قديم 09-02-2013, 10:46 PM
المشاركة 51
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
شكرا لك يا راما

هذا الرجل مثال جيد لما يمكن ان يفعله تكرار ماسي الموت في الطفولة في صناعة مخيلة عجيبة واسعة وقادرة على أنجاز اعمال ابداعية مرعبة وعجائبيه . *

قديم 09-03-2013, 11:55 PM
المشاركة 52
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
جريمة قتل في حارة رو مارجيو - قصص من الغموض و الخيال للقاص لـ إدجار ألآن بو
الأربعاء 16 نوفمبر 2011 04:33 مساءً
قصص من الغموض و الخيال -للقاص و الشاعر الأمريكي الكبير إدجار ألآن بو
جريمة قتل في حارة رو مارجيو

*
ترجمة د. طارق علي عيدروس السقاف
كلية التربية / صبر / قسم اللغة الإنكليزية اليمن
**
عندما كنت في باريس، أقمت مع صديقي (دوبن) لعدة أشهر ، وكان رجلاً ذكياً، فهو يستطيع أن يضع الحقائق بجانبه ويستخلص معانيها، فقد درب نفسه ليس فقط ليرى الحقائق المألوفة لقضية ما، ولكن أيضاً الحقائق غير المألوفة، ولهذا فقد كان قادراً على إيجاد حلول لقضايا عويصة والتي لم يستطع غيره على حلها.وكانت قضية قتل إمرأتين في ذلك الشارع والذي يُدعى (رومارجيو) من هذا النوع من القضايا. وكان هذا تقرير صحيفة مسائية، حيث جاء فيها :
**
" في الساعة الثالثة من صباح هذا اليوم، سُمعت صرخات رهيبة في غرفة في الطابق العلوي من شقة تقع في حارة (رومارجيو). وكانت الشقة تخص السيدة (إسباني) وإبنتها الآنسة (كاميلي). وكان الباب الأمامي للمنزل مغلق، ولكن رجال زالشرطة قاموا بكسره ، وإقتحام الغرفة، وفي ذلك الوقت كانت الصرخات قد توقفت، ولكن عندما صعد الرجال السلالم إلى أعلى، سمعوا أصوات تصرخ بغضب. وبدت الأصوات آتية من مكانٍ ما في أعلى المنزل. وعندما صعد الرجال إلى الطابق الثالث، توقفت هذه الإصوات أيضاً، وبدا كل شيء هادىء. وقد إندفعوا مسرعين من غرفة إلى أخرى. وفي النهاية إندفعوا إلى غرفة كبيرة كانت تقع خلف المنزل، وكان باب هذه الغرفة مقفلا، وكان مفتاحها في الداخل..**
************************************************** ********************************
*اقتحمت الشرطة هذا الباب أيضا. ً كانت الغرفة في حالة يُرثى لها من الفوضى، وكانت الأثاث مكسرة ومبعثرة هنا وهناك. لم يكن هناك سرير، أما خزانة الملابس فقد كانت مرمية على الأرض. ووجد رجال الشرطة سكينا ًمغطى بالدم أسفل أحد الكراسي الموجوده ، وكانت هناك خصلتان أو ثلاث لشعرٍ رمادي كثيف مُلقى بجانب المدفأة. وكان الشعر قد أُنتزع من جذوره من رأس شخص ما . وكانت هناك العديد من العملات الذهبية الملقاة على الأرض ، وكذلك أقراط ذهبية، وحقيبتان مملوأتان بالنقود – أربعة آلآف فرنك.*
**
و في البداية لم تستطع الشرطة أن تجد أي من السيدة (إسباني) أو إبنتها. ولكن كانت المدفأة متسخة جداً، وبالنظر للمدخنة ، فقد وجد رجال الشرطة شيئاً رهيباً ، حيث وجدوا جثة الفتاة بداخلها وقد دُفعت بقسوة إلى أسفلها ، وكانت الجثة بحاجة إلى أربعة من رجال الشرطة لإخراجها . وكانت لاتزال دافئة ، وبها جراح و خدوش عنيفة على الوجه و الذراعان، كما كانت هناك آثار عميقة لأظافر حول الحنجرة ، أما العنق فقد كُسر. وبعد معاينة المنزل بالكامل. إبتعد الرجال بمسافة ياردة خارج المنزل، وهناك وجدوا جثة السيدة (إسباني)، وكان رأسها قد قُطع تقريباً بسكين حاد. ولم تستطع الشرطة – إلى وقتنا هذا – أن تكون أي فكرة حول الجاني الذي إرتكب هذه الجريمة البشعة.
**
وفي صباح اليوم التالي، ذهب (دوبن) لشراء صحف الصباح. وقد قرأناها ونحن نتناول طعام الإفطار. وكانت هذه إحدى الروايات المذكوره في صحف الصباح:
**
لقد إستجوبت الشرطة العديد من الناس حول جريمة القتل في (رومارجيو). ولم تتكشف الحقائق بصورة واضحة بعد. وقال السيد (بيري ماست) – وهو أحد رجال الشرطة الباريسية- بأن الناس قد دعوه وذلك عندما سمعو صراخ من المنزل، ولذلك فقد قام بإقتحام المنزل من بابه الأمامي مع بعض من رجال الشرطة ، وبعدها توقفت الصرخات، وبعد لحظة ، سمعوا صوتان غاضبان ، وكان الصوت الأول عميق لرجل كان يصرخ قائلاً "ياإلهي" "أعوذ بالله" ، وكان الصوت الثاني عالياً جدا ً ، ولم يستطع أن يحدد إذا ما كان لرجل أو إمراة، ولكن الأصوات لم تكن فرنسية.
**
وكان (هنري دوفال) واحداً من أولئك الذين أقتحموا المنزل، وكان يعرف السيدة (إسباني) وإبنتها. ولم يكن ذلك الصوت العالي لاحد من الإمرأتين. ويعتقد بأن ذلك الصوت كان ذو لكنة إيطالية. وهو نفسه لم يكن يعرف الإيطالية او حتى يعرف أي إيطالي.
**
أما(كارل) فقد كان ماراً بالمنزل عندما سمع صرخات نسائية، وكانت صاخبة وطويلة ورهيبة، وكان الصوت العالي لرجل - حسب زعمه – وقد إعتقد بأنه يتكلم الإنكليزية، أو على الأقل ذو لكنة إنكليزية ، ولكن هو نفسه لم يكن يعرف سوى الألمانية.
**
(وليام بيرد) وهو رجل إنجليزي،وكان هو الأخر قد دخل المنزل، وقال بأن الصوت العالي كان لشخص فرنسي، أما الصوت الأخر فقد كان صاخباً ويتكلم بسرعة، وربما كان لشخص صيني، بالرغم من أنه لايتكلم الصينية ولم يكن لديه أصدقاء من الصينيين.
**
(ألفونزو جارسيا) ، وهو إيطالي وافق بأن الصوت الأول كان لفرنسي، أما الصوت الأخر فقد كان يتكلم اللغة الروسية – وكان متأكداً من ذلك. فهو لم يفهم اللغة الروسية ، ولكن الأصوات - حسب زعمه- كانت بكل تأكيد روسية.
**
ولكن جميع أولئك الناس إتفقوا- في روايتهم-* حول الغرف في الطبق العلوي. كان باب الغرفة الكبيرة مغلقاً من الداخل عندما وصلوا إليه، وكذلك جميع النوافذ كانت مغلقة بإحكام من الداخل. قال (جين ميكرد) - وهو مالك لبنك- بأن السيدة (إسباني) أودعت نقودها في البنك ، وقبل وفاتها بثلاثة أيام سحبت من رصيدها مبلغاً وقدره أربعة آلآف فرنك ، وقد وضعت نقودها في حقيبتين كبيرتين ، وتم تسليمها النقود في منزلها لأن الحيقبتان كانت ثقيلتان بحيث لم تتمكن المرأة العجوز من حملهما. وقبل حدوث الجريمة بثلاثة أيام ، كان (أدولف ليبون) - وهو أحد الموظفين في بنك السيد (ميكرد)- قد أخد الحقيبتان إلى منزل السيدة (إسباني) ، ولكنه صرح بأنه لم يدخل منزلها البته، ولكنه فقط - عندما فتحت له الباب- سلم الحقيبتان للسيدة (إسباني) يد بيد.************
*********************************
وعلى الصفحة الأخيرة من الصحيفة، كان هناك خبراً ختامياً مفاده بأن الشرطة كانت قد ألقت القبض على (ليبون).
**
قرأ (دوبن) الصحيفة بإمعان ثم إلتفت نحوي قائلاً "مارأيك ؟ يجب أن نحاول حل هذه القضية ، إن (ليبون) صديقي ولا أصدق بأنه هو القاتل. ونحن نعرف (جودنت) رئيس الشرطة الباريسية، وسوف يسمح لنا بزيارة المنزل في (رومارجيو) ، وسوف يسمح لنا أيضاً برؤية الجثتين." وسألته "مارأيك بهذا يا (دوبن) ؟ "
**
"أعتقد بأنها جريمة من النوع غير العادي، ولا أعتقد بأن الشرطة سوف تجد الفاعل أو الفاعلين لهذه الجريمة ، فهم - الشرطة الباريسية- لايبحثون في الطريق الصحيح. وأعتقد بان هذا اللغز وأضح بالنسبة لصديقنا (جودنت). وعندما حصل (دوبن) على الإذن من رئيس الشرطة الباريسية ، ذهبنا مباشرةً إلى حارة (رومارجيو)، ولكن قبل ذهابنا إلى المنزل ، مشينا ببطء حوله، وفحص (دوبن) الحيطان والنوافذ بحذر، وفي ناصية المنزل إلتقط شيئاً من على الأرض ووضعه في جيبه ، وفي داخل المنزل إتجهنا إلى الغرفة التي وُجدت بها جثة الآنسة (كاميلي) موضوعة في المدخنه. وكانت كلا الجثتين قد أُحضرتا إلى الغرفة ، وقد فحصهم (دوبن) بعناية، عذا ذلك فقد كان كل شيىء موضوع على حاله . وبينما (دوبن) كان منهمكا في الفحص، تحدث مع رجل الشرطة الموجود معنا ، وقد أمضى (دوبن) وقتاً طويلاً بجانب النافذتان في الغرفة، وبدا يفحص كل شيء بعناية فائقة، الباب، الأثاث، المدفأة، المدخنة، خصلات الشعر الرمادية على الأرض . وأخيراً غادرنا المنزل ، وفي طريق العوده، توقف (دوبن) على مكتب الصحيفة ، ودخل إليها وأنتظرته في الشارع ، وفي نهاية اليوم لم يخبرني (دوبن) بأي شيء حول جريمة القتل. و في الصباح كان صامتا حتى بعد قرأة الصحيفة. وفي منتصف اليوم قال لي (دوبن) " ألم تلحظ أي شيء غير عادي حول هذه الجريمة؟" فأجبته "لا، لا أعتقد ذلك. ولكن الصحف كتبت ماتتوقعه حول هذه الجريمة." فأجاب (دوبن) "نعم ، ولكن الصحف لاتساعد على إيجاد الفاعل، إنهم فقط يكتبون ما يقوله كل فرد شاهد الجريمة, إن هذه الجريمة مختلفة تماماً عن باقي الجرائم الأخرى العادية، ولهذا السبب أعتقد بأن حل هذا اللغز ليس بالصعوبة التي نتوقعها. " قلت له " إن السيد (جودنت) بدا مرتبكاً."
**
-" لقد قلت لك للتو لماذا هو محتار في هذه القضية، لأن هذه الجريمة مختلفة عن باقي الجرائم الأخرى."
**
- "إن الأصوات التي سُمعت أربكتني أنا أيضا ً
**
-*" ألا تعتقد بأن القوة التي استخدمت في الجريمة غير عادية؟ *أعني بذلك بأن قتل السيدتين لم يكن يحتاج لكل هذه الوحشية."
**
-*فسألته "كيف هرب القتلة برأيك؟"
**
-*فأجاب دوبن "وهذه مشكلة أخرى، فلم يكن أحد هناك في الطابق العوي ماعدا السيدتين. والطريق الوحيد الذي يُؤدي إلى خارج المنزل هو عبر السلالم المؤدية إلى أسفل . وهذه الحقائق ليست من الصعوبة بمكان، بل أنها تسهل مجرى القضية. ولكن....
**
-*(جورج جودنيت) يعتقد بأنها تعقد القضية."
**
- "حسناً لنمشى قليلاً يادوبن، وأخبرني عن هذا الموضوع"
**
-*"لا. سنبقى هنا، إنني منتظر رجل سوف يخبرني المزيد عن هذه القضية"*
**
فنظرت إلى صديقي بإندهاش كبير، وقلت "هل تقصد القاتل؟"
**
-*"إنه ليس مذنب، إنني متأكد من ذلك، إنه لم يقتل السيدتين،و لكنه يعرف الحقيقة."
-* "وهل طلبت منه الحضور إلى هنا؟"
**
- "أعتقد بأنه سوف يأتي، وعندما يأتي، قد نحتاج إلى الإحتفاض به هنا"
*
بعدها ذهب (دوبن) إلى درج وأخرج منه سلاحان قائلاً:
*
-*"هذه الأسلحة مشحونة، سوف نحتفظ بها معنا للحاجة. وأمل بأن لانضطرلإستعمالها، " قال ذلك وهو يعطيني إحداها. فأخدت واحدا ً ووضعته في جيبي. بعدها إستمر صديقي في شرحه، وجلست منصتاً له مع كثير من الإعجاب."
*
قال (دوبن) "لقد فكرت بسرعة حول الأصوات التي سُمعت، لنقل بأن الصوت الحاد كان للفرنسي، ولكن الصوت الأخر-الصوت العالي- لابد وأنه كان غير إعتيادي. كما أن الشرطي لم يستطع أن يميز إذا ماكان الصوت لرجل أو إمرة. وإعتقد (دوفال) بأن الصوت كان لإيطالي. أما (الفونسوا جارسيا)- ذلك الإيطالي- قال بأن الأصوات كانت لروسي.
*
-"نعم، نعم. أني أذكر ذلك، والألماني ماذا كان إسمه؟"
*
-"(أودنهيمر)"
*
-"نعم، (أودنهيمر)، وقال بأن الصوت كان لإنكليزي"
*
-"ولكن السيد (بيرد)-وهو إنكليزي- إعترض على ذلك. وكانت وجهة نظره بأن الصوت كان لصيني. ولم يسمع أحد أي كلمات مفهومة وذات معنى، وكل ماسمعوه كان مجرد أصوات، حسناُ أنا شخصياً لدي وجهة نظر للصوت قبل أن نذهب إلى المنزل."
*
-"والسؤال التالي كان: كيف هرب القتلة؟ كانت هناك حقيقة واحدة مؤكدة وهي أنهم كانوا قد هربوا من الغرفة التي وجدت فيها جثة الفتاة."
*
- قلت "كان باب تلك الغرفة مقفلا. وكان المفتاح لايزال عليه."
*
-"صحيح، فإذا كان القتلة قد هربوا من خلال الباب وأقفلوه خلفهم، فلن يكون المفتاح بالداخل."
*
-"لابد وأنهم قد هربوا من خلال النافذه، أو من خلال المدخنة"
*
-"أيضاً صحيح، لقد نظرت إلى المدخنة، فكان جزئها السفلي اوسع بشكل كاف لإدخال جثة الفتاة. ولكن الجزء العلوي كان ضيقاً جداً. ولأاحد – حتى وإن كان طفلا يستطيع النفاذ منه."
*
- "إذا لقد هربوا من خلال إحدى النوافذ"
*
- قال دوبن "ذلك مؤكد، ولكن الشرطة لا تؤمن بهذه الفكرة لأن كلا النافذتين كانتا مغلقتين بإحكام. وأخبرني "جورج" بأن رجاله لم يستطيعوا فتحها أبدا. ولكن الحقيقة المؤكدة : أن القاتل أو القتلة قد هربوا من إحدى النافذتين في الغرفة الكبيرة، ولا يوجد هناك استنتاج* أخر.******
*************
- سألت " لقد فحصت النوافذ بدقة شديدة، فماذا اكتشفت؟"
*
- " الحرص مطلوب دائما. أحياناً لا تعرف الشرطة الحقائق، لأنهم لا يدققون بما فيه الكفاية. إن النافذتان في الغرفة من النوع المتحرك، وهناك جزئين، الجزء العلوي الثابت،* و الجزء السفلي الذي يمكن رفعه قليلا لدخول الهواء, وعندما يرتفع الجزء السفلي، يجب أن يكون هناك شيئا مسنداً له، و إلا سوف يقع بثقله إلى* الأسفل."
*
" يوجد ثقبان و مسمار طويل على الجوانب الخشبية في هذه النوافذ. لرفع الجزء الأسفل ، يجب أن ينزع ذلك المسمار، عند ئد عندما يكون الجزء السفلي مرفوعا، يمكن أن يدفع المسمار إلى كلا الثقبين. أي أن المسمار هو الذي يبقى النافذة مفتوحة. لابد وأن الشرطة قد رأت المسمار ، كما أنه من المحتمل بأنهم اعتقدوا بان كلا النافذتان كانتا قد أغلقت عن طريق المسمار في كلاهما ، و لكن تظل الحقيقة ثابتة وهي أن القاتل قد هرب من إحدى النافذتين" .
*
-* قلت " إذن من الممكن فتح إحداهما ".******
**************
- استمر دوبن في كلامه قائلا " وقفت بجانب النافذة الأولى و نزعت مسمارها و لكنني لم أستطع رفعها ، فاعتقدت بأنه لابد بأن يكون هناك زنبرك مخفي ليبقيها مغلقة ، و بعد بحث دقيق و جدت الزنبرك و ضغطت عليه و لم أكن بحاجة لفتح النافذة ، و لكن تخيل معي بأن القاتل خرج من النافذة فعن طريق ثقلها سوف تغلق لوحدها كما أن الزنبرك سيبقيها مغلقة و لكن ماذا عن المسمار ؟ لقد وجدته الشرطة في الحفرة و لا يمكن للقاتل بأن يضعه في الحفرة بعد خروجه ، ماذا يعني هذا ؟"
*
- قلت " يعني بأن القاتل لم يستعمل تلك النافذة بل الأخرى "
*
- " بالضبط ، و بعد أن فحصت النافذة الأخرى ، كان الزنبرك في نفس الموقع الذي كان عليه الزنبرك في النافذة الأولى ، و كذا المسمار بدا مثل المسمار مثبتا كما في النافذة الأولى "
*
- فقلت " لابد وأن هذا الأمر قد حيرك "
*
- " حيرني !!! مطلقا . أنا أتعامل مع حقائق و ليس تخمينات ، فالحقائق هي التي قادتني للنافذة الثانية و مسمارها فقلت لنفسي إن منظرها مثل النافذة الأولى و مسمارها و لكن المنظر ليس دائما هو الحقيقة فمسمار النافذة الثانية هو نهاية اللغز ، فقلت لنفسي لا بد وأن هناك خطأ ما في المسمار ، فأخرجته من حفرته ، فكان في الواقع نصف مسمار فقد كان نصفه السفلي مكسور أما ما كان يبرز للظاهر فهو نصفه العلوي فقط مما يوحي بأنه في الحفرة و بالتالي يغلق النافذة ، فوضعته في الحفرة و مرة أخرى بدا و كأنه مسمارا كاملا يغلق النافذة ، و بعدها ضغطت على الزنبرك ورفعت النافذة قليلا فأرتفع المسمار أيضا ".
*
- قلت " كنت محقا إذن عندما اعتقدت بأن القاتل كان قد هرب من هذه النافذة "
*
- " نعم ، و قام القاتل بعد عملية القتل بإغلاق النافذة بقوة كانت كافية لكسر المسمار و لقد أبقى الزنبرك النافذة مغلقة بحيث اعتقدت الشرطة بأن النافذة مغلقة تماما ، و الآن السؤال التالي كيف وصل الجاني إلى الأرض "
*
- قلت " بالطبع ليس عن طريق السلالم "
*
- " لقد غادر القاتل الشقة عن طريق النافذة وأعتقد بأنه دخلها بنفس الطريقة"
*
- فقلت " و لكن تذكر يا دوبن بأن الشقة مرتفعة كثيرا عن الأرض و لا يمكن للقاتل أن يطير في الهواء حتى يصل إلى الأرض "
*
- فقال " وتذكر أنت أيضا الحقائق المعطاة لدينا ، لقد هرب الجاني عن طريق النافذة ووصل إلى الأرض ، ولكن السؤال هو كيف فعل ذلك ؟"
*
- قلت " أخبرني أرجوك"*********
************
- قال دوبن " لقد غادر الجاني الشقة من خلال النافذة و هي لا تبعد كثيرا عن ناصية المنزل ، و عندما فحصت فناء المنزل و جدت ماسورة على الناصية وقد اخترقتها مياه المطر المنهمر على السقف و كانت المسافة بين النافذة و تلك الماسورة حوالي متر و نصف المتر "
*
- قلت " إن متر و نصف المتر مسافة كبيرة و من الخطورة بمكان عبورها للوصول إلى المنزل "
*
- " هذا صحيح ، سيكون من الصعوبة و الخطورة للغاية للجاني حين يقفز هذه المسافة للوصول إلى المنزل ، و لكن إن كان متدربا على ذلك فمن من الممكن أن يفعلها ، و عندما تكون النافذة مفتوحة سيساعده ذلك كثيرا "
*
- " إن هذا الجاني إما شخصا شجاعا أو مغفلا ، "
*
- " إن هذه المسألة ممكنة ، حاول أن تبقى على كل الحقائق في رأسك و فكر في تلك الوثبة الصعبة و الخطيرة* من الماسورة إلى الشقة ، و فكر أيضا في تلك الأصوات غير الاعتيادية التي سمعت ليلة وقوع الجريمة و تلك القوة الرهيبة التي استخدمها الجاني في جريمته " .
*
و فجأة بدأت أفهم فكرة دوبن و لكنه استمر في حديثه و قال :
*
- " إن الشرطة تضيع وقتها في معرفة أسباب و دوافع هذه الجريمة ، من جانبي لا أعتقد بأن هناك أي دافع لهذه الجريمة ، كما أن السيد جورج حائرا في عدم سرقة القاتل للأربعة آلاف فرنك ، لقد ترك القاتل النقود داخل حقيبة و تركها على الأرض. إن ليبون في السجن فقط لأنه سلّم المال للسيدة إيسباني ، و لكن المرأتان قتلتا بعد استلامهما المال بثلاثة أيام ، إن القاتل لم يكن يريد المال ، لا نريد أن نضيع وقتنا في التركيز على المال ، لم تكن هناك جريمة ، لقد كان حادثا لا أكثر "
*
- كانت الحيرة قد تملكتني،* سالت دوبن " و ماذا يعني ذلك ؟ "
*
- رد قائلا " حسنا ، ألا ترى معي بأن هناك حدثان مهمان الأول وجود الكثير من المال في الشقة و لم يسرق و الحدث الثاني هو وجود امرأتان قتيلتان في هذه الشقة ، أعني بذلك بأن المرأتان لم تقتلا من أجل النقود "
*
- فأجبته موافقا " نعم ، نعم ، استمر "
*
- " كانت رقبة الفتاة مكسورة كما أن جسدها كان محشورا بقوة داخل المدخنة ، هل هناك سبب منطقي لذلك ؟ هل هناك قاتل يخفي ضحيته بتلك الطريقة ؟ و كذا كثيرا من شعر السيدة إيسبيني قد تم انتزاعه منها بطريقة وحشية كما أن رأسها كان تقريبا قد فصل من جسدها كما أنها قد ماتت قبل أن يرمي بها الجاني من النافذة . هل للجاني أسباب وجيهة لجريمته بهذه الوحشية ، أعتقد بأنه لا أسباب وجيهة للقاتل عل الإطلاق لما فعله "
*
- بدأت أكثر حيرة وأردد " لا أسباب وجيهة للقتل ، فقط قوة عمياء ، وثبة خطرة من المأسورة إلى نافذة الغرفة ، وصوت غريب .... ما ذا يعني ذلك ؟؟!!"
*
*نهض دوبن وعاد إلى طاولته وأخذ كتابا من أحد الرفوف و كان هناك مظروفا بين صفحاته .
*
- قال دوبن* " عندما رأيت جثة الفتاة ، عرفت نوع القاتل الذي نبحث عنه ، بل أن جثة السيدة إيسبيني قد أكدت ما ذهبت إليه " .
*
فتح دوبن صفحة الكتاب بالعلامة الموضوعة عن طريق المظروف و قام بعدها بفتح المظروف وأخذ منه عشر إلى اثنا عشر شعرة من الشعر البني المحمر . قال دوبن
*
" كانت أصابع اليد اليمنى للسيدة إسبيني مقفلة بإحكام ، فتسائلت عندها لماذا؟ و عندما فتحت يدها وجدت هذه الشعرات* في يديها " ، نظرت إلى هذه الشعرات بدقة ، كانت من النوع الغليظ و الخشن مثلها مثل شعرات فرشاة الأسنان " فقلت له :
*
- " إنها ليست من رأس إنسان يادوبن"*****************
******
- " لا ، كما أن العلامات التي كانت ظاهرة على رقبة الفتاة لم تكن ليد إنسان أيضا ، لقد وضعت رسم مبسط لهذه العلامات التي وجدتها " ، بعدها أرآني دوبن رسم على بداية المظروف ، فقلت : " إذن من...... ؟ و ماذا.....؟ تخيلت السيدة العجوز وهي تقاوم القاتل قامت بانتزاع هذه الشعرات ذات اللون البني المحمر ..... وكانت لا تزال تحتفظ بها حتى بعد وفاتها ، لقد كانت يدها مطبقة عليها، كان تصورا رهيبا " ، أشار دوبن إلى منتصف الصفحة وقال لي " أقرا هذا ، أنه *حيوان وحشي يقطن غابات بورنيو " ، فقرأت
*
" إنه واحد من أكبر فصيلة للقردة و يدعى إنسان الغاب* ، إنه قوي جدا و متوحش جدا ، و بالرغم من أنه في معظم الأحيان يسكن بين الأشجار إلا إنه من الممكن أن يهاجم الإنسان و يقضي عليه ، ولإنسان الغاب شعر غليظ لونه بني مائل إلى الاحمرار " ، وكان الجزء الآخر من الصفحة مخصصا لوصف شكله و حجمه و ذراعيه و قدميه و أصابعه و صوته و كانت هناك صورتان لذلك المخلوق. قال دوبن :
*
- " هل رأيت أصابع ذلك المخلوق تتناسب تماما مع العلامات المرسومة على الورقة ، كما أن له نفس الشعر إضافة أن إنسان الغاب يستطيع القفز لمسافات طويلة وهذا يعني أنه من الممكن جدا أن يقفز من ماسورة الماء إلى نافذة المنزل "
*
عندها عرفت حقيقة تلك الجريمة البشعة ، فقلت* بحماس شديد:
*
- " إذن كان إنسان الغاب هو الذي قتل المرأتين، من يستطيع الوصول إلى هذا الاستنتاج ؟ ‍‍!‍‍‍ و لكن يا دوبن من بين الأصوات التي تم سماعها كانت لإنسان ، ألم يقل شيئا بالفرنسية ؟ "
*
- " لا أستطيع تفسير ذلك ، و لكننا سنعرف حالا ، لقد كان هناك رجل - ربما كان صاحب ذلك الحيوان- رأى تلك الجريمة ، لقد كانت الأصوات تصرخ بغضب ، لا شك بأنها كانت لصاحب ذلك الحيوان فقد كان غاضبا من حيوانه عندما قتل المرأتين ، و ربما هرب الحيوان من صاحبه ، و ربما قام بمتابعة الحيوان إلى المنزل حتى يمسك به ، لا أدري بالضبط ما حدث حينها" .
*
- " إذن من الممكن جدا أن يكون هذا المخلوق لا يزال طليقا "
*
- " أرجو ذلك ، إذا كان هذا ما حدث ، و إذا كان الرجل صاحب الحيوان بريئا من جريمة القتل هذه فإنه سوف يأتي لهذا المنزل اليوم . في طريق عودتنا للمنزل بالأمس ، توقفت أمام مبنى لصحيفة وطلبت منهم أن يضعوا ملاحظة في عدد الصباح و التي تعلن عن سفن و بحّارة ، أقرئها" ، أعطاني دوبن الصحيفة و بدأت أقرا " تم الإمساك قبل يومين بإنسان الغاب ذو الشعر البني المحمر من النوع البورني في مدينة جادرنز *في شارع جينيف، كما أن مالكه البحّار يستطيع استعادته بعد دفعه للضريبة المحددة ، الرجاء الاتصال بـ ......"*******
*******************
- سألته مستفسرا " كيف عرفت بأنه بحّار ؟"
*
- " أعتقد بأن ذلك صحيحا " وأخذ من جيبه شريط حريري أحمر اللون و قال :
*
- " لقد وجدت ذلك الشريط أسفل ماسورة منزل السيدة إيسبيني ، و كما تراه فهو متسخ و له رائحة شعر دهني ، و البحّارة عادة ما يربطون رؤوسهم بهذا النوع من الأشرطة "
*
- " ولكن ألا يحتمل بأن الرجل سيكون خائفا بحيث لا يستطيع أن يأتي "
*
- " إن لم يكن مذنبا فلماذا يجب عليه أن يخاف ؟ فربما يقول لنفسه أنا لم أقتل المرأتين ، و لا ذنب لي في ذلك ، أستطيع أخذ إنسان الغاب و عندها أبيعه و أحصل على كثير من المال ، لماذا علي أن أفقد الحيوان ؟ لقد وجد في شارع جنيف وهو بعيد كل البعد عن حارة رو مارجيو ، و الشرطة حائرة في القتلة ، كيف لهم أن يعرفوا بأن إنسان الغاب هو الذي قتل المرأتين ؟ نعم لن تستطيع الشرطة أن تعتقد بأن من قام بتلك الجريمة هو حيوان "* تابع دوبن كلامه قائلا " إنه بحّار ، و البحّار عادة ما يتصف بالشجاعة و الأمانة ، و قليلون منهم من لا يتصفون بالأمانة ، بالطبع هذه الأحداث ستربكه و هو بالطبع لا يريد المشاكل ، بل ربما سيكون سعيدا بعد أن ..... " لم يكمل دوبن كلامه حتى سمعنا جرس الباب ، فقال دوبن بصوت خافت :
*
- " ضع يدك على سلاحك وكن على استعداد ، و لكن لا تخرجه إلا عند الضرورة " عندها قال بصوت مسموع " تفضل بالدخول "
*
فتح رجل الباب و دخل ، فكان بالفعل يبدو بحّارا ، كان طويلا و قويا ذو وجه بشوش و أمين ، كان لونه أسمر ولديه لحية كثيفة ، كان لديه عصا يتكئ عليها و كان شعره الأسود مربوطا خلفه بشريط انحنى برأسه إلينا و قال :
*
- " مساء الخير يا سادة "
*
قال دوبن " أجلس لو سمحت ، لقد أتيت من أجل إنسان الغاب على ما أظن ؟ إنه حيوان جميل جدا و قّيّم ، كم عمره ؟ "
*
أخذ البحّار نفسا طويلا عندما سمع هذه الكلمات من دوبن و جلس ، بدا فجأة بأنه شعر بالسعادة و قال " لا أعرف بالضبط ، ربما يبلغ من العمر أربع أو خمس سنوات ، هل أمسكت به هنا ؟ "
*
- " بالطبع لا ، لا مكان له لدينا هنا ، و لكنه عند صديق لي يمتلك إسطبل للأحصنة و هو يعتني به ، و لكن يمكنك استعادته في الصباح ، هل لك بوصفه فقط لإثبات أنك مالكه ؟
*
- " نعم يا سيدي ، أستطيع ذلك ، و لكن يجب أن تعلم بأني لست قادرا على دفع الضريبة المخصصة بشأنه "
*
- " حسنا ، لم أمضي للكثير من الوقت مع حيوانك ، ماذا يمكنني أن أسألك بشأنه ؟ دعني أفكر قليلا " . عندها قام صديقي دوبن بهدوء و مشى باتجاه باب الغرفة واقفل بابها بالقفل ووضع المفتاح في جيبه ، بعدها أخرج من جيبه مسدسا صوبه نحو البحار و قال بهدوء " لا أريد أي نقود ، و لكن هناك شيئا آخر ، أخبرني كل شيء تعرفه عن جريمة القتل التي حدثت في حارة رو مارجيو . امتقع وجه البحّار ، وقف لاهثا ، وكان يمسك بعصاه بقوة ، بعدها جلس على كرسيه منهارا و بدا جسمه كله يرتعش ، فقال له دوبن بلطف " لا داعي للخوف ، نستطيع مساعدتك ، كما أننا لن نؤذيك أعدك بذلك ، أنا أعرف بأنك لم تقتل المرأتين ، كما أنني متأكدا تماما من أنك تعرف بعض الحقائق ، دعني أقول بأنك لم تستطيع حين وقوع الجريمة عمل أي شيء للمرأتين بالرغم من أنك حاولت ذلك ، لقد كانت هناك الكثير من النقود و لكنك لم تأخذها ، لذا لا أحد يستطيع أن يلومك ، كما أنك تعلم بأن الشرطة قبضت على السيد ليبون وأودعته السجن وهو برئ وأنت تعرف ذلك أيضا ، و أنت كما يبدو لي رجل أمين لذا تتفق معي بأن يطلق سراح ليبون لأنه برئ " .
*
لم يجب الرجل ، و بدا وكأنه لا يزال خائفا بعدها اسند نفسه بعصاه و بدأ بالحديث و قال " حسنا ، سأحاول إخباركم بما أعلم ، فأنت على ما يبدو تعرف بعض الحقائق ، و أرجو أن تصدقني ، ما حدث كان رهيبا جدا و لكني أقسم لك بأني لست مذنبا " و بدأ بإخبارنا ما يعرف فقال بأنه حصل على إنسان الغاب من الشرق و قد عاد به إلى فرنسا على أمل بيعه ، و في باريس أستأجر شقة و حبس الحيوان في إحدى الغرف ، و في يوم وقوع الجريمة عاد إلى المنزل في الثانية فجرا ، و قد جلب له و لإنسان الغاب طعاما وأثناء الأكل أخذ الحيوان سكينا طويلا و حادا و كان يلهو به و كانت خطرة جدا في يد حيوان مثله ، عندها أخذ البحّار عصاه التي أعتاد من خلالها السيطرة على الحيوان ، و لكن عندما رأى الحيوان تلك العصا هرب بسرعة من الغرفة و قفز من خلال إحدى نوافذها* المفتوحة إلى الشارع و كان لا يزال ممسكا بالسكين ، بعدها جرى البحّار خلفه و كان الوقت حينها حوالي الثالثة بعد متصف الليل و كانت الشوارع هادئة و خالية من السكان ، و بينما كان الحيوان يركض انحرف ناحية شارع رو مارجيو المظلم ، و لقد رأى ذلك الحيوان ضوءا ينبعث من نافذة منزل السيدة إسبيني و في الوقت نفسه رأى تلك الماسورة لتصريف ماء المطر و بسرعة كبيرة تسلق تلك الماسورة و قفز بقوة و سرعة كبيرين عبر الهواء إلى نافذة المنزل و من ثم دخل المنزل و لم يستغرق كل ذلك أكثر من دقيقة واحدة .
*
كان صاحب الحيوان قلقا من أن يقوم حيوانه بإيذاء سكان ذلك المنزل فوقف لبرهة يفكر بعدها قرر أن يتسلق الماسورة حتى يلحق بحيوانه ، و لكونه بحّارا لم يجد صعوبة كبيرة في تسلق الماسورة و لكنه عندما وصل النافذة لم يستطع القفز إليها فلو فعل ذلك لكان قد سقط إلى الأرض لهذا قرر الرجل فقط أن ينحني إلى النافذة حتى يرى ما يجري بالداخل ، و بمجرد رؤيته لداخل الغرفة كاد أن يسقط من هول ما رآه ، لقد رأى كيف قام الحيوان بإمساك السيدة إيسبيني من شعرها بقوة ورآها تقاوم الحيوان* حتى أثارته كما رأى كيف قطع حيوانه بسكينه راس السيدة إيسبيني كما أن منظر الدم قد أثار بشدة ذلك الحيوان و بعدها توجه ذلك الحيوان الرهيب صوب الفتاة فجذبها بقوة من رقبتها و قام بكسرها بكل وحشية ، و فجأة رأى الحيوان وجه سيده من خلال النافذة فتحول جنونه إلى خوف شديد فأسرع خلال الغرفة باحثا عن مكان يخفي فيه الجثتين و لهذا السبب كان بعض أثاث المنزل محطما . أخذ الحيوان جثة الفتاة وحشرها بقوة داخل المدخنة و بعدها أخذ جثة السيدة إيسبيني ورماها من خلال النافذة المفتوحة ، عندما رأى البحّار كل ذلك اعتراه خوف شديد و حاول أن يهدئ من روع ذلك الحيوان و لهذا سمع بعض الجيران أصوات كل من البحّار و كذا الحيوان الهائج . قرر صاحب الحيوان النزول من الماسورة و الهرب إلى بيته على أمل أن لا يرى إنسان الغاب ثانية ، و كذلك فعل حيوانه من بعده فقد تسلق خارجا من النافذة من خلال يديه القويتين فأغلقها بقوة شديدة خلفه بعدها قفز ناحية الماسورة و بدأ بالنزول بسرعة كبيرة ، في هذا الوقت كان البحّار قد اختفى.
*
لا يمكن القول أكثر من ذلك ، فبعد يومين من وقوع تلك الجريمة أمسك البحّار بإنسان الغاب و قام ببيعه إلى مخرج أفلام حدائق الحيوان في باريس ، و لكن قبل ذلك تكلم دوبن و البحّار و كذلك أنا مع السيد جورج جودينيت رئيس الشرطة الباريسية حيال هذا الموضوع. و كان السيد جودينيت ودودا للغاية مع السيد دوبن و لكنه في الوقت نفسه كان يشعر بالخجل لكون واحدا من خارج الشرطة الباريسية قد استطاع أن يحل لغز جريمة القتل التي تمت في حارة رو مارجيو ، بعدها مباشرة تم الإفراج عن السيد ليبون لبرأته .*
و بينما كنت و هولمز قد غادرنا مكتب السيد جودينيت سمعنا أحد الأشخاص يقول " لا ينبغي للناس العاديين أن يتدخلوا في عمل الشرطة " ، و لكن هذا التعليق لم يزعج صديقي هولمز.
تمت بحمد الله
Dr.tareqassaqaf@yahoo.com
*
*
*** *إنسان الغاب : ضرب من القردة يمتاز بضخامة حجمه و يمتاز كذلك بشراسة غير عادية و يعيش بين الأشجار في بورنيو و سومطره. ( المترجم)

قديم 09-07-2013, 05:28 PM
المشاركة 53
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
بيرينيس - قصة مترجمة لـ إدجار ألآن بو


بيرينيس - من كتاب القط الأسود وقصص أخرى لـ إدجار ألآن بو
الأحد 05 يونيو 2011 10:20 مساءً
عن "عدن الغد"

بيرينيس - قصة مترجمة لـ إدجار ألآن بو* ترجمة د/طارق علي عيدروس السقاف
إيجوس ذلك هو اسمي ، فِأنا سليل أقدم وأعرق عائلة استوطنت هذه المنطقة. لقد عاشت عائلتي في هذا المكان بين حيطان هذا البيت العتيق لمئات من السنين. وكثيرا ما كنت أتجول بين غرفه الساكنة ،وكانت كل غرفة من هذه الغرف- رغم أنها عتيقة في القدم - مزخرفة بأثاث جميل من تصميم أمهر مصممي الديكور.
لكن غرفتي المفضلة كانت دائما المكتبة وفيها كنت دائما أقضي معظم وقتي. لقد لفظت والدتي أنفاسها الأخيرة بين حيطان هذه المكتبة ، حتى أنني ولدت في هذه المكتبة ، نعم لقد سُمعت صرخاتي الأولى بين جدران هذه المكتبة،وهذه الكتب التي بين الرفوف هي أكثر الأشياء التي أتذكرها في حياتي ، لقد كانوا أصدقائي الوحيدين والمخلصين.
صحيح بأنني ولدت في هذه الغرفة،ولكن حياتي لم تبدأ من هنا. إنني على يقين بأنني قد عشت حياة أخرى قبل هذه الحياة التي أعيشها الآن،وكثيرا ما كانت تنتابني حالة غريبة من خلالها أرى عالم آخر غير هذا العالم الذي نعيشه،له أعين غريبة وأصوات جميلة ولكنها حزينة كما أن به ظلالا صامتة. وكثيرا ما أستيقظ من نومي في منتصف الليل، وسرعان ما أرى ضوء النهار يتخلل هذه الغرفة مليئا بالأفكار والأحلام الغريبة.
*
أمضيت شبابي كله بالقراءة في هذه الغرفة ، ولم أنتبه إلى هذا إلى أن وصلت إلى خريف العمر.لقد سرق مني شبابي. ولم أكن أغادر هذه الغرفة مطلقا،وشيئا فشيئا بدأت اخرج خارج حيطانها وبدأ لي العالم الخارجي كحلم ، كما أن الأفكار الغريبة والكوابيس العالقة في رأسي كانت هي العالم الحقيقي بالنسبة لي، بل كانت كل حياتي.
*
كان لي ابنة عم تدعى بيرينيس، وقد تربينا في طفولتنا معا في هذا المنزل.ولكن كل منا كان له شخصيته المستقلة والمختلفة عن الآخر، فقد كنت أنا دائما ذلك الشخص الضعيف والواهن والمريض والتائه في أفكاره، بينما كانت هي على العكس مني تماما،فقد كانت ذات شخصية قوية وصحيحة،كانت دائما مفعمة بالحيوية والأمل.
كانت مشرقة وضاءة كالبدر في سمائه. لقد كانت دائما في طفولتها تركض بفرح بين التلال والمروج الخضر تحت السماء الصافية ، بينما كنت أنا منكبا على نفسي في قراءة الكتب.لقد عشت أسيرا للأفكار الغريبة التي كانت تغزو عقلي. كانت حياتها مضيئة بينما كانت حياتي مظلمة،كانت حيوية وكنت كشخص متبلد ومحنط، كانت سعيدة بينما كنت مكتئبا ، وكانت بسيطة وكنت معقدا. لم تكن بيرينيس تفكر بالمستقبل، كانت حياتها فقط لحاضرها.
عندما أنادي أسمها –بيرينيس- أتذكر صوتها الناعم وهو يرد على ندائي في الماضي ، إنني أستطيع أن أراها وبوضوح كما كانت في الماضي بوجهها المشرق الجميل. أراها-نعم-أراها ...ولكن فجأة تختفي ولا أرى شيئا سوى الظلام والغموض ممزوجا بشعور من الخوف.
*
لقد انتهت حياتها الجميلة والمشرقة عندما داهمها فجأة ذلك المرض اللعين كعاصفة هوجاء، وكم كان هذا قاسيا علي وأنا أرى هذا المرض وهو يعصر جسدها الرقيق وعقلها البريء مخلفا فتاة أخرى ذابلة وعابسة لا أعرفها.
من هذه الفتاة الحزينة والواهنة؟ أين هي حبيبتي بيرينيس التي أعرفها؟ لقد داهمها المرض الرهيب ثم لم تلبث أن داهمتها أمراض كثيرة أخرى،من هذه الأمراض كان الصرع الذي سرعان ما يفقدها توازنها فتقع على الأرض ويتوقف عقلها عن التفكير فلا تعد ترى شيئا ويحمر وجهها وتنتابها حالة رهيبة من الارتعاش ممزوجة بصرخات رهيبة.
كان هذا المرض ينتابها فجأة،ويتوقف هذا الصرع بعد أن تنام بعمق بحيث أني لا أستطيع التفرقة ما إذا كانت نائمة أم ميتة. وخلال هذه الفترة داهمني مرض خطير أنا أيضا وبدأت حالتي تسوء نتيجة لشدة وطأته علي يوما بعد يوم ، وكنت على يقين بأني لا أستطيع شيئا حيال هذا المرض الخبيث بحيث أنه غير حياتي تماما مثلي في هذا مثل بيرينيس. الاختلاف الوحيد بين مرضي ومرض بيرينيس هو أن مرضها كان جسديا، في حين كان مرضي عقليا.
كان مرضي يدعى في علم الطب بالمونيمينيا وهو أحد الأمراض العقلية النفسية التي من خلالها لا يستطيع المريض التوقف عن التفكير بشيء ما. وكثيرا ما كنت أفقد السيطرة على نفسي لساعات طوال عندما يداهمني هذا المرض وأبدأ بالتفكير طيلة الوقت بشيء ما وقد يبدو هذا الشيء سخيفا و تافها بل ومضحكا في أحيان كثيرة ولكني لا أستطيع التوقف عن التفكير به.ولكن كانت نتائج هذا المرض وخيمة بحيث لم أستطع التركيز بعدها بأي شيء خصوصا عندما أقرا، فمثلا يستغرق البحث عن حرف معين -أثناء قراءتي- لساعات و ساعات دون أن أجده،وفي هذه الحالة أكون قد نسيت كل شيء حتى أنني أكون قد نسيت بأني على قيد الحياة.
*
لم أحب بيرينيس مطلقا حتى في أوج نظارتها وجمالها في سن الصبا ، ذلك بأنني كنت غير مهتم كثيرا بالأحاسيس و المشاعر، فكما قلت مسبقا كان اهتمامي منذ صباي منكبا على قراءة الكتب،وكانت بيرينيس في بعض الليالي المظلمة من الفجر تدخل على في مكتبتي ، ولم أكن أراها كشخص حقيقي يعيش في هذا العالم ، فبالنسبة لي كانت بيرينيس حلما يدور في عقلي ، كنت أميل إليها بالتفكير لا بالحب.
في الواقع لا أعرف كيف ولماذا تغير سلوكي تجاهها خصوصا بعد مرضها ، فبمجرد أن تقترب مني بينما أنا منكب على القراءة أجد نفسي ارتعش و يشحب وجهي. صحيح بأني لم أحبها يوما ، ولكني كنت أعلم بأنها كانت تحبني كثيرا ، ففي أحد الأيام أتتني فكرة أن أطلب يدها للزواج، ليس لأنني أحبها كما ذكرت ولكن لشعوري نحوها بالأسف والأسى الشديدين. *
*
اقترب يوم زفافنا ، وفي ظهر أحد الأيام بينما كانت السحب غائمة والرياح عاتية ،وبينما كنت كعادتي منكبا في مكتبتي أقرأ كتابا ، فجأة شعرت بشيء ما فنقلت عيني سريعا من الكتاب صوب هذا الشيء، فرأيت بيرينيس واقفة أمامي وهي تبتسم لي. كانت مثل الغريبة بالنسبة لي ، فقد كانت شاحبة وواهنة ، يا الهي!! كما كانت تبدو ضعيفة جدا.
*لم تقل شيئا ، كما أنني لم أتكلم بدوري ، ولم أعرف السبب ، ولكن فجأة اعتراني خوفا شديدا أثقل صدري، فتسمرت مكاني ولم أستطع الحراك. كان شعرها الحريري منسدل على كتفيها ، وكانت بشرتها بيضاء كالثلج ، وبالرغم من أنها بدت هادئة وسعيدة، لم يكن هناك أي أثر للحياة في عينيها ، بل بدت عيناها وكأنها لا تراني مطلقا.
كنت أراقب شفتيها النحيلتين الخاليتين من الدماء وهي تنفتح ببطء لكي تصنع تلك الابتسامة الغريبة والشاحبة ، لم أستطع أن أفهم معنى تلك الابتسامة،ولكن في هذا الوقت رأيت أسنانها الجميلة والبراقة وسألت نفسي مندهشا "أوه...لماذا كان عليها أن تبتسم لي؟لماذا كان علي أن أرى هذه الأسنان؟".
*
سمعت صوت إغلاق الباب،وعندما نظرت حولي لم تكن بيرينيس موجودة، كانت الغرفة خالية تماما،ولكن عقلي لم يكن خاليا من التفكير بأسنانها.
إنني الآن أستطيع أن أرى هذه الأسنان في عقلي وبوضوح أكثر مما كنت أرآها وهي واقفة أمامي. كل جزء دقيق في كل سن من أسنانها كان محفورا في عقلي...يا لها من أسنان!!!لم أستطع الكف عن التفكير بأسنانها...كانت بيضاء كالثلج. حاولت كثيرا مقاومة مرض المونومينيا الذي اعتراني فجأة ، لكن دون جدوى ، فلم أستطع أن أرى أو أفكر بأي شيء سوى أسنانها ، حتى أصبح تفكيري بأسنانها يشغل كل وقتي وحياتي.
*وكلما زاد تفكيري بهذه الأسنان زادت رغبتي بامتلاكها، نعم كان علي أن أمتلك تلك الأسنان ، فهذه الأسنان هي الشيء الوحيد القادر على جلب السعادة لي ، الشيء الوحيد الذي يستطيع منع إصابتي بالجنون ، كان هذا ما يدور في عقلي كل يوم خصوصا في الليل الحالك الظلمة.
*
في إحدى الليالي المشئومة استيقظت مذعورا على صراخ الخادمة المليء بالحزن والألم،نهضت من السرير وفتحت باب المكتبة فأطلت الخادمة وهي تبكي بحرقة قائلة "لقد توفيت ابنة عمك* يا سيدي هذا الصباح، بسبب مرض الصرع الذي داهمها" ، فصرخت "هذا الصباح!!؟؟" لقد كان الوقت ليلا. قالت الخادمة "نحن جاهزون لدفنها الليلة يا سيدي".
*
استيقظت وحيدا في المكتبة ، واعتقدت بأنني كنت أحلم حلما مزعجا، ولكني لم أستطع تذكره ، كان الوقت منتصف الليل. قلت لنفسي "لابد أنهم قد دفنوا بيرينيس بحلول الفجر" ، ولكنني كنت أشعر بخوف شديد من شيء مجهول. أحسست بأن شيئا فظيعا قد حدث ليلة البارحة ولكني لم استطع أن أتذكره ، فتلك السويعات من البارحة بدت وكأنها صفحة من كتاب عليها كتابة غريبة لا أستطيع قراءتها وكثيرا ما سألت نفسي "ما الذي ارتكبته البارحة؟؟". ك
ان هناك مصباح على الطاولة بالقرب مني بجانبه صندوق صغير، كنت أعرف هذا الصندوق جيدا ، فقد كان يخص طبيب عائلتنا ، ولكني تساءلت كثيرا "لم هو هنا الآن على الطاولة؟ ولماذا أنا ارتجف هكذا ويقف شعر رأسي بمجرد النظر إليه؟" .
في تلك اللحظة كان هناك طرق على باب مكتبتي ، بعد أن دخل الخادم مكتبتي، رأيت الهلع باديا على وجهه بمجرد أن وقع بصره علي ، فتكلم معي بسرعة لم أستطع معها أن أفهم كل ما قاله.
*
*قال لي " لقد سمع أحدنا صرخة مدوية البارحة يا سيدي، فذهبنا صوب ذلك الصوت، فرأينا جثة بيرينيس ملقاة في العراء، لقد أخرجها أحدهم من قبرها الذي دفناها فيه ، كانت الجثة تنزف بشدة....ولكن الأسوأ من ذلك، أنها لم تكن قد ماتت بعد، بل كانت لا تزال على قيد الحياة يا سيدي" ، بعدها أشار باستغراب إلى ملابسي التي كانت ملطخة بالدماء ، ولم أنبس ببنت شفة.
وأخذ ينظر إلى ذراعي بدهشة، كانت بها العديد من الجروح والدماء الجافة العالقة عليها...هنا لم أستطع أن أتمالك أعصابي فصرخت بشدة وركضت صوب ذلك الصندوق الصغير على الطاولة وحاولت فتحه، حاولت كثيرا ولكني لم أستطع، إلى أن وقع مني على الأرض وأنكسر حتى خرجت محتوياته التي كانت عبارة عن أدوات لقلع الأسنان وكانت بينها اثنان وثلاثون سنا صغيرة بيضاء تناثرت في كل أنحاء الغرفة.

قديم 10-30-2013, 01:26 PM
المشاركة 54
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الرسالة المسروقة- قصص من الغموض و الخيال -للقاص و الشاعر الأمريكي الكبير إدجار ألآن بو

الاثنين 14 نوفمبر 2011 12:13 صباحاً
قصص من الغموض و الخيال -للقاص و الشاعر الأمريكي الكبير إدجار ألآن بو
الرسالة المسروقة
ترجمة د / طارق علي عيدروس السقاف
كلية التربية / صبر / قسم اللغة الإنكليزية
ذات مساء و بينما كنت مع صديقي ( دوبن ) في منزله في باريس ، زارنا السيد ( جورج جودينيت ) رئيس الشرطة الباريسية ، و كثيرا ما تطلب الشرطة الباريسية المساعدة من صديقي ( دوبن ).
أخبر السيد ( جورج ) صديقي ( دوبن ) بأن الأميرة كانت قد استلمت رسالة مهمة مع الأحرف الأولى للمرسل ( س ) مطبوعة في الخلف .
فتحت الأميرة الرسالة و كادت أن تبدأ بقراءتها و لكن دخول الكونتيسة ( دوفال ) إلى الغرفة حال دون ذلك.
و كانت الكونتيسة هذه امرأة ثرثارة جدا، تتحدث لكل شخص و تفشي كل الأسرار حتى أنها اعتبرت ( جريدة متحركة ) ، و لم تكن الأميرة تريد أن ترى الكونتيسة هذه الرسالة ، لذلك و بسرعة قامت الأميرة بوضع الرسالة داخل ظرف و ضعته على الطاولة.
بعدها مباشرة دخل السيد ( ليبرن ) الغرفة و كان من الرجال المهمين في الحكومة و كان رجلا بغيضا. فقال ( دوبن ) لـ ( جورج ) " إنني أعرفه ، إنه رجل ذكي جدا ".
فقال ( جورج ) " حسنا ، رأى ( ليبرن ) الظرف على الطاولة مع الحرف (س) ، و بينما كانوا يتحدثون ، أخذ رسالة من جيبه و فتحها و كان يتظاهر بقراءتها ، و بعدها و ضعها جانبا على الطاولة بالقرب من رسالة الأميرة، تحدث ثلاثتهم لمدة عشر دقائق إضافية ، و في النهاية أثناء مغادرة السيد ( ليبرن) ، أخذ رسالة الأميرة و ترك رسالته على الطاولة، و قد رأت الأميرة كل ذلك ، و لكنها لم تستطع أن تتفوه بأي كلمة لوجود الكونتيسة " .
و إذا افترضنا جدلا بأن الأميرة كانت قد أوقفت السيد ( ليبرن) لكان قد قال لها ( آووه ، أتقصدين هذه الرسالة المرسلة من (س) ، أنا آسف ، عندئذ كانت الكونتيسة سوف تنشر الخبر في كل أرجاء باريس قائلة " هل سمعتم الأخبار؟ إن للأميرة عشيقا ، واسمه (س)" .

قال ( دوبن ) للسيد ( جورج ) " كان ذلك غريبا ، الأميرة تعرف أن( ليبرن ) سرق رسالتها ، و هو يعرف أنها تعرف " ‘ رد عليه السيد ( جورج ) " و قد أعطت الرسالة قوة لـ (ليبرن) سيطر بها على الأميرة ".
(دوبن) : " هل بحثتم عن الرسالة ؟"
( جورج ) : " لقد بحث رجالي في منزل السيد ( ليبرن ) بدقة شديدة. و لم يكن ذلك من السهولة بمكان حيث أننا كنا نبحث عنها في السر ، و لكن – لحسن الحظ – كثيرا ما يكون السيد ( ليبرن ) خارج منزله خصوصا في الليل ، و ينام خدمه في منزل آخر ، لذلك بحثنا في المنزل غرفة غرفة لمدة عشرين ليلة و لكن لم نجد أي أثر لأي رسالة" .
فقلت : " ربما كان يحملها في جيبه " .
( جورج ) : " لا ، لقد تقمص رجالي ، شخصية اللصوص و هاجموه مرتين ، و بحثوا في كل جيوبه و أخذوا نقوده ، و لكنه لم يكن يحمل أي رسالة"
( دوبن ) : " أخبرني عن طريقتكم في البحث عن الرسالة ، أين بحثتم بالتحديد ؟ "
( جورج ) : " بحثنا في كل مكان تقريبا و قضينا ثلاث إلى أربع ليال في كل غرفة ، بحثنا أعلى و أسفل كل كرسي و طاولة ، و على السطح و من داخل كل درج و خزانه الكتب. حتى أننا نزعنا أرجل و غطاء الطاولة ".
( دوبن ) : " لماذا قمت بذلك ؟"
( جورج ) : " لنرى إذا ما كانت الرسالة مخفية بالداخل "
( دوبن ) : " أين بحثتم أيضا ؟ "
( جورج ) : " كانت لدينا إبر طويلة ، و قد أدخلناها إلى الأسرة و الوسائد و أشياء لينة أخرى. و إذا كان هناك شئ مخفي لكنا قد وجدناه ، و قد بحثنا أيضا في الحيطان و الأرضيات و لكن دون جدوى ".
سألت " و هل بحثتم في كل ملابس السيد (ليبرن) ؟"
أضاف ( دوبن ) : " و كل كتبه و أوراقه ؟؟ "
( جورج ) : " نعم لقد فعلنا ك ذلك " .
و بعد نقاش مستفيض لم يقل ( دوبن ) أي شئ لعدة دقائق . بعدها جلس ثلاثتنا في صمت و في نهاية اللقاء ، و قف السيد ( جورج ) متأهبا للمغادرة قائلا : " حسنا يا ( دوبن ) بماذا تنصحني؟ "

( دوبن ) : " بأن تفتش المنزل بعناية للمرة الثانية ".
ذات مساء ، و بعد ثلاثة أسابيع ، أتى السيد ( جورج ) إلى منزل السيد ( دوبن ) ، و بعد ذلك بوقت قصير سألت السيد ( جورج ) " ماذا عن الرسالة المسروقة ؟ هل وجدتموها ؟ " .
( جورج ) : " لا ، لقد بحثنا في المنزل للمرة الثانية كما نصحنا السيد ( دوبن ) ، و لكن كل ذلك كان مضيعة للوقت. إن الأمر يزداد تعقيدا و خطورة كل يوم "
( دوبن ) : " حسنا يا سيد ( جورج ) سأعطيك الرسالة " .
اندهش السيد ( جورج ) كثيرا و كذلك أنا ، و لم يستطع أحدنا أن يتفوه بكلمة. و قد تسمرنا متطلعين إلى ( دوبن ) الذي ذهب إلى أحد الأدراج و أخذ رسالة منه و أعطاها للسيد
( جورج ) قائلا " هاك رسالة الأميرة " .
و عندما خرج السيد ( جورج ) ، قال صديقي ( دوبن ) " إن رجال الشرطة الباريسية أذكياء و لكن في الأمور الاعتيادية. إنهم حريصون و مجتهدون و لذلك هم عادة ما يحصلون على نتائج جيدة ، و لكن عيبهم الوحيد أنه ليس لديهم ملكة الخيال. إنهم لا يحاولون أبدا تخيل أفكار الآخرين ، فهم يتعاملون مع مختلف القضايا بنفس النمط ، فإذا سرق لص غبي شيئا ما و أخفاه فإن الشرطة عادة ما تجد المسروقات ، و لكن إذا ما كان اللص شخصا ذكيا فإن الشرطة الباريسية تكون في مأزق" .
قلت " تقصد انهم يبحثون دائما بنفس الطريقة و نفس النمط و في نفس الأماكن "
( دوبن ) : " بالضبط ، إنهم يبحثون في أرجل الطاولات و داخل الوسائد . إن اللص الذكي لن يخبئ شيئا كهذا في مثل هذه الأماكن. بل سيضعه في مكان بحيث لا تنظر إليه الشرطة " .
قلت : " و لكن هل ( ليبرن ) لص ذكي بهذه الصورة ؟ أنا متأكد بأنه ليس لصا. "
( دوبن ) : " بالطبع ليس لصا ، و لكنني أعرفه جيدا إنه رجل ذو خيال "
فسألته : " استمر ، أخبرني كيف و جدت الرسالة ؟ "
( دوبن ) : " أولا فكرت في شخصية ليبرن نفسه ، إنه من رجال الحكومة كما أنه من رجال القضاء ، مثل هذا الرجل يعرف كل شئ تقريبا عن الشرطة ، و يعرف أنه في حالة سرقة الرسالة فإن الشرطة سوف تبحث في منزله ، و لا يستبعد انه ابتعد عن منزله متعمدا لذلك الغرض " .
فقلت : " لماذا يقوم بذلك إذن ؟ "
( دوبن ) : " حتى تبحث الشرطة في منزلة بإمعان . و قد خمن ( ليبرن ) أن الشرطة لن تبحث في الأماكن الظاهرة " .
سألته بلهفة " ماذا عملت إذن ؟ "
( دوبن ) : " ذات صباح ذهبت إلى منزل ( ليبرن ) ، و قد ارتديت نظارة شمسية داكنة ، واشتكيت من ضعف أصاب عيني ، و سألته إذا ما كان يعلم عن طبيب عيون جيد. و بينما كنا نتحدث كنت ألاحظ الغرفة حولي بعناية"
فواصلت كلامه قائلا " و لم يلحظ هو ذلك بسبب النظارات الشمسية الداكنة التي كنت تضعها حول عينيك "
( دوبن ) : " تماما ، و كان هو يبحث في بعض العناوين ليجد طبيب عيون مناسبا لي. كانت هناك طاولة كبيرة بالقرب من النافذة عليها الكثير من الأوراق و الرسائل و بعض الكتب. و كانت هناك طاولتان صغيرتان لم يوضع عليهما شئ و كذلك خزانة كتب كبيرة ، و نصف دزينة من الكراسي و بعض الصور ، و لم يثر أي من هذه الأشياء انتباهي كثيرا. و أخيرا وقعت عيناي و على حاملة رسائل عادية الشكل بالقرب من الموقد ، و كانت معلقة من خلال سلك مربوط بمسمار مثبت على الحائط " .
سألته : " هل هناك شئ في حاملة الرسائل ؟ "
( دوبن ) : " كان هناك اثنتان أو ثلاث من البطائق و رسالة ، و كان الظرف متسخا و ممزقا ، و بالكاد استطعت أن أرى كتابة العنوان على الظرف . بالطبع بدت الرسالة مختلفة تماما عن تلك التي وصفها لي السيد ( جورج ) ، و كان حجم الظرف مختلفا أيضا ، ولكنني قلت لنفسي مباشرة " تلك هي رسالة الأميرة ".
سألته : " هل تقصد أن ( ليبرن ) كان قد ظرّف الرسالة "
( دوبن ) : " لم لا؟ أن من السهولة بمكان تغيير ظرف رسالة ، و من المحتمل أن مكان الرسالة قد خدع رجال الشرطة الباريسية ، تذكر أن رسالة الأميرة كانت مهمة و سرية . و كانت حاملة الرسائل هذه أسهل و أتفه مكان توضع به الرسالة المسروقة" .
فقلت " إذن لم يخف السيد ( ليبرن ) الرسالة المسروقة أصلا "
( دوبن ) : " كان قد أخفاها من رجال الشرطة بدهاء شديد فكأنهم لم يلحظوا شيئا كان أمام أنوفهم مباشرة "
سألته : " و كيف استطعت استرجاع الرسالة بعد أن وجدتها ؟ "
( دوبن ) : " ليس في نفس ذلك اليوم ، و لكن عندما تركت( ليبرن ) ، تركت علبة السجائر الذهبية على الطاولة متظاهرا بأنني نسيتها ، و في ذلك المساء بدأت أخطط لاستعادة الرسالة ، ففي صباح اليوم التالي ، عدت لمنزل السيد ( ليبرن) لاستعيد علبة السجائر و تحدثت معه لبضعة دقائق ، بعدها ببرهة سمعنا صوت إطلاق نار في الشارع ، و كانت هناك صرخات عالية و صوت جري أقدام . جرى ( ليبرن ) إلى النافذة و فتحها و أطل من خلالها ، بينما ذهبت أنا مسرعا إلى حاملة الرسائل و أخرجت الرسالة منها ووضعتها في جيبي ، و لكنني أيضا و ضعت رسالة أخرى في حاملة الرسائل تشبه كثيرا رسالة الأميرة بحيث كان الظرف من نفس النوع متسخا و ممزقا و كان الخط المكتوب عليه من نفس النوع . بعدها ذهبت إلى ( ليبرن ) لأطل من النافذة . فسألته " ما المشكلة في الشارع ؟ " فرد ( ليبرن ) قائلا " إنه رجل كان قد أطلق النار ، و قد أفزع المارة في الشارع ، و لم تكن بندقيته حقيقية ، و لهذا فقد اكتفت الشرطة بتحذيره ، و بعدها تركته يذهب " .
بعدها تركت منزل السيد ( ليبرن ) ، و بعدها بنصف ساعة التقيت الرجل الذي كان قد أطلق النار و دفعت له مائة فرنك كما و عدته " .
سألته " و لكن ما هو محتوى الرسالة الثانية التي و ضعتها بدلا من رسالة الأميرة " .
( دوبن ) : " فقط سطر واحد قلت له فيه " من لا يحترم امرأة ، يجب الا يتوقع أن يحترمه رجل "
تمت بحمد الله
Dr.tareqassaqaf@yahoo.com

قديم 12-22-2013, 08:22 PM
المشاركة 55
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سطور
قصص من الغموض والخيال للكاتب الأمريكي إدجار آلان بو .. ترجمة متميزة للدكتور طارق السقاف

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةعرض / طارق حنبلة

وقع في يدي موخراً كتاب رائع حقاً ومتميز وشيق للغاية كان قد أهداني إياه صديقي وأخي العزيز الدكتور طارق السقاف حينما كان في مرحلة بحثه عن شهادة الدكتوراة التي حصل عليها طبعاً وبتقدير كما عودنا جميعاً.

الكتاب حمل عنوان قصص من الغموض والخيال للكاتب الأمريكي إدجار آلان بو وقد قام بترجمته إلى العربية الدكتور طارق السقاف قبل حصوله على الشهادة العليا بفترة قصيرة وهو انتهى تقريباً مؤخراً من إعداد كتاب آخر وعد بإهدائي نسخة منه في القريب العاجل وكلي ثقة بأنه في ذات المستوى ذلك لان دكتورنا المحبوب والخلوق حقاً والمترجم السقاف في رؤاه وحقول بحثه وعوالمه الفكرية رسخ في أذهاننا شيئاً واحداً وهو انه لا يعرف إلا الارتقاء من مساحة إبداع إلى مساحة أكثر اشراقاً وبهاءً.

الكتاب من إصدار الهيئة العامة للكتاب ويقع في (123) صفحه من الحجم المتوسط ويضم مجموعة من القصص الخيالية الغامضة وهي الميزة التي تميز بها العبقري الأمريكي القصصي إدجارآلان بو منها (
- الإعصار
- البق الذهبي
- الحفرة والبندول
- الرسالة المسروقة
- القدر المحترم
- أنت الجاني
- برميل الامونتيلدوا)

وقصص وروائع خيالية أخرى تذهب بك نحو فضاءات المتعة والإثارة والتشويق والحس الجمالي وبألق إبداعي منقطع النظير.

واليك عزيزي القارئ في هذه العجالة نبذة مختصرة عن صاحب هذه القصص الشيقة والمثيرة الكاتب الأمريكي إدجار آلان بو كما جاء في مقدمة المترجم:

ولد في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1809م وكان والداه ممثلين في فرقة متنقلة.

وقد ماتا قبل أن يكمل عامه الثالث وبعدها تبناه تاجر من ريتشموند يدعى “ جون آلان “ وقد أعطاه اسمه الثاني كي يحمله إدجار ولم يكن طالباً متفوقا في المدرسة كما أننا لا نعرف الكثير عن السنوات الخمس من حياته التي قضاها في المدرسة ( 1820-1815) .

في عام 1826م التحق بجامعة فيرجينيا ولكنه لم يستمر بها أكثر من سنة لكثرة ديونه وكانت ديونه هذه نتيجة للتبذير ولعب القمار والمراهنة.

التحق إدجار بالجيش عام 1828م وكان في هذه الفترة قد بدأ بالكتابة وخصوصاً الشعر وكان يطبع كتبه على نفقته الخاصة وقد ساعده أبوه بالتبني جون آلان بالالتحاق بالكلية العسكرية ولكن (بو) لم يكمل تعليمه بها.

وقد أعجب زملاؤه في الكلية العسكرية بأسلوبه في كتابة الشعر كثيراً وساهموا معه مادياً لطبع مجموعة من قصائده وقد وجد ( بو) نفسه في كتابة الشعر ولكن شعره لم يكن يساعده على كسب ما يكفيه للعيش.. فأصبح بعد ذلك كاتباً لعدد من المقالات والقصص لبعض من الصحف وأصبح بعدها ناقداً ادبياً لأعمال الغير ومن هنا بدأت الشهرة تنتقل إليه وبسرعة وكان نقده لأعمال الغير قوياً ورصيناً كما امتاز بأنه ذو رؤية لمدى ابعد وقد امتدحه الروائي الكبير تشارلز ديكينز عندما كان في بداية الطريق وشجعه على الكتابة.

ولكنه انتقد بعض الأعمال التي لم يكن لها أي قيمة أدبية لبعض الكتاب المعاصرين له في الولايات المتحدة الأمريكية وقد بين انه أثناء كتابة القصص القصيرة يجب على القاص أن يركز على ما اسماه وحدة التأثير والتركيز على مؤثر واحد فقط ( القارئ) وليس على عدد من المؤثرات وأثناء الكتابة أصبح ( بو) شيئاً فشيئاً مغرماً بكتابة القصص التي تمتاز بطابع الغموض والخيال والرعب.

قديم 12-22-2013, 08:23 PM
المشاركة 56
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

السقاف في ترجمته لقصص من الغموض والخيال لـ(إدجار آلان بو)«الأيام» عبدالقادر باراس:نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
الترجمة هي السفينة التي يبحر بها العقل المبدع المفكر نحو عوالم وآفاق بعيدة، ما كان له أن يطلع عليها لولا أن تمت ترجمة معالمها، وهي فن متجدد، يبقينا على إيقاع نغم المعرفة.

هذا ما سلكه في عوالم بحر الترجمة مترجمنا طارق علي السقاف، وأظهره مبدعاً في ترجمتة لكتاب ( قصص من الغموض والخيال) للكاتب الأميركي الكبير (إدجار آلآن بو) متضمنا بين دفتيه بواكير لمجموعة قصصية مترجمة عددها عشر، تميزت بالوضوح، تمكن خلالها المترجم من استخدام مختلف فنون ومهارات الترجمة التي أبدع فيها.

ويتألف الكتاب الصادر عن الهيئة العامة للكتاب في صنعاء، والذي يعرض في معرض الكتاب الدولي في صنعاء اليوم، من 123 صفحة من القطع المتوسط، وجاء في تعليق مقدمته على مضمون القصص التي قام بترجمتها السقاف، أنها امتازت بالإثارة والتشويق والرعب والغموض، بحيث يحس معها القارئ بنوع من اللهفة الشديدة ممزوجة بالقلق مع كثير من الترقب والحذر، وهذا هو أسلوب الكاتب الأمريكي (إدجار آلان بو) الذي امتاز عن غيره من كتَّاب القصة القصيرة في العصر الحديث بهذا الأسلوب الأدبي المتميز.

يفتتح السقاف ترجمته بقصة (الإعصار) بأجواء من الغموض والإثارة، أحدثت الرعب والهلع في منطقة مجهولة من جزر الكاريبي، وذلك عندما أغرق الإعصار جميع السفن الموجودة عرض البحر، ولم ينج من هذا الإعصار إلا شخص واحد، وهو من يقوم فيما بعد برواية ما حدث.

ويتناول الكتاب أيضا قصة (البق الذهبي) التي تدور أحداثها في القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد، والقصة تتحدث عن عدد من الكنوز التي خبأها القراصنة في بعض الجزر، ويستعير الكاتب شخصية القرصان (كيد)، وهو شخصية حقيقية، وبعد وفاته بثلاثمائة عام حاول الكثير من البحارة البحث عن كنوزه التي استولى عليها وخبأها في عدد من الجزر، وفي رحلة البحث هذه، لاقى الكثير منهم حتفه.

أما قصة (جريمة قتل في حارة رومارجيو) التي صنفها النقاد على أنها قصة بوليسية من الطراز الأول، وهي القصة التي سطرت اسم (بو) ولمع نجمه كرائد للقصة البوليسية، فتدور أحداثها حول جريمة قتل بشعة يذهب ضحيتها أم وابنتها، والغريب أن هناك الكثير ممن شهدوا أحداث تلك الجريمة، ولكن جميع شهاداتهم متضاربة ومتناقضة.. ويأتي المقدم (دوبن) وهو بطل هذه القصة فيجمع الأدلة وأقوال جميع الشهود، فيربط بينها ربطاً تسلسلياً فيصل إلى نتيجة مذهلة، بل وخطيرة حول هوية الجاني، فيعرف أن الفاعل شديد القوة، بل إن قوته لايصل إليها البشر، وهو ما يطرح سؤال عمن يكون هذا الفاعل.

بينما قصة (الحفرة والبندول) التي هي ضمن سلسلة (إدجار آلان بو) ويعتبرها النقاد من أندر القصص، فقد انتهت بنهاية سعيدة للبطل رغم الأهوال التي لاقاها في سجنه، حيث تدور أحداث القصة إبان عصر محاكم التفتيش، وهي الفترة التي اشتهرت بسطوة الكنيسة وقتلها لكل من يخالف التعاليم الدينية في المجال العلمي والفلسفي، وفي هذه القصة يُحكم على البطل بالموت، ويقرر القضاة استخدام وسائل بشعة لتنفيذ حكم الإعدام، لكن بطل القصة ينجو فيما بعد بأعجوبة.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وهناك عدد آخر من القصص مختلفة الأحداث شملها هذا الكتاب منها:
- (الرسالة المسروقة،
- والقدر المحترم،
- أنت الجاني،
- برميل الأمونتيليدو،
- دمار منزل (اشر
- متزنجرستين،

وكل واحدة منها لاتخلو من نكهة (بو)، الذي يتميز بخلق جو من الغموض والرعب والإثارة حتى آخر صفحة.

الكتاب في مجمل عرضه أدبي شيق لأجمل ما قدم الكاتب الأمريكي الشهير (إدجار آلان بو) من قصص.

الجدير بالإشارة أنه صدرت للمترجم طارق السقاف عدة ترجمات لقصص نشرتها الصحف، ومنها «الأيام»، وقد ترك المترجم بصمات متميزة في عالم الترجمة، مبيناً من خلالها خبرته القيمة ببعض الأعمال الأدبية لكبار الروائيين والمسرحيين في الأدب الإنجليزي، وهو يعمل مدرساً بكلية التربية - صبر، جامعة عدن، (بدرجة ماجستير) في قسم اللغة الإنجليزية، ويقوم حالياً بتحضير رسالة الدكتوراه، التي تعتبر الأولى في مجال الترجمة.

قديم 12-22-2013, 08:33 PM
المشاركة 57
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قصة مترجمة

الحفرة و البندول

للكاتب الكبير (إدجار اّلن بو)

ترجمة: د.طارق علي عيدروس السقاف

كنت قد وقفت لساعاتٍ طوال ويداي مقيدتان على جانبيّ. وقد وصلت محاكمتي للنهاية وبدا أن القضاة كانوا مستعدين لإصدار العقوبة علي، وبعدها ُفك عني وثاقي وُسمح لي بالجلوس. كانت هناك أضواءً ساطعة أمام عيناي، ورأيت ملابس القضاة السوداء وسمعتهم يقولون بأنني يجب أن ُأعدم وبعدها تلاشت الأصوات، فلم أسمع أو أحس شيئاً بعد ذلك.
كان القضاة ما زالوا يتحدثون عني ويتناقشون بشأن كيفية إعدامي. لم أعد أستطع سماع أي شيء وبدأ جسدي يرتعد. أتت فكرة عجيبة إلى رأسي- وكانت مثل صوت الموسيقى- وهي فكرة الراحة الأبدية التي سوف أجدها في القبر. حملني رجال أشداء على ظهورهم ودخلوا بي دهاليز مظلمة ونزلوا بي إلى الأسفل عبر سلالم شديدة الإنحدار وكانت الدهاليز عميقة جدا . بعدها وضعوني على أرضية مسطحة وباردة وندية، فشعرت بالتعب و الخوف، بعد ذلك و بوقتٍ ليس بقصير شعرت بشيء يتحرك و أصوات ترن في أذناي، وكانت هذه الحركات و الأصوات نابعة من نبضات قلبي المتسارعة.
بعدها تذكرت القضية والقضاة الذين حكموا عليّ بالإعدام، واستطعت أن أحرك يداي وقدماي فلم يكن هناك حبل يربطهم ولم أفتح عيناي. كنت مستلقياً على ظهري وأردت أن أفتح عيناي ولكني كنت خائفاً من الرؤية، فقط كان هناك ظلاماً دامساً وناظلت مع شيئاً من الخوف وبعدها فتحت عيناي بسرعة، فلم أرى شيئاً سوى الظلام و الظلام وحده هو السائد في كل زوايا المكان. وجاهدت للتنفس، وكان الظلام كثقل يخنق أنفاسي، فسألت نفسي "أين أنا؟"، وفجأةً إعتراني رعباً هائلاً جعلني أهتز "هل أنا في قبري؟" "هل ُدفنت حياً؟" وقفت ومددت يداي فوق رأسي وانحرفت ببطء ويداي ممدودتان ولم ألمس شيئاً، ومشيت إلى الأمام قليل ولم يكن هناك شيئاً يعترض طريقي، فشعرت بتحسن نوعاً ما وقلت مطمئناً نفسي "لوكان قبراً لما كان بحجم هذه الغرفة الكبير" واصلت المسير ببطء في الغرفة حتى لامست يداي الحائط وكان مثل الأرضية مسطحاً وبارداً وندياً.
بعدها قررت أن أحاول قياس الغرفة، كنت البس قميصاً طويلاً خاصاً بنزلاء السجن فقطعت قطعة طويلة ظيّقة منه، ووضعت أحد طرفيها على الحائط ومددت الطرف الأخر على الأرضية وكانت فكرتي هي أن أدور حول الحيطان واعد خطواتي حتى لأعود لقطعة القماش، ولكنني بعدها انزلقت وسقطت بسبب الأرضية الندية ولم أكن قد سرت سوى ثمانى خطوات، فكنت مرهقاً جداً بحيث لم أتمكن من النهوض ثانية. ربما أنني قد نمت لبعض الوقت، وعندما صحوت ومددت يداي شعرت بقطعةٍ من ا لخبز وجرة بها ماء بالقرب مني, أكلت وشربت بنهم وبعدها ذهبت باتجاه الحيطان. كنت قد عددت خمسة خطوات عندما لامست قدمي قطعة القماش ثانية، لهذا كان طول الغرفة حوالي ثلاثين مترا.
أردت بعدها معرفة شكل الغرفة (السجن) ، فبدأت بالمشي ببطء حول الأرضية وبعد عشر خطوات انزلقت وسقطت للمرة الثانية، لكن هذه المرة كنت ُمغمى عليه مع مزيج من الخوف. وكان جسدي ملقى أسفل الأرض ولم يكن أسفل رأسي شيئاً . برزت حولي رائحة غريبة كرائحة الأوراق الدابلة. مددت ذراعي، فعرفت بعدها بأنني كنت قد وقعت على شفا حفرة, فأخدت حجراً ورميته أسفل الحفرة لأعرف مدى عمقها، وبعد عدة دقائق سمعت إرتطام الحجر بالماء فعرفت على الفور بأنها حفرة عميقة جداً. كان هناك ضجيج على السطح وضوء سريع فجائي مسلطاً علي بعدها لم أرى سوى الظلام ثانية.
الأن قد عرفت جزءً من النهاية التي أعدها القضاة لي لإعدامي. إن لم إنزلق وأسقط، لكنت قد واصلت المسير بإتجاه الحفرة وسقطت فيها ولكنت قد مت هناك ببطء شديد، ومن ذا الذي سيعلم مصيري بعدها. إن أولئك القضاة القساة ُيحبون ذلك النوع من الإعدام السري الفجائي. حسناً لقد إستطعت النجاة من موت محقق ببطء داخل تلك الحفرة، ولكن ماذا هناك قد تم التخطيط له لأجل قتلي. تراجعت خائفاً باتجاه الحائط وسألت نفسي "أيوجد هناك حفر أخرى في هذه الغرفة؟" ، بقيت متيقظاً لفترةٍ طويلهً، مفكراً بالخطر الذي يداهمني، اخيراً أستلقيت نائماً على أرضية الغرفة، وعندما أستيقضت وجدت هناك المزيد من الخبز وجرة أخرى من الماء بجانبي. وكان طعم الماء غريباً،ولكني كنت عطشاً جداً فشربته في الحال.
من المرجح أن هناك شيئاً في الماء ليجعلني أنام، ولأنني لم أستطع مقاومة النوم، فمن المرجح أيظاً أنني نمت لساعات طوال. عندما فتحت عيناي للمرة الثانية وجدت أن الغرفة لم تكن مظلمة، كان هناك ضوء ساطع مسلط عليها ولكنني لم أتبين مصدره، فوجدت بأن الغرفة كانت مربعة الشكل ولم تكن حيطانها من الحجر وإنما من المعدن وكانت هذه الحيطان كبيرة و مسطحة وبها رسومات شيطانية بشعة ُبهتت ألوانها وبالرغم من ذلك كانت هذه الرسومات لاتزال واضحة. وكانت أرضية الغرفة من الحجر واما الحفرة فكانت في منتصف الحجرة، ولم يكن هناك ُحفر أخرى. وبالرغم من صعوبة حركتي فقد رأيت كل ذلك في لحظات قليلة.
كنت مستلقياً على ظهري في سرير منخفض واستطعت تحريك رأسي و يداً واحدة فقط ، أما باقي جسدي فقد كان مربوطاً بإحكام بحبل طويل على السرير، وأستطعت للتو من الوصول لطبق من اللحم كان بالقرب مني ,وكنت عطشاً أكثر من ذي قبل ولكني لم أجد جرة الماء. كان إرتفاع الغرفة حوالي 10- 12 متر ، وكذلك السطح فقد بدأ هو الأخر مصنوع من المعدن وبه صور بشعة ، وكانت هناك صور بشعة على السطح فوق رأسي تماماً وكانت هذه الصور - كما بدا لي- تحمل أداة معينة تشبه بندول الساعة.
بعدها بلحظة لمحت بأن البندول كان يتحرك ببطء إلى الخلف وإلى الأمام. ورأيت القضيب القصير بانه لم يكن جزءً مثبتاً في الصورة، وراقبته لبضعة دقائق حتى أتى صوت من الحفرة جعلني أنظر تجاهه، فقد رأيت الكثير و الكثير من الفئران الكبيرة تخرج من جوف تلك الحفرة وعبرت أرضية السجن تجاهي وكانوا جميعهم يركضون بسرعة كبيرة بإتجاه طبق اللحم وكانوا جياع على مايبدو , فبدأت بضربهم بيدي حتى يبتعدوا عني.
مرت ساعة أو ربما أكثر قبل أن أنظر مرة ثانية الى سقف الغرفة. وأصبحت حركة البندول أقوى من ذي قبل وأسرع، وكان البندول يتأرجح بمسافة متر تقريباً في الإتجاهين الأمامي و الخلفي. ولكنني كنت خائفاً بشيئان اخران قد لاحظتهم ، كان البندول أقرب الي من ذي قبل وطرفه الأسفل كان عباره عن سكيناً طويلاً حاداً وكان طرفه المعدني اللامع مقوساً الى أعلى وبدأ يصدر أصوات خافتة نتيجة تأرجحه في الهواء. كيف أستطيع أن أصف شعوري الآن؟ استلقيت لساعات طوال لأراقب وأعد التأرجحات لتلك السكين البشعة.
وكانت الحركة السفلية للسكين تجاهي بطيئة جداً ، ولكن بدأت بالإقتراب مني شيئاً فشيئاً ، ولكن مع نهاية حلول اليوم الأول ، كانت السكين تبعد حوالي المتر عن سقف الغرفة ، وطوال الليل وأنا أسمع الصوت الخافت لهذه السكين في الهواء . وخلال الليل كان عليّ أيضا أن أبعد عني تلك الفئران اللعينة. وفي الصباح كانت السكين قد إقتربت متراً اخر نحوي ، ومرت الايام والليالي ، كنت تعب جدا وأكاد أجن من شدة الخوف ، فلم تتركني الفئران لأنام . والأن قد أصبحت السكين تتأرجح بالقرب مني بحيث أني بدأت أشعر برياحها . وكانت رائحة معدنها شديدة على أنفي ، واستلقيت هناك يائساً و......... وأبتسم الموت.
نمت أو بالأحرى ُأغمى علي لا أعلم في الواقع ، وعندما فتحت عيناي وجدت أن الفئران كانت قد أكلت معظم طعامي من اللحم ، فأبعدتهم عني وأخدت أخر القطع لي ، وبمجرد أن وضعت بعض قطع اللحم في فمي، جائتني فكرة ملهمة (بارقة أمل) وقد جاهدت لتحقيقها، وكان البندول يتحرك حول جسدي وفوق قلبي مباشرةً ، وكادت السكين تلمس قماش قميصي وفي الحركة التالية سوف تقطع جزء منه وبعدها جزءً اخر أعمق وهكذا الى أن تقطعني إرباً إرباً ، وبالرغم من الحركة القوية والسريعة للسكين ، فإنها لن تقطع جسدي لبضعة دقائق على الأقل ، وراقبتها وهي تسقط نحوي ، وكانت تتأرجح بإتجاهي وتقترب مني أكثر و أكثر الى أن سمعت همسات الموت .
وقد قاومت الحبال التي تعيقني وحركت رأسي من جانب لأخر ، وفتحت وأغلقت عيناي حتى لاأرى هذا المشهد الرهيب حتى أنني تمنيت أن أموت بسرعة . فجأة شعرت بهدوء وكانت أفكاري واضحة . الحبل الذي كان يقيدني كان في قطعة واحدة ولم يعبر صدري ولذلك فإن السكين لن تقطع الحبل، ولكن ان ُقطع الحبل باي شيء فإنني أستطيع أن أحرر نفسي بسرعة.
وبعد ذلك أصبحت السكين قريبة جداً مني . إنبلج الأمل فجأة داخل صدري وبشكل قوي، وصرخت قائلاً "الفئران.....الفئران تستطيع مساعدتي" حاصرتني الفئران حول سريري لعدة أيام بإنتضار موتي. لقد تسلقت حولي وقرضت يدي وقد حاولت إبعادهم عني ، لقد كانت الفئران مجنونة وجائعة ، فإذا لم أستطع الحراك من على السرير لكانت الفئران قد وصلت لوجهي. نظرت إلى الطبق ، وكانت به ثلاث قطع من اللحم لا تزال طرية ولكن لها رائحة كريهة. التقطت قطع اللحم هذه وقمت بفركها بشدة في ثلاث أو أربع جهات من على الحبل الذي يقيدني، بعدها أرحت ذراعي اليسرى على السرير بدون حراك. قفز فجأة قائد الفئران نحو سريري وبدأ بشم الحبل فتبعه الآخرون كما خرج الكثير من الفئران من جحورهم وصعدوا حولي وفي لحظات قليلة كان هناك حوالي خمسون إلى ستون فأراً فوقي فأغلقت عيناي.
لم يرعبهم تأرجح البندول مطلقاً، فيبدوا أن الفئران قد اعتادوا عليه وقد مزقوا الحبل في جهة المكان المفروك بالحم، وكان وزن الفئران ثقيل فوق جسمي وكنت أتنفس بصعوبة وشعرت بهم حول عنقي كما أن شفاههم الباردة قد لامست شفتاي ولكنني بقيت ثابتاً، فقلت لنفسي "لا يمكنني الصمود لأكثر من دقيقة أخرى؟" بدأ الحبل بالتزحزح وقد ُمزق إلى نصفين ثم ثلاثة وسمعته يتمزق ومرة أخرى تمزق أكثر ولم أتحرك من مكاني كي لاتهرب الفئران ، وقطعت السكين قميصي ولكنني هذه المرة لم أنتظر لحظة أخرى، فرفعت ذراعي ، فجرت الفئران ، فسحبت بقوة ما تبقى من الحبل. اندفع السكين بقوة نحوي فشعرت بألم حاد حول صدري فقفزت مسرعاً من على جانب السرير إلى الأرض. لقد تحررت. لقد نجوت من البندول القاتل.

كنت حراً نعم ،و لكنني مازالت في السجن ، وبمجرد أن غادرت السرير، فإن البندول الرهيب قد توقف عن التأرجح ، فقد ارتفع بسرعة عالية إلى السطح مرة أخرى. كان هناك أحد ما على السطح يراقبني وقد شاهدني عندما قفزت من على السرير قبل أن يمزقني ذلك البندول الرهيب ولم يكن لدي أدنى شك بأن هناك بعض الألاعيب الشيطانية القاتلة بانتظاري. كان هناك شيئاً مختلفاً في الحيطان المعدنية للغرفة ولكني لم أستطع إدراكه، وكان الضوء في الغرفة أسطع من ذي قبل.
عندما نظرت حولي متلهفاً استطعت معرفة وتحديد مصدر الضوء الساطع. لقد كان يأتي من فراغاً ضيقاً بين الحائط والأرضية، وهذا الفراغ بدأ بالتحرك حول الغرفة وبدأ أن الحيطان بدأت بالانفصال عن الأرضية، وكانت الصور البشعة حولي ساطعة تشتعل بالنار ، وعندما رأيتهم للوهلة الأولى بدا لونهم باهتاً ولكن الآن بدأ وكأنهم أكثر حيوية وبريقاً من ذي قبل ، وأضاءت العيون بنار مشتعلة حولي وبدأ أن الغرفة (السجن) قد أصبحت ساخنة جداً ومفعمة برائحة الحديد الساخن وتنفست بصعوبة، ففكرت بالحفرة واتجهت إلى طرفها فلربما يكون قاعها أبرد ، ولكنني وبمجرد أن نظرت إليها انتقل الضوء الملتهب من أعلى الرسوم البشعة باتجاه قاع الحفرة ليسخن هو الآخر ، ولقد رأيت كل ذلك بأم عيني ، "آووه هؤلاء القضاة القساة، أستطيع أن أتحمل أي عقوبة إعدام ، ولكن ليس أن أموت في الحفرة مشوياً ، فهربت وصرخت وغطيت وجهي بيداي، وكانت الغرفة أكثر حرارةً من ذي قبل .
فتحت عيناي وكانت الحيطان كجمرة ساخنة ، وكان هناك حائطان متقابلان يتحركان باتجاه الحفرة وكان الحائطان الآخران يتحركان بشكل عكسي ، فكنت داخل فرن والذي بدا يتحول إلي شكل مسطح. ركضت باتجاه أحد الجوانب وأحرقت نفسي، فصرحت بأعلى صوتي "أي موت؟ ولكن ليس الموت مشوياً على الحفرة، فوجدت أن الحيطان الملتهبة كانت تتحرك باتجاهي حتى تدفعني إلى الحفرة ، وقد جاهدت لابقى بعيداً عنها ولكني هل أستطيع مقاومة هذه الحيطان الملتهبة لفترةٍ طويلة؟ أخيرا أدركت بأنني لا أستطيع ، فإما أن تشويني الحيطان الملتهبة أو تلتهمني الحفرة المشتعلة.
وبدأت الحيطان تدفعني نحو أطراف الحفرة، وكان الأمل قد نفذ مني ، فتوقفت مقاومتي ، فنظرت إلى أعلى ، وصرخت صرخة عالية مدوية ، فسقطت قدم من قدماي باتجاه الحفرة الفرن. أغلقت عيناي ، وفجأة سمعت أصواتاً. كانت هناك صرخات صاخبة واطلاق نار، فتراجعت الحوائط الملتهبة إلى الوراء ، وسحبتني يداً قوية لرجل إلى أعلى مباشرة أثناء سقوطي إلى الحفرة. لقد دخل الجيش الفرنسي المدينة. يا إلهي!! الحمد لله . لقد تم إنقاذي.

عن عدن الغد.

قديم 01-22-2014, 01:17 PM
المشاركة 58
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
حفلة الموت الدموي التنكرية - قصة مترجمة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة حفلة الموت الدموي التنكرية - من كتاب القط الأسود وقصص أخرى لـ إدجار ألآن بو
عن عدن الغد

حفلة الموت الدموي التنكرية - قصة مترجمة
لقد َقتل آلاف من الناس وكان أشد فتكا من غيرة ، و كانت الدماء هي غايته من هذا القتل وطابعه المميز، أما الآلام المبرحة فكانت وسيلته في تعذيب ضحاياه ، فقد كان يأتي بغتة و دون سابق إنذار و يقفز فوق جسد ووجه ضحيته ممزقا إياه إربا إربا ، و كانت من أهم أعراض ظهوره هو النزيف الحاد ، فلا يكاد يظهر هذا النزيف حتى يفقد الأمل في إنقاذ الضحية.

كان الأمير بروسبيرو يتمتع بالثراء و الشباب كما كان شجاعا و حكيما ، و لكن عندما قُتل الكثير من شعبه ، قرر أن يجمع حوالي ألف من السيدات واللوردات في قلعته الكبيرة و المحصنة و كانوا جميعهم من الشباب الأثرياء ذوي النفوذ، و كانت هذه القلعة الضخمة محاطة بالكامل بحائط يستحيل اختراقه و توجد بهذا الحائط عدد من البوابات الحديدية الضخمة وبعد دخول جميع النبلاء المدعوون إلى القلعة تم إغلاق جميع البوابات المحيطة بها بإحكام وتم التأكد من عدم إمكانية فتحها مرة أخرى. أما بقية أفراد الشعب من الفقراء و المعدمين كان محظور عليهم الدخول إلى القلعة، كما أنهم مسئولون عن حماية أنفسهم. و كانت القلعة- حينها- محصنة تماما بحيث لا يستطيع أحد الدخول إليها أو الخروج منها. كانت القلعة مزودة بالمؤن و الحماية من ذلك القاتل الخطير. و كان من السخف - بعد الآن- الشعور بالخوف والقلق بعد كل هذه التدابير المتخذة.

و قد خطط الأمير للعيش بسعادة داخل قلعته الحصينة ظنا منه أنه بمأمن. و كان في القلعة العديد من الممثلين و الموسيقيين و العديد من السيدات الجميلات التي ينتمين للطبقة الراقية ، كما كان هناك الكثير من الشراب حتى تكتمل متعتهم. و لكنه كان هناك....... كان الموت الدموي خلف أسوار القلعة. و استطاع أن يتسلق و أن يصل قمة القلعة في الوقت الذي دعا فيه الأمير العديد من الأصدقاء للحفلة التي أقامها داخل القلعة و كانت من المفترض أن تكون من أجمل حفلات السنة التي عودهم عليها الأمير، و كانت عادةً حفلة تنكرية تُرتدى فيها الأقنعة بحيث لا يعرف المدعون بعضهم بعضا.

وقد تم إعداد سبع غرف و تأثيثها تأثيثا فاخرا للحفلة ، كل غرفة كان قد تم طلائها بلون مختلف عن الأخرى كما تم طلاء النوافذ بلون متناسق مع لون الغرفة التي توجد بها، فكانت الغرفة الأولى مطلية باللون الأزرق أما نوافذها فكانت بلون بحري ، أما الغرفة الثانية فكانت باللون الأرجواني و كانت نوافذها متناسقة معها، و كانت الغرفة الثالثة مطلية باللون الأخضر و الرابعة باللون الأصفر و الخامسة ذات لون برتقالي وكانت الغرفة السادسة مطلية باللون الأبيض ، أما الغرفة السابعة فكانت غريبة فعلا ، كانت كلها مطلية باللون الأسود الفاحم كما أن نوافذها لم تكن متناسقة معها بل كانت مختلفة ، كان لونها أحمر قاني ، كان مثل لون الدم تماما. كما لم تكن هناك أية أضواء في أي من تلك الغرف، و لكن كان يوجد العديد من المشاعل خارج نوافذ كل غرفة التي اخترقت أشعتها الغرف مكونة حزم ضوئية غريبة و لكنها براقة. و لكن كان الوضع مختلف في الغرفة السابعة، فكانت الحزم الضوئية - التي اخترقت النوافذ الحمراء بلون الدم- ذات شكل رهيب و مفزع، و كان معظم المدعوون يشعرون بالخوف و الرهبة من الدخول إلى تلك الغرفة.

كانت هناك ساعة حائط خشبية سوداء كبيرة الحجم في الغرفة السابعة ، و كانت مثبتة في الجهة الغربية من الغرفة، و مع مرور كل ساعة كانت تلك الساعة تدق جرسا ذات صوت موسيقي قوي مفزع مما يجعل الموسيقيون يوقفون عزفهم للاستماع لذلك الصوت الرهيب الذي تصنعه تلك الساعة الغريبة كما كان الراقصون يوقفون رقصهم بنوع من الرهبة ، و كان هناك قليل من التوتر يحدث كلما دقت أجراس تلك الساعة. و بعد أن دقت الساعة دقتها في الليل، بدا المدعون بالابتسام و بعدها نظروا حولهم و اتفقوا على أن لا يجعلوا من جرس تلك الساعة أن يوقف عزفهم و رقصهم في الساعة القادمة ، و لكن بعد ساعة أخرى كان هناك توتر مرة أخرى لسماعهم الرنين الرهيب الذي تطلقه تلك الساعة الغريبة. و لكن و بالرغم من ذلك فقد كانت الحفلة التنكرية بهيجة، و كانت السيدات ترتدي ملابس تنكرية رائعة الجمال و في الوقت نفسه كانت غريبة و كذلك كان الحال بالنسبة لملابس النبلاء ، و كان بعضهم يرتدي ملابس تنكرية بهيئات رهيبة و كان البعض الأخر ذا هيئة تنكرية مثيرة للغثيان و الاشمئزاز ، و كان النبلاء و السيدات بملابسهم التنكرية أثناء رقصهم يمرون بالغرف السبع و كانوا يتمايلون حسب الموسيقى الصاخبة و كان من الملاحظ بأنه عند حلول الظلام يتناقص عدد الراقصون باتجاه الغرفة السابعة السوداء المضاءة بالأشعة الحمراء الدموية.

دقت الساعة معلنة منتصف الليل ، و بعدها توقفت الموسيقى و الراقصون و كان هناك شعور بعدم الاطمئنان بين المدعوون جميعا ، و قبل أن تدق الساعة الثانية عشر ليلا بقليل ، شاهد بعض الراقصون هيئة غريبة متنكرة لم يرها أحد من قبل و جعلت المدعوون يتهامسون عليها و بعدها بدأت صرخات المدعوون المليئة بالخوف و الرعب ترتفع. كانت تلك الهيئة الغريبة طويلة و نحيلة و كانت مغطاة من قمة الرأس إلى أسفل القدم بكفن ابيض ، و كأنها لشخص ميت ، و كان رعب المدعوون ليس فقط بسبب تلك الهيئة البشعة و لكن أيضا لأن تلك الهيئة الغريبة كانت تقلد في حركاتها حركات الموت ، كما كان الكفن ملطخ ببقع حمراء قانية مثلها مثل الدم مما زاد من بشاعة المنظر. امتقع وجه الأمير بروسبيرو بالخوف و الغضب في آن واحد بمجرد أن وقعت عيناه على تلك الهيئة الرهيبة ، صرخ قائلا بغطرسة و غضب " من يجرؤ على إفساد حفلتنا وإخافتنا على هذا النحو؟" ثم التفت إلى أحد الخدم آمرا " اقبض علية ، و انزع عنه قناعه هذا لنرى من هو ، و نعدمه في الصباح الباكر" ، في هذا الوقت كان الأمير يتكلم و هو في الغرفة ذات اللون الأزرق، و بمجرد أن تحرك بعض الخدم نحو تلك الهيئة الغريبة لم يجرؤ أحد على أن يمد ذراعه حتى يميط اللثام عنها أو حتى يمسكها ، بدأت تلك الهيئة الغريبة بالتحرك - دون أن يعترض طريقها أحد – مارا بالأمير و من ثم الغرفة الزرقاء فالغرفة الأرجوانية فالخضراء فالصفراء فالغرفة البرتقالية و من ثم إلى الغرفة البيضاء دون أن يجرؤ أحد على اعتراض طريقها .

جن جنون الأمير ، فأندفع مسرعا مارا بالغرف الست شاهرا سيفه ، و بعدها و صلت تلك الهيئة الغريبة الغرفة السابعة السوداء ، و فجأة التفتت باتجاه الأمير وسارت نحوه ، و كانت هناك صرخة مدوية و سقط سيف الأمير أرضا ، وبعدها مباشرة شوهد الأمير و هو صريعا بجانب سيفه ، شعر المدعوون بالحزن و الغضب الشديد لمقتل أميرهم فالتفتوا باتجاه تلك الهيئة الغريبة و قفزوا جميعهم قفزة واحدة باتجاهها ، و قاموا بنزع قناع تلك الهيئة و تمزيق ثيابها لمعرفة ما بداخلها ، و لكنهم تراجعوا مذعورين ، فلم يكن بداخل ذلك الكفن و القناع شخصا أو شيء ما. حينها أدركوا بان زائرهم هذا كان هو الموت الدموي ، فقد تسلل إلى الحفلة في تلك القلعة التي كان يعتقد بأنها حصينة ، و كانت تلك الساعة الرهيبة تدق أجراسها كل ساعة ، و بعدها انطفأت المشاعل الموجودة خارج الغرف السبع و حل الظلام الدامس جميع أركان القلعة وعندها بدا الموت بقتل المدعوون واحد واحدا. لقد انتصر عليهم جميعا.
ترجمة د/ طارق علي عيدروس السقاف كلية التربية/صبر/قسم اللغة الإنكليزية

قديم 01-24-2014, 12:26 AM
المشاركة 59
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي

قناع الموت الأحمر" لإدجار ألان بو.. عندما يأتي الموت بلا دعوة
عارف فكري

يبدو أن الغموض كان هو قَدَر إدجار ألان بو (1809-1849) حياً وميتاً؛ فقد عاش حياة صاخبة قوامها الشعور بمرارة اليُتم المبكّر، وصراعه المستمر مع والده بالتبنّي، وقضاء إجازات طفولته في خرائب اسكتلندا وقصورها المسكونة بالقصص المخيفة، وكان عقابه عندما يخطئ أن يعيد كتابة شواهد القبور مرة أخرى.. وهذه الشخصية الحادة الفذة كانت تنزع للتمرّد، وقرض الشِعر، والتحليق في آفاق الخيال، مع نفس تهفّو للحب وتقدسه، وتعتبر أن الرعب الذي لا يُطهر النفس من أدرانها، لا يحقق هدفه.

حياة قصيرة من الألم والإبداع
ومع موهبته الفذة في كتابة الشعر، التي بلغت درجة من الرقيّ والسمو، وجعلت الشاعر الفرنسي الشهير بودلير الملقب بـ”بشيطان الجحيم” يقوم بإعلان إعجابه بموهبة “بو”، وتقديسه؛ بل وترجمة أعماله للفرنسية، والحديث عنها في كل مكان؛ مع كل هذا فهو قاصّ عبقري ارتاد أماكن في عوالم القصة لم يرتَدْها أحد من قبله، وهو في نفس الوقت ناقد صارم اشتُهر بقسوته، وتأسيسه لمذهب أدبي فريد، وهو يُعدّ بحق من مؤسسي الأدب الأمريكي، مثله مثل هيرمان ميل فيل، ومارك توين وغيرهما من الأدباء العظماء؛ ليس إبداعاً فقط؛ بل ونقداً وتنظيراً.

برغم هذا؛ فهو يعيش فقيراً، وتموت زوجته بسبب المرض، ولا يجد ما يكفّنها به، لولا إشفاق جيرانه عليه.. ويقضي حياة متقلّبة بقصص الحب الفاشلة التي يدخلها، وإدمانه للخمر والمخدرات.. وهذه النفس القلقة المتمردة كروح سجينة تريد الانطلاق، جعلته يُقدِم على الانتحار في المرة الأولى بإلقاء نفسه في خزان مياه، والثانية بتناوله جرعة قاتلة من اللودانوم، ووُجد ذات يوم ملقى بلا حراك في أحد الشوارع، ونقل للمستشفى، وعندما أفاق قال: “أفضل صديق لي، هو الذي يُجهز عليّ بطلق ناري”، وكانت آخر كلماته:

“إن قباب السماء تسحقني، دعني أمرّ، لقد كتب الله مراسيمه بصورة مقروءة على جبين كل مخلوق إنساني.. إن الشياطين تتجسد سجونهم المزوبعة لليأس الأسود. قاتلاً نفسي، أرى الميناء ما وراء الهاوية.. أين العوامة؟ زورق النجاة؟ سفينة نار، بحر نحاس! الهدوء في كل مكان.. لم يعُد ثمة شطآن”.

ولعلّ الرجل كان يرى الموت كما وصفه مراراً في قصصه؛ إما بالتلميح أو التصريح، وربما تعدّ قصة “قناع الموت الأحمر” أكثر القصص التي تتحدث عن الموت بشكل صريح، وقد كانت عنوان المجموعة القصصية، التي قام د. رحاب مكاوي بترجمتها، جامعاً فيها ثلاثين قصة من دُرر الكاتب الراحل.

الموت.. العامل المشترك الأكبر
تعدّ قصة “قناع الموت الأحمر” من القصص المخيفة المنظّرة لقدوم الموت، كزائر في مهمة لن يعود إلا بصحبة من وُكّل به.

تدور الأحداث في مدينة أصابها طاعون الموت الأحمر؛ حيث ينزف الجسد ويهلك، ويقوم الأمير “بروسبرو” بجمع مائة من محبّيه وخاصته، وينقلهم لقصره المنيع، الذي يتميز بقاعاته السبع الفخمة؛ وبينما كانوا يتمتعون ويرقصون، كان الموت لا يزال يحصد الناس بالخارج، وفجأة لاحظوا ذلك الرجل الذي يرتدي قناعاً لوجه رجل ميت، مشدود وكأنه جمجمة، ويرتدي أيضاً ما يُشبه الكفن، ويسير بين الضيوف بكل جرأة، وعندما يُعلن الأمير ضيقه، ويأمر حرسه بإمساك هذا الوقح يتساقطون موتى، ويُدرك الأمير -متأخراً- أن زائره الغامض هو الموت نفسه، والذي لم يفشل في مهمة قط.

الموت نفسه يظهر بعدة صور مختلفة، ومتدرجة؛ ففي قصة “القط الأسود” (أشهر ما كَتَبه “بو”) نرى رجلاً متقلب الحال، مدمناً، مضطرب النفس -هل كان يُشبّه “بو” نفسه به يا تُرى؟- يقوم بالقضاء على القط الأسود، وشنقه بوحشية، كمحاولة منه للتكفير يقوم بجلب قط جديد للمنزل.

الكارثة هنا أن القط يُعيد حركات القط القديم بحذافيرها، ويتصاعد ذُعر الرجل عندما يُدرك أن هناك رسماً لما يشبه المشنقة على القط الجديد؛ بل هو يمتلك نفس العين العوراء!

وفي لحظة من لحظات غضبه العارمة -بسبب القط- يقوم بقتل زوجته، ودفنها في جدار القبو، وعندما أتت الشرطة، ظنّ بأنه قد أفلت من العقاب؛ لكنه أدرك -متأخراً أيضاً- أن القط قد دُفن حياً مع جثة زوجته، وهكذا انكشف أمره!

الموت يظهر بشكل مختلف تماماً في القصة الغريبة “موريلا”، الأم والابنة؛ حيث نرى بطل القصة يحكي عن زوجته الفذّة، التي تُخيفه بهدوئها وغموضها؛ حتى إنه تمنى الخلاص منها ليشعر بالراحة، وقبل أن تموت “موريلا”، تُخبره بأنها ستعود مرة أخرى.. وتترك له ابنة يرفض تسميتها، وتصبح قُرة عينه، وعندما يقوم بتعميدها، يختار لها -دون وعي- اسم “موريلا”، وهنا يُفاجئنا “بو” بالنهاية المخيفة، التي تليق بقصة رعب من الطراز الأول، دون أن يشرح أو يفسر ما حدث.

فقط حالة من الخوف الغامض، والإحساس بعدم الأمان، وهو نفس الأمر الذي نجده في قصة “ليجيا” في ذات المجموعة، والتي تُعطي نفس الانطباع الموقظ لهواجس النفس ومخاوفها!

وفي قصته “انهيار منزل أوشر” يتحدث عن كابوس الدفن حياً؛ حيث البشر يتحركون بطريقة مضطربة تعتريها البرودة والفناء بشكل يُشعرك بأن الجو نفسه بارد وكئيب، والانهيار هنا نفسي وحقيقي؛ وكأن له سطوة جبارة لا يقف أمامها شيء.

أما القصة الرهيبة “برميل أمونتيلادو الخشبي”؛ فهي عن رجل ينوي الانتقام -لسبب غامض لا نعرفه- ممن آذاه، وتكون النهاية المرتقبة، والمخيفة في قبو الخمور!

ومن الحب ما قتل
في قصة “سر الغرفة الثالثة” نرى رجلاً يحب زوجته؛ لدرجة أنه يصمم على اصطحاب جثتها المدفونة في الملح عبر رحلة بحرية، تنتهي نهاية سيئة بالرجل العاشق.

وفي قصة “النظرة الأولى” نلمح موهبة “بو” الساخرة، وهو يتحدث عن رجل يعيش في قصور من الخيال المرهف، والذي تنتظره خدعة محترمة، توقظه من أوهامه، عندما يقع في غرام امرأة شمطاء تكبُره سناً.

رائد الأدب البوليسي
من يقرأ قصة “البقة الذهبية” يُفاجأ بعقلية “بو” الممنطقة؛ فنحن نرى رجلاً يبحث عن كنز دفنه أحد القراصنة القدماء، وقد ترك خلفه طريقة مُعقّدة تدلّ عليه.

لكن الإنجاز الأكبر يتمثل لنا في شخصية “أوجست دوبان” الرجل العبقري، الذي يظهر لنا في قصتَيْ “جرائم شارع مورج” و”الرسالة المختلسة” بغليونه المميز، وعقليته الجبارة؛ حيث ليس الاهتمام فقط بمرتكب الجريمة؛ ولكن بدوافعها ومسبباتها، والتأكيد أن لكل مجرم نمطاً محدداً ينبع من شخصيته المنفردة، قد يدلّ عليه.

والكثير من النقاد يعتبرون “بو” هو مؤسس الأدب البوليسي، الذي يعتمد على التحليل والاستدلال المنطقي، وهو بهذا قد وضع لَبِنة هامة لمن جاء بعده، أمثال آرثر كونان دويل في ابتكاره لشخصية شرلوك هولمز، وأجاثا كريستي، وشخصيتها الشهيرة هركيول بوارو.

ومن الصعب الحديث عن كل قصص المجموعة؛ لكننا سنجد فيها بقية من أمتع قصصه، مثل: (القلب الواشي، الحفرة ورقّاص الساعة، بلاد الظلال) وغيرها.

وهي مجموعة ستُحفّزك من أجل البحث عن بقية أعمالها، وقراءتها، والاستمتاع بها.

قديم 02-03-2014, 04:27 PM
المشاركة 60
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
من الغموض والخيال
دمار منزل آشر .. لـ(إدجار آلن بو)
ترجمة طارق علي السقاف

في احد أيام الخريف وفي تلك الليلة المقفرة الشديدة الظلمة سافرت لوحدي ممتطياً جواداً لزيارة منزل السيد آشر، وبعد ان ظهرت معالم المنزل من بعيد، بدأ وكأن روحي قد انقبضت وبدأت اشعر بالكآبة ممزوجة بالرهبة لاأدري لماذا، كما شعرت بحزن غريب كان قد اعتراني وهذا الحزن - كما احسست- كان انعكاساً للحزن والذبول اللذين كانا يطلان من ذلك المنزل الذي كنت متوجهاً إليه.

كانت نوافذه شديدة السواد مثلها مثل العيون السود لوجه اعتصره الشحوب، وكانت بجانبه الجذوع البيضاء لاشجار لاحياة فيها وكانت تقع على ضفاف بحيرة مياهها الراكدة تعبر هي الاخرى عن حزن وذبول ذلك المنزل. وفي النهاية اوقفت كل محاولاتي لحل لغز ذلك الشعور الغريب بالحزن الذي اعتراني، عبرت البحيرة واتجهت إلى المنزل.

كان مالك المنزل - ويدعى رودريك آشر- من اعز اصدقاء الطفولة بالنسبة إلي، ولكن مرت سنوات عدة منذ آخر لقاءلنا، وقد ارسل لي مؤخراً دعوة عاجلة لزيارته، بل لقد ترجاني لامكث عنده لبضعة اسابيع، وقد ارسل لي شارحاً بأنه يعاني من مرض عضال ألم به، مرض أثر على عقله، وقال لي بأن رفقتي سوف تخفف عنه الكثير من آلامه وهاجسه بل وستسعده. كان صادقاً في كل ماقاله لي واكثر من ذلك بأني لم اتردد في الموضوع ولبيت طلبه وهاأنذا قد جئت إلى منزل آشر.

بالرغم من ان السيد رودريك آشر كان صديقي منذ الطفولة، إلا انني لم اكن اعرف عنه الكثير، كما انني اتذكر بأنه كان دائماً هادئاً بطبعه، كما لم يكن يحب الاختلاط بالآخرين. وعرف عن عائلة السيد آشر منذ القدم ميولها الشديد والغريب للخيال وكان هذا قد انعكس على اعمالهم الفنية والموسيقية على مر العصور. كما عرفت ايضاً بأن رودريك يعيش وحيداً حالياً ولايوجد لديه اقارب إنه آخر فرد من عائلة آشر. حتى ان منزل آشر لم يعني منزل وارض فقط بالنسبة للناس ولكنه كان يعني ايضاً عائلة آشر.

وبمجرد أن اقتربت من المنزل الكئيب قفزت فكرة غريبة إلى راسي اعتقدت بأن الهواء الذي كان يدور حول المنزل مختلفاً كلياً عن الهواء في بقية المناطق، كان هواءً فاسداً اعتقد بأنه ناتج من الاشجار الذابلة والبحيرة الراكدة وكذا الحيطان الكئيبة التي كانت تحيط بالمنزل بل شعرت للوهلة بأن الهواء نفسه كان كئيباً كان يحيط بالمنزل كسحابة ضبابية، كنت اشعر بصعوبة بالغة كي اطرد هذه الهواجس من عقلي.

استطيع ان ارى المنزل بوضوح الآن بعد ان اقتربت منه بمسافة كافية، كان منزلاً حجرياً قديماً جداً بالرغم من ذلك كان البيت مكتملاً بمعنى لم ينهار أي جزء منه ولكنه وبالرغم من ذلك كان قابل للسقوط في اية لحظة، لم يكن هناك اي علامات لضعف المنزل سوى ذلك التشقق الطويل والضيق الذي امتد من أعلى السطح من الناحية الامامية للمنزل حتى مستوى الارض.

أخذ الخادم حصاني، ودخلت بوابة المنزل، قادني الخادم بصمت عن طريق العديد من الممرات الملتوية نحو غرفة السيد رودريك، واثناء سيري مع الخادم رأيت اشياء بالرغم من انها عادية وموجودة في اي منزل إلا انه كانت لها الاثر الغريب في نفسي فقد رايت بعض من الزينة والستائر السميكة وبعض الدروع والاسلحة كما رايت صفاً من الصور وبينما كنت اصعد السلالم إلى اعلى قابلت طبيب العائلة الذي بدا وكأنه مستغرباً بل وظهر عليه الخوف بمجر ان راني.

كانت غرفة مالك المنزل كبيرة جداً ومرتفعة كما كانت معتمة، كما أنها كانت مفروشة بأثاث من الطراز العتيق في القدم، كانت هناك العديد من الكتب والآلات الموسيقية المبعثرة ولكن كل هذه الاشياء فشلت في إضفاء الحياة على المنزل، كما شعرت بأنني اتنفس هواءً مليئاً بالحزن والكآبة.

رحب بي آشر بحرارة جلسنا مع بعضنا ولبعض الوقت كنت اتطلع إليه وقد اعتراني شعور عظيم بالاشفاق عليه لقد تغير كثيراً صحيح انه كان في الماضي يبدو عليه بعض من الشحوب ولكن الآن كان شحوبه كبيراً وبالطبع لم أر في حياتي قط إنسان قد تغير تغيراً رهيباً في فترة وجيزة مثل صديقي رودريك آشر، وبدت عيناه اكثر جحوظاً من قبل وباهتة كما كان حجمها غير طبيعي كما تحولت شفتاه إلى خيط رفيع اسفل انفه، اما شعره فقد اصبح مجعداً واشعتاً كما ان وجهه بدت عليه بوادر شيخوخة مبكرة.

لم يكن التغيير في صديقي رودريك شكلياً فقط ولكن سلوكه ايضاً قد تغير فقد اصبح كثير القلق وكان الاضطراب بادياً بوضوح على وجهه وصوته ايضاً كان قد تغير ففي الماضي كان صوته جهورياً قوياً أما اليوم فقد اصبح ضعيفاً ويشوبه الكثير من القلق والحذر، كان صوته مثل رجل ثمل انتهى لتوه من شرب كميات كبيرة من الكحول. وقد اخبرني بصوته الثمل برغبته الشديدة في ان يراني كما عبر عن اعتقاده بأن قدومي سيجلب له الكثير من الراحة والطمأنينة، بدأ بالحديث مطولاً عن مرضه وعلى حسب تعبيره كان ـ أي المرض ـ لعنة قد حلت به وبعائلته من قبله وبدا مرضه لاعلاج له على حد تعبيره كما عانى كثيراً من حدة إحساسه وقد نصحه الاطباء بنوعية معينة من الاكل كان لاطعم له، كما كان مجبراً على ارتداء نوعية معينة فقط من الملابس كما لم يستطع ان يتحمل رائحة الزهور، كما كان الضوء المباشر يؤذي عينيه كما كان ممنوعاً من الاستماع لصوت الموسيقى إلاّ من بعض الآلات الموسيقية التي كانت موجودة في بيته قال لي "أنا خائف من المستقبل ليس من احداثه ولكن من تأثير احداثه عليّ، إنني ارتعد بمجرد التفكير بأتفه الامور التي ربما تزيد من حالة الاحتقان التي اعاني منها، اعتقد بأن الحالة الرهيبة التي تعتريني ـ اي الصراع مع الخوف ـ سيأتي يوم اسلم فيه روحي وجسدي لها، وهذا اليوم اشعر بأنه قريب ".

كانت صدمة عنيفة لي عندما علمت منه بأنه لم يغادر منزله منذ سنوات طويلة، قال لي " إن المنزل وحيطانه وكذا ابراجه كان لهم الأثر الكبير عليّ، فهناك قوة غريبة تقيدني بهم كما لو أنهم مخلوقات حية"، احسست بالألم ولم اجد ما أقوله لصديقي.

اعترف ـ بالرغم من انه تردد في البداية ـ من ان معظم الحزن الذي يعتريه كان ذات منشأ طبيعي وبسيط، كان حزنه يعود للمرض العضال والمزمن الذي ألم بأخته التي كان يكن لها حباً عميقاً، أخته التي كانت مرافقة له لسنوات عديدة، وكانت آخر قريب من العائلة بالنسبة له على وجه الارض، قال بصوت يملئه المرارة لايمكنني ان انساه ماحييت "أنها على وشك الموت، وموتها سيبقيني وحيداً في هذه الدنيا وآخر شخص من عائلة آشر"، وبينما كان يتحدث إلي دخلت اخته الغرفة ببطء وكانت تدعى الليدي مادلين ولم تلحظ وجودي وانا اتحدث مع اخيها في الغرفة، وعندما نظرت اليها شعرت بدهشة وخوف عظيمين لم اعرف سببا لهما، وبمجرد ذهابها استدرت لمواجهة صديقي وكان هذه المرة قد غطى وجهه بيديه حتى يحجب سيل الدموع الذي انهمر منه.

كان مرض الليدي مادلين قد اربك امهر الاطباء وجعلهم يقفون عاجزين امام حالتها، كما انها الآن لم تعد تهتم بشفائها او حتى موتها نتيجة لذلك المرض، وكان يبدو عليها الضعف الدائم والمستمر حتى بدت هزيلة وكان هذا له تأثيره الاكبر على نبضات قلبها، وبقلب جريح وحزن عميق اخبرني صديقي بانه لم يعد هناك فرق كبير بين حالتها السيئة وموتها ا لمحتوم، فقال لي بألم : "يجب عليها الآن ان تغادر الفراش كما اني لااظن بانك ستراها ثانية".

وبعد ايام من وصولي لمنزل آشر لم يذكر احدنا اسمها وخلال هذه الفترة حاولت قصارى جهدي حتى اجلب السعادة والسرور الى قلب صديقي، فقد قمنا بالرسم معا كما كنا نقوم بالقراءة وكنت استمتع بسماع عزفه على الموسيقى وكأنني كنت في حلم، وقد توطدت صداقتنا اكثر وكنا نتفق في الكثير من الآراء ولكن بالرغم من كل ذلك كان شعوره بالبؤس والشقاء اعظم.

كما انني لن انسى ساعات البهجة والسعادة التي قضيناها معا بالرغم من انني لااستطيع وصف شعوري تجاه ما كنا نقوم به معا، فقد كان صديقي آشر رجلا ذا مبادئ ومعتقدات نبيلة ولكنها تأثرت كثيرا خلال مرضه الطويل، واصبح الآن يعبر عن كل مايعتريه من شعور وافكار فقط بالرسم والموسيقي في كثير من الاحيان عامضا وعويص للفهم ليس لي فقط ولكن بالنسبة اليه هو ايضا ففي احدى المرات عندما نظرت الى احدى لوحاته ظننت باني قد فهمت شيئا ما فيها بالرغم من انني لم استطع فهمها كثيرا، انني اتذكر تلك اللوحة التي رسمها لانني كلما نظرت اليها شعرت برجفة لا اعلم سببا لها، وكانت اللوحة عبارة عن طريق طويلة جدا تحيطه اسوار منخفضة الارتفاع ملساء وبيضاء اللون، وكانت خلفية هذه اللوحة توحي بان هذه الطريق تمتد الى اسفل واسفل تحت سطح الارض، كما لايوجد طريق غيره يجذبك الى اسفل قاع الارض، لم تكن هناك اضاءات او اي مصدر آخر للضوء في الطريق بالرغم من ان اللوحة كانت مغطاة بحزمة من الاشعة الضوئية.

في احد الايام كنا نتحدث واخبرني بانه يؤمن بان كل انواع النباتات لديها القدرة على الشعور والاحساس، كما اخبرني ايضا عن ايمانه بان الاشياء الجامدة ايضا لها هذه القدرة تحت ظروف معينة. وكما اسلفت سابقا فان معتقده هذا يرتبط بالحجارة القديمة الغبراء التي كانت متراصة فوق بعضها لتشكل منزله القديم، فقد كان يعتقد بان هذه الحجارة الغبراء العتيقة والطريقة التي تمت بها مرابطتها مع بعضها قد اعطتها نوعا من الحياة، وكذا مياه البحيرة والاشجار الميتة المحيطة بالمنزل كلها قد اشتركت مع بعضها في خاصية الحياة فقد قال لي : "الدليل على وجود حاسة الشعور لدى مياه البحيرة والحيطان وكذا الاشجار الميتة يكمن في التطور التدريجي للهواء المحيط بهم" عندما تذكرت الشعور الذي اعتراني عندما رأيت كل هذه الاشياء بمجرد وصولي لمنزله، فحبست انفاسي اثناء متابعة كلامه فقال لي : "ان لهذا الهواء تأثيرا صامتا ورهيبا على عائلتي، وهو السبب لما انا عليه اليوم" . لم استطع ان اقول شيئا لصديقي.

ذات مساء ابلغني آشر بوفاة شقيقته الليدي مادلين، وكان هدفه - كما اخبرني - بان يحتفظ بجثتها لمدة اسبوعين في احدى غرف المنزل الكثيرة الموجودة في الاسفل قبل ان توارى الثرى، وكان سببه في هذا القرار يبدو لي منطقيا الى حد ما فقد اخذ في اعتباره طبيعة المرض التي كانت تعاني منه، بمعنى انه كان يريد ان يتأكد من موتها قبل دفنها في مقبرة العائلة.

وقد ساعدته في عمل كل الترتيبات اللازمة حيال ذلك، وقمنا نحن الاثنان بحمل الجثة داخل النعش ووضعناها في احدى الغرف الصغيرة في الطابق الاسفل وكانت مظلمة ورطبة، كانت الغرفة تستخدم في الماضي في الاوقات العصيبة التي مرت بها عائلة آشر، فقد كانت مخزنا للذخيرة وبعض المواد الخطرة الاخرى، وجزء من ارضيتها ومدخلها كان مغطى بالنحاس، كان باب الغرفة الحديدي الكبير مغطى هو الآخر بالنحاس، قمنا بوضع التابوت على طاولة صغيرة، وفتحنا غطاء التابوت بشكل جزئي والقينا نظرة على الجسد المسجى داخله، وادركت عندها حجم الشبه الكبير بين الاخ واخته، نظر الي صديقي آشر وكأنه كان قد قرأ افكاري وقال لي بانهما - هو واخته - كانا توأم، كما ان عاطفتهما الكبيرة كانت مشتركة ايضا بينهما ،كان هناك لون باهت على وجه الفتاة ورقبتها، وبدت ابتسامة باهتة ظهرت جلية على شفتيها، لم ننظر طويلا لها وقمنا باغلاق التابوت وعند خروجنا من الغرفة اغلقنا الباب خلفنا وتوجهنا نحو الطابق العلوي من المنزل.

بعد ثلاثة او اربعة ايام من الحزن الشديد لاحظت تغيرا محلوظا في سلوك صديقي، بدا وكأنه قد اهمل او هجر هواياته المفضلة من العزف والرسم والقراءة، وكان يتنقل من غرفة الى غرفة شاردا حزينا، وبدا ان وجهه ازداد شحوبا، كما انطفأ بريق عينيه، في بعض الاحيان شعرت بان هناك سرا في حياته اراد ان يخبرني به ولكنه لم يمللك الشجاعة الكافية للبوح لي به، وفي اوقات اخرى كنت اراه جالسا لساعات طوال مصغيا بانتباه شديد لبعض الاصوات الخالية كما لو انه يتوقع حدوث شيء له غير طبيعي. وياللعجب بدأت حالته الغريبة تملأني بالخوف لانني بدأت اشعر بتأثير قوي لافكاره الرهيبة تنتقل الي.

بعد سبع او ثمان ليال من وفاة الليدي مادين، بدأت استشعر بالقوة العظيمة لهذا الشعور، فقد كنت مستيقظا لساعات طوال في الليل، مقاوما اي شعور بالخوف يداهمني، وقد ارجعت الكثير من شعوري هذا الى كل مايحيط بي في الغرفة مثل الاثاث المترب والستائر الممزقة التي كانت تتمايل بقوة بفعل الرياح والعواصف التي كانت تهب بالليل وكذا السرير العتيق الذي كنت مستلقيا عليه، ولكن كل محاولاتي لمقاومة الخوف باءت بالفشل واخيرا استيقظت مذعورا ونظرت حولي بكل ما اوتيت من قوة فقد كانت الغرفة شديدة الظلمة، سمعت او خيل الي باني سمعت بعض الاصوات الخافتة تأتي من وقت لآخر، وقد استغللت وقوف الرياح العاتية لوقت قصير فقمت وارتديت ملابسي بسرعة، وكنت ارتجف كثيرا، ولكن هل من شدة الخوف او من شدة البرد لست ادري.

ولتهدئة روعي مشيت بسرعة ذهابا وايابا داخل الغرفة، قمت بذلك حوالي مرتين او ثلاثا عندما كان هناك طرقا خفيفا على باب غرفتي ودخل آشر الغرفة، كان حاملا معه مصباحا والذعر باديا على عينيه صاح نحوي فجأة قائلا : "انت لم تره؟ ، ولنك انتظر سأجعلك تراه"، قال هذا وسلط بحذر ضوء مصباحه واسرع نحو احدى النوافذ وفتحها ورماه نحو العاصفة في الخارج.

دخلت العاصفة من النافذة ومن شدة قوتها بدأت برفعنا الى اعلى، ولكن لم تكن الرياح العاتية هي من شد انتباهنا ولاالسحب الكثيفة التي كانت تدور حول المنزل في كل الاتجاهات، لم نكن نرى القمر ولا النجوم، ولكن المنزل وكلل الاشياء التي كانت تدور حوله حتى السحب من فوقنا كانت تومض بوميض غريب، كان ضوء غير اعتيادي كان ذلك الضوء الغريب ينبعث من الحيطان المحيطة بالمنزل وكذا من مياه البحيرة فصرخت بوجهه بفزع قائلا : "لايجب عليك ان تنظر الى هذا" في الوقت الذي قمت بحسبه من النافذة الى احد كراسي الغرفة، فقلت له محاولا تهدئته : "ان هذا الضوء الذي يزعجك ما هو الاتشوش كهربائي لايونات الهواء، دعنا نغلق النافذة، لان الرياح عاتية وباردة وهذا خطير على صحتك، هذا احد الكتب المفضلة لديك، ساقرأ لك شيئا منه حتى تستطيع ان نمرر الوقت معاً في هذه الليلة الرهيبة"، بدأت بقراءة الكتاب وبدأ آشر بالاتماع او تظاهر بالاستماع الشديد، كان الكتاب عبارة عن قصة معروفة للكاتب السير لونسيلوت كاننج، وبعد كنت اقرى لثمان او عشر دقائق، وصلت للجزء من القصة الذي فيه كانت الشخصية المحورية تتجه الى منزل الاعداء، وهناك يجب علي تذكر ذلك المقطع من القصة، وكانت الكلمات كالتالي:

"وانتزع اثليرد سيفه، وضرب الباب بضربات عديدة قوية، وقام بشق وكسره، وكان صوت تكسير وتهشيم الباب الخشبي قد ملأ ارجاء الغابة" . مع نهاية هذ الجملة من القصية توقفت قليلا واعتقدت باني اسمع سوتا غريبا مثل الصوت المذكور في القصة، كان صوت تحم خشب، بدا وكانه قادما من احدى الغرف السفلية من المنزل، اعتقدت في البداية بان هذا الصوت ناجم عن بعض الاعطاب الناجمة عن الرياح العاتية، اعتقدت بانه لاداعي للقلق واستمريت في قراءة القصة وكانت : "بعدها قام البطل اثليرد بدخول المنزل عبر الباب الذي قام بكسره، ووقف على ارضية من الفضة، كان امام حيوان مفترس، وكان خلف هذا الحيوان ترس عظيم مصنوع من النحاس الاصفر معلق على الحائط، وكان عللى الترس كلمات مكتوبة تقول:

"يدخل هنا المنتصر فيقتل الحيوان المفترس فينتصر الترس".

استل اثليرد سيفه مرة ثانية بعد قراءته لهذه الكلمات على الترس، وقام وضرب رأس الحيوان المفترس، اطلق الحيوان المفترس صرخات مدوية اخترقت جدران الغرفة وبعدها خر جثة هامدة، وسقط الدرع مباشرة الى الارضية بجانب قدمي البطل اثليرد" مرة ثانية وانا اقرأ القصة شعرت بشعور غريب وخوف كان قد اعتراني فجأة وكنت مجبرا هذه المرة على وقف قراءتها، كان - دون شك هذه المرة - بان كنت قد سمعت صوتا او بالاحرى صرخة الم،وصدرت مباشرة بعد سماع اصوات بعيدة لمواد معدنية كانت قد ضربت بقوة، لم اكن متأكدا بان آشر كان مثلي قد سمع تلك الاصوات، اندفعت مرتعشا نحو الكرسي الذي كان يجلس عليه، كانت عيناه مثبتتان صوب الباب، كانت شفتاه تتحركان وبعد ان انحنيت امام شفتيه سمعت هذه الكلمات التي كان يتمتم بها وكانت تقول : "هل انا اسمعها؟. نعم انني اسمعها، نعم انني اسمعها لفترة طويلة، طويلة جدا لعدة دقائق او عدة ساعات او ربما عدة ايام، هل سمعتها؟ بالرغم من انني لااجرؤ، او مااتعسني، انني انسان تعيس، لااجرؤ على الكلام، لقد وضعنا حياتها في تابوت، لم اخبرك بان حاستي قوية جدا؟ وانا الآن اقول لك باني اسمع حركاتها الاولى قبل ع دة ايام، بالرغم من اني لااجرؤ على الكلام. والان الليلة - اثليرد - هاها - كسر الباب وصرخة الموت للحيوان المفترس وسقوط الترس، قل بدلا من دفع تابوتها وصرخاتها وصراعها من داخل التابوت، اوه اين يمكنني ان اختبئ؟ هل يمكن ان تكون هنا في الحال؟ الا يمكن لها ان تأتي الى هنا وتوبخني على تهوري هذا؟ الم اسمع وقع خطواتها على السلم؟ الا يمكنني سما ضربات قلبها المتسارعة؟ مجنون" بعدها قفز على قدمه وصرخ صرخة مدوية الكلمات التالية : "مجنون، انني اخبرك انها تقف الآن خارج الباب".

كما لو ان هناك قوة خفية تولدت من جراء صوته المدوي، انفتح الباب الكبير ةمن جراء العواصف العاتية ولكن بعدها وخارج الباب وقفت هناك هيئة طويلة مرتدية كفنها، كانت الليدي مادلين اخت آشر، وللحظة بقيت ترتجف على الباب، بعدها اطلقت صرخة خافته وسقطت بجانب اخاها، شعر آشر بصدمة قوية عاجلت مما جعله يسقط جثة هامدة من هول المفاجأة، وما هي الا لحظات قليلة حتى تسقط آخته صريعة بجانبه.

هربت من تلك الغرفة وكذا من المنزل بكل ما اوتيت من قوة وكنت مرعوبا جدا، ولم انظر خلفي حتى وصلت الى تلك البحيرة، سمعت صوتا مدويا كان قد ملأ الاجواء من حولي وبمجرد ان نظرت حولي بفزع سمعت صوتا قويا ومرعبا كنت قد سمعته من قبل، ذلك الصوت الذي كان قد خرج من سقف المنزل الى الارضية التي كانت تلفها الرياح العاتية كان صوت يشبه ذلك الصوت الذي اطلقه الحيوان المفترس عندما قتله اثليرد في القصة، انهارت اعمدة المنزل وصاحب ذلك الانهيار صوت مدوي، كان صوت مياه البحيرة، وكانت هائجة جدا وفجأة اتجهت مياه تلك البحيرة المظلمة السحيفة العمق صوب المنزل و.....والتهمته في الحال.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:23 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.