قديم 12-05-2011, 10:11 PM
المشاركة 11
غادة قويدر
أديـبة وشـاعرة سـوريـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المكرم أيوب صابر
قراءة رائعة ومفيدة ..
اسلوبك جميل جدا في النقد وتبيان ما ترمي اليه الصورة الشعرية
وايضا استنباط ما تكتنزه روح الشاعر من ابداع فتسلط الضوء عليه وبجدارة
كل الشكر لك والتقدير
ودوام التألق والابداع لشاعرنا القدير عبد اللطيف غسري
تحيتي لكم

قديم 12-07-2011, 08:58 AM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الاستاذة غادة قويدر

مرورك ومداخلتك اجمل....ولا شك انني اصبحت الاحظ حضورك المميز هنا.

يجب ان نحاول اغناء المحتوى العربي والتوقف عن المجاملات في الردود...

نحن بحاجة لتحليل النصوص ومعرفة كنهها وما ترمي اليه ومدى ارتباطها بواقع الشاعر او المبدع.

صحيح ان ذلك يتطلب جهد لكننا في النهاية نحصل على محتوى عربي غني بالمعرفة يوفر مادة تعليمية للشباب الهواة ويساعد على صقل قدرتهم الابداعية.

حبذا لو يتم التفاعل مع هذا المشروع واطلاق اكثر من مشروع موازي لما فيه الفائدة.

قديم 01-05-2012, 02:02 PM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قراءة معمقة لرائعة اخرى من روائع الشاعر الاستاذ عبد الطيف غسري:

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر الاستاذ عبد اللطيف غسري:



http://www.mnaabr.com/vb/showthread....d=1#post101926

قديم 01-26-2013, 02:43 AM
المشاركة 14
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحية للأستاذ الفاضل الذي تناول باستفاضة تحليل القصيدة الشيقة حتى رأيته ينسكب كماء شلال من عل .
قرأت القصيدة ولم أتبين كل خفاياها إلا بعد أن تنورت بنقدك الرائع .
فقط لي ملاحظة واحدة ألا ترى معي أستاذي الكريم أن هذا البيت هو من أعطى انطلاقة جديدة للقصيدة
ويغتسل الجمر من ماء حرفي... ومن ودق قافيتي المنزل
إذ فيه تناص كامل مع بداية القصيدة ، وهنا يعيد الشاعر افتخاره بشعريته الناتجة عن حرمانه من التفاعل مع المحبوب .
منذ قراءتي الأولى استثارني هذا البيت إذ فيه يكاد الشاعر يقول ، أنا من نظر الأعمى الى أدبي ....
ويزداد اتضاحا في البيت الموالي
غزلت رداء الحكايات حتى ..... توعدني ضجر المغزل
أعود الى قصة الجمر المغتسل لنستبين ماهية الغسل من انشراح وطهارة و اخماد للنار المحترقة التي نالت من الشاعر في بدايته ليكون شعره هو البلسم الشافي الذي طهره من أمراضه و هو نفسه من سيأتي له بحبيبته .
أخيرا إن لم أوفق في ملا حظتي فأرجو المعذرة وشكرا للشاعر وقارئه
ودام إبداعكما.

قديم 01-26-2013, 11:05 AM
المشاركة 15
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اشكرك استاذ ياسر علي.

واضح انك تهتم بالشعر وتذوقه. ليتنا نستطيع اكمال هذا المشروع الذي اطلقناه والهادف الى تقديم قراءات نقدية لاشعار الاستاذ عبد اللطيف غسري، هنا وليتك تتعاون معي في هذه المهمة ما دام لديك هذه القدرة في قراءة الشعر الجميل. علما بأني لا ادعي بأني اتبين خفايا نصوصه الا بشق الانفس. شعره صعب لكنه بديع وجميل ويستحق ان يدرس . ولعل الجهود المشتركة تسهل مهمة فهمه.

قديم 05-19-2013, 12:30 PM
المشاركة 16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
يا ترى اين هو الاستاذ غسري. من زمان ما طل علينا.

قراءة معمقة لقصيدة "الى البحر اطوى كل موج" ..على الرابط التالي:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6048

قديم 05-30-2013, 11:57 PM
المشاركة 17
عبد اللطيف غسري
شاعر ومترجـم مغـربي
  • غير موجود
افتراضي
أجدد الشكر الجزيل للأستاذ الكريم أيوب صابر على اهتمامه الحثيث بالشعر وأهله..
لا شك أن الشاعر يمتلئ أملا وثقة في مستقبل الشعر حين يجد من يهتم بما يكتب.
آمل أن تجد دعوة الأستاذ أيوب آذانا صاغية عند من يهتمون بالشعر والأدب.
أشكر أيضا الأستاذ ياسر علي على تعقيبه الجميل.
معذرة على التأخر في الرد.

قديم 08-14-2014, 01:49 PM
المشاركة 18
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي

قراءة نقدية لنص(همسات في آذان البحر)للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري
بقلم: عباس باني المالكي

لقلبيَ أن يحضن الموجَ،
أن يسأل الوقت كم عدد السمكات اللواتي تعبنَ
من الغوص في عنق الماءِ
أو من مصافحة البحر إثر أفول المرايا
ولم أستطع أن أضمّ
شفاه التباريح عن كشف خارطة الشوقِ
قلت له تلك أمنيتي أيها البحرُ؛
أن أركب الرمل فوق كثيب الحنينِ
فأنثر بين يديك حبيبات بوح ستخضل تنورة العشقِ
من زهرها المستباحِ
بليل تراوده ذكريات الصباحِ
وأمنيتي أن أجيئك فوق جناح السنونو،
إناث البلابل يتبعْنني
قد سكرْنَ بخمر الأقاحي
تضج حناجرهن بسيمفونية الشرقِ
كم ضاع في صمتك العذب من حلُم أيها البحرُ
لا تنسَ أنك كنت لفيفا من الضوءِ
يحمل بارقة التوقِ
نرسم تحت صبيبك أحلامنا عن عيون الصبايا
ونرتاح من شبق السوءِ
فوق ظلالك يوم تعج خواطرنا بغثاء الخطايا
ونملأ منك جِرارَ انتشاءٍ
بماء جزيئاته من حروف النوايا
وفوق جبينك نطبع من شفة الدفءِ
ما قد يطيب لنا في مقام القصيدةِ
من قبلات التأسي

عبد اللطيف غسري
بوجدور / صيف 2009
أن الارتقاء بدلالة النص إلى مستوى الذي يحقق انزياح في تكثيف الصورة الشعرية وفق الاستفادة من الاستعارة الوجودية التي تقارب المشاعر الداخلية ومخاضاتها إلى حركة الطبيعة التي تلتصق بالذات وتقاربها بالمعاناة وكأن الطبيعة هي الرؤى لكل ما نشعر به من مشاعر وأحاسيس ... لهذا يعتمد عمق النص قدرة الشاعر على تقريب مشاعره الداخلية إلى الطبيعة وما تحققه من تناغم وتمازج إلى حد تصبح الطبيعة والذات كل منهما يعبر عن الأخر ، حيث تصبح الاستعارة هنا هي النسق المتوالد في توسيع لغة الشاعر وفي نفس الوقت تعطي إلى الشاعر القدرة العالية على تكثيف وترميز النص وفق هذه الاستعارة وكما أكد عليها جاكويسون أن الشعر يتمحور على الاستعارة كتقنية أسلوبية ..فالاستعارة تعطي الشاعر المحاولات التي توصله إلى اقتناص المسافات الشاسعة بالتعبير الكامل عن مشاعره الكامنة في لحظة تصادمه مع المحيط حوله ، فالشعر كما أعتقد هو محاورة الذات في أقصى أزمتها من أجل الكشف عنها بهذا تبقى نقطة التمحور بين الذات والتعبير عن أزمتها هي الصياغة الصورية للتقارب الكبير بين العاطفة وفكرها .. فكل المدركات لا يمكن أن نراها ونجسدها بشكل كبير إذا لم تكن لها صورة لأن الصورة هي أدراك الموجودات في ذاكرة الأحاسيس ..فنجد أن الشاعر عبد اللطيف غسري قد استفاد من هذه الاستعارة ما جعل نصه هذا بمستوى النضج الصوري وتركيباته حيث نلاحظ الانزياح والتجاذب الصوري بينه والبحر ...

لقلبيَ أن يحضن الموجَ،
أن يسأل الوقت كم عدد السمكاتاللواتي تعبنَ
من الغوص في عنق الماءِ
أو من مصافحة البحر إثر أفولالمرايا
ولم أستطع أن أضمّ
شفاه التباريح عن كشف خارطة الشوقِ
فقلت له تلكأمنيتي أيها البحرُ؛
أن أركب الرمل فوق كثيب الحنينِ
فأنثر بين يديك حبيباتبوح ستخضل تنورت العشقِ




حيث نلاحظ هنا أن الشاعر قد أستخدم اللغة المعبرة بكاملها عن التقارب الوجودي بين دقات القلب وموج البحر وهذا يعتبر قدرة رائعة على تحقيق التجاذب في ألاستعارة بين الموج ودقات القلب وقد أستخدم هنا الاستعارة بوصفها مجازا حيث أن قدرة أي شاعر تظهر من خلال الاستخدام الأمثل إلى الاستعارة لأنها العنصر الأهم في العملية الإبداعية وذلك لارتباطها بالإلهام والإبداع وكما أنها مرتبطة بأحداث الانزياح في تركيب الصورة الشعرية وما أكد عليها الشريف المرتضى ( أن الكلام متى ما خلا من الاستعارة وجرى كله على الحقيقة كان بعيدا عن الفصاحة بريا من البلاغة ) حيث نلاحظ الشاعر عبد اللطيف غسري أستخدمها ليبني في هذا النص اللغة الإبداعية التي استطاعت أن تقارب البحر مع تموجات روحه القلقة لأننا نلاحظ أن الشاعر في هذا المقطع قارب لغة البناء المعماري في اللغة فهو بقدر ما يدعو إلى الغوص يرى المرايا التي تعكس الظواهر حيث نجد مداخلة كبيرة في إحداث الانزياح الانسيابي وليس القصري فهو يدعو إلى قلبه أن يحضن الموج وهذه صورة شعرية عالية الاستعارة لأنها تمزج بين القلب الذي هو مركز حياة الإنسان وبين الموج أي أن الشاعر يريد أن يقول من خلال هذا أنه يعيش القلق الوجودي بكل أبعادة البستمولوجية أي عمق الحياة الحضارية فالغوص هو البحث عن الحقيقة الحياتية ولكن نجد هنا الغوص من خلال عنق الماء أي أن الحياة ضاقت عليه بالرغم من قدرته على امتلاك العمق الرؤيا وسعة أزمته ( لقلبيَ أن يحضن الموجَ، /أن يسأل الوقت كم عدد السمكاتاللواتي تعبنَ /من الغوص في عنق الماءِ)
ولكن هذا العمق وسعة الأزمة تبقى ظاهرا في المرايا وهنا أستخدم استعارة التضاد فهو بقدر مايملك من مشاعر وجدانيه عميقة يبقى الأخر لا يرى العمق إلا في المرايا وهذه هي أزمة الشاعر هنا في هذا النص هو يريد أن يعيش العمق والأخر تجذبه ظواهر الحياة الأفله(أو من مصافحة البحر إثر أفولالمرايا ) وهو بهذا أستعار البحر بدل الحبيب ليرسم أناشيده ، والسبب الذي دعا الشاعر لهذه الحالة هو أن الأخر لا يمكن أن يستوعب عمق روحه في الشوق و الحنين إليه لهذا حدث تجاذب نفسي بين روحه والبحر ليحقق التوازن النفسي الدلالي في استيعاب همومه التي لا يدركها الأخر، أي أن البحر أصبح هو الحبيب الذي ينشده فالشاعر ارتقى بدلالته الشعرية إلى إضفاء الصفات الإنسانية على كل من المحسوسات المادية والأشياء المعنوية أي جعل من المعنوي ماديا أو حسيا على سبيل الاستعارة ، وهذا مركز أبداع الشاعر وقدرته العالية في توسيع أفقه الشعري والبناء العميق للنص وفق أنساق التجاذب الوجودي لأزمته الإنسانية ( ولم أستطع أن أضمّ /شفاه التباريح عن كشف خارطة الشوقِ /فقلت له تلكأمنيتي أيها البحرُ؛ )
حيث يبقى شوقه خارج خارطة الشوق ، لهذا يبقى متشبث بالبحر رمزا للحبيب في كل مخاضاته الوجودية والإنسانية لأنها أكبر من أدراك الأخر لكل هذه العشق في داخله إليه ، وقد يكون هنا الشاعر لايستطيع البوح إلى الأخر بمكنوناته لأسباب أو أن الشاعر يدرك أن الأخر لا يستطيع أن يستوعب عمق أحاسيسه وفي كلا الحالتين تبقى أزمته يعيشها في ذاته فكان البحر هو المستوعب لكل هذا ، فهو هنا خلق التماثل الشخصي ل(الأنا ) ومثلها بالبحر لتقارب أو التجاذب النفسي لحقيقة مشاعره المتقاربة من صورة البحر ...

من زهرها المستباحِ
بليل تراوده ذكرياتالصباحِ
وأمنيتي أن أجيئك فوق جناح السنونو،
إناث البلابل يتبعْنني
قدسكرْنَ بخمر الأقاحي
تضج حناجرهن بسيمفونية الشرقِ
كم ضاع في صمتك العذب منحلُم أيها البحرُ
لا تنسَ أنك كنت لفيفا من الضوءِ
ويستمر الشاعر بالصورة الأستعارية ذات الطاقة الجمالية وما يرافقها من تداخل الحواس مع تماثل البحر، فهنا ارتفعت الذات إلى مستوى الرمز ، ولكي يكتسب هذا الرمز أبعاده الوجودية من امتداد خلال مدارك الحواس وتمثل هذه الحواس إلى الصورة تستمد مقوماتها في الفعل الذهني المترابط مع تشظي وجدان الشاعر ومداركه الشعرية ..، عندها تقفز الذات إلى تمثيل الوجود الذي حولها لكي تكسب الحقيقة في خلق تصوراتها الإنسانية ، وهذا ما فعله الشاعر عبد اللطيف بقدرة عالية اللغة والمستمدة نسقها من ضخامة معاناة هذا الشعر وأزمته النفسية ، حيث اكتسبت الصورة المتمثلة بالبحر والموجودات التي حوله ، حيث نلاحظ أن الشاعر هنا يمازج بين ذاته وهذا الموجودات وانفتاح هذا بأفق واسع كما نلاحظ في هذا المقطع ( من زهرها المستباحِ /بليل تراوده ذكرياتالصباحِ /وأمنيتي أن أجيئك فوق جناح السنونو،/إناث البلابل يتبعْنني /قدسكرْنَ بخمر الأقاحي ) وهنا الشاعر يحقق رؤاه الحلمية بالانتقال من التجاذب مع أمواج البحر التي تذكره بالحبيبة الغائبة في حاضره الآن ، الشاعر كان أمام البحر وبعد أن هدئت روح من هيجانها وأطمئن أنتقل إلى الحبيبة فهو يريد أن ينتقل إليها على أجنحة السنونو فقد سكر بخمر الأقاحي ، لأن الشاعر بعد أن تمازجت روحه الهائجة مع أمواج البحر وأطمئن من حبها أراد أن ينتقل إليها ، أي الشاعر بعد ما تأكد من حب حبيبته وعمق هذا الحب أراد أن يعبر لها عن هذا الحب لأنه وصل إلى حالة السكر بخمر الأقاحي أي أن روحة أطمئنت إلى هذا الحب ، و لإدراكه ببعد هذه الحبيبة أنتقل إلى مغازلة البحر ، وهذه المرة كان البحر متمثل بحبيبة وليس كما كان في المقطع الأول بين ذاته والبحر من خلال الحوارية ( تضج حناجرهن بسيمفونية الشرقِ /كم ضاع في صمتك العذب منحلُم أيها البحرُ /لا تنسَ أنك كنت لفيفا من الضوءِ ) حيث نلاحظ هدوء ذاته وتأكد انتمائها إلى الشرق ، أي هو يؤكد انتمائه العربي ، وقد تكون هذا الحبيبة من الجهة الثانية من البحر لأن الشاعر هنا يؤكد على أن البحر هو لفيف من الضوء أي أن الشاعر كثيرا ما يحدق في النهارات إلى البحر وبعد حبيبته خلف هذا البحر ، والجمال الذي يكمن في هذا النص تدرج ذات الشاعر من الموج والتشظي إلى الهدوء السيمفوني وكأنه يعزف سيمفونية بتوترها وهبوطها وتوترها .. وهذا السبب الكبير أن الشاعر حافظ على صورته الشعرية رائعة لنهاية النص ....
يحمل بارقة التوقِ
نرسمتحت صبيبك أحلامنا عن عيون الصبايا
ونرتاح من شبق السوءِ
فوق ظلالك يوم تعجخواطرنا بغثاء الخطايا
ونملأ منك جِرارَ انتشاءٍ
بماء جزيئاته من حروفالنوايا
وفوق جبينك نطبع من شفة الدفءِ
ما قد يطيب لنا في مقامالقصيدةِ
من قبلات التأسي
ينتقل الشاعر بثلاث حالات الأولي وهو مفرد أمام البحر و حواره معه والثانية يتذكر الحبيبة والثالثة ينتقل إلى الجمع ( نرسم،نرتاح ،نملا )أي يجتمع مع حبيبته أي أن النص يحتوى على ثلاث محاور داخلية محاورة مع البحر محاورة مع الذات و الاجتماع مع الحبيبة ، فالشاعر حقق منولوج داخلي في توتراته الوجدانية والعاطفية حيث أستطاع أن يحتفظ بالتأويل الدلالي في عمق صورة النص ، فهو أستخدم لغة مطابقة ما نظر إليها سوسير* والذي رفض على أعتبار اللغة بوصفها ركاما من الكلمات ، بل نلاحظ أن الشاعر جعل من اللغة هو الفعل العقلي التصوري في الحياة أي كما قال سوسير ( إن اللغة نظاما يعتمد على التقابل بين وحداته الملموسة ) حيث أن الشاعر قارب حواره مع الموجودات من صورة شعرية وأضفى عليها الحياة ، فأرتفع باللغة وجعلها المعبر الحقيقي عن ما أراد أن يوصله فهو حقق البنية العميقة في اللغة كما نلاحظ في هذا المقطع ( يحمل بارقة التوقِ /نرسمتحت صبيبك أحلامنا عن عيون الصبايا /ونرتاح من شبق السوءِ /فوق ظلالك يوم تعجخواطرنا بغثاء الخطايا ) فهو يستمر بمناشدة البحر ولكن هنا هو بقى يرى بالبحر العمق الذي يريد والمعبر عن كل الأشياء التي تمناها في الحياة فهو يحمل بارقة التوق ويرسم تحت صبيبه أحلامه إلى عيون الصبايا أي ما يحمل البحر من رمزية تمثل كل توق وتطلعاته التي ينشدها ، فالبحر بنقائه الشاسع الذي لا يستطيع أحد أن يلوثه تحول في رؤى الشاعر التي تثقلها أزمته إلى رمز الحياة نفسها فكل ما يعيش الشاعر من خواطر ورغبة إلى النساء ( الصبايا) والتي تبقى دفينة ذاته ولكنه يكشفها إلى البحر فالبحر تحول إلى رمز يخزن أسراره كذاته الباطنية التي لا يجد ما يقاربها سوى هذا البحر فهو يرمي إليه كل همومه وحتى شبق السوء ، لأنه أصبح بوسع ذاته ومستوعبا لها فهو عندما يكون أمام البحر يكون متقارب إليه كثيرا فحتى ظلاله تعج بخواطره بغثاء الخطايا ( ونملأ منك جِرارَ انتشاءٍ /بماء جزيئاته من حروفالنوايا /وفوق جبينك نطبع من شفة الدفءِ /ما قد يطيب لنا في مقامالقصيدةِ /
من قبلات التأسي ) وأننا ندرك أن الشاعر دائما أمامه البحر وقد يكون أمام نافذته أي دائما يقع نظره يقع عليه لهذا أمتلك كل مساحات روحة وهمومها أي الشاعر توحد ومتزج معه إلى حد أصبح يملا منه جرار انتشاء ، و في كل ما يحاول أن يفعله في الحياة ، الشاعر أستطاع يعبر عن عنوان النص بشكل كامل إلى حد ندرك أنا النص كله هو عبارة حقا عن همسات في أذان البحر لروحة الحاضرة والمتماهية به ...فالشاعر سيطر على لغة وجعلها المعبرة القريبة إلى روحة وقد مزج معها الرمز مع الاستعارة الواسعة والذي أضاف إلى نص روعة عالية في الصورة والتأويل الدلالي في نسق فكري عاطفي رائع وجميل .

قديم 08-14-2014, 01:55 PM
المشاركة 19
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قراءة معمقة في قصيدة "الجرس الخفي" للشاعر عبد اللطيف غسري
:
بقلم الناقد الاستاذ ايوب صابر

الجَرَسُ الخَفِيُّ

عبد اللطيف غسري


بِدَاخِلِي مِنْ كِنايَاتِ الأنَا جَـــــرَسُ
مَعْنَى السُّكونِ بِهِ نَاءٍ وَمُلْتَبِــــــسُ

يُدَقُّ حِينَ يَصُبُّ الغَيْمُ أحْرُفَــــــــهُ
زَخَّاتِ حَشْرَجَةٍ يَهْمِي بهَا الهَـــــوَسُ

أيْنَ الوَمِيضُ وَهَذا الصَّدْرُ بَوْتَقََـــةٌ
حَمْرَاءُ مِنْ كُلِّ إحْسَاسٍ بهَا قَبـــَسُ

أيْنَ السَّبيلُ... مَسِيرُ الذاتِ هَرْوَلَــةٌ
فِي مَهْمَهِ الليْلِ لَمْ يَفْطِنْ لَهَا العَسَسُ

إنَّ المَسَافاتِ فِي دَرْبِي مُجَنَّحَــــــةٌ
يَكْبو على إِثْرِهَا البِرْذوْنُ والفـَرَسُ

شَوْطًا قَطعْتُ وَشَوْطٌ كادَ يَقْطعُنِــي
وَمُمْسِكٌ بِتلابِيبِ المَدَى النَّفَـــــــسُ

فَهَلْ أضَعْتُ بِجَيْبِ الوَقْتِ بَوْصَلَتِي
إنِّي لَأطلُبُ آثَارِي وألْتَمِـــــــــــسُ

وَما بَرِحْتُ مَكانِي قَيْدَ أُنْمُلَـــــــــــةٍ
وَما شَهِدْتُ زَمَانِي وَهْوَ يَنْتَكِـــــسُ

أنا المَشُوقُ إلى ما فاتَ مِنْ زَمَــــنٍ
أطْلالُ قَلْعَتِهِ تَهْوِي فَتَنْــــــــــدَرِسُ

هَذِي نسَائِمُهُ حَمَّلْتُهَا كُتُبِـــــــــــــي
وكُلُّ حَرْفٍ بِها فِيهِنَّ مُنْطَمِـــــــسُ

لَكِنَّمَا الجَرَسُ المَخْبُوءُ فِي جِهَــــــةٍ
مِنْ مَوْطِنِ الرُّوحِ يُغْرينِي بهِ الأنَسُ

يَهُزُّنِي كُلَّما أغْفَيْتُ عَنْ هَدَفِــــــــي
وَالكَوْنُ فَوْقَ مَرَايَا النَّفسِ يَنْعَكِـــسُ

وَلَسْتُ آنَفُ إنْ أسْرَجْتُ قافِيَتِــــــي
إلى المُنَى، حَوْلَهَا مِنْ أدْمُعِي حَرَسُ

مِنْ أنْ أنامَ على أسْمالِ خاطِــــــرَةٍ
أوْ أنْ يَكونَ طعَامِي التَّمْرُ والعَدَسُ

إذا يَضُخُّ المَدى فَوقِي غَمَائِمَـــــــهُ
مَاءُ التَّفَكُّرِ مِنْ عَيْنَيَّ يَنْبَجِـــــــــسُ

أُجَالِسُ النَّهْرَ مَفْتونًا بِجِدَّتِــــــــــــهِ
لا يَسْتَحِلُّ خُدُودَ الضِّفَّةِ الدَّنَـــــــسُ

أُلْقِي بهِ زَوْرَقِي المَشْبُوبَ عَاطِفَـــةً
لعَلَّهُ عَنْ لِقائِي لَيْسَ يَرْتَكِــــــــــسُ

لعَلَّ أشْرِعةَ الآتِي تَجُوبُ بـــــــــهِ
أعْمَاقََ رُوحِي فَيَبْلوهَا وَيَنْغَمِـــــسُ

تَمُرُّ بِي كَلِماتُ النَّهْرِ صَامِتَــــــــةً
صَوْتُ التأمُّلِ مَحْفُوفٌ بِهِ الخَرَسُ


هذه هي القصيدة الثانية التي أحاول سبر أغوارها وتقديم قراءة معمقة لها للشاعر الظاهرة عبد اللطيف غسري، وهي لا شك قصيدة جميلة جدا ذات موسيقى عذبه وفيها صور شعرية جميلة للغاية، كما أنها محبوكة بصورة فذة، سخر فيها الشاعر كل عناصر القوة التي تجعل من النص الشعري، فذ، وعبقري، وجميل، وبليغ، ولا شك أن لها وقع مؤثر للغاية على نفس المتلقي رغم طابعها الفلسفي العميق والمعقد من حيث المعنى.

القصيدة تبدو ومن مطلعها أنها مناجاة يناجي فيها الشاعر نفسه فهو يسمع في داخله صوت جرس يدق لكنه جرس خفي، ومن هنا جاء عنوان القصيدة "الجرس الخفي" ولا شك أن هذا العنوان جاء موفقا، وهو حتما مدو ويعبر بقوة عما يجول في خاطر الشاعر، وفي نفس الوقت له وقع شديد على أذن المتلقي... ويوقظ في نفسه الإحساس بالجمال والروعة من اللحظة الأولى.

ومهارة الشاعر تظهر حتى من مطلع القصيدة فهو لا يضيع وقت بل يخطف أنظار وانتباه المتلقي فورا من خلال حشد المحسنات المؤثره في ذهن المتلقي، فنجد في العنوان استثمار للتضاد في المعاني (جرس – خفي) وطبعا فيه استفزاز لحاسة السمع، وهي الحاسة الأهم لدى المتلقي، وفيه أثارة تجعل المتلقي يندفع للقراءة لمعرفة قصة ذلك الجرس الخفي.
وبعد أن يشد الشاعر انتباهنا بقوة بقرعه لذلك الجسر الخفي يدعونا إلى رحلة نعبر خلالها إلى ثنايا نفسه حيث يكمن ذلك الجرس:

بِدَاخِلِي مِنْ كِنايَاتِ الأنَا جَـــــرَسُ
مَعْنَى السُّكونِ بِهِ نَاءٍ وَمُلْتَبِــــــسُ

ففي هذا البيت، والذي هو مطلع القصيدة، يخبرنا الشاعر بأن في داخله جرس، ويصف لنا الشاعر حال هذا الجرس فهو يدق باستمرار ولا يكاد يستكين أو يسكن.
وكأن الشاعر يتحدث عن الساعة البيولوجية في داخل كل منا والتي يجيد البعض الاستماع لدقاتها، وهي كما يخبرنا الشاعر عنده لا تتوقف عن الرنين، لكن لا بد لنا أن نتابع القراءة لنعرف أسباب استمرار تلك الساعة( الجرس) في الرنين عند الشاعر.

وقد أبدع الشاعر إذ ضمن في ثنايا هذا البيت التضاد في معنى الكلمات (الجرس والسكون) وهي من المحسنات بالغة التأثير في جلب انتباه المتلقي، كما أننا نكاد نسمع الجرس وهو يدق إذ يستثير الجرس فينا حاسة السمع، وندهش حينما نعلم بأن ذلك الجرس داخلي يدق في ثنايا الأنا وفي ناحية من نواحي كيانه.

يُدَقُّ حِينَ يَصُبُّ الغَيْمُ أحْرُفَــــــــهُ
زَخَّاتِ حَشْرَجَةٍ يَهْمِي بهَا الهَـــــوَسُ

في هذا البيت يخبرنا الشاعر بأن ذلك الجرس الكائن في زاوية من زوايا الذات الشاعرة... يدق حين يصب الغيم أحرفه... ولا بد أن الشاعر يشبه هنا ذاته الشاعرة بالغيم الذي يصب أحرفه كزخات حشرجة...والأحرف لا بد أنها كناية عن الأشعار أو الأفكار أو الأحاسيس والمشاعر التي تهطل في ذات الشاعر على شكل زخات وكأنها زخات المطر، أي غزيرة ولها صوت الحشرجة وربما في استخدام كلمة حشرجة ما يشير إلى الألم والمعاناة.

كما يخبرنا الشاعر بأن مصدر كل تلك الزخات هو الهوس، وهي حالة نفسية تصيب الذات الشاعرة فينتج عنها زخات من الأفكار أو الأشعار أو الأحاسيس والمشاعر تنهمر كما المطر في ثنايا الذات الشاعرة...ومثل هذه الحالة النفسية التي تشير إلى افتنان أو هوس الشاعر بأمر ما وربما هي ذاته الحساسة الشاعرة والتي دائما تغمرها الأحاسيس الملتهبة! وهي حتما ما يتسبب في أن يدق ذلك الجرس المخبوء في ناحية من نواحي الذات الشاعرة.

وهذا البيت يستنفر حواس المتلقي ويوقظها بسبب استخدام كلمات (يدق، وزخات، وحشرجه)، وفيه صورة شعرية جميلة للغاية...وفيه تشخيص للهوس.

أيْنَ الوَمِيضُ وَهَذا الصَّدْرُ بَوْتَقََـــةٌ
حَمْرَاءُ مِنْ كُلِّ إحْسَاسٍ بهَا قَبـــَسُ

وفي هذا البيت يخبرنا الشاعر ومن خلال هذا التشبيه البليغ ( الصدر بوتقة ) بأن صدره والذي هو مكمن الأحاسيس والمشاعر يمثل بوتقة حمراء تشتمل في ثناياها على قبس من كل إحساس يشعر به الشاعر...ولكن الشاعر يتساءل مستغربا ومستعجبا...كيف لا يصدر عما يدور في صدره وميض!؟ رغم أن ذلك الصدر تحول إلى بوتقة تحوي في ثناياها قبس من كل إحساس لا بد ملتهب..فأصبحت بوتقة الصدر حمراء من شدة الحرارة طبعا، حرارة تلك الأحاسيس، وفي ذلك كناية عن حدة تلك الإحساس التي تنصهر في بوتقة صدر الشاعر فلا يظهر لها وميض...والانصهار لا بد يحدث بسبب حرارة اشد من الاشتعال الذي يعطي الوميض حيث أراد الشاعر أن يعبر من خلال هذه الصورة عن عمق ما يدور في خلده وتلك الأحاسيس التي تغلي وتنصهر في بوتقة الصدر.. فهي أحاسيس ملتهبة حد الانصهار الذي لا يصدر وميضا!

وهذا البيت يستفز في المتلقي حاسة البصر من خلال استخدام ( أين الوميض) ويوقظ كل الأحاسيس في ذات المتلقي من خلال استخدام ( من كل إحساس) ويكاد يستعر المتلقي بلهيب تلك المشاعر من خلال استخدام كلمات ( حمراء وقبس، والوميض، والبوتقة).

وفي البيت ربما معنى آخر وكأن الشاعر وقد احتشدت في صدره تلك الأحاسيس والمشاعر الملتهبة أصبح وكأنه في متاهة لا يعرف أين الصواب أو أين الاتجاه الصحيح، وكأنه يركب قارب في عرض البحر تتقاذفه الأمواج فيبحث من بعيد ويتساءل عن وميض تلك المنارة التي تظهر في الميناء من بعيد لتدله على الاتجاه.

وفي كلتا الحالتين تشير الصورة الشعرية في هذا البيت بأن الشاعر يعبر عما يجول في خاطره من مشاعر متأججة وتيه افقده الاتجاه كنتيجة لما يملا صدره من مشاعر وأحاسيس.... ويؤكد على ذلك ما يقوله الشاعر في البيت التالي

أيْنَ السَّبيلُ... مَسِيرُ الذاتِ هَرْوَلَــةٌ
فِي مَهْمَهِ الليْلِ لَمْ يَفْطِنْ لَهَا العَسَسُ

يعود الشاعر في هذا البيت للتساؤل أيضا ومن جديد( أين السبيل...؟) وفي ذلك ما يدل على تلك الحالة النفسية التي كان يمر فيها الشاعر والتي تشبه إلى حد بعيد حالة من التيه والضياع والاضطراب وفقدان الاتجاه، والتي أدت إلى كل تلك المشاعر المختلطة والتي كانت تعصف بالشاعر وكانت كأنها تنصهر في بوتقة الصدر...

وهو يرى نفسه وكأنه يهرول في كل الاتجاهات أثناء الليل.. حتى أن ذاته تاهت أو ربما فقدت الاتجاه ووصلت إلى شِعاب بعيدة ومناطق نائية لا يستطيع حتى العسس، وهي قوات الأمن والشرطة والتي دائما تصل إلى أي مكان تريد مهما كان نائيا او خفيا اوبعيدا، لم تستطع حتى هذه القوات أن تفطن لها أو تعرف أين هي هذه الأماكن، وفي ذلك ما يشير إلى حالة الكرب والاضطراب والمشاعر المختلطة التي كانت تمر في ذات الشاعر فكادت تفقده الاتجاه.

هنا نجد أن الشاعر أورد كلمات تدل على الحركة وهي ( مسير وهرولة ) وهي كلمات تضفي حيوية على النص وتجعله حيا بل نابضا بالحياة.

إنَّ المَسَافاتِ فِي دَرْبِي مُجَنَّحَــــــةٌ
يَكْبو على إِثْرِهَا البِرْذوْنُ والفـَرَسُ

وبعد أن يتساءل الشاعر أين الوميض؟ وأين السبيل؟ ويصف لنا تلك الحالة من الضياع والتيه وفقدان الاتجاه وانصهار تلك المشاعر الملتهبة في بوتقة الصدر...
ها هو في هذا البيت يخبرنا المزيد عن حالته النفسية فهو يرى المسافات بعيدة والسفر شاق وناءى إلى حد أن الفرس والبرذون، وهو حيوان اشد قوة وجلد من الفرس، تكبو كنتيجة لطول تلك الطريق التي يراها الشاعر مجنحة وبعيدة ومتعرجة وصعبة ووعرة وشائكة...
وفي ذلك كناية عن تلك الحالة النفسية التي يمر بها الشاعر في تلك اللحظة من مناجاة النفس...والتي يبدو فيها الشاعر وكأنه فقد الاتجاه والهدف أو انه يشعر بأن الوصول إلى هدفه أو أهدافه أمر بعيد المنال إن لم يكن ضرب من المحال.

وفي هذا البيت يأتي الشاعر على ذكر البرذون والفرس فيوقظ فينا موروث ثقافي غني كما يأتي على ذكر (المسافات/ ومجنحة ويكبو) وفي ذلك ما يشير إلى الحركة ويجعل البيت ينبض بالحياة أيضا. ويجعل المسافات مجنحة، إي ذات أجنحة، وفي ذلك تشخيص يجعل البيت ينبض بالحيوية.

ولا شك أننا نلمس من خلال النص ذلك الصراع الخفي الذي يدور في نفس الشاعر ربما حول الهدف من حياته وتلك الصعوبات الجمة التي تقف عائقا أمام تحقيقه لأهدافه...والصراع هو عامل آخر يجعل النص يضج بالحياة.

شَوْطًا قَطعْتُ وَشَوْطٌ كادَ يَقْطعُنِــي
وَمُمْسِكٌ بِتلابِيبِ المَدَى النَّفَـــــــسُ

في هذا البيت جمال سحري عجيب وهو فعلا يمسك بتلابيب القارئ، كما يقول الأستاذ الشاعر أبو غريبه، ويحتار المتلقي من أين يأتي هذا الجمال في هذا البيت والذي يشير الشاعر فيه لما حصل له وهو يفكر في قطع تلك المسافات الطويلة التي وصفها لنا في البيت السابق فجعلها طويلة ومتعرجة والسفر فيها متعب حتى على الفرس والبرذون التي تكبو حين تقطعها.
فيخبرنا الشاعر هنا انه قطع شوطا من تلك المسافات الطويلة لكنه كاد يموت وينقطع نفسه أثناء قطعه لما تبقى من تلك المسافات الطويلة وفي ذلك كناية عن طول المسافة وعناء السفر وتشعب الدرب الذي سار فيه الشاعر في محاولة للوصول إلى هدفه أو أهدافه...

وواضح أن السفر الذي يتحدث عنه الشاعر هنا هو ليس سفر حقيقي وإنما هو يتحدث عن رحلة العمر وسعيه لتحقيق أهدافه في رحلة الحياة هذه وهو يقول بأن جزأ من هذه الأحلام والأهداف قد تحقق لكن أشياء كثير كان يرمي الوصول إليها لم تتحقق وكاد سعيه لتحقيقها أن يقتله...فهو يتحدث عن رحلة نفسية وليس رحلة حقيقية، والمسافات هي الدرب الطويل الذي احتاج الشاعر أن يقطعه حتى يتمكن من تحقيق أهدافه....

وفي هذا البيت ما يوحي بالحركة من خلال استخدام كلمات ( شوطا قطعت )، كما يشتمل البيت على تشخيص جميل فالشاعر يصور لنا المسافة وكأنها سيف قاطع، ويصور ( النَّفَـــــــسُ ) وكأن له أيدي يمسك بها...كما انه يصور المدى وكأن له تلابيب...واستخدام كلمة ( ممسك ) توقظ في المتلقي حاسة اللمس..اما استخدام كلمة (النفس ) فيوقظ في المتلقي حاسة الشم..

وقد جعلت هذه الصور والتشخيص والحركة وإيقاظ الحواس ..جعلت هذا البيت حي جميل له وقع سحري ...لكن السر الذي يجعل هذا البيت شديد الوقع ربما يكمن في وصف حالة الصراع تلك والتي تعصف بالشاعر كما يصفها في سعيه لتحقيق أهدافه في هذه الحياة....ذلك الصراع الخفي لكنه صعب كاد يقطع الشاعر ويهزمه في بعض مراحل حياته ..

فَهَلْ أضَعْتُ بِجَيْبِ الوَقْتِ بَوْصَلَتِي
إنِّي لَأطلُبُ آثَارِي وألْتَمِـــــــــــسُ

في هذا البيت يتساءل الشاعر وهو ما يزال يناجي نفسه طبعا...ما الذي جعله في مثل تلك الحالة من الضياع، والتيه وفقدان الاتجاه وعدم الوضوح في الرؤيا؟

ولا شك أن هذا التساؤل هو احد أصوات ذلك الجرس الخفي الذي كان الشاعر يسمعه في داخله...وهو يطرح على نفسه هذا السؤال الاستنكاري طبعا ...فيسأل ما الذي جعله في مثل تلك الحالة النفسية؟ التي أصابه فنتج عنها زخات من الأفكار وكأنها المطر؟ وما الذي جعل صدره مثل بوتقة تنصهر فيها الأحاسيس؟..وما الذي جعله في مثل هذه المتاهة فصار كمثل مركب في بحر مائج هائج تتقاذفه الأمواج؟ وهو نفس الشعور الذي دفعه للتساؤل أين الوميض؟ وأين السبيل؟ الخ..

من هنا يأتي هذا السؤال الاستنكاري في هذا البيت (فَهَلْ أضَعْتُ بِجَيْبِ الوَقْتِ بَوْصَلَتِي ) ..وكأنه رد على تلك التساؤلات ..وكأن الشاعر يقول..هل حدث كل ذلك لأنني أضعت بوصلتي في جيب الوقت؟ أي بسبب عدم انتباهي لأهمية الوقت؟ وعدم استثماره بصورة صحيحة؟ حيث جعل الشاعر الغفلة عن الاستثمار الصحيح للوقت وكأنه بمثابة إضاعة للبوصلة وهي الأداة التي ترشد البحار أو المسافر ليسلك الاتجاه الصحيح.....

فنجد الشاعر هنا يساءل نفسه طبعا ...هل ذلك هو الذي افقدني الاتجاه الصحيح فصار له ما صار وصفه الشاعر في الابيات السابقة باقتدار حيث بين انه كان وكأنه يهرول في كل الاتجاهات، ويدور حول نفسه، ووجد الطريق طويل ومتشعب ...

ولا بد من التذكير بأن السفر الذي يتحدث عنه الشاعر هو سفر رمزي يمثل رحلة العمر وسعيه من اجل تحقيق أهدافه وما حققه من أهداف سعى إليها وما عجز عن تحقيقه من تلك الأهداف...

بينما يشير الشاعر في الشطر الثاني من البيت (إنِّي لَأطلُبُ آثَارِي وألْتَمِـــــــــــسُ) بأنه وحيث حدث ما حدث وحيث أصبح في مثل تلك الحالة فأنه اخذ يراجع نفسه ويدقق في الذي جرى لمعرفه ما الذي حدث تحديدا...فهو يلتمس أسباب ما حدث في مراجعة للنفس....ربما؟

وَما بَرِحْتُ مَكانِي قَيْدَ أُنْمُلَـــــــــــةٍ
وَما شَهِدْتُ زَمَانِي وَهْوَ يَنْتَكِـــــسُ

في هذا البيت ما يؤكد بأن الرحلة والسفر الذي تحدث عنها الشاعر هي في الواقع رحلة روحية أو هي رحلة الحياة بما فيها من سعي لتحقيق أهداف، وبما فيها من تيه حيث لا يدري الساعي إذا كان قد أصاب في مسعاه أو أن الحظ جانبه وربما المصاعب المحيطة فتعثر ولم يحقق ما يصبو إليه من أهداف...حتى دق ذلك الجرس الخفي في ثنايا الروح ينبه الشاعر ليعد النظر في مسيرة حياته ويتساءل أن كان قد حقق أهدافه التي كان يجب أن يحققها..
فهو يخبرنا بأنه لم يغادر مكانه ولم يتحرك حتى قيد أنملة رغم حديثه عن السفر ومصاعبه بتلك الطريقة والوصف البارع.

كما يوضح الشاعر في الشطر الثاني بأن ما وصل إليه هو في الواقع نتاج لماضٍ صعب تراكمت فيه الظروف فصنعته وشكلته ولم يكن له يد في انتكاسته...وكأنه يلقي باللوم على الظروف التي أوصلته إلى تلك الحالة من التيه وفقدان الاتجاه ومحاسبة النفس وإعادة النظر في الأهداف التي حققها...

وفي هذا البيت استثارة لحاسة البصر باستخدام ( وما شهدت ) وفيه ما ينم عن الحركة ( وما برحت ) وفيه وصف جميل للغاية ( وما برحت مكاني قيد أنملة)...

قديم 08-14-2014, 01:57 PM
المشاركة 20
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قراءة اخرى في قصيدة..
الجرس الخفي

بقلم: منتظر السوادي

العنوان يحمل تناقضاً ظاهراً ، إِنَّ هذا التناقض يؤجج الفجوة لدى المتلقي ، فيعْمل فكره وخياله باحثاً عن كيفية التوافق بينهما ، لِأنَّ المتلقي يعلم أَنَّ الجرس يهزّ الجدران لا الآذان ، لكنّه في هذا النصّ خفيّ لا يسمعه الآخرون ، فهو جرس من غير صوت ، على الرغم من عمق رناته الاهتزازية لكنه يعمل بخفاء وصمت ، يبدو أنَّ العنوان موفق إلى حدٍّ بعيد حتى مع النغمة الموسيقية في القصيدة وسيطرة حرف السين الصفيري المهموس ، الذي يلاءم خفاء الجرس فكأن الجرس يهمس همساً ، أضف أنَّ العنوان يوافق المضمون بصورة تامة ، رغم هذا الا ان للقارئ وجهة نظر حول العنوان ، باعتبار العنوان هو العتبة الأولى التي منها نلجّ إلى عالم الشعر أو القصيدة فينبغي أن يحمل عنصرَ تشويقٍ يشدّ انتباه القارئ ويجعله مأسوراً حتَّى نهاية النص ، ومن ثمَّ لو كان العنوان " جرس خفي " لكان أكثر تشويقاً للقارئ لأنه نكرة فيبحث القارئ عن معنى هذا الجرس ومدلولاته في النص ، وعندها يكسب المؤلف أول جولة له من الحرب ، على اعتبار القراءة حرب ، ساحتها النص ، وطرفيها القارئ والمؤلف .
مدلول النص أو الفكرة التي يريدها النص هي الحديث مع الذات وحديث النفس معه ، واتسمت النفس بالإيمان أو كان الطابع صوفي في اغلبه ، يلاحظ القارئ ألفاظا صوفية ؛ ( الخفي ، وميض ، السبيل ، الذات ، النفس ، المشوق ، الروح ، أسرجت ، التفكير ، التأمل ) هذه الألفاظ كست النص حلية أو لنقل نغمة عرفانية صوفية ، ومن ثم فالنص عميق الدلالة صعب المراس .
بؤرة النص هي حديث الذات ، وظهر ذلك جلياً في قول الشاعر : ( كنايات الأنا ، الجرس المخبوء في موطن الروح ، يهزني كلما أغفيت ) فالجرس هو حديث من أعماق الروح يهزُّ الكيان هزّاً ، ويرن كلما غفل البطل عن هدفه ، يعلو منه عتاب وتأبين إن أغمض عينه ، أو وضع آماله في غير موضعها ، فقال :( أسرجت قافيتي إلى المنى ) ، ويبدو أنَّ هدفه العودة تائباً إلى الله ، بدلالة الدمع ، فالدمع يرافق التائب في توبته ، وكذا يُلاحظ أَنَّ البطل في البيت السابق قال : ( أنا المشوق إلى ما فات من زمن ) فالندم يصحب البطل ، والتوبة أولها ندم ثم تسرج القافلة في الرحلة إلى الله تعالى ، ويمسك التائب وهو على ناقة التوبة بزمام الدموع ؛ دموع الندم على التفريط .
أيْنَ الوَمِيضُ وَهَذا الصَّدْرُ بَوْتَقَةٌ = حَمْرَاءُ مِنْ كُلِّ إحْسَاسٍ بهَا قَبَسُ
أيْنَ السَّبيلُ... مَسِيرُ الذاتِ هَرْوَلَةٌ = فِي مَهْمَهِ الليْلِ لَمْ يَفْطِنْ لَهَا العَسَسُ
نجد البطل يناجي نفسه ، يقارن حاله المتعب المهرول نحو الفناء المستعر بأحاسيس غريبة كثيرة من كل نوع ، والتي أرهقت القلب وجعلت منه بوتقة مستعرة حمراء تصهر الروح مرات تلو المرات ، وبما يرغبه من طمأنينة بيضاء مستقرة وتوقف تلك الهرولة في عتمات المجهول ، فهو يريد الوميض الذي يشق القلب ويغرس فيه النور وينزل فيه الغيث ويطفئ النار الهائجة بالأحاسيس المختلفة ، بعد هذا الوميض يريد الدرب الصحيح ليسلكه بصمت وتأمل ويترك الهرولة في العتمة ، ومن ثمَّ فيلاحظ القارئ أنّ النص موفق في تلازم الوميض مع السبيل فالنور هو الذي ينير الطرقات بل النور هو يغرس الاطمئنان في الفؤاد ومن ثم يسلك الدرب الصحيح ، يقول الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام ( النوم على يقين خير من عبادة على شك ) فالنور يغمر النفس ثم تسلك طريق العبادة مع تأمل كما جاء في آخر النص :
( تمر بي كلمات النهر صامتة ***** صوت التأمل محفوف به الخرس )
فعودة البطل مفكراً في عجائب خلق الله ، وصامتاً بأفضل أنواع الصمت إنّه التأمل ، والتفكير في الخلق خير من عبادة عمياء ، لذا فيُلاحظ أنّ البطل لما رأى العالم غائراً في الضبابية وعدم الوضوح ، بعد أن تغيرت الأَشياء رنَّ الجرس في أعماق الروح ليعود إلى نفسه باكياً ومفكراً على هذه الحال التي تعيشها الأمة .
أُجَالِسُ النَّهْرَ مَفْتونًا بِجِدَّتِهِ = لا يَسْتَحِلُّ خُدُودَ الضِّفَّةِ الدَّنَسُ
أُلْقِي بهِ زَوْرَقِي المَشْبُوبَ عَاطِفَةً = لعَلَّهُ عَنْ لِقائِي لَيْسَ يَرْتَكِسُ
لعَلَّ أشْرِعةَ الآتِي تَجُوبُ بهِ = أعْمَاقَ رُوحِي فَيَبْلوهَا وَيَنْغَمِسُ
الأبيات هذه تروي حال البطل ،لا بل هو يروي حاله ، ربما يرمز النهر إلى الحياة المتجددة والعلاقة بين الماء والحياة جلية ، وربما النهر رمز يدل على الدنيا ، وتتجدد الحياة في الدنيا يوما بعد يوم ، ويبقى الإنسان مفتوناً فيها ، حتى حين . وقد رمز البطل إلى عيشه في هذه الحياة بـــ( زورقي ) انه سائر في الدنيا / الحياة ( النهر ) حتّى الموت ولقاء الله تعالى ، ويختم هذه الرحلة بترجٍ لتكون أعماق الروح مؤمنة ببلاء الله .
وهناك معنى آخر للنهر يبدو اقرب للتأويل لدى المتلقي المسلم وهو أَنَّ النهر يراد به ( القرآن الكريم ) فالقرآن الكريم نهر تغرف منه البشرية العلوم النافعة والشفاء والأمن والطمأنينة ، أضف أن القرآن لا ينضب أشبه بالأنهار – إن جاز لنا التشبيه بل ان النهر ينضب وكلام الله لا ينضب - والبطل متعجب من تجدد القرآن عند كل قراءة ، ثم يلقي بنفسه بين آياته بعاطفة الحب والتلذذ ، عسى أن يكون اللقاء غير خاسر ، ثم يردف بـــ عَلَّ آيات القران تدخل أعماق الروح وتُغرس هناك ، وتنفعه يوم تبلى السرائر ، ويختم القول بأنَّ كلمات القران تمرّ على قلبي فيصمت متأملاً خاشعاً خرساً لله تبارك وتعالى ، لأَنَّه يطبق قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قراءة معمقة لبعض روائع الشاعر عبد اللطيف السباعي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اِبتهال في ليلة القدر / الشاعر عبد اللطيف زغلول لطفي زغلول منبر مختارات من الشتات. 8 02-08-2021 09:12 AM
قراءة نقدية معمقة لقصص مبارك الحمود ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 41 12-11-2017 11:26 AM
سر الابداع وآليات توليد القصيدة لدى الشاعر المغربي عبد اللطيف السباعي (غسري) عبد اللطيف السباعي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 09-11-2014 05:18 PM
تتويج الشاعر المغربي عبد اللطيف غسري أميرًا للشعراء العرب (صنف القصيدة العمودية) عبد اللطيف غسري منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 9 12-08-2011 09:09 PM
جلسة إلى الشاعر المغربي عبد اللطيف غسري (1) المقدمة والاستهلال _ الشكل والمضمون عبد اللطيف غسري منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 11-26-2011 12:24 PM

الساعة الآن 12:29 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.