احصائيات

الردود
2

المشاهدات
3433
 
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي

محمد عبدالرازق عمران is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
850

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jul 2011

الاقامة
البيضاء / ليبيا

رقم العضوية
10226
08-12-2011, 05:10 PM
المشاركة 1
08-12-2011, 05:10 PM
المشاركة 1
Smile أحلام زائفة
( أحلام زائفة )

[justify]تباهيت دائما أنني أعرف ما أريد .. خطواتي في الحياة مرسومة .. أهدافي واضحة ومحددة ، ومن أجل الوصول إليها كافحت طويلا .. لم أترك منفذا لشئ يمكن أن يعرقلها .. ما أكثر ما حرمت نفسي من الضروريّات .. ما أكثر ما لقيت من المتاعب .. كل شئ كان يهون في سبيل أن احصل على البكالوريوس من كلية العلوم التي سمح لي مجموعي في الثّانوية العامة بالالتحاق بها .. أقدمت على ذلك ضد رغبة الوالدين .. كان في رأيهما أن أختصر الطريق بالاتجاه بعد الإعدادية إلى التّعليم المتوسط .. رفضت .. أعلنت أنني سأتكفل بنفقاتي .. حافظت على وعدي .. عملت في أوقات الفراغ في ميادين مختلفة ، أحيانا كنت أعطي أبناء الجيران الصغار دروسا خاصة بأجر .. أحيانا كنت أنظم للفتيات العاملات لدى مدام ( تيتي ) الخيّاطة المشهورة ، ابنة الحيّ الذي نشأت فيه .. وسبحان من قسم الأرزاق .. أم يكن من حقي بعد ذلك الكفاح الطويل أن أحلم ؟
بعد التّخرج ساعدتني عميلة لمدام ( تيتي ) على العمل في مدرسة خاصة يملكها زوجها .. مدرسة مشهورة يدرس فيها أبناء الطبقة القادرة .. ولحسن الحظ أنّ هذه المدرسة كانت بحاجة شديدة لمدرسة علوم للمرحلة الإعدادية بعد أن استقالت مدرستها لتلحق بزوجها المهاجر .
أخيرا أصبحت مدرسة .. راتب لا بأس به .. طبعا أكبر من مرتبات الحكومة ، وفرص كثيرة لدروس خاصة تزيد من الدّخل .. العيب الوحيد والجوهري في الوقت نفسه ، أنّ المدرسة لم تكن مجتمعا يمكن أن يحقق لي أحلامي .. الزملاء المدرسون كانوا خارج نطاق أحلامي .. ما كافحت كل هذا الكفاح لأتزوج في النّهاية مدرسا " غلبان ".
بعد أشهر قليلة من عملي في المدرسة ، أنظم الأستاذ " كريم " لهيئة التدريس ، مدرسا للرياضيّات بالمرحلة الثّانوية ، استطاع بسرعة وسهولة أن يكوّن علاقات ودية مع الجميع .. شخصية اجتماعية لطيفة .. قدرة عجيبة على اجتذاب النّفوس وعلى إشعار كل فرد بأنّه موضع اهتمام خاص .. أصبحت ألتقي الأستاذ " كريم " كل يوم ، ووجدتني مثل الآخرين أقر بمزاياه المتعددة وأعجب بمظهره وشخصيته ، شاب لا يتعدى الثلاثين ، مزيج رائع من المرح والجدية .. في كل موقف يكون عند حسن الظن به ، حتى المديرة كانت به معجبة مزهوة ، وخلال فترة قصيرة استطاع أن يكسب ثقتها وأن يكون ساعدها الأيمن .. اسألوا الأستاذ " كريم " إذا وافق أنا موافقة .. لا أطمئن على البنات في الرحلة إلاّ إذا أشرف عليها الأستاذ " كريم " .. بل حتى التلميذات تعلقن به ، ما رأيته إلاّ ومجموعة كبيرة منهن حوله ، وسرعان ما كوّن الجماعات الثّقافية والفنية ، وأوجد نشاطا في المدرسة لم نعرفه من قبل .
أصبحت ألتقي الأستاذ كريم كل يوم .. هذا صحيح لكنني وقد أحسست بغريزة الأنثى بأنّه يوليني اهتماما حقيقيا خاصا ، صرت حريصة على أن أجتذبه ، وعلى الرّغم من أنّ الحديث معه كان متعة ما في هذا شك ، إلاّ أنني لم أكن أريد للمودة أن تتحول إلى علاقة عاطفية ، مع معرفتي بأنّ يتلهف على ذلك .. لماذا ؟ لأنني كنت مصممة على ألا أتزوج مغمضة العينين ، منقادة وراء عواطف جامحة .. لأنني بعد أن لهثت طويلا في الحياة .. صرت راغبة في الرّاحة .. أحلم بشقة واسعة في حيّ راق ، في عمارة فخمة ذات مصاعد كهربائية .. شقة ذات شرفات كبيرة تدخلها الشّمس ، ارض الحجرات مغطاة بالسجاجيد والأثاث الفاخر .. بها هاتف وتلفزيون وكمبيوتر .. وطبعا أقتني المحمول للوجاهة .. كل ما حرمت منه .. كل ما يبعدني عن الفقر .
ذات يوم جلست في حجرة المدرسات بعد انتهاء الحصص لتصحيح أوراق امتحان كان من المفروض إعلان نتائجه في اليوم التالي ، مرّ الأستاذ كريم ، وجدني وحدي فجلس ؛ زجرت نفسي على ارتباكها ، تشاغلت عنه بالتصحيح ، فجأة سمعته يقول : آنسة فاطمة .. أريد التّحدث معك .
أحسست من لهجته بأنّه يقصد حديثا خاصا ، بسرعة وكأنني أذود عن نفسي مكروها ، قلت وأنا أشير نحو الأوراق التي أمامي : آسفة لا وقت لديّ ، يجب أن أنتهي بسرعة من التصحيح .. سكت ، بذكائه فهم أنني أتهرب ، لو كنت راغبة في الاستماع له ما عاقني شئ عن ذلك ، انصرف ، عجزت عن تتبعه بنظراتي .. القامة طويلة ، الرأس الشّامخ ، خفق قلبي ، نهرته ، أعدته إلى صوابه ، يجب ألاّ أضعف .. أحلامي أهم .
لكنني لم أستطع التهرب من الأستاذ كريم طويلا ، ربما لأنّه كان مصمما على أن يتحدث معي على إنفراد ، بعد أسبوعين تحقق له ما أراد ، ابتدرني قائلا : أريد أن أفهم .. لم تخافين ؟ أمن نفسك أم مني ؟ فوجئت .. هو مدرك أنّ صراعا يحتدم في أعماقي ، رفعت وجهي نحوه ، لم يعد هناك مفر من المواجهة الصّريحة .. قلت بجرأة : لا أرغب في الذّهاب بعيدا .. هتف بدهشة ممتزجة بالألم .. تخشين ذلك وأنا من جانبي أحاول كل يوم .. بل كل لحظة ، أن أذهب بأحلامي إلى أقصى بعد ؟ وأن أجعلها تلتقي أحلامك ؟ في الواقع أخشى أن تكوني عاجزة عن معرفة ما تريدين .. قلت بانفعال : بل أعرف تماما ما أريد .. ألا تدرك أنني ضقت ذرعا بركوب الحافلة ، وارتداء الأحذية القديمة ، وشراء الملابس من الاوكازيون ؟ أنا أحلم بالتردد على المطاعم المشهورة دون أن يحدث ذلك عجزا في ميزانيتي ، أحلم بشراء أثواب غالية ، أحلم بسيارة أقودها بنفسي ؛ بشقة واسعة أخصص فيها حجرات لصغاري .. قاطعني قائلا بحدة : كفى .. فهمت .. لست سوى مدرس مسكين في نظرك .. آسف على تطاولي ، وأتمنى لك حظا أوفر .
عدت إلى البيت .. أقصد الجحر الذي أعيش فيه .. كنت في حالة يرثى لها .. شعرت بأنني أكاد أموت خزيا ، لم أشعر بالراحة إلاّ بعد أن أغرقت الوسادة بالدموع .. آآآه .. لماذا لا يفهم ؟ لماذا لا يقدر ؟ .. لكنه بدأ يتجنبني تماما ، تجاهلت موقفه ، غير أنني بمرور الأيام بدأت أعاني قلقا ، بل أصبحت أتمنى لو قطع هو هذا الصّمت الثقيل بيننا .. لم يفعل .. الظروف تولّت ذلك .. عهدت المديرة إليه وإليّ بالإشراف على رحلة مدرسية إلى بور سعيد .. كنت أستطيع الاعتذار .. لم أفعل .. اضطررنا أمام التلميذات إلى أن نتبادل الأحاديث الضرورية ، لأكتشف مزايا أخرى في الأستاذ كريم .. كان يعرف كيف يتعامل مع كل المستويات .. ووجدتني أمرح وأضحك على غير العادة ، استمتعت بالفعل بالرحلة ، وبعد العودة والاطمئنان على تسلم أولياء الأمور بناتهم من المدرسة صرت والأستاذ كريم وحدنا .. قال هو : سأوصلك حتى باب البيت ، لن أتركك بمفردك والدّنيا ليل ، قلت : لم أعد صغيرة ، أستطيع من دون شك العودة بمفردي ، قال : لكنني لا أسمح لنفسي بذلك ، أنت مسؤوليتي .
التقت نظراتنا ، شعرت بالارتباك ، وفجأة انهارت جدران الصّمت .. في الطريق قال كريم : تعرفين أنني لا أستطيع حاليا أن أقدم لك سيارة لاستعمالك الخاص ، ولا يمكنني أن أصحبك إلى العشاء في مطاعم الفنادق الكبيرة ، لكنني أستطيع شراء سيارة صغيرة لاستعمالنا معا ، ويمكن أن نذهب مرة كل أسبوع إلى السينما ، وإذا سمحت الميزانية نتناول العشاء مرّة في الشهر في أحد المطاعم المشهورة .. الحياة يمكن الاستمتاع بها ، وأتمنى الاستمتاع بها وأنت وحدك معي .. لكن يجب أن تقبليني كما أنا .. رجل له مهنة محترمة ، ودخل لابأس به من الدروس الخصوصية ، لكنه لا يملك ثروة .. وسكت .. ثم همس وهو يرنو إليّ : أرجوك .. فكري في ذلك .. أوشكت أن أضعف .. أن أتعلق بذراعه ، أن أفصح له عمّا في قلبي .. فجأة تذكرت أحلامي .. لو قبلت ما يعرضه ، فيجب أن أقول وداعا لهذه الأحلام ، ويجب أن أعد نفسي لمستقبل لا يفضل الماضي كثيرا .. كفاح وتقتير وحرمان .. وسمعته يهمس من جديد : هيه .. متى نتزوج ؟ ووجدتني أفيق .. لا .. محال .. هززت راسي مذعورة ، لم أنطق حرفا ، لكنه فهم .. قال بمرارة : آسف يبدو أنني بالفعل ذهبت بعيدا .. لن أتحدث معك في هذا الموضوع ثانية ، لكنني سأترك لك الباب مفتوحا ، وسأنتظر منك لو غيّرت موقفك ألاّ تتردي في مصارحتي .
في تلك الليلة تيقنت أنني أحبّ كريم ، لكنني في الوقت نفسه قررت الابتعاد عنه ، من أجل أحلامي وخوفا من مستقبل يعصف بآمالي ، وكانت عملية وأد عواطفي صعبة ، خاصة أنّه لم يكن يمضي يوم دون أن أرى كريم أو أن اسمع عنه : شاب ممتاز .. يا بخت من ستصبح من نصيبه .. مثل البلسم .. يشفي كل ألم .. و .. , .. ، وشغلت نفسي بالعمل ، قبلت كل عروض الدروس الخصوصية ، وكانت قد صارت لي شهرتي في هذا المضمار .. نتائجي رائعة ، انهالت عليّ الطلبات حتى في الإجازة الصيفية ، بل ذاع صيتي حتى اجتذب طالبات المرحلة الثانوية .
كانت " شهيرة " واحدة من الطالبات اللاتي صرت أتردد على بيوتهن لدرس خصوصي ، كانت جميلة ومدللة .. صارحتني بأنها على علاقة حبّ بصديق لأخيها يدرس في كلية الطبّ ، اثنت عليه كثيرا وقدّمته إليّ حينما تصادف مجيئه لزيارة صديقه أثناء وجودي ، وسألتني وقد انفردنا : ما رأيك فيه ؟ رددت : يبدو شابا مهذبا جادا .. أسرعت تقول : وهو أيضا متفوق .. دائما الأول .. وكل النّاس يشكرون في أخلاقه ، قلت منبسطة : محظوظة أنت إذن يا شهيرة .
تعرفت بنفسي على مزايا هذا الشّاب بحكم تردده وترددي على البيت نفسه ، وأعجبت به بشدة ، فقد كان مثلا مشرفا لشباب اليوم ، لذلك دهشت حينما لاحظت أنّ شهيرة لم تعد تهتم بمقابلته إذا جاء زائرا لأخيها ، لم تعد تحدثني عنه شأنها من قبل ، ولم أستطع مقاومة فضولي فسألتها : أشعر بأنّ شيئا ما حدث بينك وبين صاحبك .. بسرعة أجابت : فضلت عليه آخر رأيته في النّادي .. وجدتني بدهشة أسألها : لماذا ؟ ردّت : الآخر .. أبوه رجل أعمال ثريّ ، وعنده سيارة آخر موديل ، ويسافر دائما إلى الخارج .. أما هو .. فلا يملك إلا تفوقه ، يعني ليست عنده سيارة ولا شقة ، ومن تتزوجه يجب أن تكون قادرة على رحلة كفاح طويلة .. انصرفت شاردة .. تحلم هذه المراهقة مثلي .. تضحي بالحبّ من أجل المادة .. إنّه دائما الخوف من المستقبل .. لكن شهيرة مراهقة .. غير ناضجة .. أمامها عمر طويل حتى تنضج وتتفادى أخطاء الأحلام الزّائفة .. في حين أنني أنا .. المدرسة النّاضجة ، قد تصرفت بمثل طيشها ، أدرت ظهري لعاطفة صادقة من أجل أحلام قد تؤدي بي في النهاية إلى الوحدة ، لدهشتي كان اتخاذي قرار نسيان أحلامي الزّائفة سريعا .. أسرع مما تصورت .. فهمت أخيرا أنّ هناك أشياء أكثر أهمية بالحياة في العلاقة بين الرّجل والمرأة ، وأنّ أموال الدّنيا كلها لا يمكن أن تشتري لحظة حبّ صادقة .
إنتهزت أوّل فرصة انفردت فيها بكريم .. قلت : عملت حساباتي .. اكتشفت أننا لو كافحنا معا يمكننا أن نحقق أحلامي .. لا يهم بعد كم سنة .. لكن المهم أن نكون معا .. قال : وهو يحتضنني بنظراته : كنت أتساءل كم من الوقت ستحتاجين لاتخاذ هذا القرار ؟!
[/justify]


( سعاد حلمي / مصر )


ملحوظة : نهاية سعيدة .. ولكن لو أنّ القصّة انتهت باعتذار كريم لها بأنّه قد تزوج أخرى نتيجة لتأخرها باتخاذ قرارها .. لكانت العبرة أقوى وقعا على المتلقي .. ما رأيكم أصدقائي ؟


* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )
قديم 08-12-2011, 05:37 PM
المشاركة 2
أحمد قرموشي المجرشي
النغـم المهاجـر
  • غير موجود
افتراضي
كنت هنا ياصديقي ...
تستهويني قراءة القصص القصيرة ...
كان النص جميلا والسرد رائعا ...
لاأهتم كثيرا بنهاية القصة ...
فقط يعجبني مايدور في الفلك من أحداث ...
دمت جميلا .

(( ابن الملــِــكين ))
نعم ...
لاحزن ...لاحزن ...
جدتي بلقيس ...وجدي ذو يزن .
**********
قديم 08-13-2011, 04:15 AM
المشاركة 3
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي
  • غير موجود
افتراضي
* أحمد .. أسعدني صبرك ومتابعتك للنهاية .. سعدت بحضورك المؤثر هنا .. شكرا لك .. مودتي .

* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أحلام زائفة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحلام بلا ظهر ..... إبراهيم الثقفي منبر القصص والروايات والمسرح . 3 09-10-2013 05:40 PM
أحلام ٌ ... على المقصلة !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 10 10-29-2012 06:04 PM
أحلام مخفية ماحي بلعيد منبر الشعر العمودي 6 07-22-2012 11:10 PM
أحلام صبحي ياسين منبر الشعر العمودي 4 04-02-2011 11:13 PM
++ أحلام طاولة ++ أحمد فؤاد صوفي منبر القصص والروايات والمسرح . 14 09-23-2010 10:54 PM

الساعة الآن 09:55 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.