احصائيات

الردود
13

المشاهدات
4754
 
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية

محمد الشرادي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
155

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Aug 2014

الاقامة

رقم العضوية
13134
02-13-2015, 12:48 AM
المشاركة 1
02-13-2015, 12:48 AM
المشاركة 1
افتراضي أرواح مستعملة
- حبنا الكبير، ارتباط وثيق بين روحين...و الروح مهما حلقت بعيدا، لابد أن تعود إلى توأمها.
كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه الشاحبتين، كطيور مهيضة الجناح، سرعان ما تساقط على صدره،و هو ممدد على الفراش. وضعت سبابتها على ثغره المتعب.كلامه يفقدها السيطرة على شؤون عينيها.أحس بالوهن يهيمن على كامل جسده. برودة غريبة تصعد من مخمص قدميه ، و عند كل مفصل تحدث ألما حادا. لحظات وجع قاسية حفرت في أعماقها أخاديد ألم لن تنمحي أبدا. تأملها بعيون سقيمة. رسم على شفتيه بسمة متعبة. ضغط على يدها بقوة. شهق شهقة حارة، ثم أغمض مقلتيه إلى الأبد.
فارقها، و هو في ميعة شبابه. لم يتعد عقده الثاني، إلا بثلاث سنوات. جلست في شرفة بيتها الجميل تحت ضوء القمر، الذي يحمم بنوره جسدها الماسي،و بأنامل ضوئه يداعب جدائلها الناعمة. جلست كقديسة حزينة، تردد تراتيل ذكرياتها المؤلمة ، و تعيد شريط اللحظات الأخيرة من حياة زوجها. رغم مرور أكثر من ستة أعوام ، لم تنس شيئا من تفاصيل ذلك الحوار، الذي دار بينهما قبل وفاته بقليل:
- الجسد تراب يحن إلى ترابه ، أما الروح فجوهر خالد تغادر الجسد ، و تعود إلى باريها.
- كلا يا حبيبتي. الروح تذهب من جسد إلى آخر، لتبدأ رحلة جديدة.
تحت التأثير الفائق للدهشة من كلامه، ردت بقلق:
- الله قادر على خلق ما لا يحصى من الأرواح، فلماذا يحتاج الناس للعيش بأرواح مستعملة؟
أمسك بيدها بكل ما تبقى لديه من قوة. و رفع وجهه المتعب نحوها:
- أعلم أن الموت، قد أنشبت براثنها في جسدي.لكني أومن بقوة، أن المنية لن تبعدني عنك إلا مؤقتا. أعدك أن روحي ستعود إليك في ثوب جديد...انتظريها... !
تنهدت تنهيدة حارة، لفحت خديها الأسيلين. مسحت عينيها المخضلتين بالدموع، وهي تردد:
- إنني أصدق كلامك. لكن روحك ستبدأ صغيرة في جسد صغير. كم سنة سأنتظر يا عائد؟
الأحد 20يوليوز العاشرة صباحا.
أراحت جسدها على كرسي وثير،تحت ظلة بألوان قزح.وضع النادل أمامها فنجان شاي،و كوب ماء. انتصب أمامها بوجهه الوضيء.رفعت قبعتها الوردية لترى صاحب الظل الذي يزاحم الظلال الأخرى على جسدها. وضع يده على قلبه،كأنه تلقى سهم حب أطلقه كيوبيد من قوس شفتها العليا المنحوتة بشكل لا يضاهى.وضع زهرة أضاليا بيضاء في كأس الماء.من دون استئذان، جلس أمامها.ندت من ثغره البديع الشكل كلمات عذبة:
- هل يمكنني الجلوس؟ يراودني شعور بأنني أعرفك حق المعرفة!
الأحد 20 يوليوز الثانية عشرة زوالا
تقف بكامل ملابسها، تحت رشاش الماء البارد.لتطفئ الحرائق، التي أشعلها في جسدها،و تلطف من غليان أعصابها.ما عاشته اليوم لقطة من الماضي السحيق أعادها مخرج مجهول بالعرض البطيء.نفس المكان، و الزمان...نفس المشروبات و الزهرة...أقل وسامة منه، لكن روحه المرحة...ذوقه النبيل...حركاته المثيرة كانت استنساخا دقيقا للمرحوم.
الأحد 27 يوليوز
انفتح باب شقته الشاطئية، على دنيا ساحرة.تسمرت في مكانها ترزح تحت التأثير الشديد للمفاجأة القوية. لا شيء غريب عنها في هذا الفضاء البهيج: أزهار الأضاليا البيضاء...طائر الكناري الأصفر...عناوين الكتب في خزانته...راحت تركز النظر بحثا عن شيء يخالف عالم زوجها، لم يقع نظرها إلا على ما يضارعه في أدق تفاصيله. أحست بالألفة.لكنها لم تستطع أن تمنع قلبها من الخفقان بقوة، و هي تردد كلامه:
- بعض الأرواح تتكيف مع أجسادها الجديدة، و بعضها يحافظ على ذاكرته. فيسعى لاستنساخ حياته السابقة في كثير من تفاصيلها.
ناداها باسمها كما كان يفعل زوجها.أحست بأقدامها تغوص في الأرض.إن لم تهرول خارج البيت سينصهر جسمها الطري كتمثال ثلج اكتسحت الحرارة أوصاله.
الاثنين 28 يوليوز
كان ضوء المصباح ينعكس على ذراعيها الرشيقتين، و قلبها مضمخ بعبق حب لا يمكن نسيانه، تعمل دائما على استعادة طقوسه الشاعرية، التي تهيمن على كيانها برمته.
سمعت الجرس يرن. خفق قلبها.فتحت الباب بسرعة. وجدته أمامها بكامل أناقته.غرس في شعرها البهيم زهرة أضاليا.ارتعشت (هكذا كان يفعل زوجها دائما).
ابتسم، و قال:
- لن تبقيني على الباب طبعا؟
هزه جسدها المشع هزا عنيفا.ندت من بين شفتيه كلمات من دون إرادته:
- يا له من جسد شفيف، ينساب كجدول ماء رقراق! امنحني يا رب القدرة على تحمل روعته.
ضمها بين ذراعيه المشتعلتين. و ضع رأسه على صدرها الصافن كجواد عربي أصيل.طفرت من عينيه دموع ساخنة.تدحرجت كحبات لؤلؤ على أديم صدرها الصقيل.أحست بمزلاج قلبها ينفتح من تلقاء نفسه،و بأجراس نبضها تصدح بنبوءة زوجها الراحل:
- مهما تاهت روحي،ستعود إليك، و هي أكثر كمالا.ستعود لتذرف الدمع على صدرك المترع بالحنان.
بعينين غارقتين في الدموع، و ضعت الرواية بجانبها. تأملت سريرها الموحش. بات باردا، بعد أن هجرته أنفاس زوجها، التي كانت تدفئه. إلى متى ستظل تطارد في ثنايا القصص و الأساطير الأمل في عودته. لم يعِدها بشيء، مضى في صمت. لكن الأبطال الذين قرأت رواياتهم كلهم عادوا. حتى الذين لم يقطعوا وعدا بذلك.
أرسلت تنهيدة حرى، وهمست:
- إلى متى سأنتظر؟ ...
- ماذا أنتظر؟


قديم 02-13-2015, 03:26 PM
المشاركة 2
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الله الله الله .....ماهذا التجلي ,وما هذا النضح العميق ,ماكل هذا الاحتواء للحالة والغوص في غياهب الروح ...
لفة باذخة وعدسة (كاميرا) تدار بعين خبير ...مدهش هذا النص ومدهشة تراتبية الوجد التي هيّضت رياحه في دواخلنا .
أي مورد أوردتنا لتبعث فينا كل هذا الادهاش .
خمسة نجوم ....وتثبيت ...وعودة

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 02-13-2015, 05:55 PM
المشاركة 3
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:70%;"]

ويبقى عالم القصص والروايات عالم كبير واسع الى ابعد الحدود والانخراط فيه يجعل الروح تعيش الغربة غربتين
وتتذوق مرارة اللحظات في كل همسة وخاصة اذا ما جافى النوم المضاجع واذا ما لمعت نجمة في السماء
ذرفت النجوم دمعات الحنين لقمر غازل تلك النجمة
وتبقى الارواح مشتعلة بالحروف تطوف كل مكان واذا ما خبت الأنوار تشتعل دموع الحزن بقناديل الذكريات
دمت مبدعا اديبنا محمد

كل التقدير
ونص يستحق التثبيت شكرا أديبنا زياد لهذا التثبيت

[/tabletext]

تَعَـالَ ...
نَعْـجِن مِـن الحِـرَفِ رَغِيفًـا عَـلَى مَوَائِـدِ الـكَلَامِ ...
وَنَـكْتُب رَسَائِـلَ الحَـنِينِ إِلَى اليَـاسمِينِ ....

تعـالَ...
فمن تشتاق الـروحُ اليـهم ؛ قـــد أوغلـوا فـي الغيـاب !

فاطمة جلال

.....
قديم 02-13-2015, 07:04 PM
المشاركة 4
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أحياناً تحتل اﻷحﻻم واقعنا هرباً من قسوته ...

فيختلط الواقع بالخيال ....

و يبقى اﻷمل بلقيا اﻷرواح ....

أ. الشرادي

طرحت هنا قضية تناسخ اﻷرواح بطريقة حالمة بعيدة عن الجدلية و كأنك ترضي النفوس الرقيقة التي فجعت بمن تحب
قصة رائعة .. تقود إلى تصديق كل حرف ثم تلك الصدمة في النهاية .. بوركت ...

احترامي و تقديري دائماً

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 02-13-2015, 09:49 PM
المشاركة 5
حسام الدين بهي الدين ريشو
مشرف منبر بـــوح المشـاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فعلا
هى فاانتازيا الايمان بتناسخ الأرواح
خلود الروح حقيقة
تجولها
وزيارتها لمن تحب
حقيقة يدركها الصوفية
ولأن الموت نوم طويل
فهنا تجسيد لما قاله ابن الفارض
( وانى لأهوى النوم في كل ساعة
لعل لقاء في المنام يكون )

أستاذ / محمد الشرادي
من نافلة القول
أن أقول :
رائع وأكثر
وكن بألف خير

قديم 02-14-2015, 12:05 AM
المشاركة 6
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الله الله الله .....ماهذا التجلي ,وما هذا النضح العميق ,ماكل هذا الاحتواء للحالة والغوص في غياهب الروح ...
لفة باذخة وعدسة (كاميرا) تدار بعين خبير ...مدهش هذا النص ومدهشة تراتبية الوجد التي هيّضت رياحه في دواخلنا .
أي مورد أوردتنا لتبعث فينا كل هذا الادهاش .
خمسة نجوم ....وتثبيت ...وعودة
أهلا اخي زياد
أشكرك على الاحتفاء بهذه القصة . يكفيها فخرا انها نالت إعجابك.
في انتظار عودتك تقبل أسمى تحياتي

قديم 02-16-2015, 05:31 PM
المشاركة 7
عبير المعموري
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
تحية طيبة أ.محمد الشرادي
سرد رائع امتعني اسلوبك الشيق..
دام نبضك بمزيد التألق والابداع
عبير المعموري

حتما..طريقي صعب..ولكنني يقينآ..سأكون!
عبير المعموري
قديم 02-17-2015, 01:24 PM
المشاركة 8
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
تحية طيبة أ.محمد الشرادي
سرد رائع امتعني اسلوبك الشيق..
دام نبضك بمزيد التألق والابداع
عبير المعموري
أهلا اختي عبير
شكرا على مرورك الجميل .
تحياتي

قديم 02-17-2015, 01:26 PM
المشاركة 9
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:70%;"]

ويبقى عالم القصص والروايات عالم كبير واسع الى ابعد الحدود والانخراط فيه يجعل الروح تعيش الغربة غربتين
وتتذوق مرارة اللحظات في كل همسة وخاصة اذا ما جافى النوم المضاجع واذا ما لمعت نجمة في السماء
ذرفت النجوم دمعات الحنين لقمر غازل تلك النجمة
وتبقى الارواح مشتعلة بالحروف تطوف كل مكان واذا ما خبت الأنوار تشتعل دموع الحزن بقناديل الذكريات
دمت مبدعا اديبنا محمد

كل التقدير
ونص يستحق التثبيت شكرا أديبنا زياد لهذا التثبيت

[/tabletext]
أهلا أختي فاطمة
شكرا على هذا التعليق الرشيق الذي داعب قصيصتي فأسعدها.
تحياتي

قديم 02-20-2015, 03:55 PM
المشاركة 10
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
للقاص الأديب محمد الشرادي ,ريشة لاتلمها أنامله ,حتى يرفع غطاء محبرة أترعت إحساساً متفرد .ليبعث في سماء المعاني مزناً مثقلاً هطله مدراراً على الذائقة لتعشب وتزهر .
في هذا النص تفرد في الغوص في تفاصيل الوجد المنبعث من حالة الفقد وسطوته ,أخّر محمد الشرادي كل ما يحيط بهذه الحالة من ارتدادات .واصطفى لنا مشهداً من عذابات الروح لايمكن أن يصطفيها إلا من لامس كنهها وخبر مواطن ألمها .فجاء هذا النص مفعماً بالإحساس ووضعنا أمام أبواب مشرعة صفق الهجير وجهها فأيقظ في ذاواتنا كل هذا التفاعل مع الحالة وبواعثها ...
في مشهد القص يتيقن المتابع إمساك الأديب محمد الشرادي بالحالة من ناصيتها وتطويعها بحرفية من يدرك مسالكها ,فجاء العمل وافي الأركان في المشهد القصصي وأهدانا تحفة أدبية تستحق الوقوف على تفاصيلها .
الأستاذ محمد الشرادي ,,,وقفة لا ترقى لمقام حرفك أرجو أن تعذر قصورها ..مني دائماً خالص التقدير لك ولهذا الحرف الماتع ..

هبْني نقداً أهبك حرفاً

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أرواح مستعملة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حول تلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات عبدالله علي باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 9 03-16-2017 08:35 PM
حول تلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات عبدالله علي باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 0 02-27-2016 06:06 PM

الساعة الآن 04:30 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.