قديم 10-23-2010, 08:48 PM
المشاركة 21
احمد ماضي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي

استاذتي

انحني

ولي اكثر من عودة

كم انت ِ رائعة

تستحقين خمسة الاف كلمة شكر

واكثر

على هذا الجهد الادبي الثمين




لا سواكِ يكبلني بالحُب

قديم 10-24-2010, 06:31 PM
المشاركة 22
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي

استاذتي

انحني

ولي اكثر من عودة

كم انت ِ رائعة

تستحقين خمسة الاف كلمة شكر

واكثر

على هذا الجهد الادبي الثمين
ألف أهلاً وسهلاً..
يسعدني ذلك..
تقديري..
.
.
.
خالدة..

قديم 10-24-2010, 06:40 PM
المشاركة 23
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ثالثًا: الأصول السلفيّة للنقد الغربي (عند اليونان):
يعتبر الفكر الأوربّي اليونان والرومان أساتذته الأوائل، فقامت نهضته في القرن الخامس عشر على فكرة العودة إلى التراث السلفي(الكلاسيكي)، فتمّت إحياء تلك المؤلفات وترجمتها، وظلّت أوربا طوال القرون الثلاثة التي تلت عصر النهضة تردد آراء أرسطو وهوارس وتناقشها، ودأب طلاب الآداب على حفظ أقوالهما عن ظهر قلب؛ ومع ذلك فإنّه من الضروري الإشارة إلى أنّ الأدب الأوربي لم يتجمّد في أطر القواعد النقدية السلفيّة، وظلّت محاولات الأدباء في الخروج عليه بما يكفل لهم حريّة التعبير والإحساس.

ç النقد الأدبي قبل أرسطو:
1/ النقد عند أريستوفان:
يعتبر منهج أرسطو أوّل منهج نقديّ متماسك عرفته الآراء الأوربيّة، وما عرفه اليونان قبل أرسطو-باستثناء أريستوفان- لم يكن إلا شتاتًا من التعليقات النقديّة، واستثني أريستوفان من ذلك لأنّ أعماله تشكّل خطوة متقدّمة نسبيًّا في النقد.
ليس من الممكن الحديث عن اتّجاه نقدي عند أريستوفان، ولكنّنا نستطيع أن نقول بأنّه تبنّى خطّين نقدين مستمرّين: الأول كرهه لجميع أشكال البلاغة والتصنّع، والثاني اهتمامه بالناحية الأخلاقيّة، واعتبارها ذات قيمة أساسيّة في الأحكام الأدبيّة، وهو في ذلك متأثّر بالنظرة التعليمية التي شاعت عند اليونان حتّى عهد أرسطو.
إنّ مسرحيّته (الضفادع) من أقدم النصوص الممتعة في النقد الأدبي، وقد ظهرت على المسرح سنة 405 ق.م، وتضمّنت الموازنة بين أسخيلوس ويوربيديس من حيثُ الشاعريّة والمكانة المسرحيّة؛ وتروي قصّة ذهاب الإله ديونيسوس إلى العالم السفلي ليختار أحد الشعراء المسرحيين، ويعيده للحياة ليكل إليه مهمة إصلاح أهل أثينا، وإرشادهم وإزالة نواحي الفساد التي تطغى عليهم، وبعد أن يخوض ديونيسوس مغامرات عديدة ليصل إلى العالم السفلي، يستدعي أسخيلوس ويوربيديس ويتيح لهما أن يتناظرا تحت إشرافه، وبمرأى من الجمهور، وبعد تردّد يحكم ديونيسوس لصالح أسخيلوس ويقرر اصطحابه للحياة، ويسدل الستار على النشيد الأخير للجوقة.

2/ النقد عند أفلاطون:
خلال النصف الأوّل من القرن الرابع قبل الميلاد عُرف أفلاطون بمحاوراته الفلسفيّة، التي تعرّض في ثلاث منها إلى طبيعة الشعر ووظيفته، وبثّ فيها كثيرًا من آرائه النقديّة، وهذه المحاورات هي: الجمهوريّة، والأيون، والقوانين.

وينسب إلى أفلاطون أنّه هاجم الشعر والشعراء، ونادى بإبعاد الشعراء عن جمهوريّته الفاضلة؛ إلا أنّ هذا الهجوم ينبغي ألا يؤخذ بعموميّته، فقد قيّده أفلاطون بزاوية معيّنة هي زاوية المصلحة العامة للجمهوريّة الفاضلة، فنادى بإبعاد الشعراء على أساس سياسي أخلاقي إذ لم يجد لهم وظيفة سياسيّة معيّنة، بل كان يخشى منهم على فضائل مدينته ليس لأنّهم لا أخلاقيون، بل لأنّ الفن عنده بوجه عام لا يعتبر سعيًا جادًا وراء الحقيقة، بل تقليدًا للمثل من الدرجة الثالثة، والفنّان عند أفلاطون مقلّد غير مسؤول، فلم يسمح إلا لصنف من الشعراء بدخول الجمهوريّة وهم الشعراء الذين يتغنون بالآلهة والفضائل.

ç النقد الأدبي عند أرسطو:
بثّ ارسطو آراءه النقديّة في مؤلفيه (الشعر) و (البلاغة)، وقد أرسى كتابه الشعر دعائم النقد الأدبي في أوربا مدّة طويلة، ونال تقديرًا عظيمًا منذ تأليفه حتّى اليوم، وعندما بعث هذا الكتاب من جديد في عصر النهضة بالغ السلفيّون في التقيّد به، وثار الابتداعيّون فيما بعد على هذا التزمّت وإن احتفطوا بتقدير كبير له.
وأهمّ ما تضمّنه هذا الكتاب:

· في طبيعة الشعر:
1/ الأنواع المختلفة للشعر هي وسائل محاكاة.

2/ موضوع المحاكاة هو الإنسان وانفعالاته، والمقلّدون إمّا يكونون أعلى من المستوى العادي، وعندها يتّجه التقليد اتجاهًا مثاليًّا، أو يكونوا في المستوى المتوسّط ويتّجه التقليد اتّجاهًا واقعيًّا، أو دون المتوسّط ويتّجه التقليد اتّجاه السخرية.

3/ الشعراء لا يقلدون ما حدث، بل هو ما هو محتمل الحدوث، ومن هنا ينشأ فرق جوهري بين الشاعر والمؤرّخ.
الشعراء يقلّدون الحقيقة المثلى، وكل ما هو شامل ونموذجي، وفي هذا رد على أفلاطون الذي اعتبر الشعر تقليد من الدرجة الثالثة.


· في وظيفة الشعر (التطهير):
لم يقبل أرسطو رفض أفلاطون للمأساة على أنّها تثير الشفقة والخوف وتضعف الناس انفعاليًّا، بل على العكس اعتقد أرسطو أنّ الماساة تطهّر الناس من هذه الانفعالات وتجعلهم أقوى، وهو ينطلق هنا من مفهوم التلقيح الطبّي.
وتعبر نظرية المحاكاة والتطهير أهمّ ما أتى به أرسطو في هذا المجال.

· في فنّ المأساة:
المأساة تبعًا لتعريف أرسطو محاكاة عمل تام متكامل ذي جسامة معيّنة، وهي تعتمد على العمل المباشر لا السرد، وتتألف من بداية ووسط وخاتمة، بحيث تترابط هذه الأجزاء ترابطًا منطقيًّا يهدف إلى إثارة الشفقة والخوف، فإحداث التطهير، وقد رتّب أرسطو عناصر المأساة على الوجه التالي:

1/ العقدة: وهي ضرورية لإنتاج العمل المسرحي، وما يرافقه من عواطف الرأفة والخوف، وقد اهتمّ بالعقد لأنّ المأساة عنده عمل متكامل مترابط، وتصوير دينامي للحياة لا مجرّد عرض للشخصيات.

2/ الشخصيّات: وتأتي في المرتبة الثانية، ولا بدّ أن يتوافر فيها: استهداف الخير، اللياقة فالشجاعة من صفات الرجولة، فإذا تحلّت بها امرأة كان ذلك غير لائق بها، والواقعيّة، والتماسك والثبات، أي: استمرار الشخصيّة على نسق ثابت.

3/ الفكر: القدرة على قول شي محدد ومناسب ضمن ظروف معيّنة.

4/ اللغة: وهي التعبير عن المعنى بالكلمات، ويجب أن تزدان بالزخرف دون إفراط.

5/ الغناء.

6/ المشهد: وله عاطفة خاصة به، إلا أنّه أضعف الأجزاء كونه يرتبط بالمخرج لا الشاعر.

· في المقارنة بين الملحمة والمأساة:
تشترك الملحمة والمأساة في كونها تقوم على محاكاة أعمال رجالٍ عظام، وتختلف في:

1/ الأسلوب: فالملحمة تجمع بين السرد المباشر وغير المباشر، بينما المأساة تقوم على العمل المباشر.

2/ وسيلة المحاكاة: الملحمة خالية من الموسيقى ومن المشاهد.

3/ في الشكل الشعري: تعتمد الملحمة على وزن عروضي واحد، بينما تتنوع الاوزان في المأساة.

4/ في الطول: طول الملحمة غير محدود، بينما يفضّل أن تتمّ المأساة في دورة شمسيّة واحد قدر الإمكان.

وبذلك يتّضح أن المأساة عد أرسطو أكثر تعقيدًا من الملحمة، وأرفع شأنًا.

** ويجب التمييز بدقّة بين ما هو (وصفي) وبين ما هو (تشريعي) في كتاب أرسطو، إذ يبدو أن الأمرين مختلطان، والأغلب أنّ أرسطو كان يتحدث عن المسرحية اليونانية كما شاهدها، وبذلك تكون الناحية الوصفية في كتابه أقوى من الناحية التشريعية بخلاف ما درج عليه الكلاسيكيون.

قديم 10-24-2010, 06:52 PM
المشاركة 24
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
رابعًا: المنهج النفسي في النقد (فرويد والأدب):
ولد سيغموند فرويد سنة 1856م في النمسا، وعاش في فيّنا ودرس الطبّ فيها واهتمّ بالأمراض العصبيّة، وانتهى إلى أنّ وراء الأعراض الجسديّة أعراضًا نفسيّة، وبذلك تخطّى مجال الطبّ إلى علم النفس.

وقد انتشرت آراء فرويد في أوربا انتشار النار في الهشيم، واعتبر من أبرز المفكّرين المعاصرين الذي تركوا بصماتٍ واضحة في فكر هذا العصر وآدابه، ومن المهم أن يتنبه المرء في معرض الكلام عن فرويد أنّ آراءاه تعرّضت لتعديل كبير، وفهمت بأشكال مختلفة لدى تلاميذه المتعددين، ونقضتها مناهج كثيرة، وسفّهها مفكرون كبار، ورفضها الماركسيون وأدانوها، ومع ذلك أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من فهمنا للإنسان والأدب والنقد في عصرنا.

ç سيكولوجيا فرويد:
يرتبط اسم فرويد بمفهوم التحليل النفسي، ويعتبر زعيم هذا الاتجاه بالرغم من أنّه لم يكن أوّل من نادى به، وسيكولوجيّة فرويد معقّدة ومتداخلة، ومن الصعب أن تفهم دون العودة إلى ملابسات تطوّرها، وأبرز نقاطها:

· يرتكز التحليل النفسي على فكرتي الكبت والطفولة الجنسيّة، وعند فرويد أنّ الكبت هو الأساس الذي تختفي وراءه الأمراض العصبيّة.

· كلّ سلوك إنسانيّ له دوافع، والتصرفات التي تبو أمامنا عرضيّة وغير إراديّة تختفي وراءها دوافع ورغبات غير منظورة.

· والرغبات المكبوتة قد ترتدّ إلى عرض جسدي فتسبب الشلل مثلاً دون أن يدري المريض، ومن هنا برزت أهميّة التحليل النفسي في الكشف عن الأمراض الجسديّة.

· وللأحلام كذلك معناها، وهي تعبير عن الرغبات المكبوتة، ومن خلالها يمكن الكشف عن أصول تلك الرغبات وتحليلها.

· وهكذا تكون أصول المرض العصبي كامنة في الماضي، وليس من الشروري أن تكون بنت ساعتها.

· هناك قطبان في الحياة العقليّة للانسان، الشعور واللاشعور، والأخير هو مجموعة المشاعر المكبوتة، وليس هناك استمرار بين الطرفين بل استقطاب، وقطبا الشعور واللاشعور متجاوبان مع مبدأ اللذة ومبدأ الحقيقة، فالإنسان يتبع مبدأ اللذة بالفطرة، ولكنّ البيئة الاجتماعيّة والطبيعية تدفعه إلى تأجيل تلك الرغبات (الكبت).

· الدافع الجنسي له الشأن الأوّل في الحياة النفسيّة، وصخب الحياة ينشأ من في معظمه من الشهوة والصراع ضدّ الشهوة.

· في الحياة النفسيّة ثلاثة مستويات متداخلة:
الأنا (ego)، والهوَ (id)، والأنا الأعلى (super-ego).
و(الأنا) تتوسّط بين (الهوَ) و(الأنا الأعلى) فهي جزء شعوري، وجزء غير شعوري، وهي تحاول أن تتكيّف مع رغبات العالم (الهو) ومبدأ الحقيقة (الأنا العليا).

ç فرويد والفنّ:
تعرّض فرويد بأشكال مختلفة لمسألة الإبداع الفنّي وحاول أن يفسّرها في ضوء نظرية التحليل النفسي، والمبادئ الأساسيّة التي تقوم عليها النظريّة الفرويديّة للفنّ:

· من خلال الفنّ وحده يستطيع الإنسان أن يحقق رغباته الشعوريّة، وينتج ما يبدو إشباعًا لهذه الرغبات، لأنّ الحياة العمليّة الحديثة مملوءة بالمعوقات والضغط.

· مظاهر أحلام اليقظة متوافرة في العمل الأدبي، ولكن الأحلام لا تستهوي الآخرين بينما الفنّ يفعل ذلك لـــ:

أ‌. في العمل الفنّي يقلّ تضخيم الأنا، بخلاف الحلم الذي يعبّر عن الأنا تعبيرًا واضحًا.

ب‌. الأحلام مسألة بين الفنّان ونفسه، أما العمل الفنّي فإنّه يقدّم نوعًا من الإغراء المزدوج للآخرين: الصورة الفنيّة التي تمنحنا اللذة الأولى من جهة، والاندفاع بها إلى لذة أعمق نشارك بها الفنّان في حلمه.

· ويترتّب على ماسبق أنّه ما دام الفنّ نوعًا من التعبير عن الرغبات المكبوتة، فإنّ الفنّان يقترب كثيرًا من المعصوب، وكما تفيدنا معرفة ماضي المعصوب وطفولته المكبوتة في تشخيص الأسباب النفسيّة لمرضه، فإنّ معرفة ماضي الفنّان ورغباته المكبوتة تفيد في تفسير فنّه.

ç إسهام فرويد في الأدب والنقد:
كان لفرويد وأتباعه إسهام ضخم في الأدب والنقد، سواء عن طريق الآراء نفسها التي نادى بها فرويد، أو الشكل المغلوط الذي اتّخذته خلال تداولها السريع الواسع، ونجمل تلك الإسهامات في:

· نشأت مدارس أدبيّة على أساس من قبول سيكولوجيا فرويد، فالسرياليّة مثلاً نشأت على أساس التملّص من الضغط العقلي والاجتماعي، وأفسحت المجال أمام اللاشعور.

· حاول النقّاد والمحدثين أن يحلّلوا المؤلفين والأدباء وأن يوضّحوا إنتاجهم في ضوء نظريات التحليل النفسي، وإن نجم عن ذلك مزالق أخطرها نسيان القيمة الأدبيّة والسعي وراء تشخيص المؤلف بدلا من تحليل العمل ذاته.

· بعد فرويد أخذ الكتّاب-لاسيما الروائيين والمسرحيين- يفهمون شخصيّاتهم ويبنونها على أساس معطيات مفهوم التحليل النفسي، كذلك أخذ النقّاد يحاولون فهم الشخصيات القصصية من خلال التحليل النفسي.

· أمدّ التحليل النفسي النقّاد بدقّة في معالجة عمليّة للخلق الفنّي، وتأثير الأعمال في القراء (سيكولوجيّة الجمهور).

إنّ التحليل النفسي سلاح من أسلحة النقد الحديث، ولكنّ ينبغي أن يستخدم بمنتهى الحذر حتى لا يعامل الإنسان باعتباره مخلوقًا قائمًا في الفراغ، لا مخلوقًا اجتماعيًّا تتمثّل فيه مواضعات المجتمع وتطلّعاته.

وأخيرًا لا بدّ من الإشارة إلى النقد النفسي لقي قبولاً واسعًا عند الأدباء والنقاد والعرب، وفي مقدّمتهم عباس محمود العقّاد، ود. عز الدين إسماعيل، ود. محمد النويهي... وغيرهم.

قديم 10-24-2010, 07:02 PM
المشاركة 25
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
خامسًا: مفهوم المعادل الموضوعي في النقد:
يعتبر المعادل الموضوعي Objective Correlative أساسًا لنظرية ت.س. إليوت النقدية التي استطاعت أن تؤثّر –ربّما أكثر من أيّ نظريّة أخرى- في النقد الأدبي الحديث، ويرجع ذلك أنّها أتت محصّلة لسلسة من الآراء النقديّة التي بشّر بها شعراء إنجليز وأمريكان منذ منتصف القرن التاسع عشر، مثل: إزرا باوند والشعراء التصويريين.

ç المعادل الموضوعي عند إليوت:
كتب إليوت عام 1919م: " الطريقة الوحيدة للتعبير عن الانفعال في شكل فنّ تنحصر في إيجاد معادل موضوعي، وبكلمات أخرى: مجموعة من الموضوعات وسلسلة من الحوادث تكون معادلة لذلك الانفعال الخاص، حتّى إذا ما أعطيت الوقائع الخارجيّة التي ينبغي أن تنتهي بتجربة حسيّة، استعيد ذلك الانفعال حالاً... وإنّ الحتميّة الفنيّة تكمن في المقدرة التامّة للعنصر الخارجي على التعبير عن الانفعال، وهذا بالضبط ما تفتقر إليه (هملت)، وهملت أسير انفعال مستعصٍ على التعبير لأنّ أقوى بكثير مما تبدو عليه الوقائع".

هذا الحديث جاء بمناسبة دراسة له عن مسرحية (هملت) لشكسبير، ومنذ ذلك الحين أصبح الحديث عن المعادل الموضوعي في نظر المهتمين بالأدب جزءًا من نظريّة إليوت النقديّة، وحاول كثيرون أن يربطوا بين هذه النظرة، وبين تعريف إزرا باوند للشعر 1910م، إذ قال أنّ الشعر" نوع من الرياضيات الملهمة، لا يعطينا معادلات للأرقام المجرّدة والمثلثات والمحيطات وما أشبهها، بل يعطينا معادلات للانفعالات الإنسانيّة".

وهذا ما قاد كثير من النقاد للكشف عن الأقوال التي سبقت نظريّة إليوت وبشّرت بفكرة المعادل الموضوعي، ومنها: "الطريقة الوحيدة المجدية لإثارة أيّ شعور معيّن أبعد من مجرّد الشعور الجسدي، هي استدعاء الصور المرتبطة طبيعيًّا بهذا الشعور".

وينبغي التنبّه أنّ المعادل الموضوعي ليست فكرة نقديّة في حدّ ذاتها، بل هي مصطلح يعبّر عن مفهوم إليوت للشعر، فالشعر عنده ليس نقلاً وإنّما خلق شيء موضوع، فهو تحويل انفعال الشاعر إلى شيء، أي: تحويل الانفعال إلى موضوع مادي، وذلك في أوجه ثلاثة:

· القصيدة كشيء قائم بذاته: أيّ العمل الفنّي كمعادل موضوعي أو انفعال لا يعرض أو يعبّر عنه، بل يجسّم، وهذا يعني أنّ الشعر عنده ليس فيضًا عفويًّا للانفعال كما قال الرومانسيون.

· القصيدة في علاقتها مع الشاعر وعمليّة الخلق: فالشعر ليس تعبيرًا عن الشخصيّة، إنّه تحويل مشاعرٍ مختلفة إلى موضوع مركّب جديد في ذهن الشاعر، وهذا يتمّ بانفصال الفنّان عن الرجل/ذاته الذي يعاني، والعقل الذي يخلق، فيكون محايدًا.

· القصيدة في علاقتها بالقارئ: الأثر الشعري لا يكون مضمونًا إلا حين يترجم الانفعال إلى شيء موضوع، فإذا لم يحوّل الانفعال إلى ما يعادله يكون انفعال حياة لا انفعال فنّ.

ç النقّاد والمعادل الموضوعي:
فالمعادل الموضوعي يعني أنّ الانفعال بواسطة المادي الذي يعادله يجعل القصيدة رموزًا مثقلة بالمعاني التي لا يتنظر من أيّ معجمٍ يعطيها، وقد كتب بروكس: إنّ مبدأ اللامباشرة الفنيّة تنطبق على الكلمة المفردة، تأمّل:

ثمّ حين يخدم الزمن ونحن في طريق التلاشي
تعالي يا كورينا.. تعالي ننصرف إلى رغائبنا

وهذا يعني مع التصرّف: حين يخدم الزمن= حين يكون هناك وقتٌ كافٍ، ولكن في السياق الكامل للقصيدة يعني أيضًا: يحن يخدمنا الزمن، حين يكون الزمن حتى تلك اللحظة خادمًا لا سيّدًا، أي قبل أن يتحكّم فينا الزمن، والرجوع للمعجم لا يعطينا هذا المعنى القوي الثاني.

إنّ التعبير المباشر للانفعال عنّ ف.ر. ليفيز يرتبط بالعجز عن القبض على شيء، أو عن تحليل انطباع، أو تقديم تجربة، وهذه تدلّ على عجز الشاعر عن الخلق، وهو بهذه النظرة يرفض شلي-شاعر رومانسي- لأنّه لا يقدّم شي مادي جدير بالتأمّل.

إنّ أحد وجوه العلاقة المركّبة بين القصيدة والشاعر والقارئ كما تعرف في نظريّة المعادل الموضوعي هو أنّ القصيدة لها حياتها الخاصّة، إنّها عالم معزول منغلق على ذاته، بقوانينه ومبادئه التي تنتظمه. ولأنّ المشكلة مشكلة الانفعال الذي يريد الشاعر أن يعبّر عنه تقدّم القصيدة موقفًا فريدًا أو سياقًا، والانفعال الذي يمكن الحصول عليه يكمن في القصيدة لا في مكان آخر، فليس ما يجعل القصيدة شعرية هو حضور الانفعال، بل هو الاستيعاب الخيالي لذلك الانفعال.

>>> يتبع..

قديم 10-25-2010, 07:50 PM
المشاركة 26
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
سادسًا: البنيويّة والنقد الأدبي:
ابتداء من السبعينات كثر الحديث في البلاد العربيّة عن البنيوية، وتشعّب القول فيها وتشعّث، حتّى خيّل للقارئ أنّ البنيويّة لا وجود لها على شكل مذهب متماسك، وأنّ هناك بنيويات بقدر ما هناك بنيويون، وقد يكون هذا الحكم فيه شيء من المبالغة، وإن كان لا يبعد عن الحقيقة، ممّا يجعل تلخيص البنيوية وتقديمها للقارئ مشكلة عويصة.

ç تعريف مبدئي للبنيوية[1]:
البنائيّة أو البنيوية ليست مجرّد مصطلح، بل هي منهج تحاول الدراسات المختلفة في العلوم الطبيعية والأنثربولولجيّة واللغوية والأدبيّة والفنيّة أن تطبّقه بإصرار، إلى درجة أنّ القارئ يجد نفسه غارقًا في متاهاتها، فيسأل: هل البنيوية فلسفة أم مذهب، أم هي إلى العلم أقرب فتعتمد الفروض والنظريات، أم هي منهجٌ يدّعي أصحابه أنّها المنهج الأفضل للكشف عن الحقيقة؟!.

لنبدأ في تعريف البنيوية من منطلق المصلح العام للبنية الإنشائيّة، بدلاً من أن ننطلق من مفهوم فلسفي، فالبنية لغويًّا أو معجميًّا هي الطريقة التي يتكون منها إنشاء من الإنشاءات، أو جهاز عضوي، أو أيّ شكلٍ كلّي؛ فإذا تحدّثنا عن بناء من الأبنية المنشأة، فإنّا لا نضع بالاعتبار الأول المواد التي صنع منها هذا البناء، كما أننا لا نفرّق بين الأجزاء الرئيسيّة أو الفرعيّة في هذا البناء، إنّما المهم أن أحدّد الطريقة التي تجتمع بها المواد والأجزاء من أجل إنشاء مبنى يؤدي وظيفة محدّدة.

ويتشابه هذا التعريف إذا نقلناه لواقع اللغة، فالوظيفة الأساسية للغة هي التوصيل، والبحث عن العلاقة المتكونة بين أجزاء البناء الإنشائي، يساويه البحث عن علاقة العناصر اللغويّة ببعضها البعض لإثبات ما إذا كانت اللغة قدّ أدّت وظيفتها في التوصيل، والفرق بين البناء اللغوي والبناء المادي هو الفرق بين المجرّد والحسي.

وانطلاقًا من هذا الفهم المبسّط فإنّ المفهومات الأساسيّةَ للبنيوية على النحو التالي:

· تعنى البنيوية بالكشف عن العلاقات المتشابكة بين عناصر العمل، فهي تحليل علاقات.

· إنّ البنيوية لا تبحث عن المحتوى أو الشكل، أو عن المحتوى في إطار الشكل، بل تبحث عن الحقيقة التي تختفي وراء الظاهر من خلال العمل نفسه.

· إنّها تعنى بتوجيه العناصر نحو كلّية العمل أو نظامه، وليس نظام العمل سوى حقيقته.

ç البنية المركزيّة:
يؤكد جولدمان أنّ البنى الذهنيّة تتغيّر مع تغيّر المواقف والأحداث لكي تتكيّف مع الموقف الجديد، بمعنى أنّ لا دوام للبنى، وإنّما تتحدّد بضرورة تحقيق وظيفة في مناسبة بعينها، وتتجمّع البنى الصغيرة لتكوّن بنية أكبر.

هذه الفكرة فكرة عدم وجود بنية مركزيّة للذهن الإنساني يوضّحها دريدا، فهو يقارن بين البنية الإنشائيّة وبنية الفكر الإنساني، فيرى أنّ البنية الإنشائيّة لا بدّ لها من مركز أو محور ثابت جامد يمسك بكلّ ما حوله، وإلا تخلخت البنية وانهارت، ولكنّ البنية في العلوم الإنسانيّة لا تمثّل مركزًا ثابتًا ومحدّدًا، ولو كان لما كانت هناك رغبة في التعبير الإنساني، ولما كانت هذه الكثرة الكاثرة من أنماط السلوك البشري، ولمـّا كان المركز البنائي غائبًا، فقد اتّخذت اللعبة التي تمثّل الفكر الإنساني أشكالاً متنوّعة لا حصر لها، بحيث يمكننا القول بأنّه في غياب المركز كثر التعبير.

وهذا الغياب هو سبب اجتهاد الفلاسفة في تحديده، ومن ثمّ اختلاف نظراتهم الفلسفيّة إزاءه.


-----------------------------------------------------------------------------------------

[1] أورد د. حسام الخطيب هنا مقالة لــ: د. نبيلة إبراهيم، نشر في مجلّة فصول ، المجلّد الأول، العدد الثاني، القاهرة، يناير 1981م، وهذا الاستعراض يتضمّن تلخيص لتلك المقالة.

قديم 10-25-2010, 07:53 PM
المشاركة 27
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ç تفسير بنيوي للعقل البشري:
إذا كان العقل البشري يحلّ مشاكله من خلال بنية ما، وإذا كانت هذه البنية هي صفة العقل البشري منذ الأزل، فهل هناك تشابه بين طرق تفكير العقل البشري في استيعابه لمشكلاته، وفي الوصول إلى طريقة لحلّها؟

هنا يتحتّم علينا أن نعود إلى الانثروبولوجيّة البنيوية، وإذا ذكرت الانثروبولوجيّة البنيوية ذكر (ليفي شتراوس)، الذي لا يعدّ رائد الانثروبولوجيّة البنيوية فحسب، بل رائد البنيويين بصفة عامّة.

وبناء على ذلك فإنّنا عندما نقوم بدراسة العناصر البنيوية للظواهر الحضاريّة، فإنّنا نقوم في الوقت نفسه بالكشف عن طبيعة العقل البشري، وهذا الكشف يصدق على الإنسان المعاصر، مثلما يصدق على عقل الإنسان البدائي، فنتاج الحضارات مختلف كلّ الاختلاف على السطح، ولكن بما أنّ كلّ الحضارات في من نتاج العقل البشري، فلا بدّ أن تكون هناك في مكان ما تحت السطح ملامح يشترك فيها الناس جميعًا، وفي هذا يقول ليفي شتراوس: "والانثروبولجيا البنيوية تقدّم لي نوعًا من الرضا الذهني، فهي تربط بين تاريخ الكون من الطرف البعيد، وتاريخي أنا من الطرف القريب، وهي تكشف القناع عن المحركات المشتركة في الوقت نفسه".

وعند البنيويين أنّ هناك مظهران لنماذج الفكر والسلوك الإنساني الشعور واللاشعور، وكلٌّ منهما يخضع لبنية محدّدة، ومن الخطأ أن نكتفي بدراسة المظهر الشعوري في دراسة بناء الفكر الإنساني، كما أنّه ليس كافيًا أن نردّ بعض الظواهر للاشعور، فهي كلّها ليست إلا أشكالاً متنوّعة من التعبير أساسها بناء كلّي واحد، ومن هنا نفهم أن التحليل البنيوي هو إجراء لتصنيف الظواهر الاجتماعيّة، وربط بعضها ببعض في مفهومات كلّية واحدة، وعندئذ ندرك العلاقات بين هذه الظواهر في مستوياتها المختلفة من ناحية، كما أنّنا ندرك العلاقات بين الشعور واللاشعور من ناحية أخرى.

فالبنيويون يؤكدون على وجود ميكانيزم (مكانيكيّة) في الإنسان، يتحرّك بوصفة قوّة بنيوية، ومظهر التحليل الذي يعتمد على التفكيك والربط، هو اكتشاف العلاقات بين مظره وآخر من مظاهر الحياة الإنسانيّة، أي اكتشاف بنيتها.

ç البنيوية والتحليل النفسي:

إنّ اهتمام البنيويين بالنشاط اللاشعوري للفكر البشري أدّى إلى التقائهم بالتحليل النفسي، ووجه التشابه بينهما أنّ علماء التحليل النفسي يحاولون سبر منطقة اللاشعور بقصد الكشف عن الحقيقة الرابضة فيه، التي تطفو أحيانًا إلى السطح في شكل ظواهر سلوكيّة على نحو ما، شأنه شأن البنيوية التي تبدأ من الظاهر لتدخل إلى الباطن، فيحاولون الوصول إلى النسق الذي يجمع هذه الظواهر المتفرّقة.

بيد أنّ وجه الاختلاف يتمثّل في في أنّ ما تبحث عنه البنيوية من نسق أو بنية يقع في عمق التاريخ البشري، وفي عمق التكوين الكوني، في حين أنّ النسق الذي يبحث عنه علم النفس التحليلي يقع في اللاشعور الذي تشكّل محتواه في النهاية حياة الإنسان الفرديّة.

ولهذا فإنّ البنيوية لا تميّز بين حالتي الشعور واللاشعور فحسب كما يفعل علماء النفس، ولكنّها تضيف إلى ذلك مصطلح Non-conscious وهو مصطلح تصعب ترجمته إلى العربيّة، إلا إذا تجاوزنا وترجمناه بحالة (خارج الشعور)، ويضرب البنيويون لذلك مثالاً على سبيل التقريب بعمليّة المشي، فالمشي ليس فعلا لا شعوريًّا، كما أنّه ليس فعلاً شعوريًّا كاملاً، بمعنى عندما أمشي لا أكون بوعي بحركة المشي وكيف أقوم به، ولكنّنا في نفس الوقت يستحيل علينا عدّ المشي حركة لا شعوريّة.

وأهميّة تحديد هذا المستوى من الشعور بالنسبة للبنيويين هو أنّ كثيرًا من أفعال الفرد في الحياة الاجتماعيّة تتمّ على هذا المستوى، فقد يمارس الفرد سلوكًا تمارسه الجماعة، ولكنّه لا يتساءل عن مصدر هذه الممارسة ودوافعها، ونجد كثيرًا من التصرفات لا تتمّ إلا على مستوى الشعور الجمعي لا الفردي، وهنا نصل إلى مصطلح آخر تحدّث عنه البنيويون وهو (الذاتية المتداخلة Intrasubjective)، فنحن هنا إزاء الذات، ولكنّها الذات المتداخلة مع الجماعة، وهذا المصطلح مهم للبنيويين لأنّه يمهّد لفكرة البناء.

على أنّه لا يفترض دائمًا أن سلوك الفرد لا يتمّ إلا على هذا المستوى الجمعي، ففي أحيان كثيرة يعلو صوت الفرد بحيث لا يشعر أنّه يسلك من خلال الجماعة، بل يقف على بعدٍ منها، ومع ذلك فإن هذا السلوك الفردي لا يعني أنّه انفصل عن الجماعة، بل إنه اتّخذها موضوعًا يتأمّله، وهنا نأتي على المصطلح الثالث وهو (الذات المشاركة Inter subjective) الذي يعني أنّ الفرد يعيش بين الجماعة لا من خلالها، وهذا يعني أنّ هناك نمطين من الذات، الذات التي تتكون من عدة ذوات، والذات التي يكون الغير موضوعًا لها.

قديم 10-25-2010, 07:56 PM
المشاركة 28
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ç البنيوية والنقد الأدبي:
لا شكّ أنّ الاتجاه البنيوي بصفة عامة، سواء في الدراسات الأنثروبولوجيّة أم اللغوية أم النفسيّة قد غيّر مسار النقد الأدبي، وغيّر الرؤية لطبيعة التعبير الادبي ووظيفته، كما أسهم في تطلّع النقاد إلى البحث عن أسلوب جديد لتحليل العمل الإبداعي.

لم يكن الالتفات إلى أنّ العمل الأدبي وحدة متكاملة وقفًا على البنيويين، فهناك دراسات سابقة تعاملت مع الأدب وفق هذا المنظور، منها: كتاب (أشكال بسيطة) لأندريه يولس، و(مورفولوجيّة الحكاية الخرافيّة) لفلامدير بوب، فالنظرة البنيوية لهذين الكتابين واضحة، وإن كانا لا ينتميان إلى الاتجاه البنيوي، فالأول محللا للأدب الشعبي، والثاني من المدرسة الشكليّة التي عارضها البنيويون.

والآن ما موقف النقد البنيوي من العمل الأدبي على المستوى الفردي؟، ربّما لم تصطدم البنيوية بمجال من مجالات التعبير الإنساني كما اصطدمت بالتعبير الأدبي الفردي، ذاك أنّ المباحث السالفة التي ناقشتها البنيوية لا يماري أحدٌ أن تنتمي إلى العقل الجمعي، أو اللاشعور الجمعي، أيّ أنّنا نكون بإزاء أعمال شملتها المسيرة التاريخيّة التي مرّـ بمراحل عديدة من التطوّر البشري، لذلك ظلّت مشكلة الفرد المبدع محلّ نقاشٍ كبير ولم تحسم.

يطالب البنيويون بأنّ التحليل الأدبي أصبح يتطلب معرفة شاملة عريضة، تشمل معرفة التراث، وتعبير الإنسان البدائي والشعبي، ونظم اللغة، والنظم الرياضيّة والطبيعيّة، لكي يتوصّلوا إلى طريقة صياغة المبدع لرموزه، وطريقة صياغة لبناء فكره، ولكن كلّ هذا لا يغلي أبدًا ذاتيّة الفرد المبدع.

وبالتالي حدث تحوّل في النظريّة البنيوية بالربط بين الأدب وحركة التطور الاجتماعيّة، والأديب يتعامل مع لغة إشاريّة ولا بدّ أن يجمع بين عناصر هذه اللغة صوتًا وتركيبًا ودلالة في انسجام كلّي، وأنّ هذه العناصر تتحرّك في حركة رمزيّة باتجاه تكوين النسق، فالنسق لا ينبع من الخارج، بل من الداخل، ومهمة الناقد في الكشف عن الحركة الداخليّة التي تحكم هذا النسق، فإذا توصّلأ إليه أدرك المغزى، لا المعنى، ولا يعدّ المغزى تعبيرًا عن مشاعر خاصّة، بل إنّه تفاعل حيّ بين الفرد وأحوال عصره.

ويمثّل جولدمان هذا التحوّل في النظرية البنيوية للعمل الأدبي، فالبنية تكون مجرّد افتراض إذا اختصّت بعمل واحد، وكلنها تكون حقيقة إذا درس هذا العمل بين أعمال أخرى مرتّبة زمنيًّا، بحيث تكون هذه الأعمال مجالاً لدراسة النظم السياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة والاجتماعيّة التي تمثّل عناصر في بناء كلّ عمل.

ولم يكن رولان بارت في درجة وضوح دولدمان وصراحته من حيث علاقة العمل الأدبي بتفاعلات عصره، فهو مرة يقول بأنّ العمل لأدبي يمكن أن يكون محلّ دراسة نقديّة ورؤيّة جديدة، بصرف النظر عن المجال الاجتماعي، لأنّه يعدّ عملاً رمزيًّا، والرمز يحتوي على معنى غزير يحتمل التأويلات والتفسيرات.

ومرة أخرى يقول إنّ الموضوع الكلّي المتكامل الذي يجمع بين نشاط الفنّ والحياة، هو الذي يكون مادة للتحليل الأدبي، وأنّ العمل الفنّي ينقطع حبله السرّي بمجرّد أن يفرغ الكاتب منه، أمّا العمل الذي يرتبط بصاحبه فهو العمل الفاشل، ويمكن تناوله على مستوى التاريخ الأدبي لا النقد الأدبي.

وبارت يهتمّ بالنص من حيث هو تكون لغوي، يعكس موقفًا اجتماعيًّا عامًا، فهو يقول: " إنّ الأدب واللغة يخوضان اليوم عمليّة بحث أحدهما عن الآخر، وهذا الالتحام الجديد بين الأدب واللغة، يمكن أن أسميه مؤقّتًا النقد السيمولوجي، إذ أنني لا أجد اصطلاحًا آخر أوثق منه، وليس النقد السيمولوجي مرادفًا للأسلوبيّة، حتّى الأسلوبيّة في ثوبها الجديد، ذلك أنّ النقد السيمولوجي لا يهتمّ بالصيغ التي قد تأتي عفوا، بل يهتم بالعلاقة الوثيقة بين الكاتب واللغة،...".

ويشير بارت إلى مجموعة من حقائق الأنثروبولوجيا اللغوية التي تتزحزح لتصبح حقائق أدبية، عندما تنقل اللغة إلى الأدب، وهي:

· إنّ أهمّ ما يعنى به علم اللغة الحديث هو التنبيه على أنّه ليس هناك لغة ليس لها نظام، قديمة أم حديثة، بدائيّة أم متطورة.

· إن اللغة ليست أداة بسيطة للتعبير عن الفكر، إنّ الإنسان لم يوجد قبل اللغة، وليست هناك حالة واحدة تشير إلى أنّ الإنسان عاش منفصلاً عن اللغة، فاللغة هي التي ميّزت الإنسان وليس العكس.

· إنّ علم اللغة علّمنا منهجيًّا أنّ هناك شكلاً جديدًا من الموضوعيّة التي قبلناها قديمًا للعلوم الإنسانيّة، فكنّا نتعامل مع العلوم الإنسانيّة على أن نقبلها قبولاً كلّيًا ،أما اليوم فعلم اللغة يقترح أن تميّز بين مستويات التحليل، وأن نصنف العناصر المميزة لكل مستوى من هذه المستويات، فعلم اللغة يقدّم لنا المنهج الذي يمهّد لجلاء الحقيقة، لا المنهج الذي يشير إليها في حدّ ذاتها.

قديم 10-25-2010, 08:03 PM
المشاركة 29
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ç تنوّع التحليل البنيوي

تتنوع أبحاث البنيويين في مجال التحليل الأدبي بين التركيز على الوظيفة الاجتماعيّة، والتركيز على الأنظمة اللغوية ومدلولاتها الأدبيّة، ونتيجة لذلك تنوّعت نماذجهم البنيوية التي يفككون بها العمل الأدبي، ويربطونه بها.

فإذا بدأنا بليفي شتراوس الذي وصف بأنّه ذو عقليّة رياضيّة، فنجد أنّه وضع النموذج الرياضي التالي الذي استخدمه كثير من البنيويين، وهو:
Fx (a) : Fy (b) = Fx (b) : Fa-l (y)

الحرف (b) هو عنصر الوساطة الذي يكون قادرًا على احتواء المتعارضين، (F,Fx,Fy) اختصار Function ، (×) ترمز للشر، أو لنقل العنصر السلبي، وذلك عكس (y) التي تشير إلى الخير/ العنصر الإيجابي.

وتفسير هذه المعادلة يتمثّل في أنّ (a) الذي يمثّل الحالة الاجتماعيّة الراهنة (x) التي يطلب تغييرها، تقف في وجهة القوة الواسطيّة (b) التي تغيّرها إلى وظيفة إيجابيّة، وبهذا يمثّل طرفا المعادلة الأولى الصراع بين الشرّ والخير، أو السلب والإيجاب، أمّا الجزء الثالث من المعادلة فهو يمثّل مرحلة التحوّل من التي يحتوي فيها عنصر الواسطة (b) عنصر السلب (x)، لكي يغيّر فيصبح (F×(b)) وأمّا الجزء الأخير، فهو يمثّل نهاية مرحلة الواسطة، على أنّ (y) لا تساوي الوظيفة الأولى لها في بداية المعادلة، لأنّ الاولى مرحلة استعداد، والثانية حلّ، أيّ الوصول إلى إلغاء القوّة السلبيّة، وهذا لا يتأتّي إلا إذا سلبت القوة الشريرة بعض قوّتها، فتصبح Fa-l، وبهذا تصبح (b) واسطة بين موقفين.

وقد استغلّت هذه الصيغة لدلالتها الاجتماعيّة، وقابليّتها للتحليل في أعمال كثيرة.

ويعد غريماس أفضل من استطاع أن يستغل صيغة ليفي شتراوس التي تقوم على أساس عرض المتناقضات وبينها الوسيط، وتعدّ صيغته أقوى، لأنّه استطاع أن يربطها بعنصر القصّ، ولم يجعلها فرزًا للعناصر المتعارضة ، وحمل بعضها على بعض.

فالعمل القصصي بالنسبة لغريماس أحداث يتّضح من خلالها دور الشخوص بوصفها فاعلة أو مفعولاً بها، أيّ أنّه:

· يمثّل موقف فرد (بطل) من موقف أو مواقف جمعيّة، وفي هذا الإطار يتحرك البطل على مستوى الرغبة والإرادة والفعل.

· كما أنّ موقفه من المجتمع يدور حول حركتين أساسيتين هما: الاتصال والانفصال.

وتتحدد أفعال البطل وصفاته من خلال مجموعة من الاختبارات التي يفشل في بعضها وينحج في بعضها الآخر، ومن هنا يمكننا أن نقول أنّ الوحدات الأساسيّة للنموذج تتمثّل في:

· عقد البطل بينه وبين نفسه، أو بينه وبين مجتمعه.

· مجموعة الاختبارات التي يمرّ بها البطل، والتي تحدد ردود فعله أو صفاته، إن سلبًا أو إيجابًا.

· انفصاله عن المجتمع واتصاله به.

فإذا استطعنا أن نجمع هذه الوحدات الثلاث في حركتها المتصاعدة مع القص، مستخدمين في الوقت نفسه التقسيمات الثنائية المتعارضة التي يقف البطل وسيطًا بينها، فإنّنا نصل في النهاية إلى جوهر العمل القصصي.

وهناك نماذج عديدة استخدمها البنيويون في تحليلهم للعمل الأدبي.

وختامًا فإنّ ميكانيكيّة التطور الأدبي تتضح دائمًا وأبدًا عبر العصور الأدبيّة، والمنهج البنيوي وحده الذي يستطيع أن يكشف عن حركة هذا التطوّر، فالعنصر الذي تكون له وظيفة في عصر، يفقد وظيفته في عصر آخر، وهكذا يتحول تاريخ الأدب إلى تاريخ الأنساق الأدبية.
/
\
/
وبعدُ..
انتهى التلخيص الاستعراضي لمحتويات هذا الكتاب والأفكار الثرّة التي وقف عليها وناقشها، وإذ أفدتُ منه كثيرًا، فإنّي أشيد به وأنصح بقراءته لكلّ دارس أدب، أو مهتمّ به على الصعيد العلمي والأكاديمي، فما ورد هنا ما هو إلا غيض من فيض، و إنّ وعينا بالتغيرات والتطورات في الميدان الأدبي هي بعض من وعينا بالمسيرة البشرية وحضارتها.
تحيتي..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: تلخيص استعراضي لكتاب: (جوانب من الأدب والنقد عند الغرب) لــ: د. حسام الخطيب..
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء " سرالختم ميرغنى المقهى 2 11-16-2020 05:44 PM
تلخيص رواية الخيميائي عماد السلمي منبر الآداب العالمية. 24 07-05-2020 12:00 PM
خزانة الأدب ولبُّ لباب لسَان العرب - عبد القادر بن عمر البغدادي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 2 06-08-2014 11:49 AM
مواقف في الأدب والنقد - عبد الجبار المطلبي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-23-2014 12:49 PM
الالتزام في الأدب بين الغرب والعرب رقية صالح منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 6 08-02-2011 03:51 PM

الساعة الآن 12:13 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.