قديم 02-03-2012, 02:09 PM
المشاركة 231
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مناشده
كما تلاحظون المعلومات عن افضل الروائين العرب شحيحة واحيانا شحيحة جدا...

إذا وحتى نتمكن من التوصل الى نتائج احصائية وتحليلة لا يكون هامش الخطأ مرتفع فيها

اناشد المهتمين من كل من يمر من هنا ومن تتوفر لديه او له اي معلومة فيما يتعلق بطفولة الروائين موضوع هذه الدراسة ان لا يبخل علينا بها.

وشكرا لكم على تعاونكم سلفا،،،،

قديم 02-04-2012, 10:51 PM
المشاركة 232
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
31 - نجران تحت الصفر يحيي يخلف فلسطين

نجران تحت الصفر njran tht alsfrنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةتأليف: يحيى يخلف تاريخ النشر: 01/01/2005 سعر السوق: 4.00$ الناشر: دار الآداب سعرنا: 4$ النوع: ورقي غلاف عادي، حجم: 19×13، عدد الصفحات: 127 صفحة الطبعة: 5 مجلدات: 1 اللغة: عربي


نبذة النيل والفرات:
توقف الرجال في حقول القصب عن العمل، وحلف أحدهم أنه شاهد (أبو شنان) بالبنتلون والقميص في سيارة الروفر وبجانبه حرمه رأسها مكشوف... صار يعمل مع بو طالب، مثله مثل العسعس... وأكثر... أزاحت الغطاء عن رأسها، وحلت جدائلها، ونشرت شعرها المطرز بالشيب وبدأت تنوح، سمية ستميت نفسها، وإن حزنها هذه الليلة صعب وأصعب من أي وقت مضى... نواحها يذيب الحجر... سمية الحنونة تبكي فتنفطر القلوب".
أبو شنان وسمية وعبد المعطي واليامي ونجران تحت الصفر بشخصياتها هذه تجسد رمزاً لمدينة نجران اسم ورمز تنسحب عليه اسم مدائن أخرى وهي واقع أليم ترزح تحت ويلاته كل المدن، وطن، أرض وخيانة، وأبو شنان الذي كان الأخ الروحي لياميّ الشهيد تحت سيوف الأمير لأنه وعى ذلّ العبودية فطالب وناضل من أجل الحرية، أبو شنان يخون العهد ليصبح عالة على حارة العبيد، وجرحاً لا تندمل آثاره في روح أمه سمية التي كان الياميّ ابنها الروحي بمبادئه وتطلعاته.
ترصد ريشة يحيى يخلف ذاك الواقع من خلال مشاهد هي للعين لوحات وهي للرواية سطور، ببراعة يلتقطها يحيى، يسردها في سجل يعي واقع نجران العالم بكل أبعاده، وبكل تطلعاته نحو الحرية والخلاص من خلال تضحيات...

==


كتبها ظبية خميس ، في 15 أكتوبر 2008 الساعة: 08:45 ص

بقلم : ظبية خميس

(7)

الرواية في الأدب العربي غالباً ما تعني مجموعة أحداث مركبة ، مطولة تعتمد على السرد وعلى قيم مكررة لا يفاجأ بها القارئ العربي ، وشخصيات كثيرة يزج بها بمناسبة ومن غير مناسبة حسب رواج نوع الشخصيات.

ولادة تحت الصفر
” نجران تحت الصفر ” * تخرج من المخطط الهندسي المعتاد ، حيث يقوم الكاتب يحيى يخلف بتقديم ما يشبه الوثيقة التاريخية ، الأنثروبولوجية ، السياسية. فهي تاريخية من منطلق التوقيت السياسي والبيئي ، وهي أنثروبولوجية لأن الكاتب إخترق المكان إلى الشخصية ودخل في خفايا الدائرة الحضارية الصغيرة في مكان الرواية وأناسها. والرواية سياسية لأنها تنطلق من محور سياسي وتملأ أجواءها رائحة التسيس الإستغلالي والإنتهازي في المنطقة.

والرواية تأتي من واقع عايشه الكاتب الفلسطيني يحيى يخلف ، في منطقة نجران. إنه تاريخ شخصي لعيون راقبت مجرى الأمور وتحولاتها في المنطقة. حارة العبيد في نجران : الجهل ، الفقر ، العبودية ، والهروب من دائرة الاحتضار. التحدي ، السقوط ، المهانة ، المؤامرات .
القصة تدور في حارة العبيد حيث يمتزج الرق ، والبؤس ، والحاجة ، وحيث يكثر “المطوعون ” ، أعضاء جمعية الأمر بالمعروف ، ...وعدد من المناضلين السابقين المختبئين خلف زجاجة الكولونيا أو كأس الشاي. وهناك الذباب ، وأكوام القاذورات ، والوجوه التي يسكنها الجوع وتطاردها الحاجة. والحارة في عين الكاتب ليست بعيدة جداً في أجوائها وبؤسها عن مخيمات اللاجئين ، يشبهها بمخيم اليرموك ويرى أجواء المطاردة فيها مثيلة لما يحدث للفلسطينيين ، أو غيرهم من أصحاب القضايا في العالم العربي.
والكاتب يسرد القصة وهو يخاطب الشخصيات. إنه يبدو وكأنه صوتها الآخر الذي يصرخ فيها ينبئها عما تصنع. إنه ذلك الضمير الواقف الذي يخرج من الأفراد لكي يحتل القصة بأكملها ويسرد عليها مأساتها وأوبئتها ويشاطرها أحزانها. في جمل مقتضبة وغنية تجيء إلينا الرواية ، التي تنتهي بجزء وثائقي عن المؤلف وشخصيته ، وتوضيح يجعل القارئ متأكداً من أنه لم يقرأ رواية خيالية ، بل وثائق وتاريخاً وحقائق. يدرك القارئ من طبيعة الرواية أنها كذلك من السطر الأول : أقبل المطوعون ، وطلبة المعهد الديني وأعضاء جمعية الأمر بالمعروف ، والخويان ، وباعة المقلقل ، وسيارات الونيت ، وعدد من مرتزقة “بوطالب” وواحد من الزيود. أقبل الغامري شيخ مشايخ التجار ، وسمية عبدة السديري سابقاً وبائعة الفجل حالياً.

سراديب الألم
ورائحة القصة فيه عفونة الألم والظلم ، هي تبدأ بمقتل ” اليامي “. التهمة سياسية ، القتل بقطع الرأس في مكان عام. كبير ” المطاوعة ” رجل عجوز فقد القدرة الجنسية وأصابته العنة، زوجته شابة صغيرة وجميلة ، حالها مثل حال النساء الأخريات ، يقوم زوجها بعملية ختان واستئصال لعضوها الجنسي لأنه لا يستطيع إشباعها. ثم أن المرأة ترجم في مكان عام بتهمة ممارسة الجنس مع رجل قادر ، أو بمعنى آخر الرجم بجريمة الزنى.
أبو سنان مناضل قديم ، يقضي وقته في ملاحقة شراب عطر الكولونيا ، يشربه ليفقد وعيه، يفقد وعيه ليهرب من واقعه. وهو رجل تقاذفه السجن حتى إرتوى ، وأصبح شخصية مهزوزة تدور عليها العناكب. ويصبح لعبة في يد “المستر” مقابل حاجة الخمر ، وحاجة الجنس. إبن أمينة رجل جائع ، يلاحق فضلات المدينة ، تلاحقه الصفرة والشحوب وصرخات زوجته. يطارد اللقمة لا يجدها ، يلح عليه الجوع فيهجم على قطعة لحم نيئة في محل جزارة ، ويأكلها. إبن أمينة يسكن السجن ، ويجد أطفال الحارة ذراعه المقطوعة ملقاة مع كومة الفضلات و”الزبالة”. قطع اليد التي تجوع حدث لا يذكر.

.. وينكسر الجسد
سمية هي الطيبة ، وهي الحب. إنها تفرح وتبكي ، العاطفة الخرساء المقطوعة اللسان. ” سمية كانت صبية ، ومليحة ، ووسيمة ، لم يكن في شفتيها غلظة ، ولم يكن في وجهها وشم. يقولون أنها أحبت شاباًَ كان ينطح الصخر برأسه فيكسره ، كان أبوه عبداً من عبيد السديري ، كان حبهما قوياً ، وكان حكاية جميلة من حكايا حارة العبيد ، ولكنه كان حباً قصيراً ودامياً. فذات يوم وقع إختيار السديري على الشاب القوي ليقدمه هدية لأمير نجد ، وجاء أحد العطارين من جيزان. وأمام جميع الناس في حارة العبيد تم خصي الشاب القوي الذي كان ينطح الصخر ، وبعد أن نام أسبوعاً في الفراش لتشفى جراحه ، أرسل إلى نجد لينضم إلى قافلة الخصيان .

رأفت بائع الفلافل ، يسجن مع الفئران. أرسل برقية إلى جده يطلب فيها إرسال الفلافل إليه. أخطأ البريد وكتب القنابل ، فيسجن رأفت من أجل خطأ مطبعي. وعذب لأن المستر والأمير كلاهما يخاف من القنابل والأخطاء المطبعية.
ورغم البؤس تخرج الرواية من الظلمة ، من القبو ، إلى الشمس ، الفيضان ، ويخرج فيها أبو شنان وإبن أمينة ورأفت من القبضة إلى صحبة النهار الوضاح ، والدم المنتظر “بشعان”. رجل الجبهة الذي ما زال يزاول الثورة، وما زال يبحث عن النقابة ، يدور في حارة أبناء السبيل وينظم صفوف العمال.

المدرس يصبح تلميذاً .. ويكتب
الرواية كتبها فلسطيني ، استطاع أن يخرج من إقليمية جلده وقضيته ، إلى إقليم آخر في العالم العربي. إقليم لا زال الكثيرون من الكتاب العرب لا يعرفون عنه شيئاً ولا يقيمون مأساته وقضيته ، ويكتفون بالقطف من ثمرات البترول ، يكتفون بوصم شعوب المنطقة بالتخمة والترف. الرواية طرقت أبواب البيوت ، استمعت إلى تمثيلية ” أم حديجان ” مع العجائز ، وأغاني أبو بكر سالم ، وأغاني محمد عبده ” لا تناظرني بعين ” ، كما شهدت لعبة الطرنيب و ” الورق “.
يحيي يخلف عاش في نجران ، درس أطفالها وحكى مع عجائزها وشيوخها. يقول عن نجران ما سجلته الذاكرة : ” هنا عالم خرافي لا يمت إلى جدة وعماراتها العالية وسياراتها. هنا عالم ينتمي إلى القرون الوسطى. التجار والسماسرة وقوات الإمام المرتزقة ، والمطاوعة والغلمان والنساء المضطهدات وحارة العبيد “.
في الساحة الواسعة التي تتحول إلى سوق مرة في الأسبوع ، يجري إعدام المحكومين ، وجلد الذين يشربون الكحول ، ورجم النساء الزانيات. وعلى إمتداد شارع الزيود تزدهر تجارة الأسلحة ، المسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية ، والمعارك اليومية لا تتوقف بين قوات الإمام والقوات الجمهورية.
والمرتزقة يمشون وسط الشوارع بالسراويل القصيرة وسيارات الجيب. وسكان حارة العبيد لا يجدون الرغيف ، وتكسد بضائعهم المكومة من الفجل والقصب وبعض البقول البرية. والعسس (المخابرات) يأخذون الناس بالشبهة ، والرعب الخفي يملأ فجوات الأبواب وشقوق النوافذ “.
كل هذه الأجواء لا تحدث صدفة ، وليست إلا ذلك الكابوس الذي يراه الإنسان العربي تحت كل حجر يحمل بصمته في هذا الزمن الرديء.

لندن – مجلة أوراق – العدد السادسديسمبر 1983
(*) ” نجران تحت الصفر ” : يحيى يخلف ، بيروت : دار الآداب – الطبعة الثالثة – آذار – مارس 1980.

قديم 02-04-2012, 11:08 PM
المشاركة 233
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نجران تحت الصفر - يحيى يخلف - منشورات دار الآداب - 1980م

شِخصيات (نجران تحت الصفر) تجسد رمزاً لمدينة نجران اسم ورمز تنسحب عليه اسم مدائن أخرى وهي واقع أليم ترزح تحت ويلاته كل المدن، وطن، أرض وخيانة.
شخصية أبو شنان الذي كان الأخ الروحي لياميّ الشهيد تحت سيوف الأمير لأنه وعى ذلّ العبودية فطالب وناضل من أجل الحرية، أبو شنان يخون العهد ليصبح عالة على حارة العبيد، وجرحاً لا تندمل آثاره في روح أمه سمية التي كان الياميّ ابنها الروحي بمبادئه وتطلعاته.

ترصد ريشة الكاتب يحيى يخلف ذاك الواقع من خلال مشاهد هي للعين لوحات وهي للرواية سطور، ببراعة يلتقطها يحيى، يسردها في سجل يعي واقع نجران العالم بكل أبعاده، وبكل تطلعاته نحو الحرية والخلاص من خلال تضحيات...

إنها الرواية التي تألق فيها الكاتب والمناضل الفلسطيني يحيى يخلف أيما تألق، ولذلك تلقفت أفئدة القراء العرب (نجران تحت الصفر)، ولذلك ترجمت إلى الروسية والإنكليزية، وتترجم إلى الألمانية، وتمضي قدماً نحو مصاف الأدب العالمي الرفيع.

قديم 02-05-2012, 02:39 PM
المشاركة 234
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يحيى يخلف
قاص وراوئي
ولد في سمخ من أعمال طبريا عام 1944. وقد رحل عنها والأهل عام 1948.. درس الثانويةثم التحق بجامعة بيروت العربية وحصل على الإجازة في الآداب عام 1969.. عمل فترة فيالتعليم.. ثم عمل في مراكز مختلفة في مجال الثقافة مع الثورة الفلسطينية وكانأميناً عاماً لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين لمدة في المنفى، كما شغل منصبمدير دائرة الإعلام والثقافة في م. ت. ف. ترجمت أعماله إلى عدة لغات.
* منأعماله: «المهرة» قصص/­ بغداد 1973, «نجران تحت الصفر» رواية/­ بيروت 1976, «نورماورجل الثلج» قصص/ بيروت 1978, «ساق القصب» قصص للأطفال/­ بيروت 1981, «تفاحالمجانين» رواية/­ بيروت 1981, «نشيد الحياة» رواية/­ بيروت 1985, «بحيرة وراءالريح» رواية 1988, «تلك المرأة الوردة» قصة/­ القدس 1990, «تلك الليلة الطويلة» راوية 1993, «نهر يستحم في البحيرة» رواية 1996..
* «خاص». عنه في: 1/517 -­ 2/1225 -­ 6/497.

==
الأديب يحيى يخلف

· الأديب يحيى يخلف
الصنف:
موسوعة الأعلام
المؤلف:
أ. عثمان محمد عثمان
تناولت في هذا البحث سيرة حياة كاتب وروائي كبير، بزغ نجمه في سماء الأدب العربي في القرن العشرين. واستطاع بما فطر عليه من مواهب وما مر به من أحداث وتجارب أن يخلد اسمه في سجل العربية الخالد.
وما زال نهر عطاء يحيى يخلف متدفقا حتى كتابة هذه السطور، يغذي به قضية شعبه الأساسية التي لم يبخل عليها يوما بما يملك.
وقد اعتمدت في بحثي هذا على كثير من المعلومات القيمة التي زودني بها الكاتب يوم التقيته بمقر المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم في مدينة رام الله.
قمت بتقسيم هذا البحث إلى ثلاثة فصول:
الأول: تحدث فيه عن سيرة هذا الأديب منذ أن أبصر النور لأول مرة في قرية "سمخ" بالقرب من بحيرة طبرية سنة 1944 وحتى كتابة هذا البحث.
الثاني: عرضت فيه لأهم الأفكار والسمات الأساسية التي تميزت بها كتاباته.
الثالث: خصصته لعرض أهم أعماله الأدبية، وقمت بتقسيمها إلى:
عن دائرة المعارف الفلسطينية

==
قضية فلسطين والأدب يحيى يخلف نموذجاً


عن دار الأسوار في عكا صدرت مؤخراً دراسة الناقد المصري "حسين عيد" المعنونة: "قضية فلسطين والادب، يحيى يخلف نموذجاً"، يستعرض عيد عبر عدة فصول اعمال الكاتب يخلف في مراحله المختلفة والتي تشمل القصة القصيرة والرواية، متدرجاً من بداياته في مجموعته القصصية "المهرة"، وصولاً الى كتابه "يوميات الاجتياح والصمود".
تنقسم الدراسة الى اربعة ابواب حملت العناوين: البدايات، انتفاضة روائية، الغوص الى الجذور وسيرة ذاتية لوطن.
نختار من مقدمة الناقد:
"... يتمتع يحيى يخلف بمذاق متفرد في القصة والرواية الفلسطينية الحديثة، وهو يستمد فرادته من ارتباطه بالارض الفلسطينية، بناسها وتراثها، وكل ما ينبض بين جوانحها من عناصر الحياة وهو في كل ذلك يحفر عميقاً ويحكي ببساطة آسرة".



=
'جنة ونار' ليحيى يخلف: رواية المسافر والرحلة والبيت ... د. احمد رفيق عوض

يواصل الروائي يحيى يخلف سرد حكايته التي نذر نفسه لها، ووقف ابداعه عليها، ففي روايته الجديدة 'جنة ونار' التي تصدر عن 'دار الشروق' في القاهرة، يذهب الروائي بعيداً في الحفر في اركيولوجيا أرضه وشعبه، ولكن هذه المرة، من خلال نسق حسيّ بالغ التعقيد والشفافية والجمال، فمن خلال لغة هادئة ومتمكنة، تُحكى على مهل واقتدار، يجدل الروائي ضفيرة الحكاية ثم ينثرها على كامل الوطن.


الحكاية الطولية او الخيطية ان شئت تستأنف ما انقطع منذ 'بحيرة وراء الريح' التي تصنع الحكاية الكلية التي تلخص وتقطر العذاب والألم والأمل وحب الحياة وابتكارها. ابطال يحيى يخلف يكونون عادة في اقصى حالات القدرة على الحياة والتكيف مع شروطها، ويكونون عادة في اقصى حالات الشفافية والاحساس بالجمال، ويكونون عادة قادرين على الخيار الصحيح والصائب، وكأني بالروائي يستعين على ذلك بقدرة التشبث بالفكرة البسيطة أن الامل، تلك القوة الغامضة والمحيرة، هي التي تبقي شعلة الحياة متقدة، الحياة مقدسة، هكذا يقول الروائي يحيى يخلف، الحياة تستحق، والفلسطيني بالذات هو من يعرف ذلك ويمارسه ويقدره ويحياه ممارسة لا شعاراً.
في الرواية الجديدة 'جنة ونار' يؤصل الروائي يخلف للمكان، من خلال قصة مدهشة، لفتاة لاجئة في احد مخيمات لبنان، تعرف بالصدفة انها متبناة لإحدى الاسر الفلسطينية، وان لا شيء يشير الى اسرتها الحقيقية سوى مزق من ثوب قديم مطرز، ومن خلال هذه القطعة البالية من ذلك الثوب، تبدأ الفتاة بحثها عن اسرتها التي اضاعتها في عام النكبة، هذه العقدة القصصية تتحول على يدي الروائي المحنك والمجرب الى حكاية معرفية وجمالية وفنية، حيث ينطبق الثوب على فلسطين، وحيث تصبح هوية المكان كله تجربة روحية وفكرية وتاريخية، وحيث ان الفلسطيني لم يغادر بلده أبداً، وان مكانه يشبهه كما أنه يشبه مكانه، ومكان الفلسطيني مكان قلق وتوتر وفي أقصى حالات اليقظة، مكان مفتوح لكل التجارب والاجتهادات، مكان لمعرفة الله واجتراح التاريخ. واعتقد هنا أن 'جنة ونار' حاولت ان تقترب من هذا المبنى كثيراً، تماماً كما ان تطريز جنة ونار الكنعاني القديم كان منشغلاً بهذه الفكرة. بلادنا جنة ونار أيضا. مكاننا ليس متاحاً للامتلاك او الاختطاف. وبهذا المعنى، فإن للنكبة والطرد والتهجير معنى يكاد يتحول الى احد معاني القداسة، سلباً او إيجاباً.
ان بحث الفتاة المضني عن اسرتها الحقيقية، وبالتالي عن بلدها الاصلي، هو بحث عن المعنى الكامن وراء كل شيء، واذا كان الروائي يخلف يجعل من روايته اجابة جزئية عن البحث عن الهوية ومحاولة تأطيرها تاريخياً وحضارياً ونضالياً، فإنها أيضاً جزء من اجابة كلية عن معنى هذا المكان المقدس والمعقد والباهظ والثقيل. وبهذا المعنى ايضاً فراوية 'جنة ونار' هي رواية الرحلة الطويلة المضنية والشاقة التي يقطعها الانسان باتجاه مكانه واسمه وهويته ومصادره الاصلية.
والحكايات الكبرى هي حكايات الرحلات والاسفار، على المستوى الظاهري والباطني ايضا، من هنا، تأخذ رواية 'جنة ونار' اهميتها ومتعتها الفنية والفكرية. فالانسان في هذه الرواية - على اختلاف الاسماء والمواقع - يحاول كل من زاويته تلمس مكانه ومكانته، وواقعه وموقعه، وقد التقط الكاتب بحرفية عالية شخصياته بحيث يقومون بالدور المناط بهم، فالفلسطيني المغترب الذي اطلق عليه الثوار اسم 'الانكليزي' يحاول ان يكتشف روعة تراثه من خلال اداة ونهج غربي، والثائر القديم الذي رفض ان يتنازل عن الثورة - لانه لا يعتبر نفسه موظفاً - يعود ليجد انه مهم وانه يستطيع ان يقدم، والمرأة العجوز تكتشف ان حبها العارم يجعلها تواصل طريقها في لملمة اجزاء هويتها من خلال كم هائل من الروائح والرسوم والطعوم والاشكال والازهار والرياح، وهنا بالذات، تتحول الرواية كلها الى قصيدة مغناة، والى نثر فاتن وبليغ، حيث تتبدى الهوية الفلسطينية ابداعاً وانتاجاً واشتغالاً واشتباكاً بين المكان وشاغله. ماء السماء -وهي الشخصية المركزية في الرواية - ، وليس من الصدفة ان تكون الشخصية المركزية امرأة، فالمرأة دائماً كانت مكاناً. الامكنة نساء، والنساء امكنة، هذه المرأة - المكان لم يكن غريباً عليها او منها ان تلملم شظايا اسمها وبلدها وأسرتها، وكانت الرواية بهذا تؤصل للمسافر وللرحلة والبيت في آن معاً.
وفي جديده الروائي، فإن 'جنة ونار' تثبت وبجدارة ان السرد الفلسطيني بخير، وانه معافى، من حيث المضمون والجوهر، وان المثقف الفلسطيني لم يتأثر بما يمس مرجعياته الاخيرة ومنطلقاته الثابتة، فالوطن جغرافيا اولاً وثقافة ثانياً، واختياره ليس انحيازاً لقطعة من الارض بقدر انحيازه للانسان ايضاً. 'جنة ونار' ترسم جغرافيا معينة لأنا لآخرين ارادوها غصباً واعتداءً، وصنعوا حولها اوهاماً، وحاولوا تقديمها بطريقة شاهد، ولهذا، فإن الرواية تقول ما تقوله التلال والجبال والازهار وانواع الرسوم والتطريز، ولكنها ومن ناحية اخرى، جعلت من هذا الاختيار والخيار رؤية متكاملة للمنطقة بأكملها، وهي منطقة متعددة ومتسامحة دائماً وأبداً. ففي هذه البلاد عرف الله اولاً، ولا يمكن لهذه المعرفة الا ان تكون متسامحة.
'جنة ونار' تثبت ايضاً ان المثقف نقدي اصلاً، يسأل ويحفر ويواجه ويشتبك ولا يركن الى واقع آملاً بواقع اكثر املاً واتساعاً، ولهذا، فهذه رواية الاديب والمثقف والمبدع الذي لا يتوقف عند المحطات المربكة او المرتبكة او المضطربة.
يحيى يخلف في هذه الرواية يذهب بعيداً في سرد حكايته التي بدأها في 'بحيرة وراء الريح'، فبعد الانكسار والطرد والتهجير والنفي والعذاب، يبدأ في 'جنة ونار' حكاية العودة والاكتشاف، حكاية الرحلة والبيت، حكاية الابطال الذين لا يملكون من دنياهم سوى قلوبهم المحبة والطافحة بالوجدان. ومن عجب ان تتميز شخصيات هذه الرواية - كما في كل روايات يحيى يخلف - بانها ليست شخصيات صغيرة، اي تغرق في احقاد او تهوم في توجعات وتفجعات ذاتية او تتورط في قصص تافهة من الكراهية والحقد، بل هي شخصيات عامة، تتواصل مع واقعها المرير بطريقة ترفعها من مجرد شخصيات عادية الى شخصيات غاية في الشفافية والرقة من جهة وغاية في الصلابة والخيار من جهة أخرى.
اخيراً، رواية 'جنة ونار' رواية الهوية المستعادة، رواية الاصول المكتشفة، رواية القيم الأخيرة، رواية الوطن المكتمل، ورواية تعاند الواقع ولا تراه، ولهذا، فهي رواية فيها ذلك البعد الذي نأمله دائماً.. او نتوقعه حتى ولو لم تكن حسابات الحقل تنطبق على حسابات البيدر
==

قديم 02-05-2012, 03:33 PM
المشاركة 235
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يحيى يخلف = ماء السماء

ابراهيم جوهر
الحوار المتمدن العدد 2370 تاريخ 11/8/2008
يقدم الاديب يحيى يخلف لوحة روائية عامرة بالحركة والحياة والناس، تتناول مرحلة الضياع " ضياع الوطن بما يعنيه من هموم وشقاء ولجوء ، وضياع الكرامة اذ لا كرامة خارج الوطن ، وصولا الى بدء الثورة .
لقد اختار الروائي يحيى يخلف اسما ذا دلالة لعمله الروائي هذا " ماء السماء " الذي ليس هو المطر ، بل الغيث النازل من السماوات العلى . كما اطلق على الطفلة الصغيرة مجهولة النسب اسم ماء السماء في رمز بيّن للنكبة التي لا أب لها ولا أمّ . وحين يعود اللاجئ الى سلاحه ،وحين تتوحد الجهود يكون ماء السماء دلالة رضى وتوفيق من الله تعالى للمساعي السائرة للتحرير ..... هكذا تنتهي رسالة الرواية .
استخدم يخلف في سبيل الوصول الى هذه النهاية مجموعة من الشخصيات والاحداث وتعمق في نفسياتها وطموحاتها ، كما نقل بؤس المخيم في توصيف فني مرير ، وفي اشارات رمزية سيجد الدارسون فيها ما يغني الرواية والتاريخ الفني . فالكلب الابيض المدلل اصبح مسعورا ومهملا في المخيم، لان الحياة في الوطن فقط تعني الحياة كما يجب ان تكون .
والفرس الأصيلة لم تعد تجد متعتها ودلالها في المخيم ، ما أقسى لجوء الحيوان ! وما أشد حزنه في اوقع المخيم !.
جاءت لغة الكاتب واقعية سردية بسيطة قريبة ، وقد لجأ الى اللغة المكثفة احيانا ، واحيانا اخرى استخدم لغة الشعر الفرحة ذات الدلالات – كما يتضح في الفصول الثلاثة الاخيرة .
قدم الاديب يحيى يخلف للقارئ صفحة من حياة الناس البسطاء صانعي التغيير ، فجاءت رواية " ماء السماء " واقعية في شخصياتها واحداثها ولغتها . وقد لخص الكاتب الوطن بأكمله في قرية سمخ - مسقط رأسه - التي وصف الحياة بعيدا عنها بالموحشة وبالخوف والانتظار في الصفحة الاولى من الرواية " صفحة 7 من الرواية " ، لتتحول في النهاية الى فرح وامال بعد انسجام وتناغم مع الطبيعة . لقد برعمت الدالية يا ابن العم – هكذا انهى غسان كنفاني رواية " أم سعد " في دلالة على نمو الثورة وتعاظمها ، أمّا عند يحيى يخلف فقد هطل ماء السماء بفعل الجهود والاصرار ، وبفعل واقع البؤس الذي ادى الى زيادة الوعي والتشخيص والاهتمام .
لقد ابدلت مجلة الموضة " اليوردا " بمجلة الثورة " فلسطيننا " ، وكأني بالكاتب وقد اقام روائية – وهو كذلك – على هذه الثنائية الضدية التي تميز الاشياء عادة ، اذ بضدها تتميز الاشياء – فهو يقارن بين سمخ الوطن والمخيم ، والحياة هناك في الوطن والحياة هنا في المخيم، وماء السماء الطفلة الضائعة هناك والطفلة السائرة في طريق العودة والثورة هنا . يقول في الصفحة 46 مؤكدا هذا التوجه : " كان ذلك في زمن البلاد ، الزمن الجميل . ولّى ذلك الزمن وصار الذيب أبو فروة لاجئا مع اللاجئين "
لقد احسن الكاتب صنعا وادبا وتاريخا وانصافا لفئة المقهورين المغيبين دائما ، وروايته هذه تضاف بتميز وحق الى ادب الثورة الفلسطينية المعاصرة .

قديم 02-05-2012, 10:57 PM
المشاركة 236
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يحيى يخلف
مجلة نزوى

ولد يحيى يخلف في بلدة سمخ على الشاطئ الغربي لبحيرة طبريا عام 1944، وهاجر مع أسرته في نيسان من عام 1948، مدينة إربد بشمال الأردن، حيث درس المراحل المدرسية، ثم درس في رام الله، وحصل على دبلوم المعلمين، وانضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية بعد 1967، وكان له دور بارز في أجهزة منظمة التحرير الثقافية، كالأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ونائباً للأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، ومدير عام دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم، وشغل منصب وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية من 2003 إلى 2006. أمضى ما بين عامي 1971 و 1982 مابين دمشق وبيروت، إلى أن تم ترحيل منظمة التحرير الفلسطينية، فكان من المرحلين إلى بلدان شمال إفريقيا، وعاد إلى أراضي السلطة الفلسطينية بعد تأسيس السلطة عام 1994.
بدأ يحيى يخلف إنتاجه الإبداعي في ستينيات القرن الماضي بكتابة القصة القصيرة، ثم بدأ كتابة الرواية، ولفتت روايته الأولى نجران تحت الصفر (1975) الأنظار إلى إمكانيات كاتب روائي مبدع يصرخ محتجاً في وجه الظلم والقهر والتخلف بلغة متفجرة، ناقلاً همه الفلسطيني إلى حيث الظلم والاستعباد والقمع في الجزيرة العربية، عند محاولة اليمن الخروج إلى أفق جديد في الستينات. ثم أصدر رواياته التي تحمل الهم الفلسطيني فأصدر رواية تفاح المجانين (1982) التي سجل فيها بؤس حياة اللاجئين في مخيمات الشتات، وترصد محاولاتهم امتلاك عناصر القوة ورفض الظلم، بطريقة أقرب إلى الأسطورية. ثم أصدر رواية نشيد الحياة (1983) التي حاول فيها أن يستولد الأمل الضائع أو على وشك الضياع بتشتيت المقاومة الفلسطينية في لبنان، إثر اجتياح صيف 1982، ثم جاءت رواية بحيرة وراء الريح (1991) التي يروي من خلالها نكبة 1948 وما واكبها من ارتجالية واضطراب وتمزق في القوى، أدت إلى النكبة، ثم سجل حادثة جزئية في تلك الليلة الطويلة (1992) تتعلق بسقوط طائرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الصحراء الليبية، ثم جاءت رواية نهر يستحم في البحيرة، موضوع هذه الدراسة، وأخيراً أصدر رواية ماء السماء (2008) في عودة لاستكمال بحيرة وراء الريح. هذا بالإضافة إلى مجموعات قصصية أخرى. ويتنوع مستوى هذه الروايات فنياً بين الرمزية في تفاح المجانين، وبين المباشرة والتقريرية في «تلك الليلة الطويلة».

هذه الرواية:
صدرت رواية نهر يستحم في البحيرة عن دار الشروق للنشر والتوزيع عام 1997. ومن الواضح أن يخلف قام بهذه الرحلة في صيف عام 1996، ثم كتب هذه الرواية. والدليل على ذلك أن يخلف ذكر أنه تم انتشال جثة طيار إسرائيلي وقمرة طائرته من قاع بحيرة طبرية ليلة وجود الراوي في سمخ، بعد أن قضى ثمانية وثلاثين عاماً في قاع البحيرة بعد أن سقطت طائرته في معركة جوية مع الطيران السوري عام 1958. (ص 107).

لقد روى يحيى يخلف نفسه أساس فكرة هذه الرواية «وفي أول مرة زرت البلاد كانت بصحبة الصديق محمد علي طه ومعه صديقي جهاد قرشلي وأبو منهل يرحمه الله. زرنا الناصرة، عكا، سمخ، طمرة وكابل .. وكانت رحلة مهمة. بلغنا طبريا وأصر أبو منهل على أن يرى «بيرتا» .. وهي فتاة يهودية كانت تعمل راقصة في ملهى «الليدو» في طبريا قبل النكبة وكان أفندية يافا وخواجات تل أبيب يخطبون ودها ولكن لم يعجبها سوى قدورة القهوجي وهو شاب عربي عمل ميكانيكياً في طبريا .. فأحبته ونمت قصة عشق ملتهب بينهما .. الغريب أن أهالي المدينة عرباً ويهوداً اعترفوا بهذا الحب. في النكبة غادر أهالي طبريا العرب في إبريل 48 للمنافي وغادر قدورة القهوجي وعائلته إلى مخيم اليرموك بجوار دمشق فأصرت بيرتا الحبيبة على مرافقته برحلة اللجوء .. وعاشت معه شهرين حتى اكتشفت المخابرات السورية وجود يهودية في المخيم فاعتقلوها ولم يفرج عنها إلا بعد التثبت من كونها قصة حب لا قضية تجسس فسلموها للصليب الأحمر وعادت بيرتا لطبريا .. ويقال إنهما تراسلا مدة وما لبثت علاقتهما أن انتهت لكن أبو منهل أصر على البحث عنها عقوداً بعد زيارة البلاد عقب أوسلو .. وبعد جهود متكررة نجح بالعثور عليها بمساعدة معارفها في طبريا فدخل على صالون بيتها حتى دخلت عليه سيدة مسنة تلبس نظارة سميكة وفي أذنها جهاز سماعة والتجاعيد تملأ وجهها لا تتكلم، ولا تسمع ولا ترى .. فجاء يبحث عن التعايش والسلام على شخص بيرتا فوجد هذا السلام لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم وهذا الحدث هو الذي وقف خلف كتابتي رواية «نهر يستحم في البحيرة».(1)
لقد أجرى يحيى يخلف تغييرات طفيفة على هذه القصة الأصلية، عندما سردها في روايته وأضاف إليها بعض الأحداث، وذلك على لسان أكرم عابد حين رواها لراوي الرواية؛ فقد غير اسم العاشق من قدورة قهوجي إلى «فارس الفارس ابن طبرية، الرياضي، الملاكم، القبضاي، شميم الهواء، قطاف الورد.» (ص 74). وغير اسم أبو منهل إلى أكرم عابد، وأصبح مكان اللجوء في الرواية هو مخيم عين الحلوة في لبنان، وليس مخيم اليرموك قرب دمشق. وأضاف إليها قصة حشد أكرم عابد لفريق تلفزيوني ليصور اللقاء التصالحي التاريخي بين بيرتا، وليكون شاهداً على عودة التعايش القديم. وليس في مثل هذه التغييرات بأس، فليس من المطلوب أن تكون الرواية سجلاً تاريخياً دقيقاً، بقدر ما هي بناء فني قائم على التخييل، وإن كان حجم ذلك التخييل في هذه الرواية محدوداً.

إخراج الرواية:
أول ما يصادف قارئ الرواية هو غلافها، وقد انقسمت صفحة الغلاف الأول إلى قسمين: النصف الأعلى من الغلاف يحمل في رأسه اسم الكاتب بخط أحمر، يليه عنوان الرواية بلون أسود على امتداد عرض الصفحة ببنط يقترب من الخط الكوفي، وبتشكيل من تشكيلاته. وبعد العنوان وقريباً من أقصى يسار الصفحة جاء ذكر الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه النص وبلون أسود في كلمة واحدة «رواية»، وبحرف أصغر من اسم الكاتب، ومن عنوان الرواية. أما النصف الثاني من الصفحة فقد وردت فيه صورة فوتوغرافية ربما كانت لبحيرة طبرية، تبدو فيها البحيرة مائجة، وعلى ضفافها نبتت الأعشاب والنباتات، وفي الأفق الآخر سلسلة جبلية، ويبدو أن الصورة قد أُخذت في يوم غائم أو ضبابي، وغلب عليها اللون القاتم الأسود والبنفسجي. وفي أسفل الصفحة شريط على عرضها، يأتي في عرض أكثر من سنتيمتر واحد، بنفسجي اللون، وفي نهايته اليسرى اسم دار النشر حيث نشرت الرواية. ولم يتقدم نص الرواية أية عتبات مفتاحية كالإهداء أو المقدمة أو غيرها.
أما الغلاف الأخير فقد حمل كلمة من الناشر حول موضوع الرواية وشخصياتها، ويلي الكلمة في نهاية الصفحة بيانات الناشر والموزع في امتداد للشريط الذي جاء في الغلاف الأول.
جاءت الرواية في 144 صفحة من الحجم المتوسط، وكانت طباعتها بحرف واضح، في حين كانت عناوينها الداخلية بخط أكبر ومركز. أما أقسامها فلم يقسم المؤلف الرواية إلى فصول أو أجزاء أو أقسام كما هو مألوف، وانفتحت بدايتها على مشهد سردي وصفي من نافذة تطل على البحر المتوسط، وبدأت بدون عنوان فرعي. وقد تنوعت عناوين لوحاتها ومشاهدها، فالحديث عن أونودو تم تحت عنوان متكرر هو «مشهد» سواء كان السرد بلسان أونودو، أو بلسان الراوي عنه، أو في حوار بين الراوي وبين أونودو. وقد ضمت الصفحات الثماني والثلاثون الأولى من الرواية ستة مشاهد عن أونودو، في حين جاء المشهد السابع قبيل نهاية الرواية. وجاءت هذه المشاهد الستة الأولى حينما كان الراوي لا يزال يعد العدة للرحلة إلى سمخ، في حين جاء المشهد السابع في نهاية الرواية بعد فشل المهمة في الحصول على جثمان عبد الكريم الحمد، فيصرخ أونودو ويحتج على سجن الراوي له في دفتره، وليتحرر من أسر الراوي لكي يعود «لأراقب الشواطئ بمنظاري، وأن أحرس الفكرة التي نذرت حياتي من أجلها.» (ص141).
أما في بقية الرحلة (الرواية) فقد جاءت العناوين قليلة ومتباعدة بحيث أنها لم تتجاوز أربعة عناوين فيما يزيد عن مائة صفحة من صفحات الرواية. وقد تم الفصل بين مقاطع الرواية ولوحاتها عند تغيير السرد زماناً أو مكاناً أو موضوعاً بوضع أربعة من النجوم (****) لتفصل بين مقطع سردي وآخر، وحين يتنقل السرد أو ينقطع أو يتم القفز في الزمن وعن بعض الأحداث.
حكاية الرواية:
تقوم حكاية الرواية على تجربة ذاتية للراوي، سواء كانت تجربة بالفعل أم باستذكار ما روته له أجيال سابقه. وهي تجربة ممتدة في لقطات سريعة أحياناً من الطفولة في سمخ، إلى المنفى والغربة، ثم تجربته بعد عودته إلى الوطن، مروراً بشبابه ودراسته في رام الله وعلاقته القديمة بمجد، وإن كانت التجربة الحالية (العودة والرحلة) هي الغالبة على أحداث الرواية. وهو يورد بين الحين والآخر مقاطع من هذه الذاكرة الممتدة عبر عقود تصل إلى ما يزيد عن نصف قرن. وبالإضافة إلى ذاكرته وتجربته الذاتية، كما استلهم الروائي من التاريخ العالمي، ومن موروثه القرائي شخصية أونودو، الجندي الياباني الذي رفض الاستسلام، أو الأسر، أو إعادة التأهيل، أو البقاء في دهاليز التاريخ فقط.
عاد الراوي إلى الوطن بعد سبع وعشرين سنة من النفي والتشتت في بقاع مختلفة، عاد إلى الوطن الذي نشأ وتعلم فيه، حيث أمضى مدة من حياته في رام الله طالباً قبل حرب 1967، بعد أن كان قد هُجِّر من قريته سمخ إثر النكبة حين كان طفلاً لم يتجاوز عمره السنوات الأربع. ولكن صورة قريته ما زالت ماثلة في خياله، وهو دائم الحنين إليها، حتى أنه كان يحدث مجد عن ذلك من منفاه، ويبدي رغبة في زيارتها.
يعبر الراوي جسر اللنبي (الملك حسين) على نهر الأردن، ومنذ اللحظة الأولى لوصوله يلاحظ الإهمال الذي أصاب الوطن في ظل الاحتلال، كما يلاحظ أن الجنود الإسرائيليين هم من يديرون الحدود، مما يوحي بعدم استقلال الوطن، «في آخر الجسر كان يقف جندي إسرائيلي. جندي أشقر سمين يحمل بندقية (عوزي) ... يصعد الجنود [إلى الحافة] ليدققوا في الأوراق... مرت السيارة في طريق محاط من الجانبين بأسلاك شائكة، وبحقول ألغام، وتوقفت [السيارة] عند حاجز إسرائيلي يقف على جانبيه جنود بالبنادق والخوذ والستر الواقية من الرصاص. سحنات شرقية ... أشار لنا جندي أسود، لعله من الفلاشا الإثيوبية فعبرنا الحاجز، لنصل على الفور إلى الحاجز الفلسطيني» (ص6-7).
وتستمر الرحلة إلى غزة بدون ذكر لتفاصيلها، ويمضي الراوي وقتاً قصيرا فيها، يلاحظ فيها أن بحر غزة ما زال قائما مكانه، فالوطن لم تأخذه قوات الاحتلال معها، فهو باق مهما تعاقبت عليه الظروف، فالاحتلال زائل والوطن وأهله باقون، في حين أبدى الناس سعادتهم وسرورهم بالعائدين، وانتشرت الأعلام وإعلانات التهاني بالعودة. الحركة في الوطن ككل الأوطان، ولكن وضعه مختلف، ففي شوارع غزة ومرافقها «سيارات سرفيس، شرطة مرور، أعلام ترفرف، شعارات على الجدران، فتح – حماس – النسر الأحمر. أتربة على الأرصفة، أكوام قمامة وأوراق تتطاير في الهواء، ها هو الوطن، لحم ودم. ولكنه مثخن بالجراح ... مرت فوقه الزوابع فدمرت كل شيء ما عدا الناس...» (ص 6).
وفي غزة يتلقى الراوي اتصالاً من مجد، صديقته القديمة، تخبره أنها حصلت على هاتفه من ديوان الرئاسة، وأنها ترغب في زيارته، وقد تم ذلك، ولكن الراوي لا تثيره مجد كثيراً، فقد وجدها قد تغيرت، وكبرت، وذهب بريقها، «هل كنت أرغب في رؤيتها أم أنني أدمنت التعود على غياب الوجوه التي كنت أشتاق ذات يوم لمشاهدتها؟ « (ص13)، «لقد كبرت ورحل بريق خاص في عينيها وبدأت التجاعيد تحبو تحت جفنيها» (ص 16) صورة تعبر عن تغييرات ما كانت تروق للراوي الذي يبدو أنه صبغها بنفسيته المأزومة التشاؤمية، ويعبر لها عما يشغل باله «في البداية انتابتني مشاعر ليس لها مثيل ... إنه وطني .. إنني أعود إلى بقعة ما في وطني ...» ويكمل «ما زلت أحاول الاندماج في النسيج، وما زلت بحاجة للمزيد من الوقت كي يكون لي مناخ وطقس وعلاقات وحياة اجتماعية.» (ص 16). ويشعر بالغربة في شوارع غزة في نزعة تشاؤمية سوداوية، حيث التناقض بين العائد إلى الوطن، وما يجب أن تبعثه تلك العودة فيه من فرح وغبطة، وواقع شعوره بالضياع: «أنا العائد أقف ضائعاً في شارع من شوارع وطني، أشعر بالغربة والوحدة، أشعر بالرغبة في البكاء.» (ص26).
إنه يتوقع ويحاول أن يندمج مع ذلك النسيج ويتكيف معه بمرور الوقت، وأن يقيم نوعاً من التوازن والانسجام مع المحيط الجديد والواقع الجديد، لكن أونودو (رمز رفض الهزيمة والاستسلام) في داخله يظل يذكره بأن الواقع الجديد غير مقبول وغير منطقي، وبخاصة أن الطرف الآخر لم يتخذ من الإجراءات والسياسات ما يخفف من الاحتقان والعداء التاريخي بين الطرفين، ولم يمهد السبيل لقبول فكرة التعايش بل على العكس من ذلك. يقيم الراوي في هذه المدينة (غزة) غريبا على الرغم من حرص من كان حوله على التخفيف عنه، ولكن ما به أعمق من أن يخفف بمثل ذلك، ويظل غير قادر على الاندماج في النسيج الاجتماعي الفلسطيني الجديد. حلم الراوي بالعودة إلى الوطن فإذا به لاجئ في غزة بعد العودة، يصعب عليه التكيف، ويتعسر عليه فهم ما يجري، وكل ما يحيط به يبعث على الاضطراب والارتباك في الرؤية واستطلاع المستقبل، ويلفه حزن عميق وغضب وسخط صامت وآلام، ينبعث بعضها من الماضي ويبعث الحاضر بعضها الآخر.
الحلم في الوصول إلى سمخ يدفع الراوي للتنسيق مع مجد بعد الحصول على تصريح بالزيارة من السلطات الإسرائيلية لزيارة سمخ، بلدته المحتلة منذ 1948 «كنت راغباً في البداية أن أزور سمخ ... كنت أرغب في أن أرى الحلم الذي عاش في سويداء قلبي، كنت أرغب في أن أرى المحطة، سكة الحديد، طيور الحجل، البحيرة، البنط، بيت اللنش، نبات الشومر والمرار والكرسعنة، كنت على استعداد كي أدفع ما تبقى من عمري من أجل رؤية سطح البحيرة الذي يشبه بطن الغزالة ...» (ص19). يسافر إلى القدس ليلتقي بمجد، التي كانت قد رتبت أن يرافقهما أكرم عابد الذي يسعى إلى البحث عن معشوقة عمه فارس الفارس، يريد أن يعيد الذكرى، ويعيد الماضي إلى الحياة، يريد أن يعيد التعايش بين الفلسطيني واليهودي. كما يريد أن يزور مسقط رأسه في طبرية. ويحدد الراوي هدفه وهدف أكرم على لسان أكرم عابد «إذن أنت تنوي الذهاب إلى البحيرة لرؤية قريتك. – وأنا ذاهب أيضاً إلى البحيرة لرؤية طبرية أولاً ... أكملت مجد جملته الأخرى قائلة: -وللبحث عن بيرتا ثانياً...»(ص43).
بدأت رحلة الراوي من غزة إلى القدس بسيارة أجرة، مروراً بالقرى والبلدات الفلسطينية المحتلة منذ 1948، وقد حرص على ذكر أسمائها وملامحها، وما صادفه خلال هذه الرحلة من حواجز التفتيش، والمظاهر التي لا توحي بالسلام «طوال الطريق جنود ببنادق، وأسلاك شائكة، وطائرات مروحية.» (ص34)، مما زاد من إحساسه بأن الوطن ما زال محتلاً، وأن لا سلام حقيقياً يلوح في الأفق لأن الطرف الآخر لم يؤمن بالسلام، فما زال متحفزاً ومستنفراً. وحين وصل القدس وجدها على غير ما ألفها «أفواج السياح، جنود الاحتلال، مستوطنون قذرون، باعة على الرصيف. مسابح وصلبان وأزياء شعبية، صناديق وتحف وحقائب جلدية، باحة الحرم، قبة الصخرة، ركعتان في الأقصى، دمعة حارقة تنبجس من العين. الطيور تحلق فوق الأسوار. ابتسامة ما. الحجارة صامتة والعشب فوقها يقتات من النار الكامنة في قلبها. الصعود في درب الآلام. الرياح لا تجيد القراءة. يا لمرارة التباين، يا لحلاوة الانسجام. البحيرة لا تزال بعيدة. القدس بوابة الروح. أضيع في ازدحام الأزقة، أدق أبواب الغربة» (ص 37-38).
يلتقي الراوي بمجد التي تخبره أن أكرم عابد سوف يرافقهما في رحلتهما، وينتظرانه في مطعم في قبو يبدو قليل الزبائن لأنهما وصلا إليه مبكرين، ويذكره ذلك المطعم بقصة قبو البصل(2)، وينضم إليهما أكرم، حيث يتناولون الغداء، ويبدي أكرم ضيقه بالمظاهر العسكرية «أية حرية في هذا الحصار؟» (46)، ثم تبدأ رحلتهما إلى سمخ. وفي الطريق كانت تنتاب الراوي مشاعر الضيق مما يجدونه من كثرة الحواجز، ومن ذكريات سابقة حول مشاركاته في الأعمال الفدائية (ص46)، وما يصادف من تغيير في البلدات والقرى الفلسطينية التي أجراها الاحتلال محواً لهويتها الفلسطينية وإقامة المستوطنات التي تحمل أسماء عبرية. ويصادفون في طريقهم الإشاعات حول تغيير نهر الأردن لاتجاهه، والفزع الذي يدب في أوساط المجتمع الإسرائيلي من افتعالات تدعيها الحكومة والجيش الإسرائيلي عن وجود تماسيح تدمر وتخرب. ونصائح بالعودة من حيث أتوا، ولكن الراوي يصر على مواصلة الرحلة، ولو وحيداً.
أما مجد فقد أثارت التحذيرات التي تلقوها من الجنود فزعها الفردي، فهي تخاف أن يحدث ما لا تحمد عقباه فتظل والدتها وحيدة (ص51)، وكادت تعود وأكرم لولا إصرار الراوي على الاستمرار في الرحلة (ص56)، وهو الموقف الوحيد الذي يظهر فيه موقف الراوي في دور الفاعل والمقرر.
بعد وصولهم إلى سمخ يبقى الراوي ومجد في سمخ، في حين ينطلق أكرم عابد للبحث عن بيرتا، ويستعيد الراوي ذكريات نقلها عن أجيال سابقة، والحياة التي سبقت النكبة، ويفاجأ الجميع بالزوارق الإسرائيلية تنتشل جثة طيار إسرائيلي من قاع بحيرة طبرية بعد أن مكث في قمرة طائرته مدة ثمانية وثلاثين عاماً، ووجدت جثته سليمة. بل يمكن القول إن إحساساً بالفجيعة والاغتراب قد هجم عليه، فإذ رأى البحيرة حملته ذكرى الطفولة ورائحة البحيرة إلى التساؤل «هل حقاً أنا في سمخ. هل هذا ما كنت أنتظره وما توقعت أن ألقاه؟ لم أكن أشعر بالألفة مع المكان، فقد تغير كل شيء، اقتلعوا البيوت بالجرافات، وبنوا مكانها عمارات لا علاقة لها بنسيج وطقس المكان، حاولت أن أعيد ترتيب الأماكن والأشياء في خيالي، عند هذا الشاطئ كانت تنمو حياة من نوع آخر، فالبحيرة بالنسبة لأهالي بلدنا مثل الشمس أمِّ الحياة» (ص 99). شعور عميق بالانهزام أمام واقع التهويد، وهو ومجد غريبان بين اليهود والبيوت المهودة على شاطئ البحيرة «كنت أشعر أنني أشبه بحاراً غادر سفينته، وألصق وجهه بزجاج النافذة، وأعلن أنه مهزوم..» (ص116).
قضية أكرم أنه جاء باحثاً عن قصة حب وعلاقة غرامية وتعايش وتسامح –كما وصفها- بين عمه فارس الفارس وبيرتا الراقصة اليهودية قبل الهجرة في مرقص الليدو، ثم هاجرا معا إلى لبنان في النكبة إلى أن أعيدت وحدها لإسرائيل حين افتضح أمرهما. وما زال أكرم يحمل خاتما أهدته بيرتا لعمه، «رمز التعايش، وصورة المستقبل الممكن» وأكرم «الفلسطيني اللاجئ، المغترب، يعود إلى وطنه ليبحث عن الأمل والتعايش والمستقبل» ص122 فماذا وجد؟ عجوزاُ لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم وبالكاد تستطيع المشي بوجه متجعد وذاكرة معطوبة جداً. «لقد جاء أكرم يبحث عن التعايش، فوجد صفحته ملأى بالتجاعيد» ص132 . الخاتم (رمز الارتباط والتعايش) أثار في نفس بيرتا الحنين، ولكن التعايش المأمول الذي أعد له أكرم وسائل الإعلام ليجعل منه حدثاً لم يكن قادرا على القيام نتيجة لوضع بيرتا المشلول. يصاب أكرم بخيبة الأمل الأولى ويمتعض مما جرى وفشلت أول محاولاته. ينتقل الثلاثة في طريقهم إلى تل أبيب للحصول على جثة الشهيد خال الراوي. وبين الأمل واليأس وبين الألم والحسرة يظل الراوي مراقباً أكثر منه فاعلاً أو محاورا ذاته أكثر مما يحاور الآخرين. فماذا يصادفون؟ وماذا يرى أكرم القادم من بلاد الأحلام والتوقعات الكبرى؟؟
يبدي أكرم ضيقه بالمظاهر العسكرية ويحتج بسذاجة من لا يعرف أسس التركيبة الإسرائيلية حين يتساءل إلى متى سوف تستمر إسرائيل بهذا الشكل الأمني والتحفز العسكري وهذه الحشود المسلحة؟ وبعد الوصول إلى المستشفى في حافلة فريق تلفزيوني ليغطي الحدث، يفشل أكرم مرة أخرى في الوصول إلى جثمان خال الراوي على الرغم من السماح له وحده بالدخول إلى المستشفى لكونه يحمل الجنسية الأمريكية، يفشل ويعترف أن التعايش غير ممكن، ويطرد الطاقم التلفزيوني الإسرائيلي المصاحب، ويرفض البقاء معه في السيارة نفسها، وتصرخ المرأة من الفريق التلفزيوني «أيها الفلسطينيون لا تفقدوا الأمل» ص138. لا أدري ماذا أراد يحيى إن لم يكن يقصد الإشارة إلى المراوغات الإسرائيلية في الدعوة للاستمرار في حوار الطرشان الذي نشهده منذ البداية؟
ويصر أكرم على العودة من تل أبيب إلى القدس بسيارة مستأجرة بصحبة الراوي ومجد، ويقرر أن أمر التعايش غير ممكن: «لا فائدة ... لا فائدة.» لقد قرر الإقلاع عن فكرته. وفي الحوار الأخير على نقطة التفتيش الإسرائيلية على مشارف القدس، يعبر أكرم عن خيبة أمل حقيقية وعودة إلى أصل الصراع مجيبا عن سؤال الجندي عن السلاح: صرخ السيد أكرم في وجهه قائلا : القنبلة موجودة داخل صدري ... في أعماقي.. حذار من الاقتراب فقد تنفجر بين لحظة وأخرى». (ص 144).
أجواء الرواية:
تطغى على الراوي مسحة حزن كثيفة في معظم أجزاء الرواية، ويظل يعيش في الماضي، أو صامتاً يتأمل ويحاور نفسه، مبتعداً عما يدور حوله، وفي بعض الأحيان يبدو غير مبال بما يجري من حوله، فلم يبق ما يخاف عليه، يأكله شعور بالخيبة والمرارة واليأس والهزيمة والغربة والوحدة وعدم القدرة على التكيف أو استيعاب ما يدور حوله، فيحن إلى المنفى الذي تركه خلفه، حنيناً لا يقل عن حنينه إلى سمخ، بل قد يزيد عنه، وحين يتمشى على شاطئ بحيرة طبرية مع مجد بعد وصولهما إلى سمخ، هاجمته الذكرى، «أما أنا فقد كنت حزيناً، أرتجف من البرد على الرغم من أن الوقت صيف والشمس ساطعة.» (ص116). وشعر بغربة وانهزام حاد، ولم يعوضه دفء مجد عن دفء عائشة، بل أصبح المنفى أكثر دفئاً «المنفى جميل لأن الأحلام جميلة، والوطن صعب لأنه مثخن بالجراح وتتكسر فيه أجنحة الخيال. فلسطين الحلم ليست فلسطين الواقع. للفلسطينيين» (ص117).
يستغرب ويستهجن الراوي ما حل بسمخ من تغيير ملامحها وهويتها: «أهذه سمخ؟ ... صارت مدينة يهودية جديدة فوق ترابها، على أنقاض بيوتها... سمخ، مدينة تم ترويضها وتهويدها.» (ص80). شعور الراوي بالحزن والأسى لا يتوقف فقط عند مشهد سمخ، بل يمتد إلى الوطن له منذ وطئته قدماه، فسمخ وتغيراتها تذكره بحال الوطن كله، بحاله وشعوره وحزنه العام «منذ وطئت قدماي أرض الوطن وأنا أعيش حالة نصفها فرح ونصفها الآخر حزن وقلق.» (ص 86). ويذكرنا هذا المشهد بموقف صابر في رواية خضر محجز، اقتلوني ومالكا، فقد زار قريته، الجية، بعد احتلال 1967، فماذا وجد؟ «ويذهب إلى «الجيّة» ولا يرى فيها إلا الغرباء، وبقايا البئر و»الزاوية الحديدية» و»رمانة سلطان» و»تينة بهية»... ولا شيء غير ذلك: لا موارس(3)، ولا بيارة، ولا حواكير، ولا وادي، ولا بئر، ولا جابية(4)... ولا حتى قبور من ماتوا...»(5)
التهويد والتخريب والتدمير لم يتوقف عند سمخ، بل طال الوطن كله، فالراوي في رحلته من غزة إلى القدس يمر بالبلدات الفلسطينية التي هوِّدت وحملت أسماء عبرية «عسقلان أصبحت أشكلون، والسوافير صارت شابير، ونخلة جولس تقف وحيدة على التلة، وبقايا البيوت التي لم تقتلعها الجرافات ماتت وحيدة منذ زمن فهي تشبه الأضرحة.» (ص 34).
منذ وطئت قدما الراوي شعر بتلك الغربة والوحدة والحزن والخذلان، وكتعبير عن هذه الغربة، جعل نفسه يقيم في بيت ليس له، ثم يقيم في بيت للضيافة، مما زاد من شعوره بالاغتراب الذي عبر عنه في تردده أن يرفع سماعة الهاتف ليرد على مكالمة قادمة في غياب أهل البيت (ص 12)؛ وحين رفع السماعة وجد مجداً على الطرف الآخر، فيحددان موعداً للقاء.
بحر غزة يذكره ببحيرة طبرية وسمخ، سمخ التي احتلت من سنوات، وهي بعيدة عنه، إنها هناك، والبعد هنا ليس بعداً جغرافياً، بل هو المسافة بين الاحتلال والتحرر، حتى أنه لم يعد يميز بين دموعه ورذاذ البحر (ص22).
ويتماهى شعور الراوي في بعض اللحظات مع شماعر أونودو كما تصورها، فأونودو فضل البقاء في الجزيرة حتى بعد أن أُتي بقائده ليعطيه أمراً بوقف النار وانتهاء الحرب «لكن الحزن الذي كابده كان فوق طاقة احتمال البشر، فلقد وجد نفسه فجأة رجلاً بلا قضية ... ما أصعب أن يكتشف المرء أنه لم تعد له جدوى، وأن أيامه لم تعد ذات قيمة، وأن أجمل سنوات العمر ذهبت هباء.» (ص 37).
الحنين إلى الوطن المحرر يجعله يبحث عنه فيما وصل إليه من جزء من الوطن فلا يجده، لا يجد الوطن الذي حلم به، وناضل من أجله، وتحمل عذابات المنافي والشتات، فحين يرى ما آلت إليه الأحوال في بيسان من تغير أدى إلى تهويدها يبحث عن الماضي، يبحث عن عائشة التونسية حيث تلهمه السكينة هارباً من القلق الذي يبعثه الواقع، وفي زحمة المطعم المليء بالزبائن يشعر بوحدة تأخذه إلى الماضي «هنا، على الرغم من الازدحام، أجد نفسي وحيداً لا أملك سوى الماضي. أبحث عن حلم تشبثت به وتمنيت أن أمسك به بيدي لكتيهما ... أبحث في الماضي عن لحظة سكينة، أتذكرك [عائشة] في هذه اللحظة كما تذكرتك ذات يوم عندما كنت أركب الطائرة» (ص67).
لقد شعر الراوي الذي يمثل يحيى يخلف بالانهزام في هذه الرواية على خلاف ما كان يبعثه من تفاؤل في رواياته السابقة(6)، وسبب هذه الخيبة والشعور العميق بالهزيمة لأنه يشعر أن الهزيمة داخلية هذه المرة، وقد انتهت الثورة إلى طرف يعترف بالاحتلال، وكأن ذلك كان اعترافاً بالهزيمة والاستسلام، كما فعل الضابط الياباني «تاينغوشي» الذي جيء به ليطلب من أونودو أن يستسلم ويعترف بالهزيمة ويعود إلى الحياة الطبيعية. ولا يمكن لأحد أن يفرض مشاعره على الفدائي حين يشعر بالانهزام والخيبة، وأن عليه أن يفرح بالعودة إلى الوطن من المنفى، كما أراد منه د. عادل الأسطة(7). إن الأقرب إلى المنطق ما قاله سليم النفار بهذا الخصوص في مقارنته بين الوطن الحلم والوطن الواقع عند أمثال يحيى يخلف «إن جملة من هذه التداعيات لمعنى الوطن قبلاً وبعد، تجعل من الكاتب الراوي، ومعه جيل من المقاتلين، الحالمين لا يقرون بالانزياحات الحادة لذلك المعنى. ورغم حالة المباغتة المربكة، غير المتخيلة، لكن الكاتب وجيله الذي ذكرته آنفاً، لا يزالون على حلمهم الأول. ممسكين بجمرة الماضي/الجميل، وإن احترقت أكفهم وقلوبهم. إنهم (أونودو) الذي لا يقر بالنهايات الخاسرة، فليصنع الساسة ما يشاؤون، فإن أمثال (أونودو) لا يستطيعون تصديق وقائع مغايرة لتلك التي رسموها، من قلقهم وجهدهم.»(8)
الواقع غير منطقي بالنسبة إلى الراوي/الروائي ولا يقبل به، ولا يقبل بوضع إعادة التأهيل التي رأى الراوي أنها ستجري في منطقة السلطة الفلسطينية، ويرفض أونودو في داخل الراوي أن يؤتى به ليحبس بعيداً عن موطنه الأصلي. ولكي يتجاوز المباشرة والشعارية يستدعي الراوي شخصية موازية له، يلتقي معها، ويتماهى بها أحياناً، ويفترق عنها أحياناً أخرى، تلك هي شخصية هيرو أونودو الذي يرفض الاستسلام، ولا يقبل بالهزيمة، ويفضل العيش في جزيرة معزولة مع بندقيته الصدئة، ومنظاره القديم، لكي لا يصبح رجلاً بدون قضية. وفي ذلك يستخدم الروائي تقنيات المسرح والسينما وتقنية القصة ضمن قصة.
وللابتعاد عن الشعارية والصراخ غُيَّبَ «الغضب عن الرواية وتملكها حزن هادئ رزين وخفتت نبرتها فقاربت الهمس الشعري. «»صباح من ندى ومن كلوروفيل ومن تداعيات ومن أضغاث أحلام وفرح ناقص وابتسامة تشبه البكاء». وترافقها هذه النبرة حتى في أشد فصول الرواية تأزما عندما علم الراوي أن جثة خاله لا تزال محفوظة في الثلاجة، لم يستصرخ ضمير العالم ولا أنّب ولا أدان بل قال: يا عبد الكريم الحمد . . كيف تحملت كل هذا الصقيع طوال هذه المدة وكيف قضيت عمرا آخر في الثلاجة. ألم ترتعد فرائضك, ألم يقشعر بدنك وأنت الذي عشت عمرك كله في الأغوار الحارة؟ أنت الذي هرب من البرد والصقيع من اجل نهاية أكثر دفئا... كيف داهمك هذا البرد الذي لا يكف عن التسلل إلى عظامك ليلا نهارا هذا البرد الذي يخز الروح ويحز الوريد والأعصاب؟ (120) وهي عكس «عائد إلى حيفا»، تدين ضمنا ودونما صراخ، الطرف الآخر، فهو الذي أفشل كل مشاريع العودة. لقد اقتحم العائد حصن عدوه ومد له يدا مسالمة ولكنه رفض اليد الممدودة. رفضها عندما رفض تسليم جثة الشهيد الموجودة في البراد منذ أربعين سنة, وعندما رفض صاحب النزل إيواء الفلسطينيين لأنهما من «المناطق «وأخيرا عندما فشلت الهيئة الإذاعية من إقامة برنامجها التوفيقي بعرض قصة الطيار وعبد الكريم.»(9)
ويهتم راوي يحيى يخلف بتفاصيل الرحلة منذ وطئت قدماه الوطن العائد إليه، يهتم بالبشر وسلوكهم ومشاعرهم، ويهتم بتفاصيل المكان في الطريق إلى أريحا وفي غزة، يستحضر الأرض والطبيعة وملامحها، ويصف ما لحق بها من تغييرات على يد المحتل وما بقي من ملامحها، كما يعرض لكثير من المشاهد الغريبة ذات الدلالات كالشائعة التي تقول بأن التماسيح كسرت الأسيجة والحواجز وهربت من حدائق الحيوانات في أنحاء متفرقة من المدن التي يسيطر عليها الإسرائيليون.»(ص66). ثم «اتضح أن الأمر مجرد بلاغ كاذب» (ص72) فما هو إلا تمساح صغير، وقد فسر أكرم قول رجل الأمن بأن «الحيوانات المفترسة تهاجم إسرائيل» (ص 54)، بأنه «يقصد الخلايا السرية المسلحة» (ص54). ثم أورد إشاعة الأحداث الجيولوجية التي غيرت مجرى النهر والتي تعني أن تغييرات جوهرية أخرى ستتبع بسبب هذا، فالمياه ستمسي مالحة وستموت كل الأحياء في النهر. ثم الحواجز والخوذ وحواجز التفتيش المكثفة، ومظاهر السلاح المتعددة. تلك مظاهر جعلت العودة كابوساً بعد أن كانت حلماً، كما أنها ترمز إلى طبيعة الكيان الصهيوني وهشاشته، بحيث تأخذ منه الإشاعة منه كل مأخذ، وتشير في العمق إلى أن مفهوم السلام لم يكن وارداً في السياسة الإسرائيلية، فمثل تلك الإشاعات والممارسات تبقي الأجواء متوترة، والنفوس مشحونة ضد الفلسطينيين الذين رمز إليهم بالتماسيح والزواحف.

قديم 02-05-2012, 10:58 PM
المشاركة 237
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع،،
يحيى يخلف
مجلة نزوى


شخصيات الرواية:
لعل أهم شخصية من شخصيات الرواية هي شخصية الراوي، وقد حدد الروائي سمات هذه الشخصية التي اختفى خلفها، حيث تتطابق حياته مع حياة يحيى يخلف، فهو من سمخ، وولد قبل النكبة بأربعة أعوام، وهاجر مع أسرته طفلاً، ودرس في رام الله؛ حيث ترك شبابه «منذ سبعة وعشرين عاماً، عند تلة الماصيون في رام الله، ولم يرافقني إلى بلاد الغربة» (ص7) وقليلاً ما ضبط «متلبساً بالسرور» (ص 46)، وقد لا يبتسم إلا «رغماً عنه» (ص56) وهو يساهم في الأعمال الفدائية في الأغوار، ولبنان، ويعيش في تونس، ويعود إلى الوطن بعد أوسلو. وهو يعود إلى سمخ بعد ستة وأربعين عاماً من مغادرتها حين كان عمره أربع سنوات، وكذلك كان شأن يخلف عندما غادر وطنه مهجراً، فقد ولد يخلف عام 1944.
لكن الرواية ليست سيرة ذاتية، بل هي سيرة وطن، ومسيرة شعب، ومصير بلاد وقرى ومدن وبشر. لا أعتقد أن الكاتب كان يريد أن يسجل تجربته الذاتية فقط، بل أراد أن يسجل موقفاً يقفه كثير من المثقفين من اتفاقية السلام وما نتج عنها، بل إن بعضهم له موقف من فكرة السلام أصلاً. وفي هذا السياق أذكر ما كتبه غريب عسقلاني عن «الأشهر القمرية» و»عودة منصور اللداوي»، و»دحموس الأغبر»، وما كتبه أحمد رفيق عوض في «مقامات العشاق والتجار»، أو حتى ما كتبته سحر خليفة في بعض المقاطع من رواية «الميراث»، وغير هؤلاء.
وبالإضافة إلى الراوي هناك شخصية مجد، الفتاة المقيمة في القدس، وتربطها علاقة قديمة بالراوي، ولكن تلك العلاقة أصبحت فاترة بعد عودة الراوي إلى الوطن على الرغم من أنه كان يتواصل معها من المنفى، ويعبر له عن حلمه إلى زيارة سمخ. وتبدو مجد ضائعة ومحتارة في تحديد علاقتها بأكرم والراوي، فهي راغبة في تجديد علاقتها بالثائر أو بما بقي منه وبين الارتباط بمستقبل يحلم ببعث تعايش فلسطيني يهودي قديم. تحاول أن تجمع بين نقيضين، وتعمل على استرضاء كل منهما، وتفكر أن الحل مع الطرف الإسرائيلي يمكن أن يتم عبر المنظمات الحقوقية والدولية.
ومجد تقف في منتصف الطريق نحو أمل إحياء علاقة قديمة بالراوي وأمل في بناء علاقة جديدة مع أكرم، وهي تراوح بينهما، فمرة تميل لهذا ومرة تميل لذاك، وتلاطف هذا مرة، وتواسي ذاك مرة أخرى، وتراقص هذا مرة وتدنو من الآخر مرة أخرى. وهي تحاول أن توفق بين وجهتي نظر الراوي وأكرم والتقريب بينهما، غير أن ذلك لم يكن ممكناً، فأطروحات أكرم التعايشية تتناقض جذرياً مع معتقدات الراوي ومنطقه الثوري في الأساس، وإن كان هذا المنطق لا يطفو على سطح النص. وفي النهاية أظهرت ميلاُ واضحاً نحو أكرم وربما كان ذلك بسبب قرار مسبق كان الراوي قد اتخذه، فلا نجد منذ بداية الرواية ميلاً حقيقيا منه نحوها. لقد فقدت مجد الفرصة نهائيا كما فقد الشخصان الآخران الفرصة.
وأكرم عابد فلسطيني مغترب في أمريكا، جمع ثروة في مهجره، ويحاول أن يظهر بسيماء الأرستقراطي، ويمارس الحياة الأمريكية في فلسطين، وهو مغرم بالشرب وملاطفة النساء، يبدي سروراً وبهجة غير عادية متمثلة في قهقهاته اللافتة للانتباه، وغليونه، يحمل فكرة عن إرساء السلام والتعايش عن طريق إحياء قصة حب قديمة بين عمه فارس الفارس وبيرتا، ويتصور أن يستثمر وسائل الإعلام الحديثة في إرساء أسس ذلك السلام، ولكنه يفشل إذ يجد بيرتا لم تعد صالحة للحياة، وأن الإدارة والعسكرية الإسرائيلية غير مستعدة له، فهي ما زالت مدججة بالسلاح وبالفكر العدائي الإقصائي حتى أسنانها، ويعود بالصراع إلى نقطة الصفر في نهاية الرواية.
ثلاثة شخصيات فلسطينية رئيسية من طبقة مثقفة وذات خبرات وتجارب متنوعة، تحاول أن تكون فاعلة في الأحداث على اختلاف في مقدار استعدادها للفعل، ولكنها كلها وجدت نفسها في قوالب مفروضة عليها وإرادتها مقيدة ومشلولة. تتميز شخصيات هذه الرواية بأنها مسطحة غالباً، وهي شخصيات ثابتة في جميع أحداث الرواية، إلا في نهايتها تقريباً، ويحمل كل منهم فكرة مسبقة عن شيء ما، أتى من أجل تحقيقه، أو محاولة البناء عليه.
لكل واحد من الشخوص الثلاثة قضية تكاد تكون في جوهرها قضية واحدة، فكل منهم يبحث عن مفقود. والمفقود متعدد، الوطن ممثلاً في سمخ، والماضي وذكريات الطفولة المرتبط بالأمكنة وتفاصيل البيئة، ويبحث عن خاله الذي تعلق به كثيراً، كما تتعلق به والدته وأخوه، أي والدة الكاتب، وهذا الخال كان قد قتل بعد احتلال فلسطين عام 1948 على ضفاف بحيرة طبريا حين أصر على العودة إليها ليموت هناك كما تموت الغزلان في وطنه بعد أن أحس بدنو الأجل. أما أكرم عابد فيبحث عن التعايش الفلسطيني الإسرائيلي. أما مجد فكأنما تبحث عن مفقود مجهول، ربما عن حب غامض يربطها بالثائر حيناً، وبالباحث عن التعايش حيناً آخر.
وهناك عائدون آخرون في الرواية، هما عائدان بين الحياة والموت، وهما الطيار اليهودي المحتفظ بملامحه على مدى ثمانية وثلاثين عاماً في قمرة طائرته، وعبد الكريم الحمد، خال الراوي، الفلاح الفلسطيني الذي حفظ في الثلاجة مثل هذه المدة.
وهناك المقاتل العائد الذي تحول إلى شرطي في وطنه، ويحمل هويته الفلسطينية ببذلته الرسمية، وفيه فرح العائد إلى الوطن والأهل، والمتخلص من ألم المنافي. وهناك عائشة التونسية التي تمثل جزءاً من ماضي الراوي، ويلجأ إلى ذكراها كلما شعر بنفوره وضيقه من الواقع، عائشة جزء من المنفى والذكرى الجميلة والحلم، وعلى الرغم من ارتباطها بالمنفى، غير أنها والمنفى تمثل ماضياً جميلاً في ذاكرة الراوي، لأن ذلك يشد الراوي بعيداً عن الواقع، يشده إلى الحلم بوطن حر. عائشة دائماً تُصوَّر بصورة الجميلة الرائعة، والتي ترتبط بالجمال والحيوية والفن والتراث. فهل كانت عائشة تمثل البعد العربي في معادلة الصراع الفلسطيني الصهيوني، ولا يريد الراوي أن يبقى في هذا الصراع فلسطينياً وحيداً منفصلاً عن جذوره العربية؟
أما اونودا فهو المعادل والموازي للراوي، والذي جاء بقصته لكي يقوم بتحميلها أفكاره من جهة، ولكي يكون ضميره الذي يذكره بمواقفه الرافضة للهزيمة واستسلام. يستعير قصة ذلك الجندي الياباني الذي بقي في جزيرة معزولا في نهاية الحرب العالمية الثانية، ورفض تصديق منشورات تخبر بانتهاء الحرب، معتبرا ذلك من الحرب النفسية الأمريكية ودعاية الحلفاء، وأقام صلحا مع الطبيعة، وحين اكتُشف بعد البحث المضني رفض الاستسلام إلا بصدور أمر من قائده، وحين قابل قائده وقرأ عليه الأمر أصيب بصدمة. ثم «وجد نفسه بلا قضية». وبعد محاولات كثيرة أوصت الدراسات التي أجريت عليه بإرساله إلى الأراضي الفلسطينية من أجل تأهيله لقبول الأمر الواقع، أي التخلي عن بندقيته وجعبته ومنظاره وانتظاره للعدو. اونودا هذا لم يستطع في النهاية أن يقبل بالأمر الواقع وعلى الرغم من أن الراوي أراد له أن يظل حبيساُ بين أوراقه غير أنه احتج وهرب مقتحماً كل الأخطار تاركاً هذا الجو الذي لا يناسبه. أونودو كان يصر أن يظل بصحبة بندقيته ومنظاره القديمين، وأن يستمتع بماضيه وعزته. وجد اونودا نفسه «بلا قضية» ولكنه يهرب في النهاية من محاولات التدجين والتطويع.
أما الشخصية اليهودية في الرواية فلها مواقع وأدوار مختلفة، لعل أبرزها الدور العسكري الذي فصل فيه الراوي، ويظل هذا المشهد للجندي الإسرائيلي مواكباً للرحلة منذ أن وصل الراوي إلى الوطن، ثم عبر رحلته إلى سمخ وطبريا، وفي أثناء عودته من تل أبيب إلى القدس. ويُعرض فيها الجندي مدججا بالسلاح، متحفزاً لإطلاق النار، مستفزاً لكل طارئ، حذراً يدقق في الأوراق، ويفتش السيارات والأفراد، شخصية فيها قسوة وتجهم، ولا تفضل وجود الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر، لذلك تنصح المرتحلين الثلاثة غيرما مرة بالعودة من حيث أتوا.
أما الشخصيات اليهودية الأخرى فتتراوح بين النادل في المطعم الذي يبدي حرصه على سعادة «العرب» والنادلة «يائيل» التي تساعد أكرم في الوصول إلى «بيرتا» ولا يهمها من ذلك سوى الحصول على مكافأتها لقاء خدمتها له، وتبدة صورتها في الرواية صورة نمطية لامرأة مبتذلة، تكشف معظم أعضاء جسمها. وهناك شخصية شلومو الموظف في النزل الذي يرفض مبيت الراوي ومجد في نزله لأنهم «من سكان المناطق» ولا يسمح لهم بالمبيت في داخل الخط الأخضر، ثم يقبل ذلك مقابل رشوة قدماها له. وهناك فريق العمل التلفزيوني الذي يوظفه أكرم لتصوير محاولته في إحياء التعايش، كما يحاول هذا الفريق أن يقيم حواراً حول السلام انطلاقاً من حادثة الطيار وعبد الكريم الحمد، ولكنه يفشل في ذلك.
أما بيرتا فإننا نعرف عن ماضيها من خلال أكرم والراوي، ونعرف حالها الحاضر من خلال الراوي، فقد كانت راقصة في ملهى الليدو يخطب ودها كبار القوم والأغنياء عرباً ويهوداً، لكنها رفضتهم وأحبت فارس الفارس، وهاجرت معه إلى لبنان إلى أن أعيدت رغم ارادتها، وقد أصبحت الآن عجوزاً، ملأت التجاعيد وجهها، ولا تسمع ولا تتكلم؛ فأصبح التعايش نتيجة ذلك غير ممكن.
المعمار الفني للرواية:
لعل التلخيص السابق يمكننا من تبيُّن بناء العمل وكيفية اشتغال التقنيات فيه بالتضافر مع لغة العمل وبنائه الفني. ويمكن القول إن رواية نهر يستحم في البحيرة تميل نحو رواية الحدث، حيث تكون العلاقات فيها «تراكمية أكثر منها سببية، ولذلك تعتمد على غيبة الحبكة، كما أن هيمنة الحدث تؤدي إلى التقليل من أهمية الشخصيات، ويعتمد القاص على إثارة الانفعالات الحادة كالتوقع والفزع والخوف من أجل شد انتباه القارئ وضمان متعته الفنية.»(10) وقد رأينا أن الشخصيات منفعلة أكثر منها فاعلة، وتقوم بردود أفعالها على الأحداث، ولا تبادر إلى فعلها.
وللراوي في هذه الرواية زاوية رؤية محددة مما يجري حوله، وهي رؤية سلبية غالباً وسوداوية وحزينة، وانعزالية، تغيب عما يدور حولها من أحداث في بعض الأحيان، ولا تعبأ كثيراً بالنتائج حين يتعلق الأمر بهدفها. والراوي المشارك في هذه الرواية يشارك في الأحداث، ويراقب ما يجري بانعزال عنها أحياناً كثيرة مكتفياً بالمراقبة وملاحظة ما يجري وتسجيله وروايته. وبالتالي فإن معرفته مساوية لمعرفة الشخصية الحكائية. وهو يتدخل أحياناً في سيرورة الأحداث، فقد أصر على الاستمرار في الرحلة عندما نصحهم رجل الأمن بالعودة، كما أنه تذرع بعدم حصوله علىى الأوراق لزيارة مجد في القدس، وبالتالي أجبرها على أن تزوره هي. وهو يدلي دائماً بتعليقاته وتأملاته، وبالتالي إلى تشكيل حركة السرد، فيوقف السرد، ويقطعه، ويقفز به، وينقله إلى نقطة أخرى.
والمكان، أو الفضاء الجغرافي في الرواية ممتد في أمكنة كثير، وعلى الرغم من احتفال الروائي بالأمكنة في الرواية، وجعل المكان هو الحافز الأساسي لتحرك الشخصيات وللأحداث، غير أنه بالإضافة إلى ذلك تم التركيز على المكان بما يحمله من دلالات سياسية ووطنية، ومن حيث هويته، فقد تم عرض المكان وفق رؤية الراوي من زاوية ما جرى عليه من تغيير ومحاولة محو هويته، إما بطمس معالمه، وإما بتغيير هويته بتسميته اسماً جديداً يحمل هوية ثقافية وحضارية مختلفة، ويرد المكان في صورتين متقابلتين: ما كان عليه، وما هو عليه الآن، صورته العربية الفلسطينية الأصيلة، وصورته المهودة، وتبرز الصورة الثانية غريبة مكروهة، في حين تبعث الصورة الأصيلة الارتياح والحلم الجميل، ولذلك أطلق الراوي على سمخ «دار الأمان» مقابل دار التخريب والدمار الذي فعلته الجرافات. ولكن يظل المكان يحمل ملامحه الأصيلة مهما جرت عليه من تغييرات، فما زال الراوي قادراً على تحديد مكان كل بيت ومعلم في سمخ وعلى شاطئ بحيرة طبرية، كما أن بحر غزة لم يغير ملامحه، وما زال يحمل هويته الأصلية، وكذلك يشعر الراوي أن حقيقة الوطن وأساسه لم تتغير، وكأنه يقول إن كل ذلك التغير طارئ ومفتعل ومؤقت.
لقد كانت الأمكنة التي تحدث عنها الراوي أمكنة واقعية سماها بمسمياتها الحقيقية، مما جعل وصفها يتصدر السرد في بعض الأحيان، إذ وصف الراوي شوارع غزة، وأسواق القدس، وبعض الأماكن في بيسان وسمخ، وقد أراد الروائي بذلك أن يجعلنا نقر معه أنه يروي أحداثاً حقيقية، مما يساعد في إدماج الحكي في نطاق المحتمل والواقع. وقد توقف عند وصف هذه الأمكنة أحياناً لوقف السرد أو الإبطاء به. وفي الوصف للأمكنة كان يصبغ الراوي تلك الأمكنة بمسحة حزينة مبعوثة من مشاعره، فقد طغى الحزن والبؤس والسلبية على بعض الأمكنة تبعاً لرؤية الراوي وشعوره النفسي، مما يجعل المكان يصطبغ بصبغة إنسانية يصبح طرفاً يحاور الراوي، كما فعل عندما تذكر تجربة سابقة في بردلة، وحينما فصل في وصف البحيرة. وغالباً ما كانت الأمكنة التي تحدث عنها الراوي أمكنة مفتوحة، شوارع وطرقات، وآفاق، وشواطئ، وقرى، وقليلاً ما كانت الأمكنة مغلقة، ولكنها مزدحمة بالناس، كما المطاعم والمقاهي، وحتى بيت بيرتا أصبح مفتوحاً لفريق التلفزيون. وحتى حينما يكون المكان مغلقاً كالغرفة حيث أقام الراوي ومجد، لم تكن فيه تلك الخصوصية أو السرية. ولكن قمرة الطيار كانت مليئة بالأسرار، وكذلك الثلاجة التي تحتفظ بجثمان عبد الكريم الحمد. فقد يكونان هذان المكانان مليئين بأسرار الحرب، وإرادة العودة إلى الوطن.
أما الزمن في الرواية فلا يتجاوز أسابيع محدودة إلا فيما كان يستذكره الراوي بين حين وآخر، فقد انحصر زمن القصة في الفترة الواقعة بين دخول الراوي إلى الوطن ومكوثه ما يقارب أربعة أسابيع في غزة ثم قيامه بالرحلة إلى سمخ وعودته منها في ثلاثة أيام إلى القدس، وان كانت الرحلة قد انتهت على مشارف القدس، ولم يكملها الراوي إلى غزة. وبين حين وآخر كان الراوي يعيدنا إلى ذكرى أحداث قديمة بعضها يعود إلى ذاكرة الأربعينات، والستينات إلى التسعينات، في لقطات سريعة تضيء بعض جوانب حياة أهل سمخ، أو بعضاً من حياة الراوي في رام الله والأردن ولبنان وشمال إفريقيا. وبالتالي يمكن القول إن زمن القصة أطول من زمن السرد. وفي حين تقوم أحداث القصة الرئيسية على تتابع الأحداث تتابعاً زمنياً، كان يقطعها سرد الاستذكار من الماضي، كما يقطع هذا التسلسل سرد أحداث قصة أونودو، وبالتالي نصادف هنا توظيف تقنية القصة داخل قصة، وإن كانت قصة أونودو لم ترو بشكل متسلسل، بل رويت في مشاهد تتخلل سرد القصة الرئيسية.
ولقد ميز الراوي هذه المفارقات الزمنية عن طريق الانتقال من حالة سردية إلى أخرى إما عن طريق وضع عنوان لتلك الحالة السردية، أو فصلها عن الحالة السردية السابقة بأربعة نجوم. وهو في ذلك يستخدم تقنيات التلخيص والقفز عن أحداث معينة، وقطع السرد والعودة إليه في مكان آخر. كما أنه لجأ إلى تسريع السرد أو الإبطاء به موظفاً الوصف التفسيري التوضيحي الرمزي أحياناً.
يستخدم الكاتب تقنية مسرحية في روايته، هذا التكنيك الذي عرض فيه يحيى يخلف في هذه الرواية مشاهد مسرحية كاملة على خشبة المسرح ممثلة في اونودو. كما أنه وظف الحكاية والأسطورة والخرافة توظيفا جيدا سواء كان ذلك في أوساط المجتمع الفلسطيني أو في الأوساط الإسرائيلية، وبهذا يسقط الكاتب مقولة الفرق العلمي والحضاري لدى الشعبين، بل إنه يجعل من الرعب والفزع الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي مقابلاً للفرح وبهجة الاستبشار بعودة الغائبين وبمستقبل أفضل في الأوساط الفلسطينية.
كما أن يحيى يخلف يوظف الاستذكار سبيلاً لإضاءة ما كان عليه المجتمع الفلسطيني من عز واستقرار في وطنه تحول مع الهجرة إلى عذابات وأهوال ومنافي، وعلى الرغم من التغيرات الديمغرافية والبنية العمرانية غير أن الملامح الفلسطينية الأساسية ما زالت ماثلة في مكانها على الرغم من كل محاولات الطمس والتغيير وسياسة الهدم والنفي المادي والبشري، فالهوية العربية ما زالت قائمة ممثلة بالسائق الفلسطيني الذي ما زال يتحدث اللهجة الفلسطينية الأصيلة والمقيم في داخل فلسطين، وفي ذلك إشارة إلى تجذر الهوية الفلسطينية على الرغم من الممارسات المستمرة لطمسها.
لقد سيطر تيار الوعي على الراوي الذي ينتقل بذاكرته من الحدث الآني إلى الماضي ومن المكان الواقع إلى المكان الحلم، فهو ينتقل من فلسطين الحالية المثخنة بالجراح إلى الصورة السابقة للنكبة، ومن مجد إلى عائشة، ومن أزمة وطن محتل إلى تونس. هذا التداعي في الأفكار يسيطر على عقل الرواي على امتداد الرواية.
التوافقية بين الأحداث والأشخاص تقنية أخرى، فأكرم عابد ومجد والراوي كل منهم يبحث عن تعايش: أكرم يحاول تعايشا سياسيا مع بيرتا وصلحا قائما على أساس التاريخ والتسامح بطرق أقرب إلى الرومانسية. والراوي يبحث عن سمخ وجذوره التي تربطه بهذا الوطن، ومجد تبحث عن التعايش العاطفي وهي تعيش بين الماضي والمستقبل، بين الراوي الفلسطيني، والفلسطيني الثري المغترب الأرستقراطي ولكنه يخيفها من حيث انفتاحه المندفع مع النساء. وتوافقية أخرى بين فقدان الخال العائد إلى الوطن والطيار المحارب ثم العثور على جثة الطيار في قاع البحيرة، والعثور على بيرتا وجثمان الفلسطيني الغزال. وكما كانت بداية هذه الأحداث متزامنة في بداياتها كانت متزامنة في نهاياتها: فتشييع جثمان الطيار يتوافق معه انتهاء الأمل بالحصول على جثمان الفلسطيني آنيا، وسوف تظل هذه قضية عالقة شأنها شأن غيرها من قضايا الوضع النهائي.
هذه التوافقية تناقضها الارتطامات بين الحلم والواقع، فأكرم يعد العدة لاحتفالية بمقابلة بيرتا، وعمل برنامج حواري بين الطيار وخال الراوي، والرواي يفكر أين وكيف يواري جثمان خاله، ثم تقع الكارثة، فبيرتا تهدم الفصل الأول من المسرحية والإجراءات الإسرائيلية بخصوص الجثمان تهدم الفصل الأخير منها.
نحن إذن أمام رواية فكرية سياسية، رواية فيها عمق كبير وتحتاج لكثير من التاريخ وفهم تعقيدات القضية الفلسطينية لفهمها. إن العودة للوطن في الرواية حتمية مقابل إمكانية تحقق الحلم، والبديل للعودة هو معسكرات النفي في الدول العربية البعيدة. الواقع قائم ولا خيار غيره، والحلم أمل بمستقبل أجمل، ولكن الرحلة في الوطن –كما في الرواية- تبعث الألم والأشواق الحزينة والشعور بالاغتراب والانكفاء على الذات واستجلاب الماضي وتصور أملا قادما وفي كل معاناة وتمزق داخلي. رحلة يحيى حقي في الوطن بعد العودة كانت جارحة، وتسيل الدم في القلوب وفي العيون. رحلة قاتمة وباعثة على الأسى لأن الوطن لم يتحرر فعلا وإنسانه ما زال أسير الخوف والمراقبة والتفتيش والاحتجاز ومقيداً. والخراب عم المكان، والهوية تكتسحها جنازير جرافات المدن السياحية على النمط الأوروبي، والمعالم الأصلية مهملة وصدئة ومهترئة. فماذا بقي من بواعث فرح؟ ولذلك كان لا بد أن يصل الراوي (يحيى يخلف) وأكرم عابد في النهاية إلى النتيجة نفسها. التعايش غير ممكن؟ ما الحل إذن؟ ربما سيأتي في رواية أخرى.
تقوم تقنية السرد في هذه الرواية على اصطناع راو موازٍ للكاتب في حالاته كلها، ولكنه يجرد من نفسه ذلك الراوي الذي يروي حكايته وتجربته الآنية المباشرة وذكرياته وتجاربه السابق. والراوي في هذه الرواية راوٍ مشارك، يقص على القارئ الحكاية، ويوهمنا الروائي أنه يقدم رؤية مختلفة عن رؤيته من خلال الراوي المتمثل للقارئ.
لقد استخدم الروائي ضمير المتكلم وضمير الغائب حين يروي عن أونودو ومواقفه من الحرب والسلام بعد الحرب العالمية الثانية. إن ما نصادفه في هذا العمل هو «أنا الراوي» بدون أن نعثر على صوت آخر ذا معنى. لقد شارك أكرم ومجد في رواية بعض الحكايات الصغيرة، وطرحا بعض التساؤلات، ولكن الراوي الأساسي كان هو أنا المتكلم المشارك في الأحداث. صحيح أن مساهمة الشخصيات جميعها في الأحداث كانت هامشية، وكأنها كانت منفعلة بالأحداث أكثر منها فاعلة، وكأن الأحداث مُسيَّرة قدرية، ولذلك كانت أفعالهم هامشية، ومحصورة في رد الفعل أكثر منها قائمة على الفعل، إلا ما كانوا يمارسونه في رحلة عادية.
وقد تركت نزعة اللايقين أثرها في الرواية مضموناً وبناء «ومن نزعة اللايقين هذه، التي تشدد عليها الرواية العربية الجديدة، تنهض التطويرات الشكلية التي تقوم على تشييد سرد متشكك يعرض العالم أمام أعيننا بغموضه وهلاميته وعدم ترابطه.»(11)
وللحلم دوره في الرواية؛ فقد لجأ الروائي إلى هذه التقنية لكي يعبر عن مكنونان نفسه، فعندما استلم تصريح الزيارة لسمخ، أخذ يستذكر بوعيه ما ارتبط بذلك المكان من ذكريات حبيبة إليه، وذكريات أخرى مؤلمة كموت خاله عبد الكريم الحمد الذي عاد ليموت في «دار الأمان» حينما شعر بدنو الأجل، فيقتل على الحدود. هل خشي الراوي أن يموت قبل أن يرى سمخ؟ ربما. لكنه يحلم، ويرى فيما يرى النائم عالماً خيالياً يعرج فيه الراوي عبر السماوات إلى السماء السادسة حيث «يتجمهر اللاجئون والمعذبون والمحرومون» (ص33). صورة من صور الغفران ويوم الدخول إلى الجنان في ظل الرحمن ومالك الملكوت. حلم بالجنة. الوطن هو الجنة، فظل الله الظليل حيث يرث النور الأرض والبحيرة. (ص33).
وفي أجواء الأزمة النفسية الداخلية التي يتصارع فيها الحلم الجميل مع الواقع الصادم المحبط، يلجأ الراوي إلى الحلم هارباً من الواقع، وهو في جوه المشحون بالأسى على ما حل ببلدته، يأخذه اللاوعي إلى الماضي الجميل الذي يحن إليه، ماض مليء بالتفاصيل الصغيرة التي يتذكرها في ذلك الحلم، ويروي ذلك بكل حب وانجذاب إلى ذلك الماضي، «وخيل إليَّ أنني رأيت فيما يرى النائم عائشة بثوبها المغربي المطرز تجلس قرب المدفأة في بيتها الريفي في أعالي جبل عين دراهم، في ذلك الشتاء البعيد، عندما كان الثلج يتساقط، والنيران تأكل بعضها بعضاً، وخشب البلوط يطقطق، ومن جهاز التسجيل تأتي موسيقى رافيل حاملة معها ضجيج وصخب الحياة.» (ص85).
كما يعود الراوي إلى الحلم قبيل نهاية الرواية، حين يخرج أونودو من دفتره ويهرب، فيتابعه الراوي حيث يصطدم بباب كهف دخله أونودو، وكانت تلك الصدمة هي التي أعادت إليه الوعي، وهي التي أعادته من الحلم إلى الواقع. وجعل نتيجة الحلم واقعية، فقد أصيب بجرح في جبهته، كما انغرست الأشواك في قدميه وأصابعه ولحمه. إنها صدمة الواقع، واقع الاحتلال القائم، والتحرير الناقص المجتزأ، وواقع أن التعايش غير ممكن مهما حاول الفلسطينيون من طرق؛ فالفلسطيني لا مكان له في عرف الإسرائيليين في وطنه حتى ولو كان ميتاً، فيمكن أن يُدفن خارج فلسطين، بعد سلسلة من التأكيدات والإجراءات المطلوبة.
الحنين إلى المكان الأصلي الذي ولد فيه الراوي، وهو مكان مليء بالذكريات الجميلة، وكما يقول باشلار عن البيت «المأوى الطبيعي لوظيفة السكنى. إننا نعود إليه فقط، بل نحلم بالعودة إليه»(12) وهو بيت مسلوب «هش ولكنه يدفعنا إلى أحلام يقظة الأمان»(13). ولا ينحصر حنين الراوي إلى مسقط رأسه فقط، إلى المكان الذي عاش فيه أهله وأقرباؤه ووالده ووالدته وخاله عبد الكريم الحمد الذي دفع حياته عائداً ليموت فيه. هذا المكان كان بعيداً عنه، كان هناك «وراء الريح»، وحين وصل إليه وجده مختلفاً عما يحمله من ذكرى وصورة بقيت في ذاكرته سنوات طويلة. بل هو يحن لمكونات الوطن جميعها، يحن إلى المكان وإلى العائلة، بحيث يشمل ذلك الحنين الحياة بكاملها في الوطن: البيوت، والنباتات، ومحطة القطار، والبحيرة ومياهها وأسماكها، والأبقار والعجول والسمن والثياب ونوافذ البيت ومحطة القطار والأشخاص الذين كان لهم أدور في تلك الحياة التي يحن إليها. وحين يصل إلى ذلك المكان شعر بمرارة الغربة في الوطن أكثر مما كان يشعر به في المنافى. لقد انتظر العودة أزماناً «لقد قضيت ردحاً طويلاً من عمري وأنا أنتظر.» (ص 25)، وبعد أن وصل غزة، ووقف في شارع عمر المختار آلمته مرارة الاغتراب «أنا العائد أقف ضائعاً في شارع من شوارع وطني، أشعر بالغربة والوحدة أشعر برغبة في البكاء.» (ص 26).
كما يستدعي الراوي قصة الضابط الهندي كارانج العامل في قوات حفظ السلام في قطاع غزة قبل حرب 1967، وحين يقتل برصاصة إسرائيلية يصر قائده على حرق جثمانه بناء على تقاليد هندية، يستدعي الراوي تلك القصة ليشير إلى حالته النفسية بسوداوية «تعانق الفراشات الملونة المصباح لتموت موتاً صاعقاً، ويحترق (كارانج) بالنار ليعانق الخلود، وأنا هنا أحترق وحيداً ... أنا هنا لا أحيا ... لا أموت.» (ص 32).
يستدعي يحيى يخلف التراث الشعبي الفلسطيني، فحالة الانضباع التي مرَّ بها الراوي وجريه خلف أونودو لا تخلصه منها إلا الصدمة في جبهته بباب المغارة التي لجأ إليها أونودو هارباً من دفتر الراوي ومنطلقاً هارباً إلى الخلاء بدل البقاء كنص في دفتر الراوي. لقد انتقل الراوي من حالة الانضباع إلى حالة الوعي، إلى حالة الصحو. إنها دعوة الكاتب للتخلص من حالة الذهول والهذيان، إلى حالة تجاوز ذلك إلى محاولة فهم الواقع «ليس من أجل التسليم بواقعيته، بل للثورة على الواقع وإن بذور ذلك متوفرة داخل الصدور وفي الواقع الذي يصنعه الآخر الجلاد، وأن البحر الذي يدخل للبحيرة، لا يدخل للركون والنوم، بل للاستحمام كما يقول الكاتب للاستحمام الذي يطهره من محطاته السابقة»(14)، وكأن زيارته لسمخ نوع من التطهر من عذابات الماضي، وآلام المنافي

قديم 02-06-2012, 09:29 AM
المشاركة 238
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يحيى حسن يخلف

السبت, 18 سبتمبر 2010 17:59
ولد الروائي والكاتب الصحفي يحيى حسن يخلف في بلدة سمخ على ضفاف بحيرة طبرية بفلسطين لأسرة جزائرية مهاجرة من مدينة معسكر غربي الجزائر، وكانت عائلتانا في سمخ متجاورتان ومتصاهرتان، وقد هاجرتا معا عام 1948 إلى بلدة ملكا شرقي الآردن، لذلك فإن أول ما ينطبع في ذاكرتي عن يحيى هو ذهابنا معا ونحن أطفال إلى كتاب (طالب) تلك البلدة التي قضت فيها عائلتانا شتاء 1949 ثم انتقلتا حيث استقرت عائلته فى إربد شمال الأردن، وتوفي والدي وانتقلت بي أمي إلى مدينة الزرقاء أواسط المملكة الأردنية الهاشمية·
ودرس يحيى في مدارس وكالة الغوث للفلسطينيين في إربد نفسها عاصمة الشمال الآردني، ثم انتقل في ستينيات القرن الماضي إلى رام الله ليدرس في دار المعلمين فيها·· وفي تلك الفتره كانت والدتي تصحبني لزيارة بعض الأقارب في إربد مما رسم في ذهني صورا عن المرحومين والده ووالدته وعن بعض إخوته مثل المختار وبشير·
وتميزت عائلة يخلف بالنضال سواء في الجزائر أو في فلسطين، فأحد أجداده السنوسي يخلف كان من رجالات الأمير عبد القادر، أما أعمامه مصطفى والطاهر فكانا من المجاهدين المشهورين في الحركة الوطنية الفلسطينية في مراحلها المختلفة، وكان عمه الطاهر رفيق نضال لأحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي تأسس في القدس·
في الستينيات صدرت في الضفة الغربية من الأردن مجلة أدبية شهرية إسمها ''الأفق الجديد'' يشرف عليها الأديب أمين شنار؛ وكانت المجلة الأدبية الوحيدة في المملكة الأردنية الهاشمية، مما جعلها ملتقى لفئة الأدباء الشباب في الأردن، فظهر فيها القاص يحيى يخلف والقاص فخري قعوار والقاص ماجد أبو شرار والناقد خليل السواحري وغيرهم، وكانت تنشر لي هذه المجلة بعض المقالات الصغيرة·· وكان يحيى يشرف أيضا على صفحة القصة في جريدة ''فلسطين'' التي تصدر في القدس، وشهدت تلك الفترة من الستينيات سلسلة مراسلات بيننا، نتحدث فيها عن بعض القضايا الأدبية وآخر ما قرآناه من كتب، ثم زارني يحيى في بلدة الزرقاء ووجدني غارقا في كتب الفلسفة والفكر، أكتب في قضاياهما مقالات ليست للنشر·· فلفت نظري إلى كتابة القصة لآنها أكثر التصاقا بالواقع الذي يعيشه المواطن العربي· كان يحيى قد بدأ دراسته الجامعية في بيروت العربية·· وتكررت بيننا اللقاءات، نتبادل الحديث فيها عن الجزائر والدروس النضالية المستخلصة بها، خاصة وأن عمه الطاهر كان من الرجال الذين رعوا فريق جبهة التحرير الجزائري لكرة القدم حين زار الآردن، وكان قريبا من مكتب الثورة الجزائرية الذي كان يرأسه الشيخ عبد الرحمن العقون ومن بعده مع السفراء الجزائريين في العاصمة الأردنية، بالإضافة إلى نضاله الفلسطيني، وكانت بعض المنظمات الفلسطينية قد بدأت تعمل تحت الأرض·· وكل ذلك يهم يحيى·
ثم انتقل يحيى للعمل كمعلم في المملكة العربية السعودية مع بعض الزملاء له من الفلسطينيين، في دار المعلمين تلك ومنهم المناضل الشهيد ماجد أبوشرار·· وربما كانوا أوائل خلايا حركة فتح·
في عام 1968 نشر يحيى يخلف قصته الأولى في مجلة ''الأداب'' اللبنانية، وأذكر أن إسمها كان لحن الثورة وكانت مجلة ''الأداب'' وصاحبها الدكتور سهيل إدريس المجلة الأدبية الأولى في الوطن العربي، يطمح إلى النشر فيها كل أصحاب الثقافة الحديثة من شعر ونثر، بينما كانت مجلة ''الأديب'' منبر أهل الثقافة الكلاسيكية وليس هناك من قراء الأدب في تلك الفترة من لا يتابعهما· وفي عدد آخر من ذلك العام نشرت لي ''الأداب'' قصتي ''خطوات في الفراغ'' وقد فرحت بذلك فرحا طفوليا كبيرا، فقد كانت كتابتي للقصة ثمرة لتشجيع صديقين يحيى يخلف القاص وخليل السواحري الناقد، وكلاهما من مدرسة الأفق الجديد، وقد فرحا لي فرحا كبيرا، واعتبرا نشر تلك القصة إنجازا لي على طريق الأدب·
تفرغ يحيى للعمل الثوري الفلسطيني وقد دافع عن الثورة خلال الصدام مع الجيش الأردني عام ,1970 ثم انتقل إلى لبنان كادرا من كوادر حركة فتح البارزين وعضوا في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينين، وعرف باسم ''أبو الهيثم''·
وزار يحيى الجزائر عام 1975 خلال مؤتمر الأدباء العرب العاشر الذي ترأسه الكاتب الجزائري المعروف عبد الله ركيبي، وكان مدير عام مجلة ''المجاهد'' التي عمل فيها الكاتب المعروف محمد مبارك الميلي قد أفرزني مع صحفيين آخرين أذكر من بينهم الزميل برهومي من وكالة الأنباء الجزائرية للعمل في مجلة المؤتمر·
وفي أواخر المؤتمر في قصر الصنوبر جاء الرئيس الراحل هواري بومدين للقاء الأدباء، وهنا قام المفكر العربي ناجي علوش الذي يرأس اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بتقديمنا إلى الرئيس بومدين باعتبارنا من أصول جزائرية، فدهشت من متابعة الرئيس بومدين، فقد قال عن يحيى يخلف بأنه مناضل فلسطيني معروف، وعني بأني صاحب كتاب الثورة الزراعية في الجزائر·
وأصدر يحيى يخلف روايته الأولى بعنوان ''نجران تحت الصفر'' وهي الرواية الوحيدة في الأدب العربي التي تتحدث عن الثورة اليمنية والمواقف منها في ستينيات القرن الماضي، وهي رواية مكتوبة بعذوبة ورشاقة مما جعلها تضع يحيى في الصف الأول من الروائيين العرب·
أجريت عدة مقابلات أدبية مع أخي يحيى نشرتها في عدد من الصحف العربية·· وكنا نلتقي بين الفينة والأخرى في بغداد والكويت ودمشق·
تولى يحيى منصب الأمين العام لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينين، واختلف مع قيادة الثورة في ذلك الوقت·· وقد سوي هذا الخلاف بتدخل من رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين
العربي الزبيري والقيادة السياسية الجزائرية، وانتقل يحيى إلى الجزائر ليعيش في القبة عدة سنوات، ثم انتقل إلى تونس مع القيادة الفلسطينية·· وفي التسعينيات قام بدور سياسي بين حركة فتح والأحزاب الجزائرية الوليدة آنذاك·
وكان قد أنجز عدة مجموعات قصصية وعدة روايات منها رواية ''بحيرة وراء الريح'' وهي عن بلدة سمخ التي ولد فيها والتي تقع على ضفاف بحيرة طبرية، وهي رواية كانت تعيش في ذهنه منذ الستينيات حين بدأ الكتابه·· وأهداها إلى عمه الذي ناضل مع الأمير عبد القادر في الجزائر·
إنتقل من تونس إلى الأراضي الفلسطينية، ثم أسند إليه منصب وزير الثقافة، إضافة إلى مهامه السياسية داخل حركة فتح·
وفي عام 2004 إلتقينا في دمشق خلال احتفالات اتحاد الكتاب والأدباء العرب بذكرى تأسيسه، وقدمت له في فندق ''ميرديان'' رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين آنذاك عز الدين ميهوبي·
بقلم : سهيل الخالدي إعلامي

قديم 02-09-2012, 09:54 AM
المشاركة 239
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اهم الاحداث في طفولة يحيى يخلف

الروائي والكاتب الصحفي يحيى حسن يخلف ولد عام 1944 في بلدة سمخ على ضفاف بحيرة طبرية بفلسطين لأسرة جزائرية مهاجرة من مدينة معسكر غربي الجزائر، هرتان، وقد هاجرت عائلته عام 1948 إلى بلدة ملكا شرقي الآردن لتستمر حياة من الغربة والتشرد والالم. وربما ان هذا اهم احداث طفولته.

مأزوم

قديم 02-09-2012, 12:52 PM
المشاركة 240
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
32- العشاق رشاد أبو شاور فلسطين
العشاق

نبذة النيل والفرات:
"خرج أبو خليل من بداية البيارة، مشي على إيقاع خطوات قدميه، الذي أخذ يتصاعد، منتظماً كقرع طبول، رفع رأسه فرأى قطوف البلح تتدلى من قمم أشجار النخيل، القطوف خضراء محمرة، لم تنضج بعد، ولكنها في وقت غير بعيد، ستنضج، وتمتلئ بالحلاوة، وتساقط رطباً جنباً. أخذ المساء يهبط، ناعماً، رطباً بالنسمات المنعشة، تمتم أبو خليل وهو يسير بمحاذاة الجدول، مصفياً للخرير، (تزوجا، يا محمود أنت وندى، وأنجبا كثيراً من الأطفال) أنا أعرف أنها موافقة، سمع ضحكة طفل، ضحكة جده، مرحة، فرحة، وكل الرصاص كان يقطع تلك الضحكة، التي كانت تعود لتنطلق من جديد، حلوة ومرحة".
من أرض فلسطين ينطلق النسق مضخماً بعبير الوطن الساكن في حنايا كل العاشقين، قصة يحكيها رشاد أبو شادر يمتزج فيها حكاية حب بطولات وعمليات وباستشهادات ما زالت هاجس كل فلسطيني.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 31 ( الأعضاء 0 والزوار 31)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 09:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.