احصائيات

الردود
4

المشاهدات
4092
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
06-07-2011, 07:23 PM
المشاركة 1
06-07-2011, 07:23 PM
المشاركة 1
افتراضي مغارة سماوية كما قرأها الأستاذ الناقد محمد عبد السميع نوح

مغارة سماوية
تمتلكني رغبة حادة بالصراخ ..
ربما ..لكي تستيقظ جذور النبات في رحم التربة و تقدم لي بعض العزاء فما عاد لي في ظاهر الأرض من يقدمه.
ربما..أصرخ كي أهب ذاكرتي قبلة الحياة فأنا أحتاج أن تجلدني بسياطها المرعبة لئلا أحيد ثانية عن دربها المرسوم.
من أنا؟ لست أدري .
ماذا سأكون ؟ لا أعي على وجه التحديد.
أين تستقر قدماي الآن؟
ربما تسبحان في هواء ..خواء مدته لي بكل براعة يدان أتقنتا رسم اللامدى و اللامنظور و جعلت منه عالما متكاملا دون أن ألمس منه ذرة في الواقع.
كانت الكلمات فعلا لا تشابه الكلمات، و مازالت هكذا!!
لكن جرعة أفيونها المخدر بدأت بالتلاشي بعد انقضاء نصف عمرها المؤثر و بدأ العقل بتنظيف سمومها و آثارها الجانبية.
كلمات كشجرة لبلاب أسطورية أصلها في التراب و فرعها بين الغيوم تسلقتها حتى وصلت عيون السحاب ..سحاب اعتلت متنه مغارات و تجاويف تسمع من عمقها همهماتٍ و قهقهاتٍ مخيفة لكائنات غير بشرية تسكنها.
رغم هذا خطوت إليها ...ولجتها بكامل إرادتي و ليس في يدي غير قنديل صغير بضوء شحيح بدأ نوره يذوي قليلا قليلا لأنه ما بقي فيه نقطة زيت و ربما لانعدام الأوكسجين لا فرق!
الغريب هنا أنّي ما زلت أتنفس!
طالعتني وجوهٌ طائرة لم أدر كيف رأيتها...من أين استمدت الضوء اللازم لأراها؟ ...وجوه مرعبة حينا و مألوفة حينا !
مظلمة تلك المغارة . كان بودي انتزاع قلبي المتقد فوق رأسي أضيء به الدرب لكنني أيقنت الهلاك و لم تكن ورائي جموع أقودها تحتاج الضوء كما كان دانكو* من قبل، فقررت أن أترك القلب يحترق في تجويف الصدر في حينٍ مقدورٍ لا أملك عنه حيادا.
تساءلت: لكل نفق لا بد من نهاية أخرى، هكذا يقول علم الهندسة. و لكل مغارة لا بد من منفذ آخر، هكذا تقول الجيولوجيا،لكن هذه مغارة فوق الغيوم، فهل تخضع للمقاييس الأرضية؟
سمعت خرير مياهٍ آتٍ من مكانٍ ما فاستيقنت أن ينبوعاً ما ينبجس من قلب صخرة .
إذاً هذه مغارة تشبه المغارة الأرضية،لم لا يكون لها من منفذ؟
قررت أن أموت و أنا أتقدم المسير فهو خير لي من أن أبقى قابعةً في مكاني أنتظره، فلربما أقابله في منتصف الطريق ،أوفر الزمن من أجلي و أوفر الجهد من أجله!
ارتقيت قدمي و امتشقت شجاعتي و عاودت المسير بخطى وجلة أتحسس موضع كل خطوةٍ كي لا أجد نفسي في هاويةٍ سحيقةٍ ...
درجات الأسود في الهواء بدأت تخف قليلا ..فهل أنني تعودت الظلام فتآلفت عيناي معه؟ أم أنّي اقتربت فعلا من نهاية المغارة؟
لست أدري..!
دندنت بأغنيةٍ ما علّي أزيح بعضا من وحشةٍ تغلف قلبي .
رددت جدران المغارة و حجارتها معي كلمات الأغنية ،كألف إنسان جاءوا ليشكلوا جوقة غير متناسقة.
مرعب صدى صوتي عندما يكون بهذا التعدد!
لكنني أعجبت بالتجربة، فكررتها، و رفعت صوتي بالغناء..ضحكت بهستيرية...كلمت نفسي ..تحدثت بكل لغة أعرفها :
To be or not to be that is the question
هاملت.. معلق بين السماء و الأرض، تعال هنا و شاركني وحشة المكان يا صديق !
صرت أسعد برد الصدى!
في مرحلة ما لم يعد يعنيني أن أبلغ بوابة الخروج .
عضني الجوع بأنيابه ،استيقظت فيّ غريزة الحياة فتركت اللعبة التي اخترعتها و سررت بها و غذذت السير.
شعاع رقيق جدا بدأ يتسلل ...فركت عيني أهو حقا بصيص ضوء أم أنني واهمة؟
اقتربت ..أكثر ...أقرب ..أقرب... بدأ اللون الرمادي الغامق ..فالأفتح..الأفتح...الأبيض.
خرجت إلى النور و الهواء، لأكتشف أنني أمضيت أعواما في جوف مغارة.
وجدت اللبلابة تنتظرني فامتطيتها و عدت إلى الأرض .
جدول مياهه رقراقة كان هناك..طالعت وجهي في صفحته لأجد أن هذه الرحلة لم تنل من روحي هماً و انطفاء أمنيات فقط ،و إنما نالت من جسدي هزالا و نحولا.
غسلت وجهي و يديّ مما نالهما و عاودت المسير من جديد..لكن في الوجهة الأخرى !!
-------------------------------------------------------
*دانكو شخصية محورية لقصة "قلب دانكو المحترق "
لمكسيم جوركي في مجموعته "مولد إنسان"
كتب الأستاذ الناقدمحمد عبد السميع نوح في قراءته لـ " مغارة سماوية"

جذور الإنسان كثيرا ما تكون المفزع الذي تأوي إليه الروح إذا حزبها الواقع لتلوذ بالآباء والأجداد في أجداثهم ، كما لو كانت لهم يد من العون أو النجدة .. الجو ضبابي جدا ، والقصة تصور بريشة رسام الكوابيس عالما خاصا جدا اخترعته الكاتبة واقترحت مفرداته بعناية .
نجد النبرة الطالعة من عالم تحكمه قوانين قاهرة ، لدرجة أن المرء كثيرا ما يحترم هذه القوانين رياء ، ثم مع الوقت يتشربها ولايكون عنها بد ، فهو درب مرسوم كما لو بمراسيم ملكية لاتقبل النقض .
ولو قرأنا شيئا من تفسير الأحلام عند ميلر أو عند ابن سيرين وجدنا للسباحة في الهواء عالما من الافتراضات سواء في علم النفس(ميلر وفرويد) أو اعتمادا على الدلالات الدينية(ابن سيرين) ولن نفصل الكلام حول ذلك ولكنها مجرد إشارة عابرة ، والذي يهمنا أن زلزالا عنيفا لو ضرب الأرض كلها فإن الفضاء الخارجي هو الملجأ الأوحد ، وهو ما استشعرته من عملية الهروب هذه .
رؤية خاصة لما لايرى ، وافتراض للرؤية بشكل غير تقليدي ، وإلا كيف وصفت بالإتقان (اللامدى واللامنظور؟) وهي بذلك تقترب في حذر وتأدب حين تتماس مع الحقيقة الكبرى والقدرة الإلهية التي كان كل شيء من إبداعها .
(الكلمات لاتشابه الكلمات) لامنطقية سيرورة الأشياء والناس والوظائف والعلاقات ، وتنافر كل ثنائية من ثنائيات هذه التركيبة المجتمعية تماما كطرفي سلك الكهرباء ، أحدهما سالب والآخر موجب ، ولايصح اثنان في الموجب أواثنان في السالب بحال . ولكنها قضية العقل البشري حين تسكنه االمعرفة بحسناتها وأوشابها، بنشوتها وآلامها ، لابد أن تعضل قضية الوجود هذه العقول المعذبة إلى الأبد .
أما (الأفيون المخدر) فجملة تتفجر بالثورة على كل مستقر وثابت في النفوس ، المبدع دائما تواق للتغيير ، هو طفل لايستريح إلا أن يعبث باللعبة حتى وإن أحرقت أنامله . ربة البيت المبدعة تغير كل فترة قصيرة من وضع الأسرة والأرائك والكراسي في بيتها لتبدو الأشياء كما لوكانت جديدة متجددة على الدوام ، والمبدع يفكك ويعيد تشكيل العالم على كل الاحتمالات ، ولم نتخلف عن الركب إلا بعد أن أغلقنا أبواب الاجتهاد في العلوم والفنون واكتفينا بالشروح وكتابة الحواشي حولها ، وحبسنا أنفسنا داخل توابيت تقديس مايمكن التنويع على أصوله والحوار معه وتطويره دون الكفر به ، ولكن باكتشافه من جديد . هذه عبارة (الأفيون المخدر) تدفع بشدة إلى هذا التصور .

(نصف العمر) من عادة المسجونين أو المجندين للخدمة الإلزامية أن يعدوا الأيام انتظارا لانقضاء مدتهم ، وهذه عبارة تضعنا في هذا الجو من الانتظار والملل .
شجرة اللبلاب (الأسطورية) وسيلة المواصلات ، والإنسان ينمو كما تنمو الأشجار ، ولكل عائلة شجرة تحفظ نسبها ونسبتها . وهنا أشعر بنسمة هواء صوفية تكشف عن باحث دؤوب يتتبع سلسلة النسب من أب وجد وأب جد وجد جد وهكذا نزولا بالشجرة الإنسانية إلى مصدرها الأول ، أو إلى الإبن وابن الإبن وابن ابن الإبن صاعدا إلى يوم الدين .. هذه الشجرة من اللبلاب بمثابة السلم أو المصعد الكهربائي (الأسانسير) وهو رمز محوري في القصة .
الاستغراق في الرحلة ، والإصرار على المغامرة ، ومفردة السحاب تحيل إلى الجدب والجفاف حسب المنطق الخاص للنص ، خاصة وأن كل شيء مقلوب هنا ، وكان الهروب إلى عالم مقلوب أيضا في مقابل هذا العالم الذي حكمت عليه القصة بالعدم .
وهو تدرج طبيعي أنتجته اللمحة السابقة عن عيون السحاب ، ولابد أن تكون هذه الكائنات غير بشرية ، وإلا لوكانت بشرية لما كان للهروب من داع .
ويظهر ضوء شحيح لقنديل صغير وهواستمرار للأمل برغم كل شيء ، ولابأس من كونه صغيرا ، فإنه على كل حال بصيص من الضوء . وكثيرا ما تضعنا ضآلة تجاربنا الحياتية في مآزق لايجد العقل ما يستأنس به إلا القليل النادر ، ويزداد هذا الأمر لدى المثقف الذي اضطر لأن يتعامل مع نوع آخر من الحياة العملية ، أو مع غير المثقف الذي وجد نفسه مقحما في أمور ثقافية ، كلاهما يتخبط كتخبط بطلة هذه القصة . وتحيط حالة الغربة بنفس الراوية لدرجة أن لم يعد فرق بين شيء وشيء ، ولايهم أن اختلف الوضع عن حال دانكو أو وافقه ولكن التأكيد على هاملت
يشي بأن في هذه الموجودات التي حكمت عليها الراوية البطلة بالعدم منها ما يجب الثأر منه والقصاص ، وترد الجملة الإنجليزية مؤكدة حال الاغتراب التام ، فوجودها في السياق العربي نشاز مقصود به اللفتة إلى الغربة العامة حتى في الكلام ، ولم لا ؟ وهي تنسب الضوء إلى الأذن في قولها ( أذني تعودت الظلام ) وعلينا نحن أن نكمل التراسل ونفترض هذه الجملة بالمقابل ( وعيني تعودت الصمت ) وتطلق عقيرتها بأغنية وتنشد الجوقة الغير منتظمة ، وتتعدد أصوات مغنية واحدة تعددا يخيف ثم يؤلف .. هذه الارتجاجات النفسية ذات صلة عميقة بروح الفنان المفعمة بالحيوية والعاطفة الكونية التي لاتحدها حدود ، ولذلك يكون الأثر جبارا إلى درجة ثورة داخلية مكتومة ولابد أن تبقى مكتومة لأن أحدا لن يتسن له أن يقدر لهذه الثورة قدرها ، إذ الحاتل كحال المتصوفة الذين يتكلمون عن ذوق خاص لايوصف كلاما .
وتتمايل التجربة بين الاستسلام والثورة في لامنطقية واقعية ، ولايمكن لمنطقية الواقع أن تتجاور مع منطق خاص اقترحه النص .
وتكون شجرة اللبلاب بالانتظار، وهي وسيلة المواصلات بين عالمين أسوأهما مانعيشه .
وللون الأبيض يجب أن نقف متأملين ، والبياض ملبس العروس ، والبياض لون الأكفان ، والبياض شفافية الروح ، والروح الشفيف يعيش الموت عرسا كاملا ..
هذه مغارة سماوية حقا ، حيث أشرقت على الروح منها سحائب الغيث والاستسلام للقدر استسلاما غير سلبي ولكنه مشمول بثورة للتغيير فيما هو بشري يلح على التغيير ،
كانت هذه الأصوات لدى المغارة السماوية معادلنا الموضوعي الي استأنسنا به دالا على أناس جذبتهم أنوار البياض نحو عالم فوق السحاب بدأ كابوسيا عند ريم بدر الدين وانتهى إشراقيا روحيا ..



قديم 06-07-2011, 07:43 PM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
Thumbs up
تحيّاتي
أشكرك أستاذتي الموفّقة جدا في كتاباتها ، وروعة انتقائها.
أشكرك على عذوبة المباني ، وعلى عمق المعاني. وعلى التحليل النفسي للنفس البشرية ونوازعها. وغربتها.
بوركتِ أستاذة ريم بدر الدين الواعية، وبورك المداد.

قديم 06-16-2011, 12:18 AM
المشاركة 3
احمد ماضي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
ريم بدر الدين

استاذتي

كما انتِ

زهرة تنث العطر كل حين

شكرا لكِ على هذا التواصل الطيب مع منبر النقد

لكِ من القلب التحية




لا سواكِ يكبلني بالحُب

قديم 06-26-2011, 01:16 AM
المشاركة 4
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أسجل إعجابي الشديد بكتاباتكِ وموضوعاتكِ التي تذوب رقةً وأناقة .
بوركتِ أستاذتنا ريم بدر الدين رمز العطاء .
تقبلي ؛ تحيّاتي وتقديري .

قديم 07-03-2011, 11:07 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
في قراءتي لهذا القصة القصيرة أجد بوحا واعيا وعلى الأغلب غير واعي مصدره غالبا العقل الباطني للكاتب.

في الواقع وبشكل عام أرى بأن الكثير من الكتابات هي بوح غير واعي مصدره العقل الباطني اللاواعي ولذلك يصعب على الكتاب أحيانا فهم ما الذي تملكهم أثناء الكتابة، وكأن للكتابة وحي أو شيطان وهي ليست كذلك وإنما يتولى العقل الباطن زمام الأمور خلال عملية الكتابة كما يتولاها أثناء النوم فيرينا من الأحلام والكوابيس الكثير.

هذه القصة العميقة مثال جيد لما يمكن أن يبوح به العقل الباطن. فرحلة بطل القصة هي رحلة نفسية وليست واقعيه بطبيعة الحال ولكن ما رمزية ما هو مطروح هنا؟

يبدو ان المغارة السماوية ما هي الا رمز لحالة نفسيه من الكرب والكآبة المرضية التي تصيب بطل أو بطلة القصة persona وما يترافق معها في حال سقوط بطل القصة في تلك الحالة المريضة.

وألا لماذا يشعر بطل القصة برغبة في الصراخ؟ وذلك كما ورد في بداية القصة، أليس هذا ما نشعر به في حالة الاكتئاب.
ثم ألا تبحث هذه الشخصية (عن العزاء الذي لم يعد في ظاهر الأرض من يقدمه ) وهو تعبير صارخ عن الشعور بالوحدة والاغتراب وفقدان الاتصال والدعم النفسي الذي عادة يحصل عليه الإنسان من محيطه الإنساني ، وهو جزء من الانحدار في متاهات مرض الكآبة.
بطل القصة يعبر عن حاجته لما يعيد له صوابه الذي بدأ يفقده كنتيجة لتلك الحالة المرضية فهو يصرخ طالبا المساعدة وحتى يتمكن من العودة ليعيش ضمن المعايير المقبولة والمتفق عليها اجتماعيا ونفسيا.
وهناك في العتمة والوحشة وفي ظرف الكآبة والاغتراب يبحث البطل ، بطل القصة ، عن الذات ( من أنا ؟ لست ادري؟ وماذا سأكون ؟ لا أعي على وجه التحديد ؟ أين تستقر قدماي الآن؟ ربما تسبحان في الهواء ..الخ. وكانت الكلمات فعلا لا تشابه الكلمات ) .
هنا مؤشرات مما أصاب البطل كنتيجة للحالة المرضية التي وقع فيها. وهو ما يحدث للشخص حينما يقع في غياهب الكآبة . . وهكذا وجد بطل القصة نفسه في المغارة التي هي حالة مرضية وفي المغارة يسمع البطل همهمات وقهقهات مخيفه لكائنات غير بشرية .. مؤشرات أخرى للحالة المرضية.

( رغم هذا خطوت إليها بكامل إرادتي) ...هنا يوضح بطل القصة بأن الانعزال الذي يفرضه مرض الكآبة كان قرارا إراديا واعيا أو هو يعتقد ذلك ، على الرغم من المخاوف التي يمكن للشخص أن ينحدر إليها ولكن البطل يشير إلى انه ظل متسلحا ( بضوء شحيح ) ولكن ذلك النور ( بدأ يذوي قليلا قليلا لأنه ما بقي فيه نقطة زيت أو ربما لانعدام الأوكسجين لا فرق ) وهذا تعبير غير واعي عن حالة الضيق التي فرضت نفسها على بطل القصة فكاد يختنق.
بطل القصة يحس بوجوده رغم ما أصابه من كآبة وضيق كادت تخنقه فلم ينحدر إلى الظلمة المطلقة.
ثم ما حدث في داخل المغارة هو رسم وتصوير لما يشعر به الإنسان الذي يقع في مثل هذه الحالة المرضية ( فهذه أشباح على شكل وجوه طائرة لم ادر كيف رايتها ؟ ) والحقيقة أن الإنسان عندما ينحدر إلى متون مرض الكآبة يرى أشياء أكثر من الأشباح وربما الجن الخ. فهذه الوجوه مرعبة. والحقيقة أن العقل البشري حينما يخرج عن السيطرة يكون مرعبا . فلم يكن هناك وجوه أصلا ولكن العقل الباطن يكشف عن مخاوف بطل القصة وحالة الرعب التي سقط فيها ( فظلمة تلك المغارة ) طبعا هي ظلمة المرض وليس هناك ظلمة اشد من ظلمة النفس حينما تصاب بالاضطراب.
ولكن بطل القصة وعلى الرغم من حالة الرعب التي تملكته ظل يبحث في داخله عن النور الذي يقوده للخروج من عتمة المغارة وظلام النفس البشرية. وهكذا بدأ يبحث عن نهاية النفق، وبدأ يبحث عن منفذ واستخدم لذلك التفكير المنطقي العلمي فاستنتج أن العقل يقول أن لا بد من نهاية أو مخرج لكل نفق مهما اشتدت ظلمته ولكن الشك ظل مسيطرا في تلك المرحلة من المرض ( فلعل تلك الظلمة تكون ظلمة مسيطر فلا مخرج ولا منفذ منها ).
المياه رمز الحياة ، فقد سمع بطل القصة صوت المياه فاستيقن بأن ما يجعل الماء ينبجس من قلب الصخر لقادر على أن يرد له عقله ، ويخرجه من ظلمة المغارة. واتخذ بطل القصة قرارا أن لا يستسلم وفضل أن يموت وهو يحاول أن يخرج من الكآبة على أن يظل في تلك المغارة. ( ارتقيت قدمي وامتشقت شجاعتي وعاودت المسير ) هي رمزية تشير بأن العقل بدأ يعود إلى الاتزان ولكن أثناء رحلة العودة إلى الشفاء ظل البطل ( يتحسس موضع كل خطوة ) وهي حالة من انعدام الثقة تصيب المريض بعد أن يصاب بما أصيب به البطل وذلك كي لا يجد نفسه في هاوية سحيقة فهو غير مطمئن حتى ذلك الوقت بقدرته للعودة من جديد. وهكذا بدأت العتمة بخف شيا فشيا ( درجات الأسود في الهواء بدأت تخف ) - ما أجمل هذا التعبير وربما لم يكتبه احد من قبل- وهو رمز على أن البطل بدأ يعود إلى الاتزان مرة أخرى وبدأ يشعر بأنه على وشك الخروج من المغارة أي من مرض الكآبة . رغم ذلك وفي لحظات مثل تلك تظل النفس وجله فعلى الرغم أن صدى الصوت أزال الوحشة لكن ظل هناك رعب إلى أن وصل البطل إلى قناعة بأنه لا بد أن يكون to be or not to be فاختار أن يكون. واختار البطل شخصا خرافيا ليتونس به ( هاملت ) ويشاركه وحشة الاغتراب وهو دليل ومؤشر آخر على رحلة العودة والخروج من الأزمة حيث تاخذ الشخصية الإنسانية بالعودة والخروج من الانطوائية والانعزال وذلك من خلال نظام الدعم الاجتماعي فليس هناك أقسى من الوحدة على النفس.
وما أن خرج البطل من عتمة الخوف لم يعد يعنيه اين هو او حتى الخروج من المغارة وفي ذلك إشارة واضحة إلى زوال الكآبة وأثارها وعليه وهناك وبعد أن تحقق الشفاء بدأ يشعر بالجوع الذي هو مؤشر على الشفاء ففقدان الشهية عند الإنسان هو انعكاس لحالة مرضية وهناك استيقظت غريزة الحياة وظهر شعاع الأمل ثم اخذ البطل يشفى شيئا فشيا وذلك بدليل الاقتراب من نهاية النفق أو المغارة إلى أن رأى اللون الأبيض، وهو رمز الشفاء التام،( فخرج البطل على النور والهواء ) وعاد إلى الحياة بعد أن كاد يفقد عقله مما أصابه من كآبة والتي اكتشف انه قضى بها أياما تقاس بأعوام بالمقاس الزمني لمن يمر بتلك الحالة.
وبعد أن عادت المياه إلى مجاريها يكتشف البطل بأن رحلة المرض تلك نالت من روحه وحطمت جزا من أحلامه وكذلك نالت من جسده فصابه الهزال والنحول. وهناك عاد البطل إلى متابعة المسيرة لكن في الوجهة الأخرى فطوى بذلك صفحة من صفحات حياته الكئيبة وبنية أن لا يعود إليها مرة أخرى.
- انه العقل البشري المهول
- هذا الكون الشاسع المخيف الذي قد يتجلى على أشكال مخيفه لا يمكن لأحدنا أن يتخيلها إلا إذا ما عبر الطريق إلى تلك المغارة الموحشة.

قصة عميقه ومعبرة إلى ابعد الحدود ورائعة لانها تكشف أغوار النفس البشرية وأسرارها في ظل ما قد يصيبها من شائبة.

ولا شك أن للكاتبة قدرة هائلة على التعبير أن كانت كتبت القصة عن وعي أي سجلت فلم سينمائي عما يحل بمن يمر بتلك التجربة، وهي شجاعة أن لم تكن تقصد ولم تكن تعي حيث تركت العنان لعقلها الباطن أن يرسم لنا حالة من حالة الكرب التي يمكن أن تصيب النفس البشرية والية الخروج منها. فذلك الضوء في آخر النفق هو الذي قادها إلى الرجوع وهي رسالة جميلة جدا فعلينا مهما ضاقت بنا الدنيا أن نحتفظ بالأمل في أعماقنا ليهدينا إلى طريق العودة فالأمل هو دائما خلاصنا.

عميقة بكل المقاييس وهي من أعمق ما قرأت ومهمة في موضوعها كونها تعالج البعد الانساني للنفس البشرية.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: مغارة سماوية كما قرأها الأستاذ الناقد محمد عبد السميع نوح
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مغارة سماوية ريم بدر الدين منبر القصص والروايات والمسرح . 22 09-12-2017 04:59 PM
حظ العبد من اسم السميع: ناصر عبد الغفور منبر الحوارات الثقافية العامة 0 08-17-2015 01:47 AM
مغارة الشيوخ روان عبد الكريم منبر القصص والروايات والمسرح . 8 04-15-2014 11:56 PM
مغارة النبي موسى غرب دمشق تيمه الشمري منبر الفنون. 8 05-25-2011 09:07 AM
مواويل سماوية على أعتاب نهاوند د.مقداد رحيم منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 7 03-29-2011 10:46 PM

الساعة الآن 04:44 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.