احصائيات

الردود
7

المشاهدات
5318
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
04-12-2013, 03:21 PM
المشاركة 1
04-12-2013, 03:21 PM
المشاركة 1
افتراضي الأطلال
كم هي جميلة هبات القدر ، التي تحمل الإنسان كما تحمل النسمات ريش الحمام ، لترسو به أنا شاءت ومتى خمدت ، كم هو عجيب هذا الخنوع المرغوب ، هذا الذل الأزلي للقدر ومشيئته ، بل هذا الاحتضان الدافئ للأقدار وهذه الرغبة الملحاحة في الركون إليها والسكن إلى جوارها ، وجعلها ذلك الاله المعبود ، كلما طال بنا العمر إلا وازدانت لوحاتها الفسيفسائية بألوان الطيف ، وانهمرت مفجآتها الأخاذه كانهمار الدمع من الحسناوات المكلومات اللاتي تجرعن من أقداحه الحنضلية جرعات معتقة تهاوت معها ملامح الحسن وخار كبرياء الملاحة وخضع لضعف وهوان المآل
حطت بهم سفن القدر في رياض فسيح باسق ، كان في الخوالي عرين كبير القرية و حاكمها ، قصبة تعج بنفحات من الماضي وقد اكتسحها إبداع الحاضر ، هناك كانت روضة الحاكم الآمر ، الإمام المطاع ، القاضي المبجل ، المشرع الأوحد ، له تركع الأنوف وتسجد الجباه ، له تدق الدفوف والطبول وتزغرد الفاتنات ، تكاد القصبة تحكي أسرارها وتغرد بألحان الزمن الغابر لولا ما نكّر حالها و وشّى وجهها بأصباغ الحاضر ، وقلّد جسمها بحلي العصر ، مسبح رقراق ماءه ، أسرة ، مضربات ، وثائب ، مصابيح كهربائية تشع من خلال فوانيس قديمة الطراز ، هناك فقط اجتمعت الحضارة بماضيها ، لعلها تجذب إليها أسرابا من أبناء روما للتمتع بلحظات من الماضي ، كلهم أبناء المدارس ، معلمو الأجيال ، من أنيطت لهم مهمة رفع التحدي ، وصياغة نسخ بشرية تعتز بماضيها الأليم و تتعالى عن واقعها الحزين و تتطلع إلى مستقبل كالذي يشاهد هناك في بلاد الروم .
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تحاول فيها المدرسة المحلية نفض غبار التخلف وصقل محياها الصدئ و برد أسنانها المتهالكة ، و إيقاظ همتها المخدرة ، لكن تبقى على حالها كما القصبة ، كلما رمم منها جزء تداعى جزء آخر مصرا على فضح أسراره لتظهر عوراتها المهترئة ، فتفوح روائح العفن من غرفها ، وتتصاعد أرواح المعذبين قهرا وظلما في دهاليزها مرصعة نوم الزوار بالكوابس . شيب وشباب وطبقة وسطى عمريا من ذكور وإناث ، منهم من امتدت لحيته السوداء كثة كانت أو كزرع في أرض غير خصبة ، ومنهم من غلب بياضها على طبيعتها ، و تجد من فضل الظهور بوجه حليق يوما ويتجاهلها أحيانا حتى تصبح كأشواك ثمرة الصبار ، فيهن من تعطرن وأطلقن شعرهن الناعم تحمله النسمات ، و أخريات فضلن التحجب عن نظرات السوء و سترا لمفاتينهن طبعا وتطبعا أو خضوعا لثقافة الحال .
فى عيونهم و عيونهن نظرات طفل مفطوم ، شيء يقض الارتياح ، يكهرب صفاء الوجه ، وجه لا يريد الوثوق بشيء ولا الاستغناء عنه ، أغلبهم لم يرتد يوما مثل هذا المقام ليس لفضول يعوزهم ، ولا لرغبة تنقصهم ، ولا لكثرة مشاغلهم ، بل لعلو المقام على أجورهم التي يناضلون من أجل جعلها تسد ثغور حياتهم و ترميمها كما حال القصبة التي لم تكن لتستضيفهم لولا تضاءل أفواج السياح وانشغالهم بمصير بلدانهم التي أطلت عليها الحاجة بعد السنوات السمان .
في صالتين يتلقون دروسا تحت إشراف مؤطرين ليسوا بأفضل حال منهم ، يعرفون بدورهم أن ما يقدمونه ليس إلا كلاما في كلام وسيبقى حبيس القصبة المهجورة الواقعة على ضفة واد موسمي وفي قدم ربوة عليها مساكن طينية تحاول الصمود في وجه الأقدار . القصبة التي دونت تاريخ زهرة العمر حيث الحاكم على صهوة جواده المسرج لابس جديد الأثواب الحريرية و رقصات الأهالي تتحف القصبة و تعلن فيها الأفراح كل يوم ، تدور الدائرة لتجد نفسها في ثوب الخريف ، فأصبحت أطلالا تعاظمت شقوقها وتهاوت سقوفها ، إلى أن جاء من ينفخ فيها الحياة وتسترد بعضا من ألقها ، لكن ليس كما كانت تحلم بل لتسهر على راحة الزوار وتظل ساكنة صامتة مفعولا بها بعد أن كانت رمزا للفعل والقوة .
اليوم يسكنها ضيوف من نوع خاص ، كل في ذاته أقراح يؤانسها ، لا أحد يرى في أطلالها إلا مكانا مهجورا لا يصلح للنوم والراحة ، لكنهم ألفوا الركون والخضوع للقدر وفاعليه ، لا يستحبون العودة إلى كراسي التعلم وقد ألفوا الوقوف أمام الصبيان ممثلين للقدسية و العلم والمعرفة ، لكن لعنة الإذعان تصاحبهم ، ترى بعضهم وقد أحس ألفة يداعب هاتفه النقال ، وآخرون على كراسي المسبح ألقوا بجثتهم يتبادلون أطراف الحديث والمستملحات بحثا عن دفء لعله يأتي .
على حلبة المكلاكة يتجنب قذفات خصمه المفتولة عضلاته بروح بهلوانية مرحة ، تليها قهقهة ضحكات من تعطش إلى فرجة تجافيه كلما همّ بها ، تلقى لكمة يمنى خلخلت توازنه ، و يسرى أذهبت وعيه بين يدي مدربه وقد رنت نهاية الجولة ، في غفوته يدلك طبيبه عضلاته الهزيلة ، فظن حالما أنه بين يدي حبيبته تتلمسه منتشية ، فهم بها مقبلا ليستفيق و شفتاه تقبلان يد طبيبه ، فاستكانت القاعة وصدى الصمت يعم المكان ، فسحة يقدمها المؤطرون الجدد كلما أحسوا أن الرتابة أخذت من مخاطبيهم مأخذها ، فينفخون روحا منعشة للعقول المتثاقلة المتثائبة ، فيذيبون جليد الفصل بمستملحات كانت قديما شفوية وأصبحت اليوم مصورة . شريط قصير أثار جنون الضحك وفجأة أسكن الكل وأرهبه ، لا لشيء إلا لأن شارلي طبع قبلة على شفتي حبيبته و لو تمثيلا وفي المنام ، انتصب الطابو ليكتم فيهم الابتسامة ، قبلة حميمية قمعت فيهم عشق و عطش الضحك ، لو هبت كل الأقدار لتفرج عليهم من قبضة الجمود ما أفلحت ، لو جاءهم رسل التقدم ما كانوا لهم تبعا ، انهم خضعوا واستسلموا و أصبحوا أطلالا جوفاء .


قديم 04-22-2013, 07:15 PM
المشاركة 2
عبدالحكيم مصلح
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
النص مهيب أخي الكريم ياسر ،

الوصف رهيب ويعبر عن حالة من الذهول تصيب القارئ لا محالة حين القراءة ،

تحيتي وأحترامي لشخصكم الكريم ،

قديم 04-29-2013, 05:57 PM
المشاركة 3
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أراني أنا التي أجفلتُ جامدة أمام هذا البذخ في التعبير
والصياغة المتأنقة لأفكار رائعة كهذه الفكرة التي تصوّر
حالا آخر من أحوال الجمود الفكري الذي أرزانا في قاع
التخلّف يوم رفضنا الحضارة ولم نتبعها إلا في أرذل الأمور
وغالبا تلك المتعلقة بالشهوة.

أراك فيلسوفا ومفكرا بارعا لَتَمَكُّنِك من ناصية اللغة
وإحكامك لجام الأسلوب، فلا تحرمنا نصوصا كهذه.

أنا في انتظار المزيد.
بوركت

قديم 05-21-2013, 11:13 AM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
النص مهيب أخي الكريم ياسر ،

الوصف رهيب ويعبر عن حالة من الذهول تصيب القارئ لا محالة حين القراءة ،

تحيتي وأحترامي لشخصكم الكريم ،



أستاذي الكريم عبد الحكيم مصلح سرني هذا التوشيح لنصي بأجمل العبارات .
تقديري






قديم 05-21-2013, 11:17 AM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أراني أنا التي أجفلتُ جامدة أمام هذا البذخ في التعبير
والصياغة المتأنقة لأفكار رائعة كهذه الفكرة التي تصوّر
حالا آخر من أحوال الجمود الفكري الذي أرزانا في قاع
التخلّف يوم رفضنا الحضارة ولم نتبعها إلا في أرذل الأمور
وغالبا تلك المتعلقة بالشهوة.

أراك فيلسوفا ومفكرا بارعا لَتَمَكُّنِك من ناصية اللغة
وإحكامك لجام الأسلوب، فلا تحرمنا نصوصا كهذه.

أنا في انتظار المزيد.
بوركت



الأستاذة الكريمة آية أحمد
عظيم الشرف أن أجدك بين أعمالي ، التي تسمو وتزهر وتزداد قيمة بتعليقاتك .
شكرا لك أستاذة



قديم 06-02-2013, 04:48 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الاستاذ ياسر

تقول" على حلبة المكلاكة يتجنب قذفات خصمه المفتولة عضلاته بروح بهلوانية مرحة ، تليها قهقهة ضحكات من تعطش إلى فرجة تجافيه كلما همّ بها ، تلقى لكمة يمنى خلخلت توازنه ، و يسرى أذهبت وعيه بين يدي مدربه وقد رنت نهاية الجولة ، في غفوته يدلك طبيبه عضلاته الهزيلة ، فظن حالما أنه بين يدي حبيبته تتلمسه منتشية ، فهم بها مقبلا ليستفيق و شفتاه تقبلان يد طبيبه ، فاستكانت القاعة وصدى الصمت يعم المكان ، فسحة يقدمها المؤطرون الجدد كلما أحسوا أن الرتابة أخذت من مخاطبيهم مأخذها ، فينفخون روحا منعشة للعقول المتثاقلة المتثائبة ، فيذيبون جليد الفصل بمستملحات كانت قديما شفوية وأصبحت اليوم مصورة . شريط قصير أثار جنون الضحك وفجأة أسكن الكل وأرهبه ، لا لشيء إلا لأن شارلي طبع قبلة على شفتي حبيبته و لو تمثيلا وفي المنام ، انتصب الطابو ليكتم فيهم الابتسامة ، قبلة حميمية قمعت فيهم عشق و عطش الضحك ، لو هبت كل الأقدار لتفرج عليهم من قبضة الجمود ما أفلحت ، لو جاءهم رسل التقدم ما كانوا لهم تبعا ، انهم خضعوا واستسلموا و أصبحوا أطلالا جوفاء ".

- اتفق مع الزملاء عبد الحيكم واية ان هذه المقطوعة تظهر قدرتك الهائلة على التحكم بناصية اللغة والكتابة باسلوب بليغ مؤثر وجميل. استمر.

قديم 06-11-2013, 09:40 PM
المشاركة 7
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ ياسر

تقول" على حلبة المكلاكة يتجنب قذفات خصمه المفتولة عضلاته بروح بهلوانية مرحة ، تليها قهقهة ضحكات من تعطش إلى فرجة تجافيه كلما همّ بها ، تلقى لكمة يمنى خلخلت توازنه ، و يسرى أذهبت وعيه بين يدي مدربه وقد رنت نهاية الجولة ، في غفوته يدلك طبيبه عضلاته الهزيلة ، فظن حالما أنه بين يدي حبيبته تتلمسه منتشية ، فهم بها مقبلا ليستفيق و شفتاه تقبلان يد طبيبه ، فاستكانت القاعة وصدى الصمت يعم المكان ، فسحة يقدمها المؤطرون الجدد كلما أحسوا أن الرتابة أخذت من مخاطبيهم مأخذها ، فينفخون روحا منعشة للعقول المتثاقلة المتثائبة ، فيذيبون جليد الفصل بمستملحات كانت قديما شفوية وأصبحت اليوم مصورة . شريط قصير أثار جنون الضحك وفجأة أسكن الكل وأرهبه ، لا لشيء إلا لأن شارلي طبع قبلة على شفتي حبيبته و لو تمثيلا وفي المنام ، انتصب الطابو ليكتم فيهم الابتسامة ، قبلة حميمية قمعت فيهم عشق و عطش الضحك ، لو هبت كل الأقدار لتفرج عليهم من قبضة الجمود ما أفلحت ، لو جاءهم رسل التقدم ما كانوا لهم تبعا ، انهم خضعوا واستسلموا و أصبحوا أطلالا جوفاء ".

- اتفق مع الزملاء عبد الحيكم واية ان هذه المقطوعة تظهر قدرتك الهائلة على التحكم بناصية اللغة والكتابة باسلوب بليغ مؤثر وجميل. استمر.




شكرا لكم أستاذي أيوب على هذا التشجيع
تقديري لكم .



قديم 07-01-2013, 12:08 PM
المشاركة 8
هوازن البدر
أديـبة وإعلاميـة فلسطيـنيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بيدٍ مرتعشة أكتب هنا ..
ما أقوى الوصف .. عشنا ما كتبتهُ هنا يا سيدي ..
جميل جداً ..
فقد كنت كالسلطان هنا ...
الهوازن

لا شيءيضاهي بزوغ الحب الصادق في قلب امرأة ..أمضت الكثير من الوقت راجفة على شواطئ الإنتظار..

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الأطلال
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
||~ على الأطلال ~ أمل محمد المقهى 6 02-26-2011 07:05 AM

الساعة الآن 09:43 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.