وفي مختلف الميادين
العلمية والعلوم الإنسانية، ومجال الحاسوب خاصة. ولما سأله عن حلّ لمشكلة في حاسوبه أصلحه له في ثوان بعد أن استعصت على أمهر الفنيين. فطلب منه إعداد دورة للحرس عن مبادئ الحاسوب، لم يتردد أو يتأخر عن ذلك، لفرط سروره القى المحاضرة بطلاقة ودون لجلجة كالعادة.

بعدما انتهت مدة محكوميته صارح صديقه الشيخ "صالح" بالسبب الحقيقي لدخوله السجن، وقاما معا بإعلام المأمور بذلك، ولم يتلكأ الأخير ورفع تقريرا للقاضي يشرح فيه ملابسات سجن ماهر ، ملتمسا شطب الحكم من السجل الرسمي تقديرا لخدماته في السجن ولقيمته العلمية، اقتنع القاضي ووافق على الشطب.

أطلق سبيل ماهر وصفحته بيضاء لم تشوبها شائبة، وأصبح قويّا ولم يعد جبانا رعديدا.
بعدها تقدم للعمل في إحدى الجامعات المشهورة، وتم قبوله على الفور أستاذا متفرغا وعالما. خلال أسابيع قليلة أثبت نفسه ووجوده بينهم، أحبّه الجميع وصار الناصح والمرشد لكثير من الطلاب والزملاء. كما واستطاع الحصول على منحة لاستكمال دراساته وأبحاثه.

قديم 10-15-2011, 12:27 PM
المشاركة 6
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
عماد في دار العجزة 6/8

عماد مراهق ضائع، مازال في الثامنة عشر من عمره، يعيش اسوأ ما في المراهقة يدخّن ويشرب وعلى شفا الإدمان. انتقل للعيش في بيت الراحل منذ بضعة أشهر بعدما أنهى دراسته في مدرسة داخلية، رافضا إكمال دراسته الجامعيّة.

ذهب حاملا رسالة التوصية التي تركهاعمه الأكبر، متوجّها إلى دار مسنين فخمة يملكها صديق العم، وينتسب لها كبار السن من الذوات، رحّب صاحب الدار بعماد مترحّما على عمّه الذي له أياد بيضاء في التبرّع للدار، وعيّنه موظّفا بأجر على أن يقيم في جناح المستخدمين.

ثم اصطحبه في جولة سريعة كي يعرّفه على النزلاء ومرافق الدار المختلفة، ما إن انتهى من جولته حتى ركض يفرغ ما في جوفه، لم يحتمل رائحة الدار المشبعة بالمطهّرات. كما وأزعجته رؤية العجزة المسنين بلا حول ولا قوة.

لكنّه أصرّ على أن يستمرّ، رغم معاناته الأمرّين، وكان يحسّ الغثيان عندما يخدمهم وينحّي قذاراتهم، ويحزن لمّا يغيّب الموت أحدهم، فبدأ جسمه ينحل ويفقد الشعور بالسعادة والمرح.

ذات يوم استدعاه صاحب الدار، وعرّفه على العم "كريم" من كبار رجالات الدولة، في أوائل الثمانينات من عمره. طالبا منه مرافقته.

كانت من مهام عماد الأساسية القراءة لهذا الشيخ الكليل البصر، في البدء كان يقرأ كمجرّد آلة، لكنه تدريجيّا بدأ يتفاعل مع النصوص التي يقرأها.

وكان العم "كريم" يتمتع بذائقة حسنة، يقرأ روائع القصص وسصغي لأغاني الطرب الأصيلة والموسيقى الكلاسيكية والسمفونيات الخالدة، مع الوقت بدأت ذائقة عماد تتأثر، من موسيقى الروك الصاخبة الى الموسيقى الهادئة، ومن القصص الإباحية المرعبة إلى العالمية ذات العبرة والمغزى.

أطباعه أيضا تغيّرت ولم يعد ينسجم كالسابق مع أصحابه عندما يخرج برفقتهم في العطلة الأسبوعيّة، ثمّ توقّف نهائيّا عن الشرب والتدخين، وصار المفضّل عنده مشاركة نزلاء الدار والعم كريم حضور أفلام رعاة البقر وترجمتها لهم.

مرّة كان يقرأ على مسمع العم كريم قصة "البؤساء"، ولم يستطع ضبط نفسه عند نهايتها الحزينة لمّا رأى دمعة حرّى تنحدر من مقلة العجوز، فانهار هو الآخر وانفجر باكيا، وتذكّر أنه لم يبك حتى على والديه لما تسلّل ورأى جثمانيهما بعد مقتلهما في حادث سير، وقد صدمه المنظر ولدا صغيرا.

هاهو الآن يجلس على الأرض عند أقدام العم "كريم" وينتحب، بينما اكتفى الأخير بالتربيت على كتفه بحنان، هو أيضا الوحيد الباقي بعد وفاة زوجته ومن ثم ابنه الوحيد.

البكاء فرج، ارتاح عماد بعدها، وتقارب مع العم كريم أكثر، وبدأ يستمتع وهو يصغي لقصصه يروي عن بطولاته في الحروب التي خاضها في حياته، لا يمل من الاستماع إلى قصة حبّه لابنة عمّه، وكيف نزّلها عن حصانها وهي تزف الى عريسها، عندما عاد في الوقت المناسب من إحدى المعارك، ليتزوّجها هو. وأصبح عماد يعيش معه والنزلاء في جو عائلي حميم.

قديم 10-15-2011, 12:28 PM
المشاركة 7
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
وسيم زير النساء 7/8

وسيم شاب رياضي وسيم، تتحلّق حوله الفراشات، يستمتع بشبابه ويتنقل من زهرة إلى أخرى، لا يبالي بمن يدوس منها، هو الأقرب شبها لعمه.

أزعجه شرط الوصية، فالزواج ليس من ضمن مخططاته، كان يركض في النادي الرياضي شاردا مستغرقا في التفكير، على حين غرّة اصطدمت فيه بقوة فتاة قطعت عليه الطريق عرضيّا، فوقعت أرضا من عزم الضربة. انشغلت بمحاولة تغطية جسدها البض وقد فكت أزرار قميصها نتيجة الصدمة، بتصرف عفويّ خلع قميصه وناوله لها لكي تغطي عريها.

الحسناء في الثالثة والعشرين، ناضجة ذات جمال غجري أخّاذ، تقاطيعها كبيرة، خصوصا عينيها اللوزيتين بلون شعرها الأسود الفاحم الذي انفكّ من عزم الضربة، وصار يتلوى بحرية حول وجهها المستدير الأبيض كالقمر. نظر اليها مذهولا في حياته لم ير امرأة بهذا الجمال الوحشي الطبيعي ودون مساحيق تجميل.

مدّ لها يديه الاثنتين يساعدها على النهوض، فشعر بقوتها تسري في جسده وتلامس
شغاف قلبه.

عرف أنّها زوجته المستقبلية دون تفكير بوصية عمه. رافقها بالمشي وسألها عن اسمها، لكنها تمتنعّت عليه، وعرف منها أنها من أعضاء نفس النادي.

افترّ ثغرها عن أجمل ابتسامة لؤلؤيّة، يا لهذه الشفاه المكتنزة ما أجملها، ويا لأنوثتها الصاخبة ما أخطرها. وهي تقول:
- آتي إلى هنا للركض عادة، إلى اللقاء لاحقا. ولوّحت مودّعة. اختفت عن الأنظار، فانقبض قلبه وفكّر:
"ماذا لو اختفت كما جاءت؟" لكنه طرد هذه الفكرة سريعا، وعاد الى البيت مشغولا يفكر
بهذا الكائن الوحشي الجميل.

استمر يترقبها بشوق، وفرح بعودتها بعد ثلاثة أيام، وكان اليأس قد بدأ يتسلل إلى قلبه.

مدّت يدها تسلّم عليه وعندما استقرت في راحة يده، لم يعد يرغب في أن يفلتها، كي لا تذهب وتختفي عنه مرة ثانية. بدآ معا بالمشي السريع، واستطاعت مجاراته بسهولة.
"يا لجسمها القوي الرشيق" فكّر في نفسه، أحس بحيويته المستمدة منها ومن عنفوانها تتدفق في أنحاء جسده.

واصلا لقاءاتهما على هذا النحو يوميا، يمارسان رياضتهما الصباحية بالهرولة والمشي السريع، ألفها وازداد التآلف بينهما، سعيدا بها.

وكلما حاول مصارحتها بالحبّ تتهرّب منه خجلة، لم تسمح له بالبوح. عرف بعد لأي أنّ اسمها "سحر".

ثم عادت واختفت عن الأنظار، لم يسمع خلالها خبرا. عاف في غيابها كل شيء، لا يريد إلاّ رؤيتها من جديد، وأحس مدى تعلّقه بها خائفا أن يفقدها.

عادت بعد اسبوعين، ركض نحوها يعانقها بقوة ويدور بشفتيه الحارّتين على أرجاء وجهها دون أن يهتم بالناس حولهما تراقبهما. يترجّاها ألاّ تغيب ثانية، طالبا الزواج منها، هزّت رأسها موافقة وهي بين يديه ضاحكة موردة الخدين سعيدة.

قديم 10-15-2011, 12:33 PM
المشاركة 8
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
توزيع التركة 8/8

مضت السنة بسرعة انشغل فيها كل شخص بتدبير أمره، وتنفيذ وصية عمه. وصلتهم رسالة من المحامي تذكّرهم بالموعد، وتحدّد مكان الاجتماع في مكتب المحامي، حانت ساعة الصفر والتقوا جميعا هناك وقد جهز لهم حفل شاي بسيط.

حضرت "رقيّة" مع زوجها الطيب "فراس".

"نانسي" مع زوجها السائق "محمود".

"عماد" مع العم "كريم".

"ماهر" جاء بمفرده وبتغيير جذري. لم يعد هزيلا بل اهتمّ ببناء جسمه وتنمية عضلاته، وأجرى عمليّة ليزيك استغنى بعدها عن نظارته الطبية، ولم يعد يتأتئ في الكلام، موضحا مخارج حروفه، كأنه انقلب مائة وثمانين درجة إلى شخص آخر جذاب.

وتقبل تهاني الجميع وقد أعجبهم شكله الوسيم وشخصيّته القوية.

أما "وسيم" فقد قدم متأبطا زوجته ذات الجمال الوحشي "سحر"،
وحضر كذلك خادم المرحوم، "سحر" ركضت إلى الخادم وعانقته، وعرّفته على زوجها "وسيم" بصفته والدها، أسقط في يده متفاجئا دون غضب بل ابتسم لحميه بلطف، هو يعشق الأرض التي تمشي عليها زوجته الحلوة "سحر".

بعدها اتّخذ كلّ موقعه وشغّل المحامي "الفيديو" من جديد وظهر لهم وجه عمّهم الباسم بضحكته المجلجلة، وبدأ في الكلام قائلا:

- أهلا بكم أقاربي الأعزاء أعرف انكم كرهتموني السنة الماضية كثيرا، لكن أصدقكم القول وصيتي كانت من أجل مصلحتكم أوّلا وأخيرا. أنا أحبّكم فعلا ولم يكن يرضيني ما آلت إليه أحوالكم، راجيا أن تكونوا قد استفدتم من هذه السنة ومن شروطي التي فرضتها عليكم.

وتوجّه بكلامه ذاكرا كل واحد باسمه:

- "رقيّة" شاهدت تغيّرك بعدما توفي زوجك في شهور العسل الأولى، هذا أصابك بصدمة شديدة أدّت إلى انغلاقك على نفسك، وأبعدت الناس عنّك، لا ترغبين أن يتكرّر حزنك. وراقبتك تحوّلين سخطك وغضبك وتصبّينه على خدمك، فارتأيت أن علاجك قيامك بدورهم، لعلي وفقت.

ثمّ أكمل:

- نانسي الجميلة كنت أعرف مشكلتك مع الأمومة. وراقبتُ الاستلطاف بينك وسائقي محمود. عرفت أنّك لن تتزوجيه بسبب عقدك الطبقية. مشكلتك الصحيّة قد تحرمك الأولاد وأولاده محرومين من أمهم، لهذا ارتأيت أنسب الحلول في زواجكما.

بارتباك مدت نانسي يدها على الطاولة أمامها فوضع محمود يده وضغط عليها بقوة. قال بصوته الجهوريّ: "يا جماعة أود أن أزفّ لكم الخبر السعيد، لقد عرفنا بالأمس أنّ نانسي حامل"، هتف الجميع مهنئين فرحين بالزوجين السعيدين. وهكذا نمت ثمرة الحب في أحشائها مذللة كل الصعوبات.

عاد المحامي يواصل العرض، فاستمر العم:

- عماد كم تألمت من أجلك عندما فقدت والديك معا، رأيتك تتحوّل إلى شاب متهوّر لا يهتمّ، فارتأيت أن عملك في دار المسنين قد يعيدك إلى جادة الصواب، ويعوضك الحنان المفقود.
بشبابك وحيويتك تستطيع أن تعوضهم هم أيضا عائلاتهم وأهاليهم. تبسّم عماد ونظر إلى العم "كريم" الذي وجد فيه خير تعويض.

تلك اللحظة هبّ المحامي واقفا وناول العم كريم أوراق تبنّي عماد الرسميّة ليصبح وريثه الوحيد عند وفاته، وكان قد جهزها مسبقا بناء على طلب العم "كريم".

تواصل العرض:

- "ماهر" كنت أراك شخصية عبقرية، لكن مشاكلك من جبن وتردد وضعف، كانت عوائق في طريق تقدمك ونجاحك، بعد تفكير شديد وجدت أن أحسن حل لك سجنك لمدة أسبوع مع المجرمين، مع ثقتي التامة بأنّ ذكاءك كفيل بإنقاذك من المآزق التي قد تقع فيها أثناء تنفيذك لهذه المهمة.

ثم رنّ العم ضحكته المعهودة. نظر ماهر إلى عمه الضّاحك عبر الشاشة، وفهم عبقريته هو الآخر إذ نجح في علاجهم جميعا. واستمر تأثيره عليهم حتى بعد وفاته.

واستكمل العرض:

- "وسيم" على الأكيد الآن عرفت أن سحر هي ابنة خادمي الوفي الذي رافقني مدة طويلة منذ أن كان شابا صغيرا في عمر عماد، هو لم يتوان أو يكسل أثناء عمله معي، لم يكن مجرد خادما بل نعم الصديق. تقديرا مني لجهوده تحمّلت تكاليف تدريس ابنته في أحسن المدارس وتكفّلت بمصروفها حتى تخرجت من الجامعة، لقد أحببتها كأنها ابنتي.

لما عرفت بمرضي الخبيث اتفقت مع أبيها كي نرسلها بالصدفة في طريقك، كنت متأكدا أنك ستحبها، هدفي سعادتكما واستقراركما أنتما الإثنين، فلقد رأيتك تسير في دربي وخفت من أن يصبح مصيرك مثل مصيري، وأن تعيش وحيدا وتموت مثلي وحيدا.

اكتفى "وسيم" بالنظر الى زوجته "سحر" التي يعشقها ويحبها. فلقد غفر لها ووالدها مخططهما مع عمه لإيقاعه في حبائلها، لأنّه وقع فعلا مع أجمل فتاة ساحرة.

وأنهى العم كلامه:

- والآن الحدث المرتقب، النقود.. إعلموا يا أقربائي الأعزاء بأنني عشت حياتي بالطول والعرض، وأخذت قروضا هائلة من البنوك، بعد تصفية تركتي وتسديد ديوني ودفع أتعاب المحاماة، سيتبقى لكم مبلغا معينا من المال سيعطيكم إياه المحامي لاقتسامه بينكم بالتساوي.

رفع المحامي يده ليريهم الشيك وقرأوا قيمة المبلغ، مائة (100) دولار فقط لاغير.

عم الوجوم الوجوه، كأن الطير فوق رؤوسهم، تكاد تسمع صوت الإبرة عندما تسقط على الأرض، وإذ بضحكة العم تجلجل من جديد من خلال الشاشة.

بدأت رقيّة فرنّت ضحكتها في قاعة المكتب، وتبعها الآخرين واحدا إثر الآخر حتى ضجّت غرفة المكتب بعاصفة من الضحك.

على صوت الضحكات أختم، راجية من العلي القدير أن تكون حياة الجميع مكللة بالسعادة والنجاح.



تحيتي: ريما ريماوي

قديم 10-15-2011, 03:40 PM
المشاركة 9
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديبة الكريمة ريما ريماوي المحترمة

بقراءتي لقصتك هنا جعلتني أفكر . .
ما هو الجزء الهام من فن القصة الذي يجعلها (قصة) ويبعث الرغبة في قراءتها . . !
أليس هذا هو المهم . . !
نحن نقول أن قصتك تحوي مباشرة مركزة . .
ونقول أن التفاؤل فيها كثير ومبالغ فيه . .
وأن النهايات الجميلة لكل فرد صارت بكثرتها غير معقولة . .
وقد نقول أن القصة خرجت عن الواقعية . .
وأنها خلطت بين الفكر الأدبي العربي والفكر الغربي . .

ولكنني أقول . .
لقد قرأتها باستمتاع وحب كبيرين . .
لقد أعجبتني المواقف الإنسانية العديدة التي حفلت بها . .
لقد أعجبني تغير كل شخصية بتغير حالها وظروفها . .
لقد أعجبتني حكمة النهاية . . تلك الثروة التي ذهبت هباء . . والتي بذهابها لم يحزن عليها أحد . .
بل كانت ضحكاتهم الصافية أكبر دليل على ذلك . .

وماذا نريد من القصة أكثر من ذلك . . ! !

أهنؤك حقاً . . وأؤكد لك بأن قصتك جميلة يتمتع القارىء بها ولا يرغب أن يتركها أبداً . .
ألف تهنئة وتقدير مني إليك . .
دام يومك هانئاً . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 10-17-2011, 01:54 AM
المشاركة 10
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأديبة الكريمة ريما ريماوي المحترمة

بقراءتي لقصتك هنا جعلتني أفكر . .
ما هو الجزء الهام من فن القصة الذي يجعلها (قصة) ويبعث الرغبة في قراءتها . . !
أليس هذا هو المهم . . !
نحن نقول أن قصتك تحوي مباشرة مركزة . .
ونقول أن التفاؤل فيها كثير ومبالغ فيه . .
وأن النهايات الجميلة لكل فرد صارت بكثرتها غير معقولة . .
وقد نقول أن القصة خرجت عن الواقعية . .
وأنها خلطت بين الفكر الأدبي العربي والفكر الغربي . .

ولكنني أقول . .
لقد قرأتها باستمتاع وحب كبيرين . .
لقد أعجبتني المواقف الإنسانية العديدة التي حفلت بها . .
لقد أعجبني تغير كل شخصية بتغير حالها وظروفها . .
لقد أعجبتني حكمة النهاية . . تلك الثروة التي ذهبت هباء . . والتي بذهابها لم يحزن عليها أحد . .
بل كانت ضحكاتهم الصافية أكبر دليل على ذلك . .

وماذا نريد من القصة أكثر من ذلك . . ! !

أهنؤك حقاً . . وأؤكد لك بأن قصتك جميلة يتمتع القارىء بها ولا يرغب أن يتركها أبداً . .
ألف تهنئة وتقدير مني إليك . .
دام يومك هانئاً . .

** أحمد فؤاد صوفي **

نعم هذا العيب عندي وتمكن مني السرد المباشر فأنا لا أحب الترميز في قصصي,

هل يوجد عندك نصيحة ذهبية لي كيف من الممكن ان أتغلب على المباشرة عندي؟

أيضا أبحث عن المثالية في قصصي حتى لو اجتنبتُ الواقع, وخلطتُ بين الغربي

والعربي, لأنني أحضر الكثير من الأفلام الأجنبية, وقرأتُ غالبية القصص العالمية,

فلا غرابة أنني تأثرت بها وخصوصا أفلام والت ديزني, التي تعتمد التفاؤل والمرح.

شكر جزيلا على تهنئتك الحلوة, لقد فرحت جدا بإعجابك بقصتي, وهدفي أن أفرح من

يقرأني ومن ردك الجميل واضح أنني نجحت في مهمتي, الله يسعدك ويحفظك ويوفقك,

لقد طمأنتني, وأهلا وسهلا بك, مودتي وتقديري.

تحيااااااتي.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: وصية المليونير.. بقلم: ريما ريماوي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لن ننسى .. قصة بقلم: ريما ريماوي ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 2 04-29-2022 11:59 AM
تحرش.... بقلم ريما ريماوي ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 9 12-15-2014 12:23 PM
ميكي .. بقلم/ ريما ريماوي ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 10 10-08-2012 01:17 PM
حدة البصيرة .. بقلم: ريما ريماوي ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 3 09-11-2012 07:20 PM
القبو.. بقلم: ريما ريماوي ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 2 10-21-2011 11:13 PM

الساعة الآن 10:04 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.