
الحرة ,, وجذع شجرة
أتيتِ يا فاتنتي .. مثل عربية حرة .. أو بنت شيخ تجر خمارها والجواري من حولها كفلقة القمر ,, /
جئتِ كغريبة تجتاح دنياي وتقلب كل الأمكنة , أقبلتِ ذات صدفة وبيدكِ معول وفأس صغير .. وخطوات منكِ غاضبة أذهلتني ,
وبينما كنتِ تمرين بي وأنا أجلس في بستان الدنيا , أراقب الطيور وهي تهبط من عل لتشرب من ماء البحيرة الساكنة وتروي عطشها , قلتِ لي لاهثة متعبة :
(هل تسمح لي بأن أستظل بهذه الشجرة لأرتاح قليلا ؟ )
أجبتك وأنا أنظر إلى تعبك ووجهك الشاحب : (نعم , على الرحب والسعة ) ,,//
وجلستِ على بعد خطوات مني , ثم تبادلنا كلمات قليلة ووقفتِ من جديد , سألتكِ : إلى أين ؟
قلتِ سارحة في الأفق : أعذرني , فلدي عمل أتيتُ كي أُنجزه , ولكني رأيت مكانك الظليل هذا ففكرت بأخذ قسط من الراحة بعد رحلتي المضنية .
سألتكِ وكلي فضول : وما هو العمل الذي أتيتِ من أجله ؟
أشرتِ إلى النهر بالفأس تقولين : سأذهب هناك .. عند مصب النهر لأدفن رفاة معي .
سألتكِ بذهول : ماذا ... رفاة .. رفاة ميت ؟
قلتِ : نعم , ومضيتِ فأوجست منكِ خيفة , وتملكني الفضول واعترتني الدهشة لكلامك , فحدثتني نفسي بأن ألاحقكِ عن بعد لأرى ما أنتِ عازمة على فعله ..
فتتبعتكِ خلسة وأخذت أراقبك من وراء الأشجاروأنتي تأمرين صويحاباتكِ بالعودة إلى أول الغابة , وإذا بكِ تخرجين شئ لا يشبه أجساد الناس من حقيبة كانت معكِ ,,,
شئ ثقيل وكاد أن يسقطكِ أرضا .. فهرعتُ إليكِ وأسرعت أقيل عثرتكِ وأنا أقول : دعيني أُساعدك ..
ولكنك رفضتِ وقلتِ وأنتِ توشكين على البكاء : لا , أرجوك .. دعني أعمل وحدي ..
جلستُ بعيدا عنك أراقبكِ في حيرة ومضض في آن واحد , فرأيتكِ تنزعين عن الشئ لفلائف بلاستيكية كنتِ تغلفيه بها , وإذا بجذع شجرة أجوف صغير يظهر أمام أنظاري ..
كدتُ أن أضحك وهمستُ في سريرتي قائلا : شجرة .. هل تسمين جذع شجرة برفاة ؟
وكأنكِ سمعتني , فالتفتِ إلي وقلتِ : إنه جذع شجرة وأريد دفنه ..
توجهت نحوك وقلت مشفقا عليك : إنه ثقيل دعيني أُساعدك ..
ووافقتِ بعد جهد جهيد , وعندما نثرنا آخر التراب على قبر الشجرة , سألتكِ بحيرة : أنا لا أفهم .. لماذا تدفنين هذه الشجرة ؟
قلت لي بحزن : لهذه الشجرة ذكريات وحكايات ..
قلت بلهفة : إذن أخبريني بها كي تزيلي حيرتي ..
قلت ِ : لقد شهدت هذه الشجرة قصة حب كبيرة , لطالما أنا وفارس أحلامي جلسنا تحتها , وتجاذبنا الحديث والطرائف ,,,
ولطالما ضحكنا ولعبنا حولها .. حتى نحتنا اسمينا على غصونها ..
سألتكِ : وماذا حدث ؟؟؟
قلتِ : تزوجنا ,, و تحول إلى كائن مخيف .. بعد أن كان مصدر سعادتي القليلة , أصبح قبلة حزني العميق والدائم ,
وبعد أن انفصلت عنه قررت طمس معالم كل شئ كان يربطني به .. حتى هذه الشجرة ,,/
وابتعدتِ عني تبكين , فلم أحتمل رؤية دموعك , قلت بهدوء : لما البكاء الآن ؟
التفتِ إلي وقلتِ : أريد أن أبكي آخر قطرات من الدمع على الماضي , أريد أن أنسى , فهل تستطيع أن تساعدني ؟
وأسرعت إليك وأجبتكِ بإصرار : أجل .. أنا وحدي من يستطيع أن يُنسيك عذابك ..
ومددتُ لك يدي , واحتصنت كفك , ثم سرنا معا في طريق الحياة ,, نرسم بخطانا قصة بإذن الله لن تموت ,,
تمت
// حسن الحارثي //