احصائيات

الردود
0

المشاهدات
2474
 
حسام الدين بهي الدين ريشو
مشرف منبر بـــوح المشـاعـر

اوسمتي


حسام الدين بهي الدين ريشو will become famous soon enoughحسام الدين بهي الدين ريشو will become famous soon enough

    غير موجود

المشاركات
7,004

+التقييم
1.47

تاريخ التسجيل
Apr 2011

الاقامة

رقم العضوية
9844
07-08-2017, 02:27 PM
المشاركة 1
07-08-2017, 02:27 PM
المشاركة 1
افتراضي الرافعي وشِعر العقاد

الرافعي وشِعْر العقاد
==========
حسام الدين ريشو
=========

كان مصطفى صادق الرافعي يرى أن الشعر العربي الوسط قديما يُعتَبَرُ بعضه ببعض ؛ ومهما يخطئك منه فلا يخطئك أن يكون على النصف من موضوع البيان وجزالة اللغة وإحكام الصنعة الشعرية وسلامة الذوق وفيه شيئ من شيئ
لكن من صفات الشعر الوسط في عصرنا أن تكون الفلسفة فيه على حالة لم تنضج والفكر على طريقة لم تُستَحكم واللغة في طبيعة لم تسلس والبيان على صناعة لم تَبْرع وأن يكون مدخولا بالذوق الفاسد موسوما بالسمات العامية مستهلكا بالفكر الملتبس والمعنى الغُفل واللفظ الساقط المُبتذل ؛ وأن ترى أوزانه متهافتة لاعلم لناظمها بالملاءمة الموسيقية بين الوزن الذي ينظم عليه والمعنى الذي ينظم له والأسلوب الذي يتأدى به الى النفس فكل وزن هو وزن لكل معنى

ولم أر في كل ماقرأت من شعر أدبائنا مايستوفي جميع أوصاف الشعر الوسط كنظم صاحب ( وحي الأربعين ) عباس محمود العقاد ... فقدم لنا شعره على أنه التجديد والعبقرية وأنهُ وأنهُ وليعد ماشاء من الأوصاف ولكن ماذا ينفع ملكة جمال أن تكون فيها كل شرائط الجمال وهي عوراء !
إن العقاد نفسه هو الذي أعطانا هذا المعنى ؛ فإنه يقول :
دع الشُهرة العوراء تقتاد غافلا ...على حكمها يجري وإن طاش أو ظلم
يعني أن الشهرة عوراء لأنها رأت شوقي ولم تره هو فكان مهملا من قبل عينها المطموسة ؛ ثم يقول :
إذا الدهر لم يعرف لذي الحق حقه ... فللدهر مني موطئ النعل والقدم

ومع أن النعل لا تُطأ إلا بالقدم ؛ فلا بأس أن يطأ العقاد دهره مرة بالنعل ومرة حافيا لفرط غيظه من شوقي ؛ لكن هل هذا المعنى إلا قول العامة ( أدوسه بالجزمة ) ؟ وإذا لم يكن في السقوط بالشعر أسقط من هذا ؛ فهل في الرغبات الحمقاء أحمق من رغبة دوس الدهر بالجزمة ؟ !
على أن الذي سقط بالعقاد هذه السقطة هو أنه سرق من قول أبي نواس في مدح المأمون يستطيل به :
فلو أن دهرا رابني ... لصفعتهُ بالكف صفعا
ونريد أن ندل العقاد على سر سقوطه في الشعر وأنه لن يفلح فيه ولا يجئ به إلا فضولا مُكرها أن يكون شعرا .

كيف تأتي القصيدة :
إن الفكر يأتي بمادة القصيدة ثم يصورها الطبع ويصوغها ثم يأتي الذوق فيهذبها كما يهذب صانع التمثال تمثاله ؛ لا يحذف مايحذف ويُثبت مايثبت على أنه إثبات وحذف بل على أنه صناعة الملامح في الصورة وإفراغ الجمال الفني على تكوينها

ولقد كنت أقرأ ( وحي الأربعين ) ولو هو سمى الحقيقة بإسمها لكان إسم ديوانه ( الحثالة ) ؛ وإلا فأي شعر في مثل هذا البيت :
أرى في جلال الموت إن كان صادقا ... جلالة حق لاجلالة باطل
فأن كان الموت صادقا ... ويحك .. فماذا يكون إلا أن يكون حقا وما شرط الصدق في شيئ واقع لا يَتكذب فيه أحد ؟
لست ادري ماهي القوة التي تضطر العقاد أن ينظم الشعر ومن أي محكمة صدر عليه حكم الأشغال الشاقة في الألفاظ التي يشبه عمله فيها تكسير الزلط في ( طُرة )
وله من المعاني التى لم يبق في الأرض حضري ولا همجي إلا عرفها .. كقول العقاد :
الموت أخْذ فخذ ... ماتستطيع من الحياة
هذا البيت كأن المعرى سخر منه فقال :
وكيف أُقضِّي ساعة بمسرة ... وأعلم أن الموت من غرمائي

وما يخيل إلي في شعر العقاد إلا أنه مستنقع اخضرت ضفتاه فهذا الجمال القليل فيه لا يكشف عن سر رونق وإمتاع وإنما يزيد في القبح والشُنعة وما هو المستنقع إلا البعوض والملاريا والطُحلب والوخم والعفن ... فلو أنك كنت شاعرا دقيق الحس مُصفى الذوق عالي البيان ثم قرأت شعر العقاد لرأيت من ألفاظه ألفاظا تلسع الذوق لسع البعوض ومن شعره أبياتا تنهق نهيق الضفادع الي هي حمير الماء
وما قط أصبتُ للعقاد معنى حسنا إلا وأنا واثق أنه من باب قول بشار :
إذا أنشد حماد ... فقل : أحسن بشارٌ

ومن أحشاء شعره قوله في وصف القُبلة :
هي كأس من كؤوس الخالدين ... لم يشبها المزج من ماء وطين

ماء وطين ! أي وحل .. عند ذكر القبلة من فم الحبيب ؟ أهذا كلام يوضع في الشعر أم يوضع في عربات نقل الوحل وكنس موضعه من اللغة

ومن حشاء شعر العقاد قوله :
تنشقتُ من فيك عطر الثما...ر أو نكهة العنب الناضج
فلو قلت أطعمتني قبلة ... لأنبأتُ عن صدقي الطازج

هذا صدق ( طازة ) ..ففي أي عصر نحن من عصور اللغة العربية وكيف يخطر لأديب أنه تنشق من فم الحبيب ؟
هناك الماء والطين في القبلة وهنا النشوق في الفم ... اللهم إحفظ لي عقلي
كما أساغ ذوقه اللغوي قوله في قصيدة غزل فلسفي :
والذي أرهبه وا أسفاه ... هجرك المدعو بالموت الزؤام

لقد فرغ الشعراء من تشبيه الهجر بالموت وقالوا ( ألا إنما الموتُ التفرق والهجر )
فليس في بيت العقاد معنى له ولكن فيه ذوقه اللغوي وقوله " المدعو " والعامة إذا أرادوا تحقير شخص قالوا مثلا : فلان المدعو بكذا فانحطوا به عن كلمة ( المُسمى ) ثم أن المدعو هذه لا تفيد التسمية إلا في حي مامن ذلك بد إذ أن الاسم يوضع للحي ليدعى به إذا ناداه مناد فكيف يقال الهجر " المدعو بالموت

ومن ذوق العقاد قوله يخاطب الحبيب :
فيكَ منى ومن الناس ومن ... كل موجود وموعود تُوْأم
قلنا فإن من كل موجود : البق والقمل والنمل والخنفساء والوباء والطاعون وزيت الخروع والملح الانجليزي ... أفيكون من هذا كله حبيب على مذهب العقاد في ذوقه ولغته وفلسفته ؟

إن ذلك المعنى الذي بنى عليه هذا المسكين غزله الفلسفي قد مر في ذهن أعرابي قديم لم يتعلم ولم يدرس الفلسفة ولا قرأ الشعر وليس له إلا ذوقه وسليقته فصفى المعنى تصفية جاءت به كأنما يقطر من الفجر على ورق الزهر فقال :
فلو كُنتِ ماء كنت ماء غمامة ... ولو كنت درا كنت من درة بِكر
ولو كنت لهوا كنت تعليل ساعة ... ولو كنت نوما كنت إغفاءة الفجر
ولو كنت ليلا كنت قمراء جُنِّبت ... نحوس ليالي الشهر أو ليلة القدر

إنظر كيف جعل الأعرابي حبيبته وكيف صورها شعرا للشعر نفسه ثم قابل هذا الذوق المُصفى بذوق م يجعل في حبيبته من كل شيئ ومن كل موجود وموعود تُوأما وزؤاما وبلاء عاما .

يقول الرافعي في مقالة ثانية :
نحن لا نستقصي في هذا النقد ؛ وإنما مذهبنا في شعر العقاد ( والبعرة تدل على البعير ) وقد عرفتَ أمثلة من ذوقه الشعري واللغوي فهذه أمثلة أخرى من غلطه .. إذ يقول :
ضلَّةَ للخلود نأسى عليه .. أخلد الخالدين فينا دَعِيٌ
" أخلد الخالدين " بينة الغلط إذ لا يأتي التفضيل إلا من فعل يقبل التفاوت حتى يكون شيئ أفضل من شيئ والخلود لا تفاوت فيه وإلا فليس خلودا ومن خلد فقد خلد كما لا يقال أمْوت الموتى .

ويقول في قصيدة :
لأمر ما دخلناها .. ولا عزما ولا وعيا
وهذا التنوين في عزما ووعيا ؛ خطأ ؛ فإن إسم لا إن كانت نافية للجنس يُبنى على الفتح فإن كانت بمعنى ليس وجب رفع عزم ووعي

وفي ص 71 يقول :
" دموعٌ ذراها الحزن من طرف اشيب "
وقال في شرحها :
ذرا الشيئ فرَّقه وبعثره ؛ وليس كذلك : وإنما يقال ذرت الريح الشيئ ؛ أطارته وأذهبته وهذا لا يتفق في الدموع ؛ وإنما المستعمل فيها " أذرت " وإلا إستحال المعنى فإن ذرا تفيد الارتفاع وهو لا يمكن في انحدار الدمع وتساقطه ؛ وأذرى تفيد الإلقاء .. تقول : جمحت به الدابة فأذرته .. أي رمته وألقته .
ويقول العقاد :
ألقى لهن بقوسه ...قزح وأدبر ونصرف
فليس من أسلابه ..شتى المطارف والطُرَف
فقزح لا يُلقي قوسه أبدا إذ لا ينفصل منه .. قيل في اللسان " ولا يُفصل قزح من قوس " فإذا إمتنع فكيف يقال " وأدبر وانصرف " .. والمعنى مأخوذ من قول المعري يصف مغنية :
بينهم كالغمام شاديةٌ ..تومض في ملبس كقوس قزح
فالغمام وقوس قزح معا في جسم المرأة الجميلة وثيابها .. وهذه صنعة بارعة ... أما قزح العقاد فلعله الخواجه قزح المالطي مراقب المجلس البلدي على شاطئ إستانلي الذي قيلت فيه القصيدة .

نحن نعرف العقاد رجلا ذكيا مفكرا مُطلعا ... ولكن هذه الخصال على أنها الطبقات العليا في صناعة الكتابة الصحافية .. هي الطبقات السفلى في صناعة الشعر العالي ؛ فإن الإلهام من فوقها يبدأ

هل يشرح الشاعر شِعره ؟
قد ترى النظم في ديوان العقاد مُغمي عليه وترى الشرح له كأنه عملية التنفس الصناعي ؛ وهذا يؤكد أن طبيعة الرجل غير طبيعة الشاعر ؛ فإن أجمل الشعر وأبدعه وأدقه في الصناعة البيانية لا يمكن شرحه إلا بألفاظه عينها فإن في هذه الألفاظ ونسقها وروحها سر الفن كله إذ فيها عمل النفس الكبيرة الشاعرة التي عملت بروحها في اللغة عمل روح الطبيعة فيها
ولا قيمة للشعر إن لم تأت ألفاظه كأن فيها دما وأعصابا وحسا ... فهذا هو الفن البياني كله ومن ثم فالشعر الذي ينقصه التفسير لايكون التفسير هو الذي ينقصه بل الشعر

لقد صدر العقاد ديوانه بهذه الأبيات :
صحَّ جسما فشاقت الأرض عينيه .. جمالا وفتنة وضياء
صح نفسا فشاهت الناس حتى .. كرِه الأرض حوله والسماء
عجبا للحياة ماسَر فيها .. جانب ترتضيه إلا أساء

فمن من الشعراء يفهم معنى البيت الثاني وكيف يقع أنه لو صح الانسان نفسا شاهت الناس ؟
إن العقاد لن يستطيع أن يشرح للناس هذا المعنى لا من أنه مُستَغلق لا يُفْهم ولكن لأنه يكشف عن سرقة محلية فإنما أخذه من كتابنا ( رسائل الأحزان ) غير أننا لم نقل أن صحة النفس تكون سببا في كره الأرض والسماء فهذا جاء به العقاد للقافية لا غير
ومعنى البيت الثالث مأخوذ من كتابنا ( المساكين ) وهو هناك في صور مختلفة ومنها هذه العبارة (ولم تجد حسنة إلا معها من طبيعتها سيئة )
يقول أيضا :
قطوب كريم خاب في الناس سعيه .. أحبُ من البشرى بفوز لئيم
لاندري كيف تصح المقابلة بين شطري هذا البيت وإنما صواب المعنى أن القطوب في وجه الكريم الخائب أحب من البشر في وجه اللئيم الفائز
فأنظر كيف صنع ؟ وأين هذا من صنعة المتنبي في قوله :
والغِنى في يد اللئيم قبيح .. قَدْرَ قُبح الكريم في الإملاق
ويقول :
أَرقبُ البدرَ إذا الليل سجى ..فلنا فيه على البعد لقاء
كيف يلتقي بحبيبته البعيدة في البدر .. ومن عسى يفهم هذا إلا من يعرف قول الأعرابي لحبيبته :
إلى الطائر النسر انظري كل ليلة .. فإني إليه بالعشية ناظر
عسى يلتقي طرفي وطرفك عنده .. فنشكو إليه ماتَكِنُ الضمائر
حسبك هذا على أن من الإنصاف للعقاد أن نعترف له بأنه يجيد إجادة حسنة في باب واحد هو الباب الذي تراه في أبيات من قصيدته ( عيد ميلاد في الجحيم ) والشيطان نفسه لو كان شاعرا واستمد من طبعه لما قال أحسن من هذا :
ولرب وجه يومذاك شهدتُه ..فكأن سُما في العيون انْسابا .
. وجه اللئيم إذا استهل ومثلُه .. وجه الكريم إذا اضمحل وذابا .



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الرافعي وشِعر العقاد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العقاد جبار جانبه الصواب؟! ماجد عبدالله العلي منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 13 12-25-2020 08:09 AM
مساعدة فى قصيدة الصدار الذى نسجته لعباس العقاد ميار محمد منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 7 05-26-2014 03:17 AM
يسألونك - عبَّاس محمود العقاد د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-07-2014 10:05 PM
في رحاب العقاد رحمه الله تعالى !!! عبده فايز الزبيدي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 5 06-21-2011 08:30 PM

الساعة الآن 12:27 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.