احصائيات

الردود
3

المشاهدات
10819
 
مروان الحافظ
قــاص

مروان الحافظ is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
30

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Aug 2007

الاقامة

رقم العضوية
3954
12-03-2010, 10:33 AM
المشاركة 1
12-03-2010, 10:33 AM
المشاركة 1
افتراضي الطفل والطفولة في شعر السياب....
ولد الشاعر في قرية ( جيكور) من لواء البصرة عام ( 1926) ، وكان أبوه مزارعا يعتاش على ماتدرّه أشجار النخيل له من تمر وفير، فعاش بدر السنوات الأولى من طفولته في مستوى اجتماعي وماديّ لائق إلى أن اختطف القدر والدته سنة (1932)، فرحلت عن دنياه الصغيرة، وكان لهذا الرحيل المبكر أثره المؤلم في وجدان الطفل الذي غدا يتيما فاقدا لألذ حنان وهو حنان الأم!، ولاشك أن لهذا الحدث المفجع آثارا كبيرة في نفسيته وهو صغير، وبقيت دفينة في أعماقه حتى وجد – فيما بعد- منفذا لها في الشعر على شكل صور حزينة باكية، ومما زاد من شعوره بالحرمان العاطفي هو بعد زواج أبيه بامرأة أخرى دخلت إلى البيت، وآستحوذت على حياة الآسرة، فكان ذلك الحدث صدمة أخرى تلقاها الصبي بدر الذي لم ير جدّه ( من أمه) بداً إلا إبعاده عن موطنه الذي يشعره بالحزن والضياع، فرحل على مضض سنة (1935) وهو آبن التاسعة عن جيكور- مربى طفولته إلى بيت جده.(1)
أبي ، منه قد جردتني النساء ... وأمي طواها الردى المعجل(2)
كان تعليمه الأولي بمدرسة إبتدائية في قرية باب سليمان وهي قرية قريبة من جيكور، وبدأ بهذه المرحلة يعجبه الشعر قراءة ونظما ، وهذا الحرص على التعلم والقراءة شجع جدّه أن يرسله إلى مدينة البصرة ليكمل دراسته الثانوية التي أنهاها عام(1943) ، وكان عليه لكي يكمل تعليمه العالي أن يهجر جيكور والبصرة والجنوب إذ شدّته نداءات بغداد المدوّية، فدخل عاصمة الرشيد صبيحة أحد الأيام أواخر سنة(1943)، ملتحقا بدار المعلمين العالية التي تخرج منها نهاية سنة (1949) بشهادة بكلوريوس في اللغة الإنكليزية والأدب الإنكليزي.(3)، وتعرّف خلال سنوات الدراسة بشخصيات أدبية مثل: الشاعر عبد الوهاب البياتي، والكاتب جبرا إبراهيم جبرا، والشاعر الكبير سليمان العيسى، والشاعرة نازك الملائكة، ولميعة عباس عمارة والروائي محي الدين آسماعيل..وآخرين.
تميزّت حياته – بصفة عامة - بالشقاء وعدم الاستقرار على الصعيد: الشخصي والعام.
وتلك الأحاسيس الدفينة الموجعة جعلته يدّعي حب الفتيات له لكن الواقع كان غير ذلك تماما، فكتب مرة بعد وفاة جدّته(1942) إلى صديقه الأديب خالد الشواف: ( ومرت سنون وأنا أهفو إلى الحب، ولم أنل منه شيئا، ولم أعرفه! وما حاجتي إلى الحب مادام هناك قلب لجدتي يخفق بحبي) (1)، لكن بعض المصادر تذكر أنه عاش حالات شبيهة بالحب مع (هالة- راعية غنم في قريته)، وأخريات في دار المعلمين منهن ( لبيبة وديزي)، ويقال أن الشاعرة لميعة عباس عمارة كانت على علاقة وطيدة معه!؟، وأن هذه أهم علاقاته لعدة أسباب: كونهما من عالم واحد وهو عالم الشعر، إلى جانب وحدة الفكر السياسي، ولكن من سيرة حياته يتبين أنه كان قلقا في علاقاته لا يسكن على قرار؟! ففشلت جميعها!(2)، وآنتهى به الأمر أن يتزوج زواجا تقليديا.
وعلى مستوى حياته الوظيفية فقد عانى في حياته الوظيفية والعامة من الفصل والبطالة والنفي لسنين طويلة نتيجة مواقفه الوطنية والسياسية(3)، وأخيرا توفي وهو يعاني مجموعة أمراض خارج وطنه يوم 24/12/1964.
وخلال هذه السنين الصعبة أنجز الشاعر عددا كبيرا من الدواوين وبعض المقالات وأعمال مترجمة.
طفولة السياب..في شعره
***************************
عرفنا عن حياته المبكرة أنه عاش آبنا للجنوب بين آشجار النخيل وسواقي شط العرب :
لقد لاح لي من ذكريـاتي بوادر... وإن هوى نفسـي بتلك البـوادر
فتلك رسوم الريف تحيا بخاطري... كما عاش في الأوتار أنغام ساحر
وتلك الحقول الزهـر تنسلّ بينها... جداول ماء بين وانٍ وفائـــر
عليها جسـور من جذوع نخيلها... تئنّ وتشكو تحت أقدام عابـــر(1)
وفي جيكور بدأت معالم طفولته ، بين كنف عائلة كبيرة شأن أغلب العوائل الريفية العربية ، لكنه حظي بمكانة خاصة لدى ( كريمة- والدته) لأنه الولد البكر، وعاش بدر الطفل مع أطفال القرية، يلعب بين أشجار النخيل ، وعلى ضفاف الشاطىء:
آه لو تكتمين سرّي لحدثتك... عن جنّـة تركتـها ورائـــي
عن هواي القديم في الريف... والأحلام والأنس والمنى والرجاء
كم لجأنا إلى الشواطــىء ... نتروح في لــذة عطور السماء(2)
لقد علق قلبه بالقرية وناسها وطبيعتها فبات يتذكرها لسنين طويلة ، وخاصة حين كان يشعر بالوحدة والضياع في المدينة التي عاشها حزنا وألما ودسائس وسجون ونفي، وهذا يعني أن الطفولة صارت عنده ملاذه الآمن الذي يُشعره بالفرح والبراءة والصدق والضحك :
ياصباي الذي كان للكون عطراً وزهواً وتيها ..
كان يومي كعام تعدّ المسرّة..فيه نبضاً لقلبي تفجّر منها على كل زهرة ..
كان للأرض قلبٌ أحسُّ به في الدروب...
في البساتين ، في كلِّ نهر يروي بنيها...آه جيكور، جيكور!...(3)
ـــــــــــــــــــــ
(1)- ذكريات الريف- ديوان (إقبال)، مج الكاملة ، ص413.
(2)- شعاع الذكرى- غير منشورة سابقا في ديوان، مج الكاملة، ص432.
(3)- جيكور شابت- ديوان المعبد الغريق، مج الكاملة، ص130.
ونراه يكرّر - بصور شعره - موطن طفولته ، قريته ( جيكور) سواء من باب الحنين إلى الطفولة السعيدة ، أو من باب تذكر أحداث ألمت بحياته الأولى حيث حرم حنان الأم والأب، ثم جدّته :
خيالك من أهلــي الأقربين ... أبــرُّ وإن كـان لا يعقـــل
أبي منه قد جرّدتني النساءُ ... وأمّـي طــواها الردى المعجّـل
ومالي من الدهر إلا رضاك... فرحمــاك فالدهـر لا يعـــدل(1)
ويقول عن جدّته في قصيدة يرثيها:
أنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبي أوصدت قبركِ دوني
ليتني لم أكن رأيتك من فبل ُ ولم ألق منكِ عطف حنـون
آه لو لم تعوديني على العطف وآه لو لم أكن أو تكوني(2)
فهذه كلها ومضات وصور اكتنزتها ذاكرته عن طفولته التي تأرجحت بين السرور واللعب حينا ، والحزن والحرمان حينا!، فهذه دار جدِّه المقفرة ، يدخلها بعد سنين :
مطفأة هي النوافذ الكثار...
وباب جدّي موصد وبيته إنتظار...
وأطرق الباب .. فمن يجيب، يفتح ؟!
تجيبني الطفولة ، الشباب منذ صار،
تجيبني الجرار جفَّ ماؤها، فليس تنضح:
بويب، غير أنها تذرّ ذرّ الغبار...(*)
مطفأة هي الشموس فيه والنجوم...(3)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)- خيالك- ديوان (إقبال)، مج الكاملة ، ص81.
(2)- رثاء جدّتي- ديوان (إقبال)، مج الكاملة، ص78.
(3)- دار جدّي- ديوان المعبد الغريق، مج الكاملة، ص101.
(*). بويب هو أحد الجداول التي تمتلىء بالماء عندما يفيض شط العرب.
إذن كانت دار جدّه كبيرة عامرة بدليل كثرة نوافذها، والجرار التي كانت تملأ بالماء لكثرة الشاربين أو المستعملين منها، واليوم صارت فارغة علاها الغبار، ولم تعد الجرار تنضح..!وهذه الصورة طبعا إرتفعت من دلالاتها المادية الواقعية إلى مستوى رمزي دال على الشعور بالضياع والشعور بالوحدة والإغتراب.....الخ.
ومن فترة صباه يتذكر واقعة أخرى مختلفة عن نمط حياته العائلية، وهي ذكره عن علاقة عاطفية بريئة مع فتاة راعية أحبها وعشقها ؟!:
لقد حدثوني بموت القطيع.... فشدَّت على القلب كفُّ الألم
رأيتك تبكيـن بين الثرى.... وتستصـرخين رعـاة الغنم
وحولك سرب من الراعيات... يخففن عنك الضنى والسأم(1)
فمن تكون هذه الفتاة الراعية التي كان يذكرها بين حين وآخر؟! وقد ذكرت بعض المصادر أن آسمها هالة:
أبدا تذكرني المروج بمن نأت ْ....وربابة الراعي تهيج الشوق لي
في كلّ زاوية نظرت رأيت من .... آثارها مـا خلفته لمقتلي!(2)
أو قد تكون وفيقة- إحدى بنات عمومته والتي تزوجت فيما بعد، فظلت تمثل بالنسبة إليه الحلم الممتنع، وقد عكس ذلك في شعره( ولعلّ قصيدة –على الشاطىء- التي نظمها بدر عام 1941 أن تكون أقدم قصائده ، وهي قصيدة نظمها للتعبيرعن خيبته العاطفية الأولى ..) (3):
خلا من طيفها النهر... فأين الحبّ والعهد؟
سدى قضيت أيامي....على شطآن أوهامي
ولا صفو ولا قرب....فردِّي بعض أحلامي(4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- رثاء القطيع- ديوان (إقبال)، مج الكاملة ، ص429.
(2)- تنهدات- غير منشورة في ديوان سابقا، مج الكاملة ، ص418.
(3)- بدر شاكر السياب- دراسة في حياته وشعره، إحسان عباس، ص29.
(4)- على الشاطىء، غير منشورة في ديوان سابقا، مج الكاملة ، ص410.
ومن أخريات فترة طفولته – كذلك- يتذكر بدر شناشيل مدينة أبي الخصيب، حيث كان تلميذا في المرحلة المتوسطة، وكانت مدرسته تعود لعائلة ثرية من الملاكين الكبار الذين يمتلكون بيوتا فيها شرفات خشبية ذات نوافذ زجاجية ملونة( تسمى شناشيل)، وهناك أحس بأن الوصول إلى هذه الشناشيل حلم بعيد عال لفلاح صغير، فنراه يعبر بعد سنين عن ذلك الحلم بقصيدته الشهيرة ( شناشيل آبنة الجلبي) التي ضمنها بعض الأهزوجات الشعبية كان الأطفال يردد ها في الأيام الممطرة:
يامطرا ياحلبـي
عبر بنات الجلبي
يامطـرا ياشا شا
عبر بنـات الباشا
....
ثلاثون آنقضت ، وكبرت : كم حب وكم وجد
توهّج في فؤادي
غير أنِّي كلما صفقتْ يدا الرعد
مددتُ الطرف أرقب، ربما ائتلقَ الشناشيل
فأبصرتُ آبنةَ الجلبي مقبلةً إلى وعدي !
ولم أرها ...هواءٌ كلُّ أشواقي ، أباطيل
ونبت دونما ثمرٌ ولا ورد..(1)
ـــــــــــــــــــ
(1)- شناشيل ابنة الجلبي، ديوان شناشيل ابنة الجلبي وإقبال، مج الكاملة، ص314-315.
المبحث الثاني: رمز الطفل والطفولة في شعر السياب..
*********************************
الطفل بدر عاش كما تقدّم الكلام عنه يتيما ذاق مرارة الحرمان العاطفي ، ثم ذاق ألم الإفتراق عن رعاية الأب بعد أن تزوج من امرأة أخرى، فآضطر إلى العيش في عدة أماكن بعيدا عن مسقط رأسه قريته ( جيكور)، ثم ماتت الجدّة الحنون الوحيدة ، ولمّا وجد رفقة دافئة من آبنة عمه – الراعية الصغيرة، تفاجأ بزواجها بعد سنين ....؟!!
كل تلك الأحداث في حياة الصغير جعلته يستشعر الألم والحرمان والضعف إزاء أقدار عاكسته بقوة ودون رحمة ، فلابدّ أن تترك تلك الوقائع آثارها في شعره ، حيث عرف عنه تحولات شعرية في توظيف كل مشاهد الحياة من معانيها المباشرة – الواقعية إلى رموز ودلالات ، ومن بين هذه الأشياء صور الطفولة التي أخرجها من دائرتها الضيقة الوصفية إلى عالم الحياة الإنسانية.
فمثلا في قصيدته ( الأسلحة والأطفال) نراه يجعل الأطفال رمزا للإنبعاث والتجدد حين تشيخ الأرض وتقل مباهجها وحركتها:
ومن يُفهم الأرضَ أن الصغار
يضيقون بالحفرة الباردة(1)
ويذكر الشاعر في الهامش المتعلق بهذين البيتين مايدل على أن المعنى هو( الأرض عجوز شاخت حتى لا تعلم بأن الصغار حركون كظلال الربيع)!(2)، ولاشك أن السياب كان في هذه المرحلة من تعامله مع الطفولة وغيرها قد بدأ مرحلة تحول في أسلوب الكتابة الشعرية فلذا جاءت صوره فنية وليست نقلية تسجيلية، لأنه- كما يقول د. عبد الواحد لؤلؤة- كان قد تأثر بتيارات شعرية أجنبية ، مثل شعر:الشاعرة الإنكليزية ( إيديث ستويل )، والشاعر الإنكليزي ( ت.س. إليوت )، والشاعر الأسباني ( غارسيا لوركا)، وآخرين(2).
ومثل هذا التوجه في آستخدام الطفل والطفولة رمزاً نجده في قصائد عديدة ، مثل قوله في أروع قصائده (أنشودة المطر) التي مطلعها:
___________________________
(1)- قصيدة أنشودة المطر- مج الكاملة، ص148.
(2)- ينظر كتاب، البحث عن المعنى، د. عبد الواحد لؤلؤة، ص 167-226
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر،
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر...
إذ آستطاع الشاعر في هذه القصيدة ( أن يرتفع بالتعبير الشعري العربي إلى ذرى لم يبلغها من قبل ، وقد إستفاد من الرموز الأسطورية ومن البناء الأسطوري بدون أن يذكر الأسطورة صراحة)(1)، ومن بين العوالم التي نالت السمو والرفعة التعبيرية هي: عالم الطفل والطفولة حيث يقول بدر من القصيدة ذاتها:
فتستفيق ملءَ روحي ، رعشة البكاء
ونشوة وحشية تعانق ُ السماء...
كنشوة الطفل إذا خاف القمر!
وهنا يجعل صورة انفعال الطفل الذي يخاف القمر وبكائه وإرتعاشته في معادلة موضوعية مع الصور النفسية الذاتية التي يشعرها الشاعر تجاه صور الخراب والضياع التي لحقت بالوطن والقيم، وقد لعب اللون الأصفر دوره في هذه المعادلة لدلالته على الموت والضياع ...الخ.
لكن بدر في نهاية قصيدته يجعل الطفولة رمزا للإنبعاث والعودة:
كأنَّ طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمّه – التي أفاق منذ عام فلم يجدها ،
ثمّ حين لجّ في السؤال ،
قالوا له : بعد غدٍ تعود.....
فالأم والطفل - الملحودين بسبب الفقر والجوع في قبر قرب تل- سيعودان بفعل المطر ( الثورة والتغيير)، وهكذا جعل السياب الأم هي الوطن ، والطفل هو حركة التجدد والتطور وآستمرار الحياة: في كلّ قطرة من المطر
فهي إبتسام في إنتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد(2)
ـــــــــــــــــــــ
(1)- بدر شاكر السياب، ريتا عوض، ص37.
(2)- (أنشودة المطر)- مج الكاملة، ص253-257.
وفي قصيدته ( مدينة بلامطر) ويعني العراق في العهود الماضية ، الذي عانى الكثير من المآسي ، فيصوره في جوٍّ أسطوري- بابلي ، أن معاناته الطويلة القاسية سيتبدد عندما يسير أطفال بابل – رمز الجيل الذي ستتحقق على أياديه الثورة – حاملين قربانا لعشتروت ، فتستجيب السماء لصراخاتهم التي توشحت بالحنق على الآلهة ذاتها:
وسار صغار بابل يحملون سلال صبار
وفاكهة من الفخار قربانا لعشتار..
............
سمعنا لا حفيف النخل تحت العارض السحاح
أو ما وشوشته الريح حيث ابتلت الأدواح
ولكن خفقة الأقدام والأيدي
وكركرة وآه صغيرة قبضت بيمناها
على قمر يرفرف كالفراشة، أو على نجمة
على هبة من الغيمة..
على رعشات ماء، قطرة همست بها نسمة
لنعلم أن بابل سوف تغسل من خطاياها(1)
هذا التماسك المعنوي والفني بين مكونات القصيدة: الوطن الذي يعاني، والنهضة والحركة، وصوت الرعود – الثورات والآنتفاضات، وتطلع نحو الخلاص، والغد – التحرر الذي يجسده الأطفال – جيل المستقبل، فكل قطرة ماء تعني سقي الأرض ، وعندما تتلقى الأرض القطرات تدبّ فيها الحياة والحركة ويلصقهما الشاعر دائما بالطفل والطفولة- جيل الغد.
أطفال العراق في شعر السياب يصيبهم البؤس والفقر والجوع والموت في مطالع أغلب قصائده!؟ لأن معاناتهم من معاناة المجتمع بأكمله الذين عانوا من حكام فاسدين طغاة:
ليعوِ سربروس في الدروب
في بابل الحزينة المهدمة
ــــــــــــــــــــ
(1)- قصيدة ( مدينة بلا مطر)- ديوان أنشودة المطر، مج الكاملة، ص261-262.
ويملأ الفضاء زمزمه
يمزق الصغار بالنيوب، يقضم العظام...
أشداقه الرهيبة الثلاثة احتراق
يؤجّ في العراق
لكن يدر السياب لا يترك مصير الوطن وأبنائه ومنهم الأطفال بيد الموت والفقر والضياع، فهو دائما ينهي خاتمة قصائده بأمل بزوغ شمس الحياة مرة أخرى، ويتجسد هذا الأمل في عالم الطفل والطفولة رمزا على التجدد والنهوض والخلاص:
ليعوِ سربروس(*) في الدروب
لينهش الآلهة الحزينة ، الآلهة المروعة
فإن من دمائها ستخصب الحبوب
سينبت الإله ، فالشرائح الموزعة تجمعت، تململت،
سيولد الضياء من رحم ينز بالدماء...(1)
وفي البيت الأخير يولد الأطفال- الضياء من أعماق وجدان الشعب الذي يعاني المآسي، فصارت الطفولة هنا رمزا لبزوغ فجر حياة جديدة.
ولعله صعّد ت تلك الصور والترميزات من قيم الطفل والطفولة فجعلتهما في مصافي الرموز التاريخية والأسطورية، مع أن هذه الأخيرة قد تكون قد تجمدت في دلالاتها بينما رموز الطفولة تتجدد وتتوالد دائما.
ولو جرى البحث عن لفظة الطفل أو الطفولة في قصائد دواوينه كافة، فإنني أجزم لوجدت أن 90% منها قد تضمنت هاتين اللفظتين ليست كلمات مفردة مباشرة بل في صور ذات دلالات تأخذ أبعادا فكرية ترتقي إلى مستوى الترميز.
ـــــــــــــــــــــــ
(*)- سربروس: كلب الجحيم الذي يحرس مملكة الموت السوداء، وهذا الكلب ذو رؤوس ثلاثة......ينظر، حسن توفيق، م.س، ص220.
(1)- قصيدة سربروس في بابل- ديوان أنشودة المطر، مج الكاملة ، ص 258-259.
إن الطفولة هي المفتاح إلى شخصية بدر شاكر السياب، وإلى أدبه، وكل محاولة لفهمه – إنسانا وأديبا- خارج دائرة الطفولة، هي محاولة ناقصة.
لقد تشبث بلفظة الطفل والطفولة ودلالاتهما تشبثا يعكس عمق معاناته وفرط حساسيته تجاه مرحلة قاسية من عمره رافقته آثارها حتى الكبر.
لقد كانت بواكير قصائده تتضمن جزءا كبيرا من صور طفولته في جيكور، حيث اليتم والحرمان العاطفي ثم الإفتراق عن الأهل، والحقيقة أن قصائده الأولى كانت عاطفية ذاتية مباشرة، إذ كانت كل صورها في محيط حياة الشاعر وقريته ومعاناته الشخصية ، لكنه بعد قراءاته لأشعار الغربيين وتوسع أفق رؤيته الفكرية جاء توظيفه للطفولة بفنية تعبيرية عالية التي وضعته – مع مجالات توظيفات أخرى- في مصافي كبار الشعراء الذين يتحول في نتاجاتهم كل معنى أو فكرة إلى رموز ودلالات كبرى وعميقة.,
تراوحت دلالة الطفولة في شعر السياب بالإيجابية دائما حتى في تلك الصور التي أظهر فيها الطفل والطفولة مسحوقا مضطهدا محروما ...الخ، لأنه كان يعرف كم للطفولة من تأثير إنساني على المتلقين، فما يقرأونه كصورة سوداء ، يتعاطفون معه وجدانيا، وهذا هو الهدف والغاية النهائية من توظيف هكذا موضوع إنساني حساس.


قديم 12-05-2010, 11:53 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
واضح ان هذه الدراسة معدة بمهنية عاليه وقد اعجبتني جدا خاصة انها تعالج الابداع من جانب اثر المصيبة في عقل المبدع وانكاس المآسي على ابداع الكاتب والسياب مثال.

ادعوك للاستمرار في تقديم مثل هذه الدراسات المهمة وسأكون متابعا نهما

قديم 12-06-2010, 01:46 PM
المشاركة 3
ساره الودعاني
كاتبة وأديبة سعودية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تسلم يمينك وفكرك إستاذ مروان الحافظ

قول وفعل والله

شيئ جميل وإلمام وافي

ودراسة متأنية..


سرني اني حضيت بقرآة هذه الدراسة الشيقة


مرحبتين بك واكثر

كن بخير دائما..







خُــلــقــت حــواء مـــن ضـــلــع { آدم }

لــذلــك { هـــي } لا تـــشـــعــــر بـــالأمــــن حـــتـــى

يــــضـــع رأســهـــا عــــلـــى صــــدره !!!
قديم 12-06-2010, 02:13 PM
المشاركة 4
ساره الودعاني
كاتبة وأديبة سعودية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
واضح ان هذه الدراسة معدة بمهنية عاليه وقد اعجبتني جدا خاصة انها تعالج الابداع من جانب اثر المصيبة في عقل المبدع وانكاس المآسي على ابداع الكاتب والسياب مثال.

ادعوك للاستمرار في تقديم مثل هذه الدراسات المهمة وسأكون متابعا نهما

عفوا لدي تسأول أو هي ملاحظة :

وهي أن الصدمات حين تكون في الصغر تكون ردة الفعل خارجية وإيجابية في التغلب على الظروف!

بينما حين تحدث في سنوات متقدمة في العمر يحدث ما يسمى


بــــ [ متلازمة القلب المنكسر >> تاكو تسيبو ]


والذي يجد مقاومة ضعيفة من قبل النساء اكثر منه من الرجال

هل هو بسبب الأستسلام للأمر الواقع بيأس ؟


ربما تكون ملاحظتي خارج نطاق الموضوع فأرجو المعذرة ..

ا







خُــلــقــت حــواء مـــن ضـــلــع { آدم }

لــذلــك { هـــي } لا تـــشـــعــــر بـــالأمــــن حـــتـــى

يــــضـــع رأســهـــا عــــلـــى صــــدره !!!

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الطفل والطفولة في شعر السياب....
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل كان السياب مرتزقا؟ زينب عبدالله منبر الحوارات الثقافية العامة 5 04-21-2021 12:46 PM
أحمد حسن الزيات أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 03-01-2016 08:40 PM
سيدة السحاب سليّم السوطاني منبر البوح الهادئ 3 01-10-2016 11:29 AM
ضفاف السحاب سليّم السوطاني منبر البوح الهادئ 5 05-21-2015 11:44 AM
حكايتي مع السحاب علي الطميحي منبر الفنون. 6 12-14-2011 05:09 PM

الساعة الآن 02:46 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.