احصائيات

الردود
2

المشاهدات
4928
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
10-01-2010, 10:31 PM
المشاركة 1
10-01-2010, 10:31 PM
المشاركة 1
افتراضي أرنست همنغواي (1899 ـ 1961)
أرنست همنغواي (1899 ـ 1961) ـــ د.ممدوح أبو الوي
نشرت في مجلة الموقف الأدبي السورية العدد 418 فبراير 2006


مقدمة:‏

عاش اثنين وستين عاماً, والده طبيب, ولد همنغواي في أوك بارك, بالقرب من شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية, كان والده يهوى الصيد, وعلم ابنه هذه الهواية, أما والدته فكانت تحب الموسيقى, وأرادت أن يصبح ابنها موسيقياً, درس همنغواي المرحلة الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية, وحاول متابعة دراسته في فرنسا, إلا أنه لم يحصل على شهادة جامعية, تمنى الانخراط في صفوف الجيش, وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 التحق بالجيش بصفة صحفي, ولم يلتحق بصفة محارب, بسبب ضعف بصره.‏

وعمل مراسلاً حربياً لجريدة "ستار" (النجم) في أوروبا وأصيبت ساقه في إحدى المعارك في شمال إيطاليا في العام الأخير للحرب العالمية الأولى أي في عام 1918, فبترت ساقه وهو في ريعان شبابه, كان عمره آنذاك تسعة عشر عاماً, وبذلك فإنه شاهد ويلات الحرب وتعرض لمصائبها.‏

أحب فتاة تعمل ممرضة, وأراد الزواج منها, إلا أنها رفضت الزواج لأنها أكبر منه سناً, تزوج عام 1919 في باريس عندما بلغ العشرين من عمره, فتاة جميلة وأنجبت لـه طفلاً, واستمر زواجه سبع سنوات, إذ طلقها عام 1926 لأنه لم يحبها, وتزوج في أمريكا عام 1927 صحفية تعمل بإحدى المجلات, أي تزوج للمرة الثانية بعد مرور عام على انفصاله عن زوجته الأولى.‏

نشر أرنست همنغواي كتاباً بعنوان "ثلاث قصص وعشر قصائد" عام 1923, حين بلغ الرابعة والعشرين من عمره. كتب همنغواي رواية شهيرة بعنوان "وداعاً أيها السلاح" عام 1929, مندداً فيها بويلات الحرب, وانتحر والده في العام ذاته, حين بلغ عمر الروائي ثلاثين عاماً. عاش همنغواي مع زوجته الثانية ثلاثة عشر عاماً, من عام 1927 إلى عام 1940, إذ طلق زوجته الثانية في هذا العام, ليتزوج في العام ذاته صحفية عاش معها خمس سنوات من عام 1940 إلى عام 1945, ليطلقها ويتزوج زوجته الرابعة والأخيرة عام 1946, وهكذا فإن همنغواي تزوج أربع نساء وكانت لـه علاقات مع نساء أخريات على الرغم من أنه كان بساق واحدة.‏

توفيت والدته عام 1951, حين بلغ الثانية والخمسين من عمره. حضر أرنست همنغواي مؤتمر اتحد الكتاب السوفييت الثاني في موسكو عام 1955 وشارك في أعماله.‏
[/color][/color]


قديم 10-01-2010, 10:33 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رواية "لم تقرع الأجراس" (1940)‏

كتبها في هافانا عاصمة كوبا بعد انتهاء الحرب الأهلية في إسبانيا وبعد بدء الحرب العالمية الثانية. تدور أحداث الرواية عن الحرب الأهلية الإسبانية وتصور الرواية حرباً جرت بين الجمهوريين من جهة وبين أنصار الفاشية من جهة أخرى, خسرت إسبانيا في هذه الحرب قرابة مليون إنسان, بالإضافة إلى الخسائر المادية الهائلة.‏

بطل الرواية متطوع أمريكي, وهو خبير بنسف الجسور, اسمه روبرت جوردان, يعمل خلف خطوط الفاشيين لصالح الجمهوريين, ويتقن روبرت اللغة الإسبانية إتقاناً تاماً, ولذلك يحبه الأسبان لأنهم يحبون الأجنبي الذي يتقن لغتهم, وشارك في الحرب المذكورة مؤلف الرواية نفسه همنغواي إلى جانب الجمهوريين ضد الفاشين.‏

تبدأ الرواية بلقاء بين روبرت جوردان وبين أنسيلمو, ومعهما متفجرات بهدف نسف الجسر, لكي يمنعوا وصول الإمدادات إلى الفاشيين, ويجب أن يبدؤوا بنسف الجسر بعد بدء غارات الطيران الصديق, ويجب ألا يتم تدمير الجسر إلا بعد بدء الهجوم لكي لا يتسنى للعدو القيام بإصلاحه.‏

ويتعرف روبرت جوردان على فتاة إسبانية اسمها ماريا, ووجد بينه وبينها قاسماً مشتركاً, فوالده كان من أنصار الجمهورية, وكذلك جده, ومات والده منتحراً بسلاحه, ليتجنب التعذيب.‏

وتجيبه ماريا بأن والدها لم يستطع الحصول على سلاح ينتحر به, ليتجنب التعذيب: "وقالت ماريا.. إذن نحن متشابهان..."(1). وقالت ماريا للأمريكي روبرت جوردان: "إنني أحبك, إنني أحبك! آه, أحبك ضع يدك على رأسي... وضع يده على رأسها, وأخذ يربت عليه بحنان... وفجأة قذفت بنفسها بين أحضانه, وأخذت تشد بنفسها عليه..."(2). وأصبحت ماريا عشيقة الأمريكي روبرت وحدثته عن سيرة حياتها, وصرحت لـه بأنها اُغتصبت من قبل عدد كبير من الفاشيين, وشعرت بحب كبير تجاهه, وكذلك بادلها روبرت جوردان الشعور ذاته, وكان ينوي أخذ ماريا معه إلى الولايات المتحدة الأمريكية, علماً بأنه كان لـه علاقات مع أكثر من امرأة إسبانية قبل ماريا, وتحدثه ماريا عن أسرتها, فتقول لـه عن والدها: "لقد كان والدي رئيس بلدية القرية, وكان محترماً, وكانت أمي سيدة فاضلة مؤمنة وتقية, ولكنهم قتلوها مع أبي لأسباب سياسية, فهو كان جمهورياً. وقد رأيتهما يقتلان معاً, وسمعت والدي يهتف... تحيا الجمهورية,... وهم يطلقون عليه النار بعد أن أوقفوه على جدار مسلخ القرية"(3).‏

وقتلوا والدتها على الرغم من أنها لم تكن من أنصار الجمهورية, لمكنها زوجة شخص من أنصار الجمهورية, فقتلت وهي تصرخ‏

يحيا زوجي.‏

أما ماريا فأخذت مع غيرها من الفتيات اللواتي فقدن آباءهن, وحلق شعرها في صالون الحلاق, وأخذ أحدهم يضربها بجدائلها المجزوزة, ووضع شعرها في فمها, وكاد أن يخنقها بجدولتها, ورأى الجمهور فعلته, فقهقه وجرح أذنها وقتلوا الحلاق, وبعد ذلك أخذوها إلى مكتب والدها, أي إلى مكتب رئيس البلدية واغتصبوها في مكتبه. وكانت ماريا لهذه الأسباب تكره الفاشيين, وتتمنى الانتقام. وقالت ماريا لروبرت: إن الفاشيين أساؤوا إليها كثيراً, فقد لا تستطيع الإنجاب, ومع هذا فإن روبرت يحبها ويعدها بالزواج, وبذلك فلقد قام الفاشيون بأعمال إجرامية كثيرة.‏

ولكن الجمهوريين قاموا بأعمال إجرامية لا تقل بشاعتها عن بشاعة جرائم الفاشين. إذ نجد في الرواية الحادثة التالية, نقرؤها على لسان بيلار زوجة بابلو, فتقول إن زوجها بابلو في إحدى المعارك قتل الجرحى من الفاشيين, وبعد ذلك أجبر الأسرى على الركوع وأطلق عليهم النار, أما بقية الفاشيين فلم يقتلوا بالرصاص وإنما ضربوا بالمدقات حتى الموت, وألقيت جثثهم إلى النهر.‏

ولجأ بابلو إلى هذه الطريقة لكي يوفر العيارات النارية من جهة ولكي يشترك الجميع في الجريمة من جهة أخرى, وضربوا حتى الموت بعد أن اعترفوا بخطاياهم للكاهن, حسب الطقس المسيحي, وأطالوا الاعتراف لكي يكسبوا بضع دقائق, لكي يطيلوا حياتهم بضع دقائق, وكان رئيس البلدية أول من ضربوا حتى الموت, الذي مشى بين حاملي المدقات دون أن يمسه أحد, مع أن أحد الأسرى صرخ بهم لكي يضربوه, فبدأ أحد الرجال بضربه لأن رئيس البلدية كان قد انتزع منه أرضاً قريبة من النهر وأعطاها لغيره.‏

وضرب حتى الموت صاحب المطحنة ومخزن الأطعمة, وضرب وهو يرفع يديه إلى السماء, وأخذ الفاشيون الآخرون يصلون ويتضرعون إلى الله, ومات الثالث وهو يبصق ويقول إنه لا يخاف الموت, ولكنه يستصعبه بأيدي هؤلاء الأوغاد, على حد تعبيره وهناك مشاهد تعبر عن قسوة الإنسان بوجه عام, وكان أحد الذين قتلهم الجماهير تاجر حنطة ومرابياً.‏

وتروي بيلار بشاعة المعركة وقذارتها, وهي الآن تقود معركة الجسر ضد الفاشيين, ولكن البلدة التي سقطت بأيدي الجمهوريين بقيادة بابلو عادت بعد ثلاث أيام وسقطت بأيدي الفاشيين, وبذلك فإن الحرب عبثية وقذرة, وهي حرب أهلية ولكن تدخلت فيها قوى أجنبية كبرى, فلقد حارب الروس مع الجمهوريين ضد الفاشيين, حاربوا بخبرائهم وطائراتهم ولكن بشكل سري, وحارب الألمان إلى جانب الفاشيين بكل قواهم أيضاً بما في ذلك الطيران الحربي, وكانت قوى أنصار الجمهورية تضم الشيوعيين والجمهوريين والعلمانيين, وكل طرف من هذه الأطراف يكره الأطراف الأخرى, وجمعتهم كراهيتهم للفاشية, ولكن أنصار الجمهورية يخسرون الحرب, والرواية موجهة ضد الحرب بوجه عام, لأن أجراس النصر لن تقرع لأحد, لأن البلاد خاسرة, لم يبق فيها من يفرح للنصر.‏

يقتل في نهاية الرواية أنسيلمو العجوز وعمره ثمانية وستون عاماً, وتبتر ساق روبرت جوردان في معركة نسف الجسر, ويطلب روبرت من ماريا الهرب, وتهرب لكي لا تقع ثانية في أيدي الفاشيين. وهي بالصدفة كانت قد تخلصت من الفاشيين, إذ استطاع أنصار الجمهورية تدمير بعض عربات القطار الذي كان الفاشيون ينقلونها فيه من مكان لآخر, واستغلت الفرصة واستطاعت الهرب مع أنصار الجمهورية والتحقت بهم, وأحبت روبرت الذي كاد في ساعة من ساعات الغضب أن يقتل بابلو لأنه كان متردداً في الإقدام على الجريمة, بعد أن غنم في المعارك مجموعة من الخيول, وأصبح ثرياً. ولكن زوجته بيلار تنتزع منه قيادة المجموعة, وأصبحت بيلار قائدة للمجموعة بدلاً من زوجها بابلو.‏

الرواية بمجملها هي صرخة ضد الحرب, وعنوانها يشير إلى ذلك "لمن تقرع الأجراس؟" أجراس النصر, لم ينتصر أحد, لأن الحرب تعني الخراب والتدمير والقتل. قامت الأطراف كلها بأعمال إجرامية, كل من شارك في الحرب قام بأعمال تقشعر لها الأبدان, أعمال قذرة وغير إنسانية, آلاف النساء ثكلت, وتيتم آلاف الأطفال, وما هي نتائج الحرب؟ دمرت آلاف المنازل والمصانع والمشافي... ونسفت الجسور. وهذه الرواية بكاملها تدور حول تدمير جسر, إنها تنديد بالحرب الأهلية الإسبانية, وبالتالي فهي رواية تاريخية إلى حد ما, تصف مرحلة حاسمة في تاريخ إسبانيا, في العقد الثالث من القرن العشرين, وهي بذلك تشبه رواية "الحرب والسلام" (1863 ـ 1869) للروائي الروسي تولستوي (1828 ـ 1910) التي تندد بويلات الحرب. وبهذه المناسبة نذكر آراء الأديب العربي من لبنان ميخائيل نعيمة (1889 ـ 1988) حول الحرب فهو شارك في الحرب العالمية الأولى جندياً في الجيش الأمريكي وحارب على الأرض الفرنسية ضد ألمانيا, وكتب كثيراً مندداً بويلات الحرب, ولاسيما في سيرته الذاتية بعنوان "سبعون" (1959).‏

لمن تقرع الأجراس؟" رواية كتبها روائي أمريكي, وبطلها أمريكي, مات والده منتحراً مثل والد المؤلف نفسه, أي أنها رواية كتبها مؤلف أجنبي عن بلد آخر, وهي بذلك تشبه رواية "قصة مدينتين" (1859) للروائي الإنكليزي تشارلز ديكنز (1812 ـ 1870) إذ أن الرواية المذكورة عن الثورة الفرنسية وعن الفرنسيين وجاءت بقلم كاتب إنكليزي وليس بقلم فرنسي.‏

شارك في الحرب الأهلية الإسبانية الروس والأسبان والألمان والأمريكيون والغجر والعرب من المغرب العربي, وكأنها حرب عالمية, جرت على أرضٍ إسبانية, شارك فيها النساء والرجال, الكبار والصغار. هناك شخصية المتطوع الروسي كاشكين, الذي انتحر حين قبض عليه الأعداء مخافة التعذيب.‏

يصور همنغواي شخصيات أنصار الجمهورية, على أنهم أناس اعتادوا على تعاطي الخمر, كلهم يتعاطون بكثرة شرب الخمر, ولهم أمزجة مختلفة, وتوجهات مختلفة, بابلو مثلاً يجب الحصول على الثروة, في حين أن الغجري يكفيه التمتع بنور القمر والنظر إلى السماء والنجوم.‏

زمن الرواية أربعة أيام "إنها أربعة أيام غير كاملة... وهذا ما يجعلها ثلاثة أيام بلياليها"(4) ويختتم الروائي همنغواي روايته بتأملات روبرت جوردان بعد أن فقد ساقه في انفجار الجسر, ويفكر بالانتحار الذي سبقه إليه والده, والذي على ما يبدو كان يفكر فيه المؤلف نفسه, ولكنه مع ذلك يفكر قبل الموت بقتل أكبر عدد ممكن من الأعداء, ولكنه ينتظر اقترابهم منه, مع أنه أخذ يفقد وعيه شيئاً فشيئاً, بسبب تورم ساقه, والآلام التي سببتها لـه.‏

يقول ألفرد كازن عن الرواية المذكورة في كتابه "تطور الفكر الأدبي الأمريكي في القرن العشرين "فأصبحت دراسته للأمة الإسبانية دراسة رومانتكية, فيها تعمق وتجاوب مع المثل العليا... فيها وَصَفَ عشق روبرت جوردان وصفاً رومانسياً صافياً, ويبدو أن همنغواي وهو يكتب هذه الرواية قد اكتسب احتراماً جديداً للإنسانية"(5).‏

وبالتالي تنتهي الرواية بوصف الخراب الذي ألحقته الحرب بكل بيت من بيوت الأسبان, وهي حرب عبثية, أمضى أبطالها أيامهم الثلاثة في الكهف, فكأنهم خارج التاريخ. اُغتصبت في هذه الحرب مئات النساء وشردت آلاف الأسر. إن الحرب نزعة متوحشة, تقضي على الأخضر واليابس, وتدمر كل ما بناه الإنسان خلال أجيال وأجيال, وأهم من ذلك كله إنها تدمر الضمير الإنساني.‏

وإذا كانت هذه الحرب تجسد صراعاً بين مجموعتين من الناس, فإن رواية "الشيخ والبحر" (1952) تمثل صراعاً بين شيخ عجوزٍ وبين البحر الذي يرمز إلى الحياة كلها

قديم 10-01-2010, 10:35 PM
المشاركة 3
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رواية "الشيخ والبحر"‏

في البدء يجب أن نتساءل, لماذا هذا الصراع بين شيخ طاعن في السن, تكاد تكون أيامه معدودة, وبين بحر لا بل محيط؟ وهو هنا المحيط الأطلسي, بحر الظلمات كما كان يسميه العرب, وعلى الرغم من العزيمة الفريدة لدى الشيخ, والقوة الجسدية, فإن البحر بأمواجه وطيوره وأسماكه هو العالم الأقوى والأكثر خلوداً. علماً بأن الشيخ مؤمن بالغيب, والقدر وسلطة النجوم وقوة الحظ.‏

ولا يوجد لدى الشيخ معين واحد, حتى الصبي الذي كان يساعده تخلى عنه, لأن والديه طلبا منه ذلك, إذ اعتبر الشيخ منحوساً, ويجب الابتعاد عنه. وكان عمر الصبي عندما رافق الشيخ لأول مرة خمس سنوات, ولذلك فإن الصبي لا يرغب بترك الشيخ, ويحبه ويريد لـه الخير, ويطالبه بالاهتمام بصحته, يعلم الشيخ أنه لم يعد بصحة جيدة. في هذه الرواية ثنائية بين شخصين شخص متقدم في السن, وآخر في مطلع حياته ولكنهما ليسا متناقضين, بقدر ما هما متكاملان, كل منهما يكمل الآخر, الشيخ يشعر بحاجته لهذا الصبي, وكذلك الصبي واسمه مانولين يشعر بحاجته للشيخ سانتياغو, الذي بدوره يبدو طفلاً أمام البحر أو المحيط, وهو الشيخ الحقيقي, هو العجوز الذي لا يريد أن يهرم أو يكبر. فإذا كان الصبي مانولين يشعر بصغره أمام الشيخ سانتياغو, فإن الشيخ يشعر بصغره أمام هذا البحر الكبير العميق, البحر كبير بمياهه وطيوره المتنوعة وأسماكه التي لا حصر لأشكالها, ويريد هذا العجوز ذو الإرادة القوية والعزيمة الصلبة, أن يصمد أمام تقلبات البحر, وأمام الحظ السيء, وأن يصطاد وأن يحصل على رزقه, وهو لا يسيء لأحد, ولكنه بحاجة للأسماك, التي تدافع عن حياتها بكل قواها, والتي يأكل بعضها البعض الآخر, أما البحر فهو باقٍ. كأن البحر لا يتأثر بما يجري في أعماقه, وتموت سمكة, تأكل واحدة الأخرى, يصطاد صياد سمكة معينة, والبحر كأنه لا يكترث لكل هذا, البحر واسع وعميق.‏

البحر هو الشخصية الأقوى في الرواية, هو يشبه الحياة على اليابسة, كل المخلوقات تبحث عن رزقها, بهذا لا يختلف الشيخ عن الطفل, عن السمكة الكبيرة أو الصغيرة, كل ما هنالك أن الشيخ يخطط للبحث عن رزقه, أما الأسماك فتتصرف بالغريزة, الإنسان يبني بيته بعد أن يضع مخططاً لذلك. أما العنكبوت فيبني بيته دون تخطيط أي بالغريزة.‏

تبدأ الرواية بحكاية الشيخ سنتياغو وهو صياد كوبي, ولقد أمضى أربعين يوماً دون أن يصطاد سمكة واحدة, ولذلك تركه الصبي مانولين, الذي أخذ يعمل في قارب آخر, واصطاد ثلاث سمكات. أما العجوز فكان يعود كل يوم دون أن يصطاد شيئاً.‏

وأراد الصبي أن يعود إلى معلمه العجوز متذكراً أنه مرت فترة لم يصطادا فيها شيئاً خلا سبعةٍ وثمانين يوماً, وبعد ذلك أخذا يصطادان سمكاً كبيراً بكميات كثيرة مدة ثلاثة أسابيع.‏

وفهم العجوز أن الصبي تركه مرغماً, وأمضى العجوز أربعةً وثمانين يوماً دون أن يصطاد شيئاً, وفي اليوم الخامس والثمانين, تقدم بعيداً في المحيط, وكان يبحث عن رزقه, ورزقه هنا الأسماك, وكذلك كانت الأسماك على اختلاف أنواعها وأحجامها تبحث عن طعامها, وكذلك الطيور, وحتى الغلام أيضاً يبحث عن رزقه, ويقول العجوز عن نفسه: "إنه عجوز غريب"(6).‏

ويصطاد في نهاية المطاف سمكة كبيرة جداً, غريبة في حجمها, بعد أن أمضى فترة طويلة دون أن يصطاد شيئاً, وهذا أمر غريب أيضاً, وكان الشيخ وهو في عرض البحر يتأمل في حياة العصافير الصغيرة, ويتساءل كيف لها أن تتحمل قسوة الحياة مع تقلبات البحر‍.‏

وكان هذا الشيخ الوحيد يكلم نفسه أحياناً, وبصوت عالٍ, لأنه لا يجد من يتحدث معه.‏

"لو سمعني الناس أتكلم بصوت مرتفعٍ إذن لظنوا أنني معتوه. ولكن ما دمت غير معتوه, فلست أبالي بظنونهم..."(7) وعندما اصطاد السمكة الكبيرة, كانت تجره إلى الأمام بشكل أفقي, إلى مسافات بعيدة. وحمد الله أن السمكة لا تجره إلى أعماق البحر, وكان يعلم أن معركته مع البحر نفسه, ويلوم نفسه لأنه يقارع البحر وحيداً, لأنه ابتعد كثيراً عن الشاطىء, فكأن الشاطىء يعني الأمان, ويتحسس بضعفه أمام السمكة, وكان طيلة أيامه في عرض البحر لا ينسى الصبي مانولين, ويرى لو أن الصبي كان معه لتغيرت النتيجة, ويتأمل البحر الذي يجده يشبه اليابسة, ففيه الأسماك الكبيرة والصغيرة, وفيه الأسماك المراوغة التي تدافع عن نفسها بالمكر والخداع.‏

ولكي يعزز ثقته بنفسه, تذكر مباراةً جرت بينه وبين أحد الزنوج في الدار البيضاء في المغرب العربي, وهي لعبة لوي اليد, واستمرت اللعبة ساعات دون أن ينتصر أحد على الآخر. وكاد الزنجي أن يلوي يد سانتياغو, إلا أن سانتياغو صبر وصبر وانتصر بعد ساعات طويلة وبعد جهد عظيم, وكادت المباراة تنتهي بالتساوي, ولكنه انتصر بعد مضي أربع وعشرين ساعة. وهذه الحكاية التي يتذكرها العجوز سانتياغو غريبة, فلقد استمرت المباراة مدة قياسية, أربعاً وعشرين ساعة, وفي مدينة الدار البيضاء, أي في الجانب الآخر للمحيط الأطلسي, في العالم القديم, وتجري أحداث رواية "الشيخ والبحر" في العالم الجديد, في سواحل هافانا, عاصمة كوبا.‏

استطاع العجوز سانتياغو بصعوبة كبيرة اصطياد سمكة كبيرة, إلا أن أسماك القرش أكلت نصفها في أثناء عودته إلى الشاطىء, وبعد ذلك التهمتها بكاملها, ولم يبق منها إلا عمودها الفقري.‏

وعاد إلى الشاطىء بعد أن كاد يضيع في عرض البحر, وكان منهك القوى, لدرجة أنه توقف وجلس على الأرض خمس مرات قبل أن يصل إلى المنزل, لأنه لم يستطع المشي بسبب التعب الشديد, ونام نوماً عميقاً, وكانت السلطات قد فتشت عنه في عرض البحر وأرسلت الطائرات العمودية تبحث عنه, إلا أنها لم تجده, لأن قاربه صغير, فلم تره. ويفرح الصبي مانولين بعودة معلمه السابق إلى الشاطىء, ويعده بأنه سوف يصطاد معه.‏

يقول الدكتور نبيل الشريف في كتابه "روائع الأدب الأمريكي": "من أشهر أوجه أدب همنغواي وجود بطل ذي ملامح خاصة, يسمى بطل همنغواي, ولهذا البطل فلسفته, أو نظامه الخاص في الحياة, فهو يواجه الحياة بشجاعة, مدركاً تفاهتها وانعدام معناها. ولذلك فهو لا يخلق لنفسه أية أوهام يخدع نفسه بها. وهو يعرف أن الحقيقة الكبرى في الحياة هي الموت, ويعرف أن عليه أن يواجهه بشجاعة ونبل...."(8).‏

حصل همنغواي عام 1954 على جائزة نوبل للآداب وجاء في قرار لجنة منح الجائزة المذكورة ما يلي: "كان قادراً على إبداع القصص المؤثرة ذات الإيقاع السريع في الحركة, والمدعمة بالبنى المعقدة, من الرمزية إلى الطبيعية... وقد ساهم هذا كله في طبع أفضل أعماله بطابع القصص التعليمية الشعبية دون التضحية بالحدث الدرامي".‏

يعد همنغواي من ممثلي المدرسة الواقعية الاشتراكية في الأدب التي أسسها الأديب الروسي مكسيم غوركي (1868ـ1936) وقدم همنغواي كثيراً لهذه المدرسة. إلا أنه لم يعش طويلاً إذ انتحر عام 1961 إذ بإفراغ رصاصة في فمه, وكان والده قد انتحر أيضاً, كما أسلفنا, عام 1929.‏


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أرنست همنغواي (1899 ـ 1961)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مكان نظيف وجيد الاضاءة - قصة قصيرة للكاتب ارنست همنغواي ترجمة د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 4 01-29-2015 06:02 PM
اللغة والأسطورة - أرنست كاسيرر د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-21-2014 12:29 AM
إرنست همنغواي – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 2 08-17-2012 11:52 PM

الساعة الآن 03:33 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.