احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2289
 
نبيل عودة
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


نبيل عودة is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
244

+التقييم
0.05

تاريخ التسجيل
Aug 2011

الاقامة

رقم العضوية
10276
08-03-2011, 08:02 PM
المشاركة 1
08-03-2011, 08:02 PM
المشاركة 1
افتراضي النظام والشعب
النظــــــام والشعــــــب
(زوجــــــان نموذجيــــان)

قصة: نبيل عودة

يتميز أستاذ الفلسفة بهدوء غير عادي ، يظنه المرء غارقاً في هموم الدنيا. هذا كان انطباعنا الأول عنه. ولكن بعد دقائق من بداية المحاضرة الأولى ، جذبنا بروحه المرحة، وشغفه على شرح نظريات مواضيعنا المعقدة، بقصص طريفة أحيانا، ويحثنا أن نحاول تصنيف الطرف التي نسمعها من الناس حسب موضوعها الفلسفي. وقوله المشهور ، إن الطرف هي حكمة حياة، فكروا بما تخفيه وليس بما تظهره ، بالدافع لصياغتها ، وليس بشكل وصولها إلينا.
وكان يفاجئنا أحيانا أن طرفنا التي تفجر الخواصر من الضحك، يستمع إليها بانتباه شديد، ولا ننجح بزحزحة ابتسامته ، بل نراه يغرق في التفكير، وبعد برهة تتسع ابتسامته، ويعبر عن إعجابه بالطرفة أو القصة، ويبدأ بتأويلها حسب موضوعها الفلسفي.
سألته مرة متجرئا، ألا يقود ذلك إلى جعل الفلسفة، هذا الموضوع الفكري الراقي ، نوعا من الإسفاف، يهبط بقيمتها العقلية، بين سائر المواضيع، إذا بالغنا برواية الطرف وتأويلها الفلسفي؟
أجابني بجدية مطلقة:" إن بناء الطرفة للوصول إلى هدف معين، يشبه بناء مفهوم فلسفي لتفسير وضع معين ، وهذا يعني أن الطرفة والمفهوم الفلسفي متشابهان بالدوافع. حتى الطرف التي تبدو سخيفة، لها دوافع.. لذلك ما تسميه الفلسفة "رؤى وتبصر" ، يظنه راوي الطرف "فن الإضحاك". إن الطرفة هي فن تخطيط الحدث ، والقادرون على هذا الفعل، يملكون رؤية واسعة وفهماً عميقاً للإنسان والمجتمع والحياة. لا عيب أن نتعلم منهم، أن نستعمل طرفهم لتفسير مفاهيم فلسفية عديدة. ولكن إياك وأن تظن أن الفلسفة وجدت لتضحك الناس. بل وجدت لتنشط العقل ، وتعمق الوعي، وتزيد المعارف وتخلق الجديد" .
وأضاف بعد فترة توقف: ما رأيكم أن نفسر الثورات في العالم العربي ، بقصة مناسبة؟ هل تظنون أن هذا مستحيلاً ؟
فكروا بالموضوع ، اكتبوا ونلتقي في الدرس القادم.
ضاع يوم العطلة وأنا أحك دماغي بلا فائدة، كنت أقول لنفسي الموضوع سهل ، النظام فاسد ولم يعد يستطيع الحكم ، والشعب اجتاز خوفه ولم يعد يقبل باستمرار النظام. إذن القصة هي علاقة بين نظام حكم وشعب. أصل الى هنا ولا أعرف كيف أواصل، كيف أركب حكاية أو أتذكر حكاية يمكن أن تشبه ما يجري في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.. . حتى جدتي قلقت من قلقي، وسمعتها تقول لوالدي أن ينتبه لي ، لأن حالتي لا تعجبها . سألني والدي: "ما حكايتك؟" بعد تردد شرحت له الوظيفة التي كلفني بها أستاذ الفلسفة. ضحك وقال: "بسيطة"، والتفت إلى جدتي ضاحكا: "إنه يريد سماع حكاية عبد الباري وزوجته".
استمعت للحكاية مسجلا رؤوس أقلام ، في تلك الليلة غادرني النوم تماما، سهرت حتى الصباح وأنا أكتب وأعيد الكتابة، أمزق وأكتب من جديد، وكانت هذه الحكاية عن "النظام والشعب" ، الزوجان النموذجيان في عالم العرب الذي حان موعد دفنه !!
************
عبد الباري تجاوز التسعين عاماً، وأضحت سيرته نموذجاً للبيت السعيد. تزوج في العشرين من عمره، وها قد مضى على زواجه سبعة عقود كاملة، دون أن يسمع إنس أو جن عن مشكلة بينه وبين زوجته حتى اشتهرت زوجته بالبلد والبلدات المجاورة بصفة "الزوجة الفاضلة الصموتة"، التي يضرب بها المثل ، وتقدم سيرتها وسيرة زوجها كنموذج للبيت السعيد للمقدمين على الزواج، وللأزواج المليئة حياتهم بالخلافات والمشاكل كي يحتذوا بهما ، و يجري التشديد خاصة على الزوجات اللواتي يُتهمن دائما بتسبيب المشاكل، من طول لسانهن أو قلة إيمانهن كما يقول شيخ البلد الجليل ، حتى بدون سماع رواياتهن ،والبعض يقول إن "المرأة يزداد وزنها عشرة كيلوغرامات كاملة بعد كل طوشة" ، والقانون غير المكتوب في بلدنا ، أن الزوج دائما هو العاقل وهو صاحب القول الفصل وكأنه رئيس جمهورية عربية.. رواية الزوج مقررة في بلدنا، حتى لو كان مخبولا ولا يعرف تركيب جملتين مفيدتين. وها هي زوجة عبد الباري نموذجاً لكن يا نساء البلد، عرفت قدرها ولم تتجاوز حدودها... فاحترمها زوجها وأجلها وكأنها كنز ذهب وجواهر !!
ويقول الشيخ في كل محضر:" زوجة عبد الباري تعرف واجب بيتها واحتياجات زوجها، لا تكثر من الكلام والمماحكة والنق على رأس زلمتها، ولا يهمها إلا سعادة بعلها وبيتها، هذا هو نموذج المرأة الصالحة كاملة العقل والدين".
لم تكن تعرف البلد الشيء الكثير عن عبد الباري وزوجته، ونصف ما يقال عنهما لا طريقة لإثباته، ولكنه حقا لا يستحق الإثبات لأنه خلو من أشياء مثيرة تشد السامعين. مثلا كلُ ما يعرف عن تلك الزوجة الصالحة ان من عادتها إذا تجادلت مع شخص وأغضبها ، أن تقول بكل هدوء:
- أقول لك للمرة الأولى... كذا وكيت.
وعدا ذلك لا يعرف عنها سلاطة اللسان أو المشاكسة أو الصراخ أو التدخل بشؤون نساء البلد ومشاكل بيوتها.
حقا كانت تلك جملتها المشهورة، والتي قليلا ما تسمع ، بسبب حياة العزلة التي تعيشها هي وزوجها بوفاق وحب لا يتعثر، ولكن المعلومات القليلة الواردة من عزلة هذا البيت السعيد، تقول أن لفظها لتلك الجملة ، يجعل زوجها عبد الباري يقفز فورا بتوتر ظاهر ، كأن لغماً انفجر به، مسارعا ليسد الطريق على أي خلاف، بين زوجته وبين من أسمعته تلك الجملة، مؤكداً أن زوجته على حق كامل، لا تتصرف إلا بالحق وأن زوجته إمرأة ولا كل النساء، وأن قلبه يؤلمه إذا اضطرت لإعادة جملتها المشهورة بصيغة :
" أقول لكم للمرة الثانية" مثلاً، فهي زوجة لا تعرف اللف والدوران، واستقامتها، كما يقول عبد الباري تفوق الوصف، والذي لا يرضى بكلامه، "الله وعلي معه.. ليبتعد عن بيتنا".
ترى أي نوع من النساء هي؟ وهل حقا خلق الله امرأة كاملة العقل والدين كما يقول عبد الباري، مستغلاً كلام الشيخ في الإشادة بزوجته ؟ ولماذا لم يخلق الله غيرها بهذه الصفات التي تشبه الحلم لكل رجل ؟
عبد الباري من شدة حبه لزوجته وغيرته على صوتها، لا يريد أن يسمع أصدق النساء تعيد قولها مرة ثانية، ويقول لمن حوله "الويل لنا من المرة الثانية، هذه الزوجة يجب أن تكون كلمتها نافذة من أول مرة".. وكان يشدد عبد الباري على قوله بطريقة تبدو غريبة بعض الشيء، خاصة حين تكون زوجته على خطأ مبين لا تبرير منطقي له... ولا يتردد بقطع العلاقة مع أقرب الناس صوناً لكرامة زوجته وكلمتها حتى لو كانت على خطأ، لدرجة أن البعض سخر من "الحب الذي يجعل الرجل مركوباً من زوجته مثل الحمار".. ولكن تأنيب الشيخ للمتطاولين، أخرس الألسن.
عبد الباري وزوجته يسكنان على أطراف البلد، فوق تلة تشرف على بضع قراريط من الأرض، يشتغل عبد الباري من الفجر حتى غياب الشمس في رعاية شؤون مزرعته الصغيرة.. يحرثها يزرعها ويربي فيها الدجاج وبعض الخراف البلدية، ورأسين بقر... ويكاد لا يخرج من مملكته، إلا للسوق أيام الاثنين ليبيع بعض ما رزقه الله به ويشتري ما يلزم بيته، ولم تكن زوجته ترافقه ، بل تكاد لا تغادر البيت والأرض، وفيما عدا ذلك، يبقى ملتصقاً بزوجته وأولاده، ولا ينتفض بشكل غريب إلا إذا قالت زوجته الفاضلة لأحد زوار المزرعة الصغيرة، أو حتى لقريب يزورهما واختلفا على موضوع، أو لإبن عصى أمرها..
- أقول لك للمرة الأولى..
هذا الأمر لاحظه كل من كان بصلة قرابة أو بهدف تجاري مع عبد الباري وزوجته، ولكن أقاويل غير مؤكدة تشكك أن في الأمر سراً لا تفسير له، وشيخ البلد يقول "اتركوا الناس في همومهم، هذا بيت صالح، لا تتحرشوا في أسرار البيوت ، ولا تفسدوا ما بين الصالحين". ولكن البلد، المليئة بالمشاكل بين المتزوجين، والأقارب والأصحاب، حيرها أمر عظيم: كيف يمكن لزوجين مضى على زواجهما ثلاثة أرباع القرن، لم يسمع أحد عن خلاف أو مشكلة بينهما؟؟ هل هم ملائكة؟؟
لم يتجرأ أحد أن يفاتح بالموضوع عبد الباري، الذي كان ينتفض غضباً للتدخل في شؤونه الخاصة، ويسارع بالابتعاد عن السائل والسائلين، وكأنهم مصابون بالطاعون القاتل. والحق يقال إن سيرته حسنة، يبتعد عن المشاكل، ويعيش بشبه انعزال منذ تزوج.
ولكن المقدر قد وقع ، وانتقلت الزوجة إلى رحمة ربها نظيفة من كل ذنب، رغم أنها كانت تبدو بنت معيشة وزوجها الذي يدب على عصاتين قريب من حافة قبره: "إن لله في قراراته شؤون لا تخص العباد" صدر حكم الشيخ لمنع التساؤلات.
في أيام العزاء لاحظت البلد أن عبد الباري العجوز الذي قارب التسعين استعاد صحته، وظهرت الحيوية على وجهه، بل صار يضحك، ويغمز على زوجته، ويتحدث بطريقة لم يعهدوها به، فهل هي صدمة الفراق أفقدته عقله أم الشيخوخة هبت رياحها دفعة واحدة فأفقدته وعيه ؟ بل ويتندر أهل البلد انه صار يلبي دعوات الزيارة، ويدعو الناس لزيارته، ولا يبخل بمد الموائد التي لم يشاهدها أحد سابقاً أيام زوجته، ويبدو أن أولاده صاروا أكثر حرية وسعادة، أمر غريب يلفت الانتباه. أين اختفى الحزن على فراق أفضل الزوجات وأكثرهن إخلاصا لزوجها وبيتها؟
في فجر أحد الأيام أنتشر خبر يقول أن عبد الباري أصيب بتوعك صحي صعب، ويبدو أنه يودع هذه الحياة. سارع الشيخ لزيارته، وفي ذهنه أن يفهم سر هذا التغيير، وكيف صمد على وفاق مع أم الأولاد سبعة عقود كاملة، حتى صار يضرب ببيته المثل، عن البيت السعيد، والزوجين النموذجيين اللذين لم يخلف بينهما شيء على الإطلاق.
كان عبد الباري يتنفس بصعوبة، وأولاده وأحفاده حوله، وبعد أن ألقى الشيخ التحية وقرأ الفاتحة فوق رأسه وتمنى له حسن الختام، سأله:
- البلد كلها تريد أن تعرف كيف يمكن بناء علاقات زوجية لفترة سبعة عقود بدون خلاف بل بوفاق كامل لا نعرف له حالة في عالمنا؟؟! أعطنا ما نصلح به بيوت العباد المتنازعين والمتقاتلين حتى على كلمة.
بعد أن تنهد عبد الباري بعمق، محاولاً أن يأخذ نفساً طويلاً يعينه على حديثه، إلا أنه ظل يلهث، ومن بين لهثه وأخرى وبتقطع في السرد، شرح سر هذا البيت الذي يضرب المثل بسعادته ووفاقه، قال:

- يا شيخنا الجليل، المسألة بسيطة، عندما تزوجنا لم تكن هنالك سيارات، عدنا بعربة يجرها حمار إلى بيتنا، والطريق وعرة كما تعلم وكلها صعود مرهق، مما أرهق الحمار، فوقع أرضاً، وعبثاً حاولت أن أنهره ليواصل، وزوجتي لم تصبر، نزلت من العربة، وأمسكت الحمار من أذنيه ، نظرت في عينيه وقالت له :"أقول لك للمرة الأولى، قم وتحرك" وما هي إلا لحظات، حتى قام أبو صابر وواصل جرنا بالعربة نحو البيت، بعد مسافة ما كبع الحمار مرة أخرى، ففتحت فمي لأنهره، فأسكتتني بيدها، نزلت وأمسكت الحمار من أذنيه ونظرت في عينيه وقالت له: " أقول لك للمرة الثانية قم وتحرك"، وكما بالمرة الأولى، أنتفض أبو صابر وعاد يجرنا بتثاقل واضح وإرهاق كبير نحو البيت، ولكن وعورة الطريق أسقطته أرضاً مرة أخرى، وكالمرة الأولى والثانية، نزلت عروستي وأمسكته من أذنيه ونظرت في عينيه وقالت له: " أقول لك للمرة الثالثة ولن تكون مرة رابعة، قم وتحرك" مضت لحظات والحمار المسكين غير قادر على الحركة، فإذا هي تخرج مسدساً من حقيبة ملابسها، وبلا مقدمات أطلقت رصاصة على رأس الحمار، ومن يومها لم أضطرها لتقول لأحد من الأبناء او الأقارب أو الزوار او التجار ، أقول لك للمرة الثانية ، المرة الأولى تكفي!!
nabiloudeh@gmail.com


قديم 08-08-2011, 06:17 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم نبيل عودة المحترم

البيوت أسرار . .
أو . . تحت السواهي دواهي . .
أو . . توقع مالا يمكن أن يتوقع . .

إن المحافظة على بيت الزوجية وتربية الأولاد لهو فن له طرائق متعددة . .
ولكن القوة المسلحة لتحقيق ذلك . . فهذه الطريقة لم تخطر على بالي من قبل . .

تميزت القصة بسرد يشد القارىء شداً ليكمل القراءة ليعرف الحقيقة . .
كما تميزت بأسلوب لغوي جيد . .

تقبل مني التحية والاحترام . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 08-08-2011, 06:21 PM
المشاركة 3
نبيل عودة
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اللغة هي المكمل للدراما القصصية، وبدون لغة قصصية لا قصة اطلاقا.صحيح ان المفردات نفسها لا تتغير ، ولكن تركيبة اللغة تختلف .انا اسميها لغة درامية.. وهي من أهم اسس الابداع القصصي. وليس بالضرورة الفذلكة والتضخيم والديباجة.. بل أبسط انواع السرد الذي يكاد يوازي اللغة المحكية.
تحياتي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.