قديم 05-11-2012, 03:21 PM
المشاركة 551
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الروائي الجزائري رشيد بوجدرة من كبار الراوائيين على مستوى عالمي

رشيد بوجدرة ضيف ''الخبر''
المناخ السياسي راكد ولا يساعد على الإبداع

أوضح الروائى رشيد بوجدرة أن الجزائر تعيش حاليا واقعا ثقافيا متوسطا، حيث تبرز بعض الأعمال الثقافية والإبداعات، بين الحين والآخر، بعد الانفتاح السياسي والثقافي والاقتصادي، مبرزا في نفس السياق أن الانفجار الثقافي والإبداعي لم يتمكنا من إيجاد أعمال خارقة للعادة، تحمل تطويرا أو تغييرا بطريقة عميقة.
أرجع بوجدرة تدني مستوى الإبداع الجزائري في السنوات الأخيرة، إلى عدم وجود شرخ، وفي شتى المجالات، محملا كلا من الجيل الذي جاء بعده والجيل الجديد مسؤولية العجز عن إحداث هذا الشرخ. وقال بوجدرة: ''في الرواية أتت المجموعة المؤسسة، والمتمثلة في كل من فرعون ومحمد ديب ومعمري، ليحدث كاتب ياسين أول شرخ، أما الشرخ الثاني فأحدثه رشيد بوجدرة، وبعدها لم يأت شرخ آخر يتحدى الممنوعات والمحرمات''.
وأشار ضيف فطور الصباح، إلى أن الطاهر وطار كتب رواية سياسية جيدة، ولكنه لم يحدث شرخا، كونه لم يقحم أبدا موضوع الجنس مثلا.
وواصل بوجدرة قائلا :''في كل المجتمعات والحضارات لا تأتي الشروخ، إلا بعد نصف قرن تقريبا، عقب ثورات ثقافية وإبداعية وفنية، تكون مرتبطة بالانقلابات السياسية والتاريخية. مضيفا: ''نحن الآن نعيش فترة ركود لم تمكّن من وجود شرخ، ولكن رغم ذلك توجد قدرات هائلة، ومنابر عبور أصيلة، لكن للأسف ينقص شيء ما، أضف إلى أن المناخ السياسي الراكد، لا يساعد على الإبداع''.
ونفى صحّة الطرح القائل بأن الحريات في الجزائر تراجعت، ناسبا الفكرة إلى ابتكار صحفيين، يستعملونها للاستفزاز وجلب القارئ، مبرزا في نفس السياق أنها موجودة لدى بعض السياسيين والمثقفين الذين تحمل مقالاتهم نوعا من الذاتية المفرطة، البعيدة عن الموضوعية في معارضة السلطة.
وأظهر بوجدرة أنه لا يدافع عن السلطة السياسية القائمة حاليا، كونه مناضلا معارضا وماركسيا، وإنما هو ضد الطرق التي يستعملها بعض ''المتسيسين''، إذ يقدّم البعض نفسه على أنه مثقف ولكنه سياسي، يقوم بصناعة السياسة. وقال بخصوص هذه المسألة: ''السياسة نضال صعب، وعلى مستوى العمل السياسي هنا مشاكل وعقبات توضع أمام الناس الذين يحترفونها''. وتحدث رشيد بوجدرة عن قضية الرقابة التي لا تهم المبدع، بدليل فرضه لنفسه على الرقابة الجزائرية التي كانت متشددة في زمن الرئيس الأسبق هواري بومدين، مذكرا بأن الرقابة الذاتية في الإبداع تلعب دورا أكبر من الرقابة السلطوية.
وقال المتحدث بأن بومدين كان رجل دولة حقيقي، يشهد له التاريخ الجزائري بذلك، معقبا ''كان كذلك رغم سلبياته، ورفضه عودتي لأرض الوطن بعد غياب دام سنتين في باريس، وثلاث سنوات بالرباط، وزجّي في السجن مرتين''.
وانتقد رشيد من يعتبره كاتبا استفزازيا، لأنه يعبّر عن شعوره الداخلي بصدق، ويكتب ما يعيشه للتنفيس، مضيفا ''أنا مهوس بالثالوث المحرم، ومن يتهمني بالكتابة الاستفزازية ينسى جهدي الذي أبذله، فأنا أتألم لما أكتب، ونزاهتي تغلبني''.
وأضاف بوجدرة أنه كاتب نخبة، بدليل أن القليل فقط من يقرأ له، فكتبه لا يباع منها سوى 75 ألف نسخة، نظرا لصعوبة كتابته، وقال: ''أصبح لديّ نوع من الشهرة على أنني أكتب كتابة معقدة، وأن كتاباتي مرَضية، وهذا راجع لتكويني في الفلسفة والرياضيات''.
وكشف المتحدث أنه لما قرأ ''الحريق'' لمحمد ديب، لم يتحرّك فيه ساكنا، لكن قراءته ''نجمة'' لكاتب ياسين زعزعت كيانه

قديم 05-11-2012, 03:25 PM
المشاركة 552
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كتبهاالخير شوار ، في 29 يوليو 2007 الساعة: 17:19 م


حوار مع الروائي الجزائري رشيد بوجدرة:
في فرنسا كنت دوما مراقبا من طرف الشرطة

أنا ضد المصالحة حتى الموت·


في هذا الحوار الذي أجري مع الكاتب الجزائري الشهير رشيد بوجدرة يتحدث بجرأة كبيرة عن مجمل تجربته في الكتابة ومواقفه السياسية والكثير من القضايا ذات الصلة، وقد أجري في شهر أوت 2005 قبيل الاستفتاء حول قانون السلم والمصالحة في الجزائر التي أبدى بشأنها موقفا مغايرا:

حاوره: الخير شوار
لنبدأ من البداية.. من رواية "التطليق" الصادرة سنة 1969 بالفرنسية، التي تبدأ بتكسير "طابوهي" الدين والجنس (زنا المحارم)، وتنتهي بتكسير طابو السياسة من خلال الاستنطاق البوليسي، هل كنت واعيا بذلك حتى تحقق النجاح من العمل الأول؟
طبعا كنت واعيا بذلك، وكنت مناضلا سياسيا قبل أن أنطلق في الكتابة، وخاصة فيما يتعلق بطابو المرأة، وقضية الجنس، والسياسة والدين، ولكن بطريقة واعية، لم أكسر تلك الطابوهات في ذلك العمل الأول من أجل الشهرة أو للنجاح، لم أفعل ذلك.. كانت هناك أمور متغلغلة في كشخص خاصة أثناء مرحلة الطفولة ومن المراهقة، فقد جاء الأمر عفويا، لم أختلق شيئا من ذلك.

ذكرت مرة أنك أثناء لحظة الكتابة الأولى لم تكن تقصد كتابة رواية، بقدر ما قصدت تأليف كتاب، يتناول "سلطة الأب"، كيف تحولت تلك "الدراسة" إلى رواية؟
نعم حول قضية الرجل والمرأة، ومسألة إقطاعية الرجل، أنا خريج الفلسفة والرياضيات، كان ليشغف بالكتابة، وكتبت سنة 1965 تلك المجموعة الشعرية، وقضية الأب بالنسبة إليّ هي الهاجسي المركزي، العقدة المركزية، ولم أقصد أبي الشخصي فحسب، وإنما الأب كسلطة بصفة عامة، لقد عشت تلك أمور، ومن خلال المناخ الإقطاعي الأبوي في البيت كانت علاقات زنا المحارم طبيعية، وكتبتها لأني عشتها رغم أنفي، أنا أغتصبت (بضم الألف) من طرق نساء منهن زوجة أبي، وأختي، فلم استعمل ذلك من أجل الإثارة، وإنما هو الواقع، وكل ما عملته هو أني وضعتها في قالب تقني روائي وفق ما أسمه "عقاقيري".. لم تأت محرجة أو جارحة، وإنما في قالب شعري.

على ذكر "التطليق"، بعدها كتبت حوالي عشرين رواية، ولكن أسمك ما زال مرتبطا لحد الآن بتلك الرواية الأولى، هل نقول أن "التطليق" جنت عليك؟
لم تجن علي، فمن خلالها اكتسبت شهرة فائقة، وإلى الآن هي الرواية الأكثر المقروئية، فقد صدر منها لحد الآن باللغة الفرنسية مليون نسخة ككتاب جيب، وقضية رواية "التطليق" هي المعروفة عند بوجدوة أمر مرتبط بجيل معين، هناك من لا يعرف إلا "التطليق"، ولكن هناك أجيال أخرى، جيل يعرف "التفكك" مثلا، أو "المرث"، أو "معركة الزقاق"، أو "ألف وعام من الحنين" هذا بالنسبة لجيلكم، أما الجيل الأول فمازال مرتبطا بـ "التطليق" لحد الآن، وبعضهم لم يقرأ الأعمال الأخرى، وفي رأيي الشخصي "التفكك" الرواية الأولى التي كتبتها بالعربية، أحسن من "التطليق" بكثير، و"المرث" بالنسبة لي هي الأحسن على الإطلاق، والرواية الأخيرة جاءت بالعربية مع "معركة الزقاق" صدفة.
فالقارئ حر، والناقد حر في اختيار الرواية التي تعجبه، فربطي "التطليق" دون غيرها، هو فعلا بالنسبة لجيل معين.

نعود إلى طابو السياسة الحاضر في متنك الروائي بقوة منذ البداية، هل يمكن أن نقول بأنك روائي سياسي؟
أبدا.. أنا أرفض هذا، وأنا ضد الرواية السياسية، فقد أكل عليها الدهر وشرب، وانتهت منذ زمان، الذيعندي هو توظيف للسياسة من خلال التاريخ كحيلة حتى أتجنب الدخول في السياسة المباشرة.

في "معركة الزقاق"، و"ألف وعام من الحين" مثلا؟
نعم.. من خلال التاريخ، من خلال "ابن خلدون" مثلا، أو بعض المؤرخين الآخرين، وحتى بداياتي بالفرنسية "التطليق" و"الرعن" فيها أشياء من السياسة مثلا قضية اضطهاد فرنسا، للشعب الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر، فأنا أرفض هذا التضييق، وفي الأخير الناقد حر فيما يقول.

هناك كتاب يعتبر استثناء في مسيرتك، فبعد الحضور السياسي من خلال التناص، كتبت في السياسة مباشرة "فيس الحقد"، في بداية التسعينات وهو كتاب "هجائي" إن صح التعبير في بداية الأحداث والأزمة الدموية المعروفة، هل كنت تتوقع ساعتها ما حدث فيما بعد؟
*عندما كتبت "فيس الحقد" كان مسلسل الإرهاب قد بدأ، وصراحة لم أكن أتوقع ما حدث بالفعل بعد ذلك من دماء وأحداث مأساوية، وحتى عند بداية الإرهاب، توقعت أن ينتهي في غضون سنة أو سنتين على الأكثر، وقد أخطأنا في ذلك بكل صراحة، وقد توقعت مع بعض الأصدقاء، أن الجيش سيتمكن من حل الأزمة بسرعة، كلنا أخطأنا…

بعدها عشت في المنفى…
(مقاطعا).. لم أعش في المنفى، فهي مجرد إشاعات… كنت في المنفى الداخلي هنا في الجزائر متخفيا، أعيش في شبه سرية، وعندي شهادات وحجج، وصور وأفلام.

يقال أن بوجدرة كان يظهر بلحية، وشوارب مستعارة؟
في بعض الأحيان بشوارب مستعارة، وفي أحيان أخرى بشوارب حقيقية.. طورت اللحية، ولبست الباروكة والقميص.

كيف تستعيد تلك الذكريات الآن؟
هي موجودة في رواياتي، في "حادثة اغتيال ياماها" التي ستصدر بالعربية عن دار البرزخ، وأعود لأؤكد أني لم أهاجر أبدا، كنت أسافر مثلا كنت منذ شهر في إيطاليا، ودخلت منذ أسبوع فقط، وعندما كنت أسافر أبقى مثلا هناك عشرين يوما، أختفي قليلا، وعند سفري إلى أوروبا أو أمريكا كنت دائمافي حماية الشرطة.

كنت معرضا لتهديد مباشر؟
نعم.. في فرنسا مثلا، كانت الشرطة تنتظرني في المطار، وأبقى تحت رقابة الشرطة حتى العودة إلى البلاد، وقد كنت مسلحا.. ولنا شبكتنا التابعة للباكس وقتها، وقد نظمنا أنفسنا، وواسيني شاهد على ذلك.. لقد عشت سنة كاملة في شقة بموريتي، وسنة أخرى في منزل أحمد راشدي الذي كان في باريس، عشت في فيلته في "الجزائر الشاطئ"، سكنت تقريبا في 36 بيت في تلك الفترة، ولم أعش في الغربة، هذه إشاعات مغرضة.

أعلنت مواقفك السياسية بكل صراحة خاصة أثناء إلغاء المسار الانتخابي، من خلال كتاب "فيس الحقد"، ومن خلال التصريحات السياسية، ولكن الناس حاليا لا يعرفون موقفك من العملية السلمية الجارية حاليا، الوئام المدني، ثم مسألة العفو الشامل؟
نعم.. لم أتحدث في الموضوع، لأنه لم يطرح عليّ السؤال بخصوص هذه القضية، فأنا فقط أنتظر حتى يخرج القانون، ويأتي الاستفتاء.. ساعتها سيكون لي موقفي، وسأتظاهر، مثلما تظاهر 800 ألف إسباني ضد منظمة "إيتا"، ضد هذه المصالحة، أنا شخصيا ضدها حد الموت، الرئيس يقول أن هناك 200 ألف ضحية، وأعتقد أن الرقم مبالغ فيه، كيف يحدث كل الذي حدث من تقتيل وتذبيح وغير ذلك، ثم يأتي اليوم العفو الشامل هكذا؟ على الأقل نقول "عفو" أما أن يكون "شاملا" فلا، ثم أن زروال قام بالعفو، بدأ بالعفو…

قانون الرحمة؟
* نعم "قانون الرحمة"، ولكن العفو الشامل معناه "مهما فعلت فأنت معفى عنك"، مواقفي في هذا الموضوع لم تتغير، وأنا شخصيا أترقب حتى يخرج النص.. نص الاستفتاء، أو أن يصدر كتاب حول القانون، وعندما أقرؤه سأقرر، وعلى العموم فمن الناحية المبدئية أنا ضد.

نقلت الصحافة أنك التقيت بالشاعر عيسى لحيلح الذي كان في الجيش الإسلامي للإنقاذ..
أبدا مجرد إشاعات.

أنت تشتغل في نصوصك، على ما تسميه "تناص" مع نصوص تراثية، ويحضر الجاحظ بقوة في متونك، ما هيحكايتك مع هذا الرجل؟
لي قصة مع كل التراث.

الجاحظ خاصة؟
أولا أنا مبهور بالجاحظ، حتى من الناحية الرمزية، أنت تعرف كيف مات الجاحظ، سقطت عليه خزانة من الكتب.

ووظفت ذلك بشكل كاريكاتوري في رواية "ألف وعام من الحنين".
بالضبط، واستعملت الجاحظ كذلك في "الحلزون العنيد"، من خلال كتاب "الحيوان"، واستعملت كذلك ابن خلدون، وقد يكون هذا الأخير هو الأكثر حضورا في رواياتي، من خلال "تاريخه" لأن تحليله للتاريخ رائع فيه حداثة، والتصوف خاصة ابن عربي، والسهروري والحلاج، وغيرهم.

بخصوص ابن خلدون ألا ترى أن هذا الأخير متناقض في نظرياته وتطبيقاتها، وبمعنى آخر هو "رجعي" بطريقة ما، في المقدمة عقلاني، وفي "كتاب العبر" عكس ذلك تماما؟
هذا علميا صحيح، لأن ابن خلدون انتهى، قاضيا للقضاة في مصر، وكتب "كتاب العبر" وهو قاضي القضاة، فمن الممكن أنه أثناء ذلك كان في موقف حرج.

مايمسـى بـ "واجب التحفظ"؟
بالضبط، وما يبهرني في ابن خلدون هو المدخل (المقدمة).

في سياق متنك الروائي.. تبقى رواية "ألف وعام من الحنين" متميزة، كيف نضجت تلك التجربة، وهل يمكن أن نضعها ضمن مدرسة "الواقعية السحرية" التي كانت موضة في ذلك الوقت مع ماريكيز مثلا؟
الواقعية السحرية" كانت موضة قبل ماركيز، الواقعية السحرية هي "ألف ليلة وليلة"، ونحن تربينا على "ألف ليلة وليلة"، ورضعناها من ثدي الأم، فلا علاقة لـ "ألف وعام من الحنين"، بـ "مائة عام من العزلة" لماركيز، ما عدى التشابه في العناوين بصراحة.
"ألف وعام من الحنين" هي رواية الشخصية الجزائرية التي تفقد حتى اسمها من خلال الاستعمار، وهناك شخص جزائري اسمه عديم اللقب (SNP)، "محمد عديم اللقب" أو "محمد SNP"، فعندما كنت صغيرا في المدرسة الابتدائية في قسنطينة، رأيت شخصا اسمه مصطفى SNP(عديم اللقب)، وقد استغربت الأمر، واعتبرته عيبا، وخجلت من أبي لأسأله عن سر "SNP" خاصة حرف "P" الذي لا وجود له في اللغة العربية، وفهمت الأمر عندما كان عمري ثماني سنوات، وقد أفهمني أبي أن الاستعمار انتزع الأملاك من الناس، من القبائل التي تمتلك الأرض، انتزع من القبيلة اسمها من أجل انتزاع أراضيها، ويبقى أفراد القبيلة (SNP)"عديم اللقب"، فأين هي العلاقة بين عائلة "بوينديا" التي كتب عنها ماركيز، بروايتي (ألف وعام من الحنين)، في رواية ماركيز كولونيل يريد أخذ الحكم، وتحدث انقلابات وحروب، لا توجد أي علاقة بين الروايتين.
"ألف وعام من الحنين" هي قراءتي في "ألف ليلة وليلة"، وماركيز هو الذي أخذ "الواقعية السحرية" من ألف ليلة وليلة، نحن فقد فطرنا على ذلك الكتاب ونحن صغار، لا نقرأ وإنما كنا نسمعها شفاها.
وقد جاءتني الفكرة مع فيلم "وقائع سنين الجمر" لمحمد لخضر حامينة، وأدخلت أحداث تصوير الفيلم في الرواية، لقد قمت بقراءة في السلطة السياسية العربية الإسلامية منذ البداية بعد وفاة الرسول، إلى الانقلابات والاغتيالات التي جاءت فيما بعد إلى التاريخ المعاصر، هذا هو "ألف وعام من الحنين"، فأين هو التشابه؟

ما سر اختيارك للمنامة اسما للمدينة، خاصة وهي موجودة (عاصمة البحرين)، هل جلب لك ذلك مشكلات؟
لا.. لا.. تلك الرواية نجحت في الخليج، وربما بسبب "المنامة"، عندما ترجمها مرزاق بقطاش إلى العربية.
أنا لم أفكر في "منامتهم"، كنت أقصد "فرندة" ولم أسمها، فقلت لتكن "المنامة"، وهي لباس النوم، وجاءت كذلك من المنام، ولعبت على تلك المعاني.

لكن "فرندة" لا توجد على "طريق الحرير" محور الرواية؟
أنا مع رأي محمود درويش عند مقارنته للرواية بالشعر، الرواية عكس الشعر قادرة على استيعاب كل الأشياء، حتى العلوم، مثلما استعملت ذلك في رواية "الحلزون العنيد" مثلا، وحتى العلوم الدقيقة في "معركة الزقاق"، هناك معادلة جبرية كاملة.

في "ألف وعام من الحنين" هناك بحار عربي هو أحمد بن ماجد، صديق المكتشف "فاسكو دي غاما"، صورته بطريقة كاريكاتورية، ووصفته بالشعرور، ألم تظلمه؟
* هو كقائد بحرية عظيم، هو أعظم من فاسكو دي غاما، لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح؟..نعم هو من دله على ذلك، لكن المسكين شطبوا اسمه من التاريخ.

أصبحSNP؟
نعم.. SNP (ضاحكا)، ولكن في نفس الوقت أحمد بن ماجد كان شعرورا، كان يحب أن يعرف كشاعر، كان يجب عليه الاهتمام بالبحرية، لأنه كان عبقريا، لكنه اهتم بالشعر، ولم ينجح فيه، إنه لوم لطيف لأن شخصية ابن ماجد تعجبني كثيرا، ففيها نكهة خاصة، بحار كبير يهتم بالشعر، وليست له قدرة على الإبداع فيه.

القارئ المعرب يجد صعوبة كبيرة في رواياتك المكتوبة بالعربية مباشرة، التي تستعمل فيها لغة حوشية قاموسية على عكس الروايات المفرنسة التي هي أكثر سلامة؟
لا أظن ذلك، حتى لغتي الفرنسية هي قاموسية، أنا عندي قاموس خاص، المفرنسون الذين قرأوني قالوا لي أنه لكي نقرأ "التطليق" أو "الرعن"، يجب علينا أن نستعمل القاموس كل مرة، والأمر نفسه ينطبق على كتاباتي باللغة العربية، لقد قالوا بأن زوجتي تكتب لي بالفرنسية، وماذا عن العربية، اعتقد أن قطتي تقوم بذلك (يضحك).

بمناسبة الحديث عن الرواية المكتوبة بالعربية، كيف تقرأ الرواية الجزائرية المعربة مقارنة بنظيرتها المفرنسة؟
صراحة، وبدون شوفينية، الرواية وحتى الشعر المكتوب بالعربية أحسن بكثير من المكتوب بالفرنسية، هناك فرق شاسع بينهما.
الرواية المكتوبة بالفرنسية، عند الكتاب المعروفين بوعلام صنصال مثلا، رواية سياسية محضة، عند رشيد ميموني كانت رواية سياسية محضة كذلك، لقد لمتهم على ذلك، قلت لهم: أنتم مازلتم تكتبون الرواية السياسية التي انتهت معبداية القرن العشرين.
لكنهم كتبوا ما كتبوا رغم أنهم كتاب كبار يمتلكون لغة قوية، وخاصة بوعلام صنصال. ورشيد ميموني لما توفي أحتفي به، ونحن عندنا فكرة الميت، التي هي فكرة تطيرية في الحقيقة.
صنصال أفضل بكثير من ميموني، هذه أمور ليست معروفة، لقد قرأتهما معا، صنصال يمتلك أسلوبا جميلا.

وياسمينة خضرا؟
لا.. لا.. رشيد ميموني أفضل من ياسمينة خضرا، ما يكتبه ياسمينة خضرا رواية بوليسية، بل ليست حتى رواية بوليسية، هناك روايات بوليسية جميلة، وقد قرأت روايات بوليسية أمريكية وأنجليزية شيء آخر تماما الرواية الجزائرية الجديدة لجيكم أنتم المكتوبة بالعربية أحسن بكثير، أما المكتوبة بالفرنسية، فكأنها موجهة للفرنسيين، للغرب وعادة ما تصدر بفرنسا، وحتى عندما تصدر هنا فيها نوع من الشذوذ ومن البلادة، لأنها ليست مكتوبة من الداخل، كأنها عرض لأشياء، أو كأنها شكاية لفرنسا أو لغيرها، رغموجود بعض الكتاب الوطنيين، أنا لا أعمم، ولكن عموما هذا هو الموجود، الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية أحسن، والشعر أحسن وأحسن، لأنه لا يوجد شعر بالفرنسية في الجزائر الآن، والشعر المكتوب بالعربية دائما كان الأحسن بما فيه الشعر الكلاسيكي.. لقد كانوا يكتبون القصيدة التقليدية ولكن بقوة، نصوص لها قيمتها، بالفرنسية بعد محمد ديب، جون سيناك لا يوجد شعر جيد.

على ذكر محمد ديب لك موقف سلبي منه؟
أعتقد أنه كانت هناك قطيعة بين البلد الأم ومحمد ديب بعد هجرته إلى الشمال، ومن سلبياته أنه كتب ثلاثيته الشمالية، هذا موقعي منه، رغم أنه بالنسبة لي يعتبر مؤسس الرواية الجزائرية، التي لم يؤسسها لا مولود فرعون، ولا مولود معمري، وبالنسبة لي يعتبر من خلال الثلاثية تقليدي.

تقصد الثلاثية الأولى؟
نعم.. لكنه يبقى هو مؤسس الرواية، وهو كاتب كبير، من سلبياته فقد كانت له قطيعة مع الجزائر، لقد تأسفت عليه هو وعلى الجزائر، فالجزائر لا تستحق أن تقاطع بتلك الطريقة، لقد كان متألما من الجزائر وبقي هناك.. خسارة.

يقال أن الكتّاب بالفرنسية، أكثر جرأة، والكاتب المعرب يجد صعوبة في تحطيم أغلال الإرث المرتبط بتاريخ اللغة، إلى أي مدى كان الأمر صادقا معك وأنت تكتب بالعربية وبالفرنسية؟
صراحة، أنا أرى أنه لا يوجد كتّاب بالعربية أو بالفرنسية استغلوا الجنس، أو اللغة أو الدين بجرأة.

والسياسة؟
كل الناس حاليا يستعملون السياسة.. لا يهمنا، لا توجد في نظري رواية مكتوبة بالفرنسية أو بالعربية في العالم العربي فيها جرأة رواياتي.. من كتب بتلك يا ترى؟

محمد شكري مثلا؟
محمد شكري كتب عن تجارب شخصية متعلقة بالشذوذ، ما كتبه ليس برواية إنها مجرد شهادات، رغم جرأته في هذا الموضوع، لم يبدع في كتاباته، أنا أتكلم عن رواية فيها إبداع، كتاباته بسيطة جدا، "الخبز الحافي" مثلاهي مجرد شهادة فيها شذوذ عن الحيوان وفيها لواط، وقد استعملت اللواط مثلا قبله بكثير، في المشرق خاصة الجنس غائب تماما، وحتى عندما يستعمل فبطريقة محتشمة، فالكاتب العربي حتى التقدمي مازال مرتبطا بالكيان التقليدي، ما زال متأخرا، الطيب صالح مثلا استعمل الجنس بطريقة محتشمة، ولكنه كان ضد الحرية الجنسية، المرأة الغربية في روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) مجرد مومس، يقتلها وليذهب ليتطهر في قريته، بالنسبة لي رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" رجعية مائة في المائة، رغم أنها استغلت من طرف التقدميين العرب، لكن أثناء القراءة المعمقة تجدها رجعية، ضد المرأة الغربية، وضد الغرب، وهذه النظرة للأسف موجودة عندنا، فمن العيب أن نقول أن كل النساء الغربيات عاهرات، النساء الغربيات لهن تقاليد، المرأة الغربية منذ 25 إلى 30 سنة أخذت حرية جسدها، ولكنها لا تمنحه إلا عند الحب والعشق، والمومساتوموجودات في العالم أجمع بما في ذلك العالم العربي، بلادنا مملوءة بالمومسات.

هناك رواية بمثابة "موسم إلى الهجرة" معكوس، هي "سباق المسافات الطويلة" للراحل عبد الرحمن منيف، وهي تمثل مغامرة رجل غربي في الشرق الأوسط، كيف قرأتها؟
إنها تتناول الأمور باحتشام، حتى رواية أحلام مستغانمي، أثارت ضجة وعلى أساس أنها رواية جنسية، هي رواية عشقية فقط.

ورواية "يوم الدين" التي صدرت في السنوات الأخيرة للبنانية رشا الأمير؟
نعم لقد قرأتها.. جميلة، لكنها في الأخير تبقى رواية "نسوية" والنساء لا أقول ليست لديهن جرأة، ولكنهن طبيعيا يرفضن الدخول في هذا الموضوع، بطريقة متعجرفة، مثلما هو عندي.

من خلال روايتك التي صدرت منذ سنتين تقريبا "حب كحب سلوى"؟
نعم·· لقد قرأتها، وحتى في "رائحة الكلب" الصادرة في بداية الثمانينات حاليا ما شئت ليس هناك رقابة، جيلالي كتب "رائحة الكلب" عندما كانت الرقابة موجودة، وهناك نسيناه، لقد أخطأنا في حق جيلالي خلاص·· حرام، لقد أتى جيلالي بجديد بالنسبة لجيله، وروايته جميلة جدا من ناحية الأسلوب والموضوع·

ذكرت منذ قليل صداقتك للمخرج أحمد راشدي، فقد سبق لك أن كتبت للسينما في عدة مناسبات (وقائع سنين الجمر، وعلي في بلاد السراب···) وغيرها، هل أفادتك تلك التجربة في الكتابة الروائية؟
صراحة لم تفدتني تلك التجربة، لأن كتابتي الروائية أصلا هي سينمائية، أكتب من منظور ثم من آخر، ثمم من آخر وهكذا، أقدم الأمور بنخسبية، رواية "تميمون" حتى من ناحية تقطيع الرواية كسيناريو موجودة فيها، فقط فيلم "وقائع الجمر" أفادتني لأنني أدخلت تلك التجربة في رواية "ألف وعام من الحنين"، وحتى رواية "ضرية جزاء

قصة "شكال"؟
نعم·· شكال·· هي في حد ذاتها سيناريو·

يفترض أن تحول الى فيلم سينمائي؟
يفترض ذلك وقد مرت الذكرى الخمسين للثورة، ولم يهتم بها أحد للأسف·

بخصوص السينما دائما، لماذا في رأيك توقف تطورها فجأة عندنا؟ بتلك التراجيديا، وهل من سبيل لاعادة بعثها من جديد؟
السبب يعود الى الوضعية السياسية للبلاد، جاءت الأزمة والإرهاب، وانخفضت أسعار البترول عشنا واقعا مؤلما·

لكن أزمة السينما بدأت قبل ذلك؟
أظن أن الظروف السياسية الاقتصادية ساهمت في ذلك، لقد شهدنا انسحاب الدولة م دعم الثقافة، لكن الكتاب لا يتطلب الكثير من الأموال بعكس الفيلم السينمائي الذي يتطلب الكثير من الأموال، فقد نشرت الكثير من الكتب في الثمانينات رغم الأزمة بعكس السينما·
ولكن بصراحة من جهة أخرى لم نرى هلفا للخضر حمينة، وأحمد راشدي عكس الشعر الذي فيه دائما الخلف باستمرار،سينما علواش مثلا موجهة الى الفرنسيين، هو الوحيد الذي بقي يفتح لكنه ضعيف·

هو الآن تحت سلطة الممول؟
نعم مع انسحاب الدولة، ولا يوجد عندنا ممولون واص للسينما، وأثرياء القوم عندنا بخلاء، ولكن سيأتي يوم تكون فيه سينما جزائرية، باخراج جزائري وفي الجزائر، ولا أتكلم عند هؤلاء الذين يعيشون في الخارج، وينتجون أفلامهم هناك·

بعد تجربتك في الكتابة بالعربية التي انطلقت سنة 1982 مع و"التفكك" عدت الى الفرنسية مرة أخرى، هل ستعود الى الكتابة بالعربية من جديد؟
طبعا، الرواية المقبلة ستكون بالعربية·

هل لنا أن نعرف عنها شيئا؟
- هي قيد الكتابة، مازلت في بدايتها، لقد تعبت كثيرا في رواية "يتسيمون" كنت أنقلها في الحقائب كل مرة آتي بمائة نسخة، ونشرت منها ثلاثة آلاف نسخة فقط·

هل وجدت ناشرا بالعربية؟
حاليا لا توجد مشكلة في النشر، الآن دور النشر تتهافت علي، "دار الحكمة"، و"دار القصبة" "ANEP" هذه الأخيرة التي تبقى داري الأساسية، ليست لدي أي مشكلة من هذا الجانب لقد اعطيت كل أعمالي ANEP، وسأعطي روايتي المقبلة لدار أخرى "الحكمة" مثلا التي لها طموح من أجل أشياء جديدة، ومازالت دار ناشئة، والتي تصدر لي عنها "حلزونيات" أثناء المعرض الدولي للكتاب في سبتمبر المقبل·

أليست لك رغبة في العودة الى كتابة "الحلزونيات" من جديد؟
كان بودي ذلك، ولكن ليس هناك طلب من الصحف المعربة·
حاليا أنت تكتب بالفرنسية في "الوطن" مقالا أسبوعيا؟
نعم، وكان بودي أن الكتب بالتوازي بالعربية، ولكني لم أجد منبرا كبيرا، لقد كتبت سابقا في "الثورة الافريقية" بالفرنسية، وفي "الوحدة" و"المساء" بالعربية، كان هناك توازن، وأنا بودي أن استعيد هذا التوازن·

قديم 05-11-2012, 03:34 PM
المشاركة 553
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار مع ابو جدرة
كتبت رواية الصبار ردا على المشككين في جدوى الاستقلال والثورة

أكد الروائي الكبير رشيد بوجدرة أنه كتب روايته الأخيرة "الصبار" للإجابة على ما وصفه بالبلبلة الحاصلة في أذهان بعض الجزائريين بشأن قراءة التاريخ، مستغربا طرح البعض لأسئلة عن جدوى الاستقلال مؤكدا أن الثورة كانت ضرورية و أن الاستقلال جاء إيجابيا وسيبقى إيجابيا، و قال أن بعض الكتاب الجزائريين يكتبون اليوم من المنظور الكولونيالي لليمين الرجعي الحاكم في فرنسا. بوجدرة الذي خص "كراس الثقافة" بهذا الحوار تحدث بصراحته المعهودة عن عدة قضايا سياسية واجتماعية وثقافية ولم يتردد أيضا في البوح بجوانب حميمية من حياته، وبالطبع فإن الحديث إلى هذا الكاتب يتشعب تشعب عوالمه واهتماماته وهواجسه وفي جميع الحالات فإنه حافل بالإمتاع الذي أختص في صناعته منذ أطلق سنة 1969 رائعة "الإنكار" إلى غاية "الصبار" المنجز الحادي والعشرين في معمار روائي فريد جعل طفل عين البيضاء المشاغب من خيرة من كتبوا فن الرواية العظيم في التاريخ.
حاوره: سليم بوفنداسة
رشيد بوجدرة الآن على باب السبعين، يا للمأساة! كيف تنظر إلى مرور العمر، وبعبارة أدق ألا تخشى الموت؟
لا، أبدا، نحن في الانتظار، قضية الموت عادية شأنها شأن الولادة، كما ولدنا نموت وكفى، ليس لدي هوس حول قضية الموت بل بالعكس قد يكون الموت كما قال أبو العلاء "ضجعة يستريح الجسم فيها".

بقدر ما عرى رشيد بوجدرة حياته الخاصة في رواياته بقدر ما أخفاها، حيث لا تزال هناك مناطق ظل وما يزال الكاتب لغزا، ما زالت هناك أشياء كثيرة في حياته، ربما يتعطش القراء إلى معرفتها: كيف يعيش رشيد وهو الآن جد، كيف يعيش هذه العلاقة مع العائلة، مع العائلة الكبيرة التي فضحها في رواياته وأخفاها في نفس الوقت ؟
إذا كنت تتحدث عن العائلة الكبيرة الأب والإخوان والأخوات، فالأمور واضحة، أنا لدي علاقة مرضية مع الأب، وهذا معروف، هذا الوضع قد يستغربه بعض الناس، فحتى بعض أصدقائي المثقفين يقولون لي لا مستحيل أن يكره شخص أباه، أنا لدي مشكل مرضي لم أشف منه، ولا زلت أعاني من هذه العقدة المرضية، الأم المتوفية بالنسبة لي أيقونة، وعدا الأب العلاقة بالآخرين عادية، بإستثناء بقية الإخوة والأخوات من الأب والذين ليس لدي علاقة بهم، بصراحة. بالنسبة للأبناء أن لدي بنت واحدة وهي أيضا متزوجة ولها بنت وحيدة هي الأخرى، علاقتي مع ابنتي وزوجتي طيبة جدا، وهما بالنسبة لي صديقتين وكذلك الشأن بالنسبة لحفيدتي التي هي الآن في العشرين وتدرس بمدرسة عليا في باريس، العلاقة هنا أكثر من زوجية وأبوية، إنها علاقة صداقة ورفقة، وهن يحملن معي عبء مشاكل البلد، ومشاكلي العائلية بسيطة طبعا، وليس لدي مشاكل أساسية، فالاتصال متواجد وحتى إديولوجيا فإنني مع زوجتي وابنتي ندور في محور واحد وفلك واحد.

أما بالنسبة لبقية الأشياء، فحتى أنا قد لا أعرفها، هناك بعض الأماكن المظلمة لا يمكن اكتشافها والحديث عنها، لا أدري أين أنا، لأن المبدع والكاتب لا يملك صفات خاصة، هو إنسان كالآخرين، ممكن أن يكون حساسا أكثر من الآخرين فقط. أنا كمواطن مواطن عاد جدا، أنا مع التقدم والحداثة هذا هوسي الأساسي، أحب هذه البلاد كثيرا، بل وأعشقها عشقا صوفيا، وأريدها أن تتقدم وتذهب إلى الأمام، أنا مهوس بنظافة المدن الجزائرية، مددنا أصبحت مهترئة ووسخة وقذرة وأنا أتأسف، و أنا أيضا حامل لهموم المواطن العادي كمناضل سياسي مواقفي معروفة بشأن الحريات والفقراء والمظلومين، وأتألم يوميا حين أرى في محيط بيتي نساء وعائلات تبيت في العراء، هذا مؤلم جدا، وأتمنى، من حبي للجزائر، أن تختفي هذه المظاهر.

في روايتك الأخيرة الصبار، تعود إلى التاريخ للمرة الثالثة بصفة مباشرة، لماذا هذه العودة إلى التاريخ الآن؟
هذه الرواية واقعية، وشخوصها موجودة فعلا، وهي جواب على البلبلة التي تمكنت منا كجزائريين بالنسبة للتاريخ وقراءة التاريخ، أما موقفي من الثورة فواضح لا لبس فيه، كان لا بد من الثورة ولا بد من الاستقلال وجاء الاستقلال وكان إيجابيا وسيبقى إيجابيا، لأن الفرق بين جزائر اليوم وجزائر الخمسينيات شاسع، أنا أستغرب حين يقول بعض المثقفين ماذا فعلنا. أذكر أننا حين كنا ندرس في الجامعة بعد الاستقلال كان عددنا حوالي خمسمئة طالب في كل الشعب، كم عدد الطلبة في الجامعات الجزائرية اليوم، كم عدد الجامعات اليوم، وكم عدد الثانويات والمستشفيات؟ الجزائريون وحتى بعض المثقفين منهم ينسون في بعض الأحيان هذه المنجزات، هناك فرق كبير بين ما كنا عليه خلال الاستعمار واليوم، كانت هناك مجاعة وأمراض مزمنة، اليوم خرجنا من هذا الوضع، لكن اليوم لا نجد الزخم الذي أحدثته الثورة، الثورة الرهيبة والنضال الثوري لجبهة التحرير الذي أدهش العالم وأدهش فرنسا، اليوم لا نجد تلك القوة في التنظيم وذلك الحس التنظيمي لدى الجبهة، ربما لأن الفارق الآن بين الأغنياء والفقراء أصبح رهيبا وذلك من الأشياء التي تؤلمني جدا.

العودة إلى التاريخ إذن، هي لمعالجة هذه البلبلة الموجودة لدى المثقفين وكأن هناك حتى من ندموا على الاستقلال، ويقولون ماذا فعلنا بالاستقلال وماذا أعطانا الاستقلال. أقول لهم أسكتوا، كيف كنتم وكيف كان آباؤكم؟
والدافع الآخرأيضا هو علاقتي بقريب وصديق، كان مقاوما وبعد الاستقلال كان له موقف صارم بالنسبة لأبيه الذي كان محافظا ورئيسا للشرطة بباتنة خلال الفترة الاستعمارية وبالنسبة لأخيه الذي انتمى إلى لوآس، حيث أعتبر أنهما لعبا مع التاريخ فأكلهما التاريخ، وهذا موقف عظيم، لكنه بدا شيئا فشيئا يتراجع، ويعكس موقفه البلبلة الحاصلة في أذهان المثقفين بصفة عامة، فأردت أن أطرح هذه القضية، قضية الريبة والشك التي بدأت تنخر النخاع الشوكي للناس والوطن، وفي نفس الوقت أنا لم يسبق لي تناول الغزو الفرنسي للجزائر فأردت مقاربة ذلك روائيا، كما أردت تناول المجازر الفرنسية التي بلغ ضحاياها الملايين، رغبت في تذكر وكتابة ذلك لأنه هاجس قائم بالنسبة لي منذ المراهقة وكالعادة لا استغل الأمور مباشرة، فلم أتناول في معركة قسنطينة مثلا الحرب بين سانت أرنو وأحمد باي، ولكن أخذت لمراسلات الجنرالات حول معركة قسنطينة ومعارك أخرى في العاصمة وتلمسان، سواء المراسلات التي تمت بين الجنرالات أو بينهم وبين عائلاتهم، لأقدم التاريخ في هشاشته وإنسانيته، فترى جنرالا كسانت أرنو الذي كان يراسل أخاه يوميا فيقول له مثلا قتلنا اليوم ستمئة واثنين وأربعين ذئبا وفي نفس الوقت يبدي تألمه لوفاة طفلة في العائلة بفرنسا، هذا يكشف عن عدم توازن غريب في الإنسان الذي يقتل أكثر من ستمئة شخصا ويتألم من جهة أخرى لوفاة شخص واحد. وهي أيضا فرصة لتقديم صورة عما عانته الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي.

بطل رواية "الصبار" يقول بأن المقاومين الذين ارتكبوا جرائم كان لهم الحق في الخطأ والحق في الجريمة، هل رأيك من رأي البطل، أي أنه يجب التغاضي عن الأخطاء التي حدثت أثناء الثورة؟
هناك طبعا تاريخ رسمي فيه الكثير من الصمت والخرافات والأشياء المسكوت عنها على الخصوص، فقضية عبان رمضان عانيت منها شخصيا ومنذ المراهقة، فكيف يقتل الرجل شنقا من طرف الرفقاء في ضيعة في تيطوان، وأظن أن هذه القضية تطرح لأول مرة في عمل روائي، وأيضا قضية ملوزة وأحداث أخرى، قام بها جيش التحرير مضطرا، فما حدث لم يحدث نتيجة روح القتل وإنما لظروف وضغوط الحرب، فضلا عن كون قادة المقاومة شبه أميين ويواجهون جيشا فرنسيا يلقي عليهم القنابل.
حاولت من خلال حادثة اغتيال عبان والتجاوزات التي حدثت وهي قليلة جدا وموجودة في كل الثورات أن أتناول جانبا لم أتطرق إليه من قبل ليس خوفا، ولكن لان وقتها لم يحن، والآن فإن المسكوت عنه بدأ ينطفئ وحتى المثقفين والمؤرخين والمهتمين بتاريخ الجزائر بدأوا يقدمون بعض الطروحات الجديدة الواقعية والتي تعطي توازن فجيش التحرير وإن أرتكب بعض التجاوزات فإنه لم يقم بها عمدا، فحتى قضية عبان فيها قليل من الموضوعية وقليل من الذاتية، فمؤتمر الصومام خلق شرخا حيث نجح عبان ديموقراطيا في انجاح المؤتمر و أصبح المسؤول الإيديولوجي لجبهة التحرير بصفته صاحب برنامج، وكريم بلقاسم و بوالصوف كانوا ضد محتوى وأسس البرنامج، هذا فيما يخص الجانب الموضوعي أما الجانب الذاتي الشخصي فإن عبان كان يصف كريم بآغيول، ما جعله ينفجر بعد كثير من الصبر.
من هذا المنظور فإن بطل الرواية لا يدين العقيد عميروش، فهو وإن أشار إلى استهدافه للمثقفين فإنه يسجل مساعدته لعدد كبير ممن نجاهم من الموت؟
نعم، نجى عشرين ألف شخص ويقال أنه كان مسؤولا عن وفاة ألفين، لقد نجى الكثير من المثقفين والعسكريين حين أصبحت الحرب ضروسا وهربهم إلى تونس، وأنا لذي الوثائق وحتى في عائلتي شهادات لناس أنقذهم عميروش، وأستطيع أن أقدم اسم سيدة من قسنطينة، هي فاطمة الزهرة فريخ اشتغلت مع عميروش وهربها إلى تونس، وبالنسبة لي ورغم أني لا أحب البطولة فإن عميروش بطل ومقاوم كبير.
مرة أخرى تصدر رواية جديدة لرشيد بوجدرة بفرنسا، ورغم القيمة الأدبية الكبيرة لأدب بوجدرة إلا أن الصحافة الأدبية في فرنسا والأوساط الأدبية واجهت الرواية كالعادة بنوع من الصمت، في الوقت الذي احتفت بروايات جزائرية أقل قيمة من "الصبار"، ما حكاية هذا الشرخ بين بوجدرة والدوائر الأدبية الفرنسية؟
هناك فعلا شرخ كبير، والدليل أن هذه الرواية ووجهت بصمت تام، هناك قطيعة مع بوجدرة خاصة و أن الموضوع الذي تطرحه هذه الرواية حساس الآن، حيث تأتي وقت الحديث عن تجريم الاستعمار الفرنسي، وفي وقت رفضت فرنسا الاعتراف بمجازرها، بالمقابل هناك بعض الجزائريين، دون أن أسمي أحدا، يكتبون في فرنسا روايات تتماشى مع الأفكار المطروحة هناك ومع المنظور السياسي والتاريخي لفرنسا اليمينية الرجعية، في الوقت تأتي روايتي ومن الطبيعي أن تواجه بالصمت التام.
هل يعني ذلك أن عدد المثقفين الفرنسيين النزهاء تناقص عما كان عليه في السابق؟
أظن ذلك،هذا هو الواقع صراحة، لأنه من الغريب ألا يعير ناقد في صحيفة فرنسية كبرى أهمية لهذه الرواية حتى و إن صدرت في فترة حساسة، وواضح أن هناك مقاطعة تامة، وكأنهم اتفقوا على أن تقاطع هذه الرواية، وعلى العكس من ذلك فإن الرواية قوبلت بترحاب كبير في الجزائر فالمقالات والاستجوابات كثيرة في الصحافة، المهم أن الرواية نجحت في بلادي الجزائر وهي الأخيرة في العقد الذي يربطني بالناشر الفرنسي.
وقد سئلت إذا كنت أفكر في المقروئية الفرنسية أو الجزائرية، وأجبت طبعا أني أفكر في المقروئية الجزائرية، ولا تهمني المقروئية الفرنسية، بالرغم من أن هناك بعض الفرنسيين الذين احترمهم لمواقفهم وهذه الرواية بالذات تعرض للفرنسيين التقدميين الذين هم من الشيوعيين وغير الشيوعيين والمسيحيين في الثورة الجزائرية، بطريقة رائعة وفيهم حتى من عذب وقتل، هذا هو شرف فرنسا أن يكون بعض أبنائها لعبوا دورا مشرفا خلال الثورة، هذا هو الضمير الفرنسي الإيجابي والشجاع الذي نحترمه.
بالعودة إلى الرواية نلاحظ أن عومار هو نظير التوأم في "فوضى الأشياء"، تماما كما نلاحظ أن الكاتب يبحث دائما عن شخص يسقط عليه بعض صفات البطل التقليدي المعروف في رواياته، هل أن عومار تعلّة لكتابة التاريخ من منظورين والرواية من زاويتين أم أنه شخصية واقعية حقا؟
هو شخص واقعي و تعلّة في آن، هو موجود وأستاذ في الطب في مكان ما من الجزائر، وفي نفس الوقت هو تعلّة، هذا الشخص "المسكين" التقي به بصفة عادية وبكثرة والآن أصبحت له عقدة بالنسبة لوالده وأخيه، حيث شرع في تأسيس أطروحة أخرى فحواها أن والده كان يشتغل مع الثورة وأن أخاه لم يكن عضوا في الأو آ س.
يستمر التناص الداخلي بضراوة في هذه الرواية كما في أغلب روايات بوجدرة والهواجس العائلية ذاتها، حيث نلمس عودة قمر صغرى زوجات الأب، وتوازي بين الهاجس التاريخي والهاجس الشخصي العائلي؟
بالضبط، الهاجس العائلي موجود و الأمر يتعلق حالة مرضية ولدي عقدة ذنب بالنسبة لهذه الأشياء من طفولتي، ولا علاقة لذلك بالخلفيات الدينية، كشخص أرى أن تعدد الزوجات يخلق مشاكل خطيرة داخل العائلة وأنا عشت هذا.

قديم 05-11-2012, 03:36 PM
المشاركة 554
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رشيد بوجدرة.. الكتابة والهوية
الاثنين, 10 يناير 2011 18:46



أصر الروائي رشيد بوجدرة في كل ما كتبه على أن يكون النص جزءا منه أولا؛ فهو ينطلق وفقا لما قاله وصرح به في كثير من المناسبات من تجارب حقيقية يحولها إلى أبعاد ترميزية قادرة على تقمص الحالة الإنسانية عموما أو الحالة الوطنية أو حالة الأمة في أبسط الدلالات.

أما الرافد الثاني الذي يغرف النص السردي منه أدبه الروائي فهو التراث العربي الإسلامي وما تضمنه من رموز عالمية كالجاحظ وابن خلدون وابن عربي وغيرهم، وهكذا يغدو أدب رشيد بوجدرة مدرسة ''استغرابية'' مناقضة للمدرسة الاستشراقية التي تفهم التراث العربي الإسلامي انطلاقا من الغايات الغربية؛ إذ أن رشيد بوجدرة يضمّن لغته الفرنسية وأدبها الغاية الوطنية والقومية والفهم القومي الأصيل للتراث العربي حين يعبر عنه باللغة الفرنسية، وبذلك يظل أدبه خارج السرب الفرنوكفوني بالرغم من الحروف الفرنسية التي يحبّر بها أدبه، وهو بعد ذلك يعمّق هذا البعد القومي حين يغازل الأندلس وإسبانيا واللغة الإسبانية ليزيل تلك الهيمنة الفرنكوفونية التي فرضتها اللغة الفرنسية في ظروف تاريخية معروفة.

والعمل الفني في جوهره هو هذا إذا كان صاحبه يعنيه جانب الصدق، وإذا كان يعنيه أصالة النبع الذي يستقي منه أدبه، بل إذا كان يريد لقارئه عالما روائيا حقيقيا، فهذا التصور الذي ينطلق بوجدرة منه يضمن للقارئ الفرنسي ولكل قارس باللغة الفرنسية التعرف على عوالم ثقافية وقيمية وجمالية غير متوفرة في التجربة الروائية الفرنسية؛ وهنا نتساءل: ماذا يمكن أن نقدم للقارئ الفرنسي إذا أعدنا كتابة فلوبير أو زولا أو بروست أو غرييي أو لو كليزيو؟

إن وجود بوجدرة ضمن كبار ممثلي الرواية الجديدة مع ''كلود سيمون'' و''آلان روب غرييي'' و''ناتالي ساروت''، لم ينسه البقاء ضمن الرواية المكتوبة بالفرنسية بعيدا عن الرواية الفرنسية، في موقف دقيق شديد التمييز بين مفهومين مختلفين هما: الأدب الفرنسي والأدب المكتوب بالفرنسية.

يبدو بوجدرة في هذه النقطة في غاية الحذر؛ حذر يمكن أن نستشفه من ذلك الموقف الصريح الحاد الذي وقفه من الروائية آسيا جبار حين رأى ضمها للأكاديمية الفرنسية اعترافا بانتمائها للرؤية الفرنسية، وخدمة الفرنكوفونية، وهذا يعني أنه يميز بين اللغة التعبير واللغة الموقف، ويبدو أن هذه الرؤية الحذرة هي التي جعلته يعود إلى التعبير العربي والمساهمة في السرد العربي بدءا من ''التفكّك'' سنة 1982 وهو عنوان شديد الدلالة على التحول من الفرنسية إلى العربية. ومن التفكك إلى ''المرث'' عام ,1984 ثم المرث في (1984) وليليات امرأة آرق عام (1985) ومعركة الزقاق في (1986) وتلت هذه الإبداعات مرحلة تأمل واندهاش أمام المشهد الدامي الذي عرفته الساحة الوطنية من تمزق عام كان اقتتال الجزائريين أبرزها، فاستدعت المرحلة قول الموقف السياسي قبل الموقف الفني كسرا لجدار الصمت بداية التسعينيات فكانت ''فوضى الأشياء'' عام (1990) و''تيميمون'' عام .1994

إن بوجدرة المسكون بالتعبير عن ذاته الباحث في لغة غيره عن إمكانية تصوير أعماقه كان من المنتظر أن يعود إلى العربية التي رآها قادرة على أن تمنحه إمكانات أوسع لتجسيد ذاته وثقافتها وحضارتها وواقعها من خلال الطاقات التعبيرية المختزنة في الفصحى وعامياتها وفي كل الألسن الجزائرية العربية والأمازيغية، وهي الطاقات التي قد لا تستطيع الفرنسية التعامل معها بسهولة، بالنظر إلى تلك العلاقة العميقة الموجودة بين العربية وبقية الألسن الجزائرية التي كثيرا ما تستقي قيمها التعبيرية من العربية ذاتها، وبذلك يكون التعبير العربي حاضنا طبيعيا لها في العمل السردي، بل لعل هذه الطاقات المختزنة في ''العربيات'' هي التي جعلت الرجل يرى أن الأدب الناطق بالعربية في الجزائر أكثر عمقا من التعبير الفرنسي، غير آبه بمسألة الكم القرائي الذي كثيرا ما يثار في هذا السياق.

يمكن القول كذلك بأن هذه الأصالة الفنية التي حققها رشيد بوجدرة قد تكون هي التي أغرت عددا من كتاب الرواية العربية في الجزائر لتجريب كتابة الرواية باللغة الفرنسية، لكن عودة رشيد بوجدرة إلى العربية هي ضمن البحث الفني الأكثر ثراء، قبل أن تكون عودة إيديولوجية - إن سلمنا بإيديولوجية لغة التعبير- مع العلم أن معظم حالات التعبير الفرنسي لدى الجزائريين قد شهدت هذا ''الهاجس الرجوعي'' الذي نجده قويا لدى مالك حداد الذي أعلن موقفه بشكل صريح حين عد الفرنسية منفى، وفي غصرار مولود فرعون على تجسيد حياة قريته ولغة قريته بإدخال عدد من الكلمات المحلية ككلمة ''الجماعة'' التي يذكرها حرفيا بهذا الشكل، ويظهر هذا الهاجس بقوة أيضا في بوح محمد ديب الفني الذي راح يترجم من العامية ومن الثقافة العربية ويحاول التقرب من الروح العربية قدر المستطاع ، فقال مثلا:

je te coupe la parole je couperai dans ta bouche du mielويبدو بوجدرة مولعا بالمضي في هذا الخط إلى أبعد الحدود حين يورد نصوصا لكبار الكتاب والعلماء العرب في رواياته، بل وحين يدخل في تفاصيل اللغة اليومية الجزائرية ليتمكن من دخول ذاته بصدق لا تمنحها له إلا اللغة العربية.

منقول من صفحة الأثر بجريدة الجزائر نيوز[b]

قديم 05-11-2012, 06:55 PM
المشاركة 555
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عناصر صنعت عبقرية رشيد بوجدرة:
يقول في مقابلاته :
- قضية الأب بالنسبة إليّ هي الهاجسي المركزي، العقدة المركزية، ولم أقصد أبي الشخصي فحسب، وإنما الأب كسلطة بصفة عامة، لقد عشت تلك أمور، ومن خلال المناخ الإقطاعي الأبوي في البيت كانت علاقات زنا المحارم طبيعية، وكتبتها لأني عشتها رغم أنفي، أنا أغتصبت (بضم الألف) من طرق نساء منهن زوجة أبي، وأختي، فلم استعمل ذلك من أجل الإثارة، وإنما هو الواقع، وكل ما عملته هو أني وضعتها في قالب تقني روائي وفق ما أسمه "عقاقيري".. لم تأت محرجة أو جارحة، وإنما في قالب شعري.

- إذا كنت تتحدث عن العائلة الكبيرة الأب والإخوان والأخوات، فالأمور واضحة، أنا لدي علاقة مرضية مع الأب، وهذا معروف، هذا الوضع قد يستغربه بعض الناس، فحتى بعض أصدقائي المثقفين يقولون لي لا مستحيل أن يكره شخص أباه، أنا لدي مشكل مرضي لم أشف منه، ولا زلت أعاني من هذه العقدة المرضية، الأم المتوفية بالنسبة لي أيقونة، وعدا الأب العلاقة بالآخرين عادية، بإستثناء بقية الإخوة والأخوات من الأب والذين ليس لدي علاقة بهم، بصراحة. بالنسبة للأبناء أن لدي بنت واحدة وهي أيضا متزوجة ولها بنت وحيدة هي الأخرى، علاقتي مع ابنتي وزوجتي طيبة جدا، وهما بالنسبة لي صديقتين وكذلك الشأن بالنسبة لحفيدتي التي هي الآن في العشرين وتدرس بمدرسة عليا في باريس، العلاقة هنا أكثر من زوجية وأبوية، إنها علاقة صداقة ورفقة، وهن يحملن معي عبء مشاكل البلد، ومشاكلي العائلية بسيطة طبعا، وليس لدي مشاكل أساسية، فالاتصال متواجد وحتى إديولوجيا فإنني مع زوجتي وابنتي ندور في محور واحد وفلك واحد.

اذا هو شخص مأزوم ويتم اجتماعي بسبب علاقتة مع الاب وهو يتيم الام رغم اننا لا نعرف على وجه التحديد متى ماتت الام.

يتيم

قديم 05-12-2012, 11:26 AM
المشاركة 556
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
76- القبر المجهول احمد ولد عبد القادرموريتانيا
بنية الخطاب ودلالتها في رواية القبر المجهول لأحمد ولد عبد القادر :
مساهمة في الكشف عن خصوصية السرد الموريتاني
لمحمد الأمين ولد مولاي إبراهيم
تقديم : سعيد يقطين
1 . تتطور الدراسات السردية العربية باطراد . و تظهر بين الفينة والأخرى إسهامات تسلك الطريق نفسه ، وتتفاعل مع المنجزات السابقة حوارا وإغناء . هذا الوضع لا يمكن إلا أن يدفع في اتجاه تأكيد أن التراكم مهم جدا في هذا المضمار . و لا يمكن في نطاق الوضع العربي الحالي إلا تثمين هذا المنحى من الاهتمام و الدراسة وتشجيعه . واتخاذ الموقف السلبي من هذه التجارب ، وكيفما كانت االذرائع ، لا يمكنه إلا أن يكون ضد مجرى التحول الذي يعرفه مسار البحث السردي العربي . ولا يمكن أن يكون مآل هذا الموقف في النهاية إلا الفشل الذريع لأن مايتحقق باستمرار يوحي إلى أن هناك إصرارا على الاستمرار ، وبذل المزيد من الجهد والعطاء.
1 . 1 . لقد أتيح لي في الآونة الأخيرة ( 1) أن أطلع على أعمال عربية تؤكد ما أومأت إليه أعلاه . تشير هذه الأعمال إلى أن هذه الإسهامات لا تتوقف على بلدان عربية عريقة في مجال الإبداع السردي ( مصر ، سوريا ، العراق . . . ) و لا تقتصر على الاهتمام بالبحث فيه والتنظير له ( المغرب ، تونس ، مصر . . . ) ، لأنها صارت تأتينا من بلاد عربية لا نعرف ، لأسباب تاريخية واجتماعية ، أشياء ذات بال عن إبداعها السردي ، وانشغالات باحثيها و دارسيها بالقضايا السردية مثل اليمن ، وليبيا ، وموريتانيا . . .
1 . 2 . إن الإنصات إلى هذه التجارب ، سواء على المستوى الإبداعي أو النقدي ، ضروري لتطوير فكرنا الأدبي عامة والسردي خاصة ، نظرا لما يمكن أن تزخر به التجارب المختلفة من غنى وتنوع يساهم في إثراء الكل الذي تنتمي إليه . وأي تعال أو إحساس بالتفوق في هذا المجال ، ومهما كانت أسبابه أو مبرراته ، لا يمكنه إلا أن يوازي الموقف السلبي من الدراسات السردية الجديدة ، لأنه ضد التحول ، والتطور ، اللذين نعدهما رهان الإنسان العربي الحديث.
2 . نعرف في عالمنا العربي ظاهرتين لا يمكن إلا أن ننعتهما بالسلبية . هذان الموقفان هما :
2 . 1 . الموقف السلبي من الجديد فقط لأنه جديد ، وإن كانت تقدم تبريرات لا وجاهة لها . وإلى الآن ما يزال هذا الموقف يبدو بأشكال متعددة في الكتب والجرائد ضد الاتجاهات النقدية العربي الجديدة ، بذريعة ” انتمائها ” أو ” ا ستلهامها” أو محاكاتها للنظريات الغربية.
2 . 2 . التمييز بين مكونات العالم العربي ، والمفاضلة بينها : فهناك من جهة المشرق أولا ، والمغرب ثانيا . وهناك من جهة أخرى داخل القسمة نفسها ، مشرق مركز ( مصر ، الشام ، العراق… ) ، ومشرق هامش (اليمن ، عُمان …) ، ومغرب مركز ( المغرب ، الجزائر ، تونس ) ومغرب هامش (ليبيا ، موريتانيا ) . هذا التمييز بنوعيه ، وذاك الموقف السلبي من الجديد ينبنيان على مواقف جاهزة ومسبقة سلفا . ومن نتائجها على المستوى الفكري والثقافي ممارسة السجال مع الأفكار الجديدة بدل قراءتها ومحاورتها ، من جهة ، وممارسة التهميش وعدم الاهتمام بكل ما ينتج خارج ” المركز ” .
هذان الموقفان ، لايمكنهما إلا أن يساهما في عرقلة أي تطور منشود ، كما أنهما لا يمكن إلا أن يشوشا على أي انفتاح إيجابي على مختلف العطاءات والاجتهادات العربية مهما كان فضاء انتمائها . لكن الاقتناع بجدوى الانفتاح على فكر الآخر والاستفادة منه ، والانفتاح على مختلف الاجتهادات العربية في مختلف البلاد العربية فموجود كذلك لدى فئات واسعة من المثقفين والناشرين . وهؤلاء هم الرهان الأساس لتجاوز كل مثبطات التطور ومعوقات التقدم…
3 . تأتي أهمية عمل الباحث محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم حول : ” بنية الخطاب ودلالتها في رواية “القبر المجهول أو الأصول ” لأحمد ولد عبد القادر ( مساهمة في الكشف عن خصوصية السرد الموريتاني ) ” لتصب في مجرى التطور الذي بدأت تحققه الدراسات السردية العربية من جهة ، ولتبرز من جهة ثانية أن هذه المساهمة تأتي من باحث من موريطانيا . ومعنى ذلك بعبارة أخرى أكثر ابتعادا عن المساجلة ، وأكثر انفتاحا على المستقبل ، أن السرديات تتطور في دراساتنا الأدبية ، وأن ما اعتبر أطراف العالم العربي صارت له إسهاماته في هذا المضمار . ولا يمكن والحال هذه إلا التأكيد على حيوية هذا المسار الجديد الذي لم يتحقق في أي حقبة من تاريخنا العربي الحديث .
3 . 1 . إن لهذا الكتاب قيمة خاصة في الدراسات السردية العربية الحديثة . وتبرز هذه القيمة من خلال مايلي :
3 . 1 . 1 . إنه طليعي في مجاله ، لأنه يقدم أرضية تركيبية وتأسيسية للأدب العربي في موريطانيا بصفة عامة ، وللسرد بصورة خاصة . يؤطر الباحث هذا الأدب في النطاق الاجتماعي والثقافي للمجتمع الموريطاني الحديث ، ويضعه في إطار تحولات المجتمع والأدب العربيين . وبذلك يثبت الروابط المتينة التي تصل بين مختلف مكونات العالم العربي . وهذه الأرضية بقدر ما تقدم معرفة ، وتفيد غير المطلع ، وغير المواكب لما يمور في هذه الرقعة من عالمنا العربي ، تساعد القارئ العربي في موريطانيا على تشكيل تصور متكامل ، وتدفعه إلى الإسهام في هذه التجربة حوارا ونقاشا لا يمكن إلا أن يثمر على المستوى المتوسط و البعيد .
3 . 1 . 2 . لا يقف هذا العمل عند حدود تقديم صورة تركيبية لواقع الأدب الحديث في موريطانيا ، ولكنه أيضا يقدم معرفة ببعض ما يتميز به السرد العربي في موريطانيا من أنواع ( مثل الأقفاف والبراوة … ) ظلت مجهولة لدى القاريء العربي ومقصاة من دائرة الاهتمام من لدن الباحث الموريطاني . وأعتبر شخصيا أن من أهم حسنات الاهتمام بالسرد في أدبنا العربي الحديث من وجهة نظر جديدة ، تبرز في تنبيهنا إلى العديد من الأشكال والأنواع السردية والأدبية التي يحفل بها أدبنا قديما ، والتي لم نلتفت إليها تحت تأثير هيمنة “الشعري” على تصورنا للإبداع الأدبي . ولعل المجتمع العربي في موريطانيا يزخر بتراث سردي شفاهي لم يتم الالتفات إليه والاهتمام به . ولا أشك في أن الباحث محمد الأمين وزملاءه سيضطلعون بمهمة البحث فيه ، والعمل على جمعه وتدوينه ودراسته . ولا يمكن إلا التأكيد على أن هذا الصنيع يفيد كثيرا الدرس والإبداع العربيين معا ، بما يختزنه من إمكانات وطاقات . كما أن اهتمام الباحث بالسرد في موريطانيا يكسر لدى القارئ أسطورة الشعر في مويطانيا ذات المليون شاعر ، ويثير انتباهه إلى أنها أيضا بلد السرد ، ويمكن انتظار الشيء الكثير من كتاب السرد العربي في موريطانيا إذا ما أحسنوا الإنصات إلى السرد الشعبي واهتموا بما يختزنه من تجارب وعطاءات .
3 . 2 . لم يكتف الباحث في هذا الكتاب بتقديم المعرفة عن هذا الفضاء الثقافي ، ولكنه زاوج بين النظري والتطبيقي ، فأبان عن قدرة فائقة في استيعاب وتمثل النظريات السردية الحديثة ، وأحسن التفاعل مع العطاءات العربية في هذا المضمار ، فقدم لنا بذلك تجربة متميزة سواء في قراءته لرواية القبر المجهول من حيث بنياتها الخطابية أو النصية . فوقف على خصوصياتها السردية ، وعوالمها الدلالية . وبذلك نؤكد أن السرديات العربية تتطور باستمرار ، وتتطور باطراد بمساهمة باحثين ودارسين من مختلف البلاد العربية ، ودونها الشيء الكثير الذي ينتظرها في سبيل التطور حتى تساهم في بلورة رؤية جديدة لإبداعنا العربي قديمه وحديثه ، وما اعتبر منه “عالما ” أو ” شعبيا ” أو ” مركزيا ” أو “محيطا ” لأنه بدون الاهتمام بمختلف هذه العطاءات تظل رؤيتنا محدودة ، وقاصرة عن الشمول الذي يتميز به العالم العربي .
3 . 3 . أملي أخيرا ، أن أرى أعمالا أخرى للباحث محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم تتصل بالسرد العربي في موريطانيا الحديثة والقديمة ، وبالسرد العربي قديمه وحديثه . وآمل أن يتواصل الحوار والنقاش حول السرديات العربية حتى تنتقل إلى مستوى علمي رفيع في ثقافتنا . ومثل إسهامات الباحث في كتابه هذا الذي سررت بتقديمه تفتح مجالا رحبا للأمل، والثقة في المستقبل . سعيد يقطين

قديم 05-12-2012, 11:28 AM
المشاركة 557
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
البنية الفنية والدلالية في ثلاثروايات

الكاتب : محمد الحسن ولد محمد المصطفي

2009-06-17


ومعلوم أن الأدب الموريتاني الكلاسيكي عاش نهضة أدبية كبيرة منذ أوائل القرن السابع عشر حتى مطالع القرن العشرين، وصفها الأستاذ الدكتور طه الحاجري بقوله : "إن الصورة الأدبية التي أتيح لنا أن نواها لشنقيط في هذين القرنين جديرة أن تعدل الحكم الذي اتفق مؤرخو الأدب العربي عامة في هذه الفترة عليه فهو عندهم وكما تقضي اثاره التي بين أيديهم، أدب يمثل الضعف والركاكة والفسولة"، في صياغته وصوره ومعانيه. إذ كانت هذه الصورة تمثل لنا الأدب في وضع مختلف يأبى هذا الحكم أشد الإباء، فهو - في جملته - أدب جزل بعيد عن التهافت والفسوله (1) ولقد لعبت عوامل كثيرة أدوارا مختلفة في عدم اطلاع الأشقاء العرب نقادا وقراء على هذا الأدب. بجميع مناحيه قديمه وحديثه إلا نادرا، منها أن معظمه لم يطبع بعد، وإن ظهر للعيان فإنما في صحف ومجلات محلية لا تحظى بقدر من التوزيع الخارجي يعتد به، ومنها أيضا غياب استراتيجية عربية مشتركة للنشر والتوزيع، وأولا وأخيرا افتقاد سياسة محلية تعني بطبع وتوزيع الكتاب الموريتاني. ومن ثم فإن النشر ظل رهين مبادرات الأفراد ونضالهم الشخصي لإثبات الوجود وإيجاد وسيلة اتصال بالقاريء من هذه الزوايا مجتمعة يمكن فهم النوع الأدبي الذي نحن بصدده وهو الرواية.لقد ابتدأ الاهتمام بالرواية منذ اتجه الأدب بشكل عام في ذلك البلد ينحو منحى التحديث مع بداية الستينات، وتميزت هذه الفترة بالحصول على الاستقلال سنة 1960 وبروز معالم الدولة، والانفتاح على التجربة النهضوية العربية، حيث أسهمت البعثات، والمكتبات الوطنية والعربية بالقسط الأكبر من وسائل ذلك الانفتاح.

غير أن الرواية لم تتجذر كشكل إبداعي يعتد به إلا منذ أواخر السبعينات وظهرت أول رواية إلى النور سنة 1981 وهي رواية (الأسماء المتغيرة) لأحمد ولد عبد القادر، ثم تبعتها رواية (القبر المجهول) للكاتب نفسه سنة 1984 ثم ظهرت رواية (أحمد الوادي) للشيخ ماء العينين بن شبيه سنة 1987 على أن من الملحوظ أن ظهورها تأخر نسبيا قياسا على الشعر، ويرجع ذلك في نظرنا إلى أن الشعر كان موجودا في البلاد منذ قرون فسهل على الشعراء استيعاب آليات التحديث ما دامت أصول الفن موجودة لديهم، واذا كانت الرواية بنت العصر الحديث في الأدب العربي، فما بالك بالأدب العربي الموريتاني. كان لابد أن تمر فترة زمنية كافية لاكتشاف هذا النوع الأدبي والاطلاع المعمق عليه، ثم اختمار التجربة، وأخيرا الكتابة.

وقد مثلت الرواية التاريخية أولية الرواية الموريتانية، وكانت شديدة الارتباط بالواقع، فرصدت تحولاته، وهزاته، ولم تجعل همها التأريخ للأحداث والاشخاص بل جعلت الوقائع التاريخية خلفيات تنفذ منها الى واقع فني يصدق على المجموع ولكنه لا يخص أحدا بعينه وهنا اكتسبت قيمتها الأدبية.

أما الرواية الثالثة فترتد الى ما نسميه تيار الواقعية الرمزية، وقد اهتم الشيخ ماء العينين - كاتب الرواية - برصد الواقع في مدينة أطار ونواكشوط وتتبع حيثياته، واعتنى بتحديد مميزات أبطاله ونوازعهم وطموحاتهم وصدماتهم، غير أنه جعل إطار الرواية العام رمزيا هو (الوادي)، وهذا النمط من الكتابة الروائية حاضر في الأدب العربي الحديث تجسده أعمال نجيب محفوظ المتأخرة، وجبرا ابراهيم جبرا، وسليم بركات، وابراهيم أصلان، وصنع الله ابراهيم.

ونظر الى أن هذه الدراسة تأسيسية وتطمح ال أن تخاطب الغالبية العظمي من المهتمين بالدراسات الأدبية، والذين ربما لا يعرفون شيئا يذكر عن الرواية في هذه البلاد فاننا سنتوقف بطريقة بانورامية غير مخلة عند مجمل المناحي الفنية والدلالية للروايات الثلاث.

اعتمد السرد في الروايات الثلاث على طريقة الراوي الغائب أو كلي المعرفة ولا يكاد يغيب الكاتب نهائيا ويحضر الراوي إلا في رواية (أحمد الوادي) حيث يحافظ الكاتب عل مسافة مناسبة بينه وبين العمل تاركا المجال للراوي ليتحرك بالأحداث.

وكان حضور الزمن في الروايات الثلاث قويا، وهو زمن متحكم في مصائر العباد يديرهم كما يشاء. "أرى بروقا تتخافق مزجية نوءا ثقيلا قد يشكل نزوله الليلة نهاية الصيف وبداية الخريف وصمت الرئيس محدثا نفسه" ونحن العربان في هذا الفصل يحل علينا موسم القتال "الجمال قوية والطرقات تتخلها الأضون المطريه" (2).

وفي "الأسماء المتغيرة" و"القبر المجهول" يكون الزمن أداة الحياة والنماء والموت، فهو موسم المطر والخير، وهو فصل الجفاف والعطش والرياح الحمراء وهو في القبر المجهول خصوصا كما رأينا من خلال الاستشهاد يكتسي دلالة مركبة ففصل المطر يتزامن مع استئناف الحروب والصراعات القبلية، بينما يهدأ الناس في فصل الصيف ويامن بعضهم بعضا وذلك مظهر من مظاهر تراجيدية الحياة البدوية التي تصورها الرواية.

ويرتبط الزمن في "أحمد الوادي" بلحظات العجز عن تحقيق الآمال الإنسانية والخطط الحياتية.

وقد تعددت أنماط التصرف في الزمن الروائي فتنوعت الاسترجاعات والتلخيصات وقلت الوقفات والثغرات، وبلغت المشاهد في القبر المجهول أربعة، واقتصرت على مشهد واحد في الفصلين الأولين في "الأسماء المتغيرة" وخلت "أحمد الوادي" من أي مشهد فلم تتأزم الأحداث ولم تنحبس الأنقاس على مدارها وذلك نابع من تقنيتها التي لا تهتم بما نسميه اللحظات البؤرة أي اللحظات الحاسمة التي تفصل الرواية.

واذا كان المكان البدوي ساد الروايتين الأوليين الى حد كبير، فإن المكان الحضري وسم الرواية الثالثة بميسمه، وتوزعت الأمكنة البدوية بين أمكنة خارجية (فضاء) وأمكنة داخلية مغلقة كالخيمة، أو مفتوحة كالمسجد، وهو غالبا شجرة وارفة الظلال في وسط الحي، وكانت الأمكنة الفضاء مسرحا للمعارك والحروب والضحايا، كما هي مأوى قطاع الطرق وسراق المواشي، والحيوانات المفترسة التي تعترض القوافل والبشر، وبشكل عام، انعكست نظرة الإنسان البدوي على المكان فكان المكان الداخلي بالنسبة له مصدر الأمان النفسي، في حين ظل المكان الفضاء عنصر قلق دائما، ولعل ما كان يمزق نظرته للمكان شعوره أنه مصدر رزقه ومكمن هلاكه، وهو في الوقت نفسه قدره الذي ليس عنه من محيد.. ورمزت الأمكنة الحضرية الى درجة من الاستقرار والأمان فكان الوادي مصدر الخيرات والنظام ورمز العودة الى الأصول والهروب من حياة المدينة المعاصرة وأزماتها الخانقة وجسدت شخصية البطل في "الأسماء المتغيرة" مثالا للشخصية النامية في الرواية.. تلك الشخصية التي ترصد تطوراتها الفكرية والبدنية منذ الطفولة حتى مراحل متأخرة، أو حتى الموت:

"سألني أحدهم ليلة : هل أفهم الفرق بين الحرية الشخصية والحرية الاجتماعية فأجبتهم أن سميدع قال لي : إنني لما كنت راعيا مملوكا كنت محروما من الأولى وبعد خروجي من سجن وتسخير القاعدة الفرنسية، كانت حاجتي الى الثانية مشكلتي آنذاك "(3)

إنه بطل ناضل لتغيير واقعا الشخص فلما تصور أنه انتصر عليه فوجيه بالقيود الاجتماعية تكبله،وترفض اندماجه.

وعكس أشخاص (القبر المجهول) عمق الصراع الذي كان دائرا بين الفئات الموريتانية في فترة مضطربة من تاريخ البلاد.

وتميزت شخصيتا بطلي (أحمد الوادي) القاسم، وأحمد بالتناقض وعدم وضوح الرؤية إزاء نموذجي "الغرب والريف" واتسمت تصرفاتهما بالعبثية والشعور بضرورة الاستمرار في تمثيل دور المقاوم انتظارا للمصير المحتوم. وضعف في الروايات الثلاث وصف الشخصيات، ولم يتجاوز سطورا معدودة واستخدم الحوار كعنصر فني يوضح الشخصية ويكشف أبعادها المختلفة ونوازعها النفسية، كما وظف كآلية سردية لنمو الأحداث واختزال الأفعال.

وقد تتبعت رواية "الأسماء المتغيرة" المجتمع الموريتاني منذ كان يعيش البنية البدوية مرورا بالمرحلة الاستعمارية وانتهاء بسنوات الاستقلال الأولى وبروز معالم دولة حديثة، ومجتمع شبه حديث، تقدم ذلك في سياق عرفي لا يهتم كثيرا بالتوقف عند كل لحظة بعينها.

«والأسماء المتغيرة» تثير إشكالية الهوية : هوية الفرد والمجتمع والدولة. إنها استشراف للتغيير، وتبدل البنى الاجتماعية السائدة، ومحاولة إيجاد مجتمع جديد لا تقوم أسسه على قيم الاستغلال وإنما تنبني على المساواة والعدالة الاجتماعية، ولكنه استشراف وأمل سرعان ما يتكسر أمام يأس عميق من الواقع وشعور باستحالة التغيير يصبح معه الفعل البشري مجرد عمل عبثي، أو نوعا من عدم الرغبة في الركون الى الاستسلام، فالمجتمع خرج من ربقة الصراعات الأهلية ليدخل في معاناة الاحتلال، وما إن شع الأمل في الخلاص حتى سقط من جديد في دوامة الصراع.. وهو صراع انحسم في نهاية الرواية بهزيمة الحركة الشبابية.

إنها مأساة مجتمع يبحث عن الهوية الداخلية والخارجية، ولئن نال الهوية الخارجية بعد لأي بقبوله عربيا من خلال الجامعة العربية سنة 1973م إلا انه ظل فاقد الإحساس بالهوية الداخلية يحاول أن يصنع لنفسه أسسا للتعامل تكرس مجتمع الدولة لا تجمع القبيلة. واذا كان الكاتب قد أوحى بعنوان روايته أن الأسماء تتغير وكل شي ء يتغير فإن تبدلا حقيقيا لا يطرأ، وبعبارة أخرى فالأسماء تتغير، وأما الجواهر فتظل ثابتة على حالها.

أما رواية "القبر المجهول" فتنحو منحى غير بعيد عن د«الأسماء المتغيرة» إذ أن مؤلفهما واحد، كما عرفنا، وهمومه في نهاية المطاف مترابطة، ومع ذلك فهما لا تسيران في المسار نفسه.. فاذا كانت «الأسماء المتغيرة» تنحو منحى البانوراما التاريخية للمجتمع الموريتاني عبر الزمن، فإن «القبر المجهول» تنتقي فترة زمنية محدودة لا تتجاوز عقدين من الزمن ينتميان للمرحلة السابقة للاحتلال الفرنسي فهي إذن تصوير لما يمكن أن نسميه المجتمع الموريتاني في عهد الفطرة، أي قبل ورود مؤثرات خارجية فعالجت أنماط حياته والصراعات التي تدور بين فئاته حول مناطق النفوذ العسكري والروحي، ولعل الفكرة العامة التي تحكمها هي أن الأصول متغيرة بينما الوظائف الاجتماعية ثابتة، فوظيفة القبيلة الحسانية (المحاربة) ثابتة، ولكن القبيلة نفسها كواقعة تاريخية متغيرة. كذلك وظيفة القبيلة الزاوية (العالمة) وقل مثل ذلك في القبيلة الزناقية أو التابعة. إنها بنية تتحول عناصرها وتنفير كما تتقلب رمال الصحراء التي تتمسرح عليها الأحداث.

ويذهب الأستاذ محمد ولد عبدالحي الى انه "إذا كانت رواية الأسماء المتغيرة" محكومة بنظرة التمجيد للمقاومة الوطنية والغيرة على الوطن فان رواية القبر المجهول محكومة بنظرة ترد كل شيء الى العامل الطبيعي وتتسم بالقلق إزاء الصراع القبلي وإيديولوجيته المهيمنة، والرواية الأولى محكومة بجو سنوات الأمل في بداية عقد السبعينات، والثانية محكومة بسنوات الإحباط في نهاية السبعينات وبدايه الثمانينات." (4)

أما رواية (أحمد الوادي) للشيخ ماء العينين فهي من ذلك النوح من الروايات العربية الذي يتجه الى تحليل العلاقة مع الأخر / الغرب وبعبارة أخرى كيف يمكن للمثقف الذي درس في الغرب وعاش فيه سنوات طويلة وتثاقف مع حضارة تتباين أشد التباين مع الحضارة التي ينتمي اليها ونمط الحياة الذي كان يعيش في بلده أن يعيد ارتباطه بوطنه.

وبطلها الأول أحمد، شاب تنقل بين بلاد الغرب وثقف علومه وثقافاته ثم عاد مصدوما يحمل أفكارا وتصورات أخرى للحياة مطالبا بالاكتفاء الذاتي والاعتماد على القيم القديمة النابهة من الأرض أما البطل الثاني القاسم فقد قام بنفس التجربة تقريبا ولكنه عاد متحمسا مدافعا عن الغرب وثقافته مطالبا بتطبيقها بحذافيرها:

"إن أهله (الريف) يعيشون في اتكالية عمياء ويؤمنون بالخرافات الى حد يثبط نشاطهم.. إن وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية يجب أن يقضي عليها. وتعيش جميع الشعوب والجماعات الوسائل والأنظمة التي توصلت اليها الإنسانية في القرن العشرين". (5)

والحق أن تجربة أحمد هي "تجربة الأصالة وصادق الإنتماء، وهي البناء الأصيل وريشة الفنان الأصيل، وكأن الهروب من المدينة الى الغابة الذي عرف عند الرومانسيين أصبح عند ابن الصحراء الذي لا يعرف الغابة هو الهروب الى (الوادي) حيث النخيل المنعزل في أعماق الصحراء وهو هروب يائس مصيره الفشل مسبقا ولكنه في نظر أحمد الوادي وأصحابه هو الملجأ الوحيد والطريق السليم ولا يضره بعد ذلك أن يكون الطريق المسدود". (6)

أما القاسم في مرحلته الأساسية، فهو مثل مصطفى سعيد في (موسم الهجرة الى الشمال) إنه (نموذج) لهؤلاء الذين ذابوا في حضارة الغرب وأسلموا أنفسهم لها، غائبين عن الوعي فاقدين للروح النقدية المبنية على أساس استيعابهم أصلا لقدرة شعبهم وإمكاناته بما يتيح لهم أن ينفذوا الى جوهر حضارتهم الأصلية، وجوهر الحضارة الغربية معا فيعرفوا ماذا ينبغي أن يأخذوا وماذا ينبغي أن يتركوا بمعنى إجراء جوار إيجابي مع هذه الحضارة. (7)

وفي كل الأحوال فإن نموذج أحمد كان متطرفا في انزوائه كما كان نموذج القاسم مبالغا في انفتاحه

قديم 05-12-2012, 11:29 AM
المشاركة 558
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قــــراءة نقـــــدية فـــــيروايــــــة «القبر المجهول أو الأصول»



د. عبد الله أبو
هيف


تندرج رواية أحمد ولد عبد القادر «القبر المجهول أو الأصول
» في رواية التأرخة التي تسند التخييل السردي إلى أصالة التاريخ في موريتانياوجغرافيتها الصحراوية والمدينية معاً وتمازجات هذه الأصالة التاريخية مع عناصرالتمثيل الثقافي، إذ تأخذ العادات والتقاليد والطقوس والأعراف في مدلولات الأضرحةوالعقائد والأصول الناظمة للسلطان الديني والاجتماعي الذي يفضي إلى هيمنة السلطانالسياسي وطغيانه اعتماداً على السلاح المادي من جهة، والفتن والمخادعة والتضليل منجهة أخرى.
وتقوم الرواية على تشابكات الخطاب الروائي من طبيعة المعتقد الديني
إلى مشكلات الصراع السياسي ولبوسها بلبوسهما الاجتماعي، ويظهر غطاؤهما التاريخيتعبيراً عن أشكال الصراع العسكري والسياسي في موريتانيا بخاصة وفي الوطن العربيبعامة، فقد عانى العرب خلال القرن العشرين من الانقلابات والطغيان والقمع وهدرالإمكانية العربية من أجل التحكم بالسلطان السياسي واستغلال الثروات والسيادةوالحرية.. إلخ. ولو تأملنا في التطورات السياسية الموريتانية منذ نصف قرن حتىاليوم، لوجدنا الصراعات العاصفة والمدمرة بين سلطة وأخرى، مثلما يطرح السلطانالسياسي العربي في موريتانيا وسواها العزف على المأثور الديني والعقائدي والثقافيوتعليلها ضمن سيرورة تاريخية، وهذا جلي في هذه الرواية المبنية على مدلول الضريحالمقدس أو المبارك (المجهول) في الصحراء ومدلولات الصراع القبلي بين مالكي المالوالثروة من خلال السلاح والسلطة، ومالكي الجاه والعلم والنفوذ الثقافي الروحي، وبينالمضطهدين الذين يندفعون إلى أي سبيل متاح لهم في المواجهة، ولو كانت الحيل والفتنوالمخادعة والتضليل.. الخ.
مهّد الروائي لضبط المنظور السردي بالإيماء إلى دلالة
القبر المجهول ومعنى الأصول في الفصل الأول عن «الضريح» (والفصول كلها مرقمة)،إثارة للتساؤلات العميقة حول قيمته عند المسلمين، فهل هو قبر لأحد الأولياءوالصالحين المعروفين أم لأحد عمالقة العصور الماضية البعيدة والقرون الغابرة، أم «لأحد المسلمين من الجان شُهر على هذا النحو ليزوره أصدقاؤه من الإنس تبركاً منهووفاء للعهد؟!» (ص5)، ولُفت النظر إلى امرأة مختبئة (هي أو الولد صاحب الضريح الذيمات ودفن رضيعاً) بين شجيرات طلح ملتفة حول بعضها البعض، بينما تكاثر عدد مرتاديهالذين يحضرون أخشاباً لحمايته، ويتبركون منه.
ثم كشف السرد في الفصول اللاحقة
واكتمال دائرته في الفصل الأخير (26) أن القبر لوليد ميمونة التي أحبها ابن عمهاسلامي ولد الهادي، كما أشرنا إلى ذلك، وتزوجها دون معرفة أمها، و غادر البلاد لطلبالعلم، ووعد بالعودة بعد شهرين، غير أن غيابه طال ثماني سنوات، في الحج والإقامة فيمصر دارساً ومدرساً في الأزهر.
ثم هربت ميمونة من منزل أمها مطرودة من زوج الأم،
لتدفن وليدها الذي مات في الصحراء عطشاً، ووضعت على قبره أخشاباً وقاية من الرمال،وأقامت في منطقة أخرى، وتزوجت هناك لفقدان الأمل بعودة زوجها سلامي.
وأبان الفصل
الأخير حقيقة الضريح عند والديه فحسب، إذ صار مزاراً عند الجميع، فقد عاد سلامي،وصار شيخاً، وتزوج امرأة أخرى لدى إخباره عن وفاة ميمونة، فزار الضريح الذي كثرتحوله الحكايات، وتشعبت الروايات «حول استجابة الدعاء عنده، لما لصاحبه المجهول منجاه عظيم عند الله» (ص248).
واقترب الفقيه من موضع القبر، وصلى ركعتي الضحى
قبالة رأس الضريح، وفوجئ بوجود زوجته الحبيبة الفقيدة ميمونة بنت الهادي، ولميخامره أي شك في أنها هي بعينها، وشاءت الأقدار أن يلتقيا في هذا المكان عند قبرولديهما، وظهر جوهر الصراع بينهما، على أنه، برأيها «الخائن، الكاذب، المخادع» (ص251)، و«الخسيس المتحايل النصاب!» (ص252)، وجاهرته أن دعاءه لن يستجاب، «لأن اللهعاقبك بالداء على جريمتك النكراء» (ص252)، واتهمته بالجهل والبلادة، وأنه مغفل،و«أن المدفون هنا هو ولدك، فضحتني وكنت وحدك المسؤول عن قتله يا مجرم» (ص253).
ورفضت أن تقصّ عليه حكايتها، ولن تستمع إلى «أساطيره» (ص254)، ونبذت
نداءه لعودتها، وهي لن تخون زوجها، ما دامت نمداوية وفية، وهددته بالمقدرة على صرعهوتعفيره، بل على ردمه هنا في التراب إلى جانب ولده المظلوم (ص256- 257).
وخطا
إلى الوراء بعد تهديدها، وربط في دعائه بين المدلول الأعم للقبر المجهول والمدلولالأخص لجوهر الصراع المتأصل في الذات: «سبحان خالق الأصول ومغيرها! سبحان من قسّمالأقدار والأقسام وحددها!» (ص257).
وأدغم المنظور الروائي بالتأرخة والتمثيل
الثقافي لإضاءة معنى الأصول في تصوير الصراع بين ثلاثة مناطق بدوية في الصحراءسماها الروائي أحياء، الأولى «من قبيلة أولاد اسويلم: حسانيون محاربون أشداء، كسبهممن المواشي قليل، إلا أنهم مسلحون بالبنادق، ولديهم بعض الخيول المسومة العربيةالعتيقة»، والثانية من قبيلة أولاد عبد الرحمن: «عشيرة زوايا من قبائل العلمالمتخصصة أصلاً في تدريسه، والعمل بمقتضاه، مجردة من السلاح، ولكن لديها مواشٍكثيرة»، والثالثة من قبيلة أولاد إحميدان: زناقة عزل تقريباً من السلاح والعلم،ولكن مواشيهم أكثر من حيوانات الحيين الآخرين مجتمعين، على أن في أموالهم حقاًلأولاد اسويلم أهل السلاح والسلطة، وآخر لأولاد عبد الرحمن بحكم النفوذ الثقافيوالروحي» (ص7).
وأوحى المنظور الروائي ضمن عملية ضبط أغراض السرد النابعة من
«الأصول» في المجتمع الموريتاني، إذ تتعدد القبائل والعشائر في براري الصحراءتمثيلاً للقوى المتصارعة باسم الدين أو السلاح أو المال في فئات حسان المتحكمةبالسلطة زمناً بالسلاح التقليدي وسواه والزوايا المتسلحة بالدين والثقافة، وأزناقةالمظلومة والمضطهدة من الفئات الأخرى، وصور الراوي المضمر العارف بالواقع وتحولاتهاتسيّد فئة على أخرى من ببكر ولد عثمان وجرفون وغزوهم لأولاد أعميرة وأولاد احميدان،إلى حرب شكرود وأبديهل انتصاراً للثاني على الأول، إلى انتفاضة ديلول وأولاداحميدان الذين صاروا الحكام الجدد لأولاد اسويلم وأولاد أعميرة الذين رضخوا مع فئةالزوايا أو فئة أزناقة، فقد ثبت «أنهم قتلوا كثيراً وكثيراً جداً من الرجال!» (ص225)، واعترفوا أنهم سحقوهم «سحقاً.. وفرّ بعضهم بدون أسلحة، واعترضهم كمين منرجالنا المسلحين بالسيوف والفؤوس ومزقوهم في لحظات..!» (ص229)، وزاد ديلول من تدريبقومه على الرماية وأعمال الفروسية بعد نجاح الانتفاضة، حرصاً على السيادة والمقدرةعلى تنفيذ الخدائع! (ص234).
واندغم سرد قصة القبر المجهول الناجم عن مكابدة
العيش الذي أفسد مصير ميمونة وولدها الرضيع الميت، بسرد قصة الأصول، عندما عادسلامي ليجد تبدلات الأحوال في انتقال السلطة ممن كانوا مظلومين ليصبحوا ظالمين، علىأن الحاكم ليس بإرادة الآخرين، بل بتسلله إلى السلطة كلما أمعن في التلاعبوالاحتيال والمخادعة والإرهاب والعنف دفاعاً عن نفسه وممارسة للجور والطغيان علىالآخر تبديلاً لموقع العدو من الداخل، ولقد مات الكثيرون، وأُنتهكت أعراضهموممتلكاتهم وحياتهم، لذلك تكررت تسمية الأعداء كثيراً من فئة إلى أخرى، وما يندرجفي منظومتها المأساوية، مثل أرض الأعداء والرصاص والقتال والمعارك والموت والحرب،حتى أن طرفاً من هذه الفئات شبّه هذه الحرب «بحرب البسوس التي توجد أخبارها فيالكتب، والتي دارت في الجاهلية بين تغلب الأراقم وأبناء عمهم بني بكر..!» (ص93).
ولطالما رددت الأطراف انتظارها للمعركة الحقيقية التي ما زالت أمامهم
«عندما نلتقي بذلك الشيطان المقطوع الأصابع ورجاله» (ص97).
ولا يكتفي المقاتلون
بمجرد النصر على الفئة أو الفئات الأخرى، بل يربطون معاركهم بموت هذه الفئة أوالفئات الأخرى، كوصف سلامي لديلول: «ولكن شكرود أطلق حال سقوطه على الأرض آخر رصاصةعنده، فاستقرت بين كتفي الأعور، وزحف إليه على بطنه ليقطع رأسه قبل أن يلتفت إلىكسر ساقه» (ص113).
ولعل مثل هذه المحاورة بين أفراد فئة مقاتلة كاشفة عن مدى
استغراق الفئات جميعها في ارتهان «النصر»، تجاوزاً بالقضاء على الفئاتالأخرى:
«-
أظن أن علينا الآن أن نعجل تعبئة الجيش لغزو الأعداء. ولو تمكنا من
القضاء على شخص شكرود، كما فعلنا بأبيه وأشقائه، فلن تبقى أمامنا عقبة في طريقالانتصار المحقق على أولاد اسويلم» (ص139).
ووصفت العلاقة بين الفئات «بالدائرة
الجهنمية» (ص152)، وكأن الفئة الواحدة تحارب عدداً بالفعل من خارج هذه الفئاتالواحدة:
«-
لأن الحرب سجال، والشرّ جرّ، البسوس دامت أكثر من مائة سنة. وعدم
الغزو ليس دليل ضعف. في بعض السنوات تتالت غزوات أولاد أسويلم، وبقي الآخرونمدافعين. إنهم يتبادلون الأدوار، يوماً لهذا ويوم لذاك.. هذا يغزو وذاك يدافع..» (ص155).
وأشار قتل شكرود غدراً من آخر، وهما يتقاتلان، إلى طبيعة الحياة الخانعة
للصراعات المخادعة والمضللة والظالمة، إذ رُمي بسهم مارق، و«لعلع الرصاص من بندقيةمعتوق ولد بلال في مكمنه، وأصاب شكروداً في خاصرته اليمنى، ونفذ من اليسرى، وسقطمجدلاً على قفاه بعيداً عن فرسه وإعفاج بطنه المرتمية على مسافة عشرة أمتار من نقطةمصرعه!» (ص202).
وقد اعتمد أحمد ولد عبد القادر في بناء الرواية على التقانات
التالية:
أ- التأرخة
:
وسمي التاريخ زمناً موريتانياً قديماً جداً «بالنظر إلى
مدى اختلاف ظروف حياة أهله عن عادات وظروف حياتنا نحن أبناء اليوم، والقريب جداًبالنظر إلى درجة ابتعاده في الماضي، وهو العقدان الرابع والخامس من القرن التاسععشر الميلادي» (ص7).
وربط التاريخ بجغرافية المكان وامتدادها العربي لدى وصف
البيئة والمناخ والطقس والأعراف في هذه المنطقة الصحراوية إلماحاً إلى الدلالاتالكامنة عن طبيعة الحياة المعذبة تحت وطأة الصراع الدائم للتسيد علىالحكم.
وأفاد المنظور الروائي إلى مجازية السرد نحو إفصاح الخطاب عن الغرض
المراد، مثل استنطاق التأرخة للسياسة الراهنة، حين سمّي أحد السادة «رئيساً سياسياًللعشيرة» (ص50).
وأكثر الروائي من إيراد أسماء الأماكن والمدن والقرى والمناطق
إلى جانبها مثل الرقيطة وتقانت وآراء وأجبتين وأفلة والركيز وأفان وتيرس والحلة.. الخ.
ب- العتبات السردية
:
عمد الروائي أحمد ولد عبد القادر إلى العناية
بالعتبات السردية مثل العنوان ودلالاته في التبئير لإظهار القصد الروائي. وثمة شروحعديدة لمفردات وتراكيب وأسماء لدى استخدامها في النص الروائي من أجل توضيحالمدلولات الخافية، وأورد أمثلة لذلك:
-
التوالة: نظام للضيافة، اتبعته بعض
قبائل الزوايا.. الخ (ص29).
-
حلق القرن: عادة عُرفت قديماً عند القبائل المسلحة
الحسانية.. الخ (ص34).
-
السلام عليك: لفظ التحية عند قدماء قبيلة النمادي
الصيادين (ص98).
-
التلاليس: في اللهجة الحسانية، خيمة الصوف التي تشققت مسوحها
لقدمها، أو قطعة منها بالية.. الخ (ص137).
-
القراقيز: واحدها أقرقز، وتنطق
شعبياً آقراقيز من أصل منهاجي، جلود الغزلان.. الخ (ص164).
ج- التناص
:
لجأ
الروائي إلى التناص تدعيماً لعناصر التمثيل الثقافي، ولا سيما النصوص الدينيةالإسلامية كالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية والدعاء والصلاة وصلاةالاستسقاء.. الخ. مثلما أدغم بعض الحقول الدلالية بالأمثال الشعبية، في عشراتالأماكن ص81، 85، 101، 140، 148، 179، 186، 188، 195، 210، 212، 214، 220.. الخ.
وأضاف إليها الشعر الشعبي للشاعر الشعبي الموريتاني القديم سيدي عبد الله
بن أحمد بن أحمد دام الحسني (ص246- 258)، اختتاماً لحال الصراع الدائر خاتمةللرواية:
ومن صحب الأيام أنأين جاره

وأدنت له من ليس بالمتداني

أوحت
الرواية من خلال التعالق النصي بين قصة القبر المجهول وقصة الأصول في هذه المنطقةالصحراوية وتواصلها مع المناطق المدينية في موريتانيا أن وصف الحروب الدامية بينالفئات العربية تؤدي إلى العذاب والقتل والدمار بتأثير استلام سلطة الحكم، إشارةإلى استمرار الانقلابات العسكرية في العديد من الأنظمة العربية التي لا تنتج إلاانعدام الحرية ودوام الاستبداد.
<
أحمد ولد عبد القادر: القبر المجهول أو
الأصول، رواية، الدار التونسية، تونس، 1984، وتشير الإحالات إلى الطبعة الثانية،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتبة الأسرة العربية، سلسلة الكتابالعربي 8، تونس، 2003.

قديم 05-12-2012, 11:30 AM
المشاركة 559
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
احمد بن عبد القادر
شاعر موريتاني
ولد عام 1941 في بادية الجنوب الغربي الموريتاني في مضارب قبيلة الحسنيين المشتهرين بتعاطي الشعر وعلوم اللغة العربية والشريعة. درس في محاضرها والتحق متأخرا بالتعليم النظامي ثم زاول التدريس في المدارس الحكومية بالتعليم الابتدائي من عام 1965 إلى 1971.
كان من مؤسسي حركة القوميين العرب في موريتانيا في ستينيات القرن المنصرم قبل أن يتحول يسارا مع جورج حبش إثر هزيمة 1967. شارك في تحرير نشرية موريتانيا الفتاة وهي أول نشرية للقوميين العرب بموريتانيا. كما عمل محرراً في نشرية صحيفة المظلوم السرية التي كانت تصدرها الحركة الوطنية الديمقراطية في بدايات السبعينيات. عضو لجنة القيادة المحلية لحركة القوميين العرب عام 1966. عرف السجن السياسي ثلاث مرات في الستينيات والسبعينيات. وتسلم وظائف سامية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم.
عضو اتحاد المؤرخين العرب وله حضور بارز في المشاهد الثقافية العربية في العراق والشام والخليج. ترأس منتدى المعرفة, وكان أمين عام اتحاد الأدباء الموريتانيين بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. له ديوانا شعر جمع في الأول منهما كل القصائد ما بين 1961 إلى 1977، ونُشر ببيروت بعنوان "أصداء الرمال" عام 1981.ثم "كوابيس" المنشور في المملكة المغربية2002 له ثلاث روايات هي: الأسماء المتغيرة ، القبر المجهول،والعيون الشاخصة. شاعر ملتزم اهتم بقضايا وطنه وأمته ونالت القضية الفلسطينية حيزا كبيرا في شعره ومنه قصيدته التي اشتهرت في ستينيات القرن العشرين:
في الجماهير تكمن المعجزات :::: ومن الظلم تولد الحريات
ومن العسف في فلسطين قامت :::: ثورة الفتح يفتديها الأباة
مكثت في النفوس عشرين عاما :::: تتعاطى لهيبها الكلمات ثم سارت على صعيد الليالي :::: ضربات تشدها ضربات ورصاصا يجول قصفا وضربا :::: وتلاشى النحيب والزفرات دير يس ما نسينا دمانا :::: في ربانا تدوسها النظرات دير يس ما نسينا عظاما :::: نسفتها الرياح والهبوات
المصدر

copied from : http://www.zuhlool.org/wiki/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%B1 وله روايتان هما: (الأسماء المتغيرة) و (القبر المجهول). من قصائده: صوت الفن بمناسبة تأسيس الرابطة الموريتانية للآداب والفنون سنة 1976 بيـن خفـق الـرؤى وذوب الخـيـال وإقتحـام المـنـى عـيـون المـحـال والأغـانـي المجنـحـات سـكـارى سابحـات فــي مـوكـب الأمــال طبعا غنتها الفنانه العظيمة:ديمي منت آبة والأغنية شهيرة بـ: "ريشة الفن" سنحاول هنا نقل بعض من اشعاره
بيـن خفـق الـرؤى وذوب الخـيـال وإقتحـام المـنـى عـيـون المـحـال والأغـانـي المجنـحـات سـكـارى سابحـات فــي مـوكـب الأمــال نـهـض الـنـاي والـيـراع وقــالا كلمـات بيـض الحـروف الصقـال : هل لهذا الوجود لهذا الوجود معنى إذا لم يتـفـهـم هـويـتـي ومـجـالـي ؟ وأنـاشـيـد مـزمــري تـتـغـذى مـن صـدى أنتـي وفرحـة بالـي ؟ كـنـت حلـمـا معـلـلا بالأمـانـي همـسـات تـجـوب درب الـكـلال تــارة أبـصـر الحـيـاة أخــرى وأبصر الصمت فـي ضميـر الليالـي أنـا اليـوم صرخـة تركـب الــريـ ـح جـوادا نعلـو مـتـون الجـبـال وأنــا الـيـوم مشـعـل عـبـقـري يـزرع النـور فـي جبيـن الــزوال وأنـا اليـوم فتيـة صاحـبـو الــفـ ـن ونالـو مـن وحيـه كـل غــال ورحـيـق الجـمـال بـيـن يديـهـم مشـرب للنفـوس صـافـي الــزلال يتـعـاطـون بـــرده وشــــذاه فــي كــؤوس ظلالـهـا كـالآلـي نحتـوهـا مــن كـوكـب قـمـري فـي سمـاء الفنـون صعـب المنـال يتجلـى فـي الشعـر جـدول سحـر ضفـتـاه مــن روعــة وجــلال قزحـي الأنـفـاس يحـمـل فيـضـا أبـديــا يـهـتــز كـالـشــلال وتـــراه رســمــا ونـقـشــا نمنمـتـه يــد البـهـا والـكـمـال مثـل مايـبـدع السـحـاب إذا مــا عانـق الأرض بعـد قطـع الـوصـال بـالـنـدى والـغـصـون هــونــا وحلـى الـورود والضيـا والـظـلال هللـي مورتـان مـاذاك إلا ومـضـة مـــن سـراجــك الـمـتـلالـي هلـلـي يــا بــلاد مـانـحـن إلا قـطـرة مــن معيـنـك السلـسـال وأبـشـري صفـقـي لوثـبـة نـبـع ظـل يسـقـي مـواكـب الأجـيـال حـاول الغـرب حبـسـه ذات يــوم عـن مجاريـه عبـر هـذي الـرمـال وأنبـرى يمضـغ السـدود ويـجـري لايـبـالـي بشـأنـهـا لا يـبـالـي وتسـامـى أصـالــة وشـمـوخـا فـي رحـاب الخلـود ثــر نــوال نهضـة ترفـع المـعـارف جـسـرا ذهبـيـا يـرقـى بـهـا للمـعـالـي فكرها عزمها مـن الجمـود وضـرب لـنـوايـا المستـعـمـر المـحـتـال فتعالـي أقلامـنـا نسـبـر الـعـصـ ـر ودنيـا الألـوان دنـيـا المـقـال ريـشـة الـفـن بلـسـم وســـلاح ودليـل يضـيـئ وعــي الـرجـال إنـهـا عـالـم الحـقـائـق يـحـيـا بيـن خفـق الـرؤى وذوب الخـيـال
موكب النور مهرجان الشباب العربي بغداد 1977 موكب النور هل ترى مـن بعيـد وجـه مشتاقـك الحزيـن العنيـد أنـا طيـف وخاطـري عـربـي لم يصافحك بعـد مـوت الجـدود أنا شنقيـط هـل سمعـت بوحـي من رمالي أو درة من عقـودي ؟ جئتـك اليـوم زائـرا شـعـوري باقـة الفخـر والوفـا للعهـودي عندمـا عربـد النخيـل فـؤادي وأنبرى خاطـري وثـار قصيـدي أيـه بغـداد أيـن منـا زمــان كنت فيه وكـان عهـد الرشيـد ؟ كيف صار الهـلال بـدرا فشمسـا تلبس الكـون حلـة مـن ورود ؟ وزرعـنـا حـضـارة وعلـومـا وقطفنـا ثمـار نـبـع الخـلـود أي خـطـب اصابـنـا فنزلـنـا من عروش الضحى لسفح الركود ؟ مالـذي أذبـل الشمـوع لـمـاذا لم نصنها وهل ترى مـن جديـد ؟ إيه دار السـلام هـل أنـت عيـد يتباهـى بألـف عيـد وعـيـد ؟ أبـحـار عسـجـد أم ريـــاح من لهيب تمـوج عبـر البنـود ؟ أم حشود الشبـاب هبـت لتمحـو حبل الرين يالهـا مـن حشـود ؟ هاجر الزهر وألتقـى بعدمـا ظـل حبيس الشـذى رهيـف القيـود : زغرد الماء في السواقـي وغنـى طائـر الأمـس لحنـه للخـلـود ورفـات الزمـان تطـوي بعيـدا تسفـح الـدرب للزمـان الجديـد يا بـذور الحيـاة أهـلا وسهـلا بعنـاق الحبيـب بعـد الـصـدود حان بعث الشموس هيـا أرفعوهـا في طريـق المستقبـل المنشـود وأنيطوا عن وجههـا يـا بنيهـا كفن الغيم حـان صهـر الجهـود قـدمـوهـا هـديــة لـربـنـا فجروهـا علـى هضـاب الجليـد إن قدسـنـا ضـبـاب دمــوع تحفـر الأرض باللظـى والحديـد باركوهـا تنهـل شرقـا وغربـا وتغسـل العـار بالعطـاء المجيـد خـذوهـا لـكـل جـــرح دواء وأنسجوهـا لفـائـف التضمـيـد طمئنـو الخائفيـن إن لـم يفـيـ ـيقوا أنها صرخة العزيز الوليـد إنهـا المشعـل الكبيـر يـنـادي إنهـا وحـدة المصيـر السعـيـد

الليل في علوائه

اللـيـل فــي غـلـوائـه والنـجـم فــي لألائــه والبـوم فـي جنـح الدجـى تنـسـاب عـبـر نـدائـه مـوجـات لـحـن عـاثـر مستـأنـسـا بـدعـائــه فـي ذالـك الجـو الغـريـ ـب بـأرضـه وسـمـائـه تتجـاوب الأصـداء حــو ل قريـة السهـل الكئـيـب والليـل يمـضـي ساكـنـا في موكب الصمت الرهيـب سامرتـه فـي مروجـه ... وسـألـتـه إذ لايـجـيـب هــلا أزحــت ستـائـرا من وطأة الهـول الغريـب ؟ وتجيـب أبــوام الـدجـى في الفجر حيا علـى الفـلاح وتقـوم أشبـاح الصـبـاح كأنهـا رهـن الجـراح ... بـشـر يكـابـد مـرهـقـا عبء التخلـف فـي كفـاح ويموج في مرعـى الضنـى رهـج العجاجـة والصيـاح هـذا إلـى الحقـل البعيـد يسيـر فـي خطـو حزيـن يتوشـح المـحـراث لــم يعـرف سـواه مـن معيـن هـذي تسيـر بطفلـهـا الـ ـوسنـان عريـان السنيـن حتى تـروي الجـرة الـسـ ـعفـاء مـن مـاء وطيـن وتعـود للـكـوخ العتـيـق إلـى الهواجـس والأنـيـن البـيـر فــي مستـنـقـع داسـتـه أقــدام الـذئـاب وتمـرغ الأطـفـال فــي جنباتـه بـعـد السـحـاب لكنـهـا قـبـل الضـحـة ترتـاده قـصـد الـشـراب تخشـى إزدحـام الوارديـن وتتـقـي لـغـو السـبـاب حتـى إذا شـاب النـهـار وصار يرنـو فـي شحـوب قرب الدجى والدرة الحـمـ ـراء تجـنـح لـلـغـروب ستعـود أشـبـاح المـسـا بيـن المسالـك والــدروب بشـر يعانـي كــل مــا تحوي التعاسة من ضـروب وتـرى وجـوه الهائمـيـن العائـديـن مــع القطـيـع مـرتـاحـة لرجـوعـهـا كتبسـم الطفـل الرضـيـع قسمـاتـهـا لا تنـجـلـي سمـراء كالحـظ الصريـع نظـراتـهـا مـلـتـاعـة سـوداء كالحلـم الفظـيـع الـنـار تـوقـد هـاهـنـا يتجمـهـرون ويصطـلـون وتسـود أجـراس المـسـا روح البساطـة والمـجـون يـاقـوم مـاهـذا الخـنـا ياقـوم ماهـذا السـكـون ؟ أفهـكـذا يــا أخـوتــي أو هكذا تمضـي القـرون ؟ والنـاس غـيـر بـلادكـم ركبـوا الحديـد والنـجـوم صاغـو العدالـة والـرخـا ونصرو الضعيف على الظلوم فتضاحـك السـمـار مــن قــول تقـاذفـه الهـمـوم مستغربـيـن نصيـحـتـي يتسألـون مـن المـلـوم ؟ أبناؤنـا درســو العـلـوم وحصلـو لــب الحـيـاة جــاؤو إليـنـا مـــرة قالـو لـنـا أنـتـم بــداة مـن متحـف التـاريـخ لا تتحـركـو مــن سـبـات قلنـا لهـم نـحـن الـبـدا ة فأيـن أيـن نـرى الهـداة هــلا أتيـتـم يــا ورود النـور والعصـر الجديـد ؟ لتعـلـمـونـا حـكـمــة منـهـا نفـيـد ونستفـيـد لكـنـهـم لا يـحـسـنـو ن سوى الكـلام بـلا مزيـد إن كنـت تسعـى سعيـهـم فأتـرك حديـثـا لا يفـيـد إنـا هـنـا نحـيـا حـيـا ة البائسـيـن الصـابـريـن نحيـي عهـود الغابـريـن وسنـة عــن الصالحـيـن نرعـى الحقـول ونرتجـي قسطا مـن السيـل الضنيـن نتوشـح المـحـراث لــم نعـرف سـواه مـن معيـن الـنـار يخـبـو زنـدهـا متجرعـا فـقـد الـضـرام والكـون عـاوده الـدجـى والنـور حـاق بـه القتـام ونـام الرفـاق السـاهـرون ولـم تشـأ عينـي المـنـام مـتـفــردا والـغـابــة الصمـاء تصغـي للـظـلام اللـيـل فــي غـلـوائـه والنـجـم فــي لألائــه والبـوم فـي جنـح الدجـى تنـسـاب عـبـر نـدائـه

قصة شعب 28نوفمبر 1966
فرحة العيـد أيقظـت ذكرياتـي من صميمي وحركت خطراتـي حول ماض يعطيك قصة شعـب عبـق بالفخـار والمكرومـات زاره عقبـة المجاهـد قـدمـا حاملا ديـن أفضـل النسمـات وأنتمى بعـد ذا لقيـس وذهـل وقريـش العـلا وسعـد منـاة عاش الدهر يصطفيـه ويحمـي عـزه بالطمـوح والمعجـزات كلمـا دارت الـقـرون تــراه مستنار الجبيـن صلـب القنـاة كلمـا درات الـقـرون تــراه يرضع العز من زمـان مـوات يبعـث العلـم والثقافـة نـورا نابعـا مـن مناضليـه الأبــاة بينما كـان هكـذا فـي الزمـان يرقص الحظ حولـه فـي أنـاة إذ تبدى علـى سمـاه إغبـرار شاحب الوجـه أقتـم الجنبـات وتـاه المستعمـرون فـلا أهـ ـلا ولا مرحبا بهم مـن طغـاة يزرعون الظلام بين جبال الـنـ ـور حتـى تحـاط بالظلمـات ويشيـدون كـل قصـر منيـف من محاصيـل للجيـاع العـراة ويعيثـون بـالأيـادي فتلـقـى كـل قيـد ملـطـخ الحلـقـات محنـا ذقتهـا مضامـا كقومـي خانعـا تحـت وطـأة النكبـات هائمـا كالصـدى تلقفـه الأعـ ـماق أوكالأحـلام والخلجـات نفسـي جمـرة وقلبـي لهيـب فـي لهيـب تمجـه زفـراتـي وأنيـن الحيـاة وهـو جـريـح بـفـؤادي مقـطـع النـبـرات فيه ألف وألـف ألـف إنطـلاق حائـر بيـن زحمـة النبضـات وانعتاق الوجـود ألهـم نفسـي حكمـة قلتهـا بذاتـي لـذاتـي ليـس فـي عـالـم الـعـذاب مثل خنق الحياة في ذي الحيـاة ماكفى الظالمين خمسـون عامـا من ضياع الحقـوق والحريـات ماكفاهم حـز الرقـاب جزافـا ماكفتهـم فظائـع المنـكـرات لم يرعهـم إلا سواعـد شعبـي رفعت مـن ثمـار رأي الثقـات شعلـى كالـدم المثـار تلظـى في أحمرار جهنمـي السمـات حيث كان الجهاد بحـر هـلاك عبـرتـه أقدامـنـا بـثـبـات وأسـتـقـلـت بــلادنـــا بإتحـاد الصفـوف والجبهـات فأتحاد الصفوف أمضى سـلاح ضد كيـد المستعمريـن العتـاة وأعتمدنا علـى الشبـاب فأحيـا دورنـا فـي تجـاوز العقبـات وفهمنـا أن النضـال ســواء كطعـان بالرمـح دون شـبـاة أيهـا العيـد إن ذكـراك رمـز لنهوض الشعوب وبعد السبـات قد ملأت الصدور أمنـا وبشـرا وأنـرت الوجـود بالبسـمـات فأتسم بالخلـود وألبـس حـلاه سوف تأتي قهرا وتاتـي وتاتـي سوف نحميـك بالدمـاء فترقـى لامعـا فـي مواكـب النيـرات سوف نعطيك لا محالـة معنـى جئت من أجلـه ربـوع البـداة سوف ندني إليك كـل المعانـي ونوازي موصوفهـا بالصفـات سوف نعطي الجياع خبزا ونسقي ظمأ الأرض بالمعيـن الفـرات سوف نعطي الجهال علما ودينـا ورثـوه عـن الجـدود الهـداة وأنت عيدي إن كنـت هـذا وإلا لست عيدي ولست عيـد لداتـي فأنعتاق الوجـود ألهـم نفسـي حكمـة قلتهـا بذاتـي لـذاتـي ليس في عالـم العـذاب عـذاب مثل خنق الحياة في ذي الحيـاة
في الجماهير تكمن المعجزات في الجماهير تكمن المعجزات *** ومن الظلم تولد الحرياتُ ومن الشعب في فلسطين قامت *** ثورة الفتح يفتديها الأباةُ مكثت في النفوس عشرين عاما *** تتعاطى لهيبها الكلمات ثم صارن على صعيد الليــالي *** ضرباتٍ تشدها ضربـات ورصاصا يجول قصفا وضربا *** وتلاشى النحيب والزفراتُ دير ياسين ما نسينا دمانا *** في ربانا تدوسها النظرات دير ياسين ما نسينا عظاما *** نسفتها الرياح والهبوات جرحتنا مخالب الدهر يوما *** وتلاقى على ربانا الغزاة واعتمدنا على سوانا زمانا *** وألهتْنا الدموع والحسرات غير أنّا قد انتفضنا وثرنا *** ثورة لا تردها الفتكــات نحن شعب قد صلّبته المآسي *** سهرته الآلام والنكبات نسكن النار لا نبالي لظاها *** زادنا العزم والإبا والثبات نتلقى الشهيد عزا ونصرا *** والضحايا توديعهم حفلات ونغني للموت بل ونراها *** في سبيل الحياة هي الحياة ونغني حتى الجراح تغني *** في الجماهير تكمن المعجزات يتبع منقول أبوالفحفاح 09-30-2009, 04:56 PM بنت الجبيل
بنت الجبيل
بنت الجبيل سلاما درة الجبل ويا شفانا من الأدواء والعلل! وزهرة من سواد العصر طالعة بيضاء، حمراء، شوب الفجر بالطفل يا أبعد البعد – في أهلي وفي وطني وأقرب القرب من دمعي ومن أملي لا أبرد الله جفنا غير ذي سهر لما لقيت وقلبا غير مشتعل.. من أي أجبال أرض الشام جاء أبو- ك الصلد ينحت شمراخا من المُـثُل ِ وما اسمه؟ هل ذرى لبنان محتده؟ أم الجليل أم الجولان ذو الجدل؟ حاشاك ما أنت من طين ولا حجر وإنما أنت (شقرا) من بني زحل! العز عزك لا زيفا ولا كذبا والنصرُ نصرك فوق التاج والحلل هذي أساطير صهيون ممزقة على تلالكِ والأشلاءُ في الوحل لهفي على الأحمر الشلال منسكبا ما بين نهديك والخدين والمُـقل.. مجازر الظلم لا فكر يعاتبها ولو بشيء من الإنكار والخجل! بنت الجبيل.. تعالتْ فوقنا شرفا لأنها عن سبيل الحق لم تمل قانا وصبرا وشاتيلا تباركها ودير ياسين بالتهليل والقُبَل! والمسلمون وأبناء العروبة في ريب الفجاءة بين النوم والجذل.. يسّاءلون ونصر الله يخطبهم: ..لا تعجبوا من ثمار الحادث الجلل" توبوا إلى الله من أمراض فرقتكم وهذبوا القول والإيمانَ بالعمل حتى تهاوى عروش العابثين بنا والمارقين على التاريخ والرسل".
موريتان يا «مورتانُ» لكِ الكِلاءةُ والظفـرْ فابقي إلى جنب العروبةِ لا مفـرْ فيها لشعبـكِ قبـلُ عـزٌّ شامـخٌ نِعْم المقامُ بـه ونعـم المستقـر شعبٌ يحنّ إلى الجميل ويكتسـي حُللَ السماحةِ لا يُبالي من هجـر وترى وتعرف فيه من أسلافه الْـ ـغُرِّ الأعزّة من كِنانةَ أو مُضـر كرماً، حَيا، ووفا، وحُسنَ ضيافـةٍ وشجاعةً ترمي وتقذف بالشـرر فتخالـه فـي عهـدهـم لكـنّـهُ يدعو إلى الحُسنى ويؤمن بالقـدر شعـبٌ يغـار لدينـه ولعِرضـهِ بحماسةٍ تنفي الهوانَ فـلا تـذر شعبٌ دعتْه من المحيط إلى الخَلِيـ ـجِ أواصرُ القُربى فلبّى واعتمـر شعبٌ بـه تجـد الـدواةُ قوامَهـا تحت الخيامِ وتحت أكواخِ الشجـر كم فتيةٍ عكفـتْ علـى كاساتهـا سَحَراً تَعلّلُ من أحاديـث السمـر تسقيـهـمُ بغنائـهـا فـنّـانـةٌ كأسَ التأوّهِ تِلـوَ كاسـاتٍ أُخَـر فتميل من فوق الـرؤوسِ عمائـمٌ خضرٌ فتنتثـر البلاغـةُ كالـدُّرر هـذا يُعالـج وصـفَ ناقتـه وذا مُتغزِّلٌ يشكو الصَّبابـةَ والسهـر ويخوض ذو التاريخِ فيه وربّمـا جنحوا إلى «الفرّاء» فاتّضح الخبر يتسابقون إلى الهدى مهمـا بـدا وإذا يُنادي الجهـلُ كـلا لا وَزَر تدعوهـم للبـدو أعـرقُ نزعـةٍ فيرون للبدو العدولَ عن الحضـر كم عاينوا خطرَ الصحارى رُحَّـلاً يرتاد رائدُهـم مقاييـسَ المطـر والشربُ شاهٌ والكراسـي أَرْحـلٌ فوق الهجائنِ والمصابيحُ القمـر يا ساكني بطنِ الجزيـرةِ ساكنـي مهدِ الحضارةِ والديانـة والعِبَـر حيّاكـم شـعـبٌ نــأى لكـنّـهُ يدنو ويقرب في المآسي والبُشَـر تلك الأصالة لا نُريـد لنـا بهـا بدلاً، ولا ترضى سوانا في البَشَر الضادُ يشهد وَهْو أعـدلُ شاهـدٍ والخلقُ يشهد والعوائـد والسِّيَـر
منقول بتصرف

قديم 05-12-2012, 11:35 AM
المشاركة 560
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تطور الحركة الشعرية الموريتانية




مقدم الحلقة
محمد كريشان
ضيف الحلقة
أحمد ولد عبد القادر، شاعر موريتاني
تاريخ الحلقة
11/12/2000







أحمد بن عبد القادر




محمد كريشان:
أشهر ما توصف به موريتانيا هو أنها بلد المليون شاعر وبغض النظر عن مدى دقة التعبير فإن ظاهرة كثرة الشعراء التي نشأت وترعرعت هنا في أعماق الصحراء ما تزال مستمرة رغم تغير الأحوال، وإذا كانت البداوة والصحراء قادرتين دائماً على إنتاج شعراء، فإن القضية هي في استمرار هذا العطاء الإبداعي في وقت شحَّت فيه العواطف، وفي عالم لم يعد يتحدث إلا عن آخر الابتكارات العلمية والتكنولوجية، ضيفنا هذا الأسبوع هو الشاعر الموريتاني أحمد ولد عبد القادر.
أحمد بن عبد القادر من مواليد عام 1941م نشأ في بيئة بدوية تحترف تربية المواشي وتنتشر فيها المعارف العربية، الإسلامية، وقد تعلم الشعر من عائلته.
عمل مدرساً بالتعليم الابتدائي من عام 1965م إلى 1971م.
شارك في تحرير نشرية (موريتانيا الفتاة) وهي أول نشرية للقوميين العرب بموريتانيا. كما عمل محرراً في نشرية (صحيفة المظلوم) السرية التي كانت تصدرها الحركة الوطنية الديمقراطية في بدايات السبعينيات. عضو لجنة القيادة المحلية لحركة القوميين العرب عام 1966م بزعامة الدكتور جورج حبش آنذاك.
عرف السجن السياسي ثلاث مرات في الستينيات والسبعينيات. له ديوان شعر جمع فيه كل القصائد ما بين 1961م إلى 1977م، ونُشر ببيروت بعنوان (أصداء الرمال).
له روايتان هما: (الأسماء المتغيرة) و (القبر المجهول).
محمد كريشان:
سيد أحمد ولد عبد القادر أهلاً وسهلاً.
أحمد بن عبد القادر:
أهلاً بكم.
محمد كريشان:
عندما نتحدث عن موريتانيا كبلد المليون شاعر، متى بدأت هذه المقولة؟ وهل فيها بعض المبالغة ربما؟
أحمد بن عبد القادر:
هذا المصطلح الشائع جداً على ما أتذكر بدأ منذ سنة 1967م، وكان مطلق شرارة هذا الشعار هو مجلة العربي الكويتية، أتذكر أنها كانت وقتها جزيرة الوقت، كانت بإخراجها الجيد ومواضيعها المتنوعة جامعة للعرب..، جمهور من القراء العرب واسع النطاق، زارتنا البعثة وقتها، بعثة العربي وأتذكر أنها كانت تتألف من صحفي يسمى سليم زبال ومصور يسمى إدوار متريادا، وصادفت الصحراء الموريتانية على حقيقتها يعني قبل عهود الجفاف الذي أصاب بلدان الساحل فيما بعد فغير أوجه الحياة وترتبت عليه نتائج اجتماعية كثيرة، وأتذكر أن المرحوم الأستاذ أحمد بن عبد الله كان هو المرافق الدليل لهذه البعثة وتنقل معها بين المحاضر، محاضر البادية وشهدوا كثير من المطارحات الشعرية الليلية والسهرات الأدبية وأثناء التحقيق سأل أحدهم –أحد أعضاء الوفد- مرافقه: كم عدد سكان هذا البلد؟ قال له: مليون، قال له إذاً أنتم مليون شاعر، وطلع التحقيق بعنوان.. زاوية اعرف وطنك أيها العربي. موريتانيا بلاد المليون شاعر، فشاع هذا اللقب أو هذا الشعار أو هذه الصفة، من حيث المبالغة طبعاً تعرفون قبل أن تسألوا أنها مبالغة، لأنه لم يكن في العالم العربي كله مليون شاعر في أي وقت من الأوقات في زمن واحد، طبعاً هناك مبالغة، مبالغة إعلامية كما يقال.
محمد كريشان:
يعني جمالية العنوان هي التي فرضت ربما..
أحمد بن عبد القادر:
ربما يعني..
محمد كريشان:
ولكن مع ذلك حتى وإن لم يكن هناك مليون بالمعنى العددي الصارم ظاهرة الشعر في المجتمع الموريتاني ظاهرة منتشرة.
أحمد بن عبد القادر:
ظاهرة منتشرة، فعلاً منتشرة كانت ولا تزال، وللمبالغة ما يبررها، ولكنها تبقى مبالغة، فشاع في البلدان العربية أنها بلاد المليون شاعر، بعض العرب يأخذها على حقيقتها إعجاباً وتبجيلاً للموريتانيين أو تدليلاً، أو شيئاً من هذا القبيل، والبعض على وجه السخرية يعني فيه مفارقات، موريتانيا رغم كثرة دواوين شعرائها القدامى والمحدثون متخلفة في ميدان النشر، أن تقول بلد المليون شاعر ولا تجد دواوين كثيرة في المكتبات، ولا في المعارض العربية وتبقى المفارقة.
محمد كريشان:
ما تفسير هذه المفارقة يعني؟
أحمد بن عبد القادر:
المفارقة أننا في ميدان النشر متخلفون هو السبب.
محمد كريشان:
إذاً كيف يمكن الحفاظ على إبداعات بعض الشعراء لا شك بأن المستوى يتفاوت من شاعر إلى آخر، ولكن كيف يمكن لموريتانيا أن تحفظ هذه الذاكرة الشعرية طالما أن النشر متخلف كما ذكرت؟
أنتم ربما تراهنون على الذاكرة، ولكن الذاكرة لا يمكن أن تستوعب كل شيء.
أحمد بن عبد القادر:
الذاكرة في عهد الصورة يقال أنها تتراجع، في عهد الصورة والوسائل المرئية ولم تعد الذاكرة لدينا كما كانت وإن كان البقية من أفراد الجيل القديم أفراد ونماذج يحفظون بشكل جيد لكن لم تعد كما كانت، فقط الحل هو النشر ونحن نعتزم هذا ونتجه إليه.
محمد كريشان:
يعني ربما أنتم من الشعراء المخضرمين في موريتانيا المعروفين، هل كان الإبداع الشعري في موريتانيا زمن الاستعمار، أو في بدايات الاستقلال أكثر نضجاً وأكثر ثراءً وعطاءً من الآن؟ يعني إذا أردنا أن نعطي نوع من الفكرة الأولية التقييمية على تطور المستوى الإبداعي في الشعر في موريتانيا.
أحمد بن عبد القادر:
سؤال وجيه، موريتانيا في القرنين أو الثلاثة الماضية كان الشعر فيها ناضج بشكل ممتاز كشعر عربي قديم، تبدأ القصيدة بالمقدمة الطللية، وفعلاً كان الشعراء في مجتمع رُحَّل، من الرُّحل يقفون عند مرابع الأحباب وتهيج بهم نار الحنين ويبكون الحبيبة ويقفون على الرسوم والطلول، لا تقليداً وإنما تجاوباً مع..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
البيئة.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
الواقع المعطى، وكانت أغراضهم متنوعة هذا الشعر رغم أنه أكثره مخطوط يوجد منه ديوان جامع نموذجي صدر في القاهرة 1911م (الوسيط في أدباء شنقيط) لأحمد بن الأمين الشنقيطي، وعلى درجة عالية من الرصانة وقوة الأسلوب والإبداع كمان، الإبداع.. الإبداع في محيطه وبيئته، وخاصة في نقاء اللغة العربية، أعطيك مثال: في الخمسينات أو الأربعينات حقق في مصر كتاب (الخصائص) لابن جني في النحو، هو كتاب صعب، فأثناء التحقيق جماعة التحقيق من علماء الأزهر وعلماء اللغة العربية في مصر بدأوا في باب الإبدال، باب الإبدال لكلمة (زبرجد) فقالوا يجوز قياساً، الكتاب يقول إن الزبرجد يجوز قياساً إبدال داله جيماً زبرجد فلم يجدوا له شاهداً من الشعر العربي القديم، ولكنهم قالوا وجدنا له شاهداً في الوسيط في أدباء شنقيط للشاعر محمد بن الطلبة، جيميته الشهيرة الزبردجي في قصيدة جميلة لا أتذكر،لا أتذكر مطلعها هذا مثال، أنه كان على درجة قوية من نقاء اللغة العربية. الشعر العصري، الشعر الحديث، أو الشعر الزمن الحاضر إذا أردت أن أتكلم عنه فعلي أن أقول لك إن عصر التنوير العربي الثقافي في المشرق وصلنا متأخراً يعني لم نبدأ نكتب الشعر في أغراضه الحديثة إلا بعد الستينات، إلا بعد الستينات، ونشترك مع المشرق والمغرب في -إلى جانب تلك الخاصية- في أن هذا العصر الذي هو عصر وضع علامات استفهام حول الشعر ومستقبله والعالم الذي يقودنا في طريق العولمة والغرب ترك الشعر منذ زمن قديم، والشعر دخل أزمة.. أزمة الكينونة لأن الوسائل المرئية، الخيال العلمي وما إليه من مستحدثات زاحمته في الخيال وفي الإثارة والتغني وفي كل شيء يعني نتحد مع الشرق في وصول هذه المرحلة الكأداء في آن واحد إلى جانب أننا وصلنا التنوير متأخراً.
مع أن أؤكد لك أن من السبعينات إلى الآن الساحة الموريتانية مليئة تعج بالشعراء الذين يكتبون الشعر بجميع أجناسه الشعرية، أجناسه الشعرية المعروفة اصطلاحاً.
محمد كريشان:
لكن هل اختفى تدريجياً ذلك الشعر الذي -كما ذكرت- يقف على الأطلال ويتشبه ليس من باب التشبه بالشعر الجاهلي أو الشعر العربي عموماً، وإنما نظراً للبيئة الصحراوية والبدوية هنا في موريتانيا، هل انقرض تدريجياً هذا النوع بفعل تقدم النمط الحضري في موريتانيا وإن كان ببطء يعني.
أحمد بن عبد القادر:
تقريباً، عندنا في الحركة الأدبية الشعرية تجد القصيدة العمودية ذات الجرس الإيقاعي القوي المقلد للشعر..، التي هي امتداد للشعر الموريتاني القديم و التي لا يستسيغها كثير من الجمهور اليوم، وتجد القصيدة العمودية ذات الأغراض العصرية، وتجد قصيدة الشعر التفعيلة عند الشعراء، وتجد حتى القصيدة النثرية التي يسمونها الشعر المنثور، عرفت لها مكانة في الساحة الأدبية، يعني جميع الأجناس الشعرية المتعارفة في الساحة العربية معروفة عندنا الآن.
محمد كريشان:
الغالب تقليدياً أنكم تحبذون هنا في موريتانيا الشعر العمودي، يعني هذا النوع من الشعر الذي عُرف في البلاد العربية في السنوات الماضية الشعر الحر أو أحياناً في غير العمودي والحر وغيره من التسميات، هل كان مستهجناً إلى حد ما نظراً لتشبث الشعراء الموريتانيين بالنمطية التقليدية للقصيدة العربية؟
أحمد بن عبد القادر:
الجمهور الواسع الواسع يرفض الخروج عن قانون الخليل ومرة عرضت على واحد قصيدة من قصائد التفعيلة هو بدوي فقال لي: هذا شعر؟ قلت له: نعم، فأنشد بيتاً للبرعي –شاعر عربي قديم-
وكم من سمىَّ ليس مثل سميه
صفاتاً ويُدعى باسمه فيجيب
يعني مسخرة عند الجمهور الكبير، مسخرة عندهم.
محمد كريشان:
التفاعلات التي تابعت بها الساحة الموريتانية الأوضاع العربية، يعني سواءً بعد الـ 1967م أو 1973م أو غيرها من الأحداث العربية الكبرى سياسياً، كيف انعكست على الشعر الموريتاني؟ هل ظل الشعر الموريتاني يتغنى بالأنماط التقليدية ولم يتفاعل مع الأحداث على الساحة العربية؟ مدى التفاعل الذي كان في الساحة؟
أحمد بن عبد القادر:
الشعر الموريتاني في الستينيات والسبعينات وحتى الثمانينات في أغلبه كان شعر القضايا العربية، أو القضايا المحلية الاجتماعية والسياسية، ولكن كانت قضية فلسطين لها الصوت الأعلى في القضايا، كانت القضايا العربية عندما كان للعرب قضايا.
محمد كريشان:
يعني ما الذي بقى في الذاكرة من بين هذه القصائد التي ربما كانت لها مكانة متميزة في الأحداث السابقة يعني؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا مثلاً كتبت ديوان كبير عن القضية الفلسطينية وغيري من الشعراء زملائي كتبوا.
محمد كريشان:
هل تذكر منه شيئاً؟
أحمد بن عبد القادر:
لا أذكر قصيدة بذاتها ولكن مثلاً: في السبعينات عندي قصيدة عمودي بعنوان (نشيدي نشيد الرعد) أو نشيد فلسطين على لسانها يقول الشاعر:
سأجمع أشلائي بخيط من اللظى
وأزرع في حقل الجحيم رمادي
وأمضي.. وأمضي واليتامى فوارسي
وحمحمة الأقدار بين جيادي
ليخضر وجه البدر في صحن دره
على نغم الزيتون عبر جهادي
إلى آخره.
محمد كريشان:
هل صحيح أنه يكاد لا يوجد أي بيت موريتاني إلا وفيه شاعر؟ إذا اعتبرنا المليون شاعر مبالغة، هل هذه أيضاً يمكن أن توصف بالمبالغة؟
أحمد بن عبد القادر:
رجعتم بنا إلى نفس الغرض.
محمد كريشان:
نعم


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 16 ( الأعضاء 0 والزوار 16)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 02:23 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.