احصائيات

الردود
7

المشاهدات
3423
 
الضيف حمراوي
من آل منابر ثقافية

الضيف حمراوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
9

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Apr 2012

الاقامة

رقم العضوية
11047
03-30-2013, 08:54 PM
المشاركة 1
03-30-2013, 08:54 PM
المشاركة 1
افتراضي الدائرة
الدائرة .
جلست في الساحة العمومية ؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني ، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزينة ، التي تعلو أجسادها المترهلة المتهاوية نحو الارض، تعلوها أدخنة داكنة تنبئ عن اكوام الشقاء المتراكم والخوف المرعب من الآتي؟؟؟.
وانسحب نظري نحو موطئ قدمي ، فوقع بصري على حبة سوداء ضائعة ككل ضعيف من خلق الله في هذه الساحة؛ يسحبه وهم في صورة أمل.
كانت هناك نملة ضئيلة ؛ لا تختلف أحوالها أو مظهرها عن أحوال رواد الحديقة ؛ من العجزة ؛ والمعاقين ؛ والبطالين ؛ والفقراء اليائسين الذين يتبادلون الأماكن دفعا للسأم ، كانت تتحرك مثلهم في غير اتجاه ؛ وبدون هدف ؛ على خلاف ما عرف عن مجتمع النمل في ارض الله الواسعة، وكأنها اصيبت بعدوى أهل البلد ، كانت تبذل جهدها في الهروب ، أو في طلب غاية نسيت مكانها ؛ أو نسيت الطريق المؤدية إليها، فأخذت تتحرك في شكل دائري متعرج ،جانحة نحو اليسار دائما ، لتعود بعد دورة كاملة مرهقة إلى نفس المكان تقريبا ، ثم تبدأ دورة جديدة في نفس الاتجاه ؛ مع انحراف بسيط باتجاه الجنوب الغربي لترسم دائرة جديدة لا تبعد عن سابقتها بسنتمترين في أحسن الحالات ؛ وحاولت أن أتفحص الموقف : ما الدافع وراء هذا السلوك البائس المأساوي؟. هل فقد النمل حكمته ؟. هل أصاب الفساد غريزته ؟. وكيف يحدث ذلك والنمل لا يقرأ جرائدنا ، ولا يسمع أو يشاهد قنواتنا ، ولا يجتمع إلى مسؤولينا وأولي الأمر في بلادنا فتتضرر خلايا دماغه؟. وتفقد اللغات والاتجاهات لديه معانيها ومدلولاتها ؟.
ومددت بصري ؛ محاولا -بكل ما عندي من فضول- استكشاف السر الكامن وراء هذه الجهد العبثي ، وبدا لي أخيرا أنني أدركت بغيتي ؛ إذ كانت هناك حبة حلوى زجاجية بلون العسل ؛ سقطت من فم عجوز كان يمتصها ، فالتصق أسفلها بإسفلت الساحة ، والنمل مغرم بحلاوة السكر ، ومجلوب برائحته ، وحين حاولت الربط بين الدوائر التي ألزمت بها النملة نفسها وموقع حبة الحلوى ، اعتقدت أن الحبة في تقدير النملة ؛ ومسحها الراداري وحساباتها ،كانت داخل القسم الشمالي لمسارها الدائري ، وقدرت ألا تصلها ، بسيرها هذا ، قبل مرور وقت طويل بمقتضى واقع حالها وحركتها. ؛ فوطنت النفس على الصبر حتى أرى ما ستنتهي إليه هذه الرحلة الدائرية ، هذا إذا صدق ظني ، و إذا كانت حبة الحلوى هي بغيتها فعلا ، وهو ما لم أكن متأكدا منه .

مر وقت ، بدا لي فيه أن النملة قد وهنت وخارت قواها ؛ و أصبحت أكثر بطْءاً و اقل أتزانا ، وزاد تعرج خط سيرها الدائري وأصبح مسارها يشكل خطا منكسرا ، كأنه مسار إبرة تخيط طرف ثوب قماشه محكم النسج قاس ؛ وفي هذه الأثناء مر أحدهم وداس على حبة الحلوي ؛ فالتصقت بحذائه ، وذهب بها ، وكنت أتوقع أن تتوقف النملة ، ولكنها واصلت سيرها كأن شيئا لم يحدث ، وكأنها كانت تسعى لهدف آخر غير ما توهمت انا ، ولكنني أصررت في داخلي على ضرورة أن يكون هناك علاقة بين حركة النملة وحبة الحلوى ؛ وستصل غايتها ؛ وتلتقط ما بقي من أثر السكر المسحوق الملتصق بالإسفلت ، وانتظرت وخاب ظني إذ مر مسار النملة بعيدا عن المكان الذي كانت به حبة الحلوى، وتيقنت أن ما أصاب هذه النملة هو ما أصابنا جميعا من هول القحط وطغيان الاسفلت ؛ فالعقول ، والقلوب ، و التصورات ، والبشر وعلاقاتهم ، والساحة كلها شيء واحد ، كل أسفلتي متجانس . وأنا والنملة ؛ فقدنا حاسة إدراك معنى الوجود ؛ والقدرة على تحديد الاتجاهات فتهنا في دوران لا متناه في ساحة الإسفلت ؛ عبر حلقات مفرغات ؛ بدون هدف ؛ أجزاؤها سنوات أعمارنا ، لنوهم أنفسنا والأخرين أننا نتحرك ، لنكتشف في الأخير أن كلا منا مستقر في مكانه. أما سليمان وجنوده فقد تأكدوا قديما أن ملوك النمل وحكماءه ، لا يحسنون التحريض على الثورة ، أو الدفاع عن الأوطان والحقوق ، وهم بطبعهم لا يحسنون إلا الحث على الفرار والاختباء ،" ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " والميت ومن دخل جحره سيان وبالتالي فسليمان وجنوده هم وحدهم الأحياء المتحركون منتشين مزدهين هناك في الأعالي على بسط الريح الوثيرة ، يستمتعون بما سخر لهم من تياراتها ومن إنس وجن وهوام وسوائل وثروات الضالين والمغضوب عليهم من الرقيق والعوام ، على ظهر الأرض وفي باطنها ، وقد سدوا أذانهم كي لا يسمعوا أنين المداسين إلى أن تدور الدائرة.
الضيف حمراوي
30/3/2013



التعديل الأخير تم بواسطة حميد درويش عطية ; 04-07-2013 الساعة 06:42 PM
قديم 03-30-2013, 11:18 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رائعه ولطلما انتظرت ابداعك فلا تحرمنا من هذا السرد الاستثنائي بحق طبعا اسلوبك من السهل الممتنع وهوعادة عميق المعنى

قديم 04-04-2013, 03:30 PM
المشاركة 3
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
رائع ما قرأت وإن كنت أراه نصا أقرب إلى المقال السياسي أو الاجتماعي منه إلى القصة.
لمست فلفسة عميقة في تحليلك، ووعي متقد بأحوالنا، وقدرة على صياغة الفكرةاعتمادا على
ثقافة ملفوفة بنسيج محكم هو أسلوبك السلس.

بورك أ. ضيف حمراوي.
تحياتي.

قديم 04-04-2013, 04:26 PM
المشاركة 4
فاتحة الخير
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله


شكرا لك سيدي على هذه التحفة الفنية المنسوجة بآهات أيامنا وليالينا، المطرزة بمعاناة وقهر استمرت سنين عجاف.
لكنني أظنك رسمت هذه اللوحة قبل أن يخرج النمل من مساكنه ضاربا عرض الحائط كل قتل وهدم وتشريد ومسح شامل لسلالته من على وجه الأرض، بل ودارت الدائرة على بعض والآخر ربما ما زال ينتظر....
صحيح أن الثمن غال جدا، لكن الحصول على الحرية والكرامة أغلى بكثير.


همسة فقط:
أنا لست معك في تشبيه من بيده مقاليد أمورنا بنبي الله سليمان الذي كان يأتمر بأوامر الله وينتهي بنواهيه.


استمتعت بقراءة هذه القصة فشكرا لك

قديم 04-04-2013, 06:09 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستاذة أية احمد

تقولين "رائع ما قرأت وإن كنت أراه نصا أقرب إلى المقال السياسي أو الاجتماعي منه إلى القصة".
- اسمحي لي استاذة اية ان لا اتفق معك في ان النص اقرب الى المقال السياسي..بل هو نص سردي محبوك بصورة جميلة وقصة النملة يسقطها الكاتب على الواقع بمهارة وسحرية فذة.





قديم 04-05-2013, 12:34 AM
المشاركة 6
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نص جميل حقا وربما ماتقصده الأستاذة آية أحمد ، أن السطور الخمسة الأخيرة سقطت في المباشرة وربما كان بالإمكان تجنبها وغلق النص عند الجملة التالية لا يحسنون التحريض على الثورة. وحتى كلمة الثورة شيئا ما ثقيلة .
شكرا للكاتب المتألق الضيف حمراوي

قديم 04-07-2013, 04:04 PM
المشاركة 7
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
نص جميل حقا وربما ماتقصده الأستاذة آية أحمد ، أن السطورة الخمسة الأخيرة سقطت في المباشرة وربما كان بالإمكان تجنبها وغلق النص عند الجملة التالية لا يحسنون التحريض على الثورة. وحتى كلمة الثورة شيئا ما ثقيلة .
شكرا للكاتب المتألق الضيف حمراوي
شكرا أستاذ ياسر لإنابتك عنّي في الإجابة عن تعليق الأستاذ أيوب، إذ ذاك ما قصدته حقا.

تحياتي.

قديم 10-03-2014, 12:12 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قصص الحمراوي دائماً عميقة رائعة وفي كثير من الاحيان ساخرة . واضح ان هناك خلاف بين كون النص قصة ناجحة ام انها موعظة ومقال سياسي ؟

من ناحيتي لقد تابعت بشوق شديد قصة النملة ولم اجد ان هناك مشكلة في نهاية القصة ولو انها جاءت باسلوب الكتابة المباشرة . ....

الدعوة مفتوحة لمن يحب ان يشارك في النقاش حول الخلاف بين ان النص قصة ام موعظة ؟


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الدائرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وتدور الدائرة … ياسَمِين الْحُمود منبر القصص والروايات والمسرح . 6 07-01-2022 07:40 PM
العصفورة الحائرة أيمن دراوشة منبر الشعر العمودي 3 12-13-2020 08:18 PM

الساعة الآن 01:08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.