قديم 06-19-2016, 06:46 PM
المشاركة 41
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
استاذ ياسر

استمر سيكون هناك عدة اسئلة حتما لكن دع هذا البوح يستمر الان...
مرحبا بكم أستاذي ، ومرحبا بأسئلتك في أي وقت .

قديم 06-19-2016, 06:56 PM
المشاركة 42
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في الملت لم تتعلق نفسي إلا بها ، صنم متحجر ، عادت من المدينة يوم سلبت فؤادي ، تصفيفة شعرها ، رشاقتها ، بريق سمرة خفيفة يشعّ من بشرتها، لمَ تعاملينني هكذا يا صبيّة ؟ قد أجلس بجانبها ساعة أو أكثر أغير في إيقاعات الكلام دون أن تنبس ببنت شفة ، ما قتلتني و ما أحيتني ، ما ردّت يوما أنها تقبلني و ما رفضتني ، عجيبة تلك القدرة ، عيناها مطأطأتان ، إمّا تصبّن الملابس عند السّاقية قرب بيتها ، أو تحشّ العشب الأخضر ، يا بنت الناس قولي بربك شيئا ، كذب من ادّعى أن القلب لا يحبّ إلا مرّة ، و كذب من قال أن حبّان لا يجتمعان في قلب واحد ، مجرّد هراء ، أو تعبير عن أنانية ، أو محاولة لمحاصرة الحبّ و جعله عاقلا ، يستأذنك إن كنت متفرغا له أو لا ، ستبقين في الذاكرة يا سلوتي ، و لو أنك معاندة ماهرة ، كما ستبقى لؤلؤة هي كل دنياي ، حقيقة اشتقت إليها كثيرا ، هل هي أيضا في انتظاري ، ترى لؤلؤة تعرف حقّا أنني غارق في حياضها ، مبتهل في رحابها ، لا يمكن أن لا تعرف ، هي الأنثى تحس دبيب النمل ، لا يمكن أن لا تفقه في وجهي ما يحمله ، لا يعقل أن لا تحس بما يجري ، أكان من حظي، أن لا تفهمني النساء ، يا سلوتي ، لماذا لا تقولين شيئا ، ينسيني هزيمتي أمامها ، أنت لا تعريفين لؤلؤة ، لولا أنّي أخاف عليك من الغيرة لحدّثتك عنها ، لقلت لك أنها ملك ، أنها فلق الفجر ، أنها قطرة ندى صافية ، أنها ابتسامة وردة ، أنها وأنها ، يا سلوتي ألا تردّين عليّ ، إن القلب يحكي والعين مكابرة على دمع فيها قد يتساقط أنهارا ، يا سلوتي ، لن أملّ ، إن لم يكن اليوم فغدا و إن لم يكن هذا العام فذاك ، ما تعلمت الاستسلام قطّ ، و ما كانت حياتي يوما سهلة ، لأنتظر الحب فيها يكون بسيطا .
عدنا إلى هناك ، كان حب الشباب يغزو وجهي ، يضايقني ، أفقسه بكماشة أبهامي وسبّابتي ، لا أريده أن يعكر ملاحتي ، لا أريد للؤلؤة أن تراني إلا مليحا ، كل يوم عيوني متعلقة بها ، لا أستطيع أن أحدّثها بالأمر ، لا أقوى على مواجهتها ، أحس نفسي عاجزا كلّما رأيتها ، هل الحبّ نوعان ، حب يدفعك إلى الاقدام ، وحب يزرع فيك اليأس ، تراني كتب عليّ هذا العذاب لوحدي ، الكثير من أصدقائي ، ما أحبّوا ، أو على الأقل ما ظهرت عليهم علاماته ، تراني أنا وحدي من يستحق لعنته ، غير معقول أن ينهزم نورالدين ، نورالدين كلّه ينهزم ، من سيهزمه ؟ امرأة ! يا للرجولة ، يا لهوانك يا نورالدين . سأقاوم ، أتركها لحالها أو أصارحها بما يدور في خلدي، لكن أين ؟ هن لا يفارقنها ، ألا تتركنها للحظة تستنشق عبير الحياة ، إن كنتن ثلاثا فكيف لي أن أحدّثها ، أنا لن أحدّثها حديثا عابرا ، لن أسألها عن الموادّ الدراسية ، لن أسألها عن أختها و أمها ، لن أحدثها عن برودة الطّقس ، أنت واهمة يا لؤلؤة إن ظننت أنّني أريد أن يستمع مخلوق لما دار بيننا من حديث ، لوحدك سأقول ، لك وحدك ، لكن أين و السؤال الأعظم هو متى ، متى سأكون مستعدّا وقد مضى عام على هذه الحال ، قد ألعب قد أمرح ، قد و قد ، لكن لا ، لا تنخدعي ، فأنا كئيب جدّا .
لحسن هو جليسي مرة أخرى ، السنة الأخيرة في الإعدادي ، طباعي لا تتغيير ، أنا هو أنا ، فقط أستاذ اللغة الفرنسية لا يحبّني ، رجل جادّ جدّا ، لا أخفيكم أنّني أفهم كل ما يقوله وكل ما يشرحه ، فتركيزي ليس ضعيفا ، لكن ذلك الربط العام ، والتموضع ضمن الإطار اللغوي هو ما ينقصني ، فالمعلومة تبقى مستقلة في ذهني ، لا يربطها رابط بأخرى ، لذا يصعب استرجاع ما يحتويه ذهني من المعلومات ، الموسيو لا يخاطبني باسمي أبدا فقط يقول "زميل لحسن" ، يا أستاذي ، إن أبي ذبح عقيقة عندما سمّاني نورالدّين ، لا يهمّ ، أحفظ أم لا ، مجتهد أو كسول ، قويّ أو ضعيف ، لا تنتظر منّي أن أستعطفك ، اضرب بكلّ قوتك ، أعطيني اثنان ، ثلاثة ، قف عند الصفر إن كان هذا يريحك ، لكن لا أحب الإهانة ، لا تجعلني أكرهك ، و لا تدفع بي إلى عوالم أنا قريب منها ، لا تحرق أعصابي ، فأنا محروق حتّى النخاع .
لحسن حقيقة يتقن الفرنسية ، وهناك من يتقنها أكثر منه بمراحل في القسم ، ربما قد أكون أضعف تلميذ في القسم ، و الفرنسية مادّة أساسية ، قطب كبير توازي العربية ، كما توازي الرياضيات أيضا ، ربما أنا لا أحفظ دروسي كما الآخرين ، ربما طباعي الخجولة تزداد حدّة ، لكن هذا كله لا يصوّغ لك الإهانة ، فهذا كله شيء و الإهانة شيء آخر . طربت روحي أيّما طرب عندما جاءنا يوما غضوبا ، على غير عادته ، فهو في الغالب هادئ وهادئ جدّا ، و لا أحد ينكر أنه من أحسن الأساتذة الذين تتلمدت على يدهم . ما الذي أغضبك يا أستاذ ، أغضبتك الحقيقة ، ماكنت تتوقع ذلك ، رضا الرتبة الاولى ، رضوان الرتبة الثانية ، نورالدين الرتبة الثالثة ، كلهم لم يحصلوا على المعدل في اللغة الفرنسية ، أين هؤلاء الأشاوس الذين بهم تتباهى كلّ يوم ، بالكاد حصّلوا على المعدّل أو أنهم ما شموه إطلاقا ، تواضع يا رجل ، فالفرنسية هي من لا تريدني ، ومن اليوم سأطلّقها طلاق الثلاث .


قديم 06-20-2016, 07:06 AM
المشاركة 43
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مرحبًا
تسلسل رائع في سرد هذا الكنز من الذكريات
منصتة باستمتاع

قديم 06-20-2016, 11:54 PM
المشاركة 44
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مرحبًا
تسلسل رائع في سرد هذا الكنز من الذكريات
منصتة باستمتاع
ممتن لك

و سعيد بوجودك بالقرب

تحية

قديم 06-20-2016, 11:59 PM
المشاركة 45
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تلبورين ، يغلق عينا و يفتح أخرى ، كلّما همّ بكذبة ، أو نفخت الشياطين في خيوط يعقدها ، قريب إلى نفسي رغم دهائه ، أعزّه رغم أنّني لا أرتاح دائما لخصاله ، فتى نبيه ، ربما كان من الذين لا تريد الحياة أن تبتسم لهم ، كان يدرس معي في السّنة الأولى ومنذ ذلك الحين ما اجتمعنا إلا في دار الطالب. عندما هممت بالمغادرة يوم السبت إلى بيتنا دسّ في جيبي رسالة ، و قال: "خبئها يا رجل "
كانت رسالة مكتوبة على نصف ورقة ، قرأتها ، طويتها ، أعدتها إلى جيبي ، في الطريق نحو بيتنا ، قرأتها أكثر من عدد الخطوات ، أقف ، أجلس ، أعيد قراءتها ، يا لعذوبة هذه التعابير ، قولوا للموت أن يأتيني اليوم فقد اكتفيت ، شربت من مدام السعادة حتّى ارتويت ، لؤلؤة تفتح ثغرها أخيرا ، ما هذا الدّلال ، ما هذا النصر يا صاحبي ، يا نور الدين نلت الأعالي و أنت لا تستحق غير الأعالي . هل استطعت النوم يومها ، أريد أن أخبر العالم كلّه أنّني أخيرا حظيت بها ، أليس الصبرمفتاح الفرج يا إخوان ، كنت أعرف أنها لن تستطيع الصمود أكثر من هذا ، كان لابدّ أن تبادر ، يكفي من النظرات ، سنعبر إلى الهمسات ، ما لنا والعبرات ، يكفي ما نالت الروح من السّهاد ، في الملت خرجت في تلك الليّلة ، أبحث عن القمر متى يلتحق بي ، أريد أن أرسله إليها يحدثها أنّني بخير . أريد للنجوم أن تزغرد ، أريد للكون أن يبتهج .
الآن الجواب ، سأكتبه بريشة مضمخة بالزعفران ، سأكتبه بماء الورد ، سأكتب و أكتب ، ما كتبت يا جميل ، سأكتب بروح المسك فتعطر رسالتي الفضاء ، سأكتب بالعنبر يا لؤلؤة . آه يا لؤلؤة الخيرات ، كم أطربني حرفك الناعم .
عدت الإثنين ، ابتسمت في وجهها ، فهوت بعينيها إلى الأرض ، لا تزالين خجولة ، أنا أتفهّم هذا ، لن أحرجك ، هو الحبّ يبهدلنا ، يضخّم فينا الحرص ، يخيفنا ، حتى مصارحة النفس أحيانا متعبة ، لن أقسو عليك يا لؤلؤة ، أمامنا العمر كلّه .
تلبورين في الثانية عشر عندما هممنا بتناول الغداء جاءني بربع ورقة ، فيها عتاب على تأخر ردّي ، أحسست أن الأمر فيه بعض من "إنّ" ، و لماذا لا يكون كثيرا من "إنّ" يا نورالدين ، قد تخطئ لؤلؤة و ترسل رسالة مع مثل هذا الصّعلوك ، و لكن متأكّد أنها لن تعيد الخطأ ، متأكد أن نفسها عزيزة ، لن تهبط إلى هذا المستوى الرخيص ، إرسال رسالة حب إلى نورالدين عن طريق وسيط ، هذا غير مقبول ، هذه المرّة استصغرت الرسالة ، و الورقة التي تحملها ، و من سوّلت له نفسه الرّكوب على مشاعري ، لم أحدّثه عنها و لا عن الرسالة ، بل تركته في دار الغافلين حتى إذا همّ بأخذ دفاتره ، عندها سلبته واحدا منها . مذ فتحته كانت حروفه وحروف الرسالة على نفس الإيقاع، تريد أن تلعب معي يا عقل عصفور.
كنت أعرفه من قبل و من بعد ، لكن أحيانا نحبّ أن نكذب على أنفسنا ، نحبّ من يكذب فنصدّقة ، نريد الانتشاء و لو كذبا ، نريد الانعتاق و لو بهتانا ، نريد وجودا مغشوشا ، كيف لا و قد أغلقت منافذ الوجود البسيط ، الوجود الحقيقي ، فلتكذب يا تلبورين ، فلتزدني كذبا على كذب ، فما حياتي غير كذبة كبيرة .

عمّي غادر إلى وراء البحار ، لن يعود حتّى يلج الجمل من سمّ الخياط ، أنا أعرفه جيّدا ، هو أيضا كابد ، هو أيضا روح طيبة ، فكان لزاما أن تنال العقاب ، هل ننال إلا ما اقترفنا بحقّ أنفسنا ، هي الحياة ليست لعبة ، ليست مجرّد حبّ للخير و مغازلته ، هي ليست قصيدة جميلة تغنيها فتلتئم الجراح ، ليست نكتة باسمة فتنفجر الدنيا ألقا ، الدّنيا غير هذا ، الدنيا صراع ، الدنيا قدرة على القفز ، قدرة على المناورة ، قدرة على ممارسة التجبّر . كان منذ القدم يراسل برامج إذاعة سويسرا العالمية ، هكذا أنت يا عمّي ما أن تضع هدفا أمامك إلا وسعيت إلى تحقيقه ، قاومت بما فيه الكفاية ، يجب أن تذهب إلى بلاد نظيفة ، بلاد تضمد جراحك ، من المؤسف حقّا أن لا تستطيع بلادك أن تعطيك الطمأنينة ، ما أصعب أن تحس غربة داخل الوطن ، تحسّ وحشة في حضرة الأهل . جينيف ، بلاد الثلج ، بلاد المطاعم الفاخرة ، بلاد الرّوعة والجمال ، تستحقّ ابتسامة ، تستحقّ كلّ الخير يا ولد الخير .
لن أخاف عليك ، أعرف أنك قادر على بناء حياتك ، أنت أيضا ممن يحفرون في الصّخر ، لا تحتاج إلى من يأخذ بيدك ، ولا ترضى به حتّى و إن وجد ، أنت تحبّ السيطرة على وضعك ، تحبّ أن تمتلك ناصيتك بيدك ، لن أخاف عليك ، فعقل جبّار كالذي تحمله لن يخونك أبدا . جدّيّ أنت ، أراقبك حتى في تلك اللحظات القصيرة التّي كنت تقضيها معنا ، أراك تكتب وتكتب المعادلات ، تملأ الأوراق ، تحب أن تصل ، وستصل يوما ، متأكد من هذا .

قديم 06-21-2016, 06:03 PM
المشاركة 46
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إلى أكادير رافقت أمّي لتحضر عرسا لأحد أقربائها ، وجدت المدينة مقطّبة ، تنسج حكاية شوق ، حكاية أرملة تجمّدت الرّقة في أوصالها ، غيّم الشحوب على أساريرها، برك القنوط على قلبها وأثقل على صدرها فشقّ عليها زفر الآهات ، كان العرس عند أصحابه مريحا ، الحنّاء يشعّ من الأيادي والأقدام ، الأطفال كما النساء في صعود وهبوط بين الدورين ، وجوه الصبايا تشرق منها البهجة ، أمّا أنا فهذا كله عبث في عبث ، في الدور العلوي من هذا المنزل كان يسكن عمّي ، في غرفة الزّاوية ، كان سريره ، مكتبه ، أوراق و أقلام من النوع الرفيع ، صورة لصديقته التي تسكن هناك في المهجر ، رسائلها متناغمة الحروف كلوحات عجيبة . أحسست بأنّني فقدت الكثير بذهابك ، بعض الأشخاص لا ندرك أهميتهم حتى نفتقدهم . عبد السلام ليس شخصا عاديا ، بدأ رحلته التعليمية من أساكي ، و التحق بأولوز ، تذكرون حفلة البيرو ، هناك حصل على الشهادة الابتدائية ، ثم رحل إلى أولاد برحيل ، و منها إلى تارودانت و هوارة و إنزكان ، كان علميّ التوجّه ، كان نجيبا وكان ذكيا ، لكن الحظ خانه في انتزاع الباكلوريا ، حاول مرة أخرى لكنه فشل ، ليترك التعليم متجها إلى التكوين ، حصّل على ديبلومه ، واشتغل في القطاع العام ، لم يكمل هناك سنتين حتى قرر الرحيل .
أوربا حلم الشباب المغربي ، شيء طبيعي ، فمن غير المعقول أن تكون جار الجنّة و ترضى بالنار ، قصة الكوخ والقصر تلك ليست إلا أكذوبة أخرى ، هي الحياة واقع ، لا يمكن أن تكون معك سيارة و تسافر بالجمل ، لا يعقل أن تمتلك طائرة و ترضى السفر بسيارة . الهجرة يرى فيها العديدون الحلّ ، قريب أمّي هذا يوجد هو أيضا في فرنسا ، أولاده بسيطون تعليميا وثقافيا ، لكنهم لا يعانون مع لقمة الخبز ، أولاده الصغار في مثل سنّي تحسّ البلادة تقطر من معارفهم ، لكن يوما سيكونون أفضل وضعا منّا بدرجات كثيرة حتى ونحن نكابد . إنه منطق المكان يفعل فعلته .
لذلك لا بد أن أكون متجهما ، أشعر بحياتي ، أحسّ دقائقها ، أعيش اللحظة بكل تفاصيلها ، أعيش الفراق فراقا ، أعيش اللاعدالة كلاعدالة و ليست كشيء يجب التعايش معه ، أنا لن أتعايش حتى وإن كنت قادرا على التظاهر بانّي متعايش إلى أقصى الحدود ، فألعب مع إخوة العريس ، و أطوف معهم أيت ملول ، و نتسكع ، و نتحرش بالبنات ، و ..و .. ، لكن هذا كله شيء و الإحساس بعدم الأمان هو القاعدة ، هو الحقيقة . فعندما يستسلم الجميع للنوم ، هنا نور الدين يجب أن يعرف ماذا يجري ، يجب أن يرتّب يومه وإلا ضاع إلى الأبد ، يجب أن يهضم هذه المتناقضات و يحاول أن يجعلها تتواءم . محادثة النفس ، تكاد الذات تكتفي بعالمها لوحده ، يكاد يكون العالم الخارجي ، هينا ضعيفا ، تكاد تكون الدنيا كلها لا تساوي جناح بعوضة ، في حضور الذات ، في حضور النفس ، تسير معها ، تطوف العوالم الجميلة.
لا أحتاج أن أقول لكم أنّني نجحت في الإعدادي و انتقلت إلى الثانوي ، أنهينا الدّرس و جمعنا الحبوب والتبن و جنينا الأركان و سلوى معاندة ، حتى ونحن في الجبل ، و أنا أحدّث صديقتها لترغبها في الحديث معي ، لكنها تكتفي بضحكة ماكرة أحيانا أو تتجاهلنا نحن الإثنين وتذهب نحو شجرة أخرى لتلتقط الحب هناك ، طبعا فأنا لا أملّ ، بعد حين سأعاود الكرة ، لكنها هي أيضا ستفعل الشيء ذاته أو تبقى بلا حراك .
في هذا الصيف بالذّات بدأت أدوّن بعض ملاحظات في مذكرة صغيرة ، غايتي طبعا ليست الكتابة بدقر ما وضعت معايير معينة لأرى منسوب سعادتي صيفا ، و هي الفترة الأكثر سعادة في السنة ، أدون ماحدث كل يوم ، و عند النوم أسجّل النّقطة ، أنا أمتحن أيّامي ، لم أعرف أنّني بخيل إلا في تلك الفترة ، لا أحد من أيّامي نال المعدّل ، عرفت مقدار كآبتي ، وتركت تلك اللعبة المريضة .

قديم 06-22-2016, 02:27 AM
المشاركة 47
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تسع سنوات مضت منذ أن أرغمت على الجلوس قبالة هذا اللوح الأسود ، كم مرة امتلأت ومسحناك ، كم مرة أبهجتني أيها الشريط الأسود ، كم مرة قصمت ظهرى ، كم مرة حاولت الـتّأقلم مع عالمك ، أن تكون مألوفا أن لا أحس انقباضا و أنا أدخل عليك بعد غياب ، كل مرّة أجدني أحسّ تلك الرعشة التي أخذت بيدي و أنا أحمل الرّيشة في أساكي ، كل عام نلتقي بأساتذة جدد ، كل مرّة يجب أن تبدل جهدا للتّأقلم ، هذه المرة جاءنا ضيوف ، نحن قلّة قليلة في هذا الفصل من أبناء تالوين ، أبناء أولاد برحيل هم الأكثرية الساحقة ، نحن مجرد حفنة ضئيلة ، عزيز جليسي و من ؟ العاقل و أخته ، و من أيضا ؟ الفتاة الذكية ، ومن يا إلهي أيضا لا أذكر ، حسنا الآن تذكرت لؤلؤة ، أخيرا جاءت بك الأقدار. وجدت نفسي صغيرا جدّا بين هذه الأجساد الضخمة ، لو أكملت تعليمي في أساكي لعرفتكم جميعا ، أساكي ترسل تلاميذها إلى أولاد برحيل ، كنت على الدّوام الأصغر في فصلي سنّا ، ماعدا في القسم الخامس فأكبر المحتلّ للمرتبة الثّانية بشهرين ، لؤلؤة أيضا في سنّه . يا إلهي هذا تحدّ يكبرني ، ما الحلّ ؟ التمسكن ، إظهار اللامبالاة ، حتى تظهر خريطة القسم ، أول تشخيص عند الرياضيات ، حصلت نقطة يتيمة من عشرين نقطة ، ما هذا يا إلهي ؟ ما يعزي النفس أن لا أحد حصّل على المعدّل إلا واحدا أو إثنين ، العاقل حصل نصف نقطة فتحشرج صوته ، عند الفزياء والكمياء لا أفقه شيئا ، عند الطبيعيات الأمور سلسة ، عند الفرنسية أول تقييم نقطة من عشرين نقطة والأستاذ مجرّد بهلوان، عمّ الضباب عينيّ ، ليس فقط لانّني هزيل ، بل لأنها هنا . لا يعقل هذا ، أين المفرّ يا ناس ، مستواي لا يقدم صورة مرضية لي أوّلا ، و كيف سيترك استحسانا لدى الغير ، غير مجد هذا السباق ، هذا رهان خاسر مئة في المئة ، انهزمت روحي انهزاما ساحقا منذ البداية ، لم يمرّ شهر بعد حتى عرفت أن دخول القبر خير لي من أن أوضع في مكان لا أوجد فيه بقوّة ، لكن ما العمل ؟ أحفظ ، أثابر ، لا هذا ليس من طباعي ، أنا لا أحفظ ، أنا فقط أجلس في القسم و أذني تتكفل بالباقي ، لكن هذه المرة لست مستعدا لشيء ، حالتي النفسيّة منهارة ، ضعفت أكثر من اللازم ، ما أنقض ظهرك يا نورالدين ، هل هي الفتاة ، أم الأساتذة ، أم الزّملاء ، كم يكفيك من إظهار التجاهل و في داخلك حرب ضروس ، كم يكفيك من طأطأة الرأس و أنت تحس رفرفة بعوضة في مكان قصي في القسم ، هذا سجن حقيقي يا عالم ، بربكم أين المفر ، أريد أن أتنفس ، أريد أن أعيش ، لا أريد لؤلؤة ، لا أريد مرتبة مشرفة ، أريد نفسي فقط ، أريد نورالدين ، أين أنا ، لم أخلق لهكذا ظروف أبدا ، أن أكون مجرد بضاعة مجزاة ، أن أكون تافه الوجود ، كم تكبدت من الجهد لأقبل المبيت في ديار غيري لكأنّني سليل أسرة معدمة ، كم جهدا أضعت و أنا أحاول قبول أنّني نزيل من نزلاء دار الطالب ، كم جهدا قاسيته لاقبل أنّي من أسرة فقيرة ، كم جهدا أتيت لأتخلى عن حقّي في اللعب و قبلت بممارسة الأشغال الشّاقة ، هل بعد كل هذا تطالبونني بالمزيد ، هذا ليس عدلا ، هذا مرض ، التافه وحده من يرجو الخلاص و هو يرى بأمّ عينيه أن لا خلاص ، ألوم نفسي لماذا لا تكون يا نورالدّن أعلم النّاس ، لماذا لا تكون أشجع الناس ، لماذا لا يكون جسدك الأقوى بينهم ، لماذا و لماذا ؟ ليس الأمر بسيطا يا إخوان ، لا أستطيع المقاومة ، لا أستطيع أن أحقّق ذاتي .
ما لهذا الطاووس يمشي على أصابعه ، ألكونه قصيرا يحبّ أن ينطّ في مشيته ككرة شربت من الهواء ما يزيد على حاجتها، أستاذ الرياضيات ، مدينة البيضاء ، يا لخسارة مدرسة لا تنجب إنسانا ، هو يشرح دروسه و أكثر ، لكنّه فاقد للإنسانية ، ما أخطأ تلميذ قط و لم يتلقّ منه إهانة ، ما قام طالب إلى السّبورة إلا أحسست الارتباك ظاهرا على وقفته ، كلما رأيت تلك المشاهد امتلكني اختناق ما ، ازداد حنقي وغضبي ، حتى إن وجدت واحدا جريئا عيّره بأنه ليس ولد ريغان ، من ريغان يا أستاذ أليس مجرد راع للبقر ، أليس إلا ممثّلا هليوديا فاشلا تمت ترقيته إلى البيت الأبيض . الفزياء ، هو أيضا قصير يحس بنفسه أحسن من إنشطاين ، يشرح بالفرنسية ، أنا لا أفهم شيئا وحقيقة كلما غابت الإنسانية عند شخص ما ، لا أحب حتى أن أسمعه . الفرنسية رغم أنها أدبية إلاّ أن معاملها تم رفعه ليرتقي إلى مصاف المواد العلمية لأنها ضرورية في الحياة العمليّة ، أستاذ مراهق لكن سرعان ماتمّ تبديله بأستاذ مهرّج . الأنجليزية منذ البداية أحسست أنها لن تكون أحسن حظّا من الفرنسية ، فعيبي هو عدم القدرة على الالتزام ومصاحبة الكنّاش رغم أن أستاذها عسل .
الحل هو الغياب ، في الوادي أمضي أغلب أيام الأسبوع ، فحتّى الإدارة عرفت أنها لا تراقب جيّدا ملف الغياب ، فيكفي أن أختار اليوم الذي يغفل فيه الأساتذة عن تسجبل الغياب لألتحق في اليوم التالي دون الحاجة لإحضار ورقة الدّخول ، أحيانا ينفع الذكاء حتى في الأشياء التافهة .

قديم 06-22-2016, 05:19 PM
المشاركة 48
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جاءت عطلة دجنبر ، تنفست الصّعداء ، إلى أين سأمضي ، أحتاج إلى تغيير الجوّ ، حدّثت أمّي بالأمر ، انتزعت رخصة مشروطة عند أبي ، تبيع الثوم في أكادير ، كيف يا أبي ، هذا الثوم فاسد أغلبه ، وكساد هذا العام لا مثيل له ، رغم ذلك ، لا تتعب نفسك ، القرار نافد نافد . في سوق الجملة لا أحد ساومني ، بتت أحمله عبر أسواق أكادير كبائع بالتقسيط ، خميس تيكوين ، سوق الحد ، ثلثاء انزكّان ، أسايس أيت ملول ، عبد المالك معي ، يساعدني ، يحمل معي الأكياس ، أطوف حول الدّكاكين ، من يريد الثوم ؟ حتّى انقضت العطلة . كنت أحمل معي ورقة من مئة درهم عند خروجي من الملت ، وعند عودتي ، رجعت بمئة درهم ، لم تفقد شيئا و ما ربحت شيئا يا أبي .
بدأنا الدورة الثانية به ، استوينا على المقاعد أو لا نكاد حتىّ سمعت إسمي ينطق على لسانه باللكنة البيضاوية الجافة ، قم و صحّح التمرين الأول ، قمت وبعض تثاقل يكبّل مشيتي ، سألته عن أي تمرين يتحدث ، قدّم لي ورقة أسئلة الامتحان . أنهيت التمرين و جلست على مقعدي ، لم يجد ما يكدّر به يومي ، هذا الشكّاك أعرف ما به ، ظن أنّني غششت في الامتحان ، هذا ما وسوست لك به نفسك ، أفاجئه لأصطاده حيّا ، نطقت أو لم تنطق ، رمّشت عيناك أو لم ترمّشا ، تحركت ، يمينا أو شمالا ، فأنا أعرفك جيّدا ، فقط لا أزال أتحمّل ، عساني أجد روحي ، لكن متأكد أن حدسي لا يخونني أبدا ، أنا لن أندمج ، فقط وجب الاحتياط ، وجب التعقّل ، في آخر الحصّة تلا علينا بيان النقط ، لم تكن نقطتي قوية و ماكانت ضعيفة ، ثلاثة عشر نقطة و نصف النقطة من عشرين . لم تفرحني نقطتي ، و لم تحزنني ، حالة من جمود المشاعر ، ربما نقطة الطبيعيات كانت على نفس المنوال ، لكن الفزياء قهرتني ، ستة من عشرين ، و الفرنسية كبّلتني ، أربعة من عشرين ، وجدت نفسي في المرتبة الثامنة عشر من واحد و ثلاثين تلميذا ، رغم أنّني حصلت على المعدّل ، لكن ما أبهجني شيء من هذا كله ، أعرف أنّني لن أتقدم أكثر من هذا ، وجبت الاستراحة ، آن لهذا العقل أن يستريح ، أن أبتعد عن المرتبة الأولى بعد الشمس عن القمر ، هذا لا أقبله ، قد أقبل ترتيبا كيفما كان نوعه ، لكن أن أحس مسافة ضوئية بين نقطي ونقط الحاصل على المرتبة الأولى ، عشرة و بعض السينتات ، و أخت العاقل حصدت ستة عشر و أكثر ، هذا الوضع لم أجربه سابقا ، هذا الوضع غير لائق بفتى اسمه نورالدين .
نعم يا أمّي لأجلك صبرت الشهور الثلاث ، لا أريد لضميري أن يوبّخني أكثر ، لا أريد أن أكون خارج أسوار المدرسة و زملائي داخلها ، المواظبة هي آخر قلاع التزاماتي ، وجب حلّ الأحزمة ، و فكّ القيود ، أنا يا أمّي لا أستطيع تقبّل الإهانة ، هنا في الوادي ، أشرب سيجارة ، إن لم تهدّئ من أعصابي عطرتها ببعض حشيش ، كل يوم مع فتاة تنسيني همّي وتنسيني لؤلؤة ، وهكذا العمر يمضي ، بين الفينة والفينة أطّل على زملائي ، لأعرف ما يروج في فضائهم ، هكذا حتّى ينقضي هذا العام البئيس .
ناس الغيوان تغنّي : "مهمومة واخيي مهمومة ، مهمومة وهاد الدنيا مهمومة" تغير الإقاع و الألحان ، الظاهرة الغيوانية ، صرخة نفس بيضاوية جريحة ، صرخة ضد الظلم ، ضد الفقر ، ضد الحاجة ، ضد التهميش ، ضد الاستبداد ، جيل جلالة ، المشاهب ، السهام ، فرق تغني دمعتي الحزينة . أرشاش ، عبدالهادي إزنزارن ، صوت سوس المقهور ، يزرع الثورة في دمائي ، شعري ملولب على رأسي ، عفوت عنه من القص المنتظم ، يجب أن يعلن حالة الحداد ، عيناي لاأفتح منهما إلا قليلا لا أحبّ لهما أن تكونا بريئتين . هذا ما تفعله بنا الأيام .


قديم 06-23-2016, 05:13 AM
المشاركة 49
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الكبير ثاني أصدقائي ، فتى من أولاد برحيل ، إنسان ، يحزّ في نفسي أن رفقتي من أسباب تقاعسه عن المثابرة ، أظنه يملك القدرة على النّجاح ، على كلّ حال ، لكي تكون قادرا على المتابعة ، يجب أن يكون ظهرك مسنودا ، عبدالكبير مكشوف الظّهر تماما ، ما أن يفقد منحة القسم الدّاخلي حتى يكون الشارع مأواه ، إنه إنسان بدرجة إنسان ، هادئ جدّا قليل الكلام ، قليل الضحك ، ليس صاخبا مثلي ، إن ضحكت قهقه المكان ، وإن غضبت شدّت الجدران رؤوسها ، عبد الكبير يحدّثني غاضبا :" يجب أن تحضر امتحانات آخر السنة " يشاركني الغياب بعض السّاعات فقط ، لكن أنا أصبحت مدمنا أكثر من اللازم ، أعرف أنّني لن أنجح ، أعرف أنّني ما درست شيئا هذا العام ، أعرف الكثير من الأشياء ، لكن هو مصرّ على أن أذهب للامتحان ، مجرد مشاركة ، أحسست لكأنه ينقل لي رسالة قبل أن نفترق ، شعرت به كما لو يهمس لي ، إنك على الطريق الخاطئ ، عبدالكبير ذهب منذ تلك الفترة ، عبد المومن هو أيضا ذهب العام الماضي لكنه مخلص في مراسلتي من الرباط .
دادسي ، فتى مقبول جدّا ، أظنه الأذكى في كل هؤلاء الذين أتوا من أولاد برحيل ، كنت أجلس معه لفترة عندما كنت مواظبا ، أعرف قدرته على التركيز ، كما قلت لكم ، يصعب أن أعترف بالذكاء لأحد ما لم أحس فعلا أنه ذكي ، أغلبهم ملتزمون ، و أغلب أبناء تالوين أيضا ملتزمون ، هذا ما يجعلهم أقوياء ، فهل الحياة تريد ذكاء أم التزاما ؟ لا أعتقد أن الذكاء هو محور الحياة ، فالذي كنت أدرس معه في تغزوت و كان يحتل المرتبة الثّانية عند المعلمة ، لو استطاع الاتزام والبقاء معنا ، ما شمّ واحد من كل هؤلاء الرتبة الأولى ، قدرات غير عادية إطلاقا ، العديد من أمثاله ، لا يستطيعون الالتزام ، يحسون الملل سريعا ، يستشعرون الضجر . الحياة المجتمعية التزام ، لكنها مجرد حياة رتيبة ، مجرد انصهار مع الطقوس ، التآلف والمجتمع ، الانخراط في تلك المعمعة ، أخذ مكانة و التمسك بتقاليدها ، دادسي أنت ذكي يا رجل . لؤلؤة لم أحدّثها بما في داخلي ،لأسباب كثيرة ، أولها أنّني لا أستطيع الالتزام بتبعات حبها طوال الوقت ، و أيضا أحسست ضعفا أمامها .
أخت العاقل أنقذت ماء وجه تالوين ، أمام أباطرة أولاد برحيل ، مهما حفظوا ، ومهما استعانوا بكل ما أوتوا من دهاء و تعاون ، فهم لا يستطيعون الالتحاق بها ، الفتاة الذكية هي أيضا لا ترضى إلا بمعدلات عالية . أستاذ الرياضيات سقطت في فخ خطته ، فلا أظنه يريد غير ما فعلت بنفسي .

جدّي يسألني : "هل من جديد عن أخبارعمّك ، لقد طال غيابه ، هات المسّجلة و البطاريات يابني ، أعطاني الشريط ، وضعته في مخدعه كما كل مرّة ، و صوت عمّي لكأنه جالس معنا ، يقرئنا السّلام واحدا واحدا ، يتحدث عن سويسرا ، إنه يقدّم ربورطاجا حيّا عن البلاد التي تستضيفه ، لكأنه يغرينا بالسفر إليها ، لاشك أنت مستمتع جدّا ، تعقّب جدّتي مغمغمة ، يتصدى لها جدّي :" اصمتي يا رقية ، يا لطيف ، لا يهنأ لك بال حتّى تثيري أعصابي "جدّي يعيش مع الشريط ثانية ثانية كما لو أنه يسمعه أول مرة ، يجلس القرصاء مقربا منه المسجلة ، لعله يحمي ولده من مكروه ، لم أر حبّا خارقا كهذا ، أبي يريدني أن أكتب لعمّي في محاولة لوضعه في الصّورة ، أبي يخاف أن يعجب عمّي بالشقراوات فينسى أصله و فصله ، أبي ينتظر العملة الصّعبة تهبط كالمطر ، جدّي يوصيني ، إياك أن تزعجه في رسالة يابنيّ ، قل له إنّنا بألف خير ، لا ينقصنا شيء أبدا ، قل له أننا راضون عليه :"آه... يا بني" يكاد الدّمع يغالبه ، جدّتي تريد التدخّل ، " ألم أقل لك يا رقية كفى ، لا تزعجوا الولد ، أتركوه يعيش بسلام ، أليس لكم شغل إلاّ أن تثقلوا عليه . "
أكتب الرسالة ملمّحا إلى ما يقضّ مضجع أبي ، أضيف إليها رغبة جدّي ، أقرأها على أبي فلا يستحسنها ، وأقرأها على جدّي فلا تعجبه ، فأضل بينهما أعدّل ، وفي الأخير أكتب ما أجده وسطا.

قديم 06-23-2016, 05:49 PM
المشاركة 50
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عكس ما ظننت ، فأبي ما علّق على رسوبي ، لكن حين اقترب الموسم الجديد أوجز بحزم ، أمامك خياران ، إمّا أن تقرأ بجدّ ، و إمّا أن تغادر بالمرّة . حقيقة كنت أفكر طوال السّنة في التخلي عن الدراسة. لكن ساعة الحسم وجدتني أقبل بالعودة إليها. لست أدري لماذا أقدمت على هذا الاختيار ، هل هو إدمان التمدرس ، هل هو الخوف من المسؤولية ، هل هو جبن مبطّن و رعب من مخالطة المجتمع ، هل هو خذلان لطموح الذات في الاستقلال ، هل هو رضوخ للمجتمع ، هل هو الخوف من المجهول ، هل هو التعقل ، لابد في هذا القرار شيء من ذلك كله.
في اليوم الأول صدّني مسؤولو دار الطالب عن التسجيل ، لماذا ؟ يجيبني المقتصد ، هذا قرار السيد المدير ، لحقت بأبي في السوق ، سألني عن سير الأمور ، أعلمته بالمستجدّ فردّ بعد أن تنهّد بعمق :" هل رأيت المدير ؟ " لم يلتحق بعد بالإدارة ، حزم همّته و قال : " هيّا سنرى ما يمكننا فعله " ما إن وصلنا إلى البناية و بدأ أبي يستفسر عن أسباب الرفض إذ بالمدير آت . "ماذا عندك ؟ " نطقها المدير بكثير من الجرأة ، تفضّل أبي ملطّفا حديثه ، أريد أن أسجل ولدي هذا ، تدخّل المقتصد شارحا الحالة ، غمغم المدير : " إذن أنت منهم ، هيّا معي إلى الإدارة " هناك أخرج ملفّي ، وبدأ يشرح : "انظر ولدك هذا ، في الدورة الأولى نتائجه مقبولة ، في الدورة الثانية بداية التقهقر، لكن هنا في الثالثة يتسلقط الصعلوك ، هنا يسرق الشفار ، هنا يعتدي على هيبة المؤسسة ، لا أريد أن أرى شخصا بهذه المواصفات في هذه المؤسسة ." حاول أبي استعطافه ، لكن المدير خرج من الإدارة و من البناية .
في طريقنا إلى السوق ، كادت عينا أبي تدمعان : " هذه آخرتها يا نورالدّين ، أن تكون لصّا ، زنديقا ، متصعلكا ، ماذا اقترفت في دنياي يا إلهي ." أبي لا تصدّق هذا إنه يكذب ، لم أسرق يوما ، و لست كما يقول ، إنها تصفية حسابات ، فقط كان يريد أن يغلق دار الطالب عند نهاية السنة الماضية ، و وقف في وجهه طلبة الثانوي ، وأرغموه على استمرار تقديم خدماتها حتى تنتهي الامتحانات . إنه ظلوم يا أبي ، لا تصدقه ." أبي لا يصدّقني ، لأن القرينة مع المدير ، النتيجة كانت تقول هذا سلقوط في نهاية الموسم بعدما كان مقبولا في بدايته .
اشترى أبي بضائعه و آن وقت عودته إلى الدّيار ، سألني : " ماذا ستفعل الآن ؟" طمأنته : " سأجد حلاّ ، أنا أعرف هؤلاء يا أبي ." في السوق التقيت واحدا من رفاقي في تغزوت ، في الحقيقة كان عند أقربائه في تغزوت ، دواره أيضا بعيد عن تالوين ، لا أزال أتذكر عندما يتوجه نحو السّبورة عند المعلّمة ، يقرأ ، مع قراة كل حرف يعود إلى وجه المعلّمة لكأنه يريد أن يستوثق ممّا قرأه، تشجعه المعلمة " حسن جدّا" يعيد "حسن جدّا" ننفجر ضحكا ، تنهرنا المعلمة ، حسنا يا صاحبي : "ماذا لديك؟" تبادلنا أطراف الحديث و أوينا إلى بيت اقتناه جدّه في "تابيا "، منزل قديم ، فيه غرفتان ، منزل بحاجة إلى الإصلاح ، لكن غرفة واحدة كافية ، اقترح عليّ محمد أن نتعاشر هذه السّنة ، و كل شيء سيكون على ما يرام ، في الغرفة الأخرى أثار انتباهي كيس مليء تبنا يتدلى من سقفها ، " ما هذا يا محمد؟" ألا ترى ؟ وضع لكمة في وسط الكيس فارتطم بالسقف وبعض دقائق القشّ المتطايرة تهوي على رؤوسنا . " أعرفت الآن ، أنا أتدرّب على الكاراتيه ، هذه أيضا سلسلتي ، سلسة بروسلي " قام بحركات بهلوانية فابتعدت خشية أن يطير بأنفي، سمعت دقّا على الباب ، بنات الجيران : " كنّا بالقرب فسمعنا حديثكما ، من المليح ؟ " هذا أعز أصدقائي ، نورالدين ، سيسكن معي ، مرحبا بك نورالدين ، إن اجتجت أي شيء فنحن بالقرب." عند ذهابهن أوقدت سيجارة ، محمد يؤكد : "ستستمتع هذه السنة ، لكن سر بالمهل ، يجب أن تتخلّص من هذا التدخين ، مارس الرياضة مثلي ، انظر ، يركل الهواء باليمنى باليسرى ، يكاد يسقط ، يلتئم ، يطلق صيحة ، وأنا أطلق الدّخان في السّماء ، يكاد الضحك يغلبني ، و أحيانا ، يدور في رأسي أن أعطيه لكمة حقيقية ، لكنه قريب إلى نفسي و لو أن طبيعتينا متباعدتان .



 

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: لقاء مفتوح مع الاستاذ ياسر علي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب مفتوح .... فتحية الحمد منبر البوح الهادئ 4 02-15-2022 12:59 PM
لقاء مفتوح مع الأستاذ سامر العتيبي ...أسطـورة الفـن التشكـيلي ايوب صابر المقهى 5 04-18-2014 03:14 PM
من فمك نكتب سيرتك: لقاء مع الاستاذ نبيل احمد زيدان ايوب صابر المقهى 27 11-21-2012 02:46 AM
قلبي مفتوح على جرح !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 4 02-08-2012 11:26 PM
بوفيه مفتوح عبدالسلام حمزة منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 5 10-22-2010 03:09 AM

الساعة الآن 07:21 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.