احصائيات

الردود
0

المشاهدات
8094
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
08-08-2010, 06:32 PM
المشاركة 1
08-08-2010, 06:32 PM
المشاركة 1
افتراضي قراءة في رواية الطريق لكورماك مكارثي

عاد عاشور الناجي في " حرافيش " محفوظ من معتزله في الجبل بعد أن واتته الرؤيا بضرورة مغادرة المحروسة لوباء يوشك أن يفتك بها.
عاد ووجد المدينة في صمت مطبق خرساء فلا حركة تشغى في الدروب ولا صوت يصدر هنا أو هناك ليدل على أن شخصا ما حي يرزق فظن أن هذا يوم عطلة و بحلول الظهر اكتشف أن أهلها قد مضوا ...انتهبهم الوباء و لم يبق إلا أشياؤهم تركت كما هي. عاشور الناجي كردة فعل أول صرخ بأعلى صوته عله يبلغ مسامع إنسان لم يمت بعد
بطل " الطريق " لكورماك مكارثي لا يستطيع حتى الصراخ!!


فك شيفرات عالم ما بعد الكارثة و ما الذي يمكن أن يكون بعد أن تحل بأرض ما ؟ كيف سيعيد الوجود الإنساني تشكيل ذاته و بناء وحدته المجتمعية و كيف سيستفيد الناجون من ثروات الراحلين و مقدراتهم و كنوزهم التي خلفوها ورائهم ؟
الكارثة كانت بالشكل الأساسي كارثة لمن قضى بها أما من بقي فقد حصل على مكسب رئيسي و مهم أنه لم يكن من ضمن المنكوبين .
هناك الكثير من الآثار الأدبية العربية التي تحدثت عن ما بعد الكوارث و ليس أولها قصيدة أبي البقاء الرندي في وصف الزلزال الذي حل بالأندلس و لا رواية محفوظ الحرافيش أو حتى وصف الحرائق و الخرائب التي تلت الغزو المغولي للأرض العربية أو فظائع الحروب الصليبية..
و لكن أكثر الأنواع الأدبية تأثيرا هي الرواية عندما تتخذ من الحدث محورا رئيسيا لها لتحاول من خلالها إعادة كتابة التاريخ أو محاولة استقراء ما يمكن أن تؤدي له الحالة الآنية من كوارث بحسب المعطيات الموجودة . تأثيرالرواية يأتي من أنها الأقرب إلى تركيبة الإنسان المطبوعة على الانسجام مع الحكاية ومحاولة التوحد مع شخوصها و أحداثها .
و فن الرواية و المسرحية حديثا العهد بالأدب العربي فقد سبقت الآداب الأجنبية إلى هذين النوعين من الأدب و تناولت هذا الموضوع بالتحديد -الكارثة و ما يليها-خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية و القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما و ناجازاكي و ما حل من خراب في أقصى شرق العالم و غربه حيث ألمانيا.
دوما كان تركيز هذه الزاوية من الأدب ليس على تصوير الخراب بحد ذاته و إنما محاولة إيجاد طريق الخلاص و إصلاح ما يمكن إصلاحه.
وجدناها عند أندريه بلاتونوف في روايته " الجان أو الأشباح عندما انتشل شعبا في عمق الصحراء من الانقراض بسبب الكوارث الطبيعية التي حلت به و عند "تانكر دوروست" في مسرحية "عصر الجليد" حيث ألمانيا مهزومة و صقور النازية في المعتقلات و عند "آرثر ميلر" في مسرحية "كلهم أبنائي" و جميعها تركز على مجتمع ما بعد الصدمة ...سواء من حيث الأثر الذي تركته على حالة المجتمع ككل او على الحالة النفسية للشخصيات
و الآن بعد المتغيرات السريعة و المتلاحقة التي حلت بالعالم كله و تحديدا بعد أحداث 11 سبتمبر و التي زرعت الخراب في بقاع كثيرة من العالم كانت عامرة زاهرة مستقوية لم تفرق بين كونها احتلالا كما حدث في أفغانستان و العراق و لا كونها تغيرات مناخية أعلنت عن نفسها بشكل غير مسبوق على قشرة الأرض و في الفضاء و البحار و الأنهار كما هو " تسونامي " و لا كونها كوارث محتملة من صنع الإنسان كما هو سباق التسلح النووي و غزو الفضاء .كلها تؤدي لنتيجة واحدة ، كارثة ،تختلف في درجاتها و مدى الخراب الذي يمكنها أن تثيره
في روايته "الطريق" و التي قدمها في عام 2006 و نقلت إلى اللغة العربية بترجمة ممتازة من د. محمد علي فرغل ، يحاول كورماك مكارثي استكناه ما سيكون لو حلت بالأرض كارثة نووية.
كورماك مكارثي ذلك الكاتب الأميركي السبعيني يسرد في روايته الطريق حكاية كوكب الأرض ما بعد كارثة نووية حلت إثر جنون الكبار و استخدامهم السلاح المدمر قطعا
يحكي لنا حكاية ذلك الأب الذي قرر بعد سنوات عشر من حلول الكارثة أن ينطلق بحثا عن الخلاص و كان يراه في الساحل الشرقي ..لم يكن متيقنا من هذا لكنه وضع احتياجاته التي قدر أن يحصل عليها من المتاجر المنهوبة و التي تعرضت للخراب أصلا في عربة تسوق متهالكة و انطلق هو و ابنه الذي ولد عقب الكارثة مباشرة باتجاه الساحل .واجهتهما صعوبات كثيرة من جوع و برد و صقيع و خوف من أكلة لحوم البشر و بوصولهما إلى الساحل المؤمل فيه الخلاص كان مرض السل قد استحكم في جسد الرجل و مات الأب و لكن في ذات الوقت عثر الابن على مجموعة بشرية ناجية صغيرة تحتويه بين أفرادها.
جو الرواية قاتم جدا و من خلال الأب و ابنه اللذين لا نعرف لهما اسما و ربما كانت الأسماء مغفلة عمدا من الكاتب فما النفع من اسمك إن لم يكن هناك من سيناديك به؟ و ما النفع من اسمك عندما يكون هاجسك الأساسي و الوحيد هو البقاء؟حكى لنا مكارثي عن أب يحاول إيجاد الطريق و نسأل أنفسنا إلى أين؟ لا إجابة فالدمار عام شامل إلى أين يقود هذا الرجل ابنه و لماذا يريد بلوغ الشاطئ و هو لا يملك ذرة من يقين بوجود خلاص ما؟
تتعزز لدى القارئ كلما توغل في العمل برمزية هذا الطريق
الرجل يعلم يقينا أنه هالك في مرحلة ما من الطريق لكنه أيضا يريد بلوغ الصبي مأمنه فهو بذرة أمل في إعادة إعمار الوجود الإنساني.
كورماك مكارثي اعتنى كثيرا بسرد تفاصيل الطريق و كيف حمى الأب ابنه طوال الطريق و ما اعترضهما من عقبات كثيرة كان أولها البحث عن الطعام و الحماية من البرد و الأمطار و مرورا بحمايته من أكلة لحوم البشر الذي انتشروا في أرجاء الأرض بعد أن نهبت المنازل و المخازن و المستودعات و انعدمت مصادر الطعام و انتهاء بحمايته من رؤية منظر الجثث المتفحمة و المرمية على طول الطريق و هذه التفاصيل في غاية الأهمية تكفي لرسم الصورة كاملة في ذهن المتلقي عن مدى الخراب و الدمار و مدى الحاجة لإيجاد الطريق
بينما في الوقت نفسه أغفل تفصيلات عن شخصياته ربما لأنه اعتبرها غير مهمة و غير ضرورية لبناء الحدث الدرامي
تركنا نلملم التفاصيل و الجزئيات من زوايا القصة من خلال الاسترجاع الذي كان يمارسه الرجل في لحظات التأمل أو اليأس و الخوف أو الشعور بالجوع الشديد
فالكارثة التي حلت بالأرض ابتدأت بنور ساطع يعمي العيون ثم انقطاع للكهرباء تلته انفجارات هائلة
كانت الحياة تسير بكل بساطة و تلقائية بحيث كان المشهد المفتاح هو وقوفه أمام الحوض و ملأه بالماء الساخن،كانت المرأة التي لا نعلم عنها إلا أنها كانت تمسك بطنها بيدها بما يشير إلى أنها كانت حاملا في شهرها الأخير تسأله إن كان سيستحم الآن و هذا ينم عن سيرورة هذه الحياة بشكل طبيعي.
حضرت أيضا المرأة في مشهد الولادة التي تمت بطرق بدائية و بأدوات منزلية .
و في مشهد آخر قررت فيه أن تستخدم إحدى ثلاث طلقات باقية في المسدس لتنتحر بها و ترتاح من هذا الظلام و لكن كم من السنوات تحملت هذه المرأة ؟ لا يخبرنا مكارثي عن هذا أبدا.
الولد كما يمكن أن نتكهن له في عمر العاشرة يعرف القراءة و الكتابة فمتى تسنى لهذا الأب أن يعلمه و الوجود الإنساني يكاد يكون معدوما ؟ و كيف تسنى لهم البقاء أحياء أصلا في ظل هذا العالم الظلامي حيث البرد و الجوع و اختفاء الضوء حتى أن الثلج يهطل بلون رمادي.
الولد ذو شعر ذهبي و أبيض البشرة و ربما هذه إشارة عنصرية إلى أن النوع الباقي و الذي يحاول الخلاص لا بد أن يكون من العرق الذي تباهى بتفوقه و قاد العالم نحو الخراب.
نسائل أنفسنا هذا الرجل ما الذي كان عليه قبل الكارثة ؟ هل هو عامل أم طبيب أم فيلسوفا أو ربما حفار قبور فهو قد يكون أحد هؤلاء أو غيرهم وربما يكون جميعهم وهذا ما يتضح دوما من خلال قدرته على الاستفادة من كل المعطيات و الحفاظ على نفسه و على ولده على قيد الحياة فهو حامل الرمز و يتسع لكافة الاحتمالات.
لم يخبرنا كورماك مكارثي أيضا عن هذا لكنه أغفله عمدا ليقول أننا أمام حالة إنسانية تحتاج إلى المحافظة على بقائها و ربما لو نجت البشرية فيما بعد سيكون لنا الحق بسرد هذه التفاصيل.
كان علينا من خلال الوصف الدقيق للأحداث المارة بهما على الطريق أن ندرك مدى التشويه الذي حل بالنفس البشرية.
نحن إذا أمام حالة تشبه روبنسون كروزو لدى ديفو أو ربما إشارة إلى مرجعية دينية مشتركة لدى الأديان السماوية بحالة هبوط آدم و حواء من الجنة.
عصابات قطاع الطرق و التي تنتظر فريسة بشرية لأكلها منتشرة على طول الطريق هنا الصوت ممنوع فقد يهتدي لك قطاع الطرق و يقتلونك لذا كان عليهما أن يلتزما الصمت كطقس إجباري من طقوس ما بعد النهاية وهذا بدلا من أن تعلن عن وجودك لتبحث عن نظيرك الإنسان لتتكاتف معه في إعادة البناء.
الرجل هنا ما عاد يعنى بأي شي سوى فرديته و كينونته هو و ابنه بعيدا عن التفكير في البحث عن أي وجود إنساني آخر لم يمارس خطيئة أكل الآدمي .
و لذلك في عدة مشاهد نراه ممعنا في قسوته و ربما نلتمس له العذر في مشهد الرجل المحترق حيث ترك الرجل يحترق حتى الموت دون أن يقدم له يد المساعدة أو تركه الرجل العجوز يتضور جوعا حتى الموت دون أن يحاول مساعدته بلقيمات فكلاهما كانا سيموتان فعلا الأول بدافع الحريق و العجوز بدافع كبر السن و الهزال
و لكننا لا نبرر له القسوة في تجاهله صوت الطفل وعدم إنقاذه خوفا على ابنه أن تكتشفه عين أكلة البشر ليرى فيما بعد ذات الطفل أو ربما غيره معلقا على الشواية إعدادا لالتهامه من قبل أكلة اللحوم البشرية لا نسوغ له قسوته أيضا أو في تجريده لذلك اللص الذي سرق العربة من ملابسه أو في عدم إطلاق البشر المسجونين في السرداب من قبل القتلة تهيئة لأكلهم
و لا يبرر له ابنه هذا ففطرته الإنسانية ما زالت سليمة بقدر ما بالرغم من التشويه الذي حصل لها بدافع مناظر الجثث و الدمار،حاول الأب طول الوقت أن يحافظ على إنسانية ابنه غير مشوهة لكنه عندما فجر رأس قاطع الطريق برصاصة حيث تناثرت أشلاء مخه على رأس الولد كان قد مارس نوعا من التشويه لانسانية الولد المذهول
و عندما شاهد ثلاثة رجال و امرأة حاملا يشوون طفلا بشريا لم يعد هناك ما بإمكانه أن يخفيه.
هنا في هذا الظلام و البرد و الخراب ثمة إله واحد نضرع إليه و نناجيه و هذا ربما لتأكيد مقولة أساسية أراد الكاتب بلوغها و هي أن هذه الطوائف و المذاهب و اقتتالاتها كلها من صنع بشري و يبقى الله الواحد الذي نضرع إليه.لهذا لم يشر الكاتب إلى أية ديانة في هذه الرواية ففي أماكن كثيرة منها و في أوقات الحلكة الشديدة نرى الكاتب يشير إلى أن الأب تضرع إلى الله أو ابتهل إلى الله و لم يحدد ديانته.
طوال الرواية هناك سؤال يطرح نفسه متى الخروج من هذه الأزمة و كيف ستكون؟
فيرد علينا الكاتب بأنها شبه مستحيلة لأن الطيبين القادرين على إعادة تشكيل الأشياء و إصلاح الخرائب و عمران الأرض خائفون من بعض.بالتأكيد هناك بشر من ذات نوعية الرجل لكنهم متوارون عن الأنظار فكل يتوجس من الآخر أن يكون آكلا للحوم البشر و إذا لم نجتمع فكيف سنبني و نصلح الخراب؟
نهاية الرواية بالرغم من موت الأب وسوداوية الرؤية العامة نجد أن هناك بصيصا من أمل عندما يظهر رجل ما ليقول للصبي أنه كان يراقبه و يريد أن يضمه إلى أولاده وزوجته
من هنا ربما نبدأ من جديد
الطريق في عمقها ربما هي طريقنا جميعا عندما تكون النفس ملأى بالخرائب و التوجس و الخيفة
ربما نحتاج إلى بعض الشجاعة و المغامرة و الثقة بالنفس لنبدأ سبر غور الحياة من جديد

ريم بدر الدين



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قراءة في رواية الطريق لكورماك مكارثي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شعورك بعد قراءة رواية أو كتاب ؟ ياسر حباب منبر رواق الكُتب. 21 11-27-2020 10:43 AM
قراءة على رواية (36ساعة في خان شيخون) محمد فتحي المقداد منبر القصص والروايات والمسرح . 2 06-02-2020 10:11 PM
قراءة في رواية انقطاعات الموت لخوسيه ساراماجو ريم بدر الدين منبر الآداب العالمية. 1 03-05-2015 04:46 PM
قراءة في رواية الدفلى لـ ماري رشو ريم بدر الدين منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 08-05-2013 07:21 PM
قراءة في رواية ( عناد ) للأديبة حصة الحربي حسين العفنان منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 3 12-30-2011 06:11 PM

الساعة الآن 01:41 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.