احصائيات

الردود
0

المشاهدات
1983
 
أحمد النجار
مُـجـرّدُ إنسَـان

أحمد النجار is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
170

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Jun 2007

الاقامة

رقم العضوية
3671
07-06-2012, 12:49 AM
المشاركة 1
07-06-2012, 12:49 AM
المشاركة 1
Exclamation قَريةُ الحَمير ..


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الخطوة الأولى
كانتْ قريةً صغيرةً بعيدةً أهلها أطيبُ ما يكون , أكرمُ ما يكون... أشكالهم أشكالُ بشر وعقولهم عقول بشر ..
فيها كانوا لا يحتاجون لأحد ..
كانتْ كل معاملاتهم تتم بالمقايضة , أعطني حليباً أعطيك قمحاً , أعطني عسلاً أعطيك سمناً , ولم يكن الأمر يخلو فتسمعُ بين الحين والحين من يصرخُ قائلاً:
لقد سرقني .. غشني !! حليبه ممزوجٌ بالماء وعسله ليس إلا سكر!!!
أو تسمع : لقد قيدني كبلني ليتني ما استدنتُ مِنهُ القمحَ , ليتني مِتُ جوعاً ولم أفعلْ !!
أوتسمعُ في ظلمةِ الليلِ البهيمِ صارخاً : حراااااااامي حراااااااااااااامي !!
وبالرغم من كل هذا كانوا أطيب ما يكون وأكرم ما يكون ...

الخطوة الثانية....
في ليلةٍ ممطرةٍ شديدةِ المطر, عاصفةٍ قويةِ العواصف , لم تشهدْ القريةُ لها مثيل!!!
احمرتْ السماء و زمجرتْ الرياح
وهبتْ العواصفُ من كل حدبٍ وصوب !!!
كل هذا جعل أهل القرية يركضون ويحتمون في بيت كبير القرية - فهم يعتقدون أنه قوي
بما فيه الكفاية للاحتماء فيه - وفي بيت كبير القرية تناقشوا ثم تشاجروا ثم علت أصواتهم حول ما يحدثُ في الخارج واجتمع رأيهم - ولأول مرة - على أنه غضب العزيز الجبار...
أقبل بعضهم على بعضٍ يتلاومون, لو لم تطمعْ أنتَ ما سرقتُ أنا !!!
تعالتْ أصواتهم حتى لا تكاد تسمع من بين كل هذا الضجيجِ إلا: يا سارق
يا غشاش , يا مرابي, يا زاني, يا شارب الخمر!!! حتى تصل إلى يا طويِل الأنف , يا قبيح الشكل!!!
واختفى كل صوتٍ بين هذا الضجيج حتى صوت البرقِ والرعد اختفى!!!
بعد فترةٍ تكلمَ كبيرُ القريةِ - الذي لزم الصمتَ طيلة فترة هذا النقاش الحاد- فقال : انصتوا فقد هدأ الطقس ..
شعرَ الجميعُ بالارتياح , وقبل أن يخرجوا ليتفقدوا أحوال القرية بعد كل الذي حدث تصافحوا واعتذروا لبعضهم حتى أن السارق قال للطماع : (آسف) أنت لم تطمع فضحك الطماع وقال : (ومن قال عنك سارق؟!!!)
ثم خرجوا بعدها ليتفقدوا قريتهم الصغيرة واندهشوا عندما اكتشفوا أن بيوتهم قوية أيضاً بما فيه الكفاية للاحتماء فيها ... ولما لم يكن لما حدثَ أضرارٌ تُذكر انبسطتْ أساريرهم وفرحوا أشد الفرح ولم يقطع فرحتهم تلك إلا صوت أحدهم يدعوهم صارخاً : تعالوا انظروا ماذا وجدت , فركضَ الجميعُ تجاه الصوت فشاهدوا رجلاً غريباً ممدا ًعلى الأرض وقد غطاه الوحل وبجواره صندوقٌ أسودٌ غطاه الوحل أيضاً !!!
رفعَ الغريبُ رأسه بكل مشقةٍ ونظرَ إليهم نظرةً متعبةً ثم تركَ رأسه يسقطُ على الأرض مغشياً عليه,
نظرَ أهلُ القريةِ إلى بعضهم فليس من بينهم من يعرفُ هذا الرجل!! ولا من أين جاء!! فقد كانوا يعتقدون أنهم في هذه الدنيا هم فقط البشر !!


الخطوة الثالثة....
حملوا الرجل إلى أحد بيوتهم وحملوا صندوقه معه, وبعد فترة جاء كبيرُ القرية ونظرَ إلى الرجل وإلى صندوقه الأسود ثم أمرَ بفتحه , هبَ السارقُ واقفاً على قدميه وقد تجمدَ الدمُ في عروقه خشية أن يطلب منه أحدٌ من أهل القرية أمام الكبير أن يفتحه ولكن أحداً لم يلتفت إليه !!!
وضع كل واحدِ منهم يده في جيبه وكأنه يبحثُ عن شيء ما ولكن الكبير كان أقربهم إلى الصندوقِ فأخرجَ من جيبه قطعةً حديديةً وعالجَ بها الصندوق حتى فتحه !!! تنهدَ السارقُ وجلسَ - لم يكن يعلمُ أن كل أهل القرية يجيدون فعل ذلك !! -
وفجأة قطبَ الكبيرُ حاجبيه بعدَ أن فَتحَ الحقيبة وأرسلَ ضحكةً خفيفةً تنمُ عن خيبةِ الأمل!! ورفع مجموعةً من الكتبِ بين يديه ثم أعادها إلى الصندوق , لم يهتمْ أهلُ القرية بمحتوياتِ الحقيبة من الكتب فليس منهم من يقرأ أو يكتب !!
خرجَ الجميعُ من عند الغريبِ واجتمعوا في بيت كبير القرية , جلسَ كل واحدٍ منهم في مكانه المعتاد ثم نهضَ الكبيرُ وتمشى بينهم قليلاً ماسحاً لحيته بيده ثم قال: بعد ثلاثٍ نسألُ الغريبَ عن حاله. والآن لينصرفَ الجميع ...
انصرف الجميع ما عدا السارق وقف وقد بدا عليه الاضطراب والقلق فنظر إليه الكبير وقال: نعم؟...
لماذا لم تنصرف معهم؟!! تلعثمَ السارقُ ولم يدرِ ما يقول؟!! وبعد بُرهةٍ استأذن وانصرف ...

الخطوة الرابعة....
بعد ثلاثٍ استرد الغريبُ عافيته فأمرَ الكبيرُ بإحضاره إليه
ذهبَ الغريبُ إلى بيت الكبير فوجده في مجلسه الخاص , سلم على الكبيرِ وجلسَ بجواره ثم قال له الكبير: من أنت؟ ومن أين جئت ؟
أجالَ الغريبُ بصره في الحاضرين ثم نهض وارتمى عند قدمي الكبير وقال: أتمنى منك السماح لي بالحياة معكم فأنا لا أهل لي ولا مال ولا ولد ...
لاحظَ الغريبُ أن عينا الكبير اعتراها الحزن عند ذكر الولد - فالله لم يرزق الكبير حتى الآن الولد- قال الكبير: ولكن لابد أن نعلم من أنت؟ وماذا وراءكِ يا عصام؟!!
دمعتْ عينا الغريب وارتمى على قدمِ الكبير يقبلها ويتوسل إليه قائلاً: أرجوك ارحمني من كل هذا ...فقط دعني أعيش بينكم , ثم أجهش بالبكاء, رقَ قلبُ الكبيرِ له وأوقفه على قدميه وقال له: أنت منذ الآن منا كائناً من كنت ولن يسألك أحدٌ عن أي شيء إذا لم تشأ أنت الحديث عن أي شيء, ولكن على الأقل ما هو اسمك ؟
أجابَ الغريبُ على الفور : اختر لي أنت اسماً !!! فكر الكبير لحظة ثم قال: غريب......نعم غريب ...اسمك منذ الآن غريب , وقال : لينصرف الجميع ...
جلسَ الكبيرُ لوحده وفجأة دخلت عليه خادمته والدمع في عينيها والدنيا لا تكاد من الفرحة أن تسعها
استغرب الكبير دخول خادمته عليه بهذا الشكل فوجه الحديث إليها قائلاً : هل أصابك مسٌ من الجنون ...كيف تسمحـ... , وقبل أن يكمل جملته صاحت خادمته قائلة : بشراك مولاي بشراااك مولاتي حامل... ثم أجهشت بالبكاء ...
اتسعت عينا الكبير وازداد تنفسه وهب واقفاً على قدميه وقد ارتعش جسمه وكاد أن يغيب عن الوعي وقال لخادمته بصوت مختنق متهدج :أعيدي الآن ما قلتيه !!!
فأجابته الخادمة : مولاتي حااااامل يا مولاي... خرَ الكبيرُ على الأرضِ ساجداً لله , ثم نهض وركض تجاه غرفة زوجته فوجدها واقفةٌ تنتظره, نظرَ إليها وكأنه في حلم , ثم توجه إليها وأشار بيده إليها ولكن الكلمات لم تسعفه ثم قال: هل أنت فعلاً .....؟
ابتسمت زوجته وأطرقت برأسها وقالت بصوتٍ غير مسموع : نعم...
رفع الكبير رأسها ونظر في عينيها ثم ضمها إليه فَرِحاً ثم خرج إلى مجلسه وقال :عليَّ بالغريب الآن..
حضرَ الغريبُ , نظر إليه الكبير بفرحٍ وقال : يا وجه السعد وضيف الخير, أنت من الآن أعز الناس عندي ... ثم أمر الكبير ببناء بيت للغريب بجوار بيته وقال له : أخبرني أي مهنة تجيد؟ سكتْ الغريبُ وظهرَ عليه الخوف والقلق والتردد !!! نظر إليه الكبير وقال: هل نسيت أي مهنة تُجيد ؟!! نهض الغريب وتوجه ناحية الكبير وقال له : القراءة...القراءة فقط ولا شيء غير القراءة!!!
سكت الكبير فترة ثم قال : ومهما يكن ...سوف أخصصُ لك دخلاً شهرياً يُمكِنُكَ من الحياة دون عمل , ولكن ماذا ستقرأ فليس في القرية أي كتاب غير الكتب التي أحضرتها معك ؟!!!قال الغريب : فيها الكفاية يا سيدي !!
لم يستطع الكبير إخفاء دهشته من هذا الجواب ولكن فرحته بالولد طغت على كل شيء فقال للغريب : لك هذا ...

الخطوة الخامسة....
أصبح للغريبِ منزلٌ ودخلٌ شهري دون عمل !!! كُل هذا بالإضافة إلى غروره وتكبره وسوء معاملته لأهل القرية جعل أهل القرية لا يحبوه ولا يتعاملوا معه ولا يتحدثون معه ...ومرت الأيام ورُزق الكبير بولد فزاد حبه للغريب وزاد من دخله الشهري وازدادت كراهية أهل القرية له ومضت الأعوام وشب ابن الكبير في كنف الغريب علمه القراءة والكتابة ....ومات الكبير
وأصبح ابن الكبير هو الكبير.....وأصبح الغريب....أيضاً ...كبير ...
زاد حقد أهل القرية على الغريب فباتوا يتمنون حقاً أن يرحلَ عنهم , أن يذهبَ من حيث أتى ولكن أحد منهم لم يجرؤ على قول هذا خوفاً من الكبيرين ...
بعد فترة مرض الغريب مرض الموت.. ففرح أهل القرية لهذا أشد الفرح وظل الكبيرُ مع الغريب يلازمه كل الوقت .

الخطوة السادسة....
في ليلة ممطرةٍ شديدة ِالمطر...عاصفةٍ قويةِ العواصف , احمرتْ السماء وزمجرتْ الرياح وهبتْ العواصف من كل حدبٍ وصوب , واحتمى كل واحدٍ في منزله ,استيقظ الغريب على صوت الرعد ومد يده للكبير وقال له وهو يوشك على الموت: أي بنيَّ خذ هذا الكتاب فقد ينفعك .. ومات الغريب
حزن الكبير لهذا أشد الحزن وفرح أهل القرية لذلك أشد الفرح!! قضى الكبير فترة حزيناً ومغموماً ثم تذكرَ الكتابَ الذي أعطاه إياه الغريب, نظر إلى الكتاب الأصفر القديم وفتحه وقرأ فيه ( كيف تحولُ الإنسانَ من إنسانٍ إلى حمار ) قرأ الوصفةَ ثم ضحك كثيراً ولم يكمل الكتاب فلقد كان دائماً وكما رباه الغريب عجولاً ومتسرعاً !!! ذهبَ إلى فراشه لكي ينام ولكن النوم استعصى على جفنيه!! فطفقَ يفكرُ في الوصفة وفي الكتاب وقال في نفسه: يا لها من تسلية...أتسلى بها بعد الغريب أُحولُ أهلَ القرية إلى حمير ثم أعيدهم إلى أشكالهم الطبيعية ...

الخطوة السابعة....
في الفجر نهض الكبيرُ من فراشه وهم بتحضير الوصفة بكمياتِ كبيرة تكفي لكل أهل القرية ثم أمر أهل القرية جميعهم صغيرهم و كبيرهم بالاجتماع في بيته , وفعلاً تجمعَ أهلُ القرية في بيت الكبير , لم يتخلف منهم أحد , خرجَ إليهم الكبير وكله فرح وسرور ثم قال : إني جمعتكم اليوم لكي تشربوا من هذا الدواء الذي يمد كل من يشربه بالقوة ...
تبسمَ أهلُ القرية وشَرِبَ الكلُ من هذه الوصفة فكان الأول يقول للذي يليه: فعلاً إنني أشعر بالقوة !! فيشربُ الذي بعده برضاً وسرور !!!
ولم يكذب الكبير كانت قوة فعلاً ولكنها قوة حمير !!!
شَرِبَ الجميعُ دون استثناء وشكروا الكبير وانصرفوا ...
في الصباح استيقظ الكبير على جلبةٍ وضوضاء شديدين وعلى نهيقِ حميرٍ عالٍ ومزعج نهض من فراشه فتحَ بابَ بيته, لم يشاهد أحداً من أهل القرية كل الذي شاهده مجموعة من الحمير !!! لقد تحول أهل القرية إلى حمير .....كُل أهل القرية حمير !!!
أشكالهم أشكال حمير...وعقولهم عقول حمير...كاد الكبيرُ أن يسقطَ على الأرض من شدة الضحك

الخطوة الثامنة....
بعد فترة أحسَ الكبيرُ بالملل فالحياة مع الحمير لا تطاق ... ثم عاد إلى كتاب الغريب وقرأ فيه الجزء الثاني ( كيف تُعيدُ الإنسان من حمارٍ إلى إنسان ) فوجد وصفة على مرحلتين ..
أولاً : وصفة تُعيدُ شكلَ الإنسان من شكلِ حمارِ إلى شكل إنسان ... ووجد طريقتها
ثانياً : وصفة تُعيدُ عقلَ الإنسان من عقلِ حمارٍ إلى عقل إنسان .. ولكن الكبير لم يجد في الكتاب طريقة تحضير الوصفة الثانية فلقد كانت ممزقة ً ولا أثر لها!!! جن جنون الكبير وتملكه الخوف وتمكنت منه الحيرة والقلق , فكر كثيراً في الموضوع فلقد انقلب الأمرُ من مجردِ تسليةٍ بريئة إلى كارثةٍ لا حل لها !!
مرت عدة ليالِ لم يتمكن فيها الكبير من إيجاد حل لهذه الكارثة الرهيبة وفجأة ضج من كثرة النهيق حوله فقرر أن يشرع في صنع الوصفة الأولى الخاصة بتحويل الشكل من شكل حمار إلى شكل إنسان ثم خرج من بيته ولم يترك حمار في القرية إلا وسقاه منه وبعد كل مشقة وعناء تمكن في النهاية من إعطاء كل الحمير الوصفة ثم عاد إلى منزله ونام وفي الصباح خرج من منزله فوجد أن جميع أهل القرية عادوا إلى أشكالهم الطبيعية ... ولكن أشكالهم أشكالُ بشر
وتصرفاتهم تدل على أن عقولهم ما تزالُ عقولَ حمير !!! لم يتمكن من منعِ نفسه من البكاء, وفجأة لمح مجموعة من الحمير نعم حمير !!! أشكالهم أشكال حمير وعقولهم عقول حمير !!! تملكه الرعبُ والخوف ...وكاد أن يغمى عليه وبعد تفكيرٍ شديد قال لنفسه : لم أترك حماراً في القرية إلا وأعطيته من هذه الوصفة !!
فأين الخطأ ؟!!!
بعد فترة وجيزة تذكر أن القرية في الأساس ومن قبل وصفة الغريب كانت تعجُ بالحمير !!!
لا بد إذن أنها حمير حقيقية لا تفيد الوصفة معها بشيء... أحس بقليل من الراحة لهذا الاستنتاج الذي وصل إليه ولكنه ما لبث أن قطب حاجبيه واعتراه الحزن فما تزال المشكلة قائمة لم يجد لها حل... مرت الأيام ,لم يترك الكبير وصفةً إلا واخترعها وسقاها لأهل القرية الحمير ...
ولكن دون فائدة !!!

الخطوة التاسعة ...
بعد فترة تملكه اليأس واتخذ قراراً يريحه مما هو فيه وقال لنفسه : لكي يتمكن الإنسان من الحياة مع الحمير ....لابد أن يكون حماراً مثلهم !! وفعلاً أعد وصفة تحويل الإنسان إلى حمار ووصفة تحويل شكل الحمار إلى شكل إنسان وشرب الوصفة الأولى ثم الثانية ونام ..

!
!
!
في الصباح استيقظ الكبير ونهض من على الأرض ونظرحوله وأمسك بكتاب الغريب وأكله, ثم اتجه ناحية الباب ورفسه بقدمه وخرج ....
!
!
!
..... وما تزال تلك القرية قرية صغيرة بعيدة وأهلها أشكالهم أشكال بشر...وعقولهم عقول حمير ...........

.
.
.

أحمد النجار



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.