قديم 06-24-2016, 04:38 PM
المشاركة 51
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عند المقتصد رجعت في اليوم التّالي في غفلة من محمّد ، ذكّرته أنه يعرفني جيّدا ، و يعرف أن لا علاقة لي بتلك السّرقة التي تعرّضت لها دار الطالب نهاية الموسم الماضي ، حتّى تلك الحالة من العصيان التي شهدتها المؤسسة كان فيها الطّلبة على حقّ ، و من حقّهم أن يستفيدوا من خدمات دار الطالب رغم أنهم يستعدّون للامتحانات خارج الثانوية ، وعدني المقتصد بتسجيلي لكن ليس الآن ، بل في الأسبوع المقبل ، فالمدير الآن يريد أن يسترجع هيبته ، و أنت تعرف أنه سيتراجع عن هذا القرار . قدمت له المساهمة السنوية و قلت : " في الأسبوع المقبل سألتحق بالثانوية " شكرته على حسن ظنه بي ، وعند خروجي عرفت أنها مجرّد مسرحية ، كان أبي ضحيتها ، منذ ذلك الحين ، أخذت قرارا أن لا أشرك أبي في معالجة مشاكلي ، فالمسؤولون يستغلون وجود الأب ، و الوقار الذي يجمع الآباء بأبنائهم ، ليظهروا بمظهر القوي ، بمظهر المسؤول الحقيقي الذي يراقب كلّ صغيرة و كبيرة .
في القسم وجدت نفسي غريبا ، ماذا فعلت يا نور الدين ، فاتك جيلك ، جيل آخر التحق بك ، أصبحت شيخا يا رجل ، كانت الحصص الأولى قاتلة جدّا ، ما كان عليك أن تفعل بنفسك هذا ، من حسن حظّي أن علاقتي بالأساتذة ممتازة جدّا ، فوج آخر ، لكأن القدر وضعه في طريقي لأسترجع ألقي ، فقط أستاذ اللغة الفرنسية ، رغم أنه جدّي ، فيحب بين الحين والآخر أن يسخر من بعض التلاميذ ، عندما يقف المتعلّم عند السبورة و قد استشكل عليه أمر ما ، يبدأ في إطلاق ألفاظ سخرية ، انظروا إليه ، إنه لا يستحيي ، أذناه حمراوان ، إن وجهه يحمر ، انظروا إليه إنه يرتعش ، البعض يضحك ، البعض يفتعل التجاهل ، أمّا أنا فأرتجف غيظا ، أكاد أقوم من مقامي لأسكته ، أخيرا جاء دوري ، من حسن حظك يا أستاذ أن فعلت هذا مبكرا ، وقفت عند السّبورة وقوف حمار الشيخ في العقبة ، تذكرت حين تكلّلت بأذني الحمار عند المعلمة ، الأستاذ بدأ تعليقه ، روحي اجتمعت عند أنفي ، انطلق لساني :" سوايي ساج موسيو ، سيسي دونتغيتي دو سات فسون ، ميغد " لكمتى طبعت على السّبورة ، و رجلاي تغادران الفصل .
تعقّل الأستاذ و لم يقدم شكاية ضدّي إلى الإدارة ، حتى لم يسجّلني غائبا ، منذ ذلك اليوم ، ارتاح الجميع من سخريته ، لكنه عمل ما بوسعه لتقزيم نقطي .
لم تكن الأمور سهلة على الدوام ، فطباعي لم تتغير ، بين الفينة والفينة أتغيب ، و المثابرة شيء لا أستطيعه ، لكنني أحضر الموادّ الأساسية بانتظام ، و كان للطف الأساتذة فضل عليّ ، يقربونني منهم أكثر ، أحصد نقاطا جيدة في الفزياء ، في الطبيعيات ، في الرياضيات .
أستاذ الرياضيات يقترح أن يقدم تلميذ درسا ، تطوعت بأريحية ، أحسست فخرا وأنا أشرح المعادلات و أملأ السبورة ، أطوف بين الصفوف منتظرا أن ينجز الآخرون التمارين التطبيقية ، ساعتان أمضيتهما في أعلى علّيين .
أستاذة الطبيعيات تسأل عنّي ، أين هذا الجنّي ، إنه غائب يا أستاذة ، الأسبوع الأول بعد العطلة لا ألتحق فيه بالمدرسة ، أحبّ أن أمضيه في الوادي ، كان امتحان الطّبيعيات صخرة حقيقيّة ، كانت نقطتي هائلة ، ثلاثة فقط من حصّلوا بعدي على المعدّل ، و الآخرون كانت نقطهم ضئيلة جدّا ، تريد أن تهنّئني ، لكن أنا لا أبالي .

قديم 06-25-2016, 12:41 AM
المشاركة 52
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إبراهيم ، صديقي الثالث غالبا أرافقه إلى بيته ، يسكن بمحاذاة الثانوية ، بيت واسع فسيح ، يسكنه و أمه فقط ، أسرته بعضهم في المهجر، آخرون في وارزازات ، متفتح للغاية ، أمّه أحلى أمّ في الدّنيا ، امرأة بحقّ ، حالهم ميسورة ، نلعب الورق و الضّاما ، عندما تقترب الامتاحانات نراجع سويّا في بيته . أصاحب العديد من رفاقي إلى بيته ، منهم حسن و لمودن و إحسان ، أجد في منزله أيضا بعضا من رفاقه و أصدقائه أولاد " تابيا "، أمضينا معا أياما جميلة ، ربما تكون أحسن ما مضى في عمري ، إن لم أتراجع فأقول في تالوين ، أزور بيت أخته أيضا ، صرت صديق عائلته ، اندمجت كلية معهم ، لا أعتقد أنّني وجدت عائلة من قبل و من بعد يمكن أن تعاملك بهذا الأسلوب ، إبراهيم ، إنسان حقّا ، يدخن مثلي ، رياضي عكسي تماما ، فلتلك اللّحظة لم أغرم بعد بالرياضة ، يتعامل مع الحياة بكثير من الأريحية و حتى بكثير من التفاؤل .
إحسان ، أحيانا يصعب أن تلقّب شخصا برفيق أو صديق أو صاحب ، كان إحسان في هذا الموسم ملازما لي أكثر ، لكنّه مايزال طريّ العود ، بل فيه بعض صبيانية ، حتّى الفتيات لا يشعرن معي بالرّاحة حين يكون برفقتي بل يفضلن اختصار الموعد ، ابراهيم روحه واسعة جدّا ، يقبل كلّ من صاحبته ، و يكرمه أيضا في غيابي ، في الحقيقة كنت رفيقا جيّدا للكثيرين ، يحبّ إحسان أن يلقبني بهيتش و يلقب نفسه بستارسكي ، ظروفه قاسية ، أعلم أن والده في السجن ، لكنّنا لم نحدثه عن الأمر يوما، نعامله لكأن شيئا لم يحدث ، بل نعامله بكثير من الرّقة ، حتى أنّنا نتجاوز عن هفواته ، و أيضا نحسّسه أنه الأفضل . لست أدري إن كان محبّا حقيقيا أم أنه مجرّد ممثّل ماهر ، يكتب زجلا غريب الأطوار كشخصه تماما ، يحدّثني عن محبوبته كثيرا ، مجرد حب من بعيد حسب ما بدا لي إن كان صادقا ، كانت ترتدي نظارتين ، أعرفها جيّدا ، حين نريد أن نغضبه بعض الشّيء ، تحدثنا عن العمياء . قوته هي الجرأة ، أنا خجول و هو جريء إلى أقصى الحدود .
حسن و لمودن ابنا تغزوت ، أحس أنهما في مرتبة أبناء بلادي الأوفياء ، في بيت لمودن أقضي الكثير من الوقت أيام العطل أنا و حسن ، كلنا ندخّن ، في الحقيقة ، عندما كنت في تغزوت ، كانوا يفوتونني سنّا ومستوى دراسيّا ، لكن مسيرتهم التعليمية تتعثر أكثر منّي ، لذلك أجدهم هذا العام التحقوا بي ، لم تتوطّد رفقتنا إلا في هذا العام ، لمودن يسكن غرفة اكتراها في السوق مع أخيه ، عنده أمضي أيضا الكثير من الوقت ، هناك صاحبت أيضا العديد من أبناء عائلته ، كنت قريبا إلى نفوسهم ، بعضهم كنت أدرس معه عند المعلمة ، يشتغلون في دكاكين الجزارة في السوق كما في مركزتالوين . أرواح نبيلة ، أرواح طاهرة ، أبناء بلادي الأوفياء .

لم أحدثكم عن أمي ، لم أنسها ، و لن أنساها ، هي فقط مجرّد فسحة خارجية ، لأعود إليها ، فهي وحدها تستطيع ملء صفحات هذه الذكريات ، أمّي عندما أريد أن أتحدث عنك ، يجب أن أطهّر فمي ، أطهّر عقلي ، أطهّر قلبي أيضا ، لا يجب أن أتحدث عنك و في نفسي انقباض ما ، فذكرك يكفي لجعل الدنيا نورا ، أمّي يا امرأة طاهرة ، أمّي يا مدرسة شامخة ، أمّي يا لؤلؤة دنياي ، لولاك لتهت في الأرض بحثا عن الحقيقة ، لولاك لما ارتعشت فرائصي يوما ، لولاك لتساوى عندي الضحك والبكاء ، لولاك ما غرّدت روحي بفجر الأمل . يا أمّي أنت الحقيقة الماثلة أمام عيناي ، من أين تأتين بهذا الكم الهائل من الصبر ، بهذه الروح المثابرة الفيّاضة ، بهذه المشاعر الرقيقة ، يا أمي شقيّ أنا لأنّني لم أستطع أن أبني لك برجا يعانق السماء ، لم أستطع أن أجعلك أميرة تأمرين فيجيب العالم ، شقيّ لأنّني ما خدمتك كفاية ، ما رسمت البهجة على ملامحك العصماء بالقدر الذي توده نفسي ، أمّي يا روحا نبيلة تبلسم جراح الكون ، يا شريفة القدر والمنزلة ، هل قلت شيئا ، لا لم أقل شيئا ، و أعرف أنّني لا أستطيع أن أقول ، فمن أنا لأقول عنها ، هذه أمّي أيها الإخوة ، قاصر أنا عن جرد محاسنها ، وهل لها مساوئ لأحصي محاسنها ، إن سألك شخص عن الجمال فقل أمّي و لن تخيب ، إن حدّثك رجل عن عفة فقل أمّي فأنت المصيب ، ما كنت سأعرف معاني الخير لولا أني عاشرت الخير فيها ، ما كنت لأعترف بوجود القيمة لولاك أمّي ، أمّي فلسفتي ، أمّي من أنا لأتحدث عنها ، لولا أنّني من صلبك ما تجرّأت على تلويث مهابتك بكلماتي ، لولا أنّي ثمرة منك لأغلقت فمي خشية أن أنال من مكانتك . يا أمّي هل تسمحين يا حبيبتي أن أحدث عنك هؤلاء ، لولا أنّك ما رفضت لي طلبا يوما لما تجرأت على فعل هذا ، لماذا تأخرت يا أمّي إلاّ لأستطيع أن أكون على قدر المقام .


قديم 06-25-2016, 05:23 PM
المشاركة 53
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أمي منذ الصباح الباكر في الحظيرة ، تحلب الحليب ، وتطعم أبقارها ، و في الزريبة تطعم الخرفان ، وفي الخمّ تطعم الدجّاج والأرانب ، تعدّ لنا طعام الفطور ، فتخرج لتحشّ الأعشاب ، يجب أن تعود لإعداد الغداء ، و تقدّمه للقوم ، تستلقي نصف ساعة و غالبا نكون فيها نحن الأبناء ننط بجانبها ، تقوم لتنقّي الزرع وتعدّه في الأكياس قبل الذهاب به إلى الطاحونة أو تكسّر ثمار اللوز التي سيبيعها أبي في السوق ، أو تكسّر ثمار الأركان لتعصرها ذات يوم ،أو تصبّن الأفرشة و تغسل ملابسنا ، ثم تعمل على سقي البهائم . عند العصر يجب أن تكون قد أعدت لمجة المساء ، لتخرج من جديد إلى الحقول لتحش الأعشاب و تطعم البهائم عند الغروب ، تبدأ ليلها بالطبخ فتعد لنا العشاء، ثم أمام التلفاز ، تعد الصوف و تغزله بالمغزل ، أو تحيكه لتهيئ لنا أفرشتنا ، أختي أمينة تساعدها في هذه الأعمال ، أمينة نسخة مطابقة لأمّي ، حتى أنها تنال إعجاب أبي ، أبي كم مرة نطقها أمامي ، هذه هي ساعدي الأيمن ، أمي تنفق من الحب نحونا بلاحدود ، لكن لا أحد عندها يمثل اليمين من اليسار ، قبلها يتسع لنا جميعا بنفس الحبّ ، من أمينة حتى هذا الغر الصغير عبد الناصر ، أمّي إنسانة مؤمنة ، مبتهلة ، عطوفة ، تشارك الناس أحزانهم ، حتّى الجارات عندما تلمّ بهنّ ملمّة يأتينها ، قصد الاستشارة ، قصد البوح ، فهي إنسانة أمينة على الأسرار و حكيمة عند القول ، و تواسي المجروح بشكل عجيب ، أمي تفتح لي صدرها ، سأقول كلّ شيء أمامها ، لم تضع مثقال ذرة حاجز بينها و بين أبنائها ، تمازحنا ، تنصت لترّهاتنا بكثير من التفاعل ، تعيش معنا ، لا يوجد عالم آخر سرق منها نفسها ، نحن عالمها ، توجد فينا ، نوجد فيها ، هذا بعض من أمّي ، وأستسمحك أمّي .

وجدت جدّي هناك يحفر ، أخذت المعول ، أحمل عنه التراب ، حفرنا قبرا عظيما ، دحرجنا الدّابة حتى استوت فيه ، أسدلنا عليها التراب و عيناي معكرتان ، إذن ذهبت أخيرا يا رفيقي ، من في هذا الكون يفهمني أكثر غيرك ، تذكر عندما كنت برعما صغيرا ، أذهب بك كل ظهيرة لاسقيك من ماء الساقية ، أحيانا تغافلني فتهرب مطلقا قوائمك للرّيح ، ترفع القائمتين الخلفيتين حتى يشهد حافرهما وجه السماء ، أحب فيك هذا الجنون ، أحيانا أنا أيضا أقفز مثلك بدون سبب ، أحب أن أنزل بلكمتى أو ركلتي على مكان ما ، و لو على جدار ، تذكر يا صديقي ، يوم أردت أن أكون فارسا ، أركب على ظهرك و تجري بكل ما أوتيت من قوة لأيام و أيام ، لم أحس بك يوما خذلتني ، حتى اشتفيت من الفروسية ، يا لك من رياضي أصيل . تذكر يا صاحبي ، حين أرافقك إلى البيادر ، تدخل مع الدواب في صف و تدورون اليوم كله حتى يدرس البيدر و يصبح حبّا و تبنا ، يومها عندما تخرج من البيدر تكون حوافرك لامعة ، أسير بك إلى الساقية مباشرة ، هناك تلتقي مع الكثيرن من أصحابك تتصارعون بشكل رجوليّ بطوليّ ، لن ينالها إلا من يستحقها ، أعرف أنك مقاتل بارع ، حتى إذا ظن خصمك أنه أقوى منك وقد تشابكت قاوائمكما الأمامية في الفضاء و راسه يعلو راسك وهو هائج يريد قضم أذنيك ، حصدت رجليه الخلفيتين عند هبو ط مباغت و هو لا يزال واقفا ، فيسقط ثم يهرب في أول فرصة ، أنا بجانبك أقف ، لو أحسست أنه سيهزمك سأتدخل ، لكن أنت لا تخيّب ظني ابدا ، أعرفك يا حماري ، رغم أن جسمك فيه بعض نحافة مثلي ، لكنه صلب ، و تتعارك بكثير من الدهاء .
ها أنت غادرت ، أتكون قد شخت فعلا ، ما يؤلمني أنهم ما رحموك ، كنت كلما دخلت فندق البهائم في السوق ، يفرون من أمامك كالجرذان ، والأغرب أن فيهم من هم أضخم جثة منك ، لكن يعرفون قدرك وعزمك ، حتى من لم يتأكد بعد ، فجولتان كافيتان ليؤمن بصغره و ضعف شكيمته ، أنت مسيطر على وضعك فخذ من المتعة ما تشاء . منذ سنة أحسست بذهاب ألقك ، تجلس وحيدا مهموما ، أرى الذباب يحب أن يأخذ قيلولة على جسدك وقرب عينيك ، أطرده عنك و لكنك ما عدت ذلك الحيّ ، فسرعان ما يعود ، وجدتك مستسلما ، هو الزمان غدر بك ، يأكل من قوتك يوما بعد يوم ، هو الزمان يقتات بنا يا حماري ، لا أحب أن أتذكر أنك كنت ضعيفا بعدما شهدتك بطلا فحلا ، كيف وصلت عضّاتهم إلى جسدك كله ، ما تركوا فيك بقعة آمنة ، جدّي المسكين منذ يومين و هو يكمد جراحك ، ماء ساخن و منديل ، كحول ، المروت ، الزيوت ، لكن تنهداتك كانت عميقة ، زفراتك توحي بعياء عميق ، توحي بأسف على شيء لا أعرفه . ما أقسى أن تهان في آخر معاركك في هذا الوجود ، رغم ذلك أنا معك حبيبي ، سأحاول أن أعينك على تقبل مصيرك ، أعرف أنك خجل منّي بالذات ، لكن لست نورالدين إن لم أفهمك ، فلا تتألم كثيرا ، هذه هي الحياة ، تهزمنا أخيرا ، تهتك عرضنا ، تفنينا. نعم أنت الآن تحت التراب لا أحد يعرف مقدار خسارتي اليوم إلاّ أنت .


قديم 06-26-2016, 02:35 AM
المشاركة 54
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المرض ، من الطبيعي أن لا يستطيع جسدك أن يتحمل كما لا تستطيع النفس أن تتحمل سياط الحياة ، رغم أن العام مرّ في جوّ آمن ، إلاّ أنّني أصبت في الصّيف بمرض الحمّى ، كان ذلك بعد جني اللوز و جني الأركان ، ذات يوم حارّ عند عودتي من الغابة ، لم أشعر متى ارتميت داخل الصّهريج ، أحسست بانتعاش هائل ، عدت إلى الغابة بحمارتي لأحمل عليها ما تم التقاطه من الحبّ ، فجأة أحسست فشلا في ركابي ، لم أصل إلى المنزل إلاّ وقد أصبحت منهارا بالكامل ، بقيت عشرة أيام في المنزل أنتظر الفرج الذي لن يأتي ، رغم أنّي مستيقظ إلا أنّني أرى ما يزعجني ، بين الحلم واليقظة كنّ يسبحن في مسبح فسيح ، دعونني لمشاركتهن العوم ، ارتميت ارتماءة المتلهف ، جفت مياه المسبح في لحظة وأنا في المنتصف ، تقصدني العقارب و الأفاعي و ووحوش ممسوخة، صحت صيحة مرعبة ، استعدت وعيي و في تلك اللحظة جاءني أنيق يشع الوقار من وجهه ، طمأنني ، لا تخف يابني ، ستتعافى . لكن في الغرفة تتهيا الأشياء أمامي ، أنظر نحو الشيء فإذا به يتحول بسرعة البرق إلى مخلوق غريب يملأني رعبا . أبي يتدخّل ، إلى تارودانت توجهنا ، هناك مستشفى كبير أجنحته متعدّدة ، وجدنا هناك واحدا من معارفنا ، تذكرون الليلة التي قضيتها في أكادير عندما كان الزّرق يقتلون الخضر ، و الخضر يقتلون الزّرق ، هذا سليل تلك الأسرة ، أصبح طبيبا و يعمل الآن في قسم المستعجلات ، نصح أبي بإبقائي في المستشفى لبضعة أيام ، قادني إلى جناح أمراض الجهاز الهضمي ، هناك أعطاني سريري ، أوصى الطبيب القيّم على الجناح بالعناية بي ، تقيس الممرضة حرارتي كلّ يوم ، كانت في الأربعين يوم دخولي ، لكنها تقلّصت بعض الشيء في اليوم التالي إلى التاسعة والثلاثين ، بعد يومين تقهقرت إلى الثامنة والثلاثين ، أصبحت متعافيا نسبيا ، لكنّني أحتاج إلى نقاهة ، فجسمي ليس متماسكا بما يكفي ، أبي يزورني يوما و يغيب يوما فالمستشفى يبتعد عن موطني بمئة وعشر كيلومترات جهة أكادير ، شيخ هرم كان قبالتي ، شابّ يشغل سريرا في الزاوية ، الشيخ يئن تحت وطأة المرض ، والشّاب تسكنه الهواجس ، بنت الشيخ تزوره كل يوم ظهرا و مساء ، الشابّ أيضا تزوره أمه كلّ يوم ، الطبيب يزورنا صباحا و قد يعود مساء ، كل يوم يراقب مبيان الحرارة ، يسألنا عن أحوالنا ، الشيخ يشتكي كلّ يوم من آلام رأسه التي لا تزول ، و من خرير مزعج في أذنيه ، الشّاب يتماثل للشفاء ببطء ، أنا يسألني الطبيب عن دراستي ، كل يوم يذكرنا بالصّلاة ، الله هو الشافي ، نحن نعمل على الأسباب فقط ، توبوا إلى الله ، لا يسمعه الشيخ الهرم ، بل لسانه يشتكي ، إنها الصّحوة تظهر في كلّ مكان .
بعد فترة كمون بدأت استكشاف الوسط ، أصاحب أعوان المستشفى ، أساعدهم في تقديم الطعام للمرضى ، أذهب إلى المطبخ ، أتجول في أغلب أجنحة المستشفى ، أتوجّه إلى الحديقة ، التقيت هناك شيخا آخر ، هو من تالوين ، رغم أنه مريض ، و دائما تلازمه الأنابيب ، إلا أن روحه مرحة ، يقتلني ضحكا بنكاته ، يسرد لي سيرته ، هناك أيضا شاب آخر في جناح مرضى السّكري ، طالب جامعي شعبة البيولوجيا ، أنا أطول منه ، لكنه مقبول جدّا ، يحدثني أنه كان في صحّة جيّدة ، الآن قهره السكّري ، وأضحى نحيفا بعض الشّيء ، تزوره فتيات جميلات ، أقضي معه الكثير من الوقت ، يحضرن له أنواعا مختلفة من الأطعمة ، أنا من يفترس أغلبها ، أصبحت أحبّ المكان ، كل يوم بقصّة ، هذا عضّه ثعبان و يده منتفخة ، والسّم يتغلغل في أحشائه ، طوال الليل في سمر مع تنهداته و زفراته الحارّة ، هذا فتى اشتد عليه النزيف ، تعلن حالة الطوارئ ليلا ، ممرضات، أطباء ، عربات ، آلات ، لم ينجح الإسعاف ، أخذه الموت من أمه الكريمة التي طافت على أجنحة المستشفى توزع أوراقا نقدية على المرضى. هذا المكان لا يبرحه الموت ، هنا بين جدرانه يسكن ، هنا الآهات تلبس أنواعا مختلفة من النبرات ، هنا القصّة تلد قصّة ، هنا عرفت أن الحياة وهم ، فالوجود مجرد رحلة لمعانقة الموت ، تخيل أن تسير إلى الموت بملء إرادتك ، مع الإصرار على أنك لا تحبه ، مع الإصرار على أنه لن يصل إليك ، مع الإصرار على أنك أكبرمنه .




قديم 06-26-2016, 03:00 PM
المشاركة 55
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كأنني انتقلت إلى ملكوت آخر.. سرد احترافي يتوجك روائيا مقتدرا.. استمتعت كثيرا بقراءة هذه السيرة المميزة و في أماكن كثيرة منها تمكنت من سماع الأصوات و تلمس الألوان و الروائح
شكرا لك أ. ياسر علي و الشكر موصول لصاحب الفكرة المبتكرة الباحث أيوب صابر فهذا التدوين سيكون له شأن كبير في الأيام القادمة
تحيتي و تقديري الكبيرين

قديم 06-27-2016, 04:33 AM
المشاركة 56
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كأنني انتقلت إلى ملكوت آخر.. سرد احترافي يتوجك روائيا مقتدرا.. استمتعت كثيرا بقراءة هذه السيرة المميزة و في أماكن كثيرة منها تمكنت من سماع الأصوات و تلمس الألوان و الروائح
شكرا لك أ. ياسر علي و الشكر موصول لصاحب الفكرة المبتكرة الباحث أيوب صابر فهذا التدوين سيكون له شأن كبير في الأيام القادمة
تحيتي و تقديري الكبيرين
أهلا بالأستاذة الروائية و القاصة و الناقدة والإعلامية المنابرية ريم بدرالدين.
رأيك يهمني كثيرا ، وأتمنى أن تبقي بالقرب .
شكرا لحضورك .

تقديري

قديم 06-27-2016, 04:35 AM
المشاركة 57
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حرب الثمان سنوات أعطته شعبية جارفة ، لكن ما هذا الذي تفعله يا رجل ، أمر عجيب حقاّ أن تصل بك الجرأة إلى هذا الحدّ ، تحشد الفيالق على تخوم الأخ الجار، تريد أن تجدع أنفك ، لماذا ؟ فقط ، لأنّه لا يستطيع تلبية طلبك ، فقط لأنّه دفع و دفع و لاتزال تريد منه الدّفع ، أي منطق هذا يا رجل بغداد ، قد يكون تعاطفنا ذات يوم مع عقيد ليبيا مبرّرا ، لأنه يسلخ بدون جريرة من قبل ريغان ، رغم أن العقيد ليس دائما أهلا للشفقة وأهلا للتعاطف ، فجنودنا يقتلون كل يوم بواسطة أسلحته في الصحراء ، يخيّل إليه أنه قادر على بسط سيطرته على بلاد المغرب كلها ، أحلام العصافير هذه يا معمر ، نراك تسبح في رحاب الهبل يا بطل ليبيا ، لم أكن أعرف أنك كذلك يا حسين ، جميل أن نكتشف أن رموزنا مجرّد مجانين ، هل كنت كذلك يا عبد الناصر ، من يدري ، ربما كنت تحمل مشروعا محترما ، أعطاك شعبية هائلة ، التقدمية ، الاشتراكية ، العدالة الاجتماعية ، لكن لماذا يا جمال كنت تقاتل ضدنا في حرب الرمال ، ألم يجدر بك أن تكون عاقلا رزينا ، تآلف بين الإخوة ، و لا تساهم في زرع السموم و الأحقاد ، كثيرة هي الأحلام الجميلة التي تسكن العقول ، لكن أين فن الوصول ، العبقيرية ليست بقدر الأحلام بل بما تم إعداده من السّبل لإنجاحها دون الوقوع في المحظور .
لا أخفيكم أنّني كنت أستبعد ما سمعته أذني ، فنحن تآلفنا والرّجل ، قلنا أن الشّهامة والمجد يصنعان رجلا عادلا ، كدنا نؤمن أنه على حق ّ و قد انطلقت الدعاية المحرّضة ، و تحرك الأطلسي كلّه لينقضّ على غنيمة ما حلم يوما بها ، صيد ثمين جاء إلى باب خيمته ، ما أتعسنا نخرب بيوتنا بأيدينا ، أعطيت المبرر الأخلاقي لهؤلاء يا حسين ، أتعرف كم يدرسون من الخطط و من المكائد و لا ينقصهم غير هذا المبرّر الأخلاقي ، سأسألك يا سليل العروبة ، ما هو مبررك الأخلاقي لغزو جيرانك ، فقط سطعت فيك أحلام الجاهلية ذات ليلة ، فرأيت نفسك تحمل سيفك و تجندل النيام وتسبي نساءهم ، ما هكذا تصنع السياسات يا رجل بغداد .
لندن ، إذاعة حوض البحر الأبيض المتوسط ، راديو الجزائر ، راديو الرباط ، نبحث عن أمواج أخرى تقربنا من الحدث ، نريد أن نعرف ماذا يجري ، الكلّ ينتظر الحرب ، نعرف أن الأمر دعاية كبرى ، لكن ماذا سنفعل ، نحبّ أن نصدّق بعضا من الكذب أيضا ، ألم أفرح بما فعله تلبورين ، سأكذب هذه المرة على نفسي و أصدّق كذبتي ، و رغم ذلك أعرف أن العراق لن يصمد في وجه أمريكا أكثر من ثانيتين ، أبتسم ابتسامة سخرية كلما سمعت متحمّسا في مجلس يتباهى بجيش العراق ، و أسلحته الجبارة ، حتى السوفيات ، منذ لقاءات ريغان وغورباتشوف ، و ظهور ملامح البيروستريكا ، كنت أعلم أنّهم أصبحوا في مهب الرّيح ، كثيرون هم الذين قالوا لك يا صدّام عد إلى رشدك و اسحب عرباتك و مدرّعاتك ، ماذا تنتظر ، تريد أم تقدّم العراق و أهله قربانا لعظمتك ، لعنفوانك ، لطيشك ، لجبنك .

نتركهم يقرورون مصيرهم ، يكفي أنهم يسرقون منّا وقتنا ، و جهد عقولنا لنفهم ماذا يفعلون ، يكفي أن الميزانيات ، تبعثر في الصحاري و تخرج من فوهات المدافع ، ونحن في تالوين نناضل ، نبحث عن وجود حقيقي ، عن وجود كريم ، عن صنع ذواتنا ، عن الإنسان فينا ، نبحث عن هوية تليق بنا ، بعد إفلاس كل المشاريع .
لم أقل لكم أنه في هذه السنة استرجعت المركز الثالث ، إبراهيم غادر إلى أكادير إنه اختار العلوم الاقتصادية ، أنا اخترت العلوم الرياضية ، نالها طاب آخر غيري ، لذلك سأبقى هنا في تالوين و سأدرس العلوم التجريبية ، لن يتغير شيء ، نفس المواد نفس المعاملات ، هكذا انطلق الموسم على إيقاعات حرب الخليج الجديدة ، و على إيقاع المظاهرات التي تعمّ الشرق والغرب ، و الجرائد لا تكفّ عن التحريض، عن التحليل ، آه منك أيها الكاركاتوري ، ماذا تفعل يا فنان ، أنت أيضا تزيد النار زيتا ، ملامح العالم الجديد تظهر ، القوّة الأولى الإعلام ، ثم ماذا ، توظيف الحدث من أجل الربح ، بيع الجرائد ، الإقبال على المحطات الإذاعية و التطلع إلى التليفزيون ، نهاية مرحلة ، بداية أخرى ، بوش يقود العالم، إلى أين ؟ من يدري ، أهي العودة إلى زمن الاستعمار ، و ماذا ننتظر ، ربما فوّتنا فرصة الاستقلال ، و لم ننعم به كاملا حتى عاد هؤلاء وقد تعافوا من كمدات الحروب العالمية ، دون أن نعرف نحن أي شيء سنختار ، يضرب فينا الاشتراكي الليبرالي ، و التقدمي المحافظ ، نحن هنا فقدنا السيطرة ، يلعبون بآمالنا ، بطموحاتنا ، يسلطون بعضنا على بعض ، أليست صورة لبنان خير مثال عنّا ، يا بيروت ، ماذا فعل بك أهلك ، يعزّ علي أن أرى أرض الأدب و الفن تحولت إلى أنقاض ، أيها الشام ماذا فعلت في دنياك ، لكي تمزق شر ممزق ، الآن جاء دورك يا بابل مهد الحضارة الإنسانية ، مهد الحق والقانون ، منذ زمن حمورابي .
السياسة ليست عشوائية ، السياسة ليست انتحارا ، السياسة مناورة ، السياسة فن وجود ، متى تختار وجودا بالقوة ، متى تختار وجودا حقيقيا ، متى تختار المهادنة ، السياسة ابتكار ، السياسة إبداع لأنماط جديدة من التفاعل ، دون نسيان البعد الإنساني ، دون المجازفة بالبعد الحضاري ، ميس فراي ، جاءتنا من بلاد العمّ سام تعلمنا الأدب الأنجليزي ، لطيفة ودودة ، منذ العام الماضي وهي تحفّزنا على اكتساب لسان قومها ، لا نخفي إعجابنا بها ، ولا نخفي إعجابنا ببلاد الغرب ، "بزيز" يقول ، تخيلوا لو فتحت الأبواب إلى الغرب ، من سيبقى في هذه البلاد ، ماذا فعلتم بنا ، ماذا فعلنا بأنفسنا ، أي مصير هذا ، لا الوطن استطاع أن يحافظ علينا ،لا نحن استطعنا أن نحافظ عليه ، اختلطت المفاهيم ، من المذنب ، من الخائن ، من الذي يقول الحق ، من يكذب ، ما هذه العماية ، إنها بوادر الفوضى ، لا نستقر على رأي ، إنه الجنون . فراي تحاول الابتعاد بنا قدر الإمكان عن الخوض في السياسة ، لكنها فعلا لن تنجح ، تبكي و قد طالت ألسننا بلادها ، لكن هؤلاء لا يلعبون ، اقتربت ساعة الحسم ، ذهبت فراي إلى بلادها ، هؤلاء لا يفرطون في أبنائهم ، الفرد عندهم هو الأمة ، الأمة هي الفرد ، أما نحن ، فالغيوان ينشدون حالنا " حسبت عشرة وعشرة عارفت شحال تساوي ، القرن العشرين هذا وحنا عايشين عيشة الدبانة في البطانة ، مهمومة واخيي مهمومة ، مهمومة و هاد الدنيا مهمومة "



قديم 06-27-2016, 09:06 PM
المشاركة 58
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عمر صديقي الرابع ، متوسط القامة ، نحيف ، فنان في كرة القدم ، صلب في وقفته ، وسيم تغلّف وجهه سمرة خفيفة ، أنيق في ملبسه ، تحسّ به منظما ، "أوطّالب" هو فنّانه المفضّل ، يحفظ الكثير من إبدعات هذا "الرايس" ، هم سلسة روايس نقلوا الأغنية السّوسية من الطبيعة التقليدية على نمط الدمسيري و وهروش ، إلى إبداعات جديدة مع الحفاظ على الأصول و الإيقاعات والرّباب ، أمراكشي ، الباز ، أرسموك ، و أوطالب ، كلهم يغنّون الأغنية العاطفية ، أوطّالب يختلف عنهم ، ينسّمها بالأغنية الاجتماعية والسياسية سيرا على خطوات الدمسيري ، جميل عالم الفن ، أختي أمينة أيضا تحب أغاني أمراشي ، وأرسموك ، و أيضا الباز . عمر يشاركني حبّ الظاهرة الغيوانية ، و كذا ظاهرة تازنزات ، نتفاعل أيضا مع مجوعة إرشاش و مجموعة أودادن وإنضامن . عمر محبّ ، حبيبته في دواره ، عمر تريد منه حبيبته أن يتقدم لخطبتها ، أعرفه ، ربما سيفعلها يوما ، أحيانا كنت أصاحبه عند إبراهيم و إلى بيتي أيضا في الملت ، لكن هذا العام سيكون رفيقي الأول أيضا ، في غرفة اكتراها مع بعض رفاقه كنا نمضي الكثير من الوقت ، أحيانا نقضي الليل هناك كلّه ، ذات ليلة ممطرة جاءنا الورزازي عند الحادية عشر ليلا ، فقيه ، كان إمام مسجد أيضا في وقت ما ، الآن سائح في أرض الله ، يسترزق من الكتابة ، يكتب الأحراز ، يرسم الجداول ، يكتب بالزعفران ، تعجبني تموجات حروف يده اليسرى حين يكتب بها بقلم قصبي و التميمة تتدلى على ظهرها ، كان أيضا فتى ودودا جدّا ، يحبّ كرة القدم ، إن تخلّص من الجلباب أصبح فتى عصريا ، يعرف انتقاء ملابسه ، عينه عين فنان ، يمضي في هذه الغرفة عدة أيام ثم يغيب ، متى همّ بالخروج إلى عمله ، لبس جلبابه و الوقار يشع من عينيه ، متى رجع ، تخفّف من جلبابه ، و أوقد سيجارته بعد أن يعطرها بالحشيش ، إذا جاء الورزازي ، اطلب ما تشاء ، هو من يتولّى المصاريف حتّى يغادر ، كريم جدّا ، اليوم جاء رفقة شابّ آخر ، هو أيضا يرتدي جلبابا ، وجهه يوحي بأنه يفوت الورزازي سنّا ، أوقدنا الشمعة ، هيّأنا الشاي ، الورزازي أحضر معه لحما وخضرا و فواكه ، نصبنا الطنجرة ، أشعل الورزازي سيجارة ، منح أخرى لرفيقه ، بعد أن تخلصا من ثيابهما المبللة ، استبدلاها بملابس النوم ، استمرّ سمرنا حتّى وقت متأخر من اللّيل ، نتحدث من حديث إلى حديث ، لم أر رجلا يجلّ رفيقه كما رأيت الورزازي يفعل مع هذا الأطلسي ، مجرد أن يرفع الرجل كفه يصمت الورزازي ، رغم أنّهما يبدوان كصديقين ، لكن لا عجب ، فالورزازي قال لنا منذ البداية هذا شيخي ، هو من علّمه الكتابة ، هو من علمه جغارفية الخطوط ، هو من علّمه أنواع السحر ، هو من علّمه الشعوذة أيضا و بعض فنون التضليل ، منذ أن سلّمت على الشيخ وجدته اختطف نظرة إلى يدي ، عندما قدّمت له عود الثقاب فتحها قائلا ، أنت تستطيع أن تتحدث إلى الجنّ بسهولة ، قلت له لماذا ، قال هذا الخط يساعد على ذلك ، قلت له ، كيف ؟ قال إذا أردت أن تجرّب فالأمر لا يحتاج أكثر من نقطة صمغ وسط راحة يدك ، فتراهم رأي العين وتحدثهم بأريحية ، قلت له بارك الله فيك يا شيخ ، لا أريد أن أضيف عالم الجنّ إلى عالم الإنس ، يكفيني هذا العالم ، ربما هو الخوف ، و ربما هو عدم الإيمان بعلوم الشيخ و خطوط طوله و عرضه .

قريب عبد المومن ، واحد من رفاقي ، واحد من الذين هزمناهم في المسابقة الثقافية ، هو الآن معي في القسم ، هو صديق الورزازي ، و هو أيضا يشارك عمر في غرفة تابيا ، اقترحت عليه أن نتغيب حصّة الاجتماعيات ، يمتنع ، أجرّه ، يرضخ أخيرا ، نعم يا رفيقي أريد أن أتغيّب ، لكن أحتاج إلى رفقة ، أتريدني أن أكلّم نفسي ، يجب أن يكون هناك مؤنس ، ذهبنا إلى الغرفة ذاتها ، شربنا الشاي و أشعلنا المذياع ، أخبارالعراق لا تزال تغلي ، لا صوت يعلو على صوت الحرب . عندما دخلت عند أستاذ الاجتماعيات قال و قد فتح التلاميذ كتب التّاريخ ، اقرأ النصّ التاريخي يا نورالدين ، قبل أن أرمّش أردف ، آه ، لم تحضر الكتاب ، هناك بدأ يدخل و يخرج في الكلام ، عرفت أنه لمحني حين حرّضت قريب عبد المومن على الغياب في الحصّة الماضية ، يلقّب بروبير و الكل يعرف هذا الاسم على الأقل في بلادنا ، هذا واحد من المعاجم الفرنسية الأكثر شهرة ، هذا الأستاذ يحمل هذا اللّقب ، يقولون إنه يحفظ " بوتي روبير" عن ظهر قلب ، و قد يرشدك إلى الصفحة التّي توجد فيها الكلمة ، لم أختبر الرّجل لأعرف إن كان الإدعاء صحيحا، لكن هذا ممكن و ليس شيئا مستحيلا ، فطالب في تالوين احتفل في عامه الأخير بقراءة ألف كتاب ، من يريد القراءة فمكتبة الثانوية مفتوحة على الدّوام ، لا أذكر أن رجلي وطأتها يوما ، باستثناء بداية العام ونهايته ، حيث آخذ كتب المقرر و أعيدها في نهاية الموسم . لا أحبّ القراءة ، ماذا ؟ أن أقرأ الكتاب حرفا حرفا ، كم حرفا في الكتاب ، كم مدّة يستغرق ذلك ، أنا لا أملك وقتا إلا لنفسي ، لا أشبع من نفسي ، من ذاتي ، هنا أقرأ ، هنا أتعلم الكثير ممّا لا يعرفه الآخرون حتّى و لو قرأوا ألف كتاب ، يقولون أن روبير ينفق إلى ربع راتبه على الكتب ، نحن نحبّ أن نؤسطر النّاس ، هي الأسطورة في داخنا تعيش ، نحبّ أن نذيع الأخبار ، نزيدها ، نزوقها ، نلبسها هالة ، يقولون أيضا أنه كان أستاذا في العراق ، العراق شعب ثقافة وشعب أدب ، العراق مهد الحضارة ، العراق أمّة لوحده ، حاولت أن أقرأ الأسطورة في وجه الأستاذ ففشلت ، حتّى دروسه تكون عادية ، نعم تحسّ في كلامه بعض نفخة قد تقترب من أستاذ الرياضيات و أستاذ الفزياء يوم أكرهاني في التّعلم ، هو قصير أيضا مثلهم ، أتكون عقدة القصير هي التعالي ، أصحيح أن كلّ قصير فتنة ، لا أومن بهذا ، كما لا أعتقد بجنيّ شيخ الورزازي في كفّي ، روبير أعطاني في الدورة الأولى سبع نقاط من عشرين ، هو الوحيد الذي لم أصل عنده المعدّل ، حتى الفرنسية حصلت فيها على المعدل ، أحسّ روبير بفعلته ، جاءني بعد العطلة مشجعا ، آه.. كنت بارعا جدا. لماذا استسلمت يا روبير ، أنا أحبّ أن تكون معاندا ، تبقى في طريقك التي اخترتها ، أنا لا أحب أن تمدحني ، ذمّني يا روبير ، كما فعل زميل عمر في الغرفة ، ربما أصابه بعض غيرة ، فهو من الذين لا يفارقون الكناش صبحا و مساء ، ليلا و نهارا ، رغم ذلك نتائجه متوسطة ، هو فتى محبوب ، لكنه حدودي ، ليس اجتماعيا ، وصلني أنه يقول أصبح نورالدين يسكن في هذه الغرفة أكثر من أهلها ، مذ سمعت ذلك الكلام وأنا أبتعد ، أرواغ عمر و أراوغ قريب عبد المومن كما كنت أراوغ سعيدة والمعلّمة ، يا صديقي لا تخف ، أنا أستطيع الاعتماد على نفسي أكثر ممّا تظن ، أحسّ بكامل نشوتي وأنا وحيد في مكان خال جدّا ، تغنيني نفسي عن الجميع ، أنت لا تعرف نور الدين ، هذا كله الذي تراه لا يمثل منّي شيئا ، ذلك الضحك ، تلك الحيويّة ، حين أجدك تصدّع رأسك مع تمرين شيّب عزمك وأرشدك إلى الحلّ برشاقة ، هذا كلّه يا صديقي ، لا يقول لي شيئا ، ارتح ، و نم على جانب الراحة ، نورالدين لا يأمل شيئا في الدّنيا ، خذها أنت ، تمتع بالغرفة ، وتمتع ، فأنا مجرّد عابر، إنسان يسير فقط ، البداية يعلمها كما يعلم النهاية ، لكن يسير بغير هدى .
عمر اغتاظ وقد وصله نبأ زميله فأقسم بأغلظ أيمانه أن أصاحبه كلّ يوم إلى الغرفة ، ومن ضاق صدره فليشرب البحر.


قديم 06-28-2016, 07:43 PM
المشاركة 59
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وصلت رسالة أخرى من عمّي ، في الرسالة الماضية أعربت له عن قلقي لما يحدث ، الرسالة تحمل بعض التفاصيل ، ينصت جدّي بإمعان ، كلّ يوم يعود جدّي للموضوع ، هل خرج من الكويت يا بني ؟ ليس بعد ياجدّي ، لكن لا تقلق سيخرجونه من ثقب الإبرة . إنه ظالم يا بني ، لم يراع فيهم إلاّ و لا ذمّة ، جدّي قلق على ابنه ، لا أظنه يعير اهتماما لغير ذلك ، أشرح له ، يا جدّي إن سويسرا بعيدة عن الخليج بمئات الأميال ، إن أوربا آمنة مطمئنة ، رغم ذلك فهو مشوّش الذّهن ، عمّي اشتغل لأيام قليلة في سفارة العراق ، وجدهم يتّسمون ببعض غلظة ، هجرهم والتحق بسفارة الكويت ، وجدهم أناسا طيبين ، لم يمض فيها غير وقت قصير حتّى اختفت دولة الكويت ، يحكي عن تغيير كبير في الإجراءات الأمنية واكبت فترة الاحتلال ، السّفارة كما بيت السّفير مطوقة برجال الشرطة ، يحكي عن الجرح الكبير الذي حفره الحدث في نفوس الكويتيين . لا يعي قدر الضربة إلا من كان ظهره مستقرا لها . جدّي يكاد يفقد صوابه ، رغم تطميناتي و رسائل عمّي إلاّ أن روحه معتلّة . وصل اليوم المعلوم و أغلقت المدارس أبوابها طيلة الأسبوعين الأوّلين للحرب ، و أيّة حرب ، سباق يعدو فيه فرس واحد ، تنطلق الطائرات في فسحة و تفرغ ما بجعبتها من البارود ، تعود وتملأ خزاناتها من الوقود و الرصاص ، لتذهب مرة أخرى في تدمير منهجي لأركان الدولة ، أرأيت يا زعيم العروبة ماذا فعلت ، عاصفة هي في صحراء أم هي أمّ المعارك ، عندما أصبحت الحرب واقعا مألوفا عدنا إلى مقاعد الدّراسة . هي الحياة لابدّ أن تستمرّ ، بكيت أم ضحكت ، فلا بكاؤك يضايقها ولا ضحكك يبهجها . انتهت اللعبة ، سحب العراق جيوشه تحت وابل الرصاص ، و أعلن إذعانه لقرارات مجلس الأمن ، و أسدل الستار على فاجعة أخرى تنضاف لتاريخ هزائم نجترّها مع كلّ هزة عالمية، هي الأنظمة العالمية تبنى دوما على دمائنا دون أن نجد طريقة للاستفادة من إعادة الانتشار التي تحدث في العالم.
سيارة عمّي تقف أمام بيتنا ، ماهذا ياعمّي ثلاث سنوات و ستة أشهر من الغياب ، لكن لولا عملك في السفارة ما استطعت القدوم ، تسافر بجواز سفر دبلوماسي ، هي قوانين الهجرة آخذة في التشدّد ، كلها بوادر نظام عالميّ جديد ، سويسرا أولى البلدان التي ابتكرت هذه التجديدات . لماذا يا عمّي لم تذهب إلى فرنسا أو إيطاليا ، عندما تكون في سويسرا تظهر لك تلك الدّول متخلفة جدّا ، جدّي انفرج قلبه أخيرا ، الحاجّ في جلبابه الجديد ، و عمامته ، يزهو متقلدا محفظته ، لابسا نعليه الجديدين ، جدّتي لا تكاد الدنيا تسعها فرحا ، أبي يريد مزيدا من الدوفيز ، شممت أنّه ليس راضيا بما أخذه ، جدّي يشكوني لعمّي عند أول لقاء ، لا أذكر السّبب ، أخرج أتركهما معا ، لا تظن أنك وابنك يا جدّي ستمنحاني مفاتيح روما ، عمّي يلتحق بي في الحقل ، يقدّم لي سيجارة ، نتحاور ، يرطّب خاطري ، عمّتي انبسطت أسارير وجهها بعد أن أصابها بعض كدر في المدّة الأخيرة، لا أعرف ماذا وقع للمرأة ، ليست مرتاحة .
إلى البيضاء ، بحر من بني آدم يتحرك ، قد يصل سكانها إلى ثلاثة ملايين نسمة ، عاصمة أقتصاد المغرب ، من لا يعرف البيضاء ، من لا يعرف الرجاء و الوداد البيضاويين ، من لا يعرف سطاد دونور ، من لا يعرف مسجد الحسن الثاني كمعلمة بيضاوية حديثة العهد ، من لا يعرف عين الدياب ، الحي الحسني ، البرنوصي ، عين السبع ، الحي المحمدي ، سدي عثمان ، عين الشق ، من لا يعرف بن جدية ، القريعة ، درب عمر ، الحفاري ، من لا يعرف هذا في المغرب كلّه ، هي البيضاء تساوي المغرب والمغرب يساوي البيضاء ، كل دوار مهما كان صغيرا أو كبيرا ، ستجد عشرة على الأقل من أبنائه بالبيضاء ، كل عائلة في المغرب قد يكون لها قريب أو اثنان في البيضاء .


قديم 06-29-2016, 01:39 PM
المشاركة 60
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
دخلنا البيضاء صباحا بعد أن طوينا سبعمئة كيلومتر على ظهر مركبة عمّي ، زرنا خالتي في منزلها ، زرنا ابن عمّتي التي رافقتنا ، خالي الذي كان في المكتبة أصبح بيضاويا ، قد تكون الرحلة استغرقت مدّة قصيرة ، بضعة أيام فقط ، لكنها كافية لأعرف بلدي أكثر ، لأطّلع على أحوال أبناء بلدتي في البيضاء ، جلّهم يعانون في حياتهم ، هؤلاء المراهقون الذين يأتون صيفا بملابس مدنية أنيقة ، حياتهم هنا مقزّزة ، أجورهم أزهد من زهيدة ، كنت دائما أشمّ رائحة التعالي في مشيتهم ولم أجد لها مبرّرا ، يتحدّثون بلسان بيضاوي أحرش كلّما جاؤوا لزيارة الملت ، الآن عرفت لماذا ، إنها عقدة الدونية ترافقهم ، إنها لحظة تعويض عن كرامة مفقودة ، هؤلاء الذين سلخوني في موسم الرماة ثلاثة منهم هنا في البيضاء ، ابن عمّتي و ابنا عمّه و واحد من أبناء موسى وغيرهم كثير ، يعملون في مهن مختلفة ، لكن حالهم لا توحي بخير ، الآن عرفت لماذا يعود بعضهم بعد فترة إلى القرية مهزومين وقد أكلت المدينة زهرة أعمارهم ، أين المفرّ يا إخوان ، أنا الذي كنت أفكر في مغادرة الدّراسة ، إلى أين ستتجه يا نورالدين ، على الأقل المدرسة تسترنا ، هل أستطيع أن أتخلّى عن إنسانيتي لأعيش في البيضاء ، هل أنا أتحمّل الإهانة اللفظية ، لأتحمل ماهو أكبر منها ، أن تهان في إنسانيتك ، في مأكلك ، في مشربك ، في مسكنك ، في ثقافتك ، في وجودك ، ما هذا ؟ هل الحياة قاسية إلى هذا الحدّ ، لم أعلم هذا ، لم أكن أعرف أنّنا في القاع ، رأيت الكاريان ، رأيت الفئات المغلوبة على أمرها ، رأيت منبع "مهمومة "، رأيت و رأيت ، رغم أن عمّي يقصد في الغالب الأماكن الأكثر بهاء ، لكن كلّما هممنا بزيارة واحد من معارفه ، وجدت الحقيقة المرّة . رغم أنّنا شربنا القهوة في رحاب مقهى حياة ريجنسي ، أكبر فنادق البيضاء يومها ، و جلسنا على كورنيش عين الدياب و شربنا العصير بأضعاف أثمانه ، و رأيت فتيات اللّيل وجمالهن الخلاّب، كسواتهنّ وأحذيتهنّ من الماركات العالمية ، رغم هذا كلّه أحسست انقباضا يلفّ كياني ، خطفنا خطفة إلى مدينة المحمديّة ، أمضينا فترة الظهيرة على رمال شاطئها المنبسط الجذّاب ، يكاد يكون مشابها لشاطئ أكادير . رجعت من البيضاء وكلّي يقين أن النّاس يبدعون في تزييف حقائقهم ، كلّما رأيت أسرة ترفل في الخيلاء عندما تأتي إلى القرية ، و حقيقتها الهشّة في البيضاء ، وجدتني ، لا أستطيع أن أكون من سكّان هذا الكوكب ، عذرا أبي سامحني ، يوما غضب غضبا مريعا و سبّني سبّا رديئا ، لماذا لأنّني أكثر من متابعة كرة القدم . كان يعرف واقعه علم اليقين ، وكان يعرف حياة اللاعين في الدّيار الأوربية . لا يحقّ لي يا أبي أن أفرح بهم ، إنها خدعة كبرى ، نفرح لأفراحهم ، و نبكي لأتراحهم الزائفة ، فمن يشاركنا نحن هذا العويل الصّامت ، الذي نجد من العار البوح به ، و من العار النطق به ، بل يجب أن تستمر ، يجب أن تناضل و لو أنك ترى الأبواب موصدة عن آخرها .

موسم رماة تغزوت ، في اللّيل تتجه فرقة أحواش إلى الملعب ، يتقدمهم عميدها ، في صفّ يدخلون لكأنهم نسخة مكرّرة ، لا ترى غير الأبيض سروالا و قميصا و جلبابا و جوارب و نعالا و عمامة خفيفة كعصابة يشدّ بها رأس الراقص، الدفوف تحمى جلودها حتى تطن طرقاتها طنينا حاداّ ، تتناغم الإيقاعات بشكل عجيب ، و يتناوب أصحاب الدفوف في أخذ الريادة و استراق أضواء صعود الرقصة ، الراقصون في حركات متناغمة باليدين تتوج بتصفيقات مفصلة على مقاس الإيقاع ، تنخرط الأكتاف في ارتعاشة مميزة ، فينتقل مسّ أحواش السحريّ إلى الأرجل فتتوالى حركاتها العجيبة و ضرباتها على الأرض المرشوشة ماء اتقاء الغبار الكثيف ، لسان الراقصين لا يتوقف عن إنشاد آخر مقطع ممّا صدح به الشاعر منذ بداية الرقصة ، دخلت الصفّ وعمّي عبد السّلام لجولات عديدة ، أحسست انشراحا باهرا ، شيء في دواخلنا يحبّ هذا التماهي مع الإيقاعات ، مع ألحان الأشعار ، مع صوت الطبيعة .

 

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: لقاء مفتوح مع الاستاذ ياسر علي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب مفتوح .... فتحية الحمد منبر البوح الهادئ 4 02-15-2022 12:59 PM
لقاء مفتوح مع الأستاذ سامر العتيبي ...أسطـورة الفـن التشكـيلي ايوب صابر المقهى 5 04-18-2014 03:14 PM
من فمك نكتب سيرتك: لقاء مع الاستاذ نبيل احمد زيدان ايوب صابر المقهى 27 11-21-2012 02:46 AM
قلبي مفتوح على جرح !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 4 02-08-2012 11:26 PM
بوفيه مفتوح عبدالسلام حمزة منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 5 10-22-2010 03:09 AM

الساعة الآن 12:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.