احصائيات

الردود
0

المشاهدات
838
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
02-13-2021, 06:11 PM
المشاركة 1
02-13-2021, 06:11 PM
المشاركة 1
افتراضي فسحة
فسحة

*

يحمل الجابري العقل العرفاني جريرة تقهقر العقل العربي، حيث كسر مبدأ العلية وأصبح اللاممكن في مجال الممكنات، كسر العلاقة بين السبب والنتيجة، فتح المجال لرفض الأنساق العقلية، ولعل كانط كرس الكثير من جهده لإنقاذ ما تبقى من العقلانية بعد أن حطم هيوم قلاعها وترك الأوربيين فريسة شك متشعب. نفس الشيء فعله ابن رشد حين سطر كتابه تهافت التهافت ردا على أبي حامد مع مراعاة الفوارق بين العالمين.*

تمر الأيام وتتآكل حصون العقلانية وتأبى النفوس العيش في حضن جبريتها القاسية وجفاف مشاعرها، فجاءت مكانيكا الكم لتطلق أعيرة دقيقة زعزعت الكثير من المسلمات المنطقية كازدواجية الهوية والتنقل اللحظي للمعلومة. تثير مخرجات فزياء الكم الكثير من اللغط، إذ فتحت المجال أمام تأويلات عرفانية لتسترجع ما خصمته العقلانية من رصيدها، محاولة إنشاء حقول معرفية تجدد ثوبها، والبراسيكلوجيا واحدة من*ثمارها المغرية. في الوقت الذي أطلق فيه الجابري مشروعه العقلاني تأهبت العرفانية لكسر هذه الانتفاضة الجديدة للعقل العربي وقاد طه عبد الرحمان حملة فلسفية تستخف بالعقلانية ومنتوجها، وانضم يوسف زيدان لكوكبة المنافحين عن العرفانية وأقطابها كابن عربي والحلاج.*

هذا الحوار بين الوجدان والعقل سيبقى حاضرا عبر العصور فمتى طغى العقل بحث الوجدان عن متنفس يخرجه من هذه الدائرة المغلقة، ومتى سيطر الوجدان وتناثرت الحقائق التزم العقل بتسطير بعض الحدود.*

لعل تضارب المذاهب الفلسفية في جزء كبير منه راجع لتلك الازدواجية بين مكونين عميقين في النفس البشرية، كثيرا ما يزعج ذلك التضارب المتتبع، فيحكم على الفلسفة بكونها أقرب إلى العبثية أو في أحسن الأحوال رياضة عقلية فيها إسراف للجهد وغنائم شحيحة. لكن رغم ذلك تبقى الفلسفة هي ما ينتج الخيارات، فالشخصية الإنسانية تقلقها الرتابة متى طالت، وتزعجها الفوضوية متى استحكمت، لذلك فالإنسان يبني جسرا *بين رغبته في النظام وعشقه للحرية.*

كثيرا ما تستعمل كلمة اللعبة في الخطاب، واللعب قرين البراءة لأنه مرتبط بعالم الطفولة واللاعقل، فاللعبة هي تفاعل مع المحيط يحقق متعة، هذه المتعة في صلبها ليست مادية، بل مجرد راحة نفسية، فهي نوع من العبث المريح، فعندما نتحدث عن اللعبة في مجال السياسة أو العلاقات الاجتماعية. فنحن نضفي على الواقع صورة عرفانية للتخفيف من وطأته والخروج من دائرته المغلقة. نرشه بشيء من العبثية نحرره من قيود العقل الصارمة حيث الحقيقة تقتضي ملاءمة ما يوجد في الأذهان لما يوجد في الواقع.

تصنف بعض الفلسفات المعاصرة في الغرب في خضم التيار العبثي أو العدمي رغم أن هذه المفاهيم لا تنقل لنا وفق سياقاتها، فعدم نيتشه ليس بالضرورة غيابا للمعنى بصفة عارمة بل مجرد جواب عن الرضوخ الألماني في وقت من الأوقات، فنيتشه وضع نصب عينيه قوة نابليون وأسقط عليها فلسفة القوي الذي لا يتأثر بسحقه للضعيف، فالعدمية عند نيتشه هي الأفكار التي يتبناها الضعيف ويعتبرها هي المثل العليا، وعدمية هايدكر هي انشغال الميتافزيقا بالميتامعرفية ونسيانها للتفاعل الإنساني بكونه موجود في هذا العالم ويحتاج لقيم العيش المشترك وهي وقفة ضد تنامي الصراع بين الشيوعية السوفياتية واللبرالية الأمريكية. وعدمية سارتر تتلخص في كون الوجود يقتضي تعديم باقي الخيارات، وهو جواب على الحرب العالمية.*

رولان بارت تفطن أكثر من غيره لجبروت اللغة، واعتقد أن اللغة تحمل في طياتها استبدادا في قواعدها، ويعتبر الأدب هروبا من استبداد اللغة، للعلم فكل هؤلاء العبثيين يؤمنون بكون الأدب والفن خير معبر عن الحلم الإنساني النبيل.*

لذلك وجب الرجوع إلى حوار العقل والعرفانية بعد هذه الفسحة العبثية، ما بعد الحداثة استجابة وجدانية للخروج من شرنقة العقلانية الغربية بصبغتها الجبرية التي طغت على كل الحقول المعرفية لذلك تعتبر العقل مجرد صنم جديد يستحق التحطيم والهدم لأنه لم يستطع انتشال الإنسان من بؤسه، وعمدت إلى مساءلة كل أشكال الوعي بتفكيكها و البحث عن مكامن هذا البؤس. تفكيك الموروث الحضاري الإنساني علامة على استنفاد أسلوب معين للوعي لطاقته، فلأكثر من قرن لم يستطع العقل الغربي إنهاء تحليلاته، سواء في التاريخ أو في اللغة أو في العلوم، وغابت النظرة الشمولية أو النسق الفلسفي، فالتفرعات *الجزئية تحجب النسق، ولعل الفلاسفة ينتظرون بشغف متى تستقر الفيزياء على نظرية موحدة يبنون عليها نسقا معرفيا شاملا. وهذا في حد ذاته فقر في الإبداع و قصور في النظر والاستشراف.**

في غفلة من العقل يتأسس عالم افتراضي ساخر من كل التوجهات الفلسفية، *عالم غير حقيقي رغم حقيقته الصادمة، فيه تظهر لغة جديدة وتفاعلات مستحدثة وأنماط مبتكرة من الوجود، فيه تتبعثر الحقائق حد العبث، وفيه تزدهر الأفراح الافتراضية والحروب الدونكيشوتية، وفي ذات الوقت يمكن لمنشور غاية في التواضع أن يحرك الواقع بعنف، وينسف معالم حقيقية، عالم عصي على السيطرة والفهم وضروري للفعل، عالم مواز للعالم الحقيقي حيث تتخذ الهوية نمطا جديدا بداية بالاسم المستعار مرورا بالصورة الرمزية والشعار والبريد الرقمي، عالم تسكنه اللعبة، لعبة دائمة مستمرة، عالم هارب من العقل وتطفو فيه الميول وتتوسع فيه مساحة الترفيه وتنكمش دائرة الجد، عالم معرفي تسكنه اللامعرفية. عالم مرآة لما تنشده النفوس من القفز على الواقع، قفزة لما وراء العالم تكاد تكون كيركيكاردية. المسألة غاية في الجد أن انفلاتا كهذا لابد يؤسس لنمط عقلاني جديد قد يبلور ويفرج عن رؤية فلسفية واضحة المعالم تعيد لملمة هذا التشظي. تعطي الإنسان جرعة ثقة وتجعل موقفه يستند إلى أرضية صلبة تكون معيارا للانضباط والتحكم. *



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: فسحة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فسحة المساء علي هزايمه منبر الحوارات الثقافية العامة 2 03-01-2021 08:13 PM
فسحة إيلين إيمان المقهى 2 12-23-2020 05:43 PM
فسحة قصيرة جدا .. ندى يزوغ منبر القصص والروايات والمسرح . 2 12-07-2010 03:20 AM

الساعة الآن 04:57 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.