احصائيات

الردود
4

المشاهدات
1692
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
04-23-2020, 09:44 AM
المشاركة 1
04-23-2020, 09:44 AM
المشاركة 1
افتراضي اليويو (قصة قصيرة)
[justify]
(أدب العزلة في زمن الكورونا)

اليويو
قصة قصيرة

بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد

يا لطفولة لم أعشها..!! خُلقت هكذا لا أدري على وجه الدّقة؛ ما هي أوّل كلمة نطقتُها؛ لكن من خلال إحساسي العميق: "ماما.. بابا"، حالة نسيان رهيب استفقتُ منها في الصفّ الأوّل على المُعلّم وكتاب القراءة، من جديد.. استعدتُ ذاكرتي لأكتب أوّل كلمة في حياتي: "ماما.. بابا".
لم يكن عندي كيس أو كرتونة للألعاب مليئة بالألعاب المختلفة؛ لأحتار بأيّ منها ألهو، أو أُحطّم أكثرها في حالة غضب ممزوجة بالملل السّريع منها، درّاجة ذات الثلاثة دواليب بمقعدها الخشبيً القاسي، لونها الأحمر شوّه ذاكرتي، ووَسَمها تشاؤمًا منها، وأضاع عليّ متعة مُراقبة قوس قُزح، ومحاولة قيادتي لها الفاشلة بين الأحجار الناتئة كرؤوس الشّياطين في ساحة بيتنا الترابيّة، وخارج البيت الأزقّة والطّرق لم تكن مُعبّدة بالزّفت الأسود بتوقيت بُصرى آنذاك.
إلى الآن لم أُدرك ميلي الشديد لعود الثقّاب برأسه الأحمر المُدبّب الصّغير؛ المُغري بإشعال الحرائق للورق ومخلّفات الأشياء. تخويف شديد من النّار بألسنتها التي لا ترحم. وانتهت صلاة عيد الأضحى لأدخل في حالة بُكاء وفقدان حذائي البلاستيكيّ بلونه الأحمر.. يا لتعاستي.. البِشرُ يرسم خطوط على وجوههم، وهم خارجون من بُوابة الجامع، عبارات متبادلة بالتهاني والأمنيات، ودموعي لم تتوقّّف، تُعاند حيرتي الحزينة، وأنا أبحث مع بعض الذين يكبرونني بسنوات، كنتُ جازمًا أن لا طفل آخر في القرية كلّها يمتلكُ هذا اللّون؛ لأنّ أبي أحضره من الشّام على حدّ زعمي. وصلتُ البيت حافيًا خائبًا من يومها فقدتُ إحساس فرحة في العيد.
نوبة شرودي بعيدة في مجاهل طفولة بعيدة من هنا بمسافة نصف قرن، ضجيج الأولاد ومناكفاتهم المُتأجّجة على مدار السّاعة، حُرموا كما حُرمت الخروج من البيت، التزامًا بالحظر المفروض علينا خوفًا من الوباء كورونا الخطير.
أنا في وادٍ آخر أخذني طوفانه الرّبيعيّ في مثل هذه الأيّام التي أعيشها الآن داخل البيْت، اجترار القديم المُحبّب إليّ. خجلي يمنعني من الكلام مع أبنائي؛ لاستغرابهم..!! كلّما يسألونني عن صغري، وضحكاتهم الواخزة قلبي على حرمان معظم أبناء جيل ذاك الوقت، وما بعده من رفاهيّة امتلاك الألعاب الغالية.
الوقتُ يمرّ بطيئًا.. ديمومة الموبايل بين يديّ ملّلتني. كثرة البحلقة في شاشته أتعبت عينيّ، أعود للكتاب، والتلفزيون، ومداعبة الأولاد اللّاهين في مشاريعهم اللامتناهية، وابتعادهم عن عالمنا في البيت.
أغرتني لعبة جديدة للمرّة الأولى في حياتي تقع بين يديّ، سمعتُ كثيرًا في سنوات سابقة كلمة (اليويو) تتردّد على ألسنة الأولاد. فُقداني رغبة السّؤال عنها ظنًّا منّي، وما هذا الشيء الذي سأضيفه لموسوعة معارفي؟. غرابة الاسم أشعرتني يومها بتفاهته.
اليوم غيّرتُ رأيي عندما عثرت قدمي بخيط غليظ، مربوط ببكرة كادت إسقاطي أرضًا، والنتيجة معلومة سلفًا على الأقلّ رضّ السّاق، أو الكتف، وملازمة الفراش، والمُداومة على المُسكّنات ؛لإسكات الآلام المُبرحة المانعة من النّوم ليلًا، والرّاحة وحريّة الحركة نهارًا.
صراخي ملأ البيت، مما أخرَجَ الأولاد من عوالم انسجامهم مع ألعابهم المُحبّبة إليهم، عدا لعبة (ببجي)، التي أجبرت ابني على حذفها قسرًا، ومنعته من تنزيلها ثانية، إلى أن أخبرني بأنّه سيبيعها بمبلغ معقول سيساعدني به؛ لتجاوز عقبة مصروف العائلة المُثقل لي فترة توقّفي عن العمل، دهشتي مما أخبرني به أزالت غضبي من (اليويو).
بدأت أولى تجاربي عليه، إغراء غير طبيعيّ، ساعات أمضيتُها بعدما أتقنتُ فنّها؛ بتوازن ارتفاع اليد مع اهتزازاتها؛ كموج البحر الخفيف المتوّتر، مما يُسرّع حركة دوران دولاب اليويو الجميل. ضاعت سُخرية زوجتي إهمالًا مع انسجامي التامّ، مثل ذاك اليوم قبل نهاية الألفيّة الثانية بشرائي لعبة (الأتاري)؛ عند عودتي من (أبو ظبي) بإجازة الصّيف.
ساعات طويلة أجلسُ اللّعب ببرنامج الطّائرات بمراحله العديدة بمستوياتها، مرّات قليلة وصلت فيه للنهائي. انسجامي لفت انتباهها، جلَستْ للمرّة الأولى تُراقبني، رغبة التّجريب بإلحاح قادتها لمُجالستي ساعات، نسيت تساؤلاتها قبل ذلك:
-"لماذا اشتريتها..!! لسنا بحاجة لها.. عندنا أوليّات غيرها؟".
-"من أجل الصبيّ..!! ابننا الوحيد آنذاك".
-"مازال صغيرًا لا يُدرك معنى اللّعبة، ولا يستطيع التعامل معها، لو أجّلتها حتّى يكبُر قليلًا..!!".
-"ها نحن نلعبُ بها.. وعندما يكبُر نعطيها له".
مهارة اللّعب بالأصابع، بداية كانت على تمرين الوُسطى؛ لتجاوز ألم خفيف في مفصلها يمنعني من طيّها للآخر. منذ ذاك اليوم عندما أشرتُ بحركتها المفهومة تلك لأمر ما..!!، جلستُ مُستندًا للجدار، تداخلت أصابع الكّفيْن بتشابك، وتدوير الإبهاميْن بحركة لولبيّة للأمام تارة، وتبديلها معاكسة للخلف، جعلتني أتذكّر زميلي الطّالب في الصفّ التّاسع، وهو يقف أمام الطلّاب بانتظار فراغ الأستاذ من الاستماع لإجابات من حفظوا الدّرس.
انبته الأستاذ لحركة أصابعه المماثلة لي الآن، وسأله:
-"ألا تعرف غير هذه..!!؟".
السّؤال خفّف من توتّره؛ ظنًّا منه بنجاته من العقاب الجسديّ؛ لتقصيره في واجبه، فأجاب بجديّة:
-"نعم أستاذ، أعرفُ أيضًا بهذا الشّكل".
وبدأ بلفّ إبهاميْه عكس الحركة الأولى. كتمنا ضحكنا، ومازال مكتومًا في صدري إلى الآن؛ فالعصا بيد الأستاذ لا ترحم، لمن يخرج عن مسار الدّرس، أو يُحاول.
إزهاق الوقت مُهمّة عملٌ شاقّ؛ صعّبت عليّ تعبئة وقتي بأشياء جديدة، جرّبتُ وجرّبتُ، راودتني لعبة (البَبْجي)، وما سمعتُ عنها، موقفي الجازم من ابني حازم، ومنعه منها؛ أخذني للتفكير بتجريب اللّعب فيها بعد نومهم، لكنّني أستسلم للنّوم بلا مُقاومة، وهم مازالوا يقظين. وفي النّهار لا يذهبون إلى المدارس، وصاروا مثل بلاد الأجانب يتعلّمون عن بُعد.

عمّان – الأردنّ
23 \4 \ 2020


[/justify]


قديم 04-23-2020, 09:40 PM
المشاركة 2
داما احمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: اليويو (قصة قصيرة)
هي الدنيا مثل اليويو ترفعنا تارة وتنزلنا تارة أخرى

مهمتنا الثبات وخصوصاً في هذه الظروف العصيبة

إبداع قلم سرق مخيلتي ووضعني في أحداث القصة

أستاذي محمد فتحي المقداد

تقبل مروري المتواضع أمام إبداعك الكبير

تقديري واحترامي

قديم 04-23-2020, 11:26 PM
المشاركة 3
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: اليويو (قصة قصيرة)
هي الدنيا مثل اليويو ترفعنا تارة وتنزلنا تارة أخرى

مهمتنا الثبات وخصوصاً في هذه الظروف العصيبة

إبداع قلم سرق مخيلتي ووضعني في أحداث القصة

أستاذي محمد فتحي المقداد

تقبل مروري المتواضع أمام إبداعك الكبير

تقديري واحترامي

أستاذة داما
أسعد الله أوقاتك بكل الخير
هكذا هي الأمور تمشي على غير مشورة
منا .. ربما توافقنا وربما تعاندنا .. فالرياح
لا تجري بما تشتهي السفن..
والأدب مهمة إنسانية عظيمة ..
دمت بكل تقدير واحترام
كل عام وأنت بخيرنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 04-25-2020, 02:21 AM
المشاركة 4
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: اليويو (قصة قصيرة)
إزهاق الوقت مُهمّة عملٌ شاقّ؛ صعّبت عليّ تعبئة وقتي بأشياء جديدة،

نعم .. هذا ما يحدث لنا بالضبط .. كيف نصرف الوقت وكيف نضيعه
بدأ يراودنا اللعب بأشياء لم نكن نفكر فيها أصلاً خاصة الببجي
ولكن اليويو .. لم أسمع بها من قبل .. لكنها على أية حال لعبة يدوية تغني أطفالنا وأولادنا عن البحلقة في أجهزة الموبايل واللعب بالألعاب الكترونية التي أضعفت أبصارهم وأحنت ظهورهم قبل الأوان ..
سرد جميل وممتع .. وتشبيهات وصور أدبية رائدة ..
أشكرك يا أبا حازم .. أمتعتنا
تحية .. وكل يوم وأنت بألف خير

قديم 04-25-2020, 03:35 AM
المشاركة 5
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: اليويو (قصة قصيرة)
إزهاق الوقت مُهمّة عملٌ شاقّ؛ صعّبت عليّ تعبئة وقتي بأشياء جديدة،

نعم .. هذا ما يحدث لنا بالضبط .. كيف نصرف الوقت وكيف نضيعه
بدأ يراودنا اللعب بأشياء لم نكن نفكر فيها أصلاً خاصة الببجي
ولكن اليويو .. لم أسمع بها من قبل .. لكنها على أية حال لعبة يدوية تغني أطفالنا وأولادنا عن البحلقة في أجهزة الموبايل واللعب بالألعاب الكترونية التي أضعفت أبصارهم وأحنت ظهورهم قبل الأوان ..
سرد جميل وممتع .. وتشبيهات وصور أدبية رائدة ..
أشكرك يا أبا حازم .. أمتعتنا
تحية .. وكل يوم وأنت بألف خير
سيدة ناريمان الشريف
كل عام وأنت بخير
قتل الوقت عمل شاق
بالفعل هذه الفترة تعتبر تشاركية بين الشرق
والغرب.. جميع البشر تشاروا هذه التجربة المثيرة
للمرة الأولى في حياتهم .. عدا السجناء ومن فرضت
عليهم الاقامة الجبرية..
نعطيات الحالة متشابهة ..
الضيق والضجر والملل
الوقت كثير ولا خطة لدى الأكثرية أين وكيف يصرفونه
مهمة الأدب عظيمة بتوثيق وتأريخ ولفت الانتباه لمثل
هذه الأشياء .. ربما لا ينتبه لها الكثير..

دمت بخير
وتقبل الله طاعاتكم
تحياتي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: اليويو (قصة قصيرة)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صوت الحنين عبدالله الشيخي منبر البوح الهادئ 5 09-03-2019 12:38 AM
اه من الحنين عبير هديب المقهى 6 12-04-2015 11:53 PM
سفر الحنين غادة قويدر منبر البوح الهادئ 18 07-12-2013 11:19 PM
ليل الحنين محمد فجر الدمشقي منبر البوح الهادئ 14 06-03-2012 08:29 PM
الحنين محمد عبدالرازق عمران منبر ديوان العرب 2 11-22-2011 08:41 PM

الساعة الآن 08:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.