قديم 11-28-2012, 10:04 AM
المشاركة 11
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي تعقيب
أخي العزيز محمد جاد الزغبي

تحية عطرة للجميع،


سأعلق على كل نقطة من النقاط التي تفضلت بطرحها ولكن من الأفضل حتى لا تتشعب الأمور أن نتحاور نقطة نقطة فيلقي كل منا برأيه، ثم لنا وللقرآء الكرام الاختيار إن وجدوا حقا في أي مما نقول.


من وجهة نظري، الهدف من الحوار ليس لتغيير فكر أحد، بل هو لعرض الأفكار وحسب ثم حسابنا جميعا عنده تعالى.

كما إني أنقد الفكر بتجرد وموضوعية بحيث يكون الهدف منه تمجيد الله تعالى وكلامه أولا، لا يهمني من قاله، ومتى قاله، وكم من الناس آمن به. فليس نقدي لإنسان بعينه حيا كان أو ميتا، فنقد الأفكار لا يعني أبدا نقد الناس، فقد أنقد فكرا صاحبه خير مني.

فتمجيد الناس وعلمهم أحياء وأمواتا أكبر إشكال في أمتنا، ليس الآن وحسب، بل على مر عصور هذه الأمة.... هذا هو ما يفرقنا وكل حزب بما لديهم فرحون فخورون:


وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (المؤمنون:53)



مشكلة التمجيد هذه وقعت فيها جميع الأمم الماضية والحاضرة ونحن المسلمين لسنا استثناء في هذا. وأصل المشكلة هي أن الناس دوما تمجد أنفسها وأعراقها وعلومها. فمثلا تجد أن الطالب يحاول جاهدا أن يبرز قيمة مدرسته أو جامعته أو شيوخه وعلمائه. السبب بسيط وهو أنه عندما يفعل ذلك فإنه يمجد نفسه بطريق غير مباشر.

فمن العيب للإنسان القول بأن مدرستي ضعيفة أو منسية، أو أن شيخي إنسان عادي. فلو كان الأمر كذلك، لكان هو بنفسه كذلك.



لهذا كثيرا ما يمدح الناس تخصصاتهم وعلمائهم وشيوخهم وأسلافهم ويرفعونهم إلى السماء. ثم يستمر هذا التمجيد مع الزمن إلى أن يصل إلى درجة التقديس كما حدث للأمم السابقة التي نتبعها حذو القذوة بالقذوة ولو دخلوا جحر ضب لدخلناه. أي نعتقد أن هؤلاء العلماء لا يخطئون أبدا والمفارقة أنهم هم أنفسهم يختلفون فيما بينهم ولا يعطوا العصمة لأقوالهم.


قد يقول قائل هنا نحن لا نمجد السلف أو العلماء فأقول نعم ولكن ذلك بالقول لا الفعل. ما يهم هو الفعل لأن: الفعل أصدق الأقوال، وسأضرب لاحقا أمثلة على هذا.


ومن هذا المفهوم تجمدت العلوم القرآنية والدينية، فلا يجرؤ الناس على مناقشتها. فتتقدم الدنيا في كل مجال، إلا هذه المجالات الدينية "المحروسة" ممن يعتقدون أن لا ينبغي لغيرهم الخوض في هذا التخصص.

وهذا مما تعانيه أمة الإسلام، كما عانت من قبلها الأمم.


علينا دوما أخي أن نبحث عن الحق، ليس من أفواه الناس وحسب، ولكن من المصدر الذي لا يتغير ولا يتبدل ألا وهو القرآن والأكوان وما فيهما من سنن ثابتة مشتركة لا تتبدل.


علينا دوما أن نبحث عن الحقيقة، لا يهم إن كان صاحبها عالما مشهورا جليلا من السلف أو الخلف، لا يهم إن كان صاحب الحقيقة هو أنا أو أنت، المهم أنها الحقيقة.


تفضلت بقولك وأنا أقتبس:

أنت مثلا من علماء طبقات الأرض , وهو تخصص ماتع وبالغ الإفادة فى العلوم الإنسانية , لو أن أحدا جاء من عندياته هكذا ونشر موضوعا قال فيه أن الأرض لا تتكون من طبقات , وأن ما يتحدث به علماء الجيولوجيا عن وجود كتلة حديد منصهرة فى قلب الأرض هو أمر خيالى لا يصدقه عاقل , فكيف وصلوا إلى قلب الأرض وصوروا أو رأوا تلك الكرة الحديدية الضخمة ؟!
قل لى ما الذى سترد به على القائل بهذا ؟!
إن أول رد لك على هذا القول الجاهل أن المتحدث جاهل بمبادئ علوم الأرض التى لها متخصصوها , ولا يجب أن يتكلم فيها إلا أهل العلم بها , وأن علماء طبقات الأرض اكتسبوا من الوسائل والتجارب العلمية ما مكنهم من تقرير مبادئ وتقسيمات الأرض وأن قولهم هو المعتد فى هذا الفن ..

ولا شك أن كل عاقل سيري ردك هذا ردا منطقيا عاقلا ..
وردك هذا يحمل نفس المبدأ الذى تستنكره على علوم القرآن والتفسير , حيث تعتبر الضوابط العلمية التى وضعها العلماء للخوض فى تفسير القرآن الكريم قواعد جامدة تمنع التفكر والتدبر فيه , وهذا غلط من وجهين ..


انتهى الاقتباس.


يأخي أنت وضعت سؤالا وافترضت إجابتي من عندك ورديت علي وأنا برئ من هذه الإجابة. لكن ألا ترى أنك قد قمت بـ "الحكم المسبق علي" بهكذا طريقة؟

لو جائني أحد من غير تخصصي وفند بعضا مما أعتبره "حقائق" علمية فسأفعل ما يلي:


أولا: أشكره لأنه بذل الجهد والوقت لبيحث في هذا المجال وسأخبره بسعادتي لأنه اختار هذا التخصص للخوض فيه.

كما إني لا اتهمه بالجهل لمجرد أنه خاض فيما أخوض أنا به! في الحقيقة ليس عندي ميزان لقياس درجة علمه أو إخلاصه ولا يبقى للحكم عليه إلا مصداقية كلامه وحججه وبراهينه التي عليه أن يعرضها.


لكن لي سؤال هنا: تهمة "التجهيل" هذه من أين لنا بها؟ بمعنى لماذا لا أنظر إلى الناحية الإيجابية وأقول لهذا الشخص أنه له عقلا جريئا شجاعا يبحث عن الحق في الأمور؟ لماذا لا أقول أنه ليس إتكاليا كغيره؟ فهل رمي كل من درس في تخصص ليس له بالجهل أو غيره من سنن الأنبياء التي علينا اتباعها؟ أم هو من العدوان الذي نهينا عنه؟


لذا فسأنظر إلى براهينه بتجرد. فإن كان جاهلا فعلا فلن أرد عليه ولن أكترث بما يقول فليس "هذا التخصص" ملكا لي أو لغيري.


ثانيا: وبكل حماسة سأسأله عن رأيه في التخصص وإن كان بالإمكان أن يثريه بما يحمله من فكر في مجالات أخرى.


فالمعارف الإنسانية كالبحار لكل منا أن ينهل منها ما يريد، وليس لأحد أن يستأثر من دون غيره بشيء منها. وكلما تواصلت البحار وامتدت لها الروافد من بعيد كانت حية زاخرة نافعة، وكلما كانت البحار معزولة عن بعضها وعن الروافد كلما ماتت ونضبت.



إن من المسلمات أن الإنفجار المعرفي الحاصل هذه الأيام إنما هو نتيجة لتواصل العلوم المختلفة ببعضها البعض والاستفادة الكمية والنوعية التي ينهلها كل تخصص من التخصصات الأخرى.


هل لنا أن نتخيل حالنا لو أن الإطباء القدماء الذين يستخدمون الأعشاب وحسب رفضوا وبشدة الأفكار والأبحاث الطبية الجديدة؟

ألا نجد أن علماء الفيزياء الإشعاعية هذه الأيام قد أثرَوا بل وقلبوا الموازين في علوم الطب؟ هل من حق الإطباء منع الفيزيائيين من التطفل في علوم الطب لأنهم مستأثرين بهذا التخصص؟ أم إن التخفيف عن المرضى هو الهدف الأسمى الذي ينشده الجميع؟


ألا نجد أن معظم العمليات الجراحية التي كانت قبل عهد قريب تقوم أساسا على شق جسد الإنسان تغيرت وأصبحت تعتمد على علوم المناظير والتصوير والتقنيات الحديثة المختلفة التي ليس للأطباء علم فيها من قريب أو بعيد؟


يأخي العزيز قد سبق لي نشر العديد من الأبحاث في المجلات الغربية المتخصصة ولم يسألني أحد أبدا عن "أصل" تخصصي إذ إن المجلات العلمية عندما تقيم بحثا تنظر إلى محتواه العلمي فقط، فإن كان مبنيا على حجج وبراهين فسينشروه، وإلا فلن يردوا عليك، هكذا بكل بساطة.



قرأت قصة حقيقية فيها رجل عاني إبنه من مرض وراثي قاتل. هذا المرض لا علاج له ويسبب آلاما شديدة.


جاهد الوالد لعلاج ابنه لكن جميع المراكز الطبية أخبروته أن لا علاج لهذا المرض النادر.

ترك الأب وظيفته كمحامي وعمل هو بنفسه – بالرغم من أنه ليس في المجالات الطبية – بالقراءة والبحث حول هذا المرض. عمل بالمكتبات ليل نهار. كان منظر ابنه المعذب دافعا جبارا له.

هذا الرجل وبعد عدة سنوات من البحث استطاع اكتشاف علاج لهذا المرض.

كان الوقت قد فات لابنه فمات لكنه أنقذ جميع من سيولد بهذا المرض مستقبلا ...

والقصص في هذا الشأن أكثر من تذكر هنا. ترى ماذا كنت قائلا لهذا الرجل أخي؟



كذلك أخي الكريم، من الثابت أن معظم التقنيات الحديثة (كمبيوتر، طيران، اتصالات ...) كان أصلها وتطورها في الوقت الراهن من أبحاث الجيش الأمريكي العلمية.
طبعا نحن نعلم الغرض من تطوير السلاح. هذا شر ومعاناة لكثير من الناس، لكنه في نفس الوقت يفتح أبوابا جديدة من العلم والمعرفة للإنسانية جمعاء.

في الحقيقة فإن التخصصات المختلفة هذه الأيام تعتمد وبشكل أساسي في تطويرها على موارد التخصصات الأخرى، وتدفع الشركات مبالغ طائلة "لخلط" التخصصات المختلفة ببعضها البعض ولدمج العاملين في تخصصات مختلفة ليعملوا كفريق واحد كي يثري كل منهم الآخر. والسبب لهذا كما يلي:


التخصصات المختلفة ما هي إلا كصناديق موسومة تحوي أفكارا معينة. وفي كل صندوق ناسه وعلمائه ومعايره. ولا يستطيع من بداخل صندوق أن يزيل من محتواه شيئاً إلا أن يضيف، ولكن إضافته بكل الأحوال لا تخرج عما في الصندوق أصلا من محتويات قديمة.


لذا يتقوقع أصحاب الصندوق الواحد ويتجمد فكرهم ويدوروا في قاع الفنجان بمعزل كما يقال في المثل.


فلو اخترت لنفسي تخصصا من هذه التخصصات، فسأضطر اضطرارا لأن أصبغ نفسي – راضيا أو كارها – بجميع ما فيه من فكر وبالتالي أدخل إلى عالم الجمود والتقوقع.


ولأن من لم يبدع في العلم أبدع في الجهل، ومن لم ينظر للأعلى نظر للأسفل، ومن لم ينظر للأمام نظر للخلف، فإن أعضاء هذا الصندوق يزدادون تحجرا وتعصبا مع الأيام فيحاربون الصناديق الأخرى بكل شدة وعنفوان.


فليس من الغريب إذن بعد كل هذا أن نجد "التكفير" و "الإقصاء" في كل مكان نرتاده ...


ثم إن معظم العلماء الأوائل كانوا يدرسون في أكثر من تخصص. فابن سينا والفارابي وجابر ابن حيان ونيوتن وليورنادو دافشني وغيرهم كانوا يفهمون في الطب كما يفهمون في الأدب أو الهندسة أو الرسم أو الفلك.


فليس في عقل الإنسان – حسب علمي – شرط الاقتصار على تعلم تخصص واحد. كما إني لا أجد أن في القرآن أو في السنة النبوية أو في أخبار الأنبياء شرط "التحصل" على شهادة ورقية أو تزكية مرموقة. بل أجد البحث عن الحق والحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها وأجد كذلك أن: "من كتم علما أعطاه الله لجم بلجام من نار يوم القيامة". هذا لو كان العلم يخص الإنسان نفسه، فما حال من كتم علما هو أصلا ليس له؟




إن تداخل العلوم والمعارف أمر طبيعي مشهود والأدهى أنه يشير إلى توحيد الله تعالى! كيف؟
السبب أن الله تعالى خلق كل شيء فلابد إذن من أن نرى ونعاين أسماء الله تعالى وصفاته في كل خلق من خلقه.


فنجد من حولنا طريقين متعاكسين. الطريقُ الأولُ هو طريقُ الملحدين، وهم من آمن بالمادة وقوانينها وكرَّس حياته لها وقدَّسها وكفر بالخالق الواحد سبحانه وأهمل الكتبَ والشرائع السماوية المنزلة من السماء.


والطريق الثاني هو طريق من آمن بالله تعالى وكفر بالمادةِ وقوانينها وأهمل وسَخِرَ من دراسة هذا الكون وقوانينه. كلا الفريقين جانب الصواب ولم يتسع علمُه وإيمانه وفكرُه لكلا الطريقين في وقت واحد.


فالإيمانُ بالله وبوحدانيته وعظمتِه وجمالِه وبديع صنعِه وإحسانِ وإتقانِ خلقِه يتطلبُ الإيمانَ بالمادة إيماناً شديداً يجبُ ألا يقلَّ عن الإيمان بالله تعالى. فدقةُ ومتانةُ وإحسانُ وانضباط وجمالُ وسعةُ الكون وقوانينه الطبيعية إنَّما هي انعكاس ومرآةٌ لدقةِ ومتانةِ وإحسانِ وانضباط وجمال وسعة خالقه تبارك وتعالى. ومن أنقص من الأولى فقد أنقص من الثانية، والعكس صحيح.

فمن المعلوم في حياتنا اليوميةِ مثلاً أنَّ متانة ودقة صناعاتِ ومنتجاتِ بلدٍ ما تعكس إلى حدٍ كبيرٍ متانة ودقة وعلم وترابط الشعب في ذلك البلد، وأنَّ صناعة وحكمةَ ودقةَ وانضباطَ ومتانة عامل في مصنع ما لابد وأن تعكس حكمةَ ودقةَ وانضباطَ ومتانة فِكرِ وعلم ذلك العامل! أليس كذلك؟


بهذا فالعلوم والتخصصات التي تبدو من الوهلة الأولى متباعدة ليست كذلك إذ يجمعها أن خالقها وبارئها واحد، سبحانه. فنجد في علوم المادة الجامدة أنظمة وقوانين لها ما يقابلها في علوم النبات مثلا، ولكن بصيغ وطرق مختلفة يجب البحث عنها لإظهارها.

فلو استطاع متخصص في النبات مثلا إيجاد مفهوم أو قانون يطبق على النبات فقد نجد أن تخصصات أخرى يطبق فيها نفس القانون ولكن بصيغ أخرى مغايرة، قد تختلف مظهرا لكنها جميعا في جوهرها واحد. وبهذا تستفيد التخصصات المختلفة من بعضها البعض وكلهم يشيرون إلى الواحد سبحانه.




تكلمت لحد الآن عن ترابط التخصصات المختلفة وفي مداخلة أخرى – كي لا تختلط الأمور – سأتحدث تحديدا عن علاقة التخصصات الكونية بالدراسات الإسلامية.


وسأعلق تباعا على النقاط القيمة التي تفضلت بها في مداخلتك السابقة بعد تعليقك الكريم لو تفضلت على كلامي أعلاه.


وأقدر لحضرتك أخي العزيز ولكل من يتابع الصبر والجهد ...

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

قديم 11-29-2012, 10:56 PM
المشاركة 12
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حياك الله يا دكتور نبيل ..
وسأعلق تباعا على النقاط القيمة التي تفضلت بها في مداخلتك السابقة بعد تعليقك الكريم لو تفضلت على كلامي أعلاه.

وأنا أفضل هذا المنهج الذى يتناول الأمور نقطة نقطة ..
ولى عودة باذن الله قريبا لاعلق على كلامكم الأول ..

ملحوظة خارج المناقشة :
هل تسمح لنا بالإفادة من تخصصكم فى عدة أسئلة نطمح لجوابها من عالم متخصص بطبقات الأرض , خاصة وهناك أمور عالقة نحتاج توكيد أهل العلم لها فى بعض مسائل الإعجاز ,
وافكر بعد انتهاء هذه المناقشة أن نذهب معا لمنبر الحوارات فنفيد ونستفيد ان شاء الله




قديم 12-01-2012, 10:06 AM
المشاركة 13
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


أخي محمد جاد
بعد التحية،

قال أحد المتخصصين أن باطن الأرض يمثل خلاصة جهل البشرية. أتفق معه بل وأضيف أن أي أمر أو خلق منه تعالى مهما كان يمثل خلاصة جهل البشرية إبتداء من الجهل بالنفس الإنسانية أقرب شيء للإنسان إلى ذرة متفجرة في بطن نجم عملاق تقشعر من أهوال سحيق بعده جلود العالمين:


وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون (105) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (يوسف:106)



يشرفني التحاور في أي موضوع كان ومن غير الضروري الانتظار لحين الانتهاء من حوارنا هذا ولحضرتك كل الشكر والتقدير.


قديم 12-01-2012, 02:15 PM
المشاركة 14
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الكريم د. نبيل أكبر ..
مرحبا بكم مجددا ..
وهذا تعقيبي على ردك الأخير ..
وسأحاول أن أكون محددا فى النقاش , وأضرب الأمثلة لكل نقطة حتى تصل الفكرة إليكم وإلى القارئ بما يفيد فى النقاش والفهم ..
قلت :

من وجهة نظري، الهدف من الحوار ليس لتغيير فكر أحد، بل هو لعرض الأفكار وحسب ثم حسابنا جميعا عنده تعالى.


هذا ربما يصح أخى الكريم فى مجال السياسة أو الفكر العام , حيث أن الإختلاف هناك بلا حرج ,
كما يجوز فى الشريعة فى مجال الفروع والأمور التى يجوز فيها الإختلاف السائغ ..
أما فى مجال العقيدة والأصول وقواعد العلوم ,
فاسمح لى , فهو أمر من أمور القطعيات , ولهذا فإننى عندما أرى اختلالا لى به علم عند أى أحد من المسلمين فإن هدفي من محاورته إنما هو فى المقام الأول لتبصيره بما قد يخفي عليه ..
وفى النهاية تبقي القناعة حرة لكل صاحب شأن ..
لكنى وجدت أنه من المناسب أن أنبهكم إلى أننا ناقش أمورا هى صلب العقيدة والأصول ,
فأنت تنادى بأن من حق كل إنسان الخوض فى تفسير القرآن هكذا بلا أى ضابط أو رابط ! ,
وترفض الإلتزام بما تسميه قيودا ويسميه العلماء كما سماه الصحابة , فرض عين على المتصدى للتفسير ولعلوم الشريعة عامة ..
ولهذا ولكى ننهى النقاش حل هذا المحور الهام دعنى أوظف النقاط فى أسئلة مباشرة تبين المراد مباشرة ,,
أولا : هل تنادى بالفعل بأنه ليس هناك قواعد أو مبادئ ينبغي للمرء أن يكتسبها لكى يخوض فى تفسير القرآن وأهمها العلم بالسنة المفسرة والعلم باللغة العربية وآدابها وقواعدها , والعلم بالتفسير المأثور عن الصحابة , والعلم بإجماعات المفسرين فى الآيات المحكمة قطعية الدلالة ؟!
وأنت تصديت للقرآن بالرأى الشخصي بلا أى مستند حتى من اللغة العربية , فمثلا فى تفسيرك لآية شك إبراهيم عليه السلام , صرفت الفعل عن معناه الحقيقي إلى معنى مجازى دون وجود قرينة صارفة كما تقول قواعد اللغة العربية فى معالجة المجاز والصريح ..
ثانيا : ما هو موقفك من السنة النبوية تحديدا ؟!
معذرة للسؤال ولكنى رأيتك تنكر بعض الأحاديث الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام منها أحاديث فسرت بعض آيات القرآن , ومنها أحاديث حددت المتشابه والمحكم فى القرآن والناسخ والمنسوخ وأنت تنكر هذه الأمور كلها , فكيف جاز لك أن تفعل ذلك وهى ثابتة بالسنة الصحيحة ؟!
أم أنك لا تعلم ثبوتها عن النبي عليه الصلاة والسلام ,
إن كان هذا هو السبب فقد أوضحت لك سابقا ثبوتها فى الصحاح ..
ثالثا : ما هو موقفك من الإجماع , والإجماع عندنا أهل السنة هو أحد مصادر التشريع لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة , والآيات التى تصديت لها لم تن من الآيات المتخلف حول تفسيرها بل هى آيات قطعية الدلالة بصريح ألفاظها فضلا على إجماع المفسرين ونقلها عن تفسيرات الصحابة ..
رابعا : وهى النقطة الأهم ..
أنا ما ناديت أبدا باحتكار علوم تفسير القرآن أو قصر تفسيره على السلف !!
والدليل أننى لفت نظركم إلى آيات الإعجاز العلمى وقلت لك صراحة أن القرآن به مئات الآيات التى تنتظر الجهد فى تقصي آثارها , ولم أتحدث عن حصر التفسير إلا فقط فى الآيات المحكمة القطعية الدلالة الثابت تفسيرها فى السنة أو فى أقوال الصحابة أو فى إجماع المفسرين ..
هذه واحدة ,
والثانية ,
أننى لم أمنعك من التصدى للتفسير بل فقط طلبت منك التزود أولا بمبادئ العلوم المؤهلة لهذا الأمر , وهو ما أراك تنكره رغم أنه مبدأ علمى محض , فلا يوجد علم على وجه الأرض يتصدى له أصحابه دون الإحاطة بقواعد تلقيه أو مبادئ علومه , وإلا فما هو الفرق بين العامة وبين أهل العلم فى كل تخصص ..
وهل يستطيع الطبيب أن يتصدى للطب دون إلمام بمبادئ دراسة الطب ؟!
بالمثل فى علوم القرآن والتى هى أصعب وأقدر العلوم على الإطلاق ..
ولو كان التصدى للتفسير يجوز من كل أحد بلا ضوابط , فلماذا إذا نهانا النبي عليه الصلاة والسلام , عن القول فى القرآن بالرأى المجرد وذلك فى قوله :
( من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب )
وكذلك أقوال الصحابة ومنهم قول أبي بكر ( أى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله برأيي )
فماذا سنفعل فى هذه الأحاديث وهذه القواعد ؟!

هذه هى نقاط البحث الرئيسية , وأعرج الآن على ما أوردته اليوم :


مشكلة التمجيد هذه وقعت فيها جميع الأمم الماضية والحاضرة ونحن المسلمين لسنا استثناء في هذا. وأصل المشكلة هي أن الناس دوما تمجد أنفسها وأعراقها وعلومها. فمثلا تجد أن الطالب يحاول جاهدا أن يبرز قيمة مدرسته أو جامعته أو شيوخه وعلمائه. السبب بسيط وهو أنه عندما يفعل ذلك فإنه يمجد نفسه بطريق غير مباشر.


فمن العيب للإنسان القول بأن مدرستي ضعيفة أو منسية، أو أن شيخي إنسان عادي. فلو كان الأمر كذلك، لكان هو بنفسه كذلك.


هذا الكلام غير دقيق ..
بل إن سبب تخلفنا اليوم هو عدم تقديرنا للأجيال السابقة من علمائنا ..
والتمجيد يختلف أيها الأخ الفاضل عن التقديس ..
ولم يحدث قط أن قدسنا عالما وقلنا عنهم ــ كما قلت أنت ــ أنهم لا يخطئون أو أنهم بشر غير عاديين ..
بالعكس ..
فكم من طالب علم صنف كتابا فى بيان أخطاء شيخه عبر التاريخ , واختلافات الأئمة بعضهم البعض ما زلت تحفل بها كتب الدارسين وتستعصي على الحصر ..
أما تمجديهم والعرفان لهم
فهذا أمر طبيعى وضرورى ومطلوب لو أننا حقا أدركنا قيمة ما فعلوه عبر القرون ..
ويكفي يا أستاذنا أن نعلم أنه لولاهم لما انتقلت إلينا القرآن والسنة وعلومهما وتراثنا العلمى الهائل الذى أسس لنا قواعد الدين وفروعه ..
وهذا لا يعنى أن نتوقف عند هذا ونسكت
بل المطلوب أن نأخذ هذه المبادئ ونبنى عليها بنفس القواعد الكلية التى حفظت لنا الدين من عبث العابثين ..


ومن هذا المفهوم تجمدت العلوم القرآنية والدينية، فلا يجرؤ الناس على مناقشتها. فتتقدم الدنيا في كل مجال، إلا هذه المجالات الدينية "المحروسة" ممن يعتقدون أن لا ينبغي لغيرهم الخوض في هذا التخصص.


وهذا مما تعانيه أمة الإسلام، كما عانت من قبلها الأمم.


كلام غير صحيح طبعا ..
فمن أين استقيت هذه الإتهامات أيها الأخ الكريم ..
هل طالعت تطور علوم الفقه والتفسير والحديث عبر القرون ؟!
لو أنك طالعت فقط فرعا علميا واحدا فى تطوره عبر الزمن لأدركت كم هو اتهام جائر ما قلته..
ففي علم الحديث مثلا بدأت أولى قواعده من لا شيئ فى أيام محمد بن سيرين ثم أخذت فى التطور فى القرنين الثانى والثالث حيث وضع الشافعى أصول الحديث ووضع غيره أصول الرواية
ثم نشأ علم الرجال ثم علم العلل , ثم نشأت المعاجم والمصنفات ..
ولا زال تطور علم الحديث يسري حتى يومنا هذا ..
فالألبانى وهو إمام معاصر , جاء فأدلى بدلوه فى علوم الحديث وأتى بالجديد فى مجال البحث وفرز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة فى مصنفات من سبقوه كأصحاب السنن الأربعة ..
وهذا دليل قطعى على تطور علوم الحديث عبر السنوات ولم بتوقف هذا التطور حتى اليوم
وفى مجال التفسير ..
لا زال علماء التفسير فى اللغة والإعجاز العلمى وفى التشريع يستنبطون من الآيات الكريمة تفسيرات جديدة متطورة ومواكبة لزمنها فيما يخص كافة المجالات عدا مجالات الأحكام التى انتهى أمرها من التفسير ببيان النبي عليه السلام والصحابة ,,
أم أنك لم تسمع بتفسيرات اللغة الجديدة التى استنبطها العلامة العراقي المعاصر السامرائي , واحتفي بها العلماء وأشادوا بها
ومن قبله العلامة الشعراوى الذى استنبط تفسيرات جديدة فى القرآن الكريم كانت مجال ثراء كبير فى فهم آيات القرآن ..
وكذلك استنباطات العلامة الكبيسي فى مجال اللغة أيضا
وهناك اكتشافات وتصورات التفسير فى الإعجاز العلمى التى أتى بها زغلول النجار ومصطفي محمود والزندانى وغيرهم ..
فلو كان التصدى للتفسير ممنوعا فكيف أتى هؤلاء العلماء بهذه الإكتشافات ؟!
وما منعهم أحد لأن المنع إنما يكون لمن يتصدى للتفسير على غير طريقة هؤلاء العلماء القائمة على دراسة أصول التفسير أولا , والإلمام بقواعد اللغة ثم بعد ذلك اجتهد كما تريد فالكل سيقبل اجتهادك ..


علينا دوما أخي أن نبحث عن الحق، ليس من أفواه الناس وحسب، ولكن من المصدر الذي لا يتغير ولا يتبدل ألا وهو القرآن والأكوان وما فيهما من سنن ثابتة مشتركة لا تتبدل.


علينا دوما أن نبحث عن الحقيقة، لا يهم إن كان صاحبها عالما مشهورا جليلا من السلف أو الخلف، لا يهم إن كان صاحب الحقيقة هو أنا أو أنت، المهم أنها الحقيقة.


لا أحد يقول بغير ذلك يا دكتور ..
لكن المشكلة أنك لم ترفض فقط أقوال العلماء فى مجال تفسيرات محسومة سلفا ..
إنما رفضت حتى السنة القائلة بالتفسيرات المخالفة لرأيك ؟!
فهل أقوال النبي عليه الصلاة والسلام معدودة ضمن أقوال العلماء الذين يمكننا رد قولهم ؟!
هذه نقطة ..
النقطة الأهم :
أن هناك من العلماء المعاصرين كالكبيسي وزغلول النجار أثبتوا خطأ علماء التفسير القدامى فى بعض الآيات ..
ولم يعترض عليهم أحد ..
ببساطة لأن الكبيسي وزغلول النجار جاءوا بالأدلة العلمية الموازية لاجتهادهم , ولم يقولوا بالرأى المجرد وفقط , فرجحت كفتهم ..
كما أنهم عندما تصدوا للتفسير لم يذهبوا للآيات المحسومة فى التفسير وأتوا فيها بأقوال جديدة !
هذا هو الفارق أخى الفاضل
يأخي أنت وضعت سؤالا وافترضت إجابتي من عندك ورديت علي وأنا برئ من هذه الإجابة. لكن ألا ترى أنك قد قمت بـ "الحكم المسبق علي" بهكذا طريقة؟
يا دكتور نبيل ..
أنت لم ترفض إجابتى بل قبلتها تماما وأجبت بمثلها
أنت فقط خالفتنى فى الأسلوب فقلت أنك لن تتهم الذى يأتى بهذه الأقوال بالجهل
جميل
لكنك لن تقبله قوله المجرد قطعا , والدليل أنك قلت بأنك ستبادر للإيضاح استنادا للعلوم التطبيقية والأدلة ,,
وهذا ما ينبغي أن نفعله ..
أن نعارض الآراء المجردة بالأدلة القطعية ..
فهل لديك أنت أى دليل من القرآن أو من السنة أو من الصحابة أو علم اللغة وتطبيقاتها أو أقوال العلماء ما تؤيد به رأيك ؟!

ألا نجد أن علماء الفيزياء الإشعاعية هذه الأيام قد أثرَوا بل وقلبوا الموازين في علوم الطب؟ هل من حق الإطباء منع الفيزيائيين من التطفل في علوم الطب لأنهم مستأثرين بهذا التخصص؟ أم إن التخفيف عن المرضى هو الهدف الأسمى الذي ينشده الجميع


اسمح لى ..
هذه مغالطة ومثال لا ينطبق على حالنا اليوم
فعلماء الفيزياء عندما تصدوا للطب إنما تصدوا له بنفس الأدوات العلمية التى تقها علوم الفيزياء وعلوم الطب
تماما كما فعل علماء الإعجاز العلمى ,
وظفوا علومهم بقواعدها على آيات القرآن مع إحاطتهم بمبادئ التفسير وعلوم اللغة مما جعلهم يدركون مقصود الآيات بأدلة صريحة لا تحتمل الجدل
لكنهم لم يقولوا برأى مجرد خالى من أسانيد علمية ..


قرأت قصة حقيقية فيها رجل عاني إبنه من مرض وراثي قاتل. هذا المرض لا علاج له ويسبب آلاما شديدة.


جاهد الوالد لعلاج ابنه لكن جميع المراكز الطبية أخبروته أن لا علاج لهذا المرض النادر.


ترك الأب وظيفته كمحامي وعمل هو بنفسه – بالرغم من أنه ليس في المجالات الطبية – بالقراءة والبحث حول هذا المرض. عمل بالمكتبات ليل نهار. كان منظر ابنه المعذب دافعا جبارا له.


هذا الرجل وبعد عدة سنوات من البحث استطاع اكتشاف علاج لهذا المرض.


كان الوقت قد فات لابنه فمات لكنه أنقذ جميع من سيولد بهذا المرض مستقبلا ...


والقصص في هذا الشأن أكثر من تذكر هنا. ترى ماذا كنت قائلا لهذا الرجل أخي؟


هل مثلك يقول هذا وأنت رجل علم ؟!
يا سيدى الفاضل هل تدعونى وتدعو غيري لأن أعتمد قول أو بحث رجل لم يتبع الطريق العلمى فى مجال الطب وبدون أن يأتى لبحثه بالتزكية الواجبة من علماء التخصص ثم أأتمنه على نفسي ؟!
لو أن هذا الرجل كان أميا وقام بأبحاث طبية انا لا استطيع الحكم عليها ..
لن أرفض بحوثه .. ولكن بشرط
سأطلب منه ببساطة عرض بحوثه على أهل الإختصاص فإن أقروها قبلتها بلا جدال
وبالمثل ..
هل قمت بعرض تفسيراتك الجديدة للقرآن على أحد من أهل الإختصاص وقبلها وأقرك عليها؟!
ثم إن معظم العلماء الأوائل كانوا يدرسون في أكثر من تخصص. فابن سينا والفارابي وجابر ابن حيان ونيوتن وليورنادو دافشني وغيرهم كانوا يفهمون في الطب كما يفهمون في الأدب أو الهندسة أو الرسم أو الفلك

يا أخى الكريم لا اعتراض على هذا ..
هؤلاء كانوا يحيطون بكل مبادئ تلك العلوم ..
فهل فعلت أنت مثلهم ؟
هل قمت بدراسة قواعد اللغة أولا ثم الحديث ثم قواعد التفسير ..
أنت لم تفعل هذا بدليل عدم إطلاعك على قاعدة بسيطة ألا وهى عدم صرف اللفظ عن معناه بغير قرينة صارفة , فأولت الحياة والوت بالهدى والضلال رغم أن صريح الآية يعاكس ذلك ؟!
هذا هو ما نعترض عليه ..
أما مسألة تصديك لأكثر من علم فهذا نرحب به مادام سيكون بشروطه وضوابطه
تماما ما رحبنا باجتهادات النجار والكبيسي والشعراوى ..

أشكرك وتمنياتى لك بالتوفيق

قديم 12-09-2012, 06:55 PM
المشاركة 15
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


أخي العزيز محمد جاد الزغبي

أسعد الله تعالى أوقاتك بكل خير


عزيزي، عند نقد وتفنيد فكرة لا يكفي إعادة صياغتها وطرح ما نعتقد به من قولنا أو قول سلفنا بل علينا أولا أن نتأكد من مفاهيمنا قبل أن نجعلها مرجعا معصوما لا يقبل الجدال. فلقد ادعيت حضرتك خطأي بناء على أفكار مغلوطة ثابتة عندك.


فلو قال كل منا "بعصمة رأيه" المبني على "عصمة سلفه هو" لصعب إيجاد فريق واحد يتفق حتى في المواضيع "العقدية" ذلك أن الأسلاف كثير والآراء في أي مسألة كثيرة بحيث يجد فيها كل منا ما تهوى نفسه فيتشبث برأيه متعللا بنفس منطقك أن أسلافه لا ينازعون وأن الأمة لا تجتمع على باطل، وكل هذا ما هو إلا كلام عائم لا يستند إلى دليل قرآني أو إلى حديث موثق ولا إلى الواقع المرير الذي تعيشه الأمة هذه الأيام، وهو واقع بطبيعة الحال لم ينزل عليها من السماء، بل كل منا ورثه من سلفه.


قد تقول أنك لا تقول بعصمة الأسلاف، لكن يأخي نحن لا ننظر إلى الأقوال بل إلى الأفعال، فالفعل أصدق الأقوال، وسأعطيك عدة أمثلة من كلامك في مداخلاتي القادمة.


وهذا ما يؤدي آخر المطاف إلى الإقصاء والتكفير والسيادية والدموية، الداء الذي ينزف جسد الأمة هذه الأيام . فالشباب الذين "يستمعون" إلى شيخ تكفيري واحد يجلس خلف مذياعه يكفر ويخطئ كل من خالفه، هؤلاء الشباب يجدون الأسباب والشرعية لما يقومون به، والسبب هو أنهم لا يتحملون فكرا آخر، فإما معي وسلفي وإما عدو مبين حق عليه العذاب المهين.



لاشك في أن الهوة الفكرية بيننا كبيرة وكأننا على طرفين متناقضين. وهذا في الحقيقة يسعدني إذ بذلك نتمكن من الخوض في جوهر الأمور بدلا من تفصيلاتها وهذا ما نحتاجه وتحتاجه الأمة إذ قد أوغلت في الخوض في التفاصيل التي لا تزيدها إلا تفرقا وتخاصما.


لقد مدح تعالى في عدة مواضع "أولي الألباب". واللب هو القلب والأصل والجوهر. والشاهد هنا هو أن "أولي الألباب" هم أولي الجوهر النقي في إشارة إلى الذين يتفكرون في لب وجوهر الأمور ويبحثون عنه ليعودوا إليه.


تفضلت أخي وتكلمت كثيرا عن عدة مواضيع مثل الناسخ والمنسوخ وأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ورأي في السنة النبوية والإجماع وضوابط التفسير وما إلى ذلك. في الحقيقة لكل من ذلك عندي مقال أو لنقل كتاب سأطرحه حين يحين وقته إذ إن لكل أجل كتاب، أي لكل زمن "كتاب وعلم".



واضح لي أن الإشكالية من منظورك ليست في تأويل خاطئ أو مصيب لي. بل هي في كوني تجرأت على التفكر والتدبر والبحث في آياته تعالى من دون إذن مسبق من متخصص أو من دون دراية باللغة العربية أو القرآن أو الأحاديث النبوية كما تدعي من دون برهان!؟


بهذا فمهما قال وبحث العبد الضعيف فكلامه خاطئ لا يقوم إلا على آراء شخصية! فما الداعي إذن لمناقشة تأويلاتي إن كانت كلها من أولها لآخرها مغالطات؟ لذا أعتقد أن الأنسب أن أتكلم عن الأسس التي تؤمن بها وأقوم بتفنيدها بالدليل والبرهان قبل أن أخوض في الرد على التفاصيل.

والدليل والبرهان في جميع كلامي هو: العقل السليم (إذ بدونه لن نختلف نحن عن الكائنات الحية من حولنا)، والاستدلال بالقرآن الكريم ثم بالأحاديث النبوية الموثقة.


أما الاستدلال بالأسلاف فلا استخدمه كما تلاحظ أبدا والسبب عندي بسيط وواضح:
فلو قلت أنا "قال فلان كذا" فسيقول محاوري "لكن فلان قال كذا وكذا" وهذا طبيعي لأنه في كل موضوع يوجد ما يصعب حصره من الأقوال وهكذا نبقى ندور حول أنفسنا، كما هو حال الأمة. لذا فأنا أتجنب الاستدلال بالأحاديث النبوية وأكتفي بتأويل القرآن بالقرآن وذلك أعلى مراتب التأويل.


كما إن أقوال الأسلاف أيضا بحاجة لدليل إلا إذا قلنا بعصمتهم. وحاشا لنا أن نقول أو أن "نفعل" ذلك. فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام.



فلقد أكثرت أخي من تكرارك بأن السلف لم يقل بقولي! وهذا معلوم بالبديهة فكل من يحاورني يتعلل بهذه الحجة. فقر عينا أخي فلن تجد مني إلا ما هو جديد على من سلف وعلى من خلف. فمن أراد فليتفضل وليأخذ ما راق له، ومن لم يرد فلا يكلف نفسه العناء وليعلم أن الله تعالى لم يجعل أنبياءه حفظة أوصياء على أديانه وعلى عقول الناس ليجعل من دونهم من الناس:


وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل (الأنعام:66)


إلا أنني أتفق معك تماما في قولك أن "أفكاري كارثية". فالدواء لابد وأن يكون مرا، والفكر الميت لابد وأن يصعق كي يجفل ويصحو وإلا سيبقى ميتا دماغيا، والأمم الغافلة لهي بأشد الحاجة لكوارث عظيمة وعذاب أليم كي تصحوا من غفلتها لتعود إلى ربها الواحد. هذه من سننه تعالى الأزلية، ولن تجد لها تبديلا.



ولكثرة القضايا الفكرية العالقة بيننا وخوفا من "تشتيت" المواضيع فسأقسم ردي إلى عدة مداخلات متلاحقة كما في الترتيب التالي:


أولا: إدعائك أنني لآ أقيم وزنا لتفسير القرآن بالقرآن وزنا. وسأثبت عكس ذلك تماما وأبين أنني أربط الآيات القرآنية بالآيات الكونية وأنني أجعل الآيات القرآنية تمجد بعضها البعض بدلا من أن أجعلها تنسخ وتحرق يعضها البعض.


ثانيا: القول أن المفسرين يعتمدون "ضوابطا للتفسير". وسأبين بالأمثلة أن هذه الضوابط نظرية غير قابلة للتطبيق وأنها من سعتها تسع السموات والأرض، بل وتسع الانقاص من عظمة كلامه تعالى وأنبيائه.


ثالثا: إدعائك بأني جاهل في أمور اللغة والتفسير والحديث. وسأبين أنك تبني أحكامك مسبقا على أفكار مغلوطة تؤمن حضرتك بها.


رابعا: قولك بأنني أعتمد "الرأي" والعقل في التأويل. فإن لم نتفكر بعقولنا فبأي عضو من أعضائه يتفكر الإنسان؟


خامسا: إدعائك بأنني لا أعمل بالسنة النبوية الشريفة. وسأبين العكس إذ إن البدعة ليست في أقوالي بل بدعة الجهل والجمود التي استحدثت في هذا الدين الحي الكريم العظيم.


سادسا: رواية أن الأمة لا تجتمع على باطل، وسأبين أن هذه الرواية مخالفة للقرآن والأحاديث النبوية وللسنن الكونية.


سابعا: عدم إدراكك لمعنى "وأخر متشابهات" من الآية السابعة من آل عمران ومعنى "آيات محكمات".


اللهم افتح علينا بالحق إنك أنت الفتاح العليم


يتبع ....



قديم 12-09-2012, 07:03 PM
المشاركة 16
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي

أولا: الادعاء بأنني لآ أقيم وزنا لتفسير القرآن بالقرآن وزنا!


أخي تفضلت بقولك أنني لا أقيم وزنا لتفسير القرآن بالقرآن، عجبا؟
البينة على المدعي وأنا أدعي أنني أكثر من يفسر القرآن بالقرآن سلفا كان أم خلفا. فلك أن تبحث في كلام من سلف وخلف وتقارن ذلك بكلامي لتجدنني أكثرهم استعمالا للقرآن الكريم.


أحد البراهين لقولي هي أنني في جميع تأويلاتي ومقالاتي لم استشهد أبدا بكلام الناس والرواة بل استشهد دوما بكلامه تعالى وأمجد بعضه ببعض (ولعل هذا ما يغضب الكثير).

بمعنى أنه في الوقت الذي أقول "قال تعالى في الآية الفلانية كذا تأكيدا لكلامي هنا" يقول المفسرون "قال فلان عن فلان عن ... في الآية الفلانية كذا". فمن الذي يفسر القرآن بالقرآن ومن الذي يفسره بكلام أناس مثله؟



وسأضرب مثالين هنا:

أولا: ربط قصص إبراهيم في القرآن ببعضها.
ثانيا: ربط سور الصافات والنازعات والمرسلات والذاريات وأياتها ببعضها البعض.




أولا: ربط قصص إبراهيم في القرآن ببعضها


قمت في مقالات منفصلة بتأويل الآيات الخاصة بإبراهيم عليه السلام وبينت (من القرآن واللغة وحسب) أنها جميعا تتحدث عن أمر واحد وهو وعد الله تعالى لإبراهيم باستخلاف ذريته الأرض.


قد تقول بأنها جميعا تأويلات باطلة. لكني الآن هنا لا أتكلم عن صحة تأويلاتي بل عن أنني أفسر القرآن بالقرآن. أما لو اعتقدت بأنها تأويلات خاطئة فعليك أن تذهب للمقالات وتثبت ذلك، أما هنا فالنقطة التي أثبتها أنني أفسر القرآن بالقرآن وحسب.


وستجد أن أقوالي في الآيات المختلفة تتجه جميعا باتجاه واحد وهو وعده تعالى لإبراهيم باستخلاف ذريته الأرض الذي جاء في سورة البقرة:


وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (البقرة:124)



ففي قصة إبراهيم والطير قلت أن الطيور الأربعة هي أربعة أنبياء من ذرية إبراهيم:



وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم (البقرة:260)

http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-25-18-51-00


السبب كما وضعته في المقال أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.
فإن لم يرق لك تأويلي ولويت معنى كلمة "صرهن" لتوافق تأويلك وأصررت بلا مبرر لغوي على أن معناها هو "قتلهن" أولا ثم جمعهن كقطع لحم مفروم أو ما شابه" فلك ذلك ولكل منا رأيه وحسابنا جميعا على الله تعالى.



[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]وفي قصة "عبادة إبراهيم للكوكب والقمر والشمس":



http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-25-19-35-49


فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين (76) فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (77) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون (الأنعام:78)


فقد بينت كذلك أنها رؤيا نبوية منامية مبشرة بنفس الأمر ونزهت إبراهيم من الشرك وهو أبو الحنيفية وأكثر من جاء ذكره في القرآن منزها من الشرك.


وقلت أن الكوكب والقمر والشمس إنما ترمز للملوك والخلفاء والأنبياء من نسل إبراهيم. ومن المعلوم عند مفسري الرؤا أن هذه الأجرام السماوية تعنى الأنبياء والعظماء. وهم دعوة إبراهيم المستجابة المذكورة في الآية 124 من سورة البقرة. فهذه الرؤيا إنما هي بشرى لإبراهيم عليه السلام بِسطوع الدين وظهورِ نوره في العالمين على يد نسله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ...



وفي قصة ولادة إمرأة إبراهيم وهي عقيم:


http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-26-18-18-05


قَالَتْ يَاوَيْلتَى ءَألِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخاً، إِنَّ هَـذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ {72}
قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله، رَحْمَتُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {73}
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ {74}
إِنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أوَّهٌ مُّنِيبٌ {هود:75}


أيضا فسرتها من منظور "أمر الله" الذي ورد في سورة النحل وهو منظور خروج الشيء من ضده الذي استنتجته وأثبته من القرآن ومن الأكوان. فقلت إنَّه الأمرُ الموعود باستخلافِ ذريَّةِ سيِّدِنا إبراهيمَ الأرضَ.


وقلت أن الإعجاز والبشرى ليس ببساطةٍ أنْ تَلِدَ امرأةُ إبراهيمَ بعدَ عُقْمٍ، بل هو أوسعُ من ذلك وأشملُ. لأنَّه لو كان الحالُ كذلك فسيكونُ السؤالُ لِمَ وقعتْ هذه المُعجِزَةُ لها من دونِ غيرِها من النساءِ؟


فزوجةُ إبراهيمَ اختيرت لهذا الإعجاز لتكونَ أمَّاً للأنبياءِ والخُلفاءِ وللذُرِيَّةِ المُباركَةِ الحَيَّةِ، ولأنَّ بطنها سوفَ يُخرِجُ هذه الذُرِيَّةَ المُباركَة الحَيَّةَ، وَجَبَ أنْ يكونَ عَقيماً كي تَتِمَّ السُنَّةُ الكونيَّةُ الأزليَّةُ بإخراجِ الشيءِ من ضِدِّه ...


مما يشير إلى صِحَة ما ذهبنا إليه هو أنَّ اللهُ تبارك وتعالى أسْمَى ابنَ زكريا "يَحْيَى":


يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغلام اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {مريم: 7}

وهو اسمٌ يدلُّ على الحياةِ وذلك لِكون امرأةُ زكريا "عاقِراً" ... فالحياةُ تخرجُ من رَحَمِ المعاناة ومن رجلٍ وهنَ منهُ العظمُ واشتعلَ الرأسُ منه شيباً ...


نلحظ أنَّ ولادة العقيم وردت بحق امرأتين فقط في المصحف الشريف، وفي كلتا الحالتين كانت الإشارة إلى خروج الشيء من ضده ... ففي حالة امرأة إبراهيم العقيمة جاءت ذرية الأنبياء ... والأنبياء إنَّما بعثوا لإحياء الأمم الميتة ... وفي حالة امرأة زكريا العاقر جاء نبيٌ أسماه تعالى الحكيم الخبير "يحيى" بأمر منه تعالى ...



ثم في قصة ذبح إسماعيل:



http://www.alraqeem3.net/index.php/articles/158-7777


فقد خضت في المقال بالتفصيل حولَ قضيَّة الإتيان بإسماعيل إلى مكةَ لتعليمِ الناس أصولَ اللغة العربيَّة وأصولَ التوحيدِ وتعليمُهُما لقبيلةِ جُرْهُم القادمةِ من اليمنِ بعد انهيارِ سدِّ العَرِم. وتكلمت عن الأمرُ الإلهيُّ لإبراهيمَ بتركِ ذُريَّته في هذا المكان النائي وربطت تأويلنا مرة أخرى بتأويل الآية 124 من البقرة أعلاه.


وقلت أنَّ إبراهيمَ دعا ربَّه أنْ يستخلفَ ذُريَّتَه كما هو في الآية 124 من سورة البقرة. فابتلاهُ ربُّه في نفسِ شأنِ موضوعِ الدعوةِ أي الذُريَّةِ وكان الابتلاءُ تركُ إسماعيلَ وهاجرَ في مكةَ بلا مُعِينٍ، ومن ثَمَّ الأمر بذبح إسماعيلَ. فنجحَ إبراهيمُ في الابتلاءِ وصبرَ على أوامرِ {كلماتِ} الله تعالى بتركِ ذُريَّته في وادٍ غيرِ ذي زرعٍ وبذبح ابنِهِ طاعةً لله تعالى . فكان من اللهِ تعالى أنْ جعلَ النُبُوَّةَ واستخلافَ الأرض على يدِ ذُريَّتِه عليهِ السلام. وهذا هو تفْسيرُ الآيةِ 124 من البقرة ...



[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]وعن الحِكْمةِ من أمرِهِ سُبحانَهُ لإبراهيمَ بذبحِ إسماعيلَ وفِديَته بكبشٍ في اللحظةِ الأخيرةِ وعلاقة هذا الأمر بسورة النور:



http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-24-19-15-06


بهذا فقد ربطت جميع الآيات القرآنية أعلاه بمعنى واحد عظيم وهو استخلاف ذرية إبراهيم الأرض. فمن الذي يفسر القرآن بالقرآن هنا؟




ثانيا: ربط سور سور الصافات والنازعات والمرسلات والذاريات وأياتها ببعضها البعض.

من الذي فسر سور الصافات والنازعات والمرسلات والذاريات وأوّل عبارات القسم الإلهي في مطالعها بنعمة إلهية كريمة هي يد الإنسان التي هي أداة الاستخلاف؟

http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-24-19-44-07

لمشاهدة أفلام المقالات:

الصافات:

النازعات:

المرسلات:

الذاريات:


فبينما جمعت أنا بين معاني آيات هذه السور من جهة وبين السور ككل من جهة أخرى في معنى عظيم واحد وهو اليد وهي النعمة المغبون فيها كثير من الناس، نجد أن كتب التفسير التي لا يجرؤا الناس عن نقدها تعطي عشرات المعاني المتناقضة الغير مترابطة لكل عبارة من عبارات القسم في السور.


إن من المهم النظر في ترابط معاني مفردات القرآن مع بعضها البعض ومع السياق العام. إذ لا ينبغي تفسير الآيات كل على حدة فنحن أمام كلام رب العالمين سبحانه وتعالى الذي لا ينبغي إلا أن يكون محكما مترابطا من أول كلمة إلى آخر كلمة، ليس على مستوى السور وحسب، بل على مستوى القرآن الكريم كله، من أوله إلى آخره.


فلو أردنا سرد الأشياء التي تحقق مواد القسم في مطالع السور الكريمة (الصافات، الزاجرات، النازعات، المرسلات، ...) لما وسعت المجلدات ذكر أسمائها. فالأشياء المصفوفة مثلا تبدأ من الذرات والجزيئات إلى التراكيب الصخرية، إلى الكتب والأوراق والكلمات والأحرف إلى الجينات والخلايا وما إلى ذلك مما لا يحصى ولا يعد.


فليس الإشكال هو البحث السطحي عن معاني هذه المفردات القرآنية، بل ما تعنيه وما تحققه من كمال إعجازه تعالى وبيان تمام نعمه علينا وجلاله وإكرامه.


هذا كان تأويلي، ولكن لنبحث في التفاسير "المضبوطة" عما جاء فيها من أقوال.


أضرب أنموذجا من التفاسير حول ما جاء في كتاب تفسير واحد ثمانية من الأقوال في النازعات فقط:
النازعات: الموت ينـزع النفوس، الْمَلَائِكَة تَنْزِع نُفُوس بَنِي آدَم مِنْ تَحْت كُلّ شَعْرَة , وَمِنْ تَحْت الْأَظَافِير وَأُصُول الْقَدَمَيْنِ نَزْعًا ، هي النجوم تنـزع من أفق إلى أفق، هي القسيّ تنـزع بالسهم كما يغرق النازع في القوس، أَنْفُس الْكُفَّار يَنْزِعهَا مَلَك الْمَوْت مِنْ أَجْسَادهمْ , ؟؟؟!!! يَرَى الْكَافِر نَفْسه فِي وَقْت النَّزْع كَأَنَّهَا تَغْرَق، هِيَ النُّفُوس حِين تَغْرَق فِي الصُّدُور، الْمَوْت يَنْزِع النُّفُوس، النُّجُوم تُنْزَع مِنْ أُفُق إِلَى أُفُق، الْقِسِيّ تَنْزِع بِالسِّهَامِ، الْوَحْش تَنْزِع مِنْ الْكَلَأ وَتَنْفِر ...


في كل من هذه الأقوال لا نجد أي إسناد صحيح أو حسن أو ضعيف أو حتى موضوع للرسول الكريم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام. فرسولنا الكريم لم يفسر القرآن كما هو معلوم. لأنه لو فسره فما هو تفسير (كهيعص أو طسم ...)، أو الاستواء على العرش، وما إلى ذلك؟ حتى إن تفسير الصحابة كان اجتهادا منهم ولم يكن في معظمه مرويا عن النبي الكريم.


فهل من ضوابط عقلية أو كتابية تستطيع أن تجمع ما بين الملائكة الكرام وما تحت "الأظافير" والسهام، الوحوش، والموت، والنفس تغرق في الصدور، وأنفس الكفار ... لا بل وصلنا إلى حد النجوم؟ نجمع كل هذا تحت ضابط واحد؟ اللهم إلا إن كان هذا "الضابط" يسع السموات والأرض!


فلو قالت التفاسير أن النازعات هي ما سبق ذكره أعلاه، وأن هذه الأقوال غير مسندة للرسول الكريم، فلماذا لا نقبل رأيا جديدا على أنها "يد الإنسان" كما فصلناه في مقالاتنا؟ ... فهل الوحوش أو القسي أو النجوم أو حتى الملائكة الكرام أعز عند الله تعالى من الإنسان الخليفة؟


وأخيرا يكفيني دليلا واحد عن كل ما سبق هو أن تشاهد يديك وتحرك أصابعك بكل خفة ودقة ولطف بما يأمرك به العقل وأن تشاهد وتتأمل أصابعك تتحرك وأنت تقرأ الآية الكريمة:


سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (فصلت:53)


أفلا تجد أن الآيات التي في أنفسنا هي الأولى من غيرها؟


فالتعليمُ النازلُ (القرآن) من عنده تعالى ذو نفعٍ عظيم للناس وبه يتعلمون ويتقدمون، ولكن بالعكسِ تماماً نجدُ الكثيرَ من النتائجِ السَيِّئةِ على الأُمَّة من الجمود الحاصل الآن. إذ أصبحَ من المفاهيم الرَّاسخةِ عندَ الشعوبِ الإسلاميَّةِ أنَّ كُلَّ شيءٍ من حولِنا من عملِ وترتيبِ الملائكةِ. فهي تُرسلُ الرَّياحَ والعَواصِفَ، وتَذُّرُ البُذورَ في الأرضِ، وتُنزلُ الأمطارَ، وتسقِي الأرضَ، وتُنتُجُ المحاصيلَ، وتُعالِجُ المرضى، وتَشُقُ الأنهارَ، وتقوم بالدفاع عنا ...


وفي هذا المفهوم لا توجدُ قوانينٌ طبيعيَّةٌ تَحْكُمُ الكونَ، بل أعدادٌ لا تُحْصى من الملائكةِ تذهبُ وتَجيءُ لخدمةِ هذا الإنسانِ المُسلم الذي يتمرغُ في رضى الله تعالى! فليس عليهِ الاعتمادُ على النفس في البناءِ والزراعةِ والطِّبِ وكَشْفِ أسرارِ الكونِ، وليس عليه تطويرُ نفسه والرقي بها والدفاع عن نفسه ... فالملائكةُ تقومُ بعملِها على أكملِ وجه!؟ أمَّا هو فعليهِ أنْ يسألَ الله تعالى بما يُريد ويشتهي، فيستجيبَ اللهُ له، ويأمر الملائكةَ فيقوموا بما يلزم! هذا هو الفكر الاتكالي المستنتج من القرآن ...


لهذا السبب – ولأمثاله – فأمَّةُ الإسلام ترزحُ تحت فكر التبعية والاتكالية على الغير في جميع شؤونها ...



ومثال آخر:

قيل في الصافات: الطير، أقدام المصلين المصفوفة وقت الصلوات، جماعة من المؤمنين يقومون مصطفين في الصلاة وفي الجهاد، المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى، آيات القرآن، الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة، الملائكة تصف أجنحتها في الهواء،

الزاجرات: كل ما زجر عن معاصي الله. الملائكة تزجر الخلق عن المعاصي زجراً، إشارة إلى رفع الصوت بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت، رفع الصوت بزجر الخيل، الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة، نفوس قواد الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد، الملائكة الموكلة بالسحاب تزجرها وتسوقها عن الجبائي،


التاليات: الملائكة يتلون ذكر الله عز وجل، كل من تلا كتاب الله، آيات الله والدراسات والشرائع، كل نفس تتلو الذكر، اشتغال الغزاة وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن، الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر والخير، كل ما يتلى من كتاب الله، مخلوقات الله إما جسمانية وإما روحانية، أما الجسمانية فإنها مرتبة على طبقات ودرجات لا تتغير ألبتة، فالأرض وسط العالم وهي محفوفة بكرة الماء والماء محفوف بالهواء، والهواء محفوف بالنار، ثم هذه الأربعة محفوفة بكرات الأفلاك إلى آخر العالم الجسماني فهذه الأجسام كأنها صفوف واقفة على عتبة جلال الله تعالى،


فهل يعجبك القول في النازعات أنها البهائم تنزع الكلأ من الأرض؟ فإن راق لك هذا التأويل فذلك رأيك، وإن لم تجده مناسبا فلماذا لم ترد أنت أو غيرك على هذه الأقوال طيلة هذه القرون؟
قد تقول لا أتفق مع هذه الأقوال ولكن أصحابها في ذمة الله فكيف أحاورهم؟ فأقول وأنا كذلك لا أحاور أمواتا ولكننا هنا ننقد الفكر لا الناس فحسابنا جميعا على الله تعالى.


وقد تقول لا فقد رد الكثير على هذه الأقوال، فأقول من الواضح إذن أن النقد لم يكن وافيا وإلا لما وصلت لنا هذه التأويلات المتناقضة.


فمن الذي يفسر القرآن بالقرآن هنا أخي الكريم؟ وهل تجد في كلامي غير استدلالات من القرآن الكريم؟


فما أجمل أن يتفكر الإنسان دوما بآياته تعالى وهو ينظر يديه وأصابعه ويحركها وكأنه يحمل القرآن الكريم فيهما. ما أجمل أن نوحد معاني الآيات بل والسور بدل أن نفرق. ما أجمل أن نحيي العقل والإيمان بدلا من أن نميتهما. ما أحسن أن نعتمد على أيدينا ونجعل القرآن سبيلا لذلك بدلا من أن نأتي بتأويلات بعيدة عنا وعن حياتنا. ما أجمل من أن نجعل القرآن الكريم ليس في صدورنا وعقولنا وحسب، بل في أيدينا وأجسادنا وأعمالنا ومصانعنا مصداقا لقوله تعالى:


سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (فصلت:53)




يتبع ....


[/COLOR][/COLOR]

قديم 12-09-2012, 07:11 PM
المشاركة 17
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


ثانيا: القول أن المفسرين يعتمدون "ضوابطا للتفسير". وسأبين بالأمثلة أن هذه الضوابط نظرية غير قابلة للتطبيق وأنها من سعتها تسع السموات والأرض، بل وتسع الانقاص من عظمة كلامه تعالى وأنبيائه.


أخي الكريم عرفت عظمته تعالى من كتاب الخلق المبين وعرفت قلة قيمتي أمامه تعالى فكيف لي أن أضع قيودا وضوابطا على كلامه العزيز المجيد؟ لا بل وأفرض هذه القيود على الناس؟ من أنا؟


هل ندرك حقا معنى أن القرآن حي مجيد؟ هل لنا أن نضع ضوابط على شيء بمكانة مجد القرآن الكريم وحياته؟


أخبرتك أخي من قبل أنني أرجو ألا أكون ممن قال تعالى فيهم: { وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون{الأنعام:26}


أي من الذين ينهون الناس عن البحث في القرآن بأي شكل من أشكاله، وفي نفس الوقت هم لا يجرؤون وينئون عن ذلك بأنفسهم، فهم يهلكون أنفسهم وما يشعرون.


نعم هم لا يشعرون إذ إن الذين يفعلون ذلك لا يمنعون الناس بالقوة المباشرة كما قد يعتقد، ولكنهم يضعون مبرارت ومبرارات. يضعون أطرا وحواجز ونظم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا بينما هم المقصودون، (وما يشعرون).


لكني في الحقيقة أفترض افتراضا ولا أجرؤ على الاشتراط على كلامه تعالى شيئاً. أفترض العقل السليم والعلم فيمن يخوض في كلامه تعالى. إذ بدون عقل لا أجدنا نختلف عن الكائنات الحية من حولنا.


أما عن علم المفسر أو إيمانه فما من وسيلة عندي لقياسه (ميزان قياس العلم، مثلا). ولذا يبقى فقط أن أنظر في الأدلة المطروحة بموضوعية بغض النظر عن قائلها، ثم حسابنا جميعا عنده تعالى.


فالعلم عندي هو ما ورد في كلامه تعالى:

نبئوني بعلم إن كنتم صادقين (الأنعام:143)

هذا العلم هنا لا علاقة له بالتخصصات ولا بالشيوخ والألقاب والمراكز. لا علاقة له بسلف أو خلف أو نسب. العلم هنا هو الحجة والبرهان على طاولة الحوار يوضعان لا يهم من قال به، كائنا من كان.


إن وجود "ضوابط" لأمر لا يجعله مضبوطا بمجرد وضع هذه "الضوابط". فكل الأنظمة المستبدة والفاسدة مثلا لها ضوابط ودساتير من يقرأها لا يقول إلا ما شاء الله تبارك الله على الدقة والشمولية. لكن العبرة هي في امكانية تطبيق هذه الضوابط، وصلاحيتها ووضوحها، لا في وجودها.



بالعكس. فكثيرا ما تستغل هذه الضوابط والدساتير من قبل المستبدين فكريا أو ماديا أو عسكريا وتفسر بما يبرر لهم ما يشاؤون.


ومثال واضح نعيشه. هل القرآن الكريم هو منهجنا؟ نعم لا شك. ولكن هل نطبق هذا المنهج؟ فلو كنا نختلف في كل آية من كلامه تعالى وهو منهجنا باتفاق، فما حال تمسكنا بالمنهج المسمى بضوابط التفسير؟


وأضرب مثالا بسيطا من حياتنا اليومية ثم أنتقل إلى أمثلة من التفاسبر.


كلنا يعلم جيدا أن لكل دولة أنظمة وضوابط ومقاييس ومعايير واضحة ومكتوبة لنوعية ومواصفات البضائع المستوردة مثلا.
لكننا نجد أن الأسواق، وخاصة في الأنظمة الفاسدة، مليئة ببضائع أبعد ما تكون عن "المواصفات المثالية" المكتوبة المعلنة. لذا يصبح وجود هذه "القوانين" كعدمه، اللهم إلا من شيء واحد أكثر إجراما وخطرا وهو أن بعض الموظفين الذين بيدهم تنفيذ "الضوابط" سيمنعون دخول أي بضاعة مهما كانت مستوفية للأنظمة إلا بعد العبارة الشهيرة: "ارشي تمشي".


والأدهى، أنهم يسمحون بمرور البضائع الفاسدة ولكن "برشوة أكبر". وهكذا يتلاعب أصحاب وحماة الأنظمة بالأسواق وحياة الناس مستمدين قوتهم ونفوذهم من هذه "الضوابط الورقية".


هذا مثال واحد، والأمثلة أكثر من أن تحصى من حياتنا اليومية. فكتابة الضوابط ليست حجة في شيء ما لم تثبت إمكانية حصولها على الواقع.


والآن أضرب لحضرتك أمثلة من كتب التفاسير وأرجو أن تثبت أن هذه الأمثلة "مضبوطة" وتتوافق مع "ضوابط التفسير التي تؤمن حضرتك بها.


وسأقسم هذه الأمثلة إلى ثلاثة "ضوابط":
أولا: ضوابط إيمانية وأدبية
ثانيا: ضوابط عقلية
ثالثا: ضوابط لغوية




الضابط الأول: الضوابط الإيمانية والأدبية.


وهي وجوب معرفة الله تعالى حق معرفته واحترام القرآن الكريم وعدم العبث والاستهزاء بمعاني كلماته وآياته. كما إنه من المهم على أقل أقل تقدير أن لا يقول المفسر في حق آياته تعالى ما لا يجرؤ المفسر نفسه على قوله لحاكمه في الأرض خوفا أو والده مثلا إحتراما.



مثال:

تقول التفاسير إن المراد بـ {الأسْمَاء} التي علمها تعالى لآدم هو أسماء الموجودات والمخلوقات على اختلافها. هذا جبل وهذا حصان وهذا زيد وهذا عبيد. هذا قول، ولكننا نجد في نفس السياق قول المفسرين ((علمَه حتى الفَسْوة والفُسَيَّة))، وهذا كلام لا يقال عن معلم يعلم تلميذاً فكيف يقال عن ربّ العالمينَ عزّ وجلّ يعلم أبا البشر؟



أوَ يرضى أصحاب دور النشر التي تنشر مثل هذا القول أن يضرب المثل عليهم بأسمائهم وأسماءِ أبنائهم في الكتب التي يطبعونها وينشرونها بين الناس؟ ... فـ : ما لكم لا ترجون لله وقارا {نوح: 13}؟


أوَ يَرضى أحدكم أن يضرب المثل عليه وهو يعلم ابنه أو تلميذه؟ أم:


ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون (57) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (59) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم (النحل:60)


أم:

وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم (الزخرف:17)


هل هذا الكلام وأمثاله من الأدب مع كلامه تعالى في شيء؟ أوَ يُنقلُ هذا الكلام في حقه تعالى في الكُتبِ عبر العصور ولا يجدُ من يجْرؤ على نقدِه!؟ هل يستطيع المنكرون لي أن يضربوا هذا المثل وجها لوجه مع ملوكهم وسلاطينهم أو حتى مع رؤسائهم في العمل؟


لا تقل لي يأخي لا حياء في الدين، فما هذه الأقوال "وأمثالها" والتي يستحي المرء من ذكرها أمام الناس العاديين ليقولها عن رب العالمين؟ لا حياء في الدين نعم ولكن ذلك عندما يكون الموضوع مرتبطا بالطهارة أو ما شابه، أما أن نقلل من أدبنا معه تعالى فلا، وألف ألف لا.


وسؤال لحضرتك لو سمحت لي: هل تقبل أنت أن ينشر هذا الكلام عنك على جميع مواقع التواصل الاجتماعي والصحف وأنت تعلم ابنك؟


فإن قلت نعم، فلك ذلك والله تعالى عليم بذات الصدور وهو حسيبنا. وإن قلت نعم إن كان ذلك في سبيل الله تعالى فعليك أخي التمييز بين الدعوة في سبيله تعالى وهذه الكلمات التي هي أبعد ما تكون عن ذلك.


وإن قلت لا أقبل، فسؤالي لماذا لم تغضب غيرة على كلامه تعالى وتبدي اعتراضك على هذه الجملة وأشباهها من قبل؟


وقد تقول لا فقد رد الكثير على هذه الأقوال، فأقول من الواضح إذن أن النقد لم يكن وافيا وإلا لما وصلت لنا هذه التأويلات التي لا يقبلها إنسان على نفسه.


ألا يتراجع الناس لو أخطئوا؟ بمعنى لو أن هذا الكلام بحق الله تعالى قيل في حق سلطان أو مسؤول ألا يتراجع من قاله ويمحوه ويعتذر ؟


أما أنا فلا أقبله على الله تعالى، بل وعلى أي إنسان آخر وأسغفر الله العظيم وتعالى سبحانه عما نقول علوا كبيرا.



نعم، يجبُ إعطاءُ الصحابةِ الكرام ومن تلاهم من الأخيار فضلَهم لصحبتِهم وقربِهم من سيِّدِ الخلق، ليس إلَّا. فَدِينُ الله تبارك وتعالى نورٌ له فضل على الناسِ ولا فضل لأحد على دِين الله، لا في نَشرِه ولا في حفظه ولا في تطبيق شرائعه، فَكَفى متاجرة بالدين!


فلا ينبغي لمخلوق أنْ يَمنَّ على الله تعالى بشيء، وخصوصاً في أمر الدين ونشره وتطبيقه والعمل به! فإن كنّا لا نقبل التباهي بأعمال الخير من الأفراد ونعتبره رياءً، فلم نقبله من الشعوب والجماعات الإسلامية التي تباهي الآخرين بما تدّعيه من تطبيق الشريعة الإسلامية وما إلى ذلك من تزكية للنفس ومُزايدةٍ على الآخرين بدين الله تعالى؟


وإعطاء الفَضل لمن قرُب من سيِّدنا محمد لا يستوجب إعطائه العلم إلا أن يكون قولا وعلماً موثقاً لسيِّدنا رسول الله أو حجَّةً راجحة. أما التمجيد بعمومه وإعطاء الفضل في كل شيء للسلف، فإنَّه يفَرق الناس، ويُكرِسُّ العنصريةَ، ويعمي البصائر، ويجمد العقول، ويقتل الطموح، وهذا حال الأمة ...




الضابط الثاني: الضوابط العقلية

يقول تعالى:


أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا (الكهف:9)

بالرغمِ من كونِ الرقيم آيات عجيبة لأُمَّةِ سيِّدنا محمد يقول بعض المفسرين:

الرقيمُ لوحٌ حجريٌ (أو رصاصي أو حديدي أو ذهبي!) رُقِّمَت فيه أسماءُ أصحابِ الكهفِ وأخبارهم.
واد بـين عُسْفـان وأَيـلة دون فلسطين، وهو قريب من أيـلة.
مدينة، قرية، غار، كتاب تبيانهم، الكتاب،
اسم جبل الكهف "بنـجلوس" واسم الكهف "حيزم".
تابوت فى فم الكهف، وقيل وضع تحت جدار اليتيمين، وقيل: فى سور المدينة،
رُفع ذلك اللوح فـي خزانة الـملك. وقال بعضهم: بل جُعل علـى بـاب كهفهم. وقال بعضهم: بل كان ذلك مـحفوظاً عند بعض أهل بلدهم. وإنـما الرقم: فعيـل. أصله: مرقوم، ثم صُرف إلـى فعيـل، كما قـيـل للـمـجروح: جريح، وللـمقتول: قتـيـل، يقال منه: رقمت كذا وكذا: إذا كتبته، ومنه قـيـل للرقم فـي الثوب رقم، لأنه الـخطّ الذي يعرف به ثمنه. ومن ذلك قـيـل للـحيَّة: أرقم، لـما فـيه من الآثار والعرب تقول: علـيك بـالرقمة، ودع الضفة: بـمعنى علـيك برقمة الوادي حيث الـماء، ودع الضفة الـجانبة. والضفتان: جانبـا الوادي. وأحسب أن الذي قال الرقـيـم: الوادي، ذهب به إلـى هذا، أعنـي به إلـى رقمة الوادي.
وقيل: فى ذلك اللوح دين عيسى، لأنهم من الروم أخذوا بدينه.
قيل: دراهمهم التى معهم، وقيل: اسم كلبهم.


وأقوال لا يتسع المقام لسردها. سؤالي ببساطة كيف يكونُ لوحٌ حجريٌ آيةً عجيبةً؟ أم إننا لم نرى له مثيلاً من قَبل؟ أم إنَّه من خوارقِ الطبيعةِ؟

وهل سيكونُ أكثرَ عجباً لو كان خشباً؟ ثُمَّ هل رأتْ أُمَّةُ سيِّدنا محمدٍ (أو أحدٌ منها) هذا اللوحَ الذي قال عنه خالقُ العجائبِ كلِّها بأنَّه آيةٌ عجيبةٌ؟

طبعاً لا ... ولكن بالرغم من ذلك كُلِّهِ ينبغي احترامُ هذه الآراءِ وتقديرُها ونقلُها عبر الأجيال كما لو كانت قرآناً ... لأنَّها من السَلَفِ!



تفضل بالنظر في الأقوال التي جاءت في قصة كلام النملة والهدهد مع سليمن. تذكر أن أيا من هذه الأقوال لا يعود للنبي الكريم لا من قريب أو بعيد. واسأل نفسك عن مصدر هذه الأخبار العجيبة المتناقضة. ثم اسأل بموضوعية وعقلية كيف يمكن لنا وضع كل هذه المعلومات المتناقضة في سلة واحدة؟


ثم لا شك في أن كلام النملة آية عظيمة غريبة، لكنَّ هل تفكر المفسرون في الرسائل والحكم من القصة وسألوا أنفسهم:

لماذا ذَكَرَ جلّ جلاله النملَةَ وسماع سليمن لقولها من دونِ غيرها من الخلق؟

ما الحكمةُ من اختيار النمل؟ لِمَ كانت نملةً وليست جراداً أو خُنفُساً أو عقرباً أو عنكبوتاً أو سِحليةً أو قملةً ، .... الخ؟

ولِمَ قالتِ النملةُ تحديداً: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ؟
لماذا اختارَ تعالى كلامَهَا هذا دونَ غيرِه من الكلام لِيُخبرنا به؟




فهل تجد في جميع التفاسير أيا من هذه الأسئلة المهمة؟ فضلا عن الجواب عليها؟


ولكن للأسفِ الشديدِ فبدلاً من البحث عن الحِكِم البالغةِ في القصص، استنفذَ الناس طاقاتَهُم في أخبار لا طائِلَ منها ولا جدوى ولا دليل. فهل" اسم النملة "طافية" أو مُنذِرة أو "خومي" أو "لافية" يفتح لنا بابا من أبواب العلم والتقدم مثلا!


وقيلَ أنَّ قبيلة هذه النملة هي "بنو الشيصان" تحديداً! ثمَّ وجدوا أنَّها عرجاءَ. طبعاً لم ينسوا ذِكر حجمها! فقيل كالضأن وقيل كالذئِب وذهبت بعض الرواياتِ إلى أنها بحجم الديك! كما قالوا إنَّه كانت مع هذه النملة أربعون ألف نملةٍ من النقباءِ، ومع كل نقيبٍ أربعونَ ألفَ نملة من المحاربين!


ومع كلِّ رأيً من هذه الآراء يسردُ لنا المفسرُ سلسلة طويلةً من الرواة فيقول حدثنا فلان عن فلان ... عن فلان ... عن أبيه عن جدِّه ... إلى أنْ يقولَ : كان اسم النملة كذا!


كيف لنا أن نعرف كل هذه التفاصيل العجيبة بينما لا نعرف أين دفن الكثير من الأنبياء وكيف ماتوا؟ فهل النملة أعز من سليمن والأنبياء؟ وهل نسيت الأجيال توثيق أخبار الأنبياء وسليمن وداود ولم تنس توثيق تفاصيل النملة؟


فإنْ كان ما بين عهدِ سيدنا رسول الله وعهد سليمن ما يُقاربُ 1500 سنةٍ، فهل يعرفُ المفسرون أسماءَ قبائِلهم هُمْ وأسماءَ أجدادِهم هُمْ وأوطانِهم هُمْ في ذلك الزمان الغابر، ليعرفوا اسم نملةٍ تحت حجرةٍ، تحت ظِلِّ شجرةٍ في وادٍ ما، عند جبلٍ ما، في بُقعةٍ ما من هذا العالم الفسيح؟ وإنْ كانوا لا يعلمون أين ومتى دُفنَ نبيّ الله سليمنَ بنفسه، فهل يعرفون حجم النملةِ وعددِ من معها من النمل؟


ما الحكمة والعِبرة التي ترتجى من هكذا أقوال؟ ثم هل يدخل موضوع "تجلي وتعظيم وتوقير وإجلال الله تعالى وإظهار إبداعه وجماله وأنواره وجماله ونعمته" ضمن هذه التفاسير؟ أي هل نجد في التفاسير أن التأويل كذا يظهر عظمة الله تبارك وتعالى ونعمته وإبداعه أكثر من التأويل كذا؟ أو أننا نجد أن القول كذا أقوى إسنادا من القول كذا؟ ونضرب بعرض الحائط الأمور الأخرى؟


فالفرقُ بين تأويلٍ لآخر عند المفسرين هو ببساطة هل المقصودُ قولُ زيد أم قولُ عبيد! هذا تمجيد للناس على حساب الخالق سبحانه! أمَّا أيٌّ من التفاسير يُظهرُ عظمةَ الخالق وحكمته وجماله وما إلى ذلك من أسمائه الحسنى، تبارك وتعالى، فلا أجد أنَّنا بذلنا أيَّ جهدٍ فيه.


ولأننا متدينون بالفطرة، كان علينا أن نقرأ هذه التفاسير كما لو كانت قرءانا وننقلها جيلا بعد آخر، ولأن هذه التفاسير مجموعة من التناقضات المختلفة حول أمور سطحية، ولأن عقولنا وفكرنا ونهجنا وطريقة حياتنا مبنية على القرآن، أصبح التناقض والخلاف والسطحية أهم ما يميز الشعوب الإسلامية. لهذا السبب – ولأمثاله – فأمة الإسلام ترزح تبعية واتكالية على الغير في جميع شؤونها ...




الضابط الثالث: الضوابط اللغوية.


مثال:

هل تصدق أخي الكريم أن الله تعالى يقول "أربعة من الطير" ثم يأتي إنسان مفسر ((لا ينازعه أحد)) ليقول ربما "سبعة من الطير" ؟؟؟ وتنقل هذه الجراءة عبر القرون ثم لا ينقدها أحد؟؟؟


لا أدري إن كان هذا الرأي يحقق "ضوابطك" للتفسير؟

فهل يحقق هذا الرأي ضابط الأدب مع كلامه تعالى وعدم المزايدة عليه؟

هل تجد في هذا القول "تكذيب أو تشكيك" في كلامه عز وجل؟

أم هل يحقق ضابط اللغة بمعنى أن العدد " أربعة" قد يعني العدد "سبعة" في حالة كون المعدود طيرا؟


أرجو منك الإجابة والدفاع عن رأي "السبعة" طيور.

وإن كنت لا تتفق معه، فهل لي أن أسأل لماذا لم ترد عليه من قبل؟ أم لأن الرجل من السلف؟


الناس تحارب كل جديد وتمجد أسلافها لسببين الأول هو الغيرة من الأحياء إذ لا غيرة ممن في القبور والسبب الثاني أن تمجيد الناس لإسلافها إنما هو تقديس للناس أنفسهم من حيث لا يشعرون. ولقد أفردت لهذا مقالا مفصلا:


http://www.alraqeem3.net/index.php/a...05-24-16-53-00


يتبع ....



قديم 12-09-2012, 07:18 PM
المشاركة 18
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


ثالثا: إدعائك بأني جاهل في أمور اللغة والتفسير والحديث



كنت أخي في مداخلة سابقة أسميتني نجما من نجوم علوم الأرض، فلك الشكر والتقدير. لكن هل لي بسؤال:

كيف عرفت أني ذلك بينما لم تقرأ لي بحثا متخصصا؟
ترى هل للشهادة دور في تقييمك لي؟
لو كان كذلك فكيف عرفت أنني لم أزور شهادتي؟ أو أن شخصا آخر كتبها لي؟ أو أنني تخرجت ولم أدرك من مواد التخصص شيئا؟ أو أنني نسيت كل ما درست؟ أو ... أو ...؟


وفي ذات الوقت تجد لي حوالي ستين مقالا مفصلا وتتهمني بالجهل بدليل أبعد ما يكون عن الحق كما سأشرحه بعد قليل؟


هل وصل بنا تبسيط الأمور لدرجة اعتبار صاحب شهادة ورقية "عالما متخصصا"؟ أم إن القيمة الحقيقية للعلم هي الحجج والبراهين؟

هل للمظاهر كالهيئة والباس وطريقة الكلام دور في تقيمنا للناس؟


لا عجب إذن من أن مقالا عن "اللحية زينة الرجل" حصد أكثر من عشرة آلآف مشاهدة في الوقت الذي نقتل بعضنا بعضا لخلافات قد لا تعتدوا أن تكون سننا أو مندوبات، على الأكثر.


إنها السطحية أخي العزيز المستقاة من موروثاتنا الفكرية.


يأخي الكريم صحيح أن تخصصي هو في علوم الطبيعة ولكن ذلك لا يعني أنني جاهل في أمور ديني وفكري فلقد أمضيت في دراسة كتب الفسير "وضوابطه" وكتب الحديث والسيرة ومخالطة المتخصصين أضعاف ما أمضيت في دراسة مواد تخصصي.


فعفوا أخي الكريم عفوا فقد انتهيت من دراسة أمهات التفسير والحديث وكل ما يخصهما ولما أبلغ الخامسة والعشرين، فما أنا بحاجة لتخبرني عند كل آية أن أذهب وأقرأ قول فلان فيها، بل عليك الذهاب بنفسك والتحقق مما قيل قبل أن تستخدمه كحجة لا منازع لها.


كما إن معظم مقالاتي كانت مكتوبة جاهزة للنشر قبل نهاية السنة 2009 ولكني أمسكت عن نشرها إذ كنت أعمل على توثيقها وتحسينها طيلة أربعة سنوات متتالية. فلا تحسبنني ممن طرأت له فكرة طائرة ففرح بها ونشرها على فوره.



فقد اتهمتني بالجهل في اللغة العربية بحجة أقل ما يقال عنها أنها غريبة لا أساس لها إذ قلت حضرتك أنني مخطئ (في ستين مقالا) لأنني لا أعرف الفرق بين الاستعمال الحرفي والمجازي للكلمات وبذا فإني ضعيف في اللغة لأن الأصل في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي من منظورك يعتمد على "العلم باللغة".


وهذا كلام أبعد ما يكون عن الصواب أخي العزيز إذ إن التمييز بين الاستخدام الحرفي والمجازي لا يعتمد على اللغة من قريب أو بعيد، بل يعتمد على "العقل" والسياق فقط.


فلو كنت جالسا في مقهى ودخل رجل شجاع أعرفه فقلت : جاء الأسد. فهل يفهم من كلامي أن أسدا من الغابة دخل المقهى؟

طبعا العاقل سيفهم مباشرة أن إنسانا بصفات الأسد قد جاء. أما الغير عاقل فقد لا يفهم إلا أن أسدا حقيقيا قد جاء.


فهل لك أن تعطيني مثالا واحد (واحدا فقط) يثبت إدعائك بأن "اللغة" وليس العقل أو السياق هو المرجع في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي؟


مثلاً:

وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم {النمل: 81}

أفأنت تسمع الصّم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبينٍ {الزخرف: 40}


أثبت لي أن كلمة " العمى " أو " الصّم " هنا تعنى الضلال من منظور اللغة وليس العقل أو السياق؟



فالناس يستعملون دوماً الاستعارة في حياتهم اليومية، ويفسرون الكثير من عبارات الكتب السماوية على سبيل الاستعارة أيضاً.


فلو قلنا: متنا ضحكاً ... فهل نقصد أننا متنا فعلا ؟ فما دخل اللغة هنا في تميز الحرفي من المجازي؟
ولو قلنا: نزلت درجات الثانوية العامة. فهل نقصد أنها نزلت من السماء؟
ولو قلنا: نزلنا في الفندق، فهل نقصد أننا نزلنا من السماء إلى الفندق!؟
وعندما نشير إلى المصحف الكريم ونقول: هذا الكتاب أنزل من عند الله تبارك وتعالى من السماء، فهل نقصد أن هذا الورق المطبوع أنزل بطريقة ما إلى الأرض من السماء؟ طبعاً لا، ولكننا نعني أن معانيه وأوامره ونواهيه نزلت من عند الله تعالى ...


فعندما يقول الله تعالى: خلق الإنسان من عجل (الأنبياء:37)، فهل نفهم أن مادة اسمها "عجل" خلقنا منها؟ أو نفهم أن الإنسان عجول بفطرته؟


وعندما يقول رسولنا الكريم: سبعة يظلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله، فهل نعتقد من الحديث أنه تبارك وتعالى مادي وله ظل من نور يسقط عليه، سبحانه وتعالى! فالمقصود هو سبعة يحفظهم ويظللهم برحمته وكرمه وفضله وإحسانه وستره ...


فمن المعلوم إن اللفظ يستخدم على الحقيقة كأن تقول: جاء الرجل، ويستخدم على المجاز كأن تقول: جاء الحق. ولمعرفة الفرق بين الحالتين يتعين الرجوع إلى العقل، والعقل فقط، إذ لا شيء من الممنوعات أو المستحيلات عند وصف الأشياء بالمجاز.


فلو سمع طفل جملة "جاء الحق"، فقد يصعب الفهم عنده، إذ قد يتصور "الحق" جسداً مادياً يمشي على أرجل، إلى أن يطور مداركه ويدرك حينها المعنى المقصود لأنه ليس للحق أرجل يمشي عليها. وعندما يسمع الطفل الأساطير فإنه يكون صوراً مجسمة عنها ويحسبها واقعية إلى أن يتطور الفكر عنده فيدرك الفرق بين الأساطير والواقع.



فالمعيار لمعرفة الواقع من المجاز في الأخبار هو "إمكانية حدوثها على الواقع". فكلما زاد العلم والعقل والإدراك والخبرة زادت معها القدرة على التميز بين "إمكانية الحدوث على الواقع" وبين "المجاز التصوري".


والأخبار والأمثلة المجازيةَ ليست بسيطةً دائماً، بل قد تكون قصصاً كاملة لا يظهر فيها استخدام المجاز بوضوح. فعلى المستمعِ إذن النظر والتفكر والبحث عن " إمكانية حدوثها على الواقع".


أما من جهة القائل، فعليه أن يستخدم العبارات بما يتوافق مع عقل وعلم المتلقي. فمن العيب مثلاً أن نضرب مثال الثعلب والدجاجة أو الغول لإنسان عاقل، ومن إضاعة الوقت أن نبين عظمة الكونِ بمثل التفاعلات الذرية للأمي. فعلى ضارب المثل مراعاة حالة المتلقي الذهنيةِ، ودرجة علمه ونضوجه وإدراكه.


فإن كان ضارب المثل هو اللطيف الخبير فهو يخبِر بطريقةٍ خفية غير مباشرة، وبأمثلة تستدعي التفكر والتأمل والعلم والإدراك. فإخباره لنا تعالى يكون بخفية ولطف وقد يستغرق الدهور من تفكر الأمم وتطورها وتعلمها في جميع مجالات الحياة كي تدرك بعضا من هذه الأخبار ...


شاء الله تبارك وتعالى أن تكون لكل شيء حِكمة ... ولكن كثيراً ما يعجز السمع والبصر عن إدراك بعضِ الحكم وما ذلك إلا لتستأثر بها وتدركها العقول ...

الله سبحانه "لطيف خبير" وقد تكرر ورود هذين الاسمين مترادفينِ في عدة أماكن من القرآن ... فلماذا؟


"اللطيف" تعني الرفيق والحنون ولكنها تعنى أيضا الخفي، فما لَطُفَ من الكلام هو ما غَمُضَ مَعناه وخَفِيَّ ...

أما "الخبير" فتأتي بمعنى المُجَرب، لكن الأصحّ في حقِّه تعالى هو "المُخْبِرُ العارِفُ الذي يأتيكَ بالخبرِ، فهو خبيرٌ " ... إذ لا يُجرب سبحانه كالناس ...


فيكون معنى "اللطيف الخبير" أي الذي يخبِرك بطريقةٍ خفيَة غير مباشرة ... إشارات بالكاد تراها ... لمحات من هنا وهناك ... إيحاءات بسيطة ... وبأمثلة تستدعي التفكر والتأمل والعلم والإدراك ... ولأنَّه سبحانه "الخبير" وليس كمثله شيء، فإخباره يكون بكل شيء، ولكن كثيرا ما لا نفطن إلى هذه الأخبار ...


ولأنه سبحانه "اللطيف" وليس كمثله شيء، فهذا الإخبار يكون بِخفية ولطف بحيث أنَّه قد يستغرق آلآف الملايين من السنوات وقد يستغرق الدهور من تفكر الأمم وتطورها ومعاناتها لكي تدرك بعضاً من هذه الأخبار والحكم وتعِيهَا ......


فلو أراد سبحانه أن يخبرنا شيئاً فلابد وأن يخبرنا عنه ويعلمنا إياه بلطف يتناسب مع لطفه، وهو اللطيف الخبير. فبدلا من التعليم المباشر، يضع لنا في الخلقِ أسئلة وإعجازات تستوجب التفكر حول هذا الشيءِ ... فتبرز أهمية الشيء المراد تعلمه من خلال وضعه في أسئلة يتفكر الناس بها، ويبذلون جهدهم لحلها، فيتعلموا، فيتحقق الهدف ....


ما أن يبدأَ الإنسان بإدراك ما حوله إلا ويجد من حوله شيئين اثنين، يكمل أحدهما الآخر ... الأول هو " كتاب الخلق المبين" ... والثاني هو " الكتب السماوية " والتي لم يبق منها محفوظاً سوى كتاب القرآنِ المبينِ والذي يرشده إلى خالقه ويبين له منهاج الحياة الصحيح ... فهناك إذاً كتابان أصلهما واحد ... ولذا يجِب أن يتحدا في أصل "الكتابة" و "الهدف" ...


فكتاب القرآن العظيم وكتاب الخلق المبين من إله واحد سبحانه وتعالى وينبغي أن لا يختلفا في أي شأن صغر أم كبر، وإن كان من تعارض فهو فهمنا نحن البشر. ففي خلقه وفي كتبه عز وجل تدرجٌ وصبر لا فجائية، جديةٌ لا هزلية، أسبابٌ ومُسبباتٌ ونواميس وقوانين محددة ثابتة، لا عبثية ولا فوضوية ولا تصادفية، عدلٌ لا ظلم، وحقٌ لا باطل ...



مرة أخرى أخي الكريم أطلب منك مثالا واحد فقط يثبت إدعائك بأن "اللغة" وليس العقل أو السياق هو المرجع في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي؟



يتبع ....


قديم 12-09-2012, 07:21 PM
المشاركة 19
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


رابعا: إدعائك بأنني أعتمد "الرأي" في التأويل


كثيرا ما يقال عني أني أقول في القرآن بعقلي أو برأي. فأتعجب. فعلا أتعجب.


أفلا تتعجب أخي لو اجتمع الناس عليك وقالوا: فلان يمشي على قدميه!؟ فإن لم تمش على قدميك فعلام تمشي إذاً؟


فعندما أقول "برأي" فذلك معناه أنني أقول بعقلي وقلبي. الآن، كيف يمكن تفسير القرآن، أو أي شيء آخر، من دون عقل؟ هل المصحف وكتب السنة النبوية مع معاجم اللغة العربية قادرة على العمل بشكل تلقائي لتفسير القرآن؟


هل وضعُ كتاب الحساب بجوار الآلة الحاسبة يحلّ معادلة حسابية من دون النظر والبحث والتأمل والتفكر وتفعيل العقل؟ أوَ ليس تفسيرُ القرآن بالقرآن يتطلب تفعيلَ العقل والتدبر والتفكر كما طلب القرآن نفسه في العشرات والعشرات من الآيات القرآنية الواضحة الصريحة؟ كيف أفسر القرآن بالقرآن من دون عقل في حين أن القرآن يأمرني بتفعيل العقل؟ كيف؟


فإن لم نفسر القرآن الكريم والدين بعقولنا فبأي عضو من الجسد نفسره؟ بالجلد أو العظم أو الفم والأنف؟


فلو قلت لأحدهم أني أفسر كلام الله تعالى بالعقل والتفكر والمنطق فسينظرني بريبة شديدة وأنني تجرأت على الله تعالى، وقد يتهمني بالزندقة والبدعة والضلال. وكثيرا ما سألني الإخوة عن "ضوابطي في التفسير".


السبب من وجهة نظرهم أنَّ "عامة الناس" سوف يفسرون القرآن بأهوائهم وبعقولهم فَيَضِلوا ويُضِلُوا الناس معهم (أوَ خلاف وضلال أكثر مما نحن فيه؟). ولأن العقل مدخلٌ من مداخل الشيطان كما يعتقدون، فإنَّ التفسيرَ "بالعقل" غيرُ مقبول، بل ويصلُ الأمر بتكفير من يفسر القرآن بعقله!


هذا بالرغم من أنّ القرآن يأمرُنا دوماً في العشرات تلو العشرات من المواضع والمواضيع بالتأمل وتفعيل العقل والحِسّ والمنطق السليم عند النظر إلى الأمور، وبالأخص عند النظر إلى كلامه العزيز:


قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد {سبأ: 46}


وللمفارقة لو قلت لأحدهم أني أفسر كلام الله تعالى بكلام السلف وأقوال "العلماء" فسينظر إلي بعين الرضا والتقدير والإجلال، هذا بالرغم من أنّ القرآن يأمرنا دوماً في العشرات تلو العشرات من المواضع والمواضيع بالحذر الشديد من الأسلاف وعدم التأثر بأقوال ومذاهب الآخرين من الناس أمثالنا، وأن ما أهلك الأمم كلها إلا إتباعهم لأسلافهم:

أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ؟ {المؤمنون: 68}



كما يقال أنني أفسر القرآن على هوى نفسي.


حسناً، لنعد ((للقرآن)) وننظر في معنى الهوى:


إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (النجم:23)


إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا (42) أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا (الفرقان:43)




ما الأسماء هنا؟ هل تذكرنا بتقديس الأمم السابقة لأسلافها وأسمائهم؟
فهوى النفس كما هو جلي هو اتباع الأسلاف والأسماء التي ابتدعوها. وهذه الأسماء هي أسماء "صالحين" قدست تدريجيا لتعبد آخر المطاف أو هي المصطلحات الدينينة التي ما أنزل تعالى بها من سلطان.



يتبع ....




قديم 12-09-2012, 07:26 PM
المشاركة 20
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


خامسا: إدعائك بأنني لا أعمل بالسنة النبوية الشريفة


إن إكمال الدين يعني اكتمال المفاهيم والأسس والأهداف من هذا الدين. ومن هذه الأسس والمفاهيم إن القرآن كريم لا ينفذ عطاءه وإن العمل والتفكر والتقدم في جميع المجالات ضرورة لابد منها وما إلى ذلك من مفاهيم تقوم عليها المجتمعات.


أما قولك أن هناك مواضيع في القرآن لا ينبغي أن تمس (كموضوع "العقيدة" مثلا) فلا أجد له دليلا من القرآن ولا من السنة وليس لبشر من طين أن يحدد ما هو مسموح مما هو ممنوع بلا دليل قرآني واضح لسبب بسيط وهو أن الناس لن تتفق أبدا على شيء واحد في أي أمر وشأن، وبالتالي ليس بإمكان أي إنسان أن يقرر أمرا عظيما كهذا إلا أن يفرضه "فرضا" على العقول كما هو الحال الآن. ولا ينبغي فرض أي أمر كان على عقول الناس، فكما تعلم فلا إكراه في الدين.



إن من الدين نفسه أن في القرآن كنوزا لا من سلف ولا نحن ولا بعد مليون سنة ستستطيع البشرية كشف جميع أسرارها. ولقد تواتر في الأيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة فضل القرآن وأن عجائبه لا تنتهي فكيف نقول ونؤمن بذلك بينما نحصر فكره وعطاءه على زمن محدد؟


فمثلا الله سبحانه عظيم ونحن لا نستطيع إدراك الكلمة بحد ذاتها من دون دلائل وإثباتات. لذا فخلق سبحانه الكون بعظمته لندرس "عظمته" من خلال الخلق. وهو بديع فكيف ندرك إبداعه تعالى من دون مخلوقات بديعة من حولنا؟


وهو سبحانه يظهر أسمائه الحسنى كلها في الخلق كي نفهم نحن بعضا من هذه الأسماء فنعبده حق عبادته.


ومن أسمائه تعالى الحسنى "الباطن" والظاهر. فكما أظهر كل ما نراه فهو تعالى أبطن أمورا كثيرة سواء في كتاب القرآن الكريم أو في كتاب الخلق المبين. فوجود أمورا باطنة في القرآن يستدل بها من القرآن نفسه.


إن هذه الأمور المبطنة والأسرار المكنونة لا تشمل ما يسمى بـ (الإعجاز العلمي) وحسب بل تشمل كل الأمور. ولا ينبغي لنا تقسيم القرآن إلى إعجاز علمي، إعجاز تصويري، لغوي، ... علينا أن لا نضع أسماء وتقسيمات في كلام ربنا تعالى فهو سبحانه الواحد الأحد وكل كلامه "واحد".

فأرجو بعملي أن أكون متبعا للسنة النبوية، ولا أجد نفسي مخالفا لحديث موثق واحد. وخلافي مع البعض ليس مع القرآن الكريم أو السنة النبوية العطرة وأعوذ به تعالى من ذلك، إنما هو في فهم القرآن والسنة النبوية واستخلاص الدروس والعبر منهما.


فمثلا يرد البعض علي بالحديث النبوي الشريف: من أحدث من أمرنا ما ليس منه فهو رد.
وأنا أنظر للحديث بإيجابية. فالعمل على النظر والتفكر والتأمل في آياته القرآنية والكونية أمر علينا فكيف يقال عن من يتفكر ويعمل بالقرآن والأكوان ويربط بينهما أنه مبتدع؟ فهل من يقول بعلم جديد يقوم بنشره مبتدع؟ أوليس التفكر والعمل وعدم الاعتماد على فكر الآخرين في كل شأن هو من أصل الدين؟


فمن وجهة نظري فالذي يعمل ويتفكر ويتدبر ويدرس القرآن وآياته أولى باتباع القرآن والسنة والصحابة رضى الله تعالى عنهم من الذين لا يتفكرون ومن ثم لا يعملون.


الذي يتفكر أولى باتباع الدين الصحيح من غيره لأنه يطبق ما في هذا الدين من مفاهيم من أهمها أن القرآن كريم والكريم لا يبخل في عطائه وهو مجيد والمجيد لا شيء يسعه، وهو مبارك والمباركة الاستمرار في العطاء.


وبالنسبة للحديث النبوي الشريف: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. فنعم علينا اتباعه وعلينا باتباع هذه السنة. لكن هذه السنة هي سنة فعل ولا ينبغي حصرها على القول وقد كان الصحابة يبحثون ويجتهدون في التفكر في آياته ويتعلمون من القرآن الكريم مباشرة ثم ينشروا هذا العلم وهذا ما ينبغي علينا جميعا فعله. هذه هي السنة ...


فهل من منكر بأن الصحابة كانوا يبحثون ويتدبرون في معاني القرآن؟ وهل لو اتبعنا سنتهم هذه نكون قد خالفناهم؟



بالنسبة لي فأضع السنة النبوية على رأسي، لكني أضع القرآن الكريم فوق ذلك بكثير إذ إنه كلامه تعالى المحفوظ فما من شيء يقارب كلامه تعالى دقة ومتانة وإعجازا وإبداعا.


ثم علينا أن نأخذ من الأحاديث النبوية الشريفة ما لا يتعارض مع القرآن فإن كان من تعارض فالأولى أن نأخذ بالقرآن الكريم والسبب هو أن عندنا كتاب واحد منه تعالى ولكن عندنا الكثير من الأحاديث التي قد تتعارض فيما بينها أحيانا والسبب طبيعي ومعلوم إذ إن الناس تنسى أو تغفل أثناء عملية نقل الأحاديث ولكن القرآن لا ينسى ولا يغفل.


ففضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على سائر خلقه كما تواتر في الأحاديث. لو تفكرنا في هذا الحديث وطبقناه فعليا وعلمنا إدراكا فضل الله تبارك وتعالى على سائر الخلق وعظمته بالنسبة لصغر الخلق ورحمته بالنسبة لقسوة الخلق وغناه تعالى بالنسبة لفقر الخلق ووحدانيته تعالى بالنسبة لتفرق الخلق وما إلى ذلك من مقارنات فإننا عندها سننظر لكلام الله تعالى بطريقة مختلفة.


إن القرآن مهجور هذه الأيام للأسف الشديد. نعم هو منتشر في كل مكان والناس تقرؤه كثيرا لكنها لا تتفكر فيه كما جاء:


وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا (الفرقان:30)



فالخطاب ليس للمشركين إذ هم لم يؤمنوا به أصلا ولكن الخطاب للمسلمين الذين هجروا التفكر والبحث في آياته.


وبالنسبة للسيرة النبوية فأنا أقوم بفهمها من منظور جديد، ولا أنكر منها إلا ما يسيء إلى سيدنا سيد الخلق محمدا عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام.



وبالنسبة لقول أبي بكر رضى الله تعالى عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأي.


فأولا هذا الكلام ينطبق عليك أيضا إذ أنت تقول وتفتي وتتكلم في القرآن برأيك الذي هو في الأصل رأي غيرك، لكنه في نهاية المطاف "رأيك" لأنك اخترته من دون غيره. الفرق بيني وبينك أني أعمل على التحسين وإضافة فكر جديد باجتهادي وعملي الذي أسأل عنه يوم الحساب، بينما تعمل حضرتك على التجميد والحصر الذي تعلمته من غيرك.


لكن الأهم من هذا أن أبا بكر كان يتكلم عن نفسه ولم يكن يشرع بتحريم التفسير.
فمثلا أكل أبو بكر تمرة يوما في بيته وبعد بلعها سأل عن مصدرها فقيل له كانت صدقة لفلان فأخرجها رضي الله تعالى عنه بطريق التقيؤ. طبعا نحن لا نفعل ذلك ولسنا مأمورين بذلك ولكنه فعلها مخافة منه تعالى.


كما إنه لو أخذنا هذه الرواية من باب التشريع، فجميع المفسرين هلكة من منظورك لأنهم ليسوا – كما أحسب – خيرا من أبي بكر، فإن لم يفسر وهو أعلمهم فعلى أي أساس يفسر المفسرون؟




إن وجود أمور مبطنة في القرآن الكريم ليس بجديد، بل هو من أبجديات الطبيعة من حولنا. ففي جميع المجالات النظرية والتطبيقية، تبقى الكثير من الأمور أسراراً إلى أن نرقى بأسلوبنا وعلمنا إلى درجة تمكننا من تطوير الوسائل اللازمة لسبر أغوارها، ولكل سِر متطلباته المتفاوتة من الوسائل.
فعلى سبيلِ المثال، كانت هناك مؤشرات في التاريخ بإمكانية طيران الإنسان تتمثل بمُشاهدة الطيور، ولكننا لم نستطع الطيران إلا بعد اكتشافات قوى الجاذبية والإيروداينمكية والقدرة على تصنيع وتشكيلِ المواد بما يلبي جميع قوانين ومتطلبات الطيران. فلو كانت الأسرار من أبجديات خلق الله عز وجل، أفَلا تكون من أبجديات كتابِه؟


فاللهُ تبارك وتعالى وضع وأبطن أسراراً في الخلق وفي القرآن لأنه تعالى الباطن، وفي نفس الوقت وضع مؤشرات لهذهِ الأسرار. فمتى تفكر الإنسان وفَعّل العقل فتح عليه ببعض من الأسرار.


إن زمن اكتشاف بعض أسرار القرآنِ قد حل. فبنضوج العقل البشري بتراكم العلوم والمعارف والخبرات السابقة وبتطور وسائل الاتصال والانتقال والحاسوب والعلوم الكونية والإنسانية يمكن اكتشاف العديد من أسرار الكتاب بالوسائل التي لم تكن متوفرة لمن قبلنا.


لذا فإنني أختلف كثيراً مع المفسرين وأبيّن بالعلم وبالعقل وبالمنطق السليم والحجّة الراجحة صدق أقوالي ومذاهبي. وفي هذا السياق أفَسر الآية 134 من سورة البقرة والتي تكرر معناها في أكثر من موضع:



تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون {البقرة : 134}


فالتفسير المتداول هو أن لكل أمة ولكل إنسان عمله، ولا تزر وازرة وزر أخرى. فلا علاقةَ لنا بذنوب واختلافات الأمم السابقة ولا بالخوضِ فيها. هذا التفسير صحيح ولكنه ناقص لشمله العمل من دون العلم. فلم لا نفهم أننا لن نسأل عن علم الأسلاف كما أننا لن نسأل عن عملهم؟ فلهم ما كسبوا من العلم ولنا ما كسبنا منه ... أوليس العلم من العمل؟



ومن أمثلة الحجج التي يستخدمها الناس لإبعاد القرآن عن العقل قولهم إن كنا مثلاً لا نستطيع فهم الحكمة بالعقل من كون صلاة المغرب ثلاث ركعات بينما العشاء أربع، فينبغي إذن أن لا نسعى لتفسير جميع ما يختص بالدين بالعقل والمنطق!

والجواب على هذه الحجة سطحي بسيط. فمن غير المطلوب منا أن نفهم كل ما يخص الشرائع، فإن فهمنا الحكمة من أمر ما فحسن، وإن لم نفهم فعلينا بالاتباع في كل الأحوال.
كما إن كوننا لا نستطيع تفسير البعض لا يعني أبداً ترك الكل، فهل نقول للطالب في الإمتحان إن لم تستطع حلّ أحد الفقرات فلا تحاول الإجابة عن الإسئلة الأخرى؟!


ثم لماذا كان على الأسلاف تفسير القرآن وفهم الدين جملة وتفصيلاً في زمنهم بينما وقف علماء الطبيعة كالطب والفلك والفيزياء عاجزين في زمنهم عن فهم وفكّ جميع الأسرار الكونية؟ لماذا لم يعترفوا أنّ هذا الدين كبير – أكبر من إمكانيتهم وخبراتهم الإنسانية في ذلك الزمان – وأنّه تعالى قد حفظ بعض الأسرار والأنوار والحكم لمن سيأتي بعدهم من الأمم؟ أليس هذا من العدل الإلهي؟



ومن الحُجَجِ المستخدمة هي أنَّه لا يجوزُ تحميلُ القُرآنِ ما لا يحتملُ من تفسيرٍ وتأويلٍ. نعم هذا صحيحٌ ولكنَّ هل عندنا ميزانٌ نقيس به كلَّ جديدٍ لنقول بما يُحْتملُ وما لا يُحْتملُ؟


المفارقة أنَّ الذين يزعمون تفسير القرآن بالقرآن هم أنفسهم الذين يجعلون آياتٍ من القرآن تنسخ وتمحي آيات أخرى من القرآن! ثم يدعون أنهم يفسرون القرآن بالقرآن! ولكن في الحقيقة هم أبعد ما يكونون عن ذلك. فهم على النقيض يحرقون القرآن بعضه ببعض.


ومن الحجج التي يستعملها الناس لحصر تفسير القرآن على فئة منهم هو قولهم "لم يقل به أحد من السلف" أو "أأنت أعلم أم هو" ... وأرد على هذا بما يلي:



فأولا من يجزم أن الأعلم لا يخطئ؟ ثم كيف نعرف أن هذا أعلم من هذا؟ ثم ما هو معيار مقياس العلم هذا؟ وهل يمكن أن نقارن علم شخص مات منذ ألف سنة مع شخص آخر من هذه الأيام؟ ولنفترض أن زيداً أعلم من عُبيد، فكيف نعرف أن زيداً ليس منافقاً تعلم من أجل فتنة الناس والظهور عليهم؟ أوَ لا يوجد منا منافقون يحسبهم الناس من الأولياء؟


ثم كيف نجعل قياس "العلماء" – الذين يختلفون في زمن واحد ضمن مذهب واحد فضلا عن اختلافهم في أزمان متباعدة – معياراً ثابتاً يجب أن يطبق على جميع الأزمنة؟


ثم لو قال به أحدٌ من الأسلاف فما الداعي إذن للقول به الآن؟ فإما أنْ يقولَ المرءُ المُفكِّرُ العالمُ المجتهدُ شيئاً جديداً أو ألا يقول شيئاً على الإطلاق، وليذهب وليعمل شيئا مفيدا خيرا له.


إن أسلوب الإسكات هذا – أأنت أعلم أم هو – أدى إلى تفشي هذا الفكر الاحتكاري ليشمل جميع أمور الحياة وتحديداً السياسيةَ، فأصبحت مناقشة الحكام جريمة يعاقب عليها الدين نفسه! وأصبح الحاكم شأنه شأن المفتي لا يناقش ولا ينصح ولا ينبغي لأحد أن يبدي اعتراضه في أي أمر صغر أم كبر ...


إن العلم والإيمان لا يمكن قياسهما بالميزان. وبالتالي فكيف لي أن أقول مثلا أن علي المفسر أن يكون عالما أو مؤمنا بدرجة معينة أو ما إلى ذلك إن كنا نحن الناس لا نستطيع قياس ذلك؟ فهل ندخل في صدور الناس لنحكم؟


ثم لنفترض أن لي علما وشهادات في التخصصات المطلوبة، فكيف يعرف ما في نفسي أو دوافعي؟ هل سيأخذ بكلامي لأنني طابقت "ضوابط التفسير" من دون العلم بدوافعي؟



يتبع ....




مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: هل شك سيدنا إبراهيم بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى؟
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصص القرآن سيدنا إبراهيم و النمرود أ محمد احمد منبر الحوارات الثقافية العامة 2 05-14-2015 07:38 PM
إحياء النحو - إبراهيم مصطفى د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-28-2014 10:08 PM
كتاب التذكرة بأحوال الموتي وأمور الآخرة للقرطبي - تحقيق : الصَّادق بن محمد بن إبراهيم د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-26-2014 11:41 PM
الدنيا والآخرة.....أقوال سيدنا الامام علي رضي الله عنه وأرضاه مازن الفيصل منبر الحوارات الثقافية العامة 6 11-27-2013 12:04 AM
أحسن الله عزاءكم في وفاة مشرفة منابر جيداء عبد الرحمن رحمها الله تعالى عبدالسلام حمزة المقهى 31 10-01-2011 12:47 AM

الساعة الآن 11:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.