احصائيات

الردود
4

المشاهدات
1675
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
04-13-2020, 07:43 AM
المشاركة 1
04-13-2020, 07:43 AM
المشاركة 1
افتراضي الخطوة الأولى (قصة قصيرة)
[justify](أدب العزلة في زمن الكورونا)

الخطوة الأولى
قصة قصيرة


بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد

تراكمت الخُطى على عتبة البيت، لا أكترثُ بتعدادها، تجمّعت أكوامًا كادت أن تسُدّ منافذ خيالي عند البوابة، لا خُطّة لديّ على الأقلّ الآن بشأنها، لم تكتمل رؤيتي كيف سأتخلّص منها، في الماضي كان الموبايل يعدّها؛ فيتشكّل خوفٌ في داخلي من هذا الإحصاء الدقيق، بعض الأحيان كنتُ أتلفّت حولي وإلى الخلف، هاجس أنّ مُخبرًا يتعقّبني مُسجّلًا كُلّ شيء في تقريره.
استمتعتُ بالحظر مُختليًا بنفسي أكثر من اللّازم. ارتاح لساني من كثرة الثرثرة والكلام مع الزبائن في الصّالون، ساعات طويلة لا يتحرّك بكلمة واحدة، أتذكّر فجأة أنّني نسيتُ نفسي في مغارة صمتها، أستوحشُ من وحدتي. مرّة بدأت بالكلام بصوت مسموع، استغراقي في لُجّة من أفكار غريبة موهمة بالخوف، لم أحسّ بوجود زوجتي وهي تُنظّف الغرفة من حولي، بُهِتَتْ مما سمعت، توقّفت خلفي لتتأكّد لمن أتوجّه بخطابي، تجمدّت حركتها لحظات، تساءلت:
-"ما بك هل جُننت..!!؟".
-"لا أبدًا.. فقط أُجرّبُ صوتي".
تتلمّس جبيني متأكّدة من موجة حرارة مقترنة بحُمّى داهمتني عل غير إرادة منّي؛ فاختلّ توازني:
-"اسم الله عليه.. هالأيّام صارت بتخوّف".
-"لا تقلقي عزيزتي أنا بخير ".
بعد كلّ هذه الفترة من الجلوس في البيت، وانعدام الحركة بحدّها الأدنى إلى الحمّام أو الغرفة الأخرى لتناول الأكل، والرّجوع إلى السّرير التلحّف لاتّقاء لسعات البرد؛ التي ما زالت تسري في أوصالي، وأحس بها تنخر عظامي. أطالبُ أولادي باستمرار إذا ما تخفّفوا من ألبستهم بتثقيلها.
أتذكّر آخر خطواتي قبل شهر كانت على بُوابة الشّقة، المشكلة في أوّل خطوة تدوسها قدماي في مشوار قادم، أحلام الخروج من العُزلة تُراودني على مدار السّاعة. أخوف ما أخاف منه، نسيان كيفيّة المشي، وأعود لتعلمّه من جديد كطفل يتهادى عند وقوفه منتصبًا، وصعوبة نقل رجله بخطوة، ليُتبعها بالأخرى. قرّرتُ شراء عُكّاز، أتّكئ عليها ولا أهشّ بها شيء سوى الذّباب الذي يقتحمني بلزوجة كريهة. ولا مآرب لي فيها أبدًا، كي لا أهدّد السّلم العالمي. مشكلتي الآن..!! من أين أحصلُ على عُكّاز، فالمحلّات التجاريّة جميعها مُغلق عدا التي تبيع المواد الغذائيّة فقط.
جارنا في العمارة المقابلة علاقته ممتازة، فلا ينقطع السّلام بيننا عندما كنّا نلتقي صُدفة أثناء خروجنا المُتزامن مع بعض، فأبتسم له مع إلقاء التحيّة، كثيرًا ما يردّ بصوت عالٍ، دون رفع رأسه ليراني، حفظ نبرة صوتي، فيردّ التحيّة مشفوعة بلقبي، إلى أن أقترِبَ منه لتشجيعه، والشدّ من أزره. والإشادة بقوّته وشبابه؛ فيتهلّل البِشْر على وجهه. يتنفّس بعمق، يُحاول جاهدًا تعديل انحناءة ظهره، والاستناد على السّياج، ويفترُ فمه الأدْرَد بابتسامة عريضة تنبئ عن ارتياحه، ويقول:
-"يا عمّي الشّباب.. شباب القلب، يا حسرتي على رُكبي لا تحملني، أيّام الشّباب والقوّة أتبعني العمل الشّاق في الباطون، وهذه النّتيجة كما ترى..!!؟.
ازدحام الأفكار بأوليّات أوّل يوم، من أين أبدأ..!!؟. فلأجرّب هِمّتي بتمهّل. خَطَر لي استعارة عُكاز من جارنا العجوز، أتوقّع أنّ لديْه أخرى احتياطيّة غير التي يستخدمها، أو قديمة عنده رماها في مُستودع الأغراض الخفيفة القديمة فوق الخزانة أو تحت التّخت.
طال الحظر ليتأكّدوا من انتهاء الوباء، حالتي وصلت حدّها الأقصى على احتمال الوضع. قلق على مدار السّاعة، تأخّر الوقت.. وأنا جالس إلى حاسوبي؛ أتابع مواقع الأنترنت بقراءات ودردشات. فطنتُ لاحتقان البول، بدل رُجوعي إلى الغرفة، تسلّلتُ بحذر لفتح الباب الخارجيّ، نزلتّ الدّرج على رؤوس أصابعي، الطّريق الفرعيّة لا تسلكها الدّوريّات السّاهرة، قلت لنفسي:
-"لا يُمكن أن يكونوا سهرانين إلى هذه السّاعة".
خرقتُ قناعتي بيقظتهم الدّائمة، فلأُتابع مشواري. نصفُ ساعة عادلت عمري، وأنا أتنفّس ملء رئتيّ هواء نقيًّا، هاجسي المُتعب بتحضير جواب مُقنع:
-"ماذا لو داهمتني دوريّة بشكل مفاجئ..!!؟".
حرتُ تفكيرًا.. مشيتُ ومشيتُ بنهم.. الشوارع الفرعيّة في منطقتنا استغرقني بلا إحساس بالوقت، أشرقت الشّمس، وما زلتُ أمشي إلى أن وصلت العاشرة، موعد السّماح بالخروج بشكل آمن. عدتُ إلى البيت، مازال الصّمتُ يُخيّم على البيت.

عمّان – الأردنّ
13 \ 4 \ 2020


[/justify]


قديم 04-14-2020, 07:47 PM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: الخطوة الأولى (قصة قصيرة)
[justify](أدب العزلة في زمن الكورونا)

الخطوة الأولى
قصة قصيرة


بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد

تراكمت الخُطى على عتبة البيت، لا أكترثُ بتعدادها، تجمّعت أكوامًا كادت أن تسُدّ منافذ خيالي عند البوابة، لا خُطّة لديّ على الأقلّ الآن بشأنها، لم تكتمل رؤيتي كيف سأتخلّص منها، في الماضي كان الموبايل يعدّها؛ فيتشكّل خوفٌ في داخلي من هذا الإحصاء الدقيق، بعض الأحيان كنتُ أتلفّت حولي وإلى الخلف، هاجس أنّ مُخبرًا يتعقّبني مُسجّلًا كُلّ شيء في تقريره.
استمتعتُ بالحظر مُختليًا بنفسي أكثر من اللّازم. ارتاح لساني من كثرة الثرثرة والكلام مع الزبائن في الصّالون، ساعات طويلة لا يتحرّك بكلمة واحدة، أتذكّر فجأة أنّني نسيتُ نفسي في مغارة صمتها، أستوحشُ من وحدتي. مرّة بدأت بالكلام بصوت مسموع، استغراقي في لُجّة من أفكار غريبة موهمة بالخوف، لم أحسّ بوجود زوجتي وهي تُنظّف الغرفة من حولي، بُهِتَتْ مما سمعت، توقّفت خلفي لتتأكّد لمن أتوجّه بخطابي، تجمدّت حركتها لحظات، تساءلت:
-"ما بك هل جُننت..!!؟".
-"لا أبدًا.. فقط أُجرّبُ صوتي".
تتلمّس جبيني متأكّدة من موجة حرارة مقترنة بحُمّى داهمتني عل غير إرادة منّي؛ فاختلّ توازني:
-"اسم الله عليه.. هالأيّام صارت بتخوّف".
-"لا تقلقي عزيزتي أنا بخير ".
بعد كلّ هذه الفترة من الجلوس في البيت، وانعدام الحركة بحدّها الأدنى إلى الحمّام أو الغرفة الأخرى لتناول الأكل، والرّجوع إلى السّرير التلحّف لاتّقاء لسعات البرد؛ التي ما زالت تسري في أوصالي، وأحس بها تنخر عظامي. أطالبُ أولادي باستمرار إذا ما تخفّفوا من ألبستهم بتثقيلها.
أتذكّر آخر خطواتي قبل شهر كانت على بُوابة الشّقة، المشكلة في أوّل خطوة تدوسها قدماي في مشوار قادم، أحلام الخروج من العُزلة تُراودني على مدار السّاعة. أخوف ما أخاف منه، نسيان كيفيّة المشي، وأعود لتعلمّه من جديد كطفل يتهادى عند وقوفه منتصبًا، وصعوبة نقل رجله بخطوة، ليُتبعها بالأخرى. قرّرتُ شراء عُكّاز، أتّكئ عليها ولا أهشّ بها شيء سوى الذّباب الذي يقتحمني بلزوجة كريهة. ولا مآرب لي فيها أبدًا، كي لا أهدّد السّلم العالمي. مشكلتي الآن..!! من أين أحصلُ على عُكّاز، فالمحلّات التجاريّة جميعها مُغلق عدا التي تبيع المواد الغذائيّة فقط.
جارنا في العمارة المقابلة علاقته ممتازة، فلا ينقطع السّلام بيننا عندما كنّا نلتقي صُدفة أثناء خروجنا المُتزامن مع بعض، فأبتسم له مع إلقاء التحيّة، كثيرًا ما يردّ بصوت عالٍ، دون رفع رأسه ليراني، حفظ نبرة صوتي، فيردّ التحيّة مشفوعة بلقبي، إلى أن أقترِبَ منه لتشجيعه، والشدّ من أزره. والإشادة بقوّته وشبابه؛ فيتهلّل البِشْر على وجهه. يتنفّس بعمق، يُحاول جاهدًا تعديل انحناءة ظهره، والاستناد على السّياج، ويفترُ فمه الأدْرَد بابتسامة عريضة تنبئ عن ارتياحه، ويقول:
-"يا عمّي الشّباب.. شباب القلب، يا حسرتي على رُكبي لا تحملني، أيّام الشّباب والقوّة أتبعني العمل الشّاق في الباطون، وهذه النّتيجة كما ترى..!!؟.
ازدحام الأفكار بأوليّات أوّل يوم، من أين أبدأ..!!؟. فلأجرّب هِمّتي بتمهّل. خَطَر لي استعارة عُكاز من جارنا العجوز، أتوقّع أنّ لديْه أخرى احتياطيّة غير التي يستخدمها، أو قديمة عنده رماها في مُستودع الأغراض الخفيفة القديمة فوق الخزانة أو تحت التّخت.
طال الحظر ليتأكّدوا من انتهاء الوباء، حالتي وصلت حدّها الأقصى على احتمال الوضع. قلق على مدار السّاعة، تأخّر الوقت.. وأنا جالس إلى حاسوبي؛ أتابع مواقع الأنترنت بقراءات ودردشات. فطنتُ لاحتقان البول، بدل رُجوعي إلى الغرفة، تسلّلتُ بحذر لفتح الباب الخارجيّ، نزلتّ الدّرج على رؤوس أصابعي، الطّريق الفرعيّة لا تسلكها الدّوريّات السّاهرة، قلت لنفسي:
-"لا يُمكن أن يكونوا سهرانين إلى هذه السّاعة".
خرقتُ قناعتي بيقظتهم الدّائمة، فلأُتابع مشواري. نصفُ ساعة عادلت عمري، وأنا أتنفّس ملء رئتيّ هواء نقيًّا، هاجسي المُتعب بتحضير جواب مُقنع:
-"ماذا لو داهمتني دوريّة بشكل مفاجئ..!!؟".
حرتُ تفكيرًا.. مشيتُ ومشيتُ بنهم.. الشوارع الفرعيّة في منطقتنا استغرقني بلا إحساس بالوقت، أشرقت الشّمس، وما زلتُ أمشي إلى أن وصلت العاشرة، موعد السّماح بالخروج بشكل آمن. عدتُ إلى البيت، مازال الصّمتُ يُخيّم على البيت.

عمّان – الأردنّ
13 \ 4 \ 2020


[/justify]

من واقع حظر التجوال في عصر كورونا يحدث أكثر من قصة
اللهم أخرجنا من هذه الأزمة
تحية ودعاء

قديم 04-15-2020, 02:15 AM
المشاركة 3
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الخطوة الأولى (قصة قصيرة)

من واقع حظر التجوال في عصر كورونا يحدث أكثر من قصة
اللهم أخرجنا من هذه الأزمة
تحية ودعاء
أستاذة ناريمان
اسعد الله اوقاتك بالخير
سيدتي الراقية
سعدت بمرورك الراقي

قديم 04-15-2020, 05:21 AM
المشاركة 4
هيثم المري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الخطوة الأولى (قصة قصيرة)
أصبحنا نحلم بالحرية ونشتاق للطرق وكأننا لصوص مكبلين بالأغلال
كل شيء تغير في زمن الكورونا حتى نحن تغيرنا دون أن نشعر
إلتقاطة ماهرة بأبجديتك سيدي ما صورت لنا معاناة البطل
قصة جميلة .. تحيتي لك

قديم 04-15-2020, 10:38 PM
المشاركة 5
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الخطوة الأولى (قصة قصيرة)
أصبحنا نحلم بالحرية ونشتاق للطرق وكأننا لصوص مكبلين بالأغلال
كل شيء تغير في زمن الكورونا حتى نحن تغيرنا دون أن نشعر
إلتقاطة ماهرة بأبجديتك سيدي ما صورت لنا معاناة البطل
قصة جميلة .. تحيتي لك
الهيثم الغالي
أسعد الله أوقاتك بالخير
صديقي.. النزوع للحرية مطلب روحي
وقلبي وحياتيّ.. هكذا هي جبلتنا ..
التقييد والتكبيل خلاف طبيعتنا...
دمت بخير
تحياتينقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الخطوة الأولى (قصة قصيرة)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بشرى المولد ! أحمد صفوت الديب منبر الشعر العمودي 8 08-19-2023 01:46 AM
النبضة الأولى مسعدة مسفر منبر البوح الهادئ 2 12-13-2020 08:51 AM
حلم المرة الأولى قيس عثمان منبر شعر التفعيلة 3 08-01-2019 02:38 PM
الشمعة الأولى عبد اللطيف السباعي منبر الشعر العمودي 3 07-16-2019 02:13 PM
معركة حمص الأولى أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 03-21-2016 09:22 PM

الساعة الآن 08:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.